تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٥

والله يصدق ما وعده.

معاشر النّاس ، قد ضلّ قبلكم أكثر الأوّلين. والله لقد أهلك الأوّلين ، وهو مهلك الآخرين [. قال الله تعالى (١) : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).] (٢).

معاشر النّاس ، إنّ الله قد أمرني ونهاني ، وقد أمرت عليّا ونهيته فعلم الأمر والنّهي من ربّه ـ عزّ وجلّ ـ فاسمعوا لأمره تسلموا ، وأطيعوه تهتدوا ، وانتهوا لنهيه ترشدوا ، وصيروا إلى مراده ولا تتفرّق بكم السّبل عن سبيله.

[معاشر النّاس ،] (٣) أنا صراط الله المستقيم الّذي أمركم باتّباعه ، ثمّ عليّ من بعدي ، ثمّ ولدي من صلبه. أئمّة يهدون بالحقّ (٤) وبه يعدلون. ثمّ قرأ ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إلى آخرها. وقال : فيّ نزلت ، وفيهم نزلت ، ولهم عمّت ، وإيّاهم خصّت ، أولئك «أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (٥).» ألا إن (حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (٦). ألا إنّ أعداء عليّ هم أهل الشّقاق [والنّفاق والحادون ، وهم] (٧) العادون وإخوان الشّياطين الّذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا (٨).

ألا إنّ أولياءهم المؤمنون ، الّذين ذكرهم الله في كتابه فقال ـ عزّ وجلّ ـ (٩) : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) (إلى آخر الآية.) ألا إنّ أولياءهم الّذين وصفهم الله ـ عزّ وجلّ ـ فقال (١٠) : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ). ألا إنّ [الّذين وصفهم الله ـ عزّ وجلّ ـ فقال (١١) :] (١٢) الّذين يدخلون

__________________

(١) المرسلات / ١٦ ـ ١٩.

(٢) من المصدر.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : إلى الحق.

(٥) إشارة إلى آية ٦٢ ، من سورة يونس.

(٦) المجادلة / ٢٢.

(٧) من المصدر.

(٨) إشارة إلى آية ١١٢ ، من سورة الانعام.

(٩) المجادلة / ٢٢.

(١٠) الأنعام / ٨٢.

(١١) إشارة إلى آية ٤٦ ، من سورة الحجر.

(١٢) من المصدر.

١٨١

الجنّة آمنين «وتتلقّاهم الملائكة بالتّسليم أن طبتم فادخلوها خالدين (١)» ألا إنّ أولياءهم الّذين قال [لهم] (٢) ـ عزّ وجلّ ـ (٣) : (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ [يُرْزَقُونَ فِيها]) (٤) (بِغَيْرِ حِسابٍ) ألا إنّ أعداءهم الّذين يصلون سعيرا (٥). ألا إنّ أعداءهم الّذين يسمعون «لجهنم شهيقا وهي تفور (٦)» «ولها زفير» (٧) [ألا إن أعداءهم الذين قال الله فيهم (٨) :] (٩) (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) (الآية) ألا إنّ أعداءهم الّذين قال الله ـ عزّ وجلّ ـ (١٠). (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) (١١) (الآية) إنّ أولياءهم (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (١٢) ..

معاشر النّاس شتّان ما بين السّعير والجنّة. عدوّنا من ذمّه الله ولعنه ، ووليّنا من أحبّه الله ومدحه.

معاشر النّاس ، ألا «وإنّي منذر ، وعليّ هاد (١٣)».

معاشر النّاس ، إنّي نبيّ وعليّ وصيّي. ألا أنّ خاتم الأئمّة منّا القائم المهديّ [صلوات الله عليه.] (١٤) ألا إنّه الظّاهر على الدّين. ألا إنّه المنتقم من الظّالمين. ألا إنّه فاتح الحصون وهادمها. ألا إنّه قاتل كلّ قبيلة من أهل الشّرك. ألا أنّه مدرك بكلّ ثأر لأولياء الله ـ عزّ وجلّ ـ. ألا إنّه ناصر دين الله ـ عزّ وجلّ ـ (١٥). ألا إنّه الغرّاف في بحر عميق.

ألا إنّه يسم كلّ ذي فضل بفضله ، وكلّ ذي جهل بجهله. ألا إنّه خيرة الله ومختاره. ألا

__________________

(١) إشارة إلى آية ١٠٢ ـ ١٠٣ ، من سورة الأنبياء.

(٢) من المصدر.

(٣) الزمر / ٤٠.

(٤) من القرآن المجيد.

(٥) لعل إشارته ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى آية ١٢ ، من سورة الانشقاق.

(٦) إشارة إلى آية ٧ ، من سورة الملك.

(٧) إشارة إلى آية ١٠٦ ، من سورة هود.

(٨) الأعراف / ٣٨.

(٩) من المصدر.

(١٠) الملك / ٨.

(١١) المصدر : إلى قوله تعالى «في ضلال مبين.»

(١٢) الملك / ١٢.

(١٣) إشارة إلى آية ٧ ، من سورة الرعد.

(١٤) ليس في المصدر.

(١٥) المصدر : الناصر لدين دين الله ـ عزّ وجلّ ـ.

١٨٢

إنّه وارث كلّ علم ، والمحيط به. ألا إنّه المخبر عن ربّه ـ عزّ وجلّ ـ المنبّه بأمر إيمانه. ألا إنّه الرّشيد السّديد. ألا إنّه المفوّض إليه. ألا إنّه قد بشّر به من سلف بين يديه. ألا إنّه الباقي حجّة ولا حجّة بعده ، ولا حقّ إلّا معه ، ولا نور إلّا عنده. ألا إنّه لا غالب له ، ولا منصور عليه. ألا إنّه وليّ الله في أرضه ، وحكمه في خلقه ، وأمينه في سرّه وعلانيته.

معاشر النّاس ، قد بيّنت لكم وأفهمتكم ، وهذا عليّ يفهمكم بعدي. ألا وإنّي عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافحتي على بيعته والإقرار به ، ثمّ مصافحته من بعدي. ألا وإنّي قد بايعت الله ، وعليّ قد بايعني ، وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله ـ عزّ وجلّ ـ (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) (١) (الآية).

معاشر النّاس (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) (٢) (مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ) (٣) (الآية).

معاشر النّاس ، حجوا البيت ، فما ورده أهل بيت (٤) إلّا استغنوا ، ولا تخلّفوا عنه إلّا افتقروا.

معاشر النّاس ، ما وقف بالموقف مؤمن إلّا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك ، فإذا انقضت حجّته استؤنف عمله.

معاشر النّاس ، الحجّاج معانون ونفقاتهم مختلفة ، والله لا يضيع أجر المحسنين.

معاشر النّاس ، حجّوا البيت بكمال الدّين والتّفقّه ، ولا تنصرفوا عن المشاهد إلّا بتوبة وإقلاع.

معاشر النّاس ، أقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة كما أمركم الله ـ عزّ وجلّ ـ لئن طال عليكم الأمد فقصّرتم أو نسيتم ، فعليّ وليّكم ومبيّن لكم. الّذي نصّبه الله ـ عزّ وجلّ ـ بعدي ، ومن خلّفه الله منّي وأنا منه ، يخبركم بما تسألون منه ويبيّن لكم ما لا تعلمون. ألا إنّ الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما أو أعرّفهما ، فآمر بالحلال وأنهى

__________________

(١) الفتح / ١٠.

(٢) المصدر والنسخ : المروة والعمرة.

(٣) البقرة / ١٥٨.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أهل البيت.

١٨٣

عن الحرام في مقام واحد. فأمرت أن آخذ البيعة منكم (١) والصّفقة لكم بقبول ما جئت به عن الله ـ عزّ وجلّ ـ في علي أمير المؤمنين والأئمّة من بعده ، الّذين هم منّي. ومنه أئمّة قائمة منهم المهديّ إلى يوم القيامة ، الّذي يقضي بالحقّ.

معاشر النّاس ، وكلّ حلال دللتكم عليه وكلّ (٢) حرام نهيتكم عنه ، فإني لم أرجع عن ذلك ولم أبدّل. ألا فاذكروا ذلك ، واحفظوه ، وتواصوا به ، ولا تبدّلوه ولا تغيّروه. ألا وإنّي أجدّد القول ، ألا فأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر. ألا وإنّ رأس الأمر بالمعروف [والنّهي عن المنكر ،] (٣) أن تنتهوا إلى قولي وتبلّغوه من لم يحضره وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته ، فإنّه أمر من الله ـ عزّ وجلّ ـ ومنّي. ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر. إلّا مع إمام معصوم.

معاشر النّاس ، القرآن يعرّفكم أنّ الأئمّة من بعده ولده ، وعرّفتكم أنّهم (٤) منّي ومنه. حيث يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ [في كتابه (٥) :] (٦) (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ).

وقلت : لن تضلّوا ما إن تمسكتم بهما.

معاشر النّاس ، التّقوى. التّقوى. احذروا السّاعة كما قال الله ـ تعالى ـ (٧) :

(إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ). اذكروا الممات والحساب ، والموازين والمحاسبة بين يدي ربّ العالمين ، والثّواب والعقاب. فمن جاء بالحسنة أثيب ، ومن جاء بالسّيّئة فليس له في الجنان نصيب.

معاشر النّاس ، إنّكم أكثر من أن تصافقوني بكفّ واحدة ، وقد أمرني الله ـ عزّ وجلّ ـ أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعليّ من إمرة المؤمنين ومن جاء بعده من الأئمّة منّي ومنه ، على ما أعلمتكم أنّ ذرّيّتي من صلبه. فقولوا بأجمعكم : إنّا سامعون مطيعون ، راضون منقادون لما (٨) بلّغت عن ربّنا وربّك في أمر عليّ ـ صلوات الله عليه ـ

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : عليكم.

(٢) المصدر : «أو» بدل «وكلّ».

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : أنّه.

(٥) الزخرف / ٢٨.

(٦) من المصدر.

(٧) الحج / ١.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : بما.

١٨٤

وأمر ولده من صلبه من الأئمّة ، نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا ، على ذلك نحيى ونموت ونبعث ، ولا نغيّر ولا نبدّل ولا نشكّ ولا نرتاب ، ولا نرجع عن عهد ، ولا ننقض الميثاق ، ونطيع الله ونطيعك وعليا أمير المؤمنين وولده الأئمّة الّذين ذكرتهم من ذرّيّتك من صلبه بعد الحسن والحسين ، اللّذين قد عرّفتكم مكانهما منّي ومحلّهما عندي ومنزلتهما من ربّي ـ عزّ وجلّ ـ فقد أدّيت ذلك إليكم ، وأنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأنّهما الإمامان بعد أبيهما عليّ ، وأنا أبوهما قبله. وقولوا : أطعنا الله بذلك وإيّاك وعليّا والحسن والحسين والأئمّة الّذين ذكرت عهدا وميثاقا ، مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا وأنفسنا وألسنتنا ومصافقة أيدينا من أدركهما بيده وأقرّ بهما بلسانه ولا نبتغي بذلك بدلا ولا نرى من أنفسنا عنه حولا أبدا. أشهدنا الله وكفى بالله شهيدا ، وأنت علينا به شهيد ، وكلّ من أطاع ممّن ظهر واستتر ، وملائكة الله وجنوده وعبيده ، والله أكبر من كلّ شهيد.

معاشر النّاس ، ما تقولون؟ فإنّ الله يعلم كلّ صوت ، وخافية كلّ نفس (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) (١) «ومن بايع فإنّما يبايع الله ـ عزّ وجلّ ـ يد الله فوق أيديهم (٢).».

معاشر النّاس ، فاتّقوا الله وبايعوا عليّا أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمّة ، كلمة [طيّبة] (٣) باقية. يهلك الله من غدر ، ويرحم الله من وفي (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ). (٤) (الآية).

معاشر النّاس ، قولوا الّذي قلت لكم ، وسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين وقولوا :

(سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (٥) وقولوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ). (٦).

[معاشر النّاس ، إنّ فضائل عليّ بن أبي طالب عند الله ـ عزّ وجلّ ـ وقد أنزلها

__________________

(١) الزمر / ٣٩.

(٢) إشارة إلى آية ١٠ ، من سورة الفتح.

(٣) من المصدر.

(٤) الفتح / ١٠.

(٥) البقرة / ٢٨٥.

(٦) الأعراف / ٤٣.

١٨٥

في القرآن أكثر من أن أحصيها في مكان واحد ، فمن أبناكم بها وعرّفها فصدّقوه.] (١).

معاشر النّاس ، «من يطع الله ورسوله وعليّا والأئمّة الّذين ذكرتهم فقد فاز فوزا عظيما (٢)» (٣).

معاشر النّاس ، السّابقون (٤) إلى مبايعته وموالاته والتّسليم عليه بإمرة المؤمنين «أولئك هم الفائزون في جنّات النّعيم (٥)».

معاشر النّاس ، قولوا ما يرضى الله به عنكم من القول «فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فلن يضرّوا الله شيئا.» (٦) اللهمّ اغفر للمؤمنين [والمؤمنات] (٧) واغضب على الكافرين [والكافرات] (٨) والحمد لله ربّ العالمين.

فناداه القوم : نعم (٩) ، سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا. وتداكّوا على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعلى عليّ فصافقوا بأيديهم. فكان أوّل من صافق رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الأوّل والثّاني والثّالث والرّابع والخامس ، وباقي المهاجرين والأنصار ، وباقي النّاس على طبقاتهم وقدر منازلهم إلى أن صلّيت المغرب (١٠) والعتمة في وقت واحد. وواصلوا (١١) البيعة والمصافقة ثلاثا ، ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول كلّما بايع قوم : الحمد لله الّذي فضّلنا على جميع العالمين. وصارت المصافقة سنّة ورسما. وربّما يستعملها من ليس له حقّ فيها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١٢) قال : نزلت هذه الآية في منصرف رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من حجّة الوداع. وحجّ رسول الله حجّة الوداع لتمام عشر حجج من

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) هكذا في ر وهامش الأصل بدلا. وفي سائر النسخ والمصدر : مبينا.

(٣) إشارة إلى آية ٧٢ ، من سورة النساء.

(٤) المصدر : السابقون السابقون.

(٥) إشارة إلى آيتي ٢٠ ـ ٢١ ، من سورة التوبة.

(٦) إشارة إلى آيتي ١٧٦ ـ ١٧٧ ، من سورة آل عمران.

(٧ و ٨ و ٩) ليس في المصدر.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : العشاء.

(١١) المصدر : وصلوا.

(١٢) تفسير القمي ١ / ١٧١ ـ ١٧٥.

١٨٦

مقدمه المدينة. وكان من قوله [في خطبته] (١) بمنى ، أن حمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها النّاس ، اسمعوا قولي واعقلوه عنّي ، فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا.

ثمّ قال : هل تعلمون أيّ يوم أعظم حرمة؟

قال النّاس : هذا اليوم.

قال : فأيّ شهر؟

قال النّاس : هذا الشّهر (٢).

قال : وأيّ بلد أعظم حرمة؟

قالوا : بلدنا هذا.

قال : فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا إلى يوم تلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم. ألا هل بلّغت أيّها النّاس؟

قالوا : نعم.

قال : اللهمّ أشهد. ثمّ قال : ألا وكلّ مأثرة أو بدعة (٣) كانت في الجاهليّة أو دم أو مال ، فهو تحت قدمي هاتين. ليس أحدكم أكرم من أحد إلّا بالتّقوى. ألا هل بلّغت؟

قالوا : نعم.

قال : اللهمّ اشهد. ثمّ قال : ألا وكلّ ربا كان في الجاهليّة فهو موضوع ، وأوّل موضوع منه ربا العبّاس بن عبد المطلب. ألا وكلّ دم كان في الجاهليّة فهو موضوع ، وأول موضوع منه دم ربيعة. ألا هل بلّغت؟

قالوا : نعم.

قال : اللهمّ اشهد. ثمّ قال : ألا وإنّ الشّيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنّه راض بما تحتقرون من أعمالكم. ألا وإنّه إذا أطيع فقد عبد. ألا أيّها النّاس ، إنّ المسلم أخ المسلم حقّا ، ولا يحلّ لامرئ مسلم دم امرئ مسلم وماله إلّا ما أعطاه بطيبة نفس منه. وإنّي أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا : لا إله إلّا الله. فإذا قالوها فقد

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : بدع.

١٨٧

عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها ، وحسابهم على الله ألا هل بلّغت أيّها النّاس؟

قالوا : نعم.

قال : اللهمّ أشهد. ثمّ قال : أيّها النّاس ، احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي ، وافقهوه (١) تنتعشوا. لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسّيف على الدّنيا ، فإن أنتم (٢) فعلتم ذلك ـ ولتفعلنّ ـ لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسّيف. ثمّ التفت عن يمينه وسكت ساعة. ثمّ قال : إن شاء الله ، أو عليّ بن أبي طالب.

ثمّ قال : ألا وإنّي قد تركت فيكم أمرين. إن أخذتم بهما لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي. فإنّه نبّأني اللّطيف الخبير ، أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا ، ومن خالفهما فقد هلك ألا هل بلّغت؟

قالوا : نعم.

قال : اللهمّ اشهد. ثمّ قال : ألا وإنّه سيرد عليّ الحوض منكم رجال فيعرفون (٣) فيدفعون عنّي ، فأقول : يا ربّ أصحابي. فيقال : يا محمّد ، إنّهم قد أحدثوا بعدك وغيّروا سنّتك. فأقول : سحقا سحقا.

فلمّا كان آخر يوم من أيّام التّشريق ، أنزل الله ـ تعالى ـ : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ). فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : نعيت إليّ نفسي. ثمّ نادى الصّلاة جامعة في مسجد الخيف ، فاجتمع النّاس. فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : نصر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ، وبلغها من (٤) لم يسمعها. فربّ حامل فقه غير فقيه ، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، والنّصيحة لأئمّة المسلمين ، ولزوم جماعتهم فإنّ دعوته محيطة من ورائهم. المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم ، يسعى بذمّتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم.

أيّها النّاس ، إنّي تارك فيكم الثّقلين.

__________________

(١) المصدر : وافهموه.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لمن.

١٨٨

قالوا : يا رسول الله ، وما الثّقلان؟

فقال : كتاب الله وعترتي أهل بيتي. فإنّه قد نبّأني اللّطيف الخبير ، أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، كاصبعيّ هاتين ـ وجمع بين سبّابتيه ـ ولا أقول : كهاتين ـ وجمع بين سبّابته والوسطى ـ فيتفضّل هذه على هذه.

فاجتمع قوم من أصحابه وقالوا : يريد محمّد أن يجل الإمامة في أهل بيته. فخرج منهم أربعة نفر إلى مكّة ، ودخلوا الكعبة وتعاهدوا وتعاقدوا ، وكتبوا فيما بينهم كتابا :

إن أمات الله محمّدا أو قتله (١) ، أن لا يردّوا هذا الأمر في أهل بيته أبدا. فأنزل الله على نبيّه في ذلك (٢) : (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ). فخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من مكّة يريد المدينة ، حتّى نزل منزلا يقال له : غدير خمّ. وقد علّم النّاس مناسكهم وأو عز إليهم وصيّته ، إذ أنزل الله عليه هذه الآية : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (الآية) فقام رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : تهديد ووعيد. فحمد الله (٣) وأثنى عليه ، ثمّ قال :

أيّها النّاس ، هل تعلمون من وليّكم؟

قالوا : نعم والله ورسوله.

قال : ألستم تعلمون أنّي أولى بكم من أنفسكم؟

قالوا : بلى.

قال : اللهمّ أشهد. فأعاد ذلك عليهم ثلاثا. كلّ ذلك يقول مثل قوله الأوّل ، ويقول النّاس كذلك ، ويقول : اللهمّ اشهد.

ثمّ أخذ بيد أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فرفعه حتّى بدا للنّاس بياض إبطيه. ثمّ قال : ألا من كنت مولاه [فهذا عليّ مولاه.] (٤) اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأحبّ من أحبّه. ثمّ [رفع رأسه إلى السّماء] (٥)

__________________

(١) المصدر : «مات محمّد أو قتل» بدل «أمات الله محمدا أو قتله.»

(٢) الزخرف / ٧٩ ـ ٨٠.

(٣) المصدر : «بعد أن حمد الله» بدل «تهديد ووعيد فحمد الله.»

(٤ و ٥) ليس في أ.

١٨٩

فقال : اللهمّ أشهد عليهم ، وأنا من الشاهدين.

فاستفهمه عمر من بين أصحابه (١) ، فقال : يا رسول الله ، هذا من الله أو (٢) من رسوله؟

فقال رسول الله : نعم ، من الله ومن رسوله. إنّه أمير المؤمنين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، يقعده الله يوم القيامة على الصّراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النّار.

فقال أصحابه الّذين ارتدّوا بعده : قد قال محمّد في مسجد الخيف ما قال وقال هاهنا ما قال. وإن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له. فاجتمع أربعة عشر نفرا وتآمروا على قتل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقعدوا له في العقبة ـ وهي عقبة حرشي (٣) بين الجحفة والأبواء ـ فقعدوا ، سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها ، لينفّروا ناقة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فلما جنّ اللّيل تقدّم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في تلك اللّيلة العسكر فأقبل ينعس على ناقته ، فلمّا دنا من العقبة ناداه جبرئيل : يا محمّد ، إنّ فلانا وفلانا وفلانا (٤) قد قعدوا لك. فنظر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : من هذا خلفي؟

فقال حذيفة بن اليمان : أنا حذيفة بن اليمان ، يا رسول الله.

قال : سمعت ما سمعت؟

قال : بلى.

قال : فاكتم. ثمّ دنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ منهم فناداهم بأسمائهم ، فلمّا سمعوا نداء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فرّوا ودخلوا في غمار النّاس ، وقد كانوا عقلوا رواحلهم فتركوها ، ولحق النّاس برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وطلبوهم ، وانتهى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى رواحلهم

__________________

(١) المصدر : فقام من بين أصحابه.

(٢) المصدر : «و» بدل «أو».

(٣) النسخ والمصدر : هرشي.

(٤) ليس في المصدر.

١٩٠

فعرفهم (١). فلمّا نزل قال : ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة «إن أمات الله محمّدا (٢) أو قتله (٣) أن لا يردّوا هذا الأمر في أهل بيته أبدا.».

فجاءوا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فحلفوا ، أنّهم لم يقولوا من ذلك شيئا ولم يريدوه ولم يهمّوا بشيء في رسول الله (٤). فأنزل الله (٥) : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) أن لا يردّوا هذا الأمر في أهل بيت رسول الله (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) (٦) من قتل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ). (٧).

فرجع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى المدينة ، وبقي فيها المحرّم (٨) والنّصف من صفر لا يشتكي شيئا : ثمّ ابتدأ به الوجع الّذي توفّي فيه ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

[فحدثني أبي (٩) ، عن مسلم بن خالد ، عن محمّد بن جابر ، عن ابن مسعود قال :

قال لي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا رجع من حجّة الوداع : يا ابن مسعود ، قد قرب الأجل ونعيت إليّ نفسي ، فمن لذلك بعدي؟ فأقبلت أعدّ عليه رجلا رجلا ، فبكى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ قال : ثكلتك الثّواكل ، فأين أنت [عن] (١٠) عليّ بن أبي طالب ، لم [لا] (١١) تقدمه على الخلق أجمعين؟ يا ابن مسعود ، إنّه إذا كان يوم القيامة رفعت لهذه الأمّة أعلام ، فأوّل الأعلام لوائي الأعظم مع عليّ ابن أبي طالب والنّاس جميعا تحت لوائي ، ينادي مناد ، هذا الفضل يا ابن أبي طالب.

حدّثني أبي (١٢) عن ابن أبي عمير ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله

__________________

(١) المصدر : «فعرفهم» أ: فعرفها. هكذا في المصدر. وفي أ: «فعرفها.» وفي سائر النسخ : فوقها.

(٢) المصدر : مات محمد.

(٣) المصدر : قتل.

(٤) المصدر : «ولم يكتموا شيئا من رسول الله» بدل «ولم يهمّوا بشيء في رسول الله».

(٥ و ٦) التوبة / ٧٤.

(٧) التوبة / ٧٤.

(٨) المصدر : وبقي بها محرم.

(٩) نفس المصدر ١ / ١٧٥.

(١٠ و ١١) من المصدر.

(١٢) نفس المصدر ٢ / ٢٠١.

١٩١

ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أمر الله نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن ينصّب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ للنّاس في قوله : «يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك في عليّ.» بغدير خمّ ، فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه. فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحثّوا التّراب على رؤوسهم.

فقال [لهم] (١) إبليس : ما لكم؟ فقالوا : إنّ هذا الرّجل [قد] (٢) عقد اليوم عقدة لا يحلّها شيء إلى يوم القيامة. فقال لهم إبليس : كلا ، إنّ الّذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني. فأنزل الله على نبيّه (٣) : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) (الآية).

وفي عيون الأخبار (٤) : حدّثنا الحاكم أبو عليّ الحسين بن أحمد البيهقيّ قال :

حدّثني محمّد بن يحيى الصّوليّ قال : حدّثني سهل بن القاسم النّوشجانيّ قال : قال رجل للرّضا ـ عليه السّلام ـ : يا ابن رسول الله ، إنّه يروى عن عروة بن الزّبير أنّه قال : توفّي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو في تقيّة.

فقال : أمّا بعد قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ). فإنّه أزال كلّ تقيّة بضمان الله ـ عزّ وجلّ ـ وبيّن أمر الله ، ولكنّ قريش فعلت ما اشتهت بعده. وأمّا قبل نزول هذه الآية ، فلعلّه.

وفي تهذيب الأحكام (٥) ، في الدّعاء بعد صلاة الغدير ، المسند إلى الصّادق ـ عليه السّلام ـ : ربّنا ، إنّنا سمعنا بالنّداء (٦) ، وصدّقنا المنادي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [إذ] (٧) نادى بنداء عنك بالّذي أمرته به ، أن يبلّغ ما أنزلت إليه من ولاية وليّ أمرك ، فحذّرته وأنذرته إن لم يبلّغ أن تسخط عليه ، وإنّه إن بلّغ رسالاتك عصمته من النّاس. فنادى مبلّغا وحيك ورسالاتك : ألا من كنت مولاه فعليّ مولاه ، ومن كنت وليّه فعليّ وليّه ، ومن كنت نبيّه فعليّ أميره.

__________________

(١ و ٢) من المصدر.

(٣) سبأ / ٢٠.

(٤) عيون أخبار الرضا ـ عليه السّلام ـ ٢ / ١٣٠ ، ح ١٠.

(٥) تهذيب الأحكام ٣ / ١٤٤.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : بالمنادي.

(٧) من المصدر.

١٩٢

وفي أمالي الصّدوق (١) ، بإسناده إلي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل ، يقول فيه لعليّ ـ عليه السّلام ـ : ولقد أنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ، يعني : في ولايتك يا عليّ. (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ولو لم أبلّغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي.

وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي (٢) قال : حدّثنا الحسين بن الحكم معنعنا ، عن عبد الله بن عطا قال : كنت جالسا عند أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : أوحى الله إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قل للنّاس : من كنت مولاه فعليّ مولاه. فأبلغ بذلك وخاف النّاس ، فأوحى الله إليه : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ). فأخذ يد عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ يوم الغدير وقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه.

وفي شرح الآيات الباهرة (٣) : روى الشّيخ الصّدوق محمّد بن بابويه القمّي ـ رحمه الله ـ في أماليه حديثا صحيحا لطيفا يتضمّن قصّة الغدير مختصرة (٤) قال : حدّثني أبي ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن عبد الله البرقيّ ، عن أبيه ، عن خلف بن حمّاد (٥) ، عن أبي الحسن العبديّ ، عن سليمان الأعمش ، عن عباءة بن ربعي (٦) ، عن عبد الله بن عبّاس [قال :] (٧) إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا اسري به إلى السّماء انتهى به [جبرئيل إلى نهر يقال له : النّور. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ). فلمّا انتهى به] (٨) إلى ذلك النّهر فقال له جبرئيل : يا محمّد ، أعبر على بركة الله ـ عزّ وجلّ ـ فقد نوّر الله لك بصرك ، ومدّ لك

__________________

(١) أمالي الصدوق / ٤٠٠ ، في ذيل حديث.

(٢) تفسير فرات / ٣٦.

(٣) تأويل الآيات الباهرة ، مخطوط ، ص ٥٨ ـ ٥٩.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : مختصرا.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الخلف بن حمّاد.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «عناية بن ربيع» وهي خطأ. ر. تنقيح المقال ٢ / ١٢٥ ، رقم ٦١٩٠ ونفس المصدر والمجلد ، ص ١٣١ ، رقم ٦٢٥٢.

(٧) من المصدر.

(٨) ليس في المصدر.

١٩٣

أمامك. فإنّ هذا نهر لم يعبره أحد لا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل ، غير أنّ لي في كلّ [يوم] (١) اغتماسة فيه فأخرج (٢) منه فأنفض أجنحتي ، فليس من قطرة تقطر من أجنحتي إلّا خلق الله ـ تبارك وتعالى ـ منها ملكا مقرّبا ، له عشرون ألف وجه وأربعون ألف لسان ، كلّ لسان بلفظ ولغة لا يفقهها اللّسان الآخر. فعبر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى انتهى إلى الحجب. والحجب خمسمائة حجاب. من الحجاب إلى الحجاب سيرة خمسمائة عام. ثمّ قال له جبرئيل : تقدّم يا محمّد.

فقال له : يا جبرئيل ، ولم لا تكون معي؟

قال : ليس لي أن أجوز [هذا] (٣) المكان. فتقدّم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ما شاء الله أن يتقدّم ، حتّى سمع ما قال الرّب ـ تبارك وتعالى ـ أنا المحمود ، وأنت محمّد. شققت أسمك من اسمي. فمن وصلك وصلته. ومن قطعك بتتّه. انزل إلى عبادي ، فأخبرهم بكرامتي إيّاك. وإنّي لم ابعث نبيّا إلّا جعلت له وزيرا. وإنّك رسولي ، وإنّ عليّا وزيرك.

فهبط رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فكره أن يحدّث النّاس بشيء كراهة أن يتهموه. لأنّهم كانوا حديثي عهد بالجاهليّة. حتّى مضى لذلك ستّة أيّام ، فأنزل الله ـ تبارك وتعالى (٤) ـ : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ). فاحتمل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك حتّى كان اليوم الثامن ، فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ..

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : تهديد بعد وعيد ، لأمضينّ (٥) أمر ربّي.

فإنّ يتّهموني ويكذّبوني ، أهون عليّ من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدّنيا والآخرة.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «اغتمس فيه اغتماسه أخرج» بدل «اغتماسه فيه فأخرج.»

(٣) من المصدر.

(٤) هود / ١٢.

(٥) المصدر : لأمضي.

١٩٤

قال : وسلّم جبرئيل على عليّ ـ عليه السّلام ـ بإمرة المؤمنين.

فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : يا رسول الله ، أسمع الكلام ولا أحسّ الرّؤية.

فقال : يا عليّ ، هذا جبرئيل أتاني من قبل ربّي بتصديق ما وعدني. ثمّ أمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رجلا فرجلا من أصحابه ، أن يسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ثمّ قال : يا بلال ، ناد في النّاس أن لا يبقى أحد إلّا عليل إلّا خرج إلى غدير خمّ.

فلمّا كان من الغد ، خرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بجماعة من أصحابه. فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها النّاس ، إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أرسلني إليكم برسالة. وإنّي ضقت بها ذرعا ، مخافة أن تتّهموني وتكذّبوني (١). فأنزل الله ـ تعالى ـ وعيدا بعد وعيد. فكان تكذيبكم إيّاي ، أيسر عليّ من عقوبة الله إيّاي. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أسرى بي وأسمعني ، وقال : يا محمّد ، أنا المحمود ، وأنت محمّد.

شققت اسمك من اسمي. فمن وصلك وصلته. ومن قطعك بتتّه. انزل إلى عبادي ، فأخبرهم بكرامتي إيّاك. وإنّي لم أبعث نبيّا إلّا جعلت له وزيرا. وإنّك رسولي ، وإنّ عليّا وزيرك.

ثمّ أخذ ـ عليه السّلام ـ بيد عليّ ـ عليه السّلام ـ فرفعها حتّى نظر النّاس بياض إبطيهما ، ولم ير قبل ذلك. ثمّ قال : أيّها النّاس ، إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ مولاي وأنا مولى المؤمنين. من كنت مولاه فعليّ مولاه. اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله.

فقال الشّكّاك والمنافقون الّذين في قلوبهم مرض : نبرأ إلى الله من مقاله ليس بحتم (٢) ، ولا نرضى أن يكون عليّ وزيره ، وهذه منه عصبيّة.

فقال سلمان والمقداد وأبو ذرّ وعمّار بن ياسر : والله ما برحنا العرصة حتّى نزلت هذه الآية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً). فكرّر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثلاثا ، ثمّ قال : إنّ كمال الدّين وتمام

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يتّهموني ويكذّبوني.

(٢) المصدر : «مقالته لم تختم» بدل «مقاله ليس بحتم.»

١٩٥

النّعمة ورضى الرّبّ برسالتي إليكم ، وبالولاية بعدي لعليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهما وعلى ذرّيّتهما ـ ما دامت المشارق والمغارب وهبت الجنوب [والشّمال] (١) وثارت السّحاب.] (٢).

وفي مجمع البيان (٣) : روي أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا نزلت هذه الآية قال لحرّاس من أصحابه يحرسونه : الحقوا بملاحقكم ، فإنّ الله ـ تعالى ـ عصمني من النّاس.

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) ، أي دين يعتدّ به ، ويصحّ أن يسمّى شيئا ، لبطلانه وفساده.

(حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) : ومن إقامتهما الإيمان. بمحمّد ، الإذعان لحكمه. والمراد ، إقامة أصولها ، وما لم ينسخ من فروعها.

في مجمع البيان (٤) : قال ابن عباس : جاء جماعة من اليهود إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقالوا : ألست (٥) تقول التّوراة من عند الله؟ قال : بلى. قالوا : نؤمن بها ولا نؤمن بما عداها. فنزلت الآية.

وفي تفسير العيّاشي (٦) : عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال :

هو ولاية أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (٦٨) : فلا تحزن عليهم ، لزيادة طغيانهم وكفرهم بما تبلّغه إليهم.

فإنّ ضرر ذلك لاحق بهم لا يتخطّاهم ، وفي المؤمنين مندوحة عنهم.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٢٢٤.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) هكذا في أو المصدر. وفي سائر النسخ : أنت.

(٦) تفسير العياشي ١ / ٣٣٤ ، ح ١٥٦. وفيه ذكر نفس الآية بين «عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ» و «قال» ، مصدّراً ب «في قول الله».

١٩٦

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) : سبق تفسيره في سورة البقرة.

«والصّائبون» رفع على الابتداء ، وخبره محذوف. والنّيّة به ، التّأخير عمّا في حيّز «إنّ». والتّقدير : إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى حكمهم كذا ، والصّابئون كذلك ، كقوله :

فإنّي وقيا ربها لغريب

وقوله :

وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم

بغاة ما بقينا في شقاق

وهو كاعتراض ، دلّ به على أنّه لمّا كان الصّابئون مع ظهور ضلالهم وميلهم عن الأديان كلّها يتاب عليهم ـ إن صحّ منهم الإيمان والعمل الصّالح ـ كان غيرهم أولى بذلك. ويجوز أن يكون «والنّصارى» معطوفا عليه ، و «من آمن» خبرهما وخبر «إنّ» مقدّر ، دلّ عليه ما بعده. كقوله :

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرّأي مختلف

ولا يجوز عطفه على محلّ «إنّ» واسمها ، فإنّه مشروط بالفراغ من الخبر. إذ لو عطف عليه قبله ، كان الخبر خبر المبتدأ وخبر «إنّ» معا ، فيجتمع عليه عاملان. ولا على الضّمير في «هادوا» لعدم التّأكيد والفصل. ولا يوجب كون الصّابئين هودا.

وقيل (١) : «إن» ، بمعنى : نعم. وما بعد ما في موضع الرّفع ، بالابتداء. وقيل :

«والصّابئون» منصوب بالفتحة. وذلك كما جوّز بالياء ، جوّز بالواو.

(مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً) : في محلّ الرّفع ، بالابتداء.

وخبره.

(فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٩) :

والجملة ، خبر «إنّ». أو خبر المبتدأ ، كما مرّ. والرّاجع محذوف ، أي : من آمن منهم. أو النّصب على البدل من اسم «إنّ» وما عطف عليه.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٨٥.

١٩٧

وقرئ : «والصّابئين». وهو الظّاهر. «والصّابيون» بقلب الهمزة ياء.

«والصّابون» بحذفها. من صبأ ، بإبدال الهمزة ألفا. أو من صبوت ، لأنّهم صبوا إلى اتّباع الشّهوات ولم يتّبعوا شرعا ولا عقلا (١).

(لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً) : ليذكّروهم ، وليبيّنوا لهم أمر دينهم.

(كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ) : بما يخالف هواهم من الشّرائع ، وميثاق التّكاليف.

(فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) (٧٠) : جواب الشّرط. والجملة صفة «رسلا». والرّاجع محذوف ، أي : رسول منهم.

وقيل (٢) : الجواب محذوف ، دلّ عليه ذلك. وهو استئناف. وإنّما جيء «بيقتلون» موضع «قتلوا» على حكاية الحال الماضية ، استحضارا لها ، واستفظاعا للقتل ، وتنبيها على أنّ ذلك من ديدنهم ماضيا ومستقبلا ، ومحافظة على رؤوس الآي.

(وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ، أي : وحسب بنو إسرائيل ، أن لا يصيبهم بلاء وعذاب بقتل الأنبياء وتكذيبهم.

وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ ويعقوب : «لا تكون» بالرّفع ، على أنّ «أن» هي المخفّفة من الثّقيلة. وأصله : أنّه لا تكون فتنة. وإدخال فعل الحسبان عليها وهي للتّحقيق ، تنزيل له منزلة العلم لتمكّنه في قلوبهم. أو «أن» بما في حيّزها ، سادّ مسدّ مفعولية (٣).

(فَعَمُوا) : عن الدّين ، والدّلائل ، والهدى.

(وَصَمُّوا) : عن استماع الحقّ. كما فعلوا حين عبدوا العجل.

(ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ) ، أي : ثمّ تابوا فتاب الله عليهم.

(ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا) : كرّة أخرى.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) نفس المصدر ١ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

(٣) نفس المصدر ١ / ٢٨٦.

١٩٨

وقرئ ، بالضّمّ فيهما ، على أنّ الله أعماهم وصمّهم ، أي : رماهم بالعمى والصّمّ. وهو قليل. واللّغة الفاشية : أعمى وأصمّ. (١) (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) : بدل من الضّمير. أو فاعل ، والواو علامة الجمع ، كقولهم : أكلوني البراغيث. أو خبر مبتدأ محذوف ، أي : العمى والصّمّ كثير منهم.

وقيل (٢) : مبتدأ ، والجملة قبله خبره. وهو ضعيف. لأنّ تقديم الخبر في مثله ممتنع.

(وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (٧١) : فيجازيهم وفق أعمالهم.

وفي روضة الكافي (٣) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن الحصين ، عن خالد بن يزيد القمّي ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) قال :

حيث كان النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بين أظهرهم ، فعموا وصمّوا حيث قبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ تاب الله عليهم حيث قام أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ثمّ عموا (٤) وصمّوا إلى السّاعة.

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) ، أي : إنّي عبد مربوب مثلكم ، فاعبدوا خالقي وخالقكم.

(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) : في عبادته. أو فيما يختصّ به من الصّفات والأفعال.

(فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) : يمنع دخولها ، كما يمنع المحرّم عليه من المحرّم. فإنّها دار الموحّدين.

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن زرارة قال : كتبت إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مع بعض أصحابنا فيما يروي النّاس عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنّه من أشرك بالله

__________________

(١ و ٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) الكافي ٨ / ١٩٩ ، ح ٢٣٩.

(٤) المصدر : قال : ثم عموا.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٣٣٥ ، ح ١٥٨.

١٩٩

فقد وجبت له النّار. وأنّ من لم يشرك بالله فقد وجبت له الجنّة.

أمّا من أشرك بالله ، فهذا الشّرك البيّن. وهو قول الله : (مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ). وأمّا قوله : «من لم يشرك بالله فقد وجبت له الجنّة» قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : هاهنا النّظر ، هو من لم يعص الله.

(وَمَأْواهُ النَّارُ) : فإنّها المعدّة للمشركين.

(وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٧٢) ، أي : وما لهم أحد ينصرهم من النّار.

فوضع الظّاهر موضع المضمر ، تسجيلا على أنّهم ظلموا بالإشراك. وعدلوا عن طريق الحقّ. وهو يحتمل أن يكون من تمام كلام عيسى ، وأن يكون من كلام الله. نبّه على أنّهم قالوا ذلك ، تعظيما لعيسى وتقرّبا إليه. وهو معاديهم بذلك ومخاصمهم فيه ، فما ظنّك بغيره.

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) : قيل (١) : القائلون بذلك (٢) جمهور النّصارى [، من الماكانيّة واليعقوبيّة والنّسطوريّة. لأنّهم] (٣) يقولون : ثلاثة أقانيم جوهر واحد. أب ، وابن ، وروح القدس إله واحد. ولا يقولون : ثلاثة آلهة. ويمنعون من هذه العبارة. وإن كان يلزمهم [أن يقولوا : ثلاثة آلهة ، فصحّ أن يحكى عنهم بالعبارة الّلازمة. وإنّما قلنا : إنّه يلزمهم] (٤) ذلك. لأنّهم يقولون : الابن إله ، والأب إله ، وروح القدس إله ، والابن ليس هو الأب.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في حديث : أمّا المسيح فعصوه وعظّموه في أنفسهم ، حتّى زعموا أنّه إله وأنّه ابن الله. وطائفة منهم قالوا : ثالث ثلاثة. وطائفة منهم قالوا : هو الله.

(وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) : وما في الوجود ذات واجب مستحقّ للعبادة ـ من حيث أنّه مبدأ جميع الموجودات ـ إلّا إله واحد. موصوف بالوحدانيّة ، متعال عن قبول

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٢٢٨.

(٢) المصدر : بهذه المقالة.

(٣) من المصدر.

(٤) من المصدر.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٨٩.

٢٠٠