تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٥

بهدى ، وتنبيه لمن تحرّى الحقّ على أن يتّبع الحجّة ولا يقلّد.

(قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً) ، أي : إن اتّبعت أهواءكم ، فقد ضللت.

(وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (٥٦) ، أي : في شيء من الهدى حتّى أكون من عدادهم. وفيه تعريض بأنّهم كذلك.

(قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ) : تنبيه على ما يجب اتّباعه ، بعد ما بيّن ما لا يجوز اتّباعه.

قيل (١) : «البيّنة» الدّلالة الواضحة ، الّتي تفصل الحقّ من الباطل.

وقيل (٢) : المراد بها ، القرآن والوحي. أو الحجج العقليّة ، أو ما يعمّها.

(مِنْ رَبِّي) : من معرفته ، وأنّه لا معبود سواه. ويجوز أن يكون صفة «لبيّنة».

(وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) :

الضّمير «لربّي» ، أي : كذّبتم بربّي حيث أشركتم به سواه. أو للتّنبيه ، باعتبار المعنى.

(ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) ، يعني : العذاب الّذي استعجلوه بقولهم : «فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم».

(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) : في تعجيل العذاب وتأخيره.

(يَقُصُّ الْحَقَ) ، أي : القضاء الحقّ. أو يصنع الحقّ ويدبّره من قولهم : قضى الدّرع : إذا صنعها ، فيما يقضي من تعجيل وتأخير.

وأصل القضاء ، الفصل بتمام الأمر.

وقرأ (٣) ابن كثير ونافع وعاصم : «يقص» من قصّ الأثر ، أو قصّ الخبر.

(وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) (٥٧) : القاضين.

(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي) ، أي : في قدرتي ومكنتي.

(ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) : من العذاب.

(لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) : لأهلكتكم (٤) عاجلا غضبا لربّي ، وانقطع ما

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٣١٣.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣١٣.

(٤) «ب» : لأهلكنكم.

٣٤١

بيني وبينكم.

(وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) (٥٨) : في معنى الاستدراك ، كأنّه قال : ولكنّ الأمر إلى الله ، وهو أعلم بمن ينبغي أن يؤخذ بمن ينبغي أن يمهل منهم.

وفي روضة الكافي (١) : عن عليّ بن محمّد ، عن عليّ بن العبّاس ، عن عليّ بن حمّاد ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال في حديث طويل : قال الله ـ عزّ وجلّ ـ لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).

قال : لو أنّي أمرت أن أعلمكم الّذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي ، لتظلموا أهل بيتي من بعدي. فكان مثلكم ، كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ).

يقول : أضاءت الأرض بنور محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، كما تضيء الشّمس.

(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) : خزائنه. جمع ، مفتح ، بفتح الميم. وهو المخزن ، أو ما يتوصّل به إلى المغيبات. مستعار من المفاتح ، الّذي هو جمع ، مفتح ، بالكسر وهو المفتاح. ويؤيّده أن قرئ (٢) : «مفاتيح». والمعنى : أنّه المتوصّل إلى المغيبات المحيط عمله بها.

(لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) : فيعلم أوقاتها وما في تعجيلها وتأخيرها من الحكم ، فيظهرها على ما اقتضته حكمته وتعلّقت به مشيئته.

وفيه دليل على أنّه يعلم الأشياء قبل وقوعها.

(وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) : عطف للإخبار عن تعلّق علمه بالمشاهدات ، على الإخبار عن اختصاص العلم بالمغيبات به.

(وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) : مبالغة في إحاطة علمه بالجزئيات.

(وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٥٩) : معطوفات على «ورقة». وقوله : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) بدل من الاستثناء

__________________

(١) الكافي ٨ / ٣٨٠ ، ذيل ح ٥٧٤.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣١٣.

٣٤٢

الأوّل بدل الكلّ ، على أنّ «الكتاب المبين» علم الله. أو بدل الاشتمال إن أريد به اللّوح.

وقرئت (١) ، بالرّفع ، للعطف على محلّ «من ورقة». أو الابتداء ، والخبر (فِي كِتابٍ مُبِينٍ).

وفي كتاب معاني الأخبار (٢) ، بإسناده إلى أبي بصير قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).

قال : فقال : «الورقة» السّقط. و «الحبّة» الولد. و «ظلمات الأرض» الأرحام. و «الرّطب» ما يحيى. و «اليابس» ما يقبض (٣). وكلّ ذلك في كتاب مبين.

وفي روضة الكافي (٤) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد (٥) جميعا ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن عبد الله بن مسكان ، عن زيد بن الوليد الخثعميّ ، عن أبي الرّبيع الشّاميّ قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).

قال : فقال : «الورقة» السّقط. و «الحبّة» الولد. و «ظلمات الأرض» الأرحام.

و «الرّطب» ما يحيى النّاس. و «اليابس» ما يقبض. وكلّ ذلك في كتاب (٦) مبين.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن الحسين بن خالد (٨) قال : سألت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣١٣.

(٢) المعاني / ٢١٥ ، ح ١.

(٣) المصدر : يغيض.

(٤) الكافي ٨ / ٢٤٨ ، ح ٣٤٩.

(٥) كذا في المصدر ، ج ور. وفي سائر النسخ : سيد.

(٦) المصدر : إمام.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٣٦١ ، ح ٢٩.

(٨) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ١ / ٢٣٨. وفي النسخ : الحسين بن خلف.

٣٤٣

(وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).

فقال : «الورقة» السّقط ، يسقط من بطن أمّه من قبل أن يهلّ الولد.

قال : فقلت : وقوله : «ولا حبّة»؟

قال : يعني : الولد في بطن أمّه إذا أهلّ (١) ويسقط من قبل الولادة.

قال : قلت : قوله : «ولا رطب»؟

قال : يعني المضغة إذا أسكنت في الرّحم قبل أن يتمّ خلقها قبل أن ينتقل.

قال : قلت : قوله : «ولا يابس»؟

قال : الولد التّامّ.

قال : قلت : «في كتاب مبين»؟

قال : في إمام مبين.

وفي من لا يحضره الفقيه (٢) ، خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وفيها : وما تسقط من ورقة من شجرة ولا حبّة في ظلمة الأرض (٣) إلّا يعلمها ، لا إله إلّا هو ، ولا رطب ولا يابس إلّا في كتاب مبين.

وفي الاحتجاج (٤) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه : وقال لصاحبكم أمير المؤمنين : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ). وقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).

وعلم هذا الكتاب عنده.

(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) : يميتكم ويراقبكم. استعير التّوفيّ من الموت للنّوم ، لما بينهما من المشاركة في زوال الإحساس والتّميّز. فإنّ أصله ، قبض الشّيء بتمامه.

(وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) : كسبتم فيه. خصّ اللّيل بالنّوم والنّهار بالتّكسّب ، جريا على المعتاد.

__________________

(١) المصدر : هلّ.

(٢) الفقيه ١ / ٣٣٦ ، ذيل ح ٣٠.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) الإحتجاج ٢ / ١٤٠.

٣٤٤

(ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ) : يوقظكم. أطلق البعث ، ترشيحا للتّوقي.

(فِيهِ) : في النّهار.

(لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) : ليبلغ المتيقّظ آخر أجله المسمّى له في الدّنيا.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (١) ، في رواية أبي الجارود : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : هو الموت.

(ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) : بالموت.

(ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٦٠) : بالمجازاة عليه.

(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) : ملائكة يحفظونكم ويحفظون أعمالكم ، يذبّون عنكم مردة الشّياطين وهوامّ الأرض وسائر الآفات ، ويكتبون ما تفعلون.

وقيل (٢) : المراد الكرام الكاتبون. والحكمة فيه أنّ العبد (٣) إذا علم أنّ أعماله تكتب عليه وتعرض على رؤوس الأشهاد ، كان أزجر عن المعاصي. وأنّ العبد إذا وثق بلطف سيّده واعتمد على عفوه وستره ، لم يحتشم منه احتشامه من خدمه المطلعين (٤) عليه.

وسيأتي ما يقرب منه عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ في سورة الانفطار إن شاء الله ـ تعالى ـ.

(حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) : ملك الموت وأعوانه.

وقرأ (٥) حمزة : «توفّاه» بألف ممالة.

(وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) (٦١) : بالتّواني والتّأخير.

وقرئ (٦) ، بالتّخفيف. والمعنى : لا يجاوزون ما حدّ لهم بزيادة ولا نقصان.

(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ) : إلى حكمه وجزائه.

(مَوْلاهُمُ) : الّذي يتولّى أمرهم.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٢٠٣.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣١٤.

(٣) المصدر : المكلّف.

(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : خدمة المتطلعين.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣١٤.

(٦) نفس المصدر ، والموضع.

٣٤٥

(الْحَقِ) : العدل الّذي لا يحكم إلّا بالحقّ.

وقرئ (١) ، بالنّصب ، على المدح.

(أَلا لَهُ الْحُكْمُ) : يومئذ لا حكم لغيره فيه.

(وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) (٦٢) :

روي (٢) : أنّه ـ سبحانه ـ يحاسب جميع عباده على مقدار حلب شاة.

وروي (٣) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل ، كيف يحاسب الله ـ سبحانه ـ والخلق ولا يرونه؟

قال : كما يرزقهم ولا يرونه.

وفي الاعتقادات (٤) : أنّ الله ـ تعالى ـ يخاطب عباده من الأوّلين والآخرين يوم القيامة بمجمل حساب عملهم مخاطبة واحدة. فيسمع منها كلّ واحد قضيّته دون غيره ، ويظنّ أنه المخاطب دون غيره لا يشغله ـ عزّ وجلّ ـ مخاطبة عن مخاطبة ، ويفرغ من حساب الأوّلين والآخرين في مقدار نصف ساعة من ساعات الدّنيا.

وروي (٥) بعضهم : أنّه يحاسب الخلائق في مقدار لمح البصر.

ولا منافاة بينها ، لأنّها كلّها تقريب. والمراد إسراع المحاسبة في زمان أقلّ ما يكون. والمراد بكلّ التّعبيرات واحد ، وهو نصف ساعة من ساعات الدّنيا تقريبا.

ويقرب منه زمان حلب الشّاة ولمح البصر.

وفي تفسير العياشيّ (٦) : عن داود بن فرقد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال :

دخل مروان بن الحكم المدينة ، فاستلقى على السّرير وثمّ (٧) مولى للحسين ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ.

فقال : (رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) ـ إلى قوله ـ (أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ).

قال : فقال الحسين ـ عليه السّلام ـ لمولاه : ما ذا قال هذا حين دخل؟

__________________

(١) نفس المصدر ، والموضع.

(٢ و ٣) المجمع ٢ / ٣١٣.

(٤) تفسير الصافي ٢ / ١٢٧.

(٥) نفس المصدر ، والموضع.

(٦) تفسير العيّاشي ١ / ٣٦٢ ، ح ٣٠.

(٧) ثمّ : هناك.

٣٤٦

قال : استلقى على السّرير فقرأ : (رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) ـ إلى قوله ـ (أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ).

قال : فقال الحسين ـ عليه السّلام ـ : نعم والله ، رددت أنا وأصحابي إلى الجنّة وردّ هو وأصحابه إلى النّار.

(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) : من شدائدهما. استعيرت الظّلمة للشّدّة ، لمشاركتهما في الهول وإبطال الإبصار. فقيل لليوم الشّديد : يوم مظلم ، ويوم ذو كواكب. أو من الخسف في البرّ ، والغرق في البحر.

وقرأ (١) يعقوب : «ينجيكم» بالتّخفيف. والمعنى واحد.

(تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) : متضرّعين بألسنتكم ، ومسرّين في أنفسكم. أو إعلانا وإسرارا.

وقرئ : «خفية» بالكسر.

(لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٦٣) : على إرادة القول ، أي :

يقولون : لئن أنجيتنا.

وقرأ (٢) الكوفيّون : «لئن أنجانا» ليوافق قوله : «تدعونه». وهذه إشارة إلى الظّلمة.

(قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها) :

شدّده الكوفيّون وهشام ، وخفّفه الباقون.

(وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) : غمّ سواها.

(ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) (٦٤) : تعودون إلى الشّرك ، ولا توفون بالعهد. وإنّما وضع «تشركون» موضع «لا تشكرون» ، تنبيها على أنّ من أشرك في عبادة الله فكأنّه لم يعبده رأسا.

(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) ، كما فعل بقوم نوح ولوط وأصحاب الفيل.

(أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) ، كما أغرق فرعون وخسف بقارون.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣١٤.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣١٤.

٣٤٧

(أَوْ يَلْبِسَكُمْ) : يخلطكم.

(شِيَعاً) : فرقا ، مختلفي الأهواء. كلّ فرقة منكم شايعة لإمام ، فينشب القتال بينكم.

(وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) : يقاتل بعضكم بعضا.

(انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) : بالوعد والوعيد.

(لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (٦٥) :

في تفسير عليّ بن إبراهيم (١) ، وفي رواية أبي الجارود : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) : هو الدّخان والصّيحة.

(أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) هو الخسف. (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) هو الاختلاف في الدّين وطعن بعضكم على بعض. (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) وهو أن يقتل بعضكم بعضا. وكلّ هذا في أهل القبلة. يقول الله : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ).

وفي مجمع البيان (٢) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : (مِنْ فَوْقِكُمْ) من السّلاطين الظّلمة. (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) العبيد السّوء ومن لا خير فيه. (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) يضرب بعضكم ببعض ممّا يلقيه بينكم من العداوة والعصبيّة (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) هو سوء الجوار.

وفيه (٣) : روي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : سألت ربّي أن لا يظهر على أمّتي أهل دين غيرهم ، فأعطاني. وسألته أن لا يهلكهم جوعا ، فأعطاني. وسألته أن لا يجمعهم على الضّلال ، فأعطاني. وسألته أن لا يلبسهم شيعا ، فمنعني.

قال (٤) وفي تفسير الكلبيّ : أنّه لمّا نزلت هذه الآية ، قام النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فتوضّأ وأسبغ وضوءه. ثمّ قام وصلّى ، فأحسن صلاته. ثمّ سأل الله ـ سبحانه ـ على (٥) أن لا يبعث على أمّته عذابا من فوقهم ، ولا من تحت أرجلهم ، ولا يلبسهم شيعا ، ولا

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٢٠٤.

(٢) المجمع ٢ / ٣١٥.

(٣) نفس المصدر ، والموضع.

(٤) المجمع ٢ / ٣١٥.

(٥) ليس في المصدر.

٣٤٨

يذيق بعضهم بأس بعض.

فنزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال : يا محمّد ، الله ـ تعالى ـ سمع مقالتك ، وأنّه قد أجارهم من خصلتين ولم يجرهم من خصلتين ، أجارهم من أن يبعث عليهم عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم ولم يجرهم من الخصلتين الأخريين (١).

فقال ـ عليه السّلام ـ : يا جبرئيل ، ما بقاء أمّتي (٢) مع قتل بعضهم بعضا.

فقام وعاد إلى الدّعاء ، فنزل (الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) (الآيتين) فقال :

لا بدّ من فتنة تبتلى بها الأمّة بعد نبيّها ، ليتبيّن لها الصّادق من الكاذب. لأنّ الوحي قد انقطع ، وبقي السّيف وافتراق الكلمة إلى يوم القيامة.

قال وفي الخبر : أنّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : إذا وضع السّيف في امّتي ، لم يرفع (٣) عنها إلى يوم القيامة.

(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ) :

قيل (٤) : أي بالعذاب. أو بالقرآن.

(وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (٦٦) : حفيظ وكلّ إليّ أمركم ، فأمنعكم أو أجازيكم. إنّما أنا منذر والله الحفيظ.

(لِكُلِّ نَبَإٍ) : خبر. يريد أنباء العذاب ، أو الإيعاد به.

(مُسْتَقَرٌّ) : وقت استقرار ووقوع.

(وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٦٧) : عند وقوعه في الدّنيا ، أو في الآخرة.

(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا) : بالتّكذيب والاستهزاء بها ، والطّعن فيها.

(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) : فلا تحاسبهم ، وقم عنهم.

وفي تفسير العياشي (٥) : عن ربعي بن عبد الله ، عمّن ذكره ، عن أبي جعفر ـ عليه

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الأخيرتين.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : ما بقي من أمّتي.

(٣) كذا في المصدر و «ج» و «ر». وفي النسخ : لم يدفع.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣١٥.

(٥) تفسير العيّاشي ١ / ٣٦٢ ، ح ٣١.

٣٤٩

السّلام ـ في هذه الآية ، قال : الكلام في الله والجدال في القرآن.

قال : ومنه القصّاص.

(حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) : غير ذلك.

قيل (١) : أعاد الضّمير على معنى الآيات ، لأنّها القرآن.

(وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ) : النّهي. بأن تشتغل بأمر يذهب النّهي عن نظرك.

وقرأ (٢) ابن عامر : «ينسينّك» بالتّشديد.

ولمّا كان أكثر مخاطبات النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في القرآن على سبيل التّعريض بالامّة ، ليس في الآية دلالة على عروض النّسيان له ـ عليه السّلام ـ. مع أنّ في استعمال «إن» دون «إذا» إشعارا بأنّ عروضه له على سبيل الفرض والتّقدير.

(فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى) : بعد أن تذكره.

(مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٦٨) ، أي : معهم. فوضع الظّاهر موضعه ، دلالة على أنّهم ظلموا ، بوضع التّكذيب والاستهزاء موضع التّصديق والاستعظام.

في كتاب علل الشّرائع (٣) ، بإسناده إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال :

حدّثني عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ قال : قال عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ : ليس لك أن تقعد مع من شئت. لأنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ) (الآية).

وفي هذا الخبر دلالة على أنّه لو لم يقل الله ذلك ، لجاز القعود مع من شاء المكلّف. وفيه دلالة على أنّ كلّما ليس فيه نهي ، يجوز ارتكابه إذا شاء ولم يستخبثه الطّبع السّليم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : أخبرنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن سيف بن عميرة ، عن عبد الأعلى بن أعين قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يجلس في

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٣١٥.

(٣) العلل / ٦٠٥ ، ح ٨٠.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٢٠٤.

٣٥٠

مجلس يسبّ فيه إمام أو يغتاب فيه مسلم. إنّ الله يقول في كتابه : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ) (الآية).

وفي أصول الكافي (١) : الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيى جميعا ، عن عليّ بن محمّد بن سعد (٢) ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحمد بن زكريّاء ، عن محمّد بن خالد بن ميمون ، عن عبد الله بن سنان ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [قال] (٣) ما اجتمع ثلاثة من الجاحدين ، إلّا حضرهم عشرة أضعافهم من الشّياطين. فإن تكلّموا ، تكلّم الشّياطين بنحو كلامهم. وإذا ضحكوا ، ضحكوا معهم. وإذا نالوا من أولياء الله ، نالوا معهم. فمن ابتلى من المؤمنين بهم فإذا خاضوا في ذلك ، فليقم ولا يكن شرك شيطان ولا جليسه. فإنّ غضب الله ـ عزّ وجلّ ـ لا يقوم له شيء ، ولعنة (٤) الله لا يردّها شيء.

ثم قال : فإن لم يستطع ، فلينكر بقلبه وليقم ولو حلب شاة أو فواق ناقة.

وفيه (٥) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن بريد (٦) قال : حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في حديث طويل : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها. وفرض على السّمع أن يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّم الله ، وأن يعرض عمّا لا يحلّ له ممّا نهى الله ـ عزّ وجلّ ـ عنه ، والإصغاء إلى ما أسخط الله ـ عزّ وجلّ ـ. فقال في ذلك : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ).

ثمّ استثنى ـ عزّ وجلّ ـ موضع النّسيان فقال :

__________________

(١) الكافي ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، ح ٦.

(٢) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ١ / ٥٩٨. وفي النسخ : سعيد.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : لعنته.

(٥) الكافي ٢ / ٣٤ ـ ٣٥ ، ضمن ح ١.

(٦) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ٢ / ١٥. وفي النسخ : يزيد.

٣٥١

(وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

عليّ بن إبراهيم (١) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أبي زياد النّهديّ ، عن عبد الله بن صالح ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلسا يعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره (٢).

عدّة من أصحابنا (٣) ، عن أحمد بن محمّد ، عن بكر بن محمّد ، عن الجعفريّ قال :

سمعت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ يقول : ما لي رأيتك عند عبد الرّحمن بن يعقوب؟

فقال : إنّه خالي.

فقال : إنّه يقول في الله قولا عظيما ، يصف الله ولا يوصف. فإمّا جلست معه وتركتنا ، وإمّا جلست معنا وتركته.

فقلت : هو يقول ما شاء ، أيّ شيء عليّ منه إذا لم أقل ما يقول؟

فقال : أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا.

وفيه (٤) : الحسين بن محمّد ، عن عليّ بن محمّد بن سعد (٥) ، عن محمّد بن مسلم ، عن إسحاق بن موسى قال : حدّثني أخي وعمّي ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ثلاثة مجالس يمقتها الله ويرسل نقمته على أهلها ، فلا تقاعدوهم ولا تجالسوهم : مجلسا فيه من يصف لسانه كذبا في فتياه ، ومجلسا ذكر أعدائنا فيه جديد وذكرنا فيه رثّ ، ومجلسا فيه من يصدّ عنّا وأنت تعلم.

قال : ثمّ تلا أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ ثلاث آيات من كتاب الله ، كأنّما كنّ في فيه ، أو قال : في كفّه (٦) : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٧). (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ

__________________

(١) الكافي ٢ / ٣٧٤ ، ح ١.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : غيره.

(٣) نفس المصدر / ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ، صدر ح ٢.

(٤) نفس المصدر والمجلد / ٣٧٨ ، ح ١٢.

(٥) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ١ / ٥٩٨. وفي النسخ : سعيد.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : «كيف» بدل «في كفه».

(٧) الأنعام / ١٠٨.

٣٥٢

غَيْرِهِ). (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) (١).

وفي من لا يحضره الفقيه (٢) : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في وصيّة لابنه محمّد بن الحنفيّة : ففرض على السّمع أن لا تصغي به إلى المعاصي ، فقال ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ). ثمّ استثنى ـ جلّ وعزّ ـ موضع النّسيان ، فقال : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

وروى محمّد بن مسلم (٣) قال : مرّ بي أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ وأنا جالس عند القاضي بالمدينة ، فدخلت عليه من الغد.

فقال لي : ما مجلس رأيتك فيه أمس؟

قال : قلت له : جعلت فداك ، إنّ هذا القاضي لي مكرم ، فربّما جلست إليه.

فقال لي : وما يؤمنك أن تنزل اللّعنة (٤) [فتعمّ من في المجلس] (٥) فتعمّك معه.

وفي عيون الأخبار (٦) ، بإسناده إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ قال : قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ : يا ابن رسول الله ، حدّثني بحديث آبائك ـ عليهم السّلام ـ.

قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : مجالسة الأشرار تورث سوء الظّنّ بالأخيار.

وفي نهج البلاغة (٧) : قال ـ عليه السّلام ـ : وإيّاك ومصاحبة الفسّاق ، فإنّ الشّرّ بالشّرّ ملحق.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٨) ، بإسناده إلى داود بن القاسم الجعفريّ :

عن محمّد بن عليّ الثّانيّ ـ عليه السّلام ـ قال : أقبل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ذات يوم ومعه الحسن بن عليّ وسلمان الفارسيّ ، وأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ متّكئ على يد

__________________

(١) النحل / ١١٦.

(٢) الفقيه ٢ / ٣٨٢ ، ذيل ح ١.

(٣) الفقيه ٣ / ٤ ، ح ١.

(٤) كذا في المصدر. وفي «ج» و «ر» : النقمة.

(٥) من المصدر.

(٦) العيون ٢ / ٥٣ ، ح ٢٠٤.

(٧) نهج البلاغة / ٤٦٠ ، ذيل كتاب ٦٩.

(٨) كمال الدين / ٣١٣ ، ح ١.

٣٥٣

سلمان رحمه الله ، فدخل المسجد الحرام ، فجلس إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللّباس فسلّم على أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ، فردّ عليه السّلام ، فجلس.

ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ، أسألك عن ثلاث مسائل ، إن أخبرتني بهنّ علمت أنّ القوم ارتكبوا من أمرك ما أقضي عليهم أنّهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم ، وإن تكن الأخرى علمت أنّك وهم شرع سواء.

فقال له أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : سلني عمّا بدا لك.

قال : أخبرني عن الرّجل إذا نام ، أين تذهب روحه؟ وعن الرّجل ، كيف يذكر وينسى؟ وعن الرّجل ، كيف يشبه [ولده] (١) الأعمام والأخوال.

قال : فالتفت أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ إلى أبي محمّد الحسن ولده ، فقال :

يا أبا محمّد ، أجبه.

فقال ـ عليه السّلام ـ : أمّا ما ذكرت من أمر الذّكر والنّسيان ، فإنّ قلب الرّجل في حقّ وعلى الحقّ طبق. فإن صلّى الرّجل عند ذلك على محمّد وآل محمّد صلاة تامّة ، انكشف ذلك الطّبق عن ذلك الحقّ فأضاء القلب وذكر الرّجل ما كان نسيه. وإن لم يصلّ على محمّد وآله أو نقص من الصّلاة عليهم ، انطبق ذلك الطّبق على ذلك الحقّ فأظلم القلب ونسى الرّجل ما كان ذكر.

(وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ) : وما يلزم المتّقين من قبائح أعمالهم وأقوالهم.

(مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) : ممّا يحاسبون عليه.

(وَلكِنْ ذِكْرى) : ولكن عليهم أن يذكّروهم ذكرى ، ويمنعوهم عن الخوض في القبائح ، ويظهروا كراهتها.

وهو يحتمل النّصب على المصدر ، والرّفع على «ولكن عليهم ذكرى».

ولا يجوز عطفه على محلّ «من شيء» ، لأنّ من حسابهم يأباه ولا على «شيء» لذلك. ولأنّ «من» لا تزاد في الإثبات.

(لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٦٩) : يجتنبون ذلك حياء أو كراهة ، لمساءتهم.

__________________

(١) من المصدر.

٣٥٤

ويحتمل أن يكون الضّمير «الّذين يتّقون». والمعنى : لعلّهم يثبتون على تقواهم ، ولا تنثلم بمجالستهم.

وفي مجمع البيان (١) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : فلمّا نزل (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) قال المسلمون : كيف نصنع إن كان كلّما استهزأ المشركون بالقرآن قمنا وتركناهم ، فلا ندخل إذا المسجد الحرام ولا نطوف بالبيت الحرام.

فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ). أمرهم بتذكيرهم وتبصيرهم ما استطاعوا.

(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) : حيث سخروا به واستهزؤوا منه. أو بنوا أمر دينهم على التّشهّي. أو جعلوا عيدهم الّذي جعل ميقات عبادتهم زمان لعب ولهو.

والمعنى : أعرض عنهم ولا تبال بأفعالهم وأقوالهم.

ويجوز أن يكون تهديدا لهم ، كقوله : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً).

ومن حمله على الأمر بالكفّ عنهم وترك التّعرّض لهم ، جعله منسوخا بآية السّيف.

(وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) : فألهتهم عن الآخرة.

(وَذَكِّرْ بِهِ) ، أي : بالقرآن.

(أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ) : مخافة أن تسلم إلى الهلاك ، وترتهن بسوء عملها.

وأصل الإبسال والبسل ، المنع. ومنه : أسد باسل ، لأنّ فريسته لا تفلت منه.

والباسل ، الشّجاع لامتناعه من قرنه. وهذا بسل عليك ، أي : حرام.

(لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) : يدفع عنها العذاب.

(وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ) : وإن تفد كلّ فداء.

والعدل ، الفدية. وهاهنا الفداء.

و «كلّ» نصب على المصدر.

__________________

(١) المجمع ٢ / ٣١٦.

٣٥٥

(لا يُؤْخَذْ مِنْها) :

الفعل مسند إلى «منها» لا إلى ضميره ، بخلاف قوله : ولا يؤخذ منها عدل.

فإنّه المفدى به.

(أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا) ، أي : سلموا إلى العذاب ، بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزّائغة.

(لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٧٠) : تأكيد وتفصيل لذلك.

والمعنى : هم بين ماء يغلي يتجرجر في بطونهم ونار تشتعل بأبدانهم ، بسبب كفرهم.

(قُلْ أَنَدْعُوا) : أنعبد.

(مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) : ما لا يقدر على نفعنا وضرّنا.

(وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) : ونرجع إلى الشّرك.

(بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ) : فأنقذنا منه ورزقنا الإسلام.

(كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ) : كالّذي ذهب به مردة الجنّ في المهامة.

استفعال من هوى يهوي هويا : إذا ذهب.

وقرأ (١) حمزة : «استهواه» بألف ممالة.

ومحلّ «الكاف» النّصب على الحال من مرفوع «نردّ» ، أي : مشبّهين الّذي استهوته. أو على المصدر ، أي : ردّا ، مثل ردّ الّذي استهوته.

(فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ) : متحيّرا ضالّا عن الطّريق.

(لَهُ أَصْحابٌ) : لهذا المستهوى رفقة.

(يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى) : إلى أن يهدوه الطّريق المستقيم ، أو إلى الطّريق المستقيم. وسمّاه هدى ، تسمية المفعول به بالمصدر.

(ائْتِنا) : يقولون له : ائتنا. وقد اعتسف التّيه تابعا للجنّ ، لا يجيبهم ولا يأتيهم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣١٦.

٣٥٦

وهذا مبنيّ على ما تزعمه العرب : أنّ الجنّ تستهوي الإنسان.

(قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ) : الّذي هو الإسلام.

(هُوَ الْهُدى) : وحده. وما عداه ضلال.

(وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٧١) : من جملة المقول ، عطف على «إنّ هدى الله».

و «اللام» لتعليل الأمر ، أي : أمرنا بذلك لنسلم.

وقيل (١) : بمعنى الباء.

وقيل (٢) : زائدة.

(وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) : عطف على «نسلم» ، أي : للإسلام ولإقامة الصّلاة. أو على «لنسلم» بزيادة الّلام ، كأنّه قيل : وأمرنا أن نسلم ، وأن أقيموا.

(وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٧٢) : يوم القيامة. فيجازي كلّ عامل منكم بعمله.

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) : قائما بالحقّ والحكمة. حال من الفاعل.

ويحتمل كونه من المفعول ، أي : متلبّسا بالحقّ والصّواب.

(وَيَوْمَ يَقُولُ) : له.

(كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُ) : مبتدأ ، وصفته وخبره «يوم» قدّم عليه ، أي : قوله الحقّ نافذ في الكائنات يوم يقول.

وقيل (٣) : «يوم» منصوب بالعطف على «السّموات» ، أو «الهاء» في «واتّقوه» ، أو بمحذوف دلّ عليه بالحقّ. «وقوله الحقّ» مبتدأ وخبر ، أو فاعل «يكون» على معنى :

وحين يقول [لقوله الحق ، أي :] (٤) لقضائه كن فيكون. «قوله الحقّ» أي : قضاؤه.

والمراد حين يكوّن الأشياء ويحدثها ، أو حين تقوم القيامة فيكون التّكوين حشر

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٣١٦.

(٣) نفس المصدر ، والصفحة.

(٤) من المصدر.

٣٥٧

الأموات وإحياءها.

(وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) ، كقوله : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ).

و «الصّور» قرن من نور التقمه إسرافيل ، فينفخ فيه. كذا عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ (١).

وروي (٢) : أنّ فيه بعدد كلّ إنسان ثقبة فيها روحه ، ووصف بالسّعة والضّيق ، واختلف في أنّ أعلاه ضيّق وأسفله واسع أو بالعكس.

وفي مجمع البيان (٣) : قيل فيه أنّه قرن ينفخ فيه إسرافيل ـ عليه السّلام ـ نفختين ، فتفنى الخلائق كلّهم بالنّفخة الأولى ويحيون بالنّفخة الثّانية.

وقال الحسن (٤) : هو جمع صورة.

ويؤيد القول الأوّل

ما رواه أبو سعيد الخدريّ ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : وكيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنا جنبيه (٥) وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر فينفخ.

قالوا : فكيف نقول ، يا رسول الله؟

قال : قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل.

(عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ، أي : هو عالم كلّ غيب وكلّ شهادة.

(وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (٧٣) : وهذا كالفذلكة للآية. لأنّ «الحكيم» جامع يجمع أفعاله الموافقة للمصلحة ، و «الخبير» جامع للعلم بالغيب والشّهادة.

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) : عطف بيان «لأبيه».

في كتب التّواريخ (٦) : أنّ اسم أبيه تارخ. فقيل (٧) : هما علمان له ، كإسرائيل ويعقوب. وقيل (٨) : العلم تارخ ، وآزر وصف ، معناه : الشّيخ [أو] المعوجّ.

والصّحيح (٩) : أنّ تارخ أبوه ، وآزر عمّه أو جدّه لأمّه. والعرب تسمّي الجدّ والعمّ :

__________________

(١ و ٢) تفسير الصافي ٢ / ١٣٠.

(٣ و ٤) المجمع ٢ / ٣٢١.

(٥) المصدر : جبينه.

(٦ و ٧ و ٨) أنوار التنزيل ١ / ٣١٧.

(٩) المجمع ٢ / ٣٢٢.

٣٥٨

أبا. لإجماع الطّائفة على أنّ آباء النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى آدم ـ عليه السّلام ـ كانوا كلّهم موحّدين ، وروايتهم عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : لم يزل ينقلني الله ـ تعالى ـ من أصلاب الطّاهرين إلى أرحام المطهّرات حتّى أخرجني في عالمكم هذا ، لم يدنّسني بدنس الجاهليّة.

ولو كان في آبائه كافر ، لم يصف جميعهم بالطّهارة مع قوله :

(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ).

في أصول الكافي (١) : أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبد الله الصغير (٢) ، عن محمّد بن إبراهيم الجعفريّ ، عن أحمد بن عليّ بن محمّد بن عبد الله بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله كان إذ لا كان ، فخلق الكان والمكان.

وخلق نور الأنوار الّذي نوّرت منه الأنوار ، وأجرى فيه من نوره الّذي نوّرت منه الأنوار.

وهو النّور الّذي خلق منه محمّدا وعليّا ، ولم يزالا نورين أوّلين إذ لا شيء كوّن قبلهما ، فلم يزالا يجريان طاهرين مطهّرين في الأصلاب الطّاهرة حتّى افترقا في أطهر طاهرين ، في عبد الله وأبي طالب ـ عليهما السّلام ـ.

أمّا ما رواه في روضة الكافيّ (٣) : «عن عليّ بن إبراهيم [عن أبيه] (٤) ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي أيّوب الخزّاز ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ آزر أبا إبراهيم ـ عليه السّلام ـ كان منجّما لنمرود ولم يكن يصدر إلّا عن أمره ، فنظر ليلة في النّجوم ، فأصبح وهو يقول لنمرود : لقد رأيت عجبا.

قال : وما هو؟

قال : رأيت مولودا يولد في أرضنا يكون هلاكنا على يديه ، ولا يلبث إلّا قليلا حتّى يحمل به.

قال : فتعجّب من ذلك ، وقال : وهل حملت به النّساء؟

قال : لا.

قال : فحجب النّساء عن الرّجال ، فلم يدع امرأة إلّا جعلها في المدينة لا يخلص

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٤١ ـ ٤٤٢ ، ح ٩.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الصفير.

(٣) الكافي ٨ / ٣٦٦ ، ح ٥٥٨.

(٤) من المصدر.

٣٥٩

إليها. ووقع آزر بأهله ، فعلقت بإبراهيم ـ عليه السّلام ـ. فظنّ أنّه صاحبه ، فأرسل إلى نساء من القوابل في ذلك الزّمان لا يكون في الرّحم شيء إلّا علمن (١) به. فنظرن ، فألزم الله ـ عزّ وجلّ ـ ما في الرّحم الظّهر. فقلن : ما نرى في بطنها شيئا. وكان فيما أوتي من العلم أنّه سيحرق بالنّار ، ولم يؤت علم أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ سينجّيه.

قال : فلمّا وضعت أمّ إبراهيم ، أراد آزر أن يذهب به إلى نمرود ليقتله.

فقالت له امرأته : لا تذهب بابنك إلى نمرود فيقتله ، دعني أذهب به إلى بعض الغيران أجعله فيه حتّى يأتي عليه أجله ، ولا تكون أنت الذي تقتل ابنك.

فقال لها : فامضي به.

قال : فذهبت به إلى غار ، ثم أرضعته ، ثمّ جعلت على باب الغار صخرة ، ثمّ انصرفت عنه.

قال : فجعل الله ـ تبارك وتعالى ـ رزقه في إبهامه ، فجعل يمصّها فيشخب (٢) لبنها.

وجعل يشبّ في اليوم ، كما يشبّ غيره في الجمعة. ويشبّ في الجمعة ، كما يشبّ غيره في الشّهر. ويشبّ في الشّهر ، كما يشبّ غيره في السّنة. فمكث ما شاء الله أن يمكث.

ثمّ أنّ أمّه قالت لأبيه : لو أذنت لي حتّى أذهب إلى ذلك الصَّبي فعلت.

قال : فافعلي (٣) ففعل.

فذهبت ، فإذا هي بإبراهيم ـ صلّى الله عليه وآله ـ وإذا عيناه تزهران كأنّهما (٤) سراجان.

قال : فأخذته فضمّته إلى صدرها وأرضعته ، ثمّ انصرفت عنه.

فسألها آزر عنه.

فقالت : قد واريته في التّراب.

فمكثت تفعل ، فتخرج في الحاجة فتذهب إلى إبراهيم ـ عليه السّلام ـ فتضمّه

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : علموا.

(٢) يشخب : أي يسيل.

(٣) كذا في المصدر. وفي «ج» : نفعل. وفي سائر النسخ : ففعل.

(٤) المصدر : كأنّها.

٣٦٠