تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٥

قال : ثلاثة مجالس يمقتها الله ويرسل نقمته على أهلها ، فلا تقاعدوهم ولا تجالسوهم :

مجلسا فيه من يصف لسانه كذبا في فتياه ، ومجلسا ذكر أعدائنا فيه جديد وذكرنا فيه رثّ ، ومجلسا فيه من يصدّ عنّا وأنت تعلم.

قال : ثمّ تلا أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ ثلاث آيات من كتاب الله كأنّما كنّ [في] (١) فيه ، أو قال [في] (٢) كفّه : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ). (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) (٣). (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) (٤).

محمّد بن يحيى (٥) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السّجستانيّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : في التّوراة مكتوب فيما ناجى الله ـ عزّ وجلّ ـ به موسى بن عمران ـ عليه السّلام ـ : يا موسى ، أكتم مكتوم سري في سريرتك ، وأظهر في علانيتك المداراة عنّي (٦) لعدوّي وعدوّك من خلقي ، ولا تستسبّ (٧) لي عندهم بإظهار مكتوم سرّي فتشرك عدوّي وعدوّك في سبّي.

وفي تفسير العيّاشي (٨) : عن عمر الطّيالسي ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال :

سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ).

قال : فقال : يا عمر ، أرأيت (٩) أحدا يسبّ الله؟

قال : فقلت : جعلني الله فداك ، فكيف؟

قال : من سبّ ولي الله ، فقد سبّ الله.

__________________

(١) من المصدر و «ج» و «ر»

(٢) من المصدر.

(٣) الأنعام : ٦٨.

(٤) النحل : ١١٦.

(٥) الكافي ٢ / ١١٧ ، ح ٣.

(٦) كذا في المصدر ، وفي النسخ : أعني.

(٧) «ج» تسبّب ، و «ب» : تسنب.

(٨) تفسير العياشي ١ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤ ، ح ٨٠.

(٩) المصدر : هل رأيت.

٤٢١

وفي الاعتقادات (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه قيل له : إنّا (٢) نرى في المسجد رجلا يعلن يسبّ أعدائكم ويسبهم (٣).

فقال : ما له ، لعنه الله ، تعرّض بنا. قال الله ـ تعالى ـ : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ) (الآية).

قال : وقال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في تفسير هذه الآية : لا تسبّوهم ، فإنّهم يسبّون عليكم.

وقال : من سبّ ولي الله ، فقد سبّ الله.

وقال : النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ : من سبّك ، فقد سبّني.

ومن سبّني ، فقد سبّ الله. ومن سبّ الله ، فقد كبّه الله على منخريه في نار جهنّم.

وفي روضة الكافي (٤) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل.

يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : وإيّاكم وسبّ أعداء الله حيث يسمعونكم (فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : حدّثني أبي ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : [إنّه] (٦) سئل عن قول النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الشّرك أخفى من دبيب النّمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء.

فقال : كان المؤمنون (٧) يسبّون ما يعبد المشركون من دون الله ، وكان (٨) المشركون يسبّون ما يعبد المؤمنون. فنهى الله عن سب آلهتهم ، لكي لا يسبّ (٩) الكفّار إله المؤمنين فيكون (١٠) المؤمنون قد أشركوا بالله من حيث لا يعلمون. فقال : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ).

__________________

(١) تفسير الصافي ٢ / ١٤٧ ـ ١٤٨ ، عنه.

(٢) كذا في المصدر و «ج» و «ر» ، وفي سائر النسخ. أما.

(٣) كذا في المصدر و «ج» و «ر» : يبهم.

(٤) الكافي ٨ / ٧ ، ضمن ح ١.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٢١٣.

(٦) من المصدر.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : للمؤمنين.

(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فكانوا.

(٩) كذا في المصدر ، وفي النسخ : لا يسبّوا.

(١٠) المصدر : فيكونوا.

٤٢٢

وفي عيون الأخبار (١) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من الأخبار المتفرّقة. حديث طويل. وفي آخره قال ـ عليه السّلام ـ : إنّ مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام : أحدها الغلوّ ، وثانيها التّقصير [في أمرنا] (٢) ، وثالثها التّصريح بمثالب أعدائنا. فإذا سمع النّاس الغلوّ [فينا] (٣) ، كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا. وإذا سمعوا التّقصير ، اعتقدوه فينا. وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ، سبّونا (٤) بأسمائنا. وقد قال الله ـ تعالى ـ : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ).

(كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) : من الخير والشّرّ بإحداث ما يمكنهم منه ويحملهم عليه ، توفيقا وتخذيلا.

قيل (٥) : ويجوز تخصيص العمل بالشّر. و «كلّ أمّة» بالكفرة ، لأنّ الكلام فيهم.

والمشبّه به تزيين سبّ الله لهم.

(ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٠٨) : بالمحاسبة والمجازاة عليه.

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) : مصدر في موقع الحال. والدّاعي لهم إلى هذا القسم والتّأكيد فيه ، التّحكم على رسول الله في طلب الآيات واستحقار ما رأوا منها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) ، يعني : قريشا.

(لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ) : من مقترحاتهم.

(لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) : هو قادر عليها يظهر منها ما يشاء ، وليس شيء منها بقدرتي وإرادتي.

(وَما يُشْعِرُكُمْ) : ما يدريكم. استفهام إنكار.

(أَنَّها) : الآية المقترحة.

__________________

(١) العيون ١ / ٣٠٤ ، ذيل ح ٦٣.

(٢) من المصدر.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : ثلبونا.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٦.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٢١٣.

٤٢٣

(إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠٩) ، أي : لا تدرون أنّهم لا يؤمنون. وأنا أعلم أنّها إذا جاءت ، لا يؤمنون بها. أنكر السّبب ، مبالغة في المسبّب.

قيل (١) : وذلك أنّ المؤمنين كانوا يطمعون في إيمانهم عند مجيء الآية ويتمنّون مجيئها ، فأخبرهم الله ـ سبحانه ـ أنّهم ما يدرون ما سبق علمه (٢) به من أنّهم لا يؤمنون.

وقيل (٣) : «لا» مزيدة.

وقيل (٤) : «إنّ» بمعنى : لعلّ. إذ قرئ : لعلّها.

وقرأ (٥) ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب : «إنّها» بالكسر. كأنه (٦) قال : وما يشعركم ما يكون (٧) منهم. ثمّ أخبرهم بما علم منهم.

وقرأ (٨) ابن عامر وحمزة : «لا تؤمنون» بالتّاء ، على أنّ الخطاب للمشركين.

وقرئ (٩) : «وما يشعرهم أنّها إذا جاءتهم» فيكون إنكارا لهم على حلفهم ، أي :

وما يشعرهم أنّ قلوبهم حينئذ لم تكن مطبوعة ، كما كانت عند نزول القرآن وغيره من الآيات ، فيؤمنون بها.

(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) قيل (١٠) : عطف على «لا يؤمنون» ، أي : وما يشعركم إنّا حينئذ نقلّب أفئدتهم عن الحقّ فلا يفقهونه ، وأبصارهم فلا يبصرونه فلا يؤمنون بها.

(كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ) : بما أنزل من الآيات (أَوَّلَ مَرَّةٍ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١١) ، يعني : في الذّرّ والميثاق.

(وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١١٠) : وندعهم متحيّرين ، لا نهديهم هداية

__________________

(١) تفسير الصافي ٢ / ١٤٨.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : في علمه.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٦.

(٤) نفس المصدر ، والموضع.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٦.

(٦) يوجد في «ج» و «ر».

(٧) يوجد في «ج» و «ر».

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٦.

(٩) نفس المصدر ، والموضع.

(١٠) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٦.

(١١) تفسير القمي ١ / ٢١٣.

٤٢٤

المؤمنين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية يقول : ننكّس قلوبهم ، فيكون أسفل قلوبهم أعلاها. ونعمي أبصارهم ، فلا يبصرون الهدى (٢).

وقال عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ : إنّ أوّل ما يقلبون (٣) عليه من الجهاد [الجهاد] (٤) بأيديكم ، ثمّ الجهاد بألسنتكم ، ثمّ الجهاد بقلوبكم. فمن لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر منكرا ، نكس قلبه فجعل أسفله أعلاه فلا (٥) يقبل خيرا أبدا.

وقرئ : «ويقلّب» و «يذرهم» على الغيبة ، و «تقلّب» على البناء للمفعول ، والإسناد إلى الأفئدة.

(وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً) ، كما اقترحوه ، فقالوا (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) (٦). (فَأْتُوا بِآبائِنا) (٧). (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) (٨).

و «قبلا» جمع ، قبيل ، بمعنى : كفيل ، أي : كفلاء بما بشّروا به وأنذروا. أو جمع ، قبيل ، الّذي هو جمع ، قبيلة ، بمعنى : جماعات. أو مصدر ، بمعنى : مقابلة ، كقبلا.

وهو قراءة (٩) نافع وابن عامر ، أي : عيانا. وهو على الوجوه حال من «كلّ». وإنّما جاز ذلك لعمومه.

(ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) : إخبار بعدم إيمانهم ، لعلمه ـ تعالى ـ بعدم إيمانهم ، وهو لا يوجب امتناع إيمانهم.

(إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) :

إيمانهم مشيئة حتم ، ويجبرهم على الإيمان.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢١٣.

(٢) المصدر : بالهدى.

(٣) نسخة من المصدر : يغلبون.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر ، والنسخ : وجعل أعلاه أسفله فلم.

(٦) الفرقان : ٢١.

(٧) الدخان : ٣٦ والجاثية : ٢٥.

(٨) الاسراء : ٩٢.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٧.

٤٢٥

وفي مجمع البيان (١) : أنّه المرويّ عن أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ.

وهو استثناء من أعمّ الأحوال.

وقيل (٢) : منقطع.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) (١١١) : أنّهم لو أتوا بكلّ آية لم يؤمنوا ، فيقسمون بالله جهد أيمانهم على ما لا يشعرون. ولذلك أسند الجهل إلى أكثرهم ، مع أنّ مطلق الجهل يعمّهم. أو لكنّ أكثر المسلمين يجهلون أنّهم لا يؤمنون ، فيتمنّون نزول الآية طمعا في إيمانهم.

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) ، أي : كما جعلنا لك عدوّا ، جعلنا لكلّ نبيّ سبقك عدوّا ، بمعنى : التّخلية بينهم وبين أعدائهم للامتحان.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : حدّثني أبي ، عن الحسين بن سعيد ، عن [عليّ بن أبي حمزة] (٤) عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ما بعث الله نبيّا ، إلّا وفي أمّته شيطانان يؤذيانه ويضلان النّاس بعده. فأمّا صاحبا نوح فقنطيقوس (٥) وخزامة (٦) ، وأمّا صاحبا إبراهيم فمكثل ورزام ، وأمّا صاحبا موسى فالسّامريّ ومر عقيبا ، وأمّا صاحبا عيسى فبولس ومرسون (٧) ، وأمّا صاحبا محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ فحبتر (٨) وزريق.

بتقديم الزّاء على الرّاء ، مصغر أزرق. و «الحبتر» بالمهملة ثمّ الموحدة ثمّ المثنّاة من فوق ثمّ الرّاء ، على وزن جعفر ، الثّعلب. وإنّما كنّى عنهما بهما ، لزرقة عين أحدهما وتشبّه الآخر بالثّعلب في الحيلة.

وفي تفسير فرات (٩) بن إبراهيم الكوفيّ : [فرات] (١٠) قال : حدّثني الحسين بن الحكم

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٣٥١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٧.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢١٤.

(٤) المصدر : بعض رجاله.

(٥) المصدر : فغنطيغوص.

(٦) المصدر : خرام.

(٧) المصدر : مريتون.

(٨) كذا في المصدر ، والنسخ : فجتر.

(٩) تفسير فرات / ٤٢.

(١٠) يوجد في المصدر و «ج» و «ر».

٤٢٦

معنعنا ، عن ابن عبّاس [ـ رضي الله عنه ـ في قوله ـ تعالى ـ في كتابه] (١) : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).

قال : نزلت الآية (٢) في عليّ بن أبي طالب وحمزة وزيد. وفي قوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) نزلت في النّبيّ وأبي جهل.

(شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) : مردة الفريقين.

وهو بدل من «عدوّا». أو أوّل مفعولي «جعلنا» ، و «عدوّا» مفعوله الثّاني.

و «لكلّ» متعلّق به ، أو حال منه.

(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) : يوسوس شياطين الجنّ إلى شياطين الإنس. أو بعض الجنّ إلى بعض ، وبعض الإنس إلى بعض.

(زُخْرُفَ الْقَوْلِ) : الأباطيل المموّهة. من زخرفه : إذا زيّنه.

(غُرُوراً) : مفعول له. أو مصدر في موضع (٣) الحال.

وفي روضة الكافي (٤) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل.

يقول فيه ـ عليه السّلام ـ فإنّ من لم يجعله (٥) الله من أهل صفة الحقّ ، فأولئك هم شياطين الإنس والجن.

وفي كتاب الخصال (٦) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : الإنس على ثلاثة أجزاء : فجزء تحت ظلّ العرش يوم لا ظل إلّا ظله ، وجزء عليهم الحساب والعذاب ، وجزء وجوههم وجوه الآدميّين وقلوبهم قلوب الشّياطين.

وفي كتاب الاحتجاج (٧) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ ، بإسناده إلى الباقر ـ عليه السّلام ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل. وفيه خطبة الغدير. وفيها : ألا إنّ أعداء

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) «ج» : موقع.

(٤) الكافي ٨ / ١١ ، ضمن ح ١.

(٥) المصدر : لم يجعل.

(٦) الخصال / ١٥٤ ، ذيل ح ١٩٢.

(٧) الاحتجاج ١ / ٧٩.

٤٢٧

عليّ هم [أهل] (١) الشّقاق [والنفاق ، والحادون و] (٢) هم العادون وإخوان الشّياطين الّذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.

وفي مجمع البيان (٣) : وروي عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : إنّ الشّياطين يأتي (٤) بعضهم بعضا ، فيلقي إليه ما يغوي به الخلق حتّى يتعلّم بعضهم من بعض.

(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) : إيمانهم.

(ما فَعَلُوهُ) ، أي : ما فعلوا ذلك ، يعني : معاداة الأنبياء وإيحاء الزّخارف.

ويجوز أن يكون الضّمير للإيخاء ، أو الزّخرف ، أو الغرور.

وفي كتاب الخصال (٥) ، مرفوعا إلى علي ـ عليه السّلام ـ قال : الأعمال على ثلاثة أحوال : فرائض وفضائل ومعاصي ـ إلى قوله عليه السّلام ـ : وأمّا المعاصي فليست بأمر الله ، ولكن بقضاء الله وبقدره (٦) وبمشيئته وعلمه ، ثمّ يعاقب عليها.

(فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) (١١٢) : من كفرهم.

(وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) قيل (٧) : عطف على «غرورا» إن جعل علّة. أو متعلّق بمحذوف ، أي : وليكون ذلك جعلنا لكلّ نبيّ عدوا.

والأظهر أنّ «اللام» لام العاقبة ، أو لام القسم كسرت لمّا لم يؤكد الفعل بالنّون ، أو لام الأمر.

والصّغو : الميل. والضّمير لماله الضّمير في «فعلوه».

(وَلِيَرْضَوْهُ) : لأنفسهم.

(وَلِيَقْتَرِفُوا) : وليكتسبوا.

(ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (١١٣) : من الآثام.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) من المصدر.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٣٥٢.

(٤) المصدر و «ج» : يلقي.

(٥) الخصال / ١٦٨ ، ح ٢٢١ مسندا.

(٦) المصدر : بقدر الله.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٧.

٤٢٨

(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً) : على إرادة القول ، أي : قل لهم يا محمّد : أفغير الله أطلب من يحكم بيني وبينكم ، ويفصل (١) وبينهم ونفصل المحقّ منّا من المبطل.

و «غير» مفعول «أبتغي» ، و «حكما» حال منه ويحتمل عكسه. و «حكما» أبلغ من «حاكم» ، ولذلك لا يوصف به غير العادل.

(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ) : القرآن المعجز.

(مُفَصَّلاً) : مبيّنا فيه الحقّ والباطل ، بحيث ينفي التّخليط والالتباس.

وفيه تنبيه على أنّ القرآن بإعجازه وتقريره مغن عن سائر الآيات.

(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) : تأكيد لدلالة الإعجاز على أنّ القرآن حقّ منزّل من عند الله ـ تعالى ـ يعلم أهل الكتاب به لتصديقه ما عندهم ، مع أنّه ـ عليه السّلام ـ لم يمارس كتبهم ولم يخالط علماءهم. وإنّما وصف جميعهم بالعلم ، لأنّ أكثرهم يعلمونه. ومن لم يعلم ، فهو متمكّن منه بأدنى تأمّل.

وقيل (٢) : المراد ، مؤمنو أهل الكتاب.

وقرأ (٣) ابن عامر وحفص [عن عاصم] (٤) : «منزّل» بالتشديد (٥).

(فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (١١٤) : في أنّهم يعلمون ذلك. أو في أنّه منزّل بجحود أكثرهم وكفرهم به. فيكون من باب التّهييج ، كقوله : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، ومن قبيل : إيّاك أعني واسمعي يا جارة. أو خطاب الرّسول كخطاب الأمّة.

وقيل (٦) : الخطاب لكلّ أحد ، على معنى : أنّ الأدلّة لمّا تعاضدت على صحّته ، فلا ينبغي لأحد أن يمتري فيه.

(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) : بلغت الغاية أخباره وأحكامه ومواعيده.

__________________

(١) كذا في «ج» و «ر» ، وفي سائر النسخ : وبينهم ونفصل.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٨.

(٣) نفس المصدر ، والموضع.

(٤) من المصدر.

(٥) لا يخفى أنّ منزّل بالتشديد يوجد في متن القرآن وعلى هذا فلا داعي لذكره.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٨.

٤٢٩

(صِدْقاً) : في الأخبار والمواعيد.

(وَعَدْلاً) : في الأقضية والأحكام. ونصبهما يحتمل التّمييز والحال والمفعول له.

(لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) : لا أحد يبدّل شيئا منها بما هو أصدق أو أعدل ، ولا أحد يقدر أن يحرّفها تحريفا شائعا ذائعا ، كما فعل بالتّوراة. على أنّ المراد بها القرآن ، فيكون ضمانا من الله بالحفظ ، كقوله : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ). أو لا نبيّ ولا كتاب بعدها ينسخها ويبدّل أحكامها.

وقرأ (١) الكوفيّون ويعقوب : «كلمة ربّك» ، أي : ما تكلم به ، أو القرآن.

(وَهُوَ السَّمِيعُ) : لما يقولون.

(الْعَلِيمُ) (١١٥) : بما يضمرون ، فلا يهملهم.

وفي أصول الكافي (٢) : عليّ بن محمّد ، عن عبد الله بن إسحاق العلوي ، عن محمّد بن زيد الرّزامي (٣) ، عن محمّد بن سليمان الدّيلميّ ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يذكر فيه ـ عليه السّلام ـ مواليد الأئمة ومبدأ النّطفة الّتي يكونون منها وأحوالهم. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : و (٤) إنّ نطفة الإمام ممّا أخبرتك. وإذا سكنت النّطفة في الرّحم أربعة أشهر وأنشئ فيها الرّوح ، بعث الله ـ تبارك وتعالى ـ ملكا يقال له : حيوان ، فكتب على عضده الأيمن : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

محمّد بن يحيى (٥) ، عن محمّد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان (٦) عن عبد الله بن القاسم ، عن الحسن بن راشد قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ إذا أحبّ أن يخلق الإمام ، أمر ملكا فأخذ شربة من ماء تحت العرش فيسقيها أباه ، فمن ذلك يخلق الإمام. فيمكث أربعين يوما وليلة في بطن أمّه لا يسمع

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٨.

(٢) الكافي ١ / ٣٨٦ ، ضمن ح ١.

(٣) كما في جامع الرواة ٢ / ١١٥ ، وفي «ر» : الرزاحي.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) الكافي ١ / ٣٨٧ ح ٢.

(٦) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ٢ / ٢٧٧ ، وفي النسخ : سعد.

٤٣٠

الصّوت ، ثمّ يسمع بعد ذلك الكلام. فإذا ولد ، بعث ذلك الملك فيكتب بين عينيه :

(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). فإذا مضى الإمام الّذي كان قبله ، رفع لهذا منار من نور ينظر به إلى أعمال الخلائق. فبهذا يحتجّ الله على خلقه.

محمّد بن يحيى (١) ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن حديد ، عن منصور بن يونس ، عن يونس بن ظبيان قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إن الله ـ عزّ وجلّ ـ إذا أراد أن يخلق الإمام من الإمام بعث ملكا ، فأخذ شربة ماء من تحت العرش ثمّ أوقعها (٢) أو دفعها إلى الإمام فشربها. فتمكث (٣) في الرّحم أربعين يوما لا يسمع الكلام ، ثمّ يسمع الكلام بعد ذلك. فإذا وضعته أمّه ، بعث [الله] (٤) إليه ذلك الملك الّذي أخذ الشّربة فكتب على عضده الأيمن : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). فإذا قام بهذا الأمر ، رفع الله [له] (٥) في كلّ بلدة منارا ينظر به إلى العباد.

عدّة من أصحابنا (٦) ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن الرّبيع بن محمّد المسلمي (٧) ، عن محمّد بن مروان قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ الإمام يسمع (٨) في بطن أمّه. فإذا ولد ، خطّ بين كتفيه (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). فإذا صار الأمر إليه ، جعل الله له عمودا من نور يبصر به ما يعمل أهل كلّ بلدة.

ويمكن حمل الأخبار على تعدّد الكتب ، وعلى عدم التّعيّن بوقت وموضع.

وفي روضة الكافي (٩) : عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ ، عن

__________________

(١) الكافي ١ / ٣٨٧ ، ح ٣.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : أوقفها.

(٣) المصدر : فيمكث.

(٤) من المصدر.

(٥) من المصدر.

(٦) كما في المصدر و «ج» ، وجامع الرواة ١ / ٣١٧ ،

(٧) وفي سائر النسخ : المسلمي.

(٨) المصدر : ليسمع.

(٩) الكافي ٨ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ح ٢٤٩.

٤٣١

أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن محمّد بن مروان قال : تلا (١) أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ :

«وتمّت كلمة ربّك الحسنى صدقا وعدلا».

فقلت : جعلت فداك ، إنا نقرأها : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً).

فقال : إنّ فيها «الحسنى».

(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) ، أي : أكثر النّاس. يريد الكفّار ، أو الجهال ، أو أتباع الهوى.

وقيل (٢) : الأرض ، مكّة.

(يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : عن الطّريق الموصل إليه. لأنّ الضّالّ في غالب الأمر لا يأمر إلّا بما فيه ضلال.

وفي أصول الكافي (٣) : [أبو عبد الله الاشعري عن] (٤) بعض أصحابنا رفعه ، عن هشام بن الحكم قال : قال [لي] (٥) موسى بن جعفر أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : يا هشام ، ثمّ ذمّ الكثرة فقال : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).

(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) : وهو ظنّهم أنّ آباءهم كانوا على الحقّ ، أو جهالاتهم وآراؤهم الفاسدة. فإنّ الظّنّ يطلق على ما يقابل العلم.

(وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (١١٦) : يكذبون على الله فيما ينسبون إليه ، كاتّخاذ الولد ، وجعل عبادة الأوثان وسيلة إليه ، وتحليل الميتة ، وتحريم البحائر. أو يقدّرون أنّهم على شيء ، وحقيقته ما يقال عن ظنّ وتخمين.

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١١٧) ، أي :

أعلم بالفريقين.

و «من» موصولة ، أو موصوفة ، في محلّ النّصب بفعل دلّ عليه «أعلم» لا به. فإنّ «أفعل» لا ينصب الظّاهر في مثل ذلك. أو استفهامية مرفوعة بالابتداء ، والخبر يضلّ.

__________________

(١) كذا في المصدر و «ج» ، وفي سائر النسخ : قال.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٨.

(٣) الكافي ١ / ١٥.

(٤) من المصدر.

(٥) من المصدر.

٤٣٢

والجملة معلّق عنها الفعل المقدّر.

وقرئ (١) : «من يضلّه» ، أي : يضلّه الله. فيكون «من» منصوبة ـ أيضا ـ بالفعل المقدّر ، أو مجرورة بإضافة «أعلم» إليه ، أي : اعلم المضلّين. من قوله : «من يضلل الله».

أو من أضللته : إذا وجدته ضالّا. والتّفضيل في العلم بكثرته وإحاطته بالوجوه الّتي يمكن تعلّق العلم بها ولزومه ، وكونه بالذّات لا بالغير.

(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) : مسبّب عن إنكار اتّباع المضلّين الّذين يحرّمون الحلال (٢) ويحلّون الحرام.

والمعنى : كلوا ممّا ذكر اسم الله على ذبحه ، لا ممّا ذكر عليه اسم غيره أو مات حتف أنفه.

(إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) (١١٨) : فإنّ الإيمان بها يقتضي استباحة ما أحلّ الله واجتناب ما حرّمه.

(وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) : وأيّ غرض لكم في أن تتحرّجوا عن أكله ، وما يمنعكم عنه؟

(وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) : ممّا لم يحرم بقوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ).

وقرأ (٣) ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : «فصّل» على البناء للمفعول ، ونافع ويعقوب وحفص : على البناء للفاعل.

(إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) : ممّا حرّم عليكم. فإنّه ـ أيضا ـ حلال حال الضّرورة.

(وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ) : بتحليل الحرام وتحريم الحلال.

وقرأه (٤) الكوفيّون ، بضمّ الياء. والباقون ، بالفتح.

(بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) : بتشهّيهم من غير تعلّق بدليل يفيد العلم.

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (١١٩) : المتجاوزين الحقّ إلى الباطل ، والحلال إلى الحرام.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٨.

(٢) يوجد في «ج».

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٨.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٩.

٤٣٣

(وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) : ما يعلن وما يسرّ. أو ما بالجوارح وما بالقلب.

وقيل (١) : الزّنا في الحوانيت ، واتخاذ الأخدان.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : الظّاهر من الإثم ، المعاصي. والباطن ، الشّرك والشّك في القلب.

وفي روضة الكافي (٣) ، رسالة طويلة لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ. يقول ـ عليه السّلام ـ فيها : واعلموا أنّ الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين ، إلّا ذكره بخير. فأعطوا الله (٤) من أنفسكم الاجتهاد في طاعته. فإنّ الله لا يدرك شيء من الخير عنده ، إلّا بطاعته واجتناب محارمه الّتي حرّم الله في ظاهر القرآن وباطنه. فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ قال في كتابه وقوله الحقّ : (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ).

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ) (١٢٠) : يكسبون.

(وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ)

في من لا يحضره الفقيه (٥) : روى أبو بكر الحضرميّ ، عن الورد (٦) بن زيد قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : حدّثني حديثا وأمله عليّ حتّى أكتبه.

قال (٧) : أين حفظكم ، يا أهل الكوفة؟

قلت : حتّى لا يردّه عليّ أحد. ما تقول في مجوسي قال : بسم الله وذبح؟

فقال : كل.

فقلت : مسلم ذبح ولم يسمّ؟

فقال : لا تأكل. إنّ الله يقول : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ). ويقول :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٩.

(٢) تفسير القمي ١ / ٢١٥.

(٣) الكافي ٨ / ٧.

(٤) كذا في المصدر ، «ج» و «ر» ، وفي سائر النسخ : لله.

(٥) الفقيه ٣ / ٢١٠ ح ٩٧٣.

(٦) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ٢ / ٢٩٩ ، وفي النسخ : المورد.

(٧) المصدر : فقال.

٤٣٤

(وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ).

قال : [من ذبائح] (٢) اليهود والنّصارى ، وما يذبح على [غير] (٣) الإسلام.

وفيه (٤) ـ أيضا ـ : وقوله : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ).

قال : طعامهم هاهنا الحبوب والفاكهة ، غير الذّبائح التي يذبحونها. فإنّهم لا يذكرون اسم الله [عليها خالصا] (٥) على ذبائحهم.

وفي الكافي (٦) : عليّ بن إبراهيم ، [عن أبيه] (٧) عن حنان بن سدير قال : دخلنا على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنا وأبي فقلنا له : فديناك (٨) : إنّ لنا خلطاء من النّصارى ، وإنا نأتيهم فيذبحون [لنا] (٩) الدّجاج والفراخ والجداء. [أ] (١٠) فنأكلها؟

قال : فقال : لا (١١) تأكلوها ولا تقربوها. فإنّهم يقولون على ذبائحهم ما لا أحبّ لكم أكلها.

قال : فلمّا قدمنا (١٢) الكوفة دعانا بعضهم ، فأبينا أن نذهب.

فقال : ما بالكم كنتم تأتونا ثمّ تركتموه اليوم؟

قال : فقلنا : إنّ عالما لنا ـ عليه السّلام ـ نهانا ، وزعم أنّكم تقولون على ذبائحكم شيئا (١٣) لا يحبّ لنا أكلها.

فقال : من هذا العالم؟ هذا والله أعلم النّاس وأعلم من خلق الله ، صدق والله ،

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٦٣.

(٢) كذا في المصدر ، والنسخ : ذابح.

(٣) من المصدر.

(٤) تفسير القمّي ١ / ١٦٣.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) الكافي ٦ / ٢٤١ ، ح ١٥.

(٧) من المصدر.

(٨) المصدر : جعلنا الله فداك.

(٩) من المصدر.

(١٠) من المصدر.

(١١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فلا.

(١٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : قدمت.

(١٣) يوجد في المصدر و «ج» و «ر».

٤٣٥

إنّا لنقول باسم المسيح ـ عليه السّلام ـ.

وفي تهذيب الأحكام (١) : الحسين بن سعيد ، عن فضال (٢) ، عن أبي المغرا ، عن سماعة ، عن أبي إبراهيم ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن ذبيحة اليهوديّ والنّصرانيّ.

فقال : لا تقربها (٣).

عنه ، (٤) عن عليّ بن النّعمان ، عن ابن مسكان ، عن قتيبة قال : سأل رجل أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ وأنا عنده.

فقال : الغنم نرسل معها اليهوديّ والنّصرانيّ ، فتعرض فيها العارضة ، فتذبح (٥).

أنأكل ذبيحته؟

فقال له أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لا تدخل ثمنها مالك ، ولا تأكل. فإنّما هو الاسم ، ولا يؤمن عليها إلّا المسلم.

فقال له الرّجل : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ).

فقال : كان أبي ـ عليه السّلام ـ يقول : إنما هو الحبوب وأشباهها.

محمّد بن أحمد بن يحيى (٦) ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن بشير ، عن أبي عقيلة (٧) الحسن بن أيّوب ، عن داود بن كثير الرّقيّ ، عن بشير (٨) بن أبي غيلان (٩) الشّيبانيّ قال :

سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن ذبائح اليهود والنّصارى [والنصاب] (١٠).

__________________

(١) التهذيب ٩ / ٦٣ ، ح ٢٦٦.

(٢) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ٢ / ٢ ، وفي النسخ : فضال.

(٣) المصدر : قال لا تقربنها.

(٤) التهذيب ٩ / ٦٤ ، ح ٢٧٠.

(٥) المصدر : فيذبح.

(٦) التهذيب ٩ / ٧٠ ـ ٧١ ح ٢٩٩.

(٧) بعض نسخ الاستبصار موافق المتن ، ولكن في المصدر : «أبي عقيلة» ، وفي جامع الرواة ١ / ١٩٠ : «عفيلة» ، وفي بعض نسخ الاستبصار : «عقيل».

(٨) المصدر وجامع الرّواة ١ / ١٢١ بشر.

(٩) كذا في المصدر وجامع الرّواة ١ / ١٢١ وفي النسخ : عقيلان.

(١٠) من المصدر.

٤٣٦

قال : فلوى شدقه ، وقال : كلها إلى يوم ما.

الحسن بن محبوب (١) ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم قال : سألته عن رجل ذبح فسبّح أو كبر أو هلّل أو حمّد الله.

فقال (٢) هذا كلّه من أسماء الله ، ولا بأس به.

وفي مجمع البيان (٣) : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ). وقيل : يحلّ أكلها ، إذا ترك التّسمية ناسيا بعد أن يكون معتقدا لوجوبها. ويحرم أكلها ، إذا تركها متعمّدا.

عن أبي حنيفة وأصحابه ، وهو المرويّ عن ائمّتنا ـ عليهم السّلام ـ.

(وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) : فإنّ الفسق ما أهلّ لغير الله به.

والضّمير «لما». ويجوز أن يكون للأكل الّذي دلّ عليه «لا تأكلوا».

(وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ) : ليوسوسون.

(إِلى أَوْلِيائِهِمْ) : من الكفّار.

(لِيُجادِلُوكُمْ) : بقولهم ، تأكلون ما قتلتم أنتم وجوارحكم وتدعون ما قتله الله.

(وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) : في استحلال ما حرّم.

(إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (١٢١) : فإنّ من ترك طاعة الله إلى طاعة غيره واتّبعه في دينه ، فقد أشرك. وإنّما حسن حذف الفاء فيه ، لأنّ الشّرط بلفظ الماضي.

وفي كتاب تلخيص الأقوال في تحقيق أحوال الرّجال ، وفي كشّي (٤) : محمّد بن مسعود قال : حدّثني عبد الله بن محمّد قال : حدّثني الوشّاء ، عن عليّ بن عقبة ، عن داود بن فرقد قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : جعلت فداك ، [كنت] (٥) أصلّي عند القبر وإذا رجل خلفي يقول : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) (٦).

__________________

(١) التهذيب ٩ / ٥٩ ، ح ٢٤٩.

(٢) المصدر : قال.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٣٥٨.

(٤) الكشي / ٣٤٥ ، ح ٦٤٠.

(٥) من المصدر.

(٦) النساء : ٨٨ بتقديم وتأخير.

٤٣٧

قال : فالتفت إليه وقد تأوّل [عليّ] (١) هذه الآية وما أدري من هو ، وأنا أقول :

(وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ). فإذا هو هارون بن سعد (٢).

قال : فضحك أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ. ثمّ قال : إذا (٣) أصبت (٤) الجواب قبل (٥) الكلام بإذن الله.

حمدويه (٦) قال : حدّثني (٧) أيّوب قال : حدّثني صفوان ، عن داود بن فرقد قال :

قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ رجلا خلفي حين صلّيت المغرب في مسجد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فقال : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) (٨). فعلمت أنّه يعنيني ، فالتفت اليه فقلت : (إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ). وذكر مثله إلى آخر الحديث.

(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) : مثّل به من هداه الله ـ تعالى ـ وأنقذه من الضّلال ، وجعل له نورا يحتجّ به وآيات يتأمّل بها في الأشياء ، فيميّز بين الحقّ والباطل والمحقّ والمبطل.

وقرأ (٩) نافع ويعقوب : «ميّتا» على الأصل.

(كَمَنْ مَثَلُهُ) : صفته. وهو مبتدأ خبره (فِي الظُّلُماتِ). وقوله : (لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) : حال من المستكنّ في الظّرف ، لا من الهاء في «مثله» للفصل. وهو مثل لمن بقي على الضّلالة لا يفارقها بحال.

(كَذلِكَ) ، كما زيّن للمؤمنين إيمانهم.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ٢ / ٣٠٦ ، وفي النسخ : جعفر.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : وبدل إذا.

(٤) في نسخة المصدر : أصيب الجواب قبل.

(٥) المصدر : قل.

(٦) الكشي / ٣٤٥ ـ ٣٤٦ ، ح ٦٤١.

(٧) المصدر : حدّثنا.

(٨) النساء : ٨٨.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٩.

٤٣٨

(زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢٢).

قيل (١) : الآية نزلت (٢) في حمزة وأبي جهل.

وفي مجمع البيان (٣) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أنّ الآية نزلت في عمّار بن ياسر [حين آمن] (٤) وأبي جهل.

وفي أصول الكافي (٥) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن [محمد عن] (٦) محمّد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن بريد قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول في هذه الآية : «ميتا» لا يعرف شيئا. و (نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) إماما يؤتمّ به. (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ [لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) قال :] (٧) الّذي لا يعرف الإمام.

وفي تفسير العيّاشي (٨) ، مثله.

وفيه (٩) عن بريد العجليّ (١٠) قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية.

قال : الميت ، الّذي لا يعرف هذا الشّأن ، يعني : هذا الأمر. (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً) إماما يأتمّ به ، يعني : عليّ بن أبي طالب. [قلت : فقوله] (١١) (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ [لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها)] (١٢) قال (١٣) بيده هكذا : هذا الخلق الّذين (١٤) لا يعرفون شيئا.

وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب (١٥) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : كان ميتا عنّا فأحييناه بنا.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٢٩.

(٢) يوجد في المصدر و «ج» و «ر».

(٣) مجمع البيان ٢ / ٣٥٩.

(٤) من المصدر.

(٥) الكافي ١ / ١٨٥ ، ح ١٣.

(٦) من المصدر.

(٧) من المصدر.

(٨) تفسير العياشي ١ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦ ، ح ٨٩.

(٩) يوجد في «ج» و «ر».

(١٠) تفسير العياشي ١ / ٣٧٦ ، ح ٩٠.

(١١) من المصدر.

(١٢) من المصدر.

(١٣) المصدر : فقال.

(١٤) المصدر : الّذي.

(١٥) عنه تفسير الصافي ٢ / ١٥٣ ، ونور الثقلين ١ / ٧٦٤ ، ح ٢٧٣.

٤٣٩

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قال : جاهلا عن (٢) الحقّ والولاية ، فهديناه إليها.

و (جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) قال : النّور ، الولاية. (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) ، يعني : [في] (٣) ولاية غير الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد عن الحسين بن زيد (٥) ، عن الحسين بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي (٦) إبراهيم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ. قال في حديث طويل : وقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ). فالحيّ ، المؤمن الّذي تخرج طينته من طينة الكافر. والميّت الّذي يخرج من الحيّ [هو] (٧) الكافر الّذي يخرج من طينة المؤمن.

فالحيّ ، المؤمن ، والميّت ، الكافر. وذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ). فكان موته اختلاط طينته مع طينة (٨) الكافر. وكان حياته حين فرق الله ـ عزّ وجلّ ـ بينهما بكلمة (٩). كذلك يخرج الله ـ عزّ وجلّ ـ المؤمن في الميلاد من الظّلمة بعد دخوله فيها إلى النّور ، ويخرج الكافر من النّور إلى الظّلمة بعد دخوله الى (١٠) النّور. وذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) (١١).

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها) ، أي : كما جعلنا في مكّة أكابر مجرميها ليمكروا فيها.

و «جعلنا» بمعنى : صيّرنا. ومفعولاه «أكابر مجرميها» ، على تقديم المفعول الثّاني. أو «في كلّ قرية أكابر» «مجرميها» بدل. ويجوز أن يكون مضافا إليه.

ومعنى «صيّرنا» خلّيناهم وشأنهم ولم نكفهم عن المكر.

وأفعل التّفضيل إذا أضيف ، جاز فيه الإفراد والمطابقة. ولذلك قرئ : «أكبر

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢١٥ ـ ٢١٦.

(٢) بعض النسخ : من.

(٣) من المصدر.

(٤) الكافي ٢ / ٥ ـ ٦ ، ذيل ح ٧.

(٥) نسخة المصدر : يزيد.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) من المصدر.

(٨) يوجد في المصدر و «ج» و «ر».

(٩) هكذا في المصدر ، وفي النسخ : بكلمة.

(١٠) هكذا في المصدر ، وفي النسخ : في.

(١١) يس : ٧٠.

٤٤٠