(وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٦١).
في كتاب الخصال (١) : عن زرارة قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : بني الإسلام على عشرة أسهم : على شهادة أن لا إله إلّا الله ، وهي الملّة والصلاة (٢) وهي الفريضة. (الحديث)
وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن أبي عبد الرّحمن ، عن أبي كلدة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل. يقول فيه ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقد ذكر إبراهيم ـ عليه السّلام ـ : دينه ديني وديني دينه ، وسنّته سنّتي وسنّتي سنّته ، وفضلي فضله وأنا أفضل منه.
وعن زرارة (٤) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : ما أبقت الحنيفية (٥) شيئا ، حتّى أنّ منها قصّ الأظفار والأخذ من الشّارب والختان.
وعن جابر الجعفيّ (٦) ، عن محمّد بن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال : ما من أحد من هذه الامّة (٧) يدين بدين إبراهيم ـ عليه السّلام ـ غيرنا ، وغير (٨) شيعتنا.
وعن طلحة بن زيد (٩) ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الله بعث خليله بالحنيفية (١٠) وأمره بأخذ الشّارب ، وقصّ الأظفار ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، والختان.
وعن (١١) عمر بن أبي تميم قال : سمعت عليّ بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ يقول :
ما من (١٢) أحد على ملّة إبراهيم إلّا نحن وشيعتنا ، وسائر النّاس منها براء.
(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) : عبادتي كلّها ، أو قرباني ، أو حجّي.
__________________
(١) الخصال / ٤٤٧ ، صدر ح ٤٧.
(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الصلة.
(٣) تفسير العياشي ١ / ١٦٩ ، ضمن ح ٣٣.
(٤) تفسير العياشي ١ / ٣٨٨ ح ١٤٣.
(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الحنفيّة.
(٦) تفسير العياشي ١ / ٣٨٨ ح ١٤٤.
(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الآية.
(٨) ليس في المصدر.
(٩) تفسير العيّاشي ١ / ٣٨٨ ، ح ١٤٥.
(١٠) كذا في المصدر ، وفي النسخ : بالحنفيّة.
(١١) تفسير العيّاشي ١ / ٣٨٨ ، ح ١٤٦.
(١٢) ليس في المصدر.
(وَمَحْيايَ وَمَماتِي) : وما أنا عليه في حياتي وأموت عليه من الإيمان والطّاعة. أو طاعات الحياة وخيرات الممات ، كالوصيّة والتّدبير. أو الحياة والممات أنفسهما.
وقرأ (١) نافع : «محياي» بإسكان الياء ، إجراء للوصل مجرى الوقف.
(لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٦٢) : خالصة.
(لا شَرِيكَ لَهُ) : لا أشرك فيها غيره.
(وَبِذلِكَ) ، أي : القول ، أو الإخلاص ، أو الأعمّ.
(أُمِرْتُ) : من الله.
(وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (١٦٣).
قيل (٢) : لأنّ إسلام كلّ نبيّ متقدّم على إسلام أمّته.
وقيل (٣) : بل لأنّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ أوّل من أجاب في الميثاق في عالم الذّرّ ، كما ورد عنهم ـ عليهم السّلام ـ.
فإسلامه متقدّم على إسلام الخلائق كلّهم.
ويمكن إرجاع القولين إلى شيء واحد ، إذ قال القائل الأوّل : بأنّ الأنبياء السّابق من أمّته ـ أيضا ـ ، كما ورد ذلك في بعض الأخبار.
(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) : فأشركه في عبادتي. وهو جواب عن دعائهم له إلى عبادة آلهتهم.
(وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) : حال في موضع العلّة للإنكار والدّليل له ، إذ كلّ ما سواه مربوب مثلي لا يصحّ للرّبوبيّة.
(وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) : جزاء عمل من طاعة أو معصية.
(إِلَّا عَلَيْها) : فعليها عقاب معصيتها ولها ثواب طاعتها.
(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) : لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى. جواب عن قولهم : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ).
في كتاب الخصال (٤) : عن الأعمش ، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ قال :
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٠.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٠.
(٣) تفسير الصافي ٢ / ١٧٧.
(٤) الخصال / ٦٠٨.
هذه شرائع الدّين ـ إلى أن قال ـ : ولا يأخذ الله ـ عزّ وجلّ ـ البريء بالسّقيم ، ولا يعذّب الله ـ عزّ وجلّ ـ الأطفال بذنوب الآباء. فإنّه (١) قال في محكم كتابه : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).
وفي مجمع البيان (٢) : روى عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : لا تجن (٣) يمينك على شمالك.
وفي عيون الأخبار (٤) : حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن عبد السّلام بن صالح الهرويّ قال : قلت لأبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : يا ابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين ـ عليه السّلام ـ بفعال آبائهم (٥)؟
فقال ـ عليه السّلام ـ : هو كذلك.
فقلت : قول الله ـ تعالى ـ : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ما معناه؟
قال : صدق الله في جميع أقواله ، ولكن ذراري قتلة الحسين ـ عليه السّلام ـ يرضون بفعال (٦) آبائهم ويفتخرون بها. ومن رضي شيئا ، كان كمن أتاه. ولو أن رجلا قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل في المغرب ، لكان الرّاضي عند الله ـ عزّ وجلّ ـ شريك القاتل.
وإنّما يقتلهم القائم ـ عليه السّلام ـ إذا خرج ، لرضاهم بفعل آبائهم.
وفيه (٧) ، وفي باب ما كتبه الرّضا ـ عليه السّلام ـ للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدّين : ولا يأخذ الله ـ تعالى ـ البريء بالسّقيم ، ولا يعذّب الله ـ تعالى ـ الأطفال بذنوب الآباء (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).
وفي كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ (٨) ، بإسناده إلى الباقر ـ عليه السّلام ـ حديث
__________________
(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : لأنّه.
(٢) المجمع ٣ / ٤٠٤.
(٣) المصدر : تحنّ.
(٤) العيون ١ / ٢٧٣ ، ح ٥.
(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : آبائها.
(٦) نسخة من المصدر : أفعال.
(٧) العيون ٢ / ١٢٥.
(٨) الإحتجاج ٢ / ٤١.
طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : إنّ عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ لمّا حدّث بهذا الحديث قال له بعض من في مجلسه : يا ابن رسول الله ، كيف يعاتب (١) الله ويوبّخ هؤلاء الأخلاف على قبائح أتاها أسلافهم وهو يقول : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)؟
فقال زين العابدين ـ عليه السّلام ـ : إنّ القرآن نزل بلغة العرب ، فهو يخاطب فيه أهل اللّسان بلغتهم. يقول الرّجل لتميميّ (٢) قد أغار قومه على بلد وقتلوا من فيه : أغرتم على بلد كذا ، أو فعلتم كذا. ويقول العربيّ : ونحن فعلنا ببني فلان ، ونحن سبينا آل فلان ، ونحن خرّبنا بلد كذا. لا يريد أنّهم باشروا ذلك ، ولكن يريد هؤلاء بالعذل وأولئك بالافتخار (٣) أنّ قومهم فعلوا كذا. وقول الله ـ عزّ وجلّ ـ في هذه الآيات إنّما هو توبيخ لأسلافهم وتوبيخ العذل على هؤلاء الموجودين. لأنّ (٤) ذلك هو اللّغة الّتي نزل بها القرآن ، ولأنّ (٥) هؤلاء الأخلاف [أيضا] (٦) راضون بما فعل أسلافهم مصوّبون ذلك (٧) لهم.
فجاز أن يقال أنتم : فعلتم [أي] (٨) : إذا رضيتم قبيح فعلهم.
(ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) : يوم القيامة.
(فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (١٦٤) : فيبيّن الرّشد من الغّي ، ويميّز المحقّ من المبطل.
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) : يخلف بعضكم بعضا. أو خلفاء الله في أرضه تتصرفّون فيها ، على أنّ الخطاب عامّ. أو خلفاء الأمم السّابقة ، على أنّ الخطاب للمؤمنين.
(وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) : في الشّرف والغنى.
(لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) : من الجاه والمال كيف تشكرون نعمه.
(إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) : لأنّ ما هو آت قريب. ولأنّه يسرع إذا أراده.
__________________
(١) كذا في «ر» ، وفي سائر النسخ : يعاقب.
(٢) المصدر : التميميّ.
(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : بالامتحان.
(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فإنّ.
(٥) المصدر : الآن.
(٦) من المصدر.
(٧) ليس في المصدر.
(٨) من المصدر.
(وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٦٥).
وصف العقاب ، ولم يضفه إلى نفسه. ووصف ذاته بالمغفرة ، وضمّ إليه الوصف بالرّحمة. وأتى ببناء المبالغة واللام المؤكّدة ، تنبيها على أنّه ـ تعالى ـ غفور بالذّات ، معاقب بالعرض ، كثير الرّحمة مبالغ فيها ، قليل العقوبة مسامح فيها.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) قال : في القدر والمال. «ليبلوكم» ، أي : يختبركم. (فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
__________________
(١) تفسير القمّي ١ / ٢٢٢.