شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

ويشترط فى الصفة : أن تكون صفة ، لمذكر ، عاقل ، خالية من تاء التأنيث ، ليست من باب أفعل فعلاء ، ولا من باب فعلان فعلى ، ولا مما يستوى فيه المذكر والمؤنث ؛ فخرج بقولنا «صفة لمذكر» ما كان صفة لمؤنث ؛ فلا يقال فى حائض حائضون ، وخرج بقولنا «عاقل» ما كان صفة لمذكر غير عاقل ؛ فلا يقال فى سابق ـ صفة فرس ـ سابقون ، وخرج بقولنا «خالية من تاء التأنيث» ما كان صفة لمذكر عاقل ، ولكن فيه تاء التأنيث ، نحو علّامة ؛ فلا يقال فيه : علّامون ، وخرج بقولنا «ليست من باب أفعل فعلاء» ما كان كذلك ، نحو «أحمر» فإن مؤنثه حمراء ؛ فلا يقال فيه : أحمرون ، وكذلك ما كان من باب فعلان فعلى ، نحو «سكران ، وسكرى» فلا يقال : سكرانون ، وكذلك إذا استوى فى الوصف المذكر والمؤنث ، نحو «صبور ، وجريح» فإنه يقال : رجل صبور ، وامرأة صبور ، ورجل جريح ، وامرأة جريح ؛ فلا يقال فى جمع المذكر السالم : صبورون ، ولا جريحون.

وأشار المصنف ـ رحمه الله ـ إلى الجامد الجامع للشروط التى سبق ذكرها بقوله : «عامر» فإنه علم لمذكر عاقل خال من تاء التأنيث ومن التركيب ؛ فيقال فيه : عامرون.

__________________

المفرد ، ووافقهم على ذلك أبو الحسن بن كيسان ، وعلى ذلك يقولون : جاء الطلحون والحمزون ، ورأيت الطلحين والحمزين ، ولهم على ذلك ثلاثة أدلة ؛ الأول : أن هذا علم على مذكر وإن كان لفظه مؤنثا ، والعبرة بالمعنى لا باللفظ ، والثانى : أن هذه التاء فى تقدير الانفصال بدليل سقوطها فى جمع المؤنث السالم فى قولهم : طلحات ، وحمزات ، والثالث : أن الإجماع منعقد على جواز جمع العلم المذكر المختوم بألف التأنيث جمع مذكر سالما ، فلو سمينا رجلا بحمراء أو حبلى جاز جمعه على حمراوين وحبلين ولا شك أن الاسم المختوم بألف التأنيث أشد تمكنا فى التأنيث من المختوم بتاء التأنيث ، وإذا جاز جمع الاسم الأشد تمكنا فى التأنيث جمع مذكر سالما فجواز جمع الاسم الأخف تمكنا فى التأنيث هذا الجمع جائز من باب أولى.

٦١

وأشار إلى الصفة المذكورة أولا بقوله : «ومذنب» فإنه صفة لمذكر عاقل خالية من تاء التأنيث وليست من باب أفعل فعلاء ولا من باب فعلان فعلى ولا مما يستوى فيه المذكر والمؤنث ، فيقال فيه : مذنبون.

* * *

وشبه ذين ، وبه عشرونا

وبابه ألحق ، والأهلونا (١)

أولو ، وعالمون ، علّيّونا

وأرضون شذّ ، والسّنونا (٢)

وبابه ، ومثل حين قد يرد

ذا الباب ، وهو عند قوم يطّرد (٣)

__________________

(١) «وشبه» الواو حرف عطف ، شبه : معطوف على عامر ومذنب ، وشبه مضاف و «ذين» مضاف إليه مبنى على الياء فى محل جر «وبه» جار ومجرور متعلق بقوله ألحق الآتى «عشرونا» مبتدأ «وبابه» الواو عاطفة ، باب : معطوف على قوله عشرون ، وباب مضاف والهاء ضمير الغائب العائد إلى قوله عشرونا مضاف إليه «ألحق» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قوله عشرونا ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «والأهلون» معطوف على قوله عشرون.

(٢) «أولو» و «عالمون» و «عليون» و «أرضون» : كلهن معطوف على قوله عشرون «شذ» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على المتعاطفات كلها ، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها ؛ لأنها استئنافية ، وقيل : بل الجملة فى محل رفع خبر عن المتعاطفات ، والمتعاطفات مبتدأ ، وعلى هذا يكون قد أخبر عن الأخير منها فقط «والسنون» و «بابه» معطوفان على قوله عشرون.

(٣) «ومثل» الواو عاطفة أو للاستئناف ، مثل : نصب على الحال من الفاعل المستتر فى قوله يرد الآتى ، ومثل مضاف ، و «حين» مضاف إليه «قد» حرف تقليل «يرد» فعل مضارع «ذا» اسم إشارة فاعل يرد «الباب» بدل أو عطف بيان أو نعت لاسم الإشارة «وهو» مبتدأ «عند» ظرف متعلق بيطرد ، وعند مضاف و «قوم» مضاف إليه «يطرد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الضمير المنفصل الواقع مبتدأ ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، وتقدير

٦٢

أشار المصنف ـ رحمه الله! ـ بقوله : «وشبه ذين» إلى شبه عامر ، وهو كل علم مستجمع للشروط السابق ذكرها كمحمد وإبراهيم ؛ فتقول : محمدون وإبراهيمون ، وإلى شبه مذنب ، وهو كل صفة اجتمع فيها الشروط ، كالأفضل والضّرّاب ونحوهما ، فتقول : الأفضلون والضّرّابون ، وأشار بقوله : «وبه عشرون» إلى ما ألحق بجمع المذكر السالم فى إعرابه : بالواو رفعا ، وبالياء جرا ونصبا.

وجمع المذكر السالم هو : ما سلم فيه بناء الواحد ، ووجد فيه الشروط التى سبق ذكرها ؛ فما لا واحد له من لفظه ، أو له واحد غير مستكمل للشروط ـ فليس بجمع مذكر سالم ، بل هو ملحق به ؛ فعشرون وبابه ـ وهو ثلاثون إلى تسعين ـ ملحق بجمع المذكر السالم ؛ لأنه لا واحد له من لفظه ؛ إذ لا يقال : عشر ، وكذلك «أهلون» ملحق به ؛ لأن مفرده ـ وهو أهل ـ ليس فيه الشروط المذكورة (١) ؛ لأنه اسم جنس جامد كرجل ، وكذلك «أولو» ؛ لأنه لا واحد له من لفظه ، و «عالمون» جمع عالم ، وعالم كرجل اسم جنس جامد ، وعلّيّون : اسم لأعلى الجنة ، وليس فيه الشروط المذكورة ؛ لكونه لما لا يعقل ، وأرضون : جمع أرض ، وأرض : اسم جنس جامد مؤنث ، والسنون : جمع سنة ، والسنة : اسم جنس مؤنث ؛ فهذه كلها ملحقة بالجمع المذكر ؛ لما سبق من أنها غير مستكملة للشروط.

__________________

البيت : وقد يرد هذا الباب (وهو باب سنين) معربا بحركات ظاهرة على النون مع لزوم الياء ، مثل إعراب «حين» بالضمة رفعا والفتحة نصبا والكسرة جرا ، والإعراب بحركات ظاهرة على النون مع لزوم الياء يطرد فى كل جمع المذكر وما ألحق به عند قوم من النحاة أو من العرب.

(١) وقد جمع لفظ «أهل» جمع مذكر سالما شذوذا ، وذلك كقول الشنفرى :

ولى دونكم أهلون : سيد عملس ،

وأرقط ذهلول ، وعرفاء حبأل

٦٣

وأشار بقوله «وبابه» إلى باب سنة ، وهو : كل اسم ثلاثى ، حذفت لامه ، وعوّض عنها هاء التأنيث ، ولم يكسّر : كمائة ومئين وثبة وثبين. وهذا الاستعمال شائع فى هذا ونحوه ؛ فإن كسّر كشفة وشفاه لم يستعمل كذلك إلا شذوذا ، كظبة ؛ فإنهم كسّروه على ظباة وجمعوه أيضا بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا ، فقالوا : ظبون ، وظبين.

وأشار بقوله : «ومثل حين قد يرد ذا الباب» إلى أنّ سنين (١) ونحوه قد

__________________

(١) اعلم أن إعراب سنين وبابه إعراب الجمع بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا هى لغة الحجاز وعلياء قيس. وأما بعض بنى تميم وبنى عامر فيجعل الإعراب بحركات على النون ويلتزم الياء فى جميع الأحوال ، وهذا هو الذى أشار إليه المصنف بقوله «ومثل حين» وقد تكلم النبى صلّى الله عليه وسلّم بهذه اللغة ، وذلك فى قوله يدعو على المشركين من أهل مكة : «اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف» وقد روى هذا الحديث برواية أخرى على لغة عامة العرب : «اللهم اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف» فإما أن يكون عليه الصلاة والسّلام قد تكلم باللغتين جميعا مرة بهذه ومرة بتلك ، لأن الدعاء مقام تكرار للمدعو به ، وهذا هو الظاهر ، وإما أن يكون قد تكلم بإحدى اللغتين ، ورواه الرواة بهما جميعا كل منهم رواه بلغة قبيلته ؛ لأن الرواية بالمعنى جائزة عند المحدثين ، وعلى هذه اللغة جاء الشاهد رقم ٧ الذى رواه الشارح ، كما جاء قول جرير :

أرى مرّ السّنين أخذن منّى

كما أخذ السّرار من الهلال

وقول الشاعر :

ألم نسق الحجيج ـ سلى معدّا ـ

سنينا ما تعدّ لنا حسابا

وقول الآخر :

سنينى كلّها لاقيت حربا

أعدّ مع الصّلادمة الذكور

ومن العرب من يلزم هذا الباب الواو ، ويفتح النون فى كل أحواله ؛ فيكون إعرابه بحركات مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل ، ومنهم من يلزمه الواو ويجعل الإعراب بحركات على النون كإعراب زيتون ونحوه ، ومنهم من يجرى الإعراب الذى

٦٤

تلزمه الياء ويجعل الإعراب على النون ؛ فتقول : هذه سنين ، ورأيت سنينا ، ومررت بسنين ، وإن شئت حذفت التّنوين ، وهو أقل من إثباته ، واختلف فى اطّراد هذا والصحيح أنه لا يطرد ، وأنه مقصور على السماع ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف» فى إحدى الروايتين ، ومثله قول الشاعر :

(٧) ـ

دعانى من نجد ؛ فإنّ سنينه

لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا

__________________

ذكرناه أولا فى جميع أنواع جمع المذكر وما ألحق به ، إجراء له مجرى المفرد ، ويتخرج على هذه اللغة قول ذى الإصبع العدوانى :

إنّى أبى أبىّ ذو محافظة

وابن أبى أبىّ من أبيّين

ويجوز فى هذا البيت أن تخرجه على ما خرج عليه بيت سحيم (ش ٩) الآتى قريبا فتلخص لك من هذا أن فى سنين وبابه أربع لغات ، وأن فى الجمع عامة لغتين.

٧ ـ البيت للصمة بن عبد الله ، أحد شعراء عصر الدولة الأموية ، وكان الصمة قد هوى ابنة عم له اسمها ريا ، فخطبها ، فرضى عمه أن يزوجها له على أن يمهرها خمسين من الإبل ، فذكر ذلك لأبيه ، فساق عند تسعة وأربعين ، فأبى عمه إلا أن يكملها له خمسين وأبى أبوه أن يكملها ، ولج العناد بينهما ، فلم ير الصمة بدا من فراقهما جميعا ، فرحل إلى الشام ؛ فكان وهو بالشام يحن إلى نجد أحيانا ويذمه أحيانا أخرى ، وهذا البيت من قصيدة له فى ذلك.

اللغة : «دعانى» أى اتركانى ، ويروى فى مكانه «ذراتى» وهما بمعنى واحد «نجد» بلاد بعينها ، أعلاها تهامة واليمن وأسفلها العراق والشام ، و «الشيب» ـ بكسر الشين ـ جمع أشيب ، وهو الذى وخط الشيب شعر رأسه. و «المرد» ـ بضم فسكون ـ جمع أمرد ، وهو من لم ينبت بوجهه شعر.

الإعراب : «دعانى» دعا : فعل أمر مبنى على حذف النون ، وألف الاثنين فاعل والنون للوقاية ، والياء مفعول به ، مبنى على الفتح فى محل نصب «من نجد» جار ومجرور متعلق بدعانى «فإن» الفاء للتعليل ، إن : حرف توكيد ونصب «سنينه» ، سنين : اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة ـ وهو محل الشاهد ـ وسنين مضاف والضمير

٦٥

[الشاهد فيه إجراء السنين مجرى الحين ، فى الإعراب بالحركات وإلزام النون مع الإضافة].

* * *

ونون مجموع وما به التحق

فافتح ، وفلّ من بكسره نطق (١)

__________________

العائد إلى نجد مضاف إليه ، وجملة «لعبن» من الفعل وفاعله فى محل رفع خبر إن «بنا» جار ومجرور متعلق بلعبن «شيبا» حال من الضمير المجرور المحل بالباء فى بنا ، وجملة «شيبننا» من الفعل وفاعله ومفعوله معطوفة بالواو على جملة لعبن «مردا» حال من المفعول به فى قوله شيبننا.

الشاهد فيه : قوله «فإن سنينه» حيث نصبه بالفتحة الظاهرة ، بدليل بقاء النون مع الإضافة إلى الضمير ، فجعل هذه النون الزائدة على بنية الكلمة كالنون التى من أصل الكلمة فى نحو مسكين وغسلين ، ألا ترى أنك تقول : هذا مسكين ، ولقد رأيت رجلا مسكينا ، ووقعت عينى على رجل مسكين ، وتقول : هذا الرجل مسكينكم ، فتكون حركات الإعراب على النون سواء أضيفت الكلمة أم لم تضف ؛ لأن مثلها مثل الميم فى غلام والباء فى كتاب ، ولو أن الشاعر اعتبر هذه النون زائدة مع الياء للدلالة على أن الكلمة جمع مذكر سالم لوجب عليه هنا أن ينصبه بالياء ويحذف النون فيقول «فإن سنيه» ومثل هذا البيت قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف» والأبيات التى أنشدناها (فى ص ٥٨) وتقدم لنا ذكر ذلك.

(١) «ونون» مفعول مقدم لا فتح ، ونون مضاف و «مجموع» مضاف إليه «وما» الواو عاطفة ، ما : اسم موصول معطوف على مجموع ، مبنى على السكون فى محل جر «به» جار ومجرور متعلق بالتحق الآتى «انتحق» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «فافتح» الفاء زائدة لتزيين اللفظ ، وافتح : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وقل» فعل ماض «من» اسم موصول فى محل رفع فاعل بقل «بكسره» الجار والمجرور متعلق بنطق ، وكسر مضاف والضمير العائد على النون مضاف إليه «نطق» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، والجملة

٦٦

ونون ما ثنّى والملحق به

بعكس ذاك استعملوه ، فانتبه (١)

حقّ نون الجمع وما ألحق به الفتح ، وقد تكسر شذوذا ، ومنه قوله :

(٨) ـ

عرفنا جعفرا وبنى أبيه

وأنكرنا زعانف آخرين

__________________

لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ، وتقدير البيت : افتح نون الاسم المجموع والذى التحق به ، وقل من العرب من نطق بهذه النون مكسورة : أى فى حالتى النصب والجر أما فى حالة الرفع فلم يسمع كسر هذه النون من أحد منهم.

(١) «ونون» الواو عاطفة ، نون : مبتدأ ، ونون مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «ثنى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة ما «والملحق» معطوف على ما «به» جار ومجرور متعلق بالملحق «بعكس» جار ومجرور متعلق باستعملوه ، وعكس مضاف وذا منّ «ذاك» مضاف إليه ، والكاف حرف خطاب «استعملوه» فعل ماض ، والواو فاعل. والهاء مفعول به ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو «نون» فى أول البيت «فانتبه» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، يريد أن لغة جمهور العرب جارية على أن ينطقوا بنون المثنى مكسورة ، وقليل منهم من ينطق بها مفتوحة.

٨ ـ هذا البيت لجرير بن عطية بن الخطفى ، من أبيات خاطب بها فضالة العرنى ، وقبله قوله :

عرين من عرينة ، ليس منّا

برئت إلى عرينة من عرين

المفردات : «جعفر» اسم رجل من ولد ثعلبة بن يربوع «وبنى أبيه» إخوته ، وهم عرين وكليب وعبيد «زعانف» جمع زعنفة ـ بكسر الزاى والنون بينهما عين مهملة ساكنة ـ وهم الأتباع ، وفى القاموس «الزعنفة ـ بالكسر والفتح ـ القصير والقصيرة ، وجمعه زعانف ، وهى أجنحة السمك ، وكل جماعة ليس أصلهم واحدا» ه. والزعانف أيضا : أهداب الثوب التى تنوس منه ، أى تتحرك ، ويقال للئام الناس ورذالهم : الزعانف.

الإعراب : «عرفنا» فعل وفاعل «جعفرا» مفعوله «وبنى» معطوف على جعفر وبنى مضاف وأبى من «أبيه» مضاف إليه ، وأبى مضاف وضمير الغائب العائد إلى جعفر مضاف إليه «وأنكرنا» الواو حرف عطف ، أنكرنا : فعل وفاعل «زعانف»

٦٧

وقوله :

(٩) ـ

أكلّ الدهر حلّ وارتحال

أما يبقى علىّ ولا يقينى؟!

وما ذا تبتغى الشّعراء منّى

وقد جاوزت حدّ الأربعين؟

وليس كسرها لغة ، خلافا لمن زعم ذلك.

__________________

مفعول به «آخرين» صفة له منصوب بالياء نيابة عن الفتحة لأنه جمع مذكر سالم ، وجملة أنكرنا ومعمولاته معطوفة على جملة عرفنا ومعمولاته.

الشاهد فيه : كسر نون الجمع فى قوله «آخرين» بدليل أن القصيدة مكسورة حرف القافية ، وقد روينا البيت السابق على بيت الشاهد ليتضح لك ذلك ، وأول الكلمة قوله :

أتوعدنى وراء بنى رياح؟

كذبت ؛ لتقصرنّ يداك دونى

٩ ـ هذان البيتان لسحيم بن وثيل الرياحى ، من قصيدة له يمدح بها نفسه ويعرض فيها بالأبيرد الرياحى ابن عمه ، وقبلهما :

عذرت البزل إن هى خاطرتنى

فما بالى وبال ابنى لبون؟

وبعدهما قوله :

أخو خمسين مجنمع أشدّى

ونجّذنى مداورة الشؤون

المفردات : «يبتغى» معناه يطلب ، ويروى فى مكانه «يدرى» بتشديد الدال المهملة ، وهو مضارع ادراه ، إذا ختله وخدعه.

المعنى : يقول : كيف يطلب الشعراء خديعتى ويطمعون فى ختلى وقد بلغت سن التجربة والاختبار التى تمكننى من تقدير الأمور ورد كيد الأعداء إلى نحورهم؟ يريد أنه لا تجوز عليه الحيلة ، ولا يمكن لعدوه أن يخدعه.

الإعراب : «أكل» الهمزة للاستفهام ، وكل : ظرف زمان متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وكل مضاف و «الدهر» مضاف إليه «حل» مبتدأ مؤخر «وارتحال» معطوف عليه «أما» أصل الهمزة للاستفهام ، وما نافية ، وأما هنا حرف استفتاح «يبقى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الدهر «على» جار ومجرور متعلق بيبقى «ولا» الواو عاطفة ، ولا : زائدة لتأكيد النفى «يقينى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به «وما ذا» ما : اسم استفهام مبتدأ. وذا : اسم موصول بمعنى الذى فى محل رفع خبر

٦٨

وحقّ نون المثنى والملحق به الكسر ، وفتحها لغة ، ومنه قوله :

(١٠) ـ

على أحوذيّين استقلّت عشيّة

فما هى إلا لمحة وتغيب

__________________

«تبتغى» فعل مضارع «الشعراء» فاعله «منى» جار ومجرور متعلق بتبتغى ، والجملة من الفعل وفاعله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ، والعائد ضمير منصوب بتبتغى ، وهو محذوف : أى تبتغيه «وقد» الواو حالية ، قد : حرف تحقيق «جاوزت» فعل وفاعل «حد» مفعول به لجاوز ، وحد مضاف و «الأربعين» مضاف إليه ، مجرور بالياء المكسور ما قبلها تحقيقا المفتوح ما بعدها تقديرا ، وقيل : مجرور بالكسرة الظاهرة ؛ لأنه عومل معاملة حين فى جعل الإعراب على النون ، وسنوضح ذلك فى بيان الاستشهاد بالبيت.

الشاهد فيه : قوله «الأربعين» حيث وردت الرواية فيه بكسر النون كما رأيت فى أبيات القصيدة ؛ فمن العلماء من خرجه على أنه معرب بالحركات الظاهرة على النون على أنه عومل معاملة المفرد من نحو حين ومسكين وغسلين ويقطين ، ومنهم من خرجه على أنه جمع مذكر سالم معرب بالياء نيابة عن الكسرة ، ولكنه كسر النون ، وعليه الشارح هنا.

ونظيره بيت ذى الأصبع العدوانى الذى رويناه لك (ص ٦٥) وقول الفرزدق :

ما سدّ حىّ ولا ميت مسدّهما

إلا الخلائف من بعد النّبيّين

١٠ ـ البيت لحميد بن ثور الهلالى الصحابى ، أحد الشعراء المجيدين ، وكان لا يقاربه شاعر فى وصف القطاة ، وهو من أبيات قصيدة له يصف فيها القطاة ، وأول الأبيات التى يصف فيها القطاة قوله :

كما انقبضت كدراء تسقى فراخها

بشمظة رفها والمياه شعوب

غدت لم تصعّد فى السماء ، وتحتها

إذا نظرت أهويّة ولهوب

فجاءت وما جاء القطا ، ثم قلّصت

بمفحصها ، والواردات تنوب

اللغة : «الأحوذيان» مثنى أحوذى ، وهو الخفيف السريع ، وأراد به هنا جناح القطاة ، يصفها بالسرعة والخفة ، و «استقلت» ارتفعت وطارت فى الهواء ، و «العشية» ما بين الزوال إلى المغرب ، و «هى» ضمير غائبة يعود إلى القطاة على تقدير مضافين ، وأصل الكلام : فما زمان رؤيتها إلا لمحة وتغيب.

٦٩

وظاهر كلام المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ أن فتح النون فى التثنية ككسر نون الجمع فى القلّة ، وليس كذلك ، بل كسرها فى الجمع شاذّ وفتحها فى التثنيه لغة ، كما قدّمناه ، وهل يختص الفتح بالياء أو يكون فيها وفى الألف؟ قولان ؛ وظاهر كلام المصنف الثانى (١).

__________________

المعنى : يريد أن هذه القطاة قد طارت بجناحين سريعين ؛ فليس يقع نظرك عليها حين تهم بالطيران إلا لحظة يسيرة ثم تغيب عن ناظريك فلا تعود تراها ، يقصد أنها شديدة السرعة.

الإعراب : «على أحوذيين» جار ومجرور متعلق باستقلت «استقلت» استقل : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على القطاة التى تقدم وصفها «عشية» ظرف زمان منصوب على الظرفية متعلق باستقلت «فما» الفاء عاطفة ، ما : نافية «هى» مبتدأ بتقدير مضافين ، والأصل : فما زمان مشاهدتها إلا لمحة وتغيب بعدها «إلا» أداة استثناء ملغاة لا عمل لها «لمحة» خبر المبتدأ «وتغيب» الواو عاطفة ، وتغيب فعل مضارع فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على القطاة ، والجملة من الفعل والفاعل معطوفة على جملة المبتدأ والخبر.

الشاهد فيه : فتح نون المثنى من قوله «أحوذيين» وهى لغة ، وليست بضرورة ؛ لأن كسرها يأتى معه الوزن ولا يفوت به غرض.

(١) اعلم أنهم اتفقوا على زيادة نون بعد ألف المثنى ويائه وبعد واو الجمع ويائه ؛ واختلف النحاة فى تعليل هذه الزيادة على سبعة أوجه ، الأول ـ وعليه ابن مالك ـ أنها زيدت دفعا لتوهم الإضافة فى «رأيت بنين كرماء» إذ لو قلت «رأيت بنى كرماء» لم يدر السامع الكرام هم البنون أم الآباء؟ فلما جاءت النون علمنا أنك إن قلت «بنى كرماء» فقد أردت وصف الآباء أنفسهم بالكرم وأن بنى مضاف وكرماء مضاف إليه ، وإن قلت «بنين كرماء» فقد أردت وصف الأبناء أنفسهم بالكرم وأن كرماء نعت لبنين ، وبعدا عن توهم الإفراد فى «هذان» ونحو «الخوزلان» و «المهتدين» ؛ إذ لو لا النون لالتبست الصفة بالمضاف إليه على ما علمت أولا ولالتبس المفرد بالمثنى أو بالجمع ؛ الثانى أنها زيدت عوضا عن الحركة فى الاسم المفرد ، وعليه الزجاج ، والثالث : أن زيادتها عوض عن التنوين فى الاسم المفرد. وعليه ابن كيسان ، وهو الذى يجرى على ألسنة المعربين ، والرابع : أنها عوض عن الحركة والتنوين معا ، وعليه ابن ولاد والجزولى.

٧٠

ومن انفتح مع الألف قول الشاعر :

(١١) ـ

أعرف منها الجيد والعينانا

ومنخرين أشبها ظبيانا

__________________

والخامس : أنها عوض عن الحركة والتنوين فيما كان التنوين والحركة فى مفرده كمحمد وعلى ، وعن الحركة فقط فيما لا تنوين فى مفرده كزينب وفاطمة ، وعن التنوين فقط فيما لا حركة فى مفرده كالقاضى والفتى ؛ ولبست عوضا عن شىء منهما فيما لا حركة ولا تنوين فى مفرده كالحبلى ، وعليه ابن جنى ، والسادس : أنها زيدت فرقا بين نصب المفرد ورفع المثنى ، إذ لو حذفت النون من قولك «عليان» لأشكل عليك أمره ، فلم تدر أهو مفرد منصوب أم مثنى مرفوع ، وعلى هذا الفراء ، والسابع : أنها نفس التنوين حرك للتخلص من التقاء الساكنين

ثم المشهور الكثير أن هذه النون مكسورة فى المثنى مفتوحة فى الجمع ، فأما مجرد حركتها فيهما فلأجل التخلص من التقاء الساكنين ، وأما المخالفة بينهما فلتميز كل واحد من الآخر ، وأما فتحها فى الجمع فلأن الجمع ثقيل لدلالته على العدد الكثير والمثنى خفيف ، فقصدت المعادلة بينهما ؛ لئلا يجتمع ثقيلان فى كلمة ، وورد العكس فى الموضعين وهو فتحها مع المثنى وكسرها مع الجمع ؛ ضرورة لا لغة ، وقيل : ذلك خاص بحالة الياء فيهما ، وقيل لا ، بل مع الألف والواو أيضا.

وذكر الشيبانى وابن جنى أن من العرب من يضم النون فى المثنى ، وعلى هذا ينشدون قول الشاعر :

يا أبتا أرّقنى القذّان

فالنّوم لا تطعمه العينان

وهذا إنما يجىء مع الألف ، لا مع الياء.

وسمع تشديد نون المثنى فى تثنية اسم الإشارة والموصول فقط ، وقد قرىء بالتشديد فى قوله تعالى : (فَذانِكَ بُرْهانانِ) وقوله : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها) وقوله : (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) وقوله سبحانه : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ).

١١ ـ البيت لرجل من ضبة كما قال المفضل ، وزعم العينى أنه لا يعرف قائله ، وقيل : هو لرؤبة ، والصحيح الأول ، وهو من رجز أوله :

إنّ لسلمى عندنا ديوانا

يخزى فلانا وابنه فلانا

كانت عجوزا عمّرت زمانا

وهى ترى سيّئها إحسانا

٧١

وقد قيل : إنه مصنوع (١) ؛ فلا يحتجّ به.

* * *

__________________

اللغة : «الجيد» العنق «منخرين» مثنى منخر ، بزنة مسجد ، وأصله مكان النخير وهو الصوت المنبعث من الأنف ، ويستعمل فى الأنف نفسه لأنه مكانه ، من باب تسمية الحال باسم محله ، كإطلاق لفظ القرية وإرادة سكانها «ظبيان» اسم رجل ، وقيل : مثنى ظبى ، قال أبو زيد «ظبيان : اسم رجل ، أراد أشبها منخرى ظبيان» ، فحذف ، كما قال الله عز وجل : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) يريد أهل القرية» اه ، وتأويل أبى زيد فى القرية على أنه مجاز بالحذف ، وهو غير التأويل الذى ذكرناه آنفا.

الإعراب : «أعرف» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «منها» جار ومجرور متعلق بأعرف «الجيد» مفعول به لأعرف «والعينانا» معطوف على الجيد منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر «ومنخرين» معطوف على الجيد أيضا ، منصوب بالياء نيابة عن الفتحة لأنه مثنى «أشبها» أشبه : فعل ماض ، وألف الاثنين فاعل «ظبيانا» مفعول به ، منصوب بالفتحة الظاهرة على أنه مفرد كما هو الصحيح ، فأما على أنه مثنى فهو منصوب بفتحة مقدرة على الألف كما فى قوله «والعينانا» السابق ، وذلك على لغة من يلزم المثنى الألف ، والجملة من الفعل وفاعله فى محل نصب صفة لمنخرين.

الشاهد فيه : قوله «والعينانا» حيث فتح نون المثنى ، وقال جماعة منهم الهروى : الشاهد فيه فى موضعين : أحدهما ما ذكرنا ، وثانيهما قوله «ظبيانا» ، ويتأتى ذلك على أنه تثنية ظبى ، وهو فاسد من جهة المعنى ، والصواب أنه مفرد ، وهو اسم رجل كما قدمنا لك عن أبى زيد ، وعليه لا شاهد فيه ، وزعم بعضهم أن نون «منخرين» مفتوحة ، وأن فيها شاهدا أيضا ، فهو نظير قول حميد بن ثور «على أحوذيين» الذى تقدم (ش رقم ١٠).

(١) حكى ذلك ابن هشام رحمه الله ، وشبهة هذا القيل أن الراجز قد جاء بالمثنى بالألف فى حاله النصب ، وذلك فى قوله «والعينانا» وفى قوله «ظبيانا» عند الهروى وجماعة ، ثم جاء به بالياء فى قوله «منخرين» فجمع بين لغتين من لغات العرب فى بيت واحد ، وذلك قلما بتفق لعربى ، ويرد هذا الكلام شيئان ؛ أولهما : أن أبا زيد رحمه الله قد روى هذه الأبيات ، ونسبها لرجل من ضبة ، وأبو زيد ثقة ثبت حتى إن

٧٢

وما بتا وألف قد جمعا

يكسر فى الجرّ وفى النّصب معا (١)

لما فرغ من الكلام على الذى تنوب فيه الحروف عن الحركات شرع فى ذكر ما نابت فيه حركة عن حركة ، وهو قسمان ؛ أحدهما : جمع المؤنث السالم ، نحو مسلمات ، وقيدنا بـ «السالم» احترازا عن جمع التكسير ، وهو : ما لم يسلم فيه بناء الواحد ، نحو : هنود ، وأشار إليه المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ بقوله : «وما بتا وألف قد جمعا» أى جمع بالألف والتاء المزيدتين ، فخرج نحو قضاة (٢) ؛ فإنّ ألفه غير زائدة ، بل هى منقلبة عن أصل وهو الياء ؛ لأن أصله

__________________

سيبويه رحمه الله كان يعبر عنه فى كتابه بقوله «حدثنى الثقة» أو «أخبرنى الثقة» ونحو ذلك ، وثانيهما : أن الرواية عند أبى زيد فى نوادره :

*ومنخران أشبها ظبيانا*

بالألف فى «منخرين» أيضا ؛ فلا يتم ما ذكروه من الشبهة لادعاء أن الشاهد مصنوع ، فافهم ذلك وتدبره.

(١) «وما» الواو للاستئناف ، ما : اسم موصول مبتدأ «بتا» جار ومجرور متعلق بجمع الآتى «وألف» الواو حرف عطف ، ألف : معطوف على تا «قد» حرف تحقيق «جمعا» جمع : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «يكسر» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم الموصول الواقع مبتدأ ، والجملة من الفعل المضارع ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «فى الجر» جار ومجرور متعلق بيكسر «وفى النصب» الواو حرف عطف ، فى النصب : جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور الأول «معا» ظرف متعلق بمحذوف حال.

(٢) مثل قضاة فى ذلك : بناة ، وهداة ، ورماة ، ونظيرها : غزاة ، ودعاة ، وكساة ، فإن الألف فيها منقلبة عن أصل ، لكن الأصل فى غزاة ودعاة وكساة واو لا ياء.

٧٣

قضية ، ونحو أبيات (١) فإنّ تاءه أصلية ، والمراد [منه] ما كانت الألف والتاء سببا فى دلالته على الجمع ، نحو «هندات» ؛ فاحترز بذلك عن نحو «قضاة ، وأبيات» ؛ فإن كل واحد منهما جمع ملتبس بالألف والتاء ، وليس مما نحن فيه ؛ لأن دلالة كل واحد منهما على الجمع ليس بالألف والتاء ، وإنما هو بالصّيغة ؛ فاندفع بهذا التقرير الاعتراض على المصنف بمثل «قضاة ، وأبيات» وعلم أنه لا حاجة إلى أن يقول : بألف وتاء مزيدتين ؛ فالباء فى قوله «بتا» متعلقة بقوله : «جمع».

وحكم هذا الجمع أن يرفع بالضمة ، وينصب ويجر بالكسرة ، نحو : «جاءنى هندات ، ورأيت هندات ، ومررت بهندات» فنابت فيه الكسرة عن الفتحة ، وزعم بعضهم أنه مبنىّ فى حالة النصب ، وهو فاسد ؛ إذ لا موجب لبنائه (٢).

* * *

__________________

(١) ومثل أبيات فى ذلك : أموات ، وأصوات ، وأثبات ، وأحوات جمع حوت ، وأسحات جمع سحت بمعنى حرام.

(٢) اختلف النحويون فى جمع المؤنث السالم إذا دخل عليه عامل يقتضى نصبه ؛ فقيل : هو مبنى على الكسر فى محل نصب مثل هؤلاء وحذام ونحوهما ، وقيل : هو معرب ، ثم قيل : ينصب بالفتحة الظاهرة مطلقا : أى سواء كان مفرده صحيح الآخر نحو زينبات وطلحات فى جمع زينب وطلحة ، أم كان معتلا نحو لغات وثبات فى جمع لغة وثبة ، وقيل : بل ينصب بالفتحة إذا كان مفرده معتلا ، وبالكسرة إذا كان مفرده صحيحا ، وقيل : ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة مطلقا ؛ حملا لنصبه على جره ، كما حمل نصب جمع المذكر السالم ـ الذى هو أصل جمع المؤنث ـ على جره فجعلا بالياء ، وهذا الأخير هو أشهر الأقوال ، وأصحها عندهم ، وهو الذى جرى عليه الناظم هنا.

٧٤

كذا أولات ، والّذى اسما قد جعل

 ـ كأذرعات ـ فيه ذا أيضا قبل (١)

أشار بقوله : «كذا أولات» إلى أن «أولات» تجرى مجرى جمع المؤنث السالم فى أنها تنصب بالكسرة ، وليست بجمع مؤنث سالم ، بل هى ملحقة به ، وذلك لأنها لا مفرد لها من لفظها.

ثم أشار بقوله : «والذى اسما قد جعل» إلى أن ما سمّى به من هذا الجمع والملحق به ، نحو : «أذرعات» ينصب بالكسرة كما كان قبل التسمية به ، ولا يحذف منه التنوين ، نحو : «هذه أذرعات ، ورأيت أذرعات ، ومررت بأذرعات» ، هذا هو المذهب الصحيح ، وفيه مذهبان آخران ؛ أحدهما : أنه يرفع بالضمة ، وينصب ويجر بالكسرة ، ويزال منه التنوين ، نحو : «هذه أذرعات ، ورأيت أذرعات ، ومررت بأذرعات» والثانى : أنه يرفع بالضمة ،

__________________

(١) «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «أولات» مبتدأ مؤخر «والذى» الواو للاستئناف ، الذى : اسم موصول مبتدأ أول «اسما» مفعول ثان لجعل الآتى «قد» حرف تحقيق «جعل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ـ وهو المفعول الأول ـ ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذى ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «كأذرعات» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كأذرعات «فيه» جار ومجرور متعلق بقبل الآتى «ذا» مبتدأ ثان «أيضا» مفعول مطلق حذف عامله «قبل» فعل ماض ، مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول ، وهو الذى ، أى : وقد قبل هذا الإعراب فى الجمع الذى جعل اسما كأذرعات ، والتقدير الإعرابى للبيت : وأولات كذلك : أى كالجمع بالألف والتاء ، والجمع الذى جعل اسما ـ أى سمى به بحيث صار علما ، ومثاله أذرعات ـ هذا الإعراب قد قبل فيه أيضا ، وأذرعات فى الأصل : جمع أذرعة الذى هو جمع ذراع ، كما قالوا : رجالات وبيوتات وجمالات ، وقد سمى بأذرعات بلد فى الشام كما ستسمع فى الشاهد رقم ١٢.

٧٥

وينصب ويجر بالفتحة ، ويحذف منه التنوين ، نحو : «هذه أذرعات ، ورأيت أذرعات ، ومررت بأذرعات» ، ويروى قوله :

(١٢) ـ

تنوّرتها من أذرعات ، وأهلها

بيثرب ، أدنى دارها نظر عالى

__________________

١٢ ـ البيت لامرىء القيس بن حجر الكندى ، من قصيدة مطلعها :

ألا عم صباحا أيّها الطّلل البالى

وهل يعمن من كان فى العصر الخالى

اللغة : «تنورتها» نظرت إليها من بعد ، وأصل التنور : النظر إلى النار من بعد ، سواء أراد قصدها أم لم يرد ، و «أذرعات» بلد فى أطراف الشام ، و «يثرب» اسم قديم لمدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم «أدنى» أقرب «عال» عظيم الارتفاع والامتداد.

الإعراب : «ننورتها» فعل وفاعل ومفعول به «من» حرف جر «أذرعات» مجرور بمن ، وعلامة جره الكسرة الظاهرة ، إذا قرأته يالجر منونا أو من غير تنوين ، فإن قرأته بالفتح قلت : وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه اسم لا ينصرف ، والمانع له من الصرف العلمية والتأنيث ، والجار والمجرور متعلق بتنور «وأهلها» الواو للحال ، وأهل : مبتدأ ، وأهل مضاف والضمير مضاف إليه «بيثرب» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب حال «أدنى» مبتدأ ، وأدنى مضاف ودار من «دارها» مضاف إليه ، ودار مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه «نظر» خبر المبتدأ «عال» نعت لنظر.

الشاهد فيه : قوله «أدرعات» فإن أصله جمع ، كما بينا فى تقدير بيت الناظم ، ثم نقل فصار اسم بلد فهو فى اللفظ جمع ، وفى المعنى مفرد. ويروى فى هذا البيت بالأوجه الثلاثة التى ذكرها الشارح : فأما من رواه بالجر والتنوين فإنما لاحظ حاله قبل التسمية به ، من أنه جمع بالألف والتاء المزيدتين ، والذين يلاحظون ذلك يستندون إلى أن التنوين فى جمع المؤنث السالم تنوين المقابلة ؛ إذ هو فى مقابلة النون التى فى جمع المذكر السالم ، وعلى هذا لا يحذف التنوين ولو وجد فى الكلمة ما يقتضى منع صرفها ؛ لأن التنوين الذى يحذف عند منع الصرف هو تنوين التمكين ، وهذا عندهم كما قلنا تنوين المقابلة ، وأما من رواه بالكسر من غير تنوين ـ وهم جماعة منهم المبرد والزجاج ـ فقد لاحظوا فيه أمرين : أولهما أنه جمع بحسب أصله ، وثانيهما : أنه علم على مؤنث ،

٧٦

بكسر التاء منونة كالمذهب الأول ، وبكسرها بلا تنوين كالمذهب الثانى ، وبفتحها بلا تنوين كالمذهب الثالث.

* * *

وجرّ بالفتحة ما لا ينصرف

ما لم يضف أو يك بعد «أل» ردف (١)

أشار بهذا البيت إلى القسم الثانى مما ناب فيه حركة عن حركة ، وهو الاسم الذى لا ينصرف ، وحكمه أنه يرفع بالضمة ، نحو ، «جاء أحمد» وينصب بالفتحة ، نحو : «رأيت أحمد» ويجر بالفتحة أيضا ، نحو : «مررت بأحمد» ، فنابت الفتحة عن الكسرة. هذا إذا لم يضف أو يقع بعد الألف واللام ؛ فإن أضيف جرّ بالكسرة ، نحو : «مررت بأحمدكم» وكذا إذا دخله الألف واللام ،

__________________

فأعطوه من كل جهة شبها ؛ فمن جهة كونه جمعا نصبوه بالكسرة نيابة عن الفتحة ، ومن جهة كونه علم مؤنث حذفوا تنوينه ، وأما الذين رووه بالفتح من غير تنوين ـ وهم جماعة منهم سيبويه وابن جنى ـ فقد لاحظوا حالته الحاضرة فقط ، وهى أنه علم مؤنث.

(١) «وجر» الواو للاستئناف ، جر : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بالفتحة» جار ومجرور متعلق بجر «ما» اسم موصول مفعول به لجر ، مبنى على السكون فى محل نصب «لا» نافية «ينصرف» فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة ، وسكن للوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «ما» مصدرية ظرفية «لم» حرف نفى وجزم وقلب «يضف» فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم ، وعلامة جزمه السكون ، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة صلة ما المصدرية «أو» عاطفة «يك» معطوف على يضف ، مجزوم بسكون النون المحذوفة للتخفيف ، وهو متصرف من كان الناقصه ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة «بعد» ظرف متعلق بمحذوف خبر يك ، وبعد مضاف و «أل» مضاف إليه مقصود لفظه «ردف» فعل

٧٧

نحو «مررت بالأحمد (١)» ؛ فإنه يجر بالكسرة (٢).

* * *

واجعل لنحو «يفعلان» النّونا

رفعا ، وتدعين وتسألونا (٣)

__________________

ماض مبنى على انفتح لا محل له من الإعراب ، وسكن للوقف ، والفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل نصب حال من الاسم الموصول وهو ما : أى اجرر بالفتحة الاسم الذى لا ينصرف مدة عدم إضافته وكونه غير واقع بعد أل.

(١) قد دخلت أل على العلم إما للمح الأصل وإما لكثرة شياعه بسبب تعدد المسمى بالاسم الواحد وإن تعدد الوضع ، وقد أضيف العلم لذلك السبب أيضا ؛ فمن أمثلة دخول أل على العلم قول الراجز :

باعد أمّ العمرو من أسيرها

حرّاس أبواب على قصورها

ومن أمثلة إضافة العلم قول الشاعر :

علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم

بأبيض ماضى الشّفرتين يمان

(٢) سواء أكانت «أل» معرفة ، نحو «الصلاة فى المساجد أفضل منها فى المنازل» أو موصولة كالأعمى والأصم ، واليقظان ، أو زائدة كقول ابن ميادة يمدح الوليد بن يزيد :

رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله

فإن الاسم مع كل واحد منها يجر بالكسرة.

(٣) «واجعل» الواو للاستئناف ، اجعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لنحو» جار ومجرور متعلق باجعل ، ونحو مضاف ، و «يفعلان» قصد لفظه : مضاف إليه «النونا» مفعول به لا جعل «رفعا» مفعول لأجله ، أو منصوب على نزع الخافض «وتدعين» الواو عاطفة ، وتدعين : معطوف على يفعلان ، وقد قصد لفظه أيضا «وتسألونا» الواو عاطفة ، تسألون : معطوف على يفعلان ، وقد قصد لفظه أيضا ، وأراد من «نحو بفعلان» كل فعل مضارع اتصلت به ألف الاثنين ، وأراد من نحو تدعين كل فعل مضارع اتصلت به ياء المؤنثة المخاطبة ، ومن نحو تسألون كل فعل مضارع اتصلت به واو الجماعة.

٧٨

وحذفها للجزم والنّصب سمه

كلم تكونى لترومى مظلمه (١)

لما فرغ من الكلام على ما يعرب من الأسماء بالنيابة شرع فى ذكر ما يعرب من الأفعال بالنيابة ، وذلك الأمثلة الخمسة ؛ فأشار بقوله «يفعلان» إلى كل فعل اشتمل على ألف اثنين : سواء كان فى أوله الياء ، نحو «يضربان» أو التاء ، نحو «تضربان» وأشار بقوله : «وتدعين» إلى كل فعل اتصل به ياء مخاطبة ، نحو «أنت تضربين» وأشار بقوله «وتسألون» إلى كل فعل اتصل به واو الجمع ، نحو «أنتم تضربون» سواء كان فى أوّله التاء كما مثّل ، أو الياء ، نحو «الزّيدون يضربون».

فهذه الأمثلة الخمسة ـ وهى : يفعلان ، وتفعلان ، ويفعلون ، وتفعلون ، وتفعلين ـ ترفع بثبوت النون ، وتنصب وتجزم بحذفها ؛ فنابت النون فيه عن الحركة التى هى الضمة ، نحو «الزّيدان يفعلان» فيفعلان : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون ؛ وتنصب وتجزم بحذفها ؛ نحو «الزّيدان لن

__________________

(١) «وحذفها» الواو للاستئناف ، حذف : مبتدأ ، وحذف مضاف ، وها : مضاف إليه «للجزم» جار ومجرور متعلق بسمة الآتى «والنصب» معطوف على الجزم «سمة» خبر المبتدأ ، والسمة ـ بكسر السين المهملة ـ العلامة ، وفعلها وسم يسم سمة على مثال وعد يعد عدة ووصف يصف صفة وومق يمق مقة «كلم» الكاف حرف جر ، والمجرور بها محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كقولك ، ولم : حرف نفى وجزم وقلب «تكونى» فعل مضارع متصرف من كان الناقصة مجزوم بلم ، وعلامة جزمه حذف النون ، وياء المؤنثة المخاطبة اسم تكون ، مبنى على السكون فى محل رفع «لترومى» اللام لام الجحود ، وترومى فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد لام الجحود ، وعلامة نصبه حذف النون ، والياء فاعل «مظلمة» مفعول به لترومى ؛ والمظلمة ـ بفتح اللام ـ الظلم ، وأن المصدرية المضمرة مع مدخولها فى تأويل مصدر مجرور بلام الجحود ، واللام ومجرورها يتعلقان بمحذوف خبر تكونى ، وجملة تكون واسمها وخبرها فى محل نصب مقول القول الذى قدرناه.

٧٩

يقوما ، ولم يخرجا» فعلامة النصب والجزم سقوط النون من «يقوما ، ويخرجا» ومنه قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ)

* * *

وسمّ معتلّا من الأسماء ما

كالمصطفى والمرتقى مكارما (١)

فالأوّل الإعراب فيه قدّرا

جميعه ، وهو الّذى قد قصرا (٢)

__________________

(١) «وسم» الواو للاستئناف ، سم : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «معتلا» مفعول ثان لسم مقدم على المفعول الأول «من الأسماء» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ما «ما» اسم موصول مفعول أول لسم ، مبنى على السكون فى محل نصب «كالمصطفى» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول «والمرتقى» معطوف على المصطفى «مكارما» مفعول به للمرتقى ، والمعنى : سم ما كان آخره ألفا كالمصطفى ، أو ما كان آخره ياء كالمرتقى ، حال كونه من الأسما ، لا من الأفعال ـ معتلا.

(٢) «فالأول» مبتدأ أول «الإعراب» مبتدأ ثان «فيه» جار ومجرور متعلق بقدر الآتى «قدرا» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الإعراب. والألف للاطلاق «جميعه» جميع : توكيد لنائب الفاعل المستتر ، وجميع مضاف والهاء مضاف إليه ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول ، ويجوز أن يكون «جميعه» هو نائب الفاعل لقدر ، وعلى ذلك لا يكون فى «قدر» ضمير مستتر ، كما يجوز أن يكون «جميعه» توكيدا للاعراب ويكون فى «قدر» ضمير مستتر عائد إلى الإعراب أيضا «هو الذى» مبتدأ وخبر «قد» حرف تحقيق «قصرا» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الذى ، والألف للاطلاق ، والجملة لا محل لها صلة الذى ، والمعنى : فالأول ـ وهو ما آخره ألف من الأسماء كالمصطفى ـ الإعراب جميعه : أى الرفع والنصب والجر ، قدر على آخره الذى هو الألف ، وهذا النوع هو الذى قد قصرا : أى سمى مقصورا ، من القصر بمعنى الحبس ، وإنما سمى بذلك لأنه قد حبس ومنع من جنس الحركة.

٨٠