شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت «إنّ» بعد فاء الجزاء ، نحو «من يأتنى فإنّه مكرم» فالكسر على جعل «إنّ» ومعموليها جملة أجيب بها الشرط ، فكأنه قال : من يأتنى فهو مكرم ، والفتح على جعل «أنّ» وصلتها مصدرا مبتدأ والخبر محذوف ، والتقدير «من يأتنى فإكرامه موجود» ويجوز أن يكون خبرا والمبتدأ محذوفا ، والتقدير «فجزاؤه الإكرام».

ومما جاء بالوجهين قوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قرىء (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بالفتح [والكسر ؛ فالكسر على جعلها جملة جوابا لمن ، والفتح] على جعل أنّ وصلتها مصدرا مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير «فالغفران جزاؤه» أو على جعلها خبرا لمبتدأ محذوف ، والتقدير «فجزاؤه الغفران».

وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت «أنّ» بعد مبتدأ هو فى المعنى قول وخبر «إنّ» قول ، والقائل واحد ، نحو «خير القول إنى أحمد [الله]» فمن فتح جعل «أنّ» وصلتها مصدرا خبرا عن «خير» ، والتقدير «خير القول حمد لله» فـ «خير» : مبتدأ ، و «حمد الله» : خبره ، ومن كسر جعلها جملة خبرا عن «خير» كما تقول «أول قراءتى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) فأول : مبتدأ ، و (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) جملة خبر عن «أول» وكذلك «خير القول» مبتدأ ، و «إنى أحمد الله» خبره ، ولا تحتاج هذه

__________________

وعلى هذا ينبغى أن يحمل كلام الناظم ؛ فيكون تجويز الوجهين مخصوصا بذكر فعل القسم مع عدم اقتران الخبر باللام ؛ وهى الصورة التى أجمعوا فيها على جواز الوجهين.

٣٦١

الجملة إلى رابط ؛ لأنها نفس المبتدأ فى المعنى ؛ فهى مثل «نطقى الله حسبى» ومثّل سيبويه هذه المسألة بقوله : «أول ما أقول أنّى أحمد الله» وخرّج الكسر على الوجه الذى تقدّم ذكره ، وهو أنه من باب الإخبار بالجمل ، وعليه جرى جماعة من المتقدمين والمتأخرين : كالمبرد ، والزجاج ، والسيرافى ، وأبى بكر بن طاهر ؛ وعليه أكثر النحويين.

* * *

وبعد ذات الكسر تصحب الخبر

لام ابتداء ، نحو : إنّى لوزر (١)

يجوز دخول لام الابتداء على خبر «إنّ» المكسورة (٢) ، نحو «إنّ زيدا لقائم».

__________________

(١) «بعد» ظرف متعلق بقوله تصحب الآتى ، وبعد مضاف ، و «ذات» مضاف إليه ، وذات مضاف ، و «الكسر» مضاف إليه «تصحب» فعل مضارع «الخبر» مفعول به لتصحب مقدم على الفاعل «لام» فاعل مؤخر عن المفعول ، ولام مضاف و «ابتداء» مضاف إليه «نحو» خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك نحو «إنى» إن : حرف توكيد ونصب ، والياء التى هى ضمير المتكلم اسمها «لوزر» اللام لام الابتداء ، وهى للتأكيد ، وزر : خبر إن ، ومعناه الملجأ الذى يستعان به.

(٢) يشترط فى خبر إن الذى يجوز اقتران اللام به ثلاثة شروط. ذكر المصنف منها شرطين فيما يأتى :

الأول : أن يكون مؤخرا عن الاسم ، فإن تقدم على الاسم لم يجز دخول اللام عليه نحو قولك : إن فى الدار زيدا ، ولا فرق فى حالة تأخره على الاسم بين أن يتقدم معموله عليه وأن يتأخر عنه ، وزعم ابن الناظم أن معمول الخبر لو تقدم عليه امتنع دخول اللام على الخبر ، وهو مردود بنحو قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) فقد دخلت اللام على الخبر فى أفصح الكلام مع تقدم معموليه وهما «بهم» و «يومئذ»

الثانى : أن يكون الخبر مثبتا غير منفى ، فإن كان منفيا امتنع دخول اللام عليه.

الثالث : أن يكون الخبر غير جملة فعلية فعلها ماض متصرف غير مقترن بقد ، وذلك

٣٦٢

وهذه اللام حقّها أن تدخل على أول الكلام ؛ لأنّ لها صدر الكلام ؛ فحقّها أن تدخل على «إنّ» نحو «لأنّ زيدا قائم» لكن لما كانت اللام للتأكيد ، وإن للتأكيد ؛ كرهوا الجمع بين حرفين بمعنى واحد ، فأخّروا اللام إلى الخبر.

ولا تدخل هذه اللام على خبر باقى أخوات «إنّ» ؛ فلا تقول «لعلّ زيدا لقائم» وأجاز الكوفيون دخولها فى خبر «لكن» ، وأنشدوا :

(٩٩) ـ

يلوموننى فى حبّ ليلى عواذلى

ولكنّنى من حبّها لعميد

__________________

بأن يكون واحدا من خمسة أشياء ، أولها : المفرد نحو «إن زيدا لقائم» ، وثانيها : الجملة الاسمية نحو «إن أخاك لوجهه حسن» ، والثالث : الجملة الفعلية التى فعلها مضارع نحو «إن زيدا ليقوم» ، والرابع : الجملة الفعلية التى فعلها ماض جامد نحو «إن زيدا لعسى أن يزورنا» ، والخامس : الجملة الفعلية التى فعلها ماض متصرف مقترن بقد ، نحو «إن زيدا لقد قام».

ثم إذا كان الخبر جملة اسمية جاز دخول اللام على أول جزءيها نحو «إن زيدا لوجهه حسن» ، وعلى الثانى منهما نحو «إن زيدا وجهه لحسن» ، ودخولها على أول الجزءين أولى ؛ بل ذكر صاحب البسيط أن دخولها على ثانيهما شاذ.

٩٩ ـ هذا البيت مما ذكر النحاة أنه لا يعرف له قائل ، ولم أجد أحدا ذكر صدره قبل الشارح العلامة ، بل وقفت على قول ابن النحاس : «ذهب الكوفيون إلى جواز دخول اللام فى خبر لكن ، واستدلوا بقوله :

* ولكنّنى من حبّها لعميد*

والجواب أن هذا لا يعرف قائله ولا أوله ، ولم يذكر منه إلا هذا ؛ ولم ينشده أحد ممن وثق فى العربية ، ولا عزى إلى مشهور بالضبط والإتقان» اه كلامه ، ومثله للانبارى فى الإنصاف (٢١٤) ؛ وقال ابن هشام فى مغنى اللبيب : «ولا يعرف له قائل ، ولا تتمة ، ولا نظير» اه.

ولا ندرى أرواية الصدر على هذا الوجه مما نقله الشارح العلامة أم وضعه من عند

٣٦٣

..................................................................................

__________________

نفسه أم مما أضافه بعض الرواة قديما لتكميل البيت غير متدبر لما يجره هذا الفعل من عدم الثقة ، وإذا كان الشارح هو الذى رواه فمن أى المصادر؟ مع تضافر العلماء من قبله ومن بعده على ما ذكرنا.

اللغة : «عميد» من قولهم : عمده العشق ، إذا هذه ، وقيل : إذا انكسر قلبه من المودة.

الإعراب : «يلوموننى» فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، وواو الجماعة فاعل ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به ، والجملة فى محل رفع خبر مقدم ، وهذا إذا جرينا على اللغة الفصحى ، وإلا فالواو حرف دال على الجمع ، وعواذلى : هو فاعل يلوم ، وقوله «فى حب» جار ومجرور متعلق بيلوم ، وحب مضاف ، و «ليلى» مضاف إليه «عواذلى» مبتدأ مؤخر على الفصحى «ولكننى» لكن : حرف استدراك ونصب ، والنون للوقاية ، والياء اسمه «من حبها» الجار والمجرور متعلق بقوله عميد الآتى ، وحب مضاف ، وها : مضاف إليه «لعميد» اللام لام الابتداء ، أو هى زائدة على ما ستعرف فى بيان الاستشهاد ، وعميد خبر لكن.

الشاهد فيه : قوله «لعميد» حيث دخلت لام الابتداء ـ فى الظاهر ـ على خبر لكن ، وجواز ذلك هو مذهب الكوفيين.

والبصريون يأبون هذا وينكرونه ، ويجيبون عن هذا البيت بأربعة أجوبة.

أحدها : أن هذا البيت لا يصح ، ولم ينقله أحد من الأثبات.

الثانى : ما ذكره الشارح العلامة من أن اللام زائدة ، وليست لام الابتداء.

الثالث : سلمنا صحة البيت ، وأن اللام فيه للابتداء ، ولكنها ليست داخلة على خبر «لكن» وإنما هى داخلة على خبر «إن» المكسورة الهمزة المشددة النون ، وأصل الكلام «ولكن إننى من حبها لعميد» فحذفت همزة «إن» تخفيفا ، فاجتمع أربع نونات إحداهن نون «ولكن» واثنتان نونا «إن» والرابعة نون الوقاية ؛ فحذفت واحدة منهن ، فبقى الكلام على ما ظننت.

الرابع : سلمنا أن هذا البيت صحيح ، وأن اللام هى لام الابتداء ، وأنها داخلة على خبر لكن ، ولكننا لا نسلم أن هذا مما يجوز القياس عليه ، بل هو ضرورة وقعت فى هذا البيت بخصوصه ، والبيت المفرد والبيتان لا تبنى عليهما قاعدة.

٣٦٤

وخرّج على أن اللام زائدة ، كما شذّ زيادتها فى خبر «أمسى» نحو قوله :

(١٠٠) ـ

مرّوا عجالى ، فقالوا : كيف سيّدكم؟

فقال من سألوا : أمسى لمجهودا

__________________

والتخريجان الثالث والرابع متحتمان فيما ذكره الشارح من الشواهد (١٠٠ ، ١٠١) وما نذكره من قول كثير فى شرح الشاهد الآتى ، وكذلك فى قول الآخر :

أمسى أبان ذليلا بعد عزّته

وما أبان لمن أعلاج سودان

١٠٠ ـ حكى العينى أن هذا البيت من أبيات الكتاب ، ولم ينسبوه إلى أحد ، وأنشده أبو حيان فى التذكرة مهملا أيضا ، وأنشده ثعلب فى أماليه ، وأنشده أبو على الفارسى ، وأنشده أبو الفتح ابن جنى ، ولم ينسبه أحد منهم إلى قائل معين ، وقد راجعت كتاب سيبويه لأحقق ما قاله العينى فلم أجده بين دفتيه.

اللغة : «عجالى» جمع عجلان ـ كسكران وسكارى ـ ومن العلماء من يرويه «عجالا» بكسر العين على أنه جمع عجل ـ بفتح فضم مثل رجل ورجال ـ ومنهم يرويه «سراعا» على أنه جمع سريع «كيف سيدكم» روى فى مكانه «كيف صاحبكم» وقوله «من سألوا» يروى هذا الفعل بالبناء للمعلوم ، على أن جملة الفعل وفاعله لا محل لها صلة الموصول ، والعائد محذوف ، وتقدير الكلام : فقال الذى سألوه ويروى ببناء الفعل للمجهول ، على أن الجملة صلة ، والعائد للموصول هو واو الجماعة ، وكأنه قال : فقال الذين سئلوا «مجهودا» نال منه المرض والعشق حتى أجهداه وأتعباه.

الإعراب : «مروا» فعل وفاعل «عجالى» حال «فقالوا» فعل وفاعل «كيف» اسم استفهام خبر مقدم «سيدكم» سيد : مبتدأ مؤخر ، وسيد مضاف ، والضمير مضاف إليه ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب مقول القول «قال» فعل ماض «من» اسم موصول فاعل قال «سألوا» فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، والعائد محذوف ، أى سألوه ، وقد بينا أنه يروى بالبناء للمجهول ، وعليه يكون العائد هو واو الجماعة التى هى نائب الفاعل ، ويكون الشاعر قد راعى معنى من

٣٦٥

أى : أمسى مجهودا ، وكما زيدت فى خبر المبتدأ شذوذا ، كقوله :

(١٠١) ـ

أمّ الحليس لعجوز شهربه

ترضى من الّلحم بعظم الرّقبه

__________________

«أمسى» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى سيدكم «لمجهودا» اللام زائدة ، مجهودا : خبر أمسى ، وجملة أمسى ومعموليها مقول القول فى محل نصب.

الشاهد فيه : قوله «لمجهودا» حيث زيدت اللام فى خبر «أمسى» وهى زيادة شاذة ، ومثل هذا قول كثير عزة :

وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها

لكالهائم المقصى بكلّ سبيل

حيث زاد اللام فى خبر «زال» ـ وهو قوله لكالهائم ـ زيادة شاذة.

وفى ذلك رد لما زعم الكوفيون من أن اللام الداخلة فى خبر لكن فى قول الشاعر :

* ولكننى من حبها لعميد*

هى لام الابتداء ، وحاصل الرد عليهم بهذين الشاهدين أنا لا نسلم أن اللام التى فى خبر لكن هى ـ كما زعمتم ـ لام الابتداء ، بل هى لام زائدة مقحمة اقترنت بخبر لكن بدليل أن مثل هذه اللام قد دخلت على أخبار قد وقع الإجماع منا ومنكم على أن لام الابتداء لا تقترن بها كخبر أمسى وخبر زال فى البيتين.

١٠١ ـ نسب جماعة هذا البيت ـ ومنهم الصاغانى ـ إلى عنترة بن عروس مولى بنى ثقيف ، ونسبه آخرون إلى رؤبة بن العجاج ، والأول أكثر وأشهر ، ورواه الجوهرى.

اللغة : «الحليس» هو تصغير حلس ، والحلس ـ بكسر فسكون ـ كساء رقيق يوضع تحت البرذعة ، وهذه الكنية فى الأصل كنية الأنان ـ وهى أنثى الحمار ـ أطلقها الراجز على امرأة تشبيها لها بالأتان «شهربة» بفتح الشين والراء بينهما هاء ساكنة ، والمراد بها ههنا الكبيرة الطاعنة فى السن «ترضى من اللحم» من هنا بمعنى البدل مثلها فى قوله تعالى (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) أى بدلكم ، وإذا قدرت مضافا تجره بالباء ، وجعلت أصل الكلام : ترضى من اللحم بلحم عظم الرقبة ـ كانت من دالة على التبعيض.

٣٦٦

وأجاز المبرّد دخولها فى خبر أنّ المفتوحة ، وقد قرىء شاذّا : (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) بفتح «أنّ» ، وبتخرّج أيضا على زيادة اللام.

* * *

ولا يلى ذى اللّام ما قد نفيا

ولا من الأفعال ما كرضيا (١)

__________________

الإعراب : «أم» مبتدأ ، وأم مضاف ، و «الحليس» مضاف إليه «لعجوز» خبر المبتدأ «شهربة» صفة لعجوز «ترضى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى أم الحليس ، والجملة صفة ثانية لعجوز «من اللحم» جار ومجرور متعلق بترضى «بعظم» مثله ، وعظم مضاف و «الرقبة» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «لعجوز» حيث زاد اللام فى خبر المبتدأ ؛ والذهاب إلى زيادة اللام أحد تخريجات فى هذا البيت ، ومنها أن «عجوز» خبر لمبتدأ محذوف كانت اللام مقترنة به ـ وأصل الكلام على هذا : أم الحليس لهى عجوز ـ إلخ. فحذف المبتدأ ، فاتصلت اللام بخبره ، وهى فى صدر المذكور من جملتها ـ وقد مضى بحث ذلك فى باب المبتدأ والخبر (انظر ما تقدم لنا ذكره فى شرح الشاهد رقم ٥٣) ومثل هذا البيت قول أبى عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان يمدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد امتن عليه يوم بدر :

فإنّك من حاربته لمحارب

شقىّ ، ومن سالمته لسعيد

الشاهد فى قوله : «من حاربته لمحارب» وفى قوله «من سالمته لسعيد» فإن «من» اسم موصول مبتدأ فى الموضعين ، وقد دخلت اللام على خبره فى كل منهما.

(١) «ولا» نافية «يلى» فعل مضارع «ذى» اسم إشارة مفعول به ليلى مقدم على الفاعل «اللام» بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة ، أو نعت له «ما» اسم موصول فاعل يلى «قد» حرف تحقيق «نفيا» نفى : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية «من الأفعال» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ما الآتية «ما» اسم موصول معطوف على «ما»

٣٦٧

وقد يليها مع قد ، كإنّ ذا

لقد سما على العدا مستحوذا (١)

إذا كان خبر «إنّ» منفيّا لم تدخل عليه اللام ؛ فلا تقول «إنّ زيدا لما يقوم» وقد ورد فى الشعر ، كقوله :

(١٠٢) ـ

وأعلم إنّ تسليما وتركا

للا متشابهان ولا سواء

__________________

الأولى «كرضيا» قصد لفظه : جار ومجرور متعلق بفعل محذوف ، تقع جملته صلة «ما» الثانية ، وتقدير البيت : ولا يلى هذه اللام اللفظ الذى تقدمته أداة نفى ، ولا الماضى الذى يشبه رضى حال كونه من الأفعال.

(١) «وقد» حرف تقليل «يليها» يلى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الماضى المعبر عنه بقوله «ما كرضى» وها : ضمير عائد إلى اللام مفعول به ليلى «مع» ظرف متعلق بمحذوف حال من فاعل يلى ، ومع مضاف و «قد» قصد لفظه مضاف إليه «كإن» الكاف جارة لقول محذوف ، إن : حرف تأكيد ونصب «ذا» اسم إشارة : اسم إن «لقد» اللام لام التأكيد ، وقد : حرف تحقيق «سما» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الإشارة ، والجملة خبر إن فى محل رفع «على العدا» جار ومجرور متعلق بسما «مستحوذا» حال من الضمير المستتر فى «سما».

١٠٢ ـ البيت لأبى حزام ـ غالب بن الحارث ـ العكلى.

اللغة : «إن» إذا جريت على ما هو الظاهر فالهمزة مكسورة ؛ لأن اللام فى خبرها ، وإذا جعلت اللام زائدة فتحت الهمزة ، والأول أقرب ؛ لأن الذى يعلق «أعلم» عن العمل هو لام الابتداء ، لا الزائدة «تسليما» أراد به التسليم على الناس ، أو تسليم الأمور إلى ذويها وعدم الدخول فيما لا يعنى «تركا» أراد به ترك ما عبر عنه بالتسليم.

الإعراب : «أعلم» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «إن» حرف توكيد ونصب «تسليما» اسمه «وتركا» معطوف عليه «للامتشابهان» اللام لام الابتداء أو زائدة على ما ستعرف ، ولا : نافية ، ومتشابهان : خبر إن «ولا» الواو عاطفة ، لا : زائدة لتأكيد النفى «سواء» معطوف على خبر إن.

٣٦٨

وأشار بقوله : «ولا من الأفعال ما كرضيا» إلى أنه إذا كان الخبر ماضيا متصرفا غير مقرون بقد لم تدخل عليه اللام ؛ فلا تقول «إنّ زيدا لرضى» وأجاز ذلك الكسائىّ ، وهشام ؛ فإن كان الفعل مضارعا دخلت اللام

__________________

الشاهد فيه : قوله «للامتشابهان» حيث أدخل اللام فى الخبر المنفى بلا ، وهو شاذ.

وقد اختلف العلماء فى رواية صدر هذا البيت ؛ فظاهر كلام الرضى ـ وهو صريح كلام ابن هشام ـ أن همزة إن مكسورة ؛ لوجود اللام فى خبرها.

قال ابن هشام : «إن بالكسر لدخول اللام على الخبر» اه ، وهذا مبنى على ما هو الظاهر من أن اللام لام الابتداء ، كما ذكرنا لك فى لغة البيت.

وذهب ابن عصفور ـ تبعا للفراء ـ إلى أن الهمزة مفتوحة ، ومجازه عندنا أنه اعتبر اللام زائدة ، وليست لام الابتداء.

فإذا جعلت همزة إن مكسورة ـ على ما هو كلام ابن هشام ، وهو الذى يجرى عليه كلام الشارح ههنا ـ كان فى البيت شذوذ واحد ، وهو دخول اللام على خبر إن المنفى.

وإذا جريت على كلام ابن عصفور ، فإن اعتبرت اللام لام الابتداء كان فى هذا الشاهد شذوذان : أحدهما دخول اللام على خبر أن المفتوحة ، وثانيهما : دخولها على خبر أن المنفى.

ويخلص من هذا كله أن نعتبر اللام زائدة كما اعتبروها كذلك فى الشواهد السابقة.

وقال ابن جنى : «إنما أدخل اللام ـ وهى للايجاب ـ على لا وهى للنفى من قبل أنه شبه لا بغير ، فكأنه قال : لغير متشابهين ، كما شبه الآخر ما التى للنفى بما التى بمعنى الذى فى قوله :

لما أغفلت شكرك فاجتنبنى

فكيف ومن عطائك جلّ مالى؟

ولم يكن سبيل اللام الموجبة أن تدخل على ما النافية لو لا ما ذكرت لك من الشبه» انتهى كلامه.

٣٦٩

عليه ، ولا فرق بين المتصرّف نحو «إنّ زيدا ليرضى» وغير المتصرف ، نحو «إنّ زيدا ليذر الشّرّ» هذا إذا لم تقترن به السين أو سوف ؛ فإن اقترنت [به] ، نحو «إنّ زيدا سوف يقوم» أو «سيقوم» ففى جواز دخول اللام عليه خلاف ؛ [فيجوز إذا كان «سوف» على الصحيح ، وأما إذا كانت السين فقليل].

وإن كان ماضيا غير متصرف فظاهر كلام المصنف [جواز] دخول اللام عليه ؛ فتقول : «إنّ زيدا لنعم الرّجل ، وإنّ عمرا لبئس الرّجل» وهذا مذهب الأخفش والفراء ، والمنقول أن سيبويه لا يجيز ذلك.

فإن قرن الماضى المتصرف بـ «قد» جاز دخول اللام عليه ، وهذا هو المراد بقوله : «وقد يليها مع قد» نحو «إنّ زيدا لقد قام».

* * *

وتصحب الواسط معمول الخبر

والفصل ، واسما حلّ قبله الخبر (١)

تدخل لام الابتداء على معمول الخبر إذا توسّط بين اسم إنّ والخبر ، نحو «إن زيدا لطعامك آكل» وينبغى أن يكون الخبر حينئذ مما يصح دخول اللام عليه كما مثّلنا (٢) فإن كان الخبر لا يصح دخول اللام عليه لم يصح دخولها

__________________

(١) «وتصحب» الواو عاطفة ، تصحب : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى اللام «الواسط» مفعول به لتصحب «معمول» بدل منه ، أو حال منه ، ومعمول مضاف ، و «الخبر» مضاف إليه «والوصل» معطوف على الواسط «واسما» معطوف على الواسط أيضا «حل» فعل ماض «قبله» قبل : ظرف متعلق بحل ، وقبل مضاف والضمير الذى للغائب العائد إلى قوله «اسما» مضاف إليه «الخبر» فاعل لحل ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل نصب نعت لقوله «اسما».

(٢) يشترط لدخول اللام على معمول الخبر أربعة شروط :

الأول : أن يكون هذا المعمول متوسطا بين ما بعد إن ، سواء أكان التالى لإن هو

٣٧٠

على المعمول ، كما إذا كان [الخبر] فعلا ماضيا متصرفا غير مقرون بـ «قد» لم يصحّ دخول اللام على المعمول ؛ فلا تقول «إنّ زيدا لطعامك أكل» وأجاز ذلك بعضهم ، وإنما قال المصنف : «وتصحب الواسط» ـ أى : المتوسّط ـ تنبيها على أنها لا تدخل على المعمول إذا تأخر ؛ فلا تقول «إنّ زيدا آكل لطعامك».

وأشعر قوله بأن اللام إذا دخلت على المعمول المتوسّط لا تدخل على الخبر ، فلا تقول «إنّ زيدا لطعامك لآكل» ، وذلك من جهة أنه خصّص دخول اللام بمعمول الخبر المتوسط ، وقد سمع ذلك قليلا ، حكى من كلامهم «إنى» لبحمد الله لصالح».

__________________

اسمها كما فى مثال الشارح ، أم كان التالى لإن هو خبرها الظرف أو الجار والمجرور ، نحو «إن عندى لفى الدار زيدا» أم كان التالى لها معمولا آخر للخبر المؤخر ، نحو «إن عندى لفى الدار زيدا جالس» ويشمل كل هذه الصور قول الناظم «الواسط معمول الخبر» ، وإن كان تفسير الشارح قد قصره على صورة واحدة منها.

الشرط الثانى : أن يكون الخبر مما يصح دخول اللام عليه ، وهذا يستفاد من قول الناظم «معمول الخبر» فإن أل فى الخبر للعهد الذكرى ، والمعهود هو الخبر الذى تدخل اللام عليه ، والذى بينه وذكر شروطه فيها قبل ذلك.

الشرط الثالث : ألا تكون اللام قد دخلت على الخبر ، وهو الشرط الذى بين الشارح أن كلام الناظم يشعر به ، وقد بين أيضا وجه إشعار كلامه به.

الشرط الرابع : ألا يكون المعمول حالا ولا تمييزا ؛ فلا يصح أن تقول «إن زيدا لراكبا حاضر» ولا تقول «إن زيدا لعرقا يتصبب» وقد نص الشارح على الحال ، ونص غيره على التمييز ؛ وزاد أبو حيان ألا يكون المعمول مفعولا مطلقا ولا مفعولا لأجله ؛ فعنده لا يجوز أن تقول «إن زيدا لركوب الأمير راكب» ولا أن تقول «إن زيدا لتأديبا ضارب ابنه» واستظهر جماعة عدم صحة دخول اللام على المستثنى من الخبر ، ولا على المفعول معه ، وإن كان المتقدمون لم ينصوا على هذين.

٣٧١

وأشار بقوله : «والفصل (١)» إلى أن لام الابتداء تدخل على ضمير الفصل ، نحو «إنّ زيدا لهو القائم» وقال الله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) فـ «هذا» اسم «إنّ» ، و «هو» ضمير الفصل ، ودخلت عليه اللام ، و «الفصص» خبر «إنّ».

وسمى ضمير الفصل لأنه يفصل بين الخبر والصفة ، وذلك إذا قلت «زيد هو القائم» فلو لم تأت بـ «هو» لاحتمل أن يكون «القائم» صفة لزيد ، وأن يكون خبرا عنه ، فلما أتيت بـ «هو» تعين أن يكون «القائم» خبرا عن زيد.

وشرط ضمير الفصل أن يتوسط بين المبتدأ والخبر (٢) ، نحو «زيد هو القائم» أو بين ما أصله المبتدأ والخبر ، نحو «إنّ زيدا لهو القائم».

__________________

(١) البصريون يسمونه «ضمير الفصل» ووجه تسميته بذلك ما ذكره الشارح ، ومن العلماء من يسميه «الفصل» كما قال الناظم «والفصل» والكوفيون يسمونه «عمادا» ووجه تسميتهم إياه بذلك أنه يعتمد عليه فى تأدية المعنى المراد ، وقد اختلفوا فيه : أهو حرف أم اسم؟ وإذا كان اسما فهل له محل من الإعراب أم لا محل له من الإعراب؟ وإذا كان له محل من الإعراب فهل محله هو محل الاسم الذى قبله أم محل الاسم الذى بعده؟ فالأكثرون على أنه حرف وضع على صورة الضمير وسمى «ضمير الفصل» ومن النحاة من قال : هو اسم لا محل له من الإعراب ، ومنهم من قال : هو اسم محله محل الاسم المتقدم عليه ؛ فهو فى محل رفع إذا قلت «زيد هو القائم» أو قلت «كان زيد هو القائم» ، وفى محل نصب إذا قلت «إن زيدا هو القائم» ومنهم من قال : هو اسم محله محل الاسم المتأخر عنه ، فهو فى محل رفع فى المثالين الأول والثالث ، وفى محل نصب فى نحو قوله تعالى : (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ).

(٢) يشترط فى ضمير الفصل ـ بقطع النظر عن كونه بين معمولى إن ـ أربعة شروط : الأول : أن يقع بين المبتدأ والخبر أو ما أصلهما ذلك ، وقد ذكر الشارح هذا الشرط.

٣٧٢

واشار بقوله : «واسما حلّ قبلة الخبر» إلى أن لام الابتداء تدخل على الاسم إذا تأخر عن الخبر ، نحو «إنّ فى الدار لزيدا» قال الله تعالى : (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ).

وكلامه يشعر [أيضا] بأنه إذا دخلت اللام على ضمير الفصل أو على الاسم المتأخر لم ندخل على الخبر ، وهو كذلك ؛ فلا تقول : «إنّ زيدا لهو لقائم» ، ولا «إن لفّى الدّار لزيدا».

ومقتضى إطلاقه ـ فى قوله : إن لام الابتداء تدخل على المعمول المتوسط بين الاسم والخبر ـ أن كلّ معمول إذا توسّط جاز دخول اللام عليه ؛ كالمفعول الصريح ، والجار والمجرور ، والظرف ، والحال ، وقد نص النحويون على منع دخول اللام على الحال ؛ فلا تقول : «إنّ زيدا لضاحكا راكب».

* * *

ووصل «ما» بذى الحروف مبطل

إعمالها ، وقد يبقّى العمل (١)

__________________

الشرط الثانى : أن يكون الاسمان اللذان يقع بينهما معرفتين نحو «إن محمدا هو المنطلق» أو أولهما معرفة حقيقة وثانيهما يشبه المعرفة فى عدم قبوله أداة التعريف كأفعل التفضيل المقترن بمن ، نحو «محمد أفضل من عمرو».

الشرط الثالث : أن يكون ضمير الفصل على صيغة ضمير الرفع كما فى هذه الأمثلة.

الشرط الرابع : أن يطابق ما قبله فى الغيبة أو الحضور ، وفى الإفراد أو التثنية أو الجمع ، نحو قوله تعالى : (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) فأنت للخطاب ، وهو فى الخطاب وفى الإفراد كما قبله ، ونحو (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) فنحن للتكلم كما قبله.

(١) «ووصل» مبتدأ ، ووصل مضاف ، و «ما» قصد لفظه : مضاف إليه «بذى» جار ومجرور متعلق بوصل «الحروف» بدل أو عطف بيان من ذى «مبطل»

٣٧٣

إذا اتصلت «ما» غير الموصولة بإنّ وأخواتها كفّتها عن العمل ، إلا «ليت» فإنه يجوز فيها الإعمال [والإهمال] فتقول : «إنما زيد قائم» ولا يجوز نصب «زيد» وكذلك أن [وكأنّ] ولكنّ ولعلّ ، وتقول : «ليتما زيد قائم» وإن شئت نصبت «زيدا» فقلت : «ليتما زيدا قائم» وظاهر كلام المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ أنّ «ما» إن اتصلت بهذه الأحرف كفّتها عن العمل ، وقد تعمل قليلا ، وهذا مذهب جماعة من النحويين (١) [كالزجاجى ، وابن السراج] ، وحكى الأخفش والكسائى «إنما

__________________

خبر المبتدأ ، وفاعله ضمير مستتر فيه «إعمالها» إعمال : مفعول به لمبطل ، وإعمال مضاف وها مضاف إليه «وقد» حرف تقليل «يبقى» فعل مضارع مبنى للمجهول «العمل» نائب فاعل يبقى.

(١) ذهب سيبويه إلى أن «ما» غير الموصولة إذا اقترنت بهذه الأدوات أبطلت عملها ، إلا ليت ؛ فإن إعمالها مع ما جائز ، وعللوا ذلك بأن هذه الأدوات قد أعملت لاختصاصها بالأسماء ودخول «ما» عليها يزيل هذا الاختصاص ، ويهيئها للدخول على جمل الأفعال نحو قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وقوله سبحانه : (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) ونحو قول امرىء القيس :

ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل

وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالى

وتسمى «ما» هذه ما الكافه ، أو ما المهيئة ، ووجه هاتين التسميتين ظاهر بعد الذى ذكرناه لك من شأنها ، وتسمى أيضا ما الزائدة ، ولكون «ما» هذه لا تزيل اختصاص «ليت» بالجمل الاسمية ، بل هى باقية معها على اختصاصها بالأسماء ، لم تبطل عملها ، وقد جاء السماع معضدا لذلك ، كما فى قول النابغة الذبيانى :

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا أو نصفه فقد

فإنه يروى بنصب «الحمام» ورفعه ؛ فأما النصب فعلى إعمال ليت فى اسم الإشارة والحمام بدل منه أو عطف بيان عليه أو نعت له ، وأما الرفع فعلى إهمال ليت ، وذهب الزجاج فى كتابه «الجمل» إلى أن جميع هذه الأدوات بمنزلة واحدة ، وأنها إذا اقترنت بها «ما» لم يجب إهمالها ، بل يجوز فيها الإعمال والإهمال ، غير أن الإهمال أكثر فى

٣٧٤

زيدا قائم» والصحيح المذهب الأول ، وهو أنه لا يعمل منها مع «ما» إلّا «ليت» ، وأما ما حكاه الأخفش والكسائى فشاذّ ، واحترزنا بغير الموصولة من الموصولة ؛ فإنها لا تكفّها عن العمل ، بل تعمل معها ، والمراد من الموصولة التى بمعنى «الذى» ، نحو «إنّ ما عندك حسن» [أى : إن الذى عندك حسن] ، والتى هى مقدّرة بالمصدر ، نحو «إنّ ما فعلت حسن» أى : إنّ فعلك حسن

* * *

وجائز رفعك معطوفا على

منصوب «إنّ» ، بعد أن تستكملا (١)

أى : إذا أتى بعد اسم «إنّ» وخبرها بعاطف جاز فى الاسم الذى بعده وجهان ؛ أحدهما : النصب عطفا على اسم «إنّ» نحو «إنّ زيدا قائم وعمرا»

__________________

الجميع ، أما الإعمال فعلى اختصاصها الأصلى ، وأما الإهمال فلما حدث لها من زوال الاختصاص وذكر الزجاج أن ذلك مسموع فى الجميع ، قال : «من العرب من يقول : إنما زيدا قائم ، ولعلما بكرا جالس ، وكذلك أخواتها : ينصب بها ، ويلغى ما» اه ، وتبعه على ذلك تلميذه الزجاجى ؛ وابن السراج ، وهو الذى يفيده كلام الناظم.

(١) «وجائز» خبر مقدم «رفعك» رفع : مبتدأ مؤخر ، ورفع مضاف والكاف مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله «معطوفا» مفعول به المصدر «على منصوب» جار ومجرور متعلق بمعطوف ، ومنصوب مضاف وقوله «إن» قصد لفظه : مضاف إليه «بعد» ظرف متعلق برفع «أن» مصدريه «تستكملا» فعل مضارع منصوب بأن ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى إن ، و «أن» وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بإضافة «بعد» إليه ، وثمة مفعول لتستكمل محذوف ، والتقدير : بعد استكمالها معموليها.

٣٧٥

والثانى : الرفع نحو «إنّ زيدا قائم وعمرو» واختلف فيه (١) ؛ فالمشهور أنه معطوف على محلّ اسم «إنّ» فإنه فى الأصل مرفوع لكونه مبتدأ ، وهذا يشعر به [ظاهر] كلام المصنف ، وذهب قوم إلى أنه مبتدأ وخبره محذوف ، والتقدير : وعمرو كذلك ، وهو الصحيح.

فإن كان العطف قبل أن تستكمل «إنّ» ـ أى قبل أن تأخذ خبرها ـ تعيّن النصب عند جمهور النحويين ؛ فتقول : إنّ زيدا وعمرا قائمان ، وإنّك وزيدا ذاهبان ، وأجاز بعضهم الرفع.

__________________

(١) مما لا يستطيع أن يجحده واحد من النحاة أنه قد ورد عن العرب ـ فى جملة صالحة من الشعر ، وفى بعض النثر ـ وقوع الاسم المرفوع مسبوقا بالواو بعد اسم إن المنصوب وقبل خبرها ، ومنه قول ضابىء بن الحارث البرجمى :

فمن يك أمسى بالمدينة رحله

فإنّى وقيّار بها لغريب

ومنه ما أنشده ثعلب ، ولم يعزه إلى قائل معين :

خليلىّ هل طبّ فإنّى وأنتما

 ـ وإن لم تبوحا بالهوى ـ دنفان!

وقد ورد فى القرآن الكريم آيتان ظاهرهما كظاهر هذين البيتين ؛ الأولى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) والثانية قراءة بعضهم : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ) برفع «ملائكته».

وقد اختلف النحاة فى تخريج ذلك ؛ فذهب الكسائى إلى أن الاسم المرفوع معطوف على اسم إن باعتباره مبتدأ قبل دخول إن ، وذهب الجمهور من البصريين إلى أن هذا الاسم المرفوع مبتدأ خبره محذوف ، أو خبره المذكور فيما بعد وخبر إن هو المحذوف وجملة المبتدأ وخبره معطوفة على جملة إن واسمها وخبرها ، وذهب المحقق الرضى إلى أن جملة المبتدأ والخبر حينئذ لا محل لها معترضة بين اسم إن وخبرها ، وهو حسن ؛ لما يلزم على جعلها معطوفة على جملة إن واسمها وخبرها من تقديم المعطوف على بعض المعطوف عليه ؛ لأن خبر إن متأخر فى اللفظ أو فى التقدير عن جملة المبتدأ والخبر ، وخبر إن جزء من الجملة المعطوف عليها.

٣٧٦

وألحقت بإنّ لكنّ وأنّ

من دون ليت ولعلّ وكأنّ (١)

حكم «أنّ» المفتوحة و «لكنّ» فى العطف على اسمهما حكم «إنّ» المكسورة ؛ فتقول : «علمت أنّ زيدا قائم وعمرو» برفع «عمرو» ونصبه ، وتقول : «علمت أنّ زيدا وعمرا قائمان» بالنصب فقط عند الجمهور ، وكذلك تقول : «ما زيد قائما ، لكنّ عمرا منطلق وخالدا» بنصب خالد ورفعه ، و «ما زيد قائما لكن عمرا وخالدا منطلقان» بالنصب فقط.

وأما «ليت ، ولعلّ ، وكأنّ» فلا يجوز معها إلا النصب. [سواء تقدّم المعطوف ، أو تأخّر ؛ فتقول : «ليت زيدا وعمرا قائمان ، وليت زيدا قائم وعمرا» بنصب «عمرو» فى المثالين ، ولا يجوز رفعه ، وكذلك «كأنّ ؛ ولعل» ؛ وأجاز الفراء الرفع فيه ـ متقدما ومتأخرا ـ مع الأحرف الثلاثة.

* * *

وخفّفت إنّ فقلّ العمل

وتلزم الّلام إذا ما تهمل (٢)

__________________

(١) «وألحقت» الواو عاطفة ، ألحق : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء للتأنيث «بإن» جار ومجرور متعلق بألحق «لكن» قصد لفظه : نائب فاعل لألحق «وأن» معطوف على لكن «من دون» جار ومجرور متعلق بألحق أيضا ، ودون مضاف و «ليت» قصد لفظه : مضاف إليه «ولعل ، وكأن» معطوفان على ليت.

(٢) «وخففت» الواو عاطفة ، خفف : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء للتأنيث «إن» نائب فاعل خفف «فقل» الفاء عاطفة ، قل : فعل ماض معطوف بالفاء على خفف «العمل» فاعل لقل «وتلزم» فعل مضارع «اللام» فاعل تلزم «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط «ما» زائدة «تهمل» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى أن المخففة ، والجملة فى محل جر بإضافة إذا إليها ، وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : إذا ما تهمل إن التى خففت لزمتها اللام.

٣٧٧

وربّما استغنى عنها إن بدا

ما ناطق أراده معتمدا (١)

إذا خفّفت «إنّ» فالأكثر فى لسان العرب إهمالها ؛ فتقول : «إن زيد لقائم» وإذا أهملت لزمتها اللام فارقة بينها وبين «إن» النافية ، ويقلّ إعمالها فتقول : «إن زيدا قائم» وحكى الإعمال سيبويه ، والأخفش ، رحمهما الله تعالى (٢) ؛ فلا تلزمها حينئذ اللام ؛ [لأنها لا تلتبس ـ والحالة هذه ـ

__________________

(١) «وربما» الواو عاطفة ، رب حرف تقليل ، وما كافة «استغنى» فعل ماض مبنى للمجهول «عنها» جار ومجرور نائب عن الفاعل لاستغنى ، والضمير المجرور محلا عائد على اللام المحدث عنها بأنها تلزم عند تخفيف إن فى حالة إهمالها «إن» شرطية «بدا» فعل ماض فعل الشرط «ما» اسم موصول فاعل بدا «ناطق» مبتدأ ، وهو فاعل فى المعنى ؛ فلذا جاز أن يبتدأ به مع كونه نكرة «أراده» أراد : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ناطق ، والهاء مفعول به ، والجملة من أراد وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة الموصول «معتمدا» حال من الضمير المستتر فى «أراد».

(٢) على الإعمال فى التخفيف ورد قوله تعالى (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) فى قراءة من قرأ بسكون نون «إن» وتخفيف ميم «لما» ، وفى هذه الآية ـ على هذه القراءة ـ إعرابان : أولهما أن «إن» مؤكدة مخففة من الثقيلة «كلا» اسم إن المخففة «لما» اللام لام الابتداء ، وما اسم موصول بمعنى الذين خبر إن المؤكدة المخففة «ليوفينهم» اللام واقعة فى جواب قسم محذوف ، يوفى : فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، ونون التوكيد حرف لا محل له من الإعراب ، وضمير الغائبين العائد على الذين مفعول أول ، و «ربك» رب فاعل يوفى ، ورب مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه ، وأعمال : مفعول ثان ليوفى ، وأعمال مضاف وضمير الغائبين العائد على الذين مضاف إليه ، وجملة الفعل المضارع وفاعله ومفعوليه لا محل لها من الإعراب جواب القسم المحذوف ، وتقدير الكلام : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) والجملة القسمية لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ، ويرد على هذا الإعراب أن جملة القسم إنشائية ، وجملة الصلة يجب أن تكون خبرية معهودة ، وقد

٣٧٨

بالنافية] لأن النافية لا تنصب الاسم وترفع الخبر ، وإنما تلتبس بإن النافية إذا أهملت ولم يظهر المقصود [بها] فإن ظهر المقصود [بها] فقد يستغنى عن اللام ، كقوله :

(١٠٣) ـ

ونحن أباة الضّيم من آل مالك

وإن مالك كانت كرام المعادن

__________________

أجاب ابن هشام عن هذا فى كتابه المغنى بأن صلة الموصول فى الحقيقة هى جملة جواب القسم لا جملة القسم ؛ وجملة جواب القسم خبرية لا إنشائية ، والإعراب الثانى أن «إن» مؤكدة مخففة «كلا» اسم إن «لما» اللام لام الابتداء ، وما زائدة «ليوفيتهم» اللام مؤكدة للام الأولى ، ويوفى فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، والضمير مفعول به أول «ربك» فاعل ، ومضاف إليه ، و «أعمالهم» مفعول ثان ومضاف إليه ، والجملة من الفعل المضارع ومفعوليه فى محل رفع خبر إن المؤكدة المخففة.

١٠٣ ـ البيت للطرماح ـ الحكم بن حكيم ـ وكنيته «أبو نفر» ، وهو شاعر طائى ، وستعرف نسبه فى بيان لغة البيت.

اللغة : «ونحن أباة الضيم» يروى فى مكانه «أبا ابن أباة الضيم» وأباة : جمع آب اسم فاعل من أبى يأبى ـ أى امتنع ـ تقول : أمرت فلانا أن يفعل كذا فأبى ، تريد أنه امتنع أن يفعله والضيم : الظلم «مالك» هو اسم قبيلة الشاعر ، فإن الطرماح هو الحكم بن حكيم بن نفر بن قيس بن جحدر بن ثعلبة بن عبد رضا بن مالك بن أبان ابن عمرو بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيىء «كرام المعادن» طيبة الأصول شريفة المحتد.

الإعراب : «ونحن» مبتدأ «أباة» خبر المبتدأ ، وأباة مضاف ، و «الضيم» مضاف إليه «من آل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ثان. أو حال من الخبر ، وآل مضاف و «مالك» مضاف إليه «وإن» مخففة من الثقيلة مهملة «مالك» مبتدأ «كانت» كان : فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى مالك باعتبار القبيلة ، والتاء تاء التأنيث «كرام» خبر كان ، وكرام مضاف و «المعادن» مضاف إليه ، والجملة من كان واسمها وخبرها فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو مالك.

٣٧٩

التقدير : وإن مالك لكانت ، فحذفت اللام ؛ لأنها لا تلتبس بالنافية ؛ لأن المعنى على الإثبات ، وهذا هو المراد بقوله : «وربما استغنى عنها إن بدا ـ إلى آخر البيت».

واختلف النحويون فى هذه اللام : هل هى لام الابتداء أدخلت للفرق بين «إن» النافية و «إن» المخففة من الثقيلة ، أم هى لام أخرى اجتلبت للفرق؟ وكلام سيبويه يدلّ على أنها لام الابتداء دخلت للفرق.

وتظهر فائدة هذا الخلاف فى مسألة جرت بين ابن أبى العافية وابن الأخضر ؛ وهى قوله صلّى الله عليه وسلّم : «قد علمنا إن كنت لمؤمنا» فمن جعلها لام الابتداء أوجب كسر «إن» ومن جعلها لاما أخرى ـ اجتلبت للفرق ـ فتح أن ، وجرى الخلاف فى هذه المسألة قبلهما بين أبى الحسن علىّ بن سليمان البغدادى الأخفش الصغير ، وبين أبى علىّ الفارسى ؛ فقال الفارسى : هى لام غير

__________________

الشاهد فيه : قوله «وإن مالك كانت ـ إلخ» حيث ترك لام الابتداء التى تجتلب فى خبر «إن» المكسورة الهمزة المخففة من الثقيلة عند إهمالها ، فرقانا بينها وبين «إن» النافية ، وإنما تركها هنا اعتمادا على انسياق المعنى المقصود إلى ذهن السامع ، وثقة منه بأنه لا يمكن توجيهه إلى الجحد ، بقرينة أن الكلام تمدح وافتخار ، وصدر البيت واضح فى هذا ، والنفى يدل على الذم ؛ فلو حمل عجز البيت عليه لتناقض الكلام واضطرب ، ألا ترى أنك لو حملت الكلام على أن «إن» نافية لكان معنى عجز البيت : وليست مالك كرام المعادن ، أى فهى قبلة دنيئة الأصول ؛ فيكون هذا ذما ومتناقضا مع ما هو بصدده ، فلما كان المقام مانعا من جواز إرادة النفى ارتكن الشاعر عليه ، فلم يأت باللام ، فالقرينة ههنا معنوية.

ومثل هذا البيت ـ فى اعتماد الشاعر على القرينة المعنوية ـ قول الشاعر :

إن كنت قاضى نحسبى يوم بينكم

لو لم تمنّوا بوعد غير مكذوب

ألا ترى أنه فى مكان إظهار الألم وشكوى ما نزل به من فراق أحبابه؟ فلو حملت «إن» فى صدر البيت على النفى فسد المعنى على هذا ، ولم يستقم الكلام.

٣٨٠