شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

لام الابتداء اجتلبت للفرق ، وبه قال ابن أبى العافية ، وقال الأخفش الصغير :إنما هى لام الابتداء أدخلت للفرق ، وبه قال ابن الأخضر (١).

* * *

والفعل إن لم يك ناسخا فلا

تلفيه غالبا بإن ذى موصلا (٢)

__________________

(١) قد علمت فيما مضى أن لام الابتداء لا تدخل إلا على المبتدأ ، أو على ما أصله المبتدأ ، وأنها تدخل فى باب إن على الخبر أو معموله أو ضمير الفصل ، وعلمت أيضا أنها لا تدخل على خبر إن إلا إذا كان مثبتا متأخرا غير ماض متصرف خال من قد ، ولو أنك نظرت فى شواهد هذه المسألة لوجدت هذه اللام الفارقة بين «إن» النافية والمخففة من الثقيلة تدخل على مفعول ليس أصله مبتدأ ولا خبرا كما فى قول عاتكة بنت زيد بن عمرو ، وسيأتى شرحه :

شلّت يمينك إن قتلت لمسلما

حلّت عليك عقوبة المتعمّد

وهو الشاهد رقم ١٠٤ ويأتى قريبا جدا

وتدخل على الماضى المتصرف الذى لم يسبقه «قد» نحو قولك : إن زيد لقام ، وتدخل على المنصوب المؤخر عن ناصبه نحو قوله تعالى : (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) فلما كان شأن اللام التى تدخل لأجل الفرق بين المخففة المؤكدة والنافية غير شأن لام الابتداء كان القول بأن إحداهما غير الأخرى أصح نظرا وأقوم حجة ؛ فمذهب أبى على الفارسى الذى أخذ به ابن أبى العافية مذهب مستقيم فى غاية الاستقامة.

(٢) «والفعل» مبتدأ «إن» شرطية «لم» حرف نفى وجزم وقلب «يك» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، وهو فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل «ناسخا» خبر يك «فلا» الفاء لربط الجواب بالشرط ، ولا : نافية «تلفيه» تلفى : فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول أول لتلفى ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : فأنت لا تلفيه ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل جزم جواب الشرط «غالبا» حال من الهاء فى «تلفيه» السابق «بإن» جار ومجرور متعلق بقوله «موصلا» الآتى «ذى» نعت لإن «موصلا» مفعول ثان لتلفى.

٣٨١

إذا خفّفت «إنّ» فلا يليها من الأفعال إلا الأفعال الناسخة للابتداء ، نحو كان وأخواتها ، وظن وأخواتها ، قال الله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) وقال الله تعالى : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) وقال الله تعالى : (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) ويقلّ أن يليها غير الناسخ ، وإليه أشار بقوله : «غالبا» ومنه قول بعض العرب : «إن يزينك لنفسك ، وإن يشينك لهيه» وقولهم : «إن قنّعت كاتبك لسوطا» وأجاز الأخفش «إن قام لأنا (١)».

ومنه قول الشاعر :

(١٠٤) ـ

شلّت يمينك إن قتلت لمسلما

حلّت عليك عقوبة المتعمّد

__________________

(١) ههنا أربع مراتب ، أولاها : أن يكون الفعل ماضيا ناسخا ، نحو (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) ونحو (إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) والثانية : أن يكون الفعل مضارعا ناسخا ، نحو (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ) ونحو (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) والثالثة : أن يكون ماضيا غير ناسخ ، نحو قول عاتكة «إن قتلت لمسلما» والرابعة : أن يكون الفعل مضارعا غير ناسخ نحو قول بعض العرب «إن يزينك لنفسك ، وإن يشينك لهيه» وهى مرتبة على هذا الترتيب الذى سقناها به ، ويجوز القياس على كل واحدة منها عند الأخفش ، ومنع جمهور البصريين القياس على الثالثة والرابعة.

١٠٤ ـ البيت لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القريشية العدوية ، ترثى زوجها الزبير بن العوام رضى الله عنه ، وتدعو على عمرو بن جرموز قاتله.

اللغة : «شلت» بفتح الشين ، وأصل الفعل شللت ـ بكسر العين التى هى اللام الأولى ـ والناس يقولونه بضم الشين على أنه مبنى للمجهول ، وذلك خطأ «حلت عليك» أى نزلت ، ويروى مكانه «وجبت عليك»

٣٨٢

وإن تخفّف أنّ فاسمها استكنّ

والخبر اجعل جملة من بعد أن (١)

إذا خفّفت أنّ [المفتوحة] بقيت على ما كان لها من العمل ، لكن لا يكون اسمها إلا ضمير الشأن محذوفا (٢) ، وخبرها لا يكون إلا جملة ، وذلك نحو «علمت أن زيد قائم» فـ «أن» مخفّفة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، وهو محذوف ، والتقدير [«أنه» ، و «زيد قائم» فى جملة فى موضع رفع خبر «أن» والتقدير] «علمت أنه زيد قائم» وقد يبرز اسمها وهو غير ضمير الشأن ، كقوله :

__________________

الإعراب : «شلت» شل : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «يمينك» يمين : فاعل شل ، ويمين مضاف والكاف مضاف إليه «إن» مخففة من الثقيلة «قتلت» فعل وفاعل «لمسلما» اللام فارقة ، مسلما : مفعول به لقتل «حلت» حل : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «عليك» جار ومجرور متعلق بحل «عقوبة» فاعل لحل ، وعقوبة مضاف و «المتعمد» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «إن قتلت لمسلما» حيث ولى «إن» المخففة من الثقيلة فعل ماض غير ناسخ وهو «قتلت» وذلك شاذ لا يقاس عليه إلا عند الأخفش.

(١) «وإن» شرطية «تخفف» فعل مضارع مبنى للمجهول فعل الشرط «أن» قصد لفظه : نائب فاعل لتخفف «فاسمها» الفاء لربط الجواب بالشرط ، اسم : مبتدأ ، واسم مضاف والضمير مضاف إليه «استكن» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسمها ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جزم جواب الشرط «والخبر» مفعول مقدم على عامله وهو قوله «اجعل» الآتى «اجعل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «جملة» مفعول ثان لاجعل «من بعد» جار ومجرور متعلق باجعل ، وبعد مضاف و «أن» قصد لفظه : مضاف إليه.

(٢) الذى اشترط فى أن المخففة أن يكون اسمها ضمير شأن محذوفا من النحاة هو ابن الحاجب ، فأما الناظم والجمهور فلم يشترطوا فيه ذلك ؛ لأنهم رأوا أن ضمير الشأن خارج عن القياس ؛ فلا يحمل الكلام عليه ما وجد له وجه آخر ، ومن أجل ذلك قدر سيبويه ـ رحمه الله! ـ فى قوله تعالى : (أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) أنك بإبراهيم قد صدقت الرؤيا.

٣٨٣

(١٠٥) ـ

فلو أنك فى يوم الرّخاء سألتنى

طلاقك لم أبخل وأنت صديق

__________________

١٠٥ ـ البيت مما أنشده الفراء ، ولم يعزه إلى قائل معين :

اللغة : «أنك» بكسر كاف الخطاب ـ لأن المخاطب أنثى ، بدليل ما بعده ، والتاء فى «سألتنى» مكسورة أيضا لذلك «صديق» يجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول فيكون تذكيره مع أن المراد به أنثى قياسا ؛ لأن فعيلا بمعنى المفعول يستوى فيه المذكر والمؤنث والمفرد وغيره غالبا كجريح وقتيل ، ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى فاعل ، ويكون تذكيره مع المؤنث جاريا على غير القياس ، والذى سهل ذلك فيه أنه أشبه فى اللفظ فعيلا بمعنى مفعول ، أو أنهم حملوه على «عدو» الذى هو ضده فى المعنى ؛ لأن من سننهم أن يحملوا الشىء على ضده كما يحملونه على مثله وشبيهه.

المعنى : لو أنك سألتنى إخلاء سبيلك قبل إحكام عقدة النكاح بيننا لم أمتنع من ذلك ولبادرت به مع ما أنت عليه من صدق المودة لى ، وخص يوم الرخاء لأن الإنسان قد لا يعز عليه أن يفارق أحبابه فى يوم الكرب والشدة.

الإعراب : «فلو» لو : شرطية غير جازمة «أنك» أن : مخففة من الثقيلة ، والكاف اسمها «فى يوم» جار ومجرور متعلق بقوله «سألتنى» الآتى ، ويوم مضاف و «الرخاء» مضاف إليه «سألتنى» فعل وفاعل ، والنون للوقاية ، والياء مفعول أول «فراقك» فراق : مفعول ثان لسأل ، وفراق مضاف والكاف مضاف إليه «لم» حرف نفى وجزم وقلب «أبخل» فعل مضارع مجزوم بلم ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة جواب الشرط غير الجازم ؛ فلا محل لها من الإعراب «وأنت» الواو واو الحال ، أنت : ضمير منفصل مبتدأ «صديق» خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل نصب حال.

الشاهد فيه : قوله «أنك» حيث خففت «أن» المفتوحة الهمزة وبرز اسمها وهو الكاف ، وذلك قليل ، والكثير عند ابن الحاجب ـ الذى جرى الشارح على رأيه ـ أن يكون اسمها ضمير الشأن واجب الاستتار ، وخبرها جملة.

٣٨٤

وإن يكن فعلا ولم يكن دعا

ولم يكن تصريفه ممتنعا (١)

فالأحسن الفصل بقد ، أو نفى ، أو

تنفيس ، أو لو ، وقليل ذكر لو (٢)

__________________

واعلم أن الاسم إذا كان محذوفا ـ سواء أكان ضمير شأن أم كان غيره ـ فإن الخبر يجب أن يكون جملة.

أما إذا كان الاسم مذكورا شذوذا كما فى هذا الشاهد ؛ فإنه لا يجب فى الخبر أن يكون جملة ، بل قد يكون جملة كما فى البيت ، وقد يكون مفردا ، وقد اجتمع ـ مع ذكر الاسم ـ كون الخبر مفردا وكونه جملة ، فى قول جنوب بنت العجلان من كلمة ترثى فيها أخاها عمرو بن العجلان :

لقد علم الضّيف والمرملون

إذا اغبرّ أفق وهبّت شمالا

بأنك ربيع وغيث مريع

وأنك هناك تكون الثّمالا

ألا ترى أنه خفف «أن» وجاء بها مرتين مع اسمها ، وخبرها فى المرة الأولى مفرد ، وذلك قوله «بأنك ربيع» وخبرها فى المرة الثانية جملة ، وذلك قوله «وأنك تكون الثمالا»

(١) «وإن» شرطية «يكن» فعل مضارع ناقص فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر «فعلا» خبر يكن «ولم» الواو واو الحال لم : حرف نفى وجزم وقلب «يكن» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل ، أو إلى الخبر «دعا» قصر للضرورة : خبر يكن المنفى بلم ، والجملة من يكن المنفى بلم واسمه وخبره فى محل نصب حال «ولم» الواو عاطفة ، لم : حرف نفى وجزم وقلب «يكن» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم «تصريفه» تصريف : اسم يكن ، وتصريف مضاف ، والهاء مضاف إليه «ممتنعا» خبر يكن الأخير.

(٢) «فالأحسن» الفاء واقعة فى جواب الشرط الواقع فى أول البيت السابق ، الأحسن : مبتدأ «الفصل» خبر المبتدأ «بقد» جار ومجرور متعلق بقوله «الفصل» «أو نفى ، أو تنفيس ، أو لو» كل واحد منها معطوف على «قد» «وقليل» الواو عاطفة ، وقليل خبر مقدم «ذكر» مبتدأ مؤخر ، وذكر مضاف و «لو» قصد لفظه مضاف إليه.

٣٨٥

إذا وقع خبر «أن» المخففة جملة اسمية لم يحتج إلى فاصل ؛ فتقول : «علمت أن زيد قائم» من غير حرف فاصل بين «أن» وخبرها ، إلا إذا قصد النفى ؛ فيفصل بينهما بحرف [النفى] كقوله تعالى : (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

وإن وقع خبرها جملة فعلية ، فلا يخلو : إما أن يكون الفعل متصرّفا ، أو غير متصرف ، فإن كان غير متصرف لم يؤت بفاصل ، نحو قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) وقوله تعالى : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) وإن كان متصرفا ، فلا يخلو : إما أن يكون دعاء ، أولا ، فإن كان دعاء لم يفصل ، كقوله تعالى : (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها) فى قراءة من قرأ (غَضَبَ) بصيغة الماضى ، وإن لم يكن دعاء فقال قوم : يجب أن يفصل بينهما إلا قليلا ، وقالت فرقة منهم المصنف : يجوز الفصل وتركه (١) والأحسن الفصل ، والفاصل

__________________

(١) مما ورد فيه الخبر جملة فعلية فعلها متصرف غير دعاء ولم يفصل بفاصل من هذه الفواصل ـ سوى ما سينشده الشارح ـ قول النابغة الذبيانى :

فلمّا رأى أن ثمّر الله ما له

وأثّل موجودا وسدّ مفاقره

أكبّ على فأس يحدّ غرابها

مذكّرة من المعاول باتره

فأن : مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف ، وثمر : فعل ماض ، والله : فاعل ، ومال : مفعول به لثمر ، ومال مضاف وضمير الغائب مضاف إليه ، وجملة الفعل الماضى وفاعله فى محل رفع خبر أن ، وهذا الفعل : ماض متصرف غير دعاء ولم يفصل وممن قال بوجوب الفصل الفراء وابن الأنبارى.

وقد اختلف العلماء فى السبب الذى دعا إلى هذا الفصل ؛ فذهب الجمهور إلى أن هذا الفصل يكون للتفرقة بين أن المخففة من الثقيلة وأن المصدرية.

وعلى هذا ينبغى أن يقسم الفصل إلى قسمين : واجب ، وغير واجب ، فيجب إذا كان الموضع يحتملهما ، ولا يجب إذا كان مما تتعين فيه إحداهما كما فيما بعد العلم غير المؤول

٣٨٦

أحد أربعة أشياء.

الأول : «قد» كقوله تعالى : (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا)

الثانى : حرف التنفيس ، وهو السين أو سوف ؛ فمثال السين قوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) ومثال «سوف» قول الشاعر :

(١٠٦) ـ

واعلم فعلم المرء ينفعه

أن سوف يأتى كلّ ما قدرا

__________________

بالظن ؛ فإن هذا الموضع يكون لأن المخففة لا غير ؛ إلا عند الفراء وابن الأنبارى ؛ فلبس عندهما موضع تتعين فيه المخففة ، ولذلك أوجبا الفصل بواحد من هذه الأشياء للتفرقة دائما.

وقال قوم : إن المقصود بهذا الفصل جبر الوهن الذى أصاب أن المؤكدة بتخفيفها ويشكل على هذا أن الوهن موجود إذا كان الخبر جملة اسمية ، أو جملة فعلية فعلها جامد أو دعاء ، فلماذا لم يجبر الوهن مع شىء من ذلك؟!

١٠٦ ـ هذا البيت أنشده أبو على الفارسى وغيره ، ولم ينسبه أحد منهم إلى قائل معين ، والبيت من الكامل ، وقد وهم العينى رحمه الله فى زعمه أنه من الرجز المسدس

الإعراب : «واعلم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فعلم» مبتدأ ، وعلم مضاف ، و «المرء» مضاف اليه «ينفعه» ينفع : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «علم» والهاء مفعول به لينفع ، والجملة من ينفع وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «أن» مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف وجوبا «سوف» حرف تنفيس «يأتى» فعل مضارع «كل» فاعل يأتى ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر أن ، وكل مضاف ، و «ما» اسم موصول مضاف إليه «قدرا» قدر : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» والجملة من قدر ونائب فاعله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول

الشاهد فيه : قوله «أن سوف يأتى» حيث أتى بخبر «أن» المخففة من الثقيلة جملة فعلية ، وليس فعلها دعاء ، وقد فصل بين «أن» وخبرها بحرف التنفيس ، وهو «سوف».

٣٨٧

الثالث : النفى ، كقوله تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) وقوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) وقوله تعالى : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ)

الرابع : «لو» ـ وقلّ من ذكر كونها فاصلة من النحويين ـ ومنه قوله [تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) وقوله] تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ)

ومما جاء بدون فاصل قوله :

(١٠٧) ـ

علموا أن يؤمّلون فجادوا

قبل أن يسألوا بأعظم سؤل

__________________

ومثل هذا البيت قول الفرزدق :

أبيت أمنّى النّفس أن سوف نلتقى

وهل هو مقدور لنفسى لقاؤها

١٠٧ ـ هذا البيت من الشواهد التى لا يعلم قاثلها.

الإعراب : «علموا» فعل وفاعل «أن» مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف «يؤملون» فعل مضارع مبنى للمجهول ، وواو الجماعة نائب فاعل ، والجملة فى محل رفع خبر «أن» المخففة «فجادوا» الفاء عاطفة ، وجادوا : فعل وفاعل ، والجملة معطوفة على جملة علموا «قبل» ظرف متعلق بجاد «أن» مصدرية «يسألوا» فعل مضارع مبنى للمجهول منصوب بأن المصدرية ، وواو الجماعة نائب فاعل ، وقبل مضاف و «أن» وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مضاف إليه «بأعظم» جار ومجرور متعلق بجاد ، وأعظم مضاف ، و «سؤل» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «أن يؤملون» حيث استعمل فيه «أن» المخففة من الثقيلة ، وأعملها فى الاسم الذى هو ضمير الشأن المحذوف ، وفى الخبر الذى هو جملة «يؤملون» ومع أن جملة الخبر فعلية فعلها متصرف غير دعاء لم يأت بفاصل بين «أن» وجملة الخبر.

والاستشهاد بهذا البيت إنما يتم على مذهب الجمهور الذين يذهبون إلى أن «أن» الواقعة بعد علم غير مؤول بالظن تكون مخففة من الثقيلة لا غير ، فأما على مذهب الفراء وابن الأنبارى اللذين لا يريان للمخففة موضعا يخصها وأوجبا الفصل بواحد من الأمور التى ذكرها الشارح للتفرقة ؛ فإنهما ينكران أن تكون «أن» فى هذا البيت

٣٨٨

وقوله تعالى : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) فى قراءة من رفع (يُتِمَّ) فى قول ، والقول الثانى : أن «أن» ليست مخففة من الثقيلة ، بل هى الناصبة للفعل المضارع ، وارتفع (يتمّ) بعده شذوذا (١).

* * *

وخفّفت كأنّ أيضا فنوى

منصوبها ، وثابتا أيضا روى (٢)

__________________

مخففة من الثقيلة ، ويزعمان أنها هى المصدرية التى تنصب المضارع ، وأنها لم تنصبه فى هذا البيت كما لم تنصبه فى قول الشاعر :

أن تقرآن على أسماء ويحكما

منّى السّلام ، وأن لا تشعرا أحدا

وكما لم تنصبه فى قوله تعالى : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) فى قراءة من قرأ برفع «يتم» وكما لم تنصبه فى حديث البخارى عن عائشة رضى الله تعالى عنها (٦ / ١٢٠ الطبعة السلطانية) قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لها «وما منعك أن تأذنين له؟ عمك» ، إلا أنه قد يقال : إنه لا يجوز على مذهبهما أيضا أن تكون «أن» فى البيت الشاهد مصدرية مهملة ، من قبل أن الشاعر قد قال بعد ذلك «قبل أن يسألوا» فنصب الفعل بحذف النون ؛ فدل ذلك على أن لغة هذا القائل النصب بأن المصدرية ، فيكون هذا قرينة على أن «أن» الأولى مخففة من الثقيلة ؛ فإن من البعيد أن يجمع الشاعر بين لغتين فى بيت واحد.

(١) قد ذكر العلماء أن هذه لغة لجماعة من العرب ؛ يهملون «أن» المصدرية كما أن عامة العرب يهملون «ما» المصدرية فلا ينصبون بها ، وأنشدوا على ذلك شواهد كثيرة ، وتحقيق هذا الموضوع على الوجه الأكمل مما لا تتسع له هذه العجالة ، ولكنا قد ذكرنا لك فى شرح الشاهد السابق بعض شواهد من القرآن الكريم ومن الحديث الصحيح ومن الشعر.

(٢) «وخففت» الواو عاطفة ، خفف : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء تاء التأنيث «كأن» قصد لفظه : نائب فاعل لخفف «أيضا» مفعول مطلق لفعل محذوف «فنوى» الفاء عاطفة ، نوى : فعل ماض مبنى للمجهول «منصوبها» منصوب : نائب فاعل نوى ، ومنصوب مضاف والضمير مضاف إليه «وثابتا» الواو عاطفة ، وثابتا : حال مقدم

٣٨٩

إذا خففت «كأنّ» نوى اسمها ، وأخبر عنها بجملة اسمية (١) ، نحو «كأن زيد قائم» أو جملة فعلية مصدّرة بـ «لم (٢)» كقوله تعالى : (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) أو مصدّرة بـ «تد» كقول الشاعر :

أفد التّرحّل غير أنّ ركابنا

لمّا تزل برحالنا ، وكأن قد [٢](٣)

__________________

على صاحبه وهو الضمير المستتر فى قوله «روى» الآتى ، و «أيضا» مفعول مطلق لفعل محذوف «روى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى منصوبها.

(١) لم يستشهد الشارح هنا لمجىء خبر «كأن» جملة اسمية ، ومن شواهد ذلك قول الشاعر (ش ١٠٨) فى رواية أخرى غير التى ذكرها الشارح فى إنشاد البيت ، ولكنه أشار إليها بعد :

وصدر مشرق الّلون

كأن ثدياه حقّان

فكأن : حرف تشبيه ونصب ، واسمها ضمير شأن محذوف ، وثدياه. مبتدأ ومضاف إليه ، وحقان : خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل رفع خبر كأن.

(٢) إذا كانت جملة خبر «كأن» المخففة فعلية ؛ فإن قصد بها الثبوت اقترنت حتما بقد كبيت النابغة الذى أنشده الشارح (رقم ٢) ، وكقول الآخر :

لا يهولنّك اصطلاء لظى الحر

ب فمحذورها كأن قد ألمّا

وإن قصد بها النفى اقترنت بلم كما فى الآية الكريمة ، وكما فى قول الخنساء :

كأن لم يكونوا حمى يتّقى

إذ النّاس إذ ذاك من عزّبزّا

وكقول شاعر من غطفان (انظره فى معجم البلدان ٦ / ١٨).

كأن لم يدمّنها أنيس ، ولم يكن

لها بعد أيّام الهدملة عامر

(٣) هذا هو الشاهد رقم (٢) وقد شرحنا هذا البيت فى مبحث التنوين أول الكتاب ، فانظره هناك ، والاستشهاد به هنا فى قوله «وكأن قد» حيث خففت «كأن» وحذف اسمها وأخبر عنها بجملة فعلية مصدرة بقد ، والتقدير : وكأنه (أى الحال والشأن) قد زالت ، ثم حذفت جملة الخبر ؛ لأنه قد تقدم فى الكلام ما يرشد إليها ويدل عليها ، وهو قوله «لما تزل برحالنا»

٣٩٠

أى : «وكأن قد زالت» فاسم «كأن» فى هذه الأمثلة محذوف ، وهو ضمير الشأن ، والتقدير «كأنه زيد قائم ، وكأنه لم تغن بالأمس ، وكأنه قد زالت» والجملة التى بعدها خبر عنها ، وهذا معنى قوله : «فنوى منصوبها» وأشار بقوله «وثابتا أيضا روى» إلى أنه قد روى إثبات منصوبها ، ولكنه قليل ، ومنه قوله :

(١٠٨) ـ

وصدر مشرق النّحر

كأن ثدييه حقّان

__________________

١٠٨ ـ هذا الشاهد أحد الأبيات التى استشهد بها سيبويه (ج ١ ص ٢٨١) ولم بنسبوها.

اللغة : «وصدر» قد روى سيبويه فى مكان هذه الكلمة «ووجه» وروى غيره فى مكانها «ونحر» وعلى هاتين الروايتين تكون الهاء فى قوله «ثدييه» عائدة إلى «وجه» أو «نحر» بتقدير مضاف ، وأصل الكلام : كأن ثديى صاحبه ، فحذف المضاف ـ وهو الصاحب وأقام المضاف إليه مقامه «مشرق اللون» مضىء لأنه ناصع البياض ، وهذا هو الثابت ، وقد رواه الشارح كما ترى «حقان» تثنية حقة ، وحذفت التاء التى فى المفرد من التثنية كما حذفت فى تثنية «خصية ، وألية» فقالوا : حصيان ، وأليان ، هكذا قالوا ، وليس هذا الكلام بشىء ، بل حقان تثنية حق ـ بضم الحاء وبدون تاء ـ وقد ورد فى فصيح شعر العرب بغير تاء ، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم التغلبى :

وصدرا مثل حقّ العاج رخصا

حصانا من أكفّ اللامسينا

والعرب تشبه الثديين بحق العاج كما فى بيت الشاهد وكما فى بيت عمرو ، ووجه التشبيه أنهما مكتنزان ناهدان.

الإعراب : «وصدر» بعضهم يرويه بالرفع فهو مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير : ولها صدر ، والأكثرون على روايته بالجر ؛ فالواو واو رب ، وصدر : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد «مشرق» صفة لصدر ، ومشرق مضاف و «اللون» مضاف إليه «كأن» مخففة من الثقيلة «ثدييه» ثديى : اسمها ، وثديى مضاف والضمير مضاف إليه

٣٩١

فـ «ثدييه» اسم كأن ، وهو منصوب بالياء لأنه مثنى ، و «حقّان» خبر كأن ، وروى «كأن ثدياه حقّان» فيكون اسم «كأن» محذوفا وهو ضمير الشأن ، والتقدير «كأنه ثدياه حقّان» و «ثدياه حقّان» : مبتدأ وخبر فى موضع رفع خبر كأن ، ويحتمل أن يكون «ثدياه» اسم «كأن» وجاء بالألف على لغة من يجعل المثنى بالألف فى الأحوال كلها.

* * *

__________________

«حقان» خبر كأن ، ومن روى «ثدياه حقان» وهى الرواية التى أنشدنا البيت عليها فى تعليقة سبقت قريبا (ص ٣٩٠) فهى جملة من مبتدأ وخبر فى محل رفع خبر كأن ، واسمها محذوف ، والتقدير : كأنه ـ أى الحال والشأن ـ ثدياه حقان ، وجملة كأن واسمها وخبرها فى محل رفع خبر المبتدأ ، وقد ذكر الشارح ـ رحمه الله! ـ الروايتين جميعا ، وبين وجه كل واحدة منهما بما لا يخرج عما ذكرناه.

الشاهد فيه : قوله «كأن ثدييه حقان» حيث روى بنصب «ثدييه» بالياء المفتوح ما قبلها : على أنه اسم «كأن» المخففة من الثقيلة ، وهذا قليل ، بالنظر إلى حذف اسمها ومجىء خبرها جملة ، ولهذا يروى برفع ثدييه على ما ذكرناه فى إعراب البيت ؛ فيكون البيت على هذه الرواية جاريا على الكثير الغالب.

ولا داعى لما أجازه الشارح على رواية «كأن ثدياه» من أن يكون «ثدياه» اسم كأن أتى به الشاعر على لغة من يلزم المثنى الألف ؛ فإن فى ذلك شيئين كل واحد منهما خلاف الأصل ، أحدهما : أن مجىء المثنى فى الأحوال كلها بالألف لغة مهجورة قديمة لبعض العرب. ثانيهما : أن فيه حمل البيت على القليل النادر ـ وهو ذكر اسم كأن ـ مع إمكان حمله على الكثير المشهور ، والذى يتعين على المعربين ألا يحملوا الكلام على وجه ضعيف متى أمكن حمله على وجه صحيح راجح.

٣٩٢

لا التى لنفى الجنس

عمل إنّ اجعل للا فى نكره

مفردة جاءتك أو مكرّره (١)

هذا هو القسم الثالث من الحروف الناسخة للابتداء ، وهى «لا» التى لنفى الجنس ، والمراد بها «لا» التى قصد بها التنصيص على استغراق النفى للجنس كلّه.

وإنما قلت «التنصيص» احترازا عن التى يقع الاسم بعدها مرفوعا ، نحو : «لا رجل قائما» ؛ فإنها ليست نصّا فى نفى الجنس ؛ إذ يحتمل نفى الواحد ونفى الجنس ؛ فبتقدير إرادة نفى الجنس لا يجوز «لا رجل قائما بل رجلان» وبتقدير إرادة نفى الواحد يجوز «لا رجل قائما بل رجلان» ، وأما «لا» هذه فهى لنفى الجنس ليس إلّا ؛ فلا يجوز «لا رجل قائم بل رجلان».

وهى تعمل عمل «إنّ» ؛ فتنصب المبتدأ اسما لها ، وترفع الخبر خبرا لها ، ولا فرق فى هذا العمل بين المفردة ـ وهى التى لم تتكرر ـ نحو «لا غلام رجل قائم» وبين المكررة ، نحو «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» (٢).

__________________

(١) «عمل» مفعول أول مقدم على عامله وهو قوله «اجعل» الآتى ، وعمل مضاف و «إن» قصد لفظه : مضاف إليه «اجعل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «للا» جار ومجرور متعلق باجعل ، وهو المفعول الثانى لاجعل «فى نكره» جار ومجرور متعلق باجعل «مفردة» حال من الضمير المستتر فى «جاءتك» الآتى «جاءتك» جاء : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على «لا» والتاء للتأنيث ، والكاف مفعول به لجاء «أو» عاطفة «مكررة» معطوف على مفردة.

(٢) ومع أنها تعمل مفردة ومكررة فعملها بعد استيفاء شروطها وهى مفردة واجب ، وعملها مكررة جائز.

٣٩٣

ولا يكون اسمها وخبرها إلا نكرة (١) ؛ فلا تعمل فى المعرفة ، وما ورد من ذلك مؤوّل بنكرة ، كقولهم «قضيّة ولا أبا حسن لها» فالتقدير : ولا مسمّى بهذا الاسم لها (٢) ويدل على أنه معامل معاملة النكرة وصفه بالنكرة كقولك «لا أبا حسن حلّالا لها» ولا يفصل بينها وبين اسمها ؛ فإن فصل بينهما ألغيت ، كقوله تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ)

فانصب بها مضافا ، أو مضارعه

وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه (٣)

__________________

(١) الشروط التى يجب توافرها لإعمال «لا» عمل إن ستة ، وهى : أن تكون نافية ، وأن يكون المنفى بها الجنس ، وأن يكون النفى نصا فى ذلك ، وألا يدخل عليها جار كما دخل عليها فى نحو قولهم : جئت بلا زاد ، وقولهم : غضبت من لا شىء ، وأن يكون اسمها وخبرها نكرتين ، وألا يفصل بينها وبين اسمها فاصل أى فاصل ولا خبرها ، وقد صرح الشارح هنا بشرطين وهما الخامس والسادس ، وأشار فى صدر كلامه إلى الثلاثة الأولى ، وترك واحدا ، وهو ألا يدخل عليها جار.

(٢) هكذا أوله الشاح ، وليس تأويله بصحيح ؛ لأن المسمى بأبى حسن موجود وكثيرون ؛ فالنفى غير صادق.

وقد أوله العلماء بتأويلين آخرين ، أحدهما أن الكلام على حذف مضاف ، والتقدير : ولا مثل أبى حسن لها ، ومثل كلمة متوغلة فى الإبهام لا تتعرف بالإضافة ، ونفى المثل كناية عن نفى وجود أبى الحسن نفسه ؛ والثانى : أن يجعل «أبا حسن» عبارة عن اسم جنس وكأنه قد قيل : ولا فيصل لها ، وهذا مثل تأويلهم فى باب الاستعارة نحو «حاتم» بالمتناهى فى الجود ، ونحو «مادر» بالمتناهى فى البخل ، ونحو «يوسف» بالمتناهى فى الحسن ، وضابطه : أن يؤول الاسم العلم بما اشتهر به من الوصف.

(٣) «فانصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بها» جار ومجرور متعلق بانصب «مضافا» مفعول به لا نصب «أو» عاطفة «مضارعه» مضارع بمعنى مشابه : معطوف على قوله «مضافا» ومضارع مضاف والهاء العائدة إلى قوله «مضافا» مضاف إليه «وبعد» ظرف متعلق بقوله «اذكر» الآتى ، وبعد مضاف ،

٣٩٤

وركّب المفرد فاتحا : كلا

حول ولا قوّة ، والثّانى اجعلا (١)

مرفوعا ، او منصوبا ، او مركّبا ،

وإن رفعت أوّلا لا تنصبا (٢)

__________________

و «ذا» من «ذاك» اسم إشارة : مضاف إليه ، والكاف حرف خطاب «الخبر» مفعول به لا ذكر الآتى «اذكر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «رافعه» رافع : حال من الضمير المستتر فى «اذكر» ورافع مضاف والهاء مضاف إليه ، من إضافة الصفة لمعمولها ، وهى لا تفيد تعريفا ولا تخصيصا ، ولذلك وقع هذا المضاف حالا.

(١) «وركب» الواو عاطفة ، ركب : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «المفرد» مفعول به لركب «فاتحا» حال من الضمير المستتر فى «ركب» ومتعلقه محذوف ، والتقدير : فاتحا له «كلا» الكاف جارة لقول محذوف على ما سبق غيره مرة ، ولا : نافية للجنس «حول» اسم لا ، مبنى على الفتح فى محل نصب ، وخبرها محذوف ، والتقدير : لا حول موجود «ولا» الواو عاطفة ، ولا : نافية للجنس أيضا «قوة» اسمها. وخبرها محذوف ، وهذه الجملة معطوفة بالواو على الجملة السابقة «والثانى» مفعول أول قدم على عامله ، وهو قوله اجعلا الآتى «اجعلا» اجعل : فعل أمر ، مبنى على السكون لا محل له من الإعراب ، وحرك بالفتح لأجل مناسبة الألف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والألف للاطلاق ، أو هو فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا لأجل الوقف لا محل له من الإعراب ، ونون التوكيد المنقلبة ألفا حرف لا محل له من الإعراب.

(٢) «مرفوعا» مفعول ثان لاجعل فى البيت السابق «أو منصوبا» أو : حرف عطف ، منصوبا : معطوف على مرفوع «أو مركبا» معطوف على قوله «مرفوعا» السابق «وإن» الواو عاطفة ، إن : شرطية «رفعت» رفع : فعل ماض فعل الشرط مبنى على الفتح المقدر فى محل جزم ، وتاء المخاطب فاعل «أولا» مفعول به لرفعت «لا» ناهية «تنصبا» : فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة

٣٩٥

لا يخلو اسم «لا» [هذه] من ثلاثة أحوال ؛ الحال الأول : أن يكون مضافا [نحو «لا غلام رجل حاضر»]. الحال الثانى : أن يكون مضارعا للمضاف ، أى مشابها له ، والمراد به : كل اسم له تعلّق بما بعده : إمّا بعمل ، نحو «لا طالعا جبلا ظاهر ، ولا خيرا من زيد راكب» ، وإما بعطف نحو : «لا ثلاثة وثلاثين عندنا» ويسمى المشبّه بالمضاف : مطوّلا ، وممطولا ، أى : ممدودا ، وحكم المضاف والمشبّه به النصب لفظا ، كما مثّل ، والحال الثالث : أن يكون مفردا ، والمراد به ـ هنا ـ ما ليس بمضاف ، ولا مشبّه بالمضاف ؛ فيدخل فيه المثنى والمجموع ، وحكمه البناء على ما كان ينصب به ؛ لتركّبه مع «لا» وصيرورته معها كالشىء الواحد ؛ فهو معها كخمسة عشر ، ولكن محله النصب بلا ؛ لأنه اسم لها ؛ فالمفرد الذى ليس بمثنى ولا مجموع يبنى على الفتح ؛ لأن نصبه بالفتحة نحو «لا حول ولا قوّة إلا بالله» والمثنى وجمع المذكر السالم يبنيان على ما كانا ينصبان به ـ وهو الياء ـ نحو «لا مسلمين لك ، ولا مسلمين» فمسلمين ومسلمين مبنيان ؛ لتركبهما مع «لا» كما بنى «رجل» [لتركبه] معها.

وذهب الكوفيون والزّجّاج إلى أنّ «رجل» فى قولك : «لا رجل» معرب ، وأن فتحته فتحة إعراب ، لا فتحة بناء ، وذهب المبرد إلى أن «مسلمين» و «مسلمين» معربان (١).

__________________

المنقلبة ألفا لأجل الوقف فى محل جزم بلا الناهية ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط ، وحذف منها الفاء ضرورة ، وكان حقه أن يقول : وإن رفعت أولا فلا تنصبا.

(١) ذهب أبو العباس المبرد إلى أن اسم «لا» إذا كان مثنى أو مجموعا جمع مذكر سالما فهو معرب منصوب بالياء ، وليس مبنيا كما ذهب إليه جمهور النحاة ، واحتج لما ذهب إليه بأن التثنية والجمع من خصائص الأسماء ، وقد علمنا أن من شرط بناء الاسم لشبهه

٣٩٦

وأما جمع المؤنث السالم فقال قوم : مبنىّ على ما كان ينصب به ـ وهو الكسر ؛ فتقول : «لا مسلمات لك» بكسر التاء ، ومنه قوله :

(١٠٩) ـ

إنّ الشّباب الّذى مجد عواقبه

فيه نلذّ ، ولا لذّات للشّيب

__________________

بالحرف فى وجه من وجوه الشبه التى تقدم بيانها : ألا يعارض هذا الشبه شىء من خصوصيات الأسماء ، والجواب على هذه الشبهة من وجهين : أو لهما ـ وهو وجه عقلى ـ أن ما كان من خصائص الأسماء إنما يقدح فى بناء الاسم ويعارضه إذا طرأ على الاسم بعد كونه مبنيا ، فأما إذا كان ما هو من خصائص الأسماء موجودا فى الاسم ثم عرض لهذا الاسم ما يقتضى شبهه بالحرف ـ من بعد ذلك ـ فإنه لهذا لا يعارض سبب البناء ولا يمنع منه ، ونحن ندعى أن الاسم كان مثنى أو مجموعا ، ثم دخلت عليه لا فتركب معها تركب خمسة عشر ، فوجد سبب البناء طارثا على ما هو من خصائص الاسم ، الثانى ـ وهو نقض لمذهبه بعدم الاطراد ـ أن المبرد نفسه قد اتفق مع الجمهور على بناء اسم لا المجموع جمع تكسير ، ولم يعبأ معه بما هو من خصائص الاسم وهو الجمع ، كما اتفق مع الجمهور على بناء المنادى المثنى أو المجموع جمع المذكر السالم على ما يرفع به ، ولم يعبأ بما هو من خصائص الأسماء.

١٠٩ ـ البيت لسلامة بن جندل السعدى ، من قصيدة له مستجادة ، وأولها قوله

أودى الشّباب حميدا ذو التّعاجيب

أودى ، وذلك شأو غير مطلوب

ولّى حثيثا ، وذاك الشّيب يتبعه

لو كان يدركه ركض اليعاقيب

اللغة : «أودى» ذهب وفنى ، وكرر هذه الكلمة تأكيدا لمضمونها ؛ لأنه إنما أراد إنشاء التحسر والتحزن على ذهاب شبابه «حميدا» محمودا «التعاجيب» العجب ، وهو جمع لا واحد له من لفظه ، ويروى فى مكانه «الأعاجيب» وهو جمع أعجوبة ، وهى الأمر الذى يتعجب منه «شأو» هو الشوط «حثيثا» سريعا «اليعاقيب» جمع يعقوب ، وهو ذكر الحجل «مجد عواقبه» المراد أن نهايته محمودة «الشيب» بكسر الشين ـ جمع أشيب ـ وهو الذى ابيض شعره ، وروى صدر البيت المستشهد به هكذا :

* أودى الشّباب الذى مجد ... إلخ*

٣٩٧

وأجاز بعضهم الفتح ، نحو «لا مسلمات لك» (١)

__________________

الإعراب : «إن» حرف توكيد ونصب «الشباب» اسم إن «الذى» اسم موصول : نعت للشباب «مجد» يجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هو مجد ، وعواقبه ـ على هذا ـ نائب فاعل مجد ؛ لأنه مصدر بمعنى اسم المفعول كما فسرناه ويجوز أن يكون «مجد» خبرا مقدما ، و «عواقبه» مبتدأ مؤخرا ، وجاز الإخبار بالمفرد ـ وهو مجد ـ عن الجمع ـ وهو عواقب ـ لأن الخبر مصدر ، والمصدر يخبر به عن المفرد والمثنى والجمع بلفظ واحد ؛ لأنه لا يثنى ولا يجمع ، وعلى كل حال فجملة «مجد عواقبه» ـ سواء أفدرت مبتدأ أم لم تقدر ـ لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «فيه» جار ومجرور متعلق بقوله نلذ الآتى «نلذ» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن «ولا» نافية للجنس «لذات» اسم لا ، مبنى على الكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم فى محل نصب «للشيب» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر «لا»

الشاهد فيه : قوله «ولا لذات للشيب» حيث جاء اسم لا ـ وهو لذات ـ جمع مؤنث سالما ، ووردت الرواية ببنائه على الكسرة نيابة عن الفتحة ، كما كان ينصب بها لو أنه معرب.

(١) اعلم أن للعلماء فى اسم «لا» إذا كان جمع مؤنث سالما أربعة مذاهب :

الأول : أن يبنى على الكسرة نيابة عن الفتحة من غير تنوين ، وهذا مذهب جمهرة النحاة.

الثانى : أن يبنى على الكسرة نيابة عن الفتحة لكن يبقى له تنوينه ، وهذا مذهب صححه ابن مالك صاحب الألفية ، وجزم به فى بعض كتبه ، ونقله عن قوم ، وحجتهم فى عدم حذف التنوين أنه قد تقرر أن تنوين جمع المؤنث السالم هو تنوين المقابلة ، وهو لا ينافى البناء ، فلا يحذف.

الثالث : أنه مبنى على الفتح ، وهذا مذهب المازنى والفارسى ، ورجحه ابن هشام فى المغنى والمحقق الرضى فى شرح الكافية وابن مالك فى بعض كتبه.

الرابع : أنه يجوز فيه البناء على الكسرة نيابة عن الفتحة ، والبناء على الفتح.

وزعم كل شراح الألفية أن بيت سلامة بن جندل (الشاهد رقم ١٠٩) يروى بالوجهين جميعا ، فإذا صح ذلك لم يكن لإيجاب أحد الأمرين بعينه وجه وجيه ، ويؤخذ

٣٩٨

وقول المصنف : «وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه» معناه أنه يذكر الخبر بعد اسم «لا» مرفوعا ، والرافع له «لا» عند المصنف وجماعة [وعند سيبويه الرافع له لا] إن كان اسمها مضافا أو مشبها بالمضاف ، وإن كان الاسم مفردا فاختلف فى رافع الخبر ؛ فذهب سيبويه إلى أنه ليس مرفوعا بـ «لا» وإنما هو مرفوع على أنه خبر المبتدأ ، لأن مذهبه أن «لا» واسمها المفرد فى موضع رفع بالابتداء ، والاسم المرفوع بعدهما خبر عن ذلك المبتدأ ، ولم تعمل «لا» عنده فى هذه الصورة إلا فى الاسم ، وذهب الأخفش إلى أن الخبر مرفوع بـ «لا» فتكون «لا» عاملة فى الجزءين كما عملت فيهما مع المضاف والمشبه به.

وأشار بقوله : «والثانى اجعلا» إلى أنه إذا أتى بعد «لا» والاسم الواقع بعدها بعاطف ونكرة مفردة وتكررت «لا» نحو «لا حول ولا قوّة إلا بالله» يجوز فيهما خمسة أوجه ، وذلك لأن المعطوف عليه : إما أن يبنى مع «لا» على الفتح ، أو ينصب ، أو يرفع.

فإن بنى معها على الفتح جاز فى الثانى ثلاثة أوجه :

الأول : البناء على الفتح ؛ لتركبه مع «لا» الثانية ، وتكون [لا] الثانية عاملة عمل إنّ ، نحو «لا حول ولا قوّة إلا بالله» (١).

__________________

من كلام ابن الأنبارى أن بيت سلامة يروى بالفتح دون الكسر ؛ فيكون تأييدا لمذهب المازنى ومن معه ؛ ولكنا لا نستطيع أن نرد رواية الكسر بمجرد كون ابن الأنبارى لم يحفظها.

(١) وعلى تركيب الثانية مع اسمها كتركيب الأولى مع اسمها قرأ أبو عمرو وابن كثير فى قوله سبحانه : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) بفتح بيع وخلة وشفاعة ، و «لا» فى المواضع الثلاثة نافية للجنس عاملة عمل إن ، والاسم المفتوح بعدها اسمها مبنى على الفتح فى محل نصب ، وخبرها ـ فيما عدا الأول ـ محذوف لدلالة ما قبله عليه.

ومن شواهد ذلك قول الراجز (وقد أنشدناه فى شرح الشاهد رقم ٢٧ السابق) :

نحن بنو خويلد صراحا

لا كذب اليوم ولا مزاحا

٣٩٩

الثانى : النصب عطفا على محلّ اسم «لا» ، وتكون «لا» الثانية زائدة بين العاطف والمعطوف ، نحو «لا حول ولا قوّة إلا بالله» ومنه قوله :

(١١٠) ـ

لا نسب اليوم ولا خلّة

اتّسع الخرق على الرّاقع

__________________

١١٠ ـ البيت لأنس بن العباس بن مرداس ، وقيل : بل هو لأبى عامر جد العباس ابن مرداس ، ويروى عجز البيت كما رواه الشارح العلامة من كلمة عينية ، وبعده :

كالثّوب إذ أنهج فيه البلى

أعيا على ذى الحيلة الصّانع

وروى أبو على القالى صدر هذا البيت مع عجز آخر ، وهو :

* اتّسع الخرق على الرّاتق*

من كلمة قافية ، وقبله :

لا صلح بينى ـ فاعلموه ـ ولا

بينكم ، ما حملت عاتقى

سيفى ، وما كنّا بنجد ، وما

قرقر قمر الواد بالشّاهق

اللغة : «خلة» بضم الخاء وتشديد اللام ـ هى الصداقة ، وقد تطلق الخلة على الصديق نفسه ، كما فى قول رجل من بنى عبد القيس ، وهو أحد شعراء الحماسة.

ألا أبلغا خلّتى راشدا

وصنوى قديما إذا ما تصل

«الراقع» ومثله «الراتق» الذى يصلح موضع الفساد من الثوب «أنهج» أخذ فى البلى «أعيا» صعب ، وشق ، واشتد «العاتق» موضع الرداء من المنكب «قرقر قمر» قرقر : صوت ، وصاح ، و «قمر» يجوز أن يكون جمع أقمر ؛ فوزانه وزان أحمر وحمر وأصفر وصفر ، ويجوز أن يكون جمع قمرى ، كروم فى جمع رومى «الشاهق» الجبل المرتفع.

الإعراب : «لا» نافية للجنس «نسب» اسمها ، مبنى على الفتح فى محل نصب «اليوم» ظرف متعلق بمحذوف خبر لا «ولا» الواو عاطفة ، ولا : زائدة لتأكيد النفى «خلة» معطوف على نسب ، بالنظر إلى محل اسم «لا» الذى هو النصب «اتسع» فعل ماض «الخرق» فاعل لاتسع «على الراقع» جار ومجرور متعلق بقوله «اتسع».

٤٠٠