تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٥

مجرميها».

وتخصيص الأكابر ، لأنّهم أقوى على استتباع النّاس والمكر بهم.

(وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ) : لأنّ وباله يحيق بهم.

(وَما يَشْعُرُونَ) (١٢٣) : ذلك.

(وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا) ، أي : الأكابر.

(لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ).

روي (١) أنّ أبا جهل قال : زاحمنا بني عبد مناف في الشّرف حتّى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منّا نبيّ يوحى إليه. والله (٢) ولا نرضى به إلّا أن يأتينا وحي ، كما يأتيه.

فنزلت.

(اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) : استئناف للرّدّ عليهم بأنّ النّبوّة ليست بالنّسب ولا بالمال ، وإنّما هي بفضائل نفسانيّة يخصّ الله بها من يشاء من عباده ، فيجتبي لرسالته من علم أنّه يصلح لها. وهو ـ تعالى ـ أعلم بالمكان الّذي فيه يضعها.

وقرأ (٣) ابن كثير وحفص عن عاصم : «رسالته (٤)».

(سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ) : ذلّ وحقارة بعد كبرهم.

(عِنْدَ اللهِ) : يوم القيامة.

وقيل (٥) : تقديره : من عند الله.

(وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ) (١٢٤) : بسبب مكرهم ، أو جزاء على مكرهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : يعصون الله في السّرّ.

(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) : يعرّفه طريق الحقّ ، ويوفّقه للإيمان.

(يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) : فيتّسع له ، ويتفسّح فيه مجاله. وهو كناية عن جعل

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٠.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الله و، وليس في «ج».

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٠.

(٤) لا يخفى انّ متن الآية في المصدر : رسالاته.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٠.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٢١٦.

٤٤١

النّفس قابلة للحقّ ، مهيّأة لحلوله فيها ، مصفّاة عمّا يمنعه وينافيه.

وفي مجمع البيان (١) : وقد وردت الرّواية الصّحيحة ، أنّه لمّا نزلت هذه الآية سئل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن شرح الصّدر ، ما هو؟

فقال : نور يقذفه الله في قلب المؤمن ، فينشرح له [صدره] (٢) وينفسح.

فقالوا : هل (٣) لذلك أمارة (٤) يعرف بها؟

قال : نعم ، الإنابة إلى دار الخلود والتّجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله (٥).

وفي كتاب الاحتجاج (٦) للطبرسيّ : روي عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : ثمّ (٧) إنّ الله ـ جلّ ذكره ـ لسعة رحمته ورأفته بخلفه وعلمه بما يحدثه (٨) المبدّلون من تغيير كلامه (٩) ، قسّم كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه إلّا من صفا ذهنه ولطف حسّه وصحّ تمييزه ممّن شرح الله صدره للإسلام ، [وقسما : لا يعرفه الّا الله ، وأمناؤه ، والراسخون في العلم] (١٠).

(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) : بحيث ينبو عن قبول الحقّ ، فلا يدخله الإيمان.

وقرأ (١١) ابن كثير : «ضيقا» بالتّخفيف. ونافع وأبو بكر عن عاصم : «حرجا» بالكسر ، أي : شديد الضّيق. والباقون ، بالفتح وصفا بالمصدر.

وفي كتاب معاني الأخبار (١٢) : حدّثنا أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٣٦٣.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر : قالوا : فهل.

(٤) المصدر : من أمارة.

(٥) المصدر : نزول الموت.

(٦) الاحتجاج ١ / ٣٧٦.

(٧) يوجد في المصدر ، «ر».

(٨) «ج» و «ر» : جرته.

(٩) المصدر : كتابه.

(١٠) من المصدر.

(١١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٠.

(١٢) المعاني / ١٤٥ ، ح ١ ، ونور الثقلين ١ / ٧٦٥ ، ح ٢٧٦ عن الخصال. وفيه : اللثام بدل الملتأم.

٤٤٢

عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة ، عن عبد الخالق بن عبد ربّه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً).

فقال : قد يكون ضيّقا وله منفذ يسمع منه ويبصر. والحرج : هو الملتأم الّذي لا منفذ له ، يسمع به (١) ولا يبصر منه.

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عنه ـ عليه السّلام ـ أنّه قال لموسى بن أشيم (٣) : أتدري ما الحرج؟

قال : قلت : لا.

فقال بيده وضمّ أصابعه ، كالشّيء المصمت (٤) ، الّذي لا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء.

(كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) : شبّهه مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه. فإنّ صعود السّماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة. ونبّه به على أنّ الإيمان يمتنع منه ، كما يمتنع عليه الصّعود إلى السّماء.

وقيل (٥) : معناه : كأنّما يتصاعد الى (٦) السّماء ، نبوا به (٧) عن الحقّ ، وتباعدا في الهرب منه.

وأصل : «يصّعّد» يتصعّد ، وقد قرئ به. وقرأ (٨) ابن كثير : «يصعد». وأبو بكر عن عاصم : «يصاعد» ، بمعنى : يتصاعد.

(كَذلِكَ) ، أي : كما يضيق صدره ويبعد قلبه عن الحقّ.

(يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (١٢٥) : يجعل العذاب والخذلان عليهم. ووضع الظّاهر موضع المضمر ، للتّعليل

__________________

(١) المصدر : [به].

(٢) تفسير العيّاشي ١ / ٣٧٧ ذيل ح ٩٥.

(٣) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ٢ / ٢٧١.

(٤) المصمت : الذي لا جوف له.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٠.

(٦) كذا في المصدر ، وفي النسخ : يصّعّد في.

(٧) ليس في المصدر : به.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٠.

٤٤٣

في تفسير العيّاشي (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : هو الشّكّ.

وفي أصول الكافي (٢) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن فضّال ، عن أبي جميلة ، عن محمّد الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : [قال] (٣) إنّ القلب ليتجلجل في الجوف يطلب الحقّ. فإذا أصابه ، اطمأنّ وقرّ. ثمّ تلا (٤) : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) (الآية).

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن أبي بصير ، عن أبي جهينة (٦) قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ القلب ينقلب من [لدن] (٧) موضعه إلى حنجرته ما لم يصب الحقّ. فإذا أصاب الحقّ ، قرّ. [ثم ضمّ أصابعه] (٨) ثمّ تلا (٩) هذه الآية : [(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً)] (١٠).

وفي أصول الكافي (١١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي عمير ، عن عبد الحميد بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : [قال] (١٢) إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ إذا أراد بعبد خيرا ، نكت في قلبه نكتة من نور فأضاء لها [سمعه و] (١٣) قلبه ، حتّى يكون أحرص على ما في أيديكم [منكم] (١٤). وإذا أراد بعبد سوءا ، نكت في قلبه نكتة سوداء وأظلم لها سمعه وقلبه. ثمّ تلا : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) (الآية).

وفي كتاب التّوحيد (١٥). حدّثني أبي ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ / ٣٧٧ ، ح ٩٦.

(٢) الكافي ٢ / ٤٢١ ، ح ٥.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : تلا أبو عبد الله هذه الآية.

(٥) تفسير العيّاشي ١ / ٣٧٧ ح ٩٥.

(٦) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ٢ / ٣٨٣ ، وفي النسخ : أبي جهينة.

(٧) من المصدر.

(٨) من المصدر.

(٩) المصدر : قرأ.

(١٠) من المصدر.

(١١) الكافي ٢ / ٢١٤ ، ح ٦.

(١٢) من المصدر.

(١٣) من المصدر.

(١٤) من المصدر.

(١٥) التوحيد / ٤١٥ ح ١٤.

٤٤٤

بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن حمران ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ إذا أراد بعبد خيرا ، نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكّل به ملكا يسدّده. وإذا أراد بعبد سوء ، نكت في قلبه نكتة سوداء وسدّ مسامع قلبه ووكّل به شيطانا يضلّه. ثمّ تلا هذه الآية [(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ)] (١).

وفي روضة الكافي (٢) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل : واعلموا أن الله إذا أراد بعبد خيرا ، يشرح (٣) صدره للإسلام (٤) فإذا (٥) أعطاه ذلك ، نطق (٦) لسانه بالحقّ وعقد قلبه عليه فعمل (٧) به. فإذا جمع الله له ذلك تمّ إسلامه ، وكان عند الله إن مات على تلك الحال من المسلمين حقّا. وإذا لم يرد الله بعبد خيرا ، وكلّه إلى نفسه فكان صدره ضيّقا حرجا. فإن جرى على لسانه حقّ ، لم يعقد قلبه عليه. وإذا لم يعقد قلبه عليه ، لم يعطه الله العمل به. فإذا اجتمع ذلك عليه حتّى يموت وهو على تلك الحال ، و (٨) كان عند الله من المنافقين. وصار ما جرى على لسانه من الحقّ الّذي لم يعطه الله ، أن يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجّة عليه. فاتّقوا الله واسألوه (٩) أن يشرح صدوركم للإسلام ، وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحقّ (١٠) بالحكمة حتّى يتوفّاكم وأنتم على ذلك.

وفي عيون الأخبار (١١) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في التّوحيد : حدّثنا عبد الواحد (١٢) بن محمّد بن عبدوس العطّار ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا عليّ [بن

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الكافي ٨ / ١٣ ـ ١٤ ، ضمن ح ١.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : يشرح.

(٤) يوجد في المصدر و «ج».

(٥) بعض النسخ : وإذا.

(٦) المصدر : أنطق.

(٧) كذا في المصدر : وفي النسخ : ويحمل.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) المصدر : سلوه.

(١٠) كذا في المصدر ، وفي «ج» : للحكمة ، وفي سائر النسخ : بالحكمة.

(١١) العيون ١ / ١٣١ ، ح ٢٧.

(١٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : أبو أحمد.

٤٤٥

محمّد] (١) بن قتيبة النّيشابوريّ [عن حمدان بن سليمان بن النيسابوري] (٢) قال : سألت أبا الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية.

فقال : من يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدّنيا و (٣) إلى جنّته وإلى (٤) دار كرامته في الآخرة ، يشرح صدره للتّسليم (٥) لله والثّقة به والسّكون إلى ما وعده من ثوابه حتّى يطمأنّ إليه. ومن يرد أن يضلّه عن جنّته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه له في الدّنيا ، يجعل صدره ضيّقا حرجا حتّى يشكّ في كفره ويضطرب من (٦) اعتقاد (٧) قلبه حتّى يصير ، كأنّما يصّعّد في السّماء (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ).

(وَهذا) : إشارة إلى البيان الّذي جاء به القرآن ، أو إلى الإسلام ، أو إلى ما سبق من التّوفيق والخذلان.

(صِراطُ رَبِّكَ) : الطّريق الّذي ارتضاه ، أو عادته. أو طريقه الّذي اقتضته حكمته.

(مُسْتَقِيماً) : لا عوج فيه ، أو عادلا مطّردا. وهو حال مؤكّدة ، كقوله ـ تعالى ـ :

(وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً). أو مقيّدة ، والعامل فيها معنى الإشارة.

(قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (١٢٦) : فيعلمون أنّ القادر هو الله ـ تعالى ـ ، وأنّ كلّ ما يحدث من خير أو شرّ بقضائه وخلقه ، وأنّه ـ تعالى ـ عالم بأحوال العباد حكيم عادل فيما يفعل بهم.

(لَهُمْ دارُ السَّلامِ) : دار الله. أضاف الجنّة إلى نفسه ، تعظيما لها. أو دار السّلامة من المكاره. أو دار تحيّتهم فيها سلام.

(عِنْدَ رَبِّهِمْ) : في ضمانه ، أو ذخيرة لهم عنده لا يعلم كنهها غيره.

(وَهُوَ وَلِيُّهُمْ) : مولاهم ، أو ناصرهم.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) من المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) كذا في المصدر ، والنسخ : بالتسليم.

(٦) بعض النسخ : عن.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : اعتقاده.

٤٤٦

(بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢٧) : بسبب أعمالهم. أو متولّيهم بجزائها ، فيتولّى إيصاله إليهم.

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) : نصب بإضمار «اذكر» ، أو «نقول». والضّمير لمن يحشر من الثّقلين.

وقرأ (١) حفص عن عاصم وروح عن يعقوب ، بالياء.

(يا مَعْشَرَ الْجِنِ) ، يعني : الشّياطين.

(قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) ، أي : من إغوائهم وإضلالهم. أو منهم ، بأن جعلتموهم أتباعكم فحشروا معكم ، كقولهم : استكثر الأمير من الجنود.

(وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ) : الّذين أطاعوهم.

(رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) ، أي : انتفع (٢) الإنس بالجنّ بأن دلّوهم على الشّهوات وما يتوصّل به إليها ، والجنّ بالإنس بأن أطاعوهم (٣) وحصّلوا مرادهم.

وقيل (٤) : استمتاع الإنس بهم ، أنّهم كانوا يعوذون بهم (٥) في المفاوز [و] (٦) عند المخاوف. واستمتاعهم بالإنس اعترافهم ، بأنّهم يقدرون على إجارتهم.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : في هذه الآية قال : كلّ من والى قوما ، فهو منهم وإن لم يكن من جنسهم.

(وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) ، أي : البعث. وهو اعتراف بما فعلوا من إطاعة الشّيطان واتّباع الهوى وتكذيب البعث ، وتحسّر على حالهم.

(قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ) : منزلكم ، أو ذات مثواكم.

(خالِدِينَ فِيها) : حال. والعامل فيها «مثواكم» إن جعل مصدرا ، ومعنى الإضافة إن جعل مكانا.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣١.

(٢) «ب» : اشفع.

(٣) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٣٣١ ، وفي النسخ : أطاعوه.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٣١.

(٥) كذا في المصدر ، والنسخ : إليهم.

(٦) من المصدر.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٢١٦.

٤٤٧

(إِلَّا ما شاءَ اللهُ).

قيل (١) : إلّا الأوقات الّتي ينقلون فيها من النّار إلى الزّمهرير.

وقيل (٢) : إلّا ما شاء الله قبل الدّخول ، كأنّه قيل (٣) : النّار مثواكم أبدا إلّا ما أمهلكم.

(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ) : في أفعاله.

(عَلِيمٌ) (١٢٨) : بأفعال الثّقلين وأحوالهم.

(وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) : نكل (٤) بعضهم إلى بعض. أو نجعل بعضهم يتولّى بعضا ، فيغويهم. أو أولياء بعض وقرناءهم في العذاب ، كما كانوا في الدّنيا. كذا في تفسير عليّ بن إبراهيم (٥).

وفي أصول الكافي (٦) ، بإسناده إلى أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال :

قال : ما انتصر الله من ظالم إلّا بظالم. وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً).

(بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٢٩) : من الكفر والمعاصي.

(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) الرّسل من الإنس خاصّة ، لكن لما جمعوا مع الجنّ في الخطاب صحّ ذلك. ونظيره :

(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ). والمرجان يخرج من الملح دون العذب. وتعلّق بظاهره قوم وقالوا : بعث إلى كلّ من الثّقلين رسل من جنسهم.

وقيل (٧) : الرّسل من الجنّ ، رسل الرّسل إليهم بقوله ـ تعالى ـ : (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ).

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣١.

(٢ و ٣) نفس المصدر ، والموضع.

(٤) كذا في «ج» و «ر» ، وفي سائر النسخ : وكّل.

(٥) لا يوجد شيء ممّا ذكر في تفسير القمي ١ / ٢١٦ ، والموجود هكذا : قال نولي كل من تولّى أولياءهم فيكونون معهم يوم القيمة.

(٦) الكافي ٢ / ٣٣٤ ، ح ١٩.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٣١.

٤٤٨

وفي كتاب العيون (١) ، في خبر الشّاميّ : أنّه سأل أمير المؤمنين ، هل بعث الله ـ تعالى ـ نبيّا إلى الجنّ؟

فقال : نعم ، بعث إليهم نبيّا يقال له : يوسف. فدعاهم إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ ، فقتلوه.

وعن الباقر (٢) ـ عليه السّلام ـ في حديث : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أرسل محمّدا إلى الجنّ والإنس.

وفي نهج البلاغة (٣) : قال ـ عليه السّلام ـ : هو الّذي أسكن الدّنيا خلقه. وبعث إلى الجنّ والإنس رسله ، ليكشفوا لهم عن (٤) غطائها ، وليحذروهم من (٥) ضرّائها ، وليضربوا لهم أمثالها ، وليبصّروهم عيوبها ، ولينهجوا (٦) عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها (٧) وأسقامها وحلالها وحرامها (٨) وما أعدّ الله ـ سبحانه ـ للمطيعين منهم والعصاة من [جنّة ونار وكرامة] (٩) وهوان.

(يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) : يوم القيامة.

(قالُوا) : جوابا.

(شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) : بالجرم والعصيان. وهو اعتراف منهم بالكفر واستيجاب العذاب.

(وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) (١٣٠) : ذمّ لهم على سوء نظرهم وخطأ رأيهم. فإنّهم اغترّوا بالحياة الدّنياويّة واللّذات المخدجة (١٠) ،

__________________

(١) العيون ١ / ٢٤٢.

(٢) العيون ١ / ٥٦ ، صدر ح ٢١. ومن هنا لا يوجد في نسخة «ج» إلى موضع سيأتي.

(٣) نهج البلاغة / ٢٦٥ ، صدر خطبة ١٨٣.

(٤) بعض النسخ : من.

(٥) كذا في المصدر ، والنسخ : وليحذروا عن.

(٦) المصدر : ليهجموا.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : مصاحبها والمصاحّ ـ جمع مصحّة ـ : بمعنى الصّحّة والعافية.

(٨) كذا في المصدر ، و «ر» : صرفها ، وفي سائر النسخ : نصرفها.

(٩) لذا في المصدر ، وفي النسخ : جنّته ومكرمته بدل ما بين المعقوفتين.

(١٠) المخدجة : الناقصة.

٤٤٩

وأعرضوا عن الآخرة بالكلّيّة حتّى كان عاقبة أمرهم أن اضطرّوا إلى الشّهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب ، تحذيرا للسّامعين من مثل حالهم.

(ذلِكَ) : إشارة إلى إرسال الرّسل. وهو خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر ذلك.

(أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ) (١٣١) : تعليل للحكم.

و «أن» مصدريّة ، أو مخفّفة من الثقيلة (١) ، أي : الأمر ذلك ، لانتفاء كون ربّك أو لأنّ الشّأن لم يكن ربّك مهلك القرى بسبب ظلم فعلوه. أو ملتبسين (٢) بظلم. أو ظالما وهم غافلون لم ينبّهوا برسول. أو بدل من «ذلك».

(وَلِكُلٍ) : من المكلّفين.

(دَرَجاتٌ) : مراتب.

(مِمَّا عَمِلُوا) : من أعمالهم ، أو من جزائها ، أو من أجلها.

(وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (١٣٢) : فيخفى عليه عمل ، أو قدر ما يستحقّ به من ثواب أو عقاب.

وقرأ (٣) ابن عامر ، بالتّاء ، على تغليب الخطاب على الغيبة.

(وَرَبُّكَ الْغَنِيُ) : عن العبادة.

(ذُو الرَّحْمَةِ) : يترحّم عليهم بالتكلّيف ، تكميلا لهم ويمهلهم على المعاصي.

وفيه تنبيه على ، أنّ ما سبق ذكره من الإرسال ليس لنفعه بل لترحّمه على العباد ، وتأسيس لما بعده وهو قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) ، أي : ما به إليكم حاجتي (٤). «إن يشأ يذهبكم» ، أيها (٥) العصاة.

(وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) : من الخلق.

(كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) (١٣٣) ، أي : قرنا بعد قرن. لكنّه

__________________

(١) كذا في «ر» ، وسائر النسخ : المثقّلة.

(٢) «ر» : متلبّسين.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٢.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٢ : حاجة.

(٥) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٣٣٢ ، والصافي ٢ / ٥٩ ، وفي النسخ : أي.

٤٥٠

أبقاكم ترحّما عليكم.

(إِنَّ ما تُوعَدُونَ) : من البعث وأحواله.

(لَآتٍ) : لكائن لا محالة.

(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) (١٣٤) : طالبكم به.

وقيل (١) : بخارجين من (٢) ملكه.

يقال : أعجزني كذا ، أي : فاتني وسبقني.

(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) : في غاية تمكّنكم واستطاعتكم. يقال :

مكن مكانة : إذا تمكّن أبلغ التّمكّن. أو على ناحيتكم وجهتكم الّتي أنتم عليها. من قولهم : مكان ومكانة ، لمقام ومقامة.

وقرأ (٣) أبو بكر عن عاصم : «مكاناتكم» بالجمع في كلّ القرآن ، وهو أمر تهديد.

والمعنى : اثبتوا على كفركم وعداوتكم.

(إِنِّي عامِلٌ) : على ما كنت عليه من المصابرة والثّبات على الإسلام.

والتّهديد بصيغة (٤) الأمر ، مبالغة في الوعيد كأنّ المهدّد يريد تعذيبه مجمعا عليه فيحمله بالأمر على ما يفضي إليه ، وتسجيل بأنّ المهدّد لا يتأتّى منه إلّا الشّرّ ، كالمأمور به الّذي لا يقدر أن يتفصّى (٥) عنه.

(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ).

إن جعل «من» استفهاميّة بمعنى : أيّنا تكون له العاقبة الحسنى الّتي خلق الله لها هذه الدّار ، فمحلّها الرّفع ، وفعل العلم معلّق عنه. وإن جعلت خبريّة ، فالنّصب «بتعلمون» ، أي : فسوف تعرفون الّذي يكون له العاقبة.

وفيه مع الإنذار ، إنصاف في المقال وحسن الأدب ، وتنبيه على وثوق المنذر بأنّه محقّ.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٣٦٩ وفيه : يقال.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : عن.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٢.

(٤) كذا في «ر» ، وفي سائر النسخ : بصفة.

(٥) تفصّى من الشيء وعنه : تخلّص منه.

٤٥١

وقرأ (١) حمزة والكسائيّ : «يكون» بالياء. لأنّ تأنيث العاقبة غير حقيقيّ.

(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (١٣٥) : وضع الظّالمين موضع الكافرين ، لأنّه أعمّ وأكثر فائدة.

(وَجَعَلُوا) ، أي : مشركو العرب.

(لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) : خلق الله.

(مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً ، فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ) : من غير أن يؤمروا به.

(وَهذا لِشُرَكائِنا) : أصنامهم الّتي أشركوها في أموالهم.

(فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ).

وفي قوله : «بزعمهم» تنبيه على أنّ ذلك ممّا اخترعوه ، لم يأمرهم الله به.

وقرأ (٢) الكسائيّ ، بالضّمّ ، في الموضعين. وهو لغة فيه. وقد جاء فيه الكسر ـ أيضا ـ.

(ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (١٣٦) : حكمهم هذا.

روي (٣) : أنّهم كانوا يعيّنون شيئا من حرث ونتاج لله ويصرفونه إلى الضّيفان والمساكين ، وشيئا منهما لآلهتهم وينفقونه (٤) على سدنتها ويذبحون عندها. ثمّ إن رأوا ما عيّنوا لله أزكى ، بدّلوه بما لآلهتهم. وإن رأوا ما لآلهتهم أزكى ، تركوه لها حبّا لآلهتهم.

واعتلّوا لذلك ، بأنّ الله غنيّ.

وفي مجمع البيان (٥) : عن أئمّتنا ـ عليهم السّلام ـ : [إنّه] (٦) كان إذا (٧) اختلط ما جعل للأصنام بما جعل لله ، ردّوه. وإذا اختلط ما جعل لله بما جعلوه (٨) للأصنام ، تركوه

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٢.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٣.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٣.

(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : ينفقون.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٣٧٠.

(٦) من المصدر.

(٧) إلى هنا لا يوجد في «ج».

(٨) المصدر : جعل.

٤٥٢

وقالوا : الله غنيّ (١). وإذا انخرق (٢) الماء من الّذي لله في الّذي للأصنام ، لم يسدّوه. وإذا انخرق (٣) من الّذي للأصنام في الّذي لله ، سدّوه وقالوا : الله غنيّ (٤).

قيل (٥) : وفي قوله : «ممّا ذرأ» تنبيه على فرط جهالتهم. فإنّهم أشركوا الخالق في خلقه جمادا لا يقدر على شيء ، ثمّ رجّحوه عليه بأن جعلوا الزّاكي له.

(وَكَذلِكَ) ، مثل ذلك التّزيين في قسمة القربات.

(زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ) : بالوأد ، خيفة العيلة أو العار. أو نحرهم لآلهتهم.

(شُرَكاؤُهُمْ) : من الجنّ ، أو من السّدنة. وهو فاعل «زيّن».

وقرأ (٦) ابن عامر : «زيّن» على البناء للمفعول الّذي هو القتل ، ونصب الأولاد ، وجرّ الشّركاء بإضافة القتل إليه مفصولا بينهما بمفعوله. وهو ضعيف في العربيّة ، معدود من ضرورات الشّعر.

وقرئ (٧) ، بالبناء للمفعول ، وجرّ «أولادهم» ورفع «شركاؤهم» بإضمار فعل دلّ عليه «زيّن».

(لِيُرْدُوهُمْ) : ليهلكوهم بالإغواء.

(وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) : وليخلطوا عليهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل ـ عليه السّلام ـ. أو ما وجب عليهم أن يتديّنوا به.

و «الّلام» للتعلّيل إن كان التّزيين من الشّياطين ، وللعاقبة إن كان من السّدنة.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ) : ما فعل المشركون ما زيّن لهم ، أو الشّركاء التّزيين ، أو الفريقان جميع ذلك.

(فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) (١٣٧) : افتراءهم. أو ما يفترونه من الإفك.

__________________

(١) المصدر : أغنى.

(٢) المصدر : تخرّق.

(٣) المصدر : تخرّق.

(٤) المصدر : أغنى.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٣.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٣.

(٧) نفس المصدر ، والموضع.

٤٥٣

(وَقالُوا هذِهِ) : إشارة إلى ما جعل لآلهتهم.

(أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) : حرام. فعل بمعنى : مفعول ، كالذّبح يستوي فيه الواحد والكثير والذّكر والأنثى.

وقرئ (١) : «حجر» بالضّمّ. وحرج ، أي : مضيق.

(لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ) : من خدم الأوثان والرّجال دون النّساء.

(بِزَعْمِهِمْ) : من غير حجّة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : كانوا يحرمون على قوم.

(وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) ، يعني : البحائر والسّوائب والحوامي.

(وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) : في الذّبح. وإنّما يذكرون أسماء الأصنام عليها.

وقيل (٣) : لا يحجّون على ظهورها.

(افْتِراءً عَلَيْهِ) : نصب على المصدر ، لأنّ ما قالوا تقوّل على الله ـ تعالى ـ. والجارّ متعلّق «بقالوا» ، أو بمحذوف هو صفة له.

أو على الحال ، أو المفعول له. والجار متعلّق به ، أو بالمحذوف.

(سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) (١٣٨) : بسببه أو بدله.

(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ) ، يعنون : أجنّة البحائر والسّوائب.

(خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) : حلال للذّكور خاصّة دون الإناث إن ولد حيًّا ، لقوله : (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) : فالذّكور والإناث فيه سواء.

وتأنيث «الخالصة» للمعنى ، فإنّ «ما» في معنى : الأجنّة. ولذلك وافق عاصم في رواية أبي بكر ابن عامر في «تكن» بالتّاء ، وخالفه هو وابن كثير في «ميتة» فنصب كغيرهم. أو التّاء فيه للمبالغة ، كما في رواية الشّعر. وهو مصدر ، كالعافية وقع موقع الخالص.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٣.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٢١٧.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٣.

٤٥٤

وقرئ (١) ، بالنّصب ، على أنّه مصدر مؤكّد والخبر «لذكورنا». أو حال من الضّمير الّذي هو في الظّرف ، لا من الّذي في «ذكورنا» ، ولا من الذّكور. لأنّها لا تتقدّم على العامل المعنويّ ولا على صاحبها المجرور.

وقرئ (٢) : «خالص» بالرّفع والنّصب. و «خالصة» بالرّفع والإضافة إلى الضّمير ، على أنّه بدل من «ما» ، أو مبتدأ ثان. والمراد به ما كان حيّا. والتّذكير في «فيه» ، لأنّ المراد بالميتة ما يعمّ الذكور والأنثى ، فغلّب الذّكر.

(سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) ، أي : جزّاء وصفهم الكذب على الله ـ تعالى ـ في التّحريم والتّحليل. من قوله ـ تعالى ـ : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ).

(إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (١٣٩) (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً) : يريد بهم العرب الّذين كانوا يقتلون بناتهم ، مخافة السّبي والفقر.

وقرأ (٣) ابن كثير وابن عامر : «قتّلوا» بالتّشديد ، بمعنى : التّكثير.

(بِغَيْرِ عِلْمٍ) : لخفّة عقلهم ، وجهلهم بأنّ الله رازق أولادهم.

ويجوز نصبه على الحال ، أو المصدر.

(وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) : من البحائر والسّبائب ونحوها.

(افْتِراءً عَلَى اللهِ) : يحتمل الوجوه المذكورة في مثله.

(قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (١٤٠) : إلى الحقّ والصّواب.

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ) : من الكروم. (مَعْرُوشاتٍ) : مرفوعات على ما يحملها.

(وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) : ملقيات على وجه الأرض.

وقيل (٤) : «المعروشات» ما غرسه النّاس فعرشوه. «وغير معروشات» ما نبت في البراري والجبال.

(وَالنَّخْلَ).

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٤.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٤.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٤.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٤.

٤٥٥

في كتاب علل الشّرائع (١) ، بإسناده إلى أبي يحيى الواسطيّ ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لمّا خلق آدم من طينة ، فضل (٢) من تلك الطّينة فضل (٣) فخلق الله منها النّخلة. فمن أجل ذلك إذا قطع رأسها ، لم تنبت وهي تحتاج إلى اللقّاح.

أي الكفّاح (٤).

(وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) : ثمره الّذي يؤكل في الهيئة والكيفيّة.

والضّمير «للزّرع» والباقي مقيس عليه ، إذ النّخل والزّرع داخل في حكمه لأنّه معطوف عليه. أو للجميع ، على تقدير أكل ذلك ، أو كلّ واحد منهما.

«ومختلفا» حال مقدّرة ، لأنّه لم يكن كذلك عند الإنشاء.

(وَالزَّيْتُونَ).

في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٥) ، بإسناده إلى أبي الطّفيل عامر بن واثلة (٦) ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه لبعض اليهود وقد سأله عن مسائل : وأمّا أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض ، فإنّ اليهود يزعمون أنّها الزّيتون ، وكذبوا ولكنّها النّخلة من العجوة نزل بها آدم ـ عليه السّلام ـ معه من الجنّة بالفحل (٧). وأصل النّخلة كلّه من العجوة.

قال له اليهوديّ : أشهد بالله لقد (٨) صدقت.

(وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) : يتشابه بعض أفرادهما في اللّون والطّعم ، ولا يتشابه بعضها.

(كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) : من ثمر كلّ واحد من ذلك.

__________________

(١) العلل / ٥٧٥ ح ١.

(٢) المصدر : فضلت.

(٣) المصدر : فضلة.

(٤) الظاهر أنّه تصحيف النكاح ، والزيادة ليست من الحديث.

(٥) كمال الدين / ٢٩٥ ـ ٢٩٦ ضمن ح ٣.

(٦) «ب» : واعلة.

(٧) كذا في المصدر ، وفي «ج» : فالفحل ، وفي سائر النسخ : فالفجل.

(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : قد.

٤٥٦

(إِذا أَثْمَرَ) : وإن لم يدرك ولم يينع بعد.

وقيل (١) : فائدته رخصة المالك في الأكل ومنه قبل أداء حقّ الله ـ تعالى ـ.

وإنّما يصحّ ذلك إذا خرص ما يأكل.

(وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ).

في تفسير العيّاشي (٢) : عن سماعة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ ، عن أبيه ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنّه كان يكره أن يصرم (٣) النّخل باللّيل وأن يحصد الزّرع باللّيل. لأنّ الله يقول : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ).

قيل : يا نبيّ الله ، وما حقّه؟

قال : ناول منه (٤) المسكين والسّائل.

وعن أبي عبد الله ـ عليه السّلام (٥) ـ في قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) كيف يعطى؟

قال : تقبض بيدك الضّغث (٦).

في حديث آخر (٧) ، عن الحلبيّ (٨) : فسمّاه الله : حقا (٩).

قال : قلت : وما حقّه يوم حصاده؟

قال : الضغث تناوله من حضرك من أهل الحاجة (١٠).

أبو الجارود (١١) [زياد بن المنذر] (١٢) قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ).

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٤.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٣٧٩ ، ح ١٠٨.

(٣) صرام النّخل : قطع ثمرتها.

(٤) يوجد في المصدر و «ج» و «ر».

(٥) تفسير العيّاشي ١ / ٣٨٠ صدر ح ١١٢ و ١١٣.

(٦) الضغث : قبضة الحشيش المختلط رطبها ويابسها.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٣٨٠ ، تتمة ح ١١٢.

(٨) المصدر : أبي بصير.

(٩) بعض النسخ : حقّه.

(١٠) المصدر : أهل الخاصّة.

(١١) تفسير العيّاشي ١ / ٣٨٠ ح ١١٤.

(١٢) من المصدر.

٤٥٧

قال : الضّغث تناوله (١) من المكان بعد المكان تعطي المسكين (٢).

وفي الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن شريح قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : في الزّرع حقّان : حقّ تؤخذ به ، وحقّ تعطيه.

قلت : [و] (٤) ما الّذي أؤخذ به ، وما الّذي أعطيه؟

قال : أمّا الّذي تؤخذ به ، فالعشر ونصف العشر. وأمّا الّذي تعطيه ، فقول (٥) الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) ، يعني : من حصدك الشّيء بعد الشّيء. ولا أعلمه إلّا قال : الضّغث ثمّ الضّغث حتّى يفرغ (٦).

عليّ بن إبراهيم (٧) ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ).

فقالوا جميعا : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : هذا من الصّدقة ، تعطي (٨) المسكين القبضة بعد القبضة. ومن الجذاذ الحفنة (٩) بعد الحفنة حتّى يفرغ (١٠). ويعطى الحارث (١١) أجرا معلوما ، ويترك (١٢) من النّخل معا فارة وأمّ جعرور (١٣). ويترك للحارس (١٤) يكون في الحائط العذق (١٥) والعذقان والثلاثة ، لحفظه إيّاه.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر : المساكين.

(٣) الكافي ٣ / ٥٦٤ ، ح ١.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فيقول.

(٦) كذا في المصدر ، وفي النسخ : تفرغ.

(٧) الكافي ٣ / ٥٦٥ ، ح ٢.

(٨) المصدر : يعطي.

(٩) الجذاذ : ما تكسر من الشيء ، والحفنة : ملء الكف.

(١٠) كذا في المصدر ، والنسخ : تفرغ.

(١١) المصدر : الحارس.

(١٢) كذا في المصدر ، والنسخ : فيترك.

(١٣) معافارة وامّ جعرور : ضربان رديئان من التمر.

(١٤) كذا في المصدر ، والنسخ : للحارسين.

(١٥) العذق : النخلة بحملها ، والعذق : كلّ غصن له شعب ، وقنو النخلة ، وعنقود العنب.

٤٥٨

عدّة من أصحابنا (١) ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لا تصرم باللّيل ، ولا تحصد باللّيل ، ولا تضحّ باللّيل ، ولا تبذر باللّيل. فإنّك إن تفعل ، لم يأتك القانع والمعترّ.

فقلت : وما القانع والمعترّ؟

قال : القانع (٢) الّذي يقنع بما أعطيته. و «المعترّ» الّذي يمرّ بك فيسألك. وإن حصدت باللّيل ، لم يأتك السّؤال. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) عند الحصاد ، يعني : القبضة بعد القبضة إذا حصدته. وإذا خرج ، فالحفنة بعد الحفنة.

وكذلك عند الصّرام. وكذلك [عند] (٣) البذر. [و] (٤) لا تبذر باللّيل لأنّك تعطي من البذر ، كما تعطي من (٥) الحصاد.

الحسين بن محمّد (٦) ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ ، عن أبان ، عن أبي مريم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [قال : تعطي المسكين يوم حصادك ، الضغث ثمّ إذا وقع في البيدر ثمّ إذا وقع في الصاع العشر ونصف العشر.

محمد بن يحيى (٧) ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ ، قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ]) (٨) (وَلا تُسْرِفُوا) قال : كان أبي ـ عليه السّلام ـ يقول : من الإسراف في الحصاد والجذاذ (٩) أن يتصدّق (١٠) الرجل بكفّيه جميعا ، وكان أبي إذا حضر شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدّق بكفّيه صاح به أعط بيد واحدة القبضة [بعد القبضة] (١١) ، والضغث بعد الضغث من

__________________

(١) الكافي ٣ / ٥٦٥ ، ح ٣.

(٢) يوجد في المصدر و «ج» و «ر».

(٣) من المصدر.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر ، والنسخ : في.

(٦) الكافي ٣ / ٥٦٥ ، ح ٤.

(٧) الكافي ٣ / ٥٦٦ ح ٦.

(٨) من المصدر.

(٩) المصدر : الجداد.

(١٠) المصدر : أن يصدّق.

(١١) من المصدر.

٤٥٩

السنبل.

عليّ بن إبراهيم (١) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن المثنّى قال : سأل رجل أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).

فقال : كان فلان بن فلان الأنصاريّ ـ و (٢) سمّاه ـ وكان له حرث ، وكان إذا أخذ يتصدّق به ويبقى هو وعياله بغير شيء. فجعل الله ـ عزّ وجلّ ـ ذلك سرفا (٣).

عليّ بن إبراهيم (٤) ، [عن أبيه] (٥) ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدّقة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : وفي غير آية من كتاب الله يقول : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). فنهاهم عن الإسراف ونهاهم عن التّقتير (٦).

لكن أمر بين أمرين ، لا يعطي جميع ما عنده ثمّ يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له.

وفي قرب الإسناد للحميريّ (٧) : أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : سألت الرّضا ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا) [أيّ شيء الإسراف] (٨)؟

قال : هكذا يقرأها من قبلكم؟

قلت : نعم.

قال : افتح (٩) الفم بالحاء.

[قلت : حصاده] (١٠) [قال ـ عليه السّلام ـ] (١١) : وكان أبي يقول : من الإسراف وذكر إلى آخر ما نقلناه عنه ـ عليه السّلام ـ من الكافي سواء.

__________________

(١) الكافي ٤ / ٥٥ ، ح ٥.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) كذا في المصدر ، والنسخ : مسرفا.

(٤) الكافي ٥ / ٦٧ ، ضمن ح ١.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) التقتير : التضييق في النفقة.

(٧) قرب الاسناد / ١٦٢.

(٨) من المصدر.

(٩) المصدر : افتتح.

(١٠) من المصدر.

(١١) أنّ ما بين المعقوفتين ساقطة من المصدر ، والنسخ.

٤٦٠