شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

الأدوات ، وأجاز بعضهم وقوع الاسم بعدها ؛ فلا يمتنع عنده الرفع على الابتداء ، كقول الشاعر :

(١٥٧) ـ

لا تجزعى إن منفس أهلكته

فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعى

__________________

١٥٧ ـ هذا البيت ساقط من أكثر النسخ. ولم نشرحه فى الطبعة الأولى لهذه العلة ، وهو من كلمة للنمر بن تولب يجيب فيها امرأته وقد لامته على التبدير ، وكان من حديثه أن قوما نزلوا به فى الجاهلية ، فنحر لهم أربع قلائص ، واشترى لهم زق خمر ، فلامته امرأته على ذلك ؛ ففى هذا يقول :

قالت لتعذلنى من اللّيل : اسمع ،

سفه تبيّتك الملامة فاهجعى

لا تجزعى لغد ، وأمر غد له ،

أتعجّلين الشّرّ ما لم تمنعى

قامت تبكّى أن سبات لفتية

زقّا وخابية بعود مقطع

اللغة : «لا تجزعى» لا تحزنى ، والجزع هو : ضعف المرء عن تحمل ما ينزل به من بلاء ، وهو أيضا أشد الحزن «منفس» هو المال الكثير ، وهو الشىء النفيس الذى يضن أهله به «أهلكته» أذهبته وأفنيته «هلكت» مت.

الإعراب : «لا» ناهية «تجزعى» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون. وياء المؤنثة المخاطبة فاعل «إن» شرطية «منفس» فاعل لفعل محذوف هو فعل الشرط ، وقوله «أهلكته» جملة من فعل وفاعل ومفعول لا محل لها تفسيرية «فإذا» الفاء عاطفة ، إذا : ظرفية تضمنت معنى الشرط «هلكت» فعل وفاعل ، وجملتهما فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «فبعد» الفاء زائدة ، وبعد : ظرف متعلق بقوله «اجزعى» فى آخر البيت ، وبعد مضاف واسم الإشارة من «ذلك» مضاف إليه ، واللام للبعد ، والكاف حرف خطاب «فاجزعى» الفاء واقعة فى جواب إذا ، وما بعدها فعل أمر ، وياء المخاطبة فاعل ، والجملة جواب إذا لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه : قوله «إن منفس» حيث وقع الاسم المرفوع بعد أداة الشرط التى هى «إن» والأكثر أن يلى هذه الأداة الفعل.

٥٢١

تقديره : «إن هلك منفس» (١) ، والله أعلم.

* * *

__________________

وقيل : أن تقرر لك ما فى هذا البيت نخبرك أنه يروى بنصب «منفس» يروى برفعه.

فأما رواية النصب فهى التى رواها سيبويه وجمهور البصريين (انظر كتاب سيبويه ١ ـ ٦٨ ، ومفصل الزمخشرى ١ ـ ١٤٩ بتحقيقنا) ولا إشكال على هذه الرواية ؛ لأن «منفسا» حينئذ منصوب بفعل محذوف مفسر بفعل من لفظ الفعل المذكور بعده ، والتقدير : إن أهلكت منفسا أهلكته.

والرواية الثانية برفع «منفس» وهى رواية الكوفيين ، وأعربوها على أن «منفس» مبتدأ ، وجملة «أهلكته» خبره ، وهذا هو صريح عبارة الشارح قبل إنشاده البيت ، واستدلوا به وبمثله على جواز وقوع الجملة الاسمية بعد «إن» و «إذا» الشرطيتين ، وقالوا : إن الاسم المرفوع بعد هاتين الأدانين مبتدأ ، والجملة بعده فى محل رفع خبر ، ومنهم من يجعل هذا الاسم المرفوع فاعلا لنفس الفعل المذكور بعده فى نحو «إن زيد يزورك فأكرمه» بناء على مذهبهم من جواز تقديم الفاعل على الفعل الرافع له ، فأما البصريون فلا يسلمون أولا رواية الرفع ، ثم يقولون : إن صحت هذه الرواية فإنها لا تدل على جواز وقوع الجمل الاسمية بعد أداة الشرط ، ولا تدل على جواز تقدم الفاعل على فعله ؛ لأن واحدا من هذين الوجهين غير متعين فى إعراب الاسم المرفوع بعد أداة الشرط ، بل هذا الاسم فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعده ، ويقدر المحذوف من لفظ المذكور إن كان الذى بعده قد رفع الضمير على الفاعلية ، ومن معنى الفعل المتأخر إن كان قد نصب ضمير الاسم كما فى هذا البيت المستشهد به ، ومن الأول قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) وهذا هو الراجح ، وهو الذى قدره الشارح بعد إنشاد البيت ، ثم ارجع إلى ما ذكرناه فى تقدير العامل فى المشغول عنه (فى ص ٥١٨) ، ثم انظر ما ذكرناه فى باب الفاعل

(١) هذا التقدير هو تقدير البصريين ، ولا يتفق ذكره هنا بهذا الشكل مع ما ذكره الشارح قبل إنشاد البيت ، ولو أنه قال : «وتقديره عند البصريين إن هلك منفس» لاستقام الكلام.

٥٢٢

وإن تلا السّابق ما بالابتدا

يختصّ فالرّفع التزمه أبدا (١)

كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد

ما قبل معمولا لما بعد وجد (٢)

أشار بهذين البيتين إلى القسم الثانى ، وهو ما يجب فيه الرّفع (٣) ؛ فيجب رفع

__________________

(١) «وإن» شرطية «تلا» فعل ماض ، فعل الشرط «السابق» فاعل تلا «ما» اسم موصول : مفعول به لتلا «بالابتدا» جار ومجرور متعلق بيختص الآتى «يختص» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة لا محل لها صلة «فالرفع» الفاء لربط الجواب بالشرط ، الرفع : مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : فالتزم الرفع التزمه ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «التزمه» التزم : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به «أبدا» منصوب على الظرفية ، والجملة من فعل الأمر وفاعله المستتر فيه لا محل لها مفسرة.

(٢) «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف يقع نعتا لمصدر محذوف منصوب على المفعولية المطلقة بفعل مدلول عليه بالسابق ، والتقدير : والتزم الرفع التزاما مشابها لذلك الالتزام إذا تلا الفعل ـ إلخ «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «الفعل» فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : إذا تلا الفعل «تلا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب تفسيرية «ما» اسم موصول مفعول به لتلا «لم يرد» مضارع مجزوم بلم «ما» اسم موصول فاعل يرد ، والجملة لا محل لها صلة ما الواقع مفعولا به لتلا «قبل» ظرف متعلق بمحذوف صلة «ما» الواقع فاعلا «معمولا» حال من فاعل يرد «لما» جار ومجرور متعلق بمعمول «بعد» ظرف متعلق بوجد «وجد» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة المجرورة محلا باللام ، والجملة لا محل لها صلة «ما» المجرورة محلا باللام.

(٣) للمؤلفين اختلاف فى اعتبار هذا القسم برمته من باب الاشتغال ؛ فابن الحاجب لم يذكره أصلا ، وابن هشام ينص على أنه ليس من باب الاشتغال ؛ ولا يصدق ضابطه عليه ، وذلك لأننا اشترطنا فى ضابط الاشتغال : أن العامل فى المشغول به لو تفرغ من الضمير وسلط على الاسم السابق المشغول عنه لعمل فيه (انظر كلام الشارح فى ص ٥١٨)

٥٢٣

الاسم المشتغل عنه إذا وقع بعد أداة تختصّ بالابتداء ، كإذا الّتى للمفاجأة ؛ فتقول : «خرجت فإذا زيد يضربه عمرو» برفع «زيد» ـ ولا تجوز نصبه ؛ لأن «إذا» هذه لا يقع بعدها الفعل : لا ظاهرا ، ولا مقدرا.

وكذلك يجب رفع الاسم السابق إذا ولى الفعل المشتغل بالضمير أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، كأدوات الشرط ، والاستفهام ، و «ما» النافية ، نحو «زيد إن لقيته فأكرمه ، وزيد هل تضربه ، وزيد ما لقيته» فيجب رفع «زيد» فى هذه الأمثلة ونحوها (١) ، ولا يجوز نصبه ؛ لأن ما لا يصلح أن يعمل

__________________

وفى هذا القسم لا يتم ذلك ، ألا ترى أن نحو قولك : «خرجت فإذا زيد يضربه عمرو» لو حذفت الضمير لم يعمل «يضرب» فى «زيد» المتقدم ؛ لأن المتقدم مرفوع ، والمتأخر يطلب منصوبا لا مرفوعا ، ولأن الفعل المتأخر لا يصح أن يقع بعد «إذا». ومن الناس من عده من باب الاشتغال غير مكترث بهذا الضابط ، والحق هو الأول لما ذكرنا.

(١) الأشياء التى لا يعمل ما بعدها فيما قبلها عشرة أنواع :

(الأول) أدوات الشرط جميعها ، نحو زيد إن لقيته فأكرمه ، وزيد حيثما تلقه فأكرمه.

(الثانى) أدوات الاستفهام جميعها ، نحو زيد هل أكرمته ، وعلى أسلمت عليه.

(الثالث) أدوات التحضيض جميعها ، نحو زيد هلا أكرمته ، وخالد ألا تزوره.

(الرابع) أدوات العرض جميعها ، نحو زيد ألا تكرمه ، وبكر أما تجيبه.

(الخامس) لام الابتداء ، نحو زيد لأنا قد ضربته ، وخالد لأنا أحبه حبا جما.

(السادس) «كم» الخبرية ، نحو زيدكم ضربته ، وإبراهيم كم نصحت له.

(السابع) الحروف الناسخة ، نحو زيد إنى ضربته ، وبكر كأنه السيف مضاء عزيمة.

(الثامن) الأسماء الموصولة ، نحو زيد الذى تضربه ، وهند التى رأيتها.

(التاسع) الأسماء الموصوفة بالعامل المشغول ، نحو زيد رجل ضربته.

(العاشر) بعض حروف النفى ؛ وهى «ما» مطلقا ، نحو زيد رجل ما ضربته ، «لا» بشرط أن تقع فى جواب قسم ، نحو زيد والله لا أضربه ؛ فإن كان حرف

٥٢٤

فيما قبله لا يصلح أن يفسّر عاملا فيما قبله ، وإلى هذا أشار بقوله : «كذا إذا الفعل تلا ـ إلى آخره».

أى : كذلك يجب رفع الاسم السابق إذا تلا الفعل شيئا لا يرد ما قبله معمولا لما بعده ، ومن أجاز عمل ما بعد هذه الأدوات فيما قبلها ، فقال : «زيدا ما لقيت» أجاز النصب مع الضمير بعامل مقدّر ؛ فيقول : «زيدا ما لقيته».

* * *

واختير نصب قبل فعل ذى طلب

وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب (١)

وبعد عاطف بلا فصل على

معمول فعل مستقرّ أوّلا (٢)

__________________

النفى غير «ما» و «لا» نحو زيد لم أضربه ـ أو كان حرف النفى هو «لا» وليس فى جواب القسم ، نحو زيد لا أضربه ـ فإنه يترجح الرفع ولا يجب ؛ لأنها حينئذ لا تفصل ما بعدها عما قبلها.

(١) «واختير» فعل ماض مبنى للمجهول «نصب» نائب فاعل لاختير «قبل» ظرف متعلق باختير ، وقبل مضاف و «فعل» مضاف إليه «ذى طلب» نعت لفعل ، ومضاف إليه «وبعد» معطوف على قبل ، وبعد مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «إيلاؤه» إيلاء : مبتدأ ، وإيلاء مضاف والهاء مضاف إليه من إضافة المصدر لأحد مفعوليه «الفعل» مفعول ثان للمصدر «غلب» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى إيلاء ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة ما المجرورة محلا بالإضافة.

(٢) «وبعد» معطوف على بعد فى البيت السابق ، وبعد مضاف و «عاطف» مضاف إليه «بلا فصل» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لعاطف «على معمول» متعلق بعاطف ، ومعمول مضاف و «فعل» مضاف إليه «مستقر» نعت لفعل «أولا» ظرف متعلق بمستقر.

٥٢٥

هذا هو القسم الثالث ، وهو ما يختار فيه النصب.

وذلك إذا وقع بعد الاسم فعل دال على طلب ـ كالأمر ، والنهى ، والدعاء ـ نحو «زيدا اضربه ، وزيدا لا تضربه ، وزيدا رحمه الله» ؛ فيجوز رفع «زيد» ونصبه ، والمختار النصب (١).

وكذلك يختار النصب إذا وقع الاسم بعد أداة يغلب أن يليها الفعل (٢) ، كهمزة الاستفهام ، نحو «أزيدا ضربته» بالنصب والرفع ، والمختار النصب.

وكذلك يختار النصب إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدّمته جملة فعليّة ولم يفصل بين العاطف والاسم ، نحو «قام زيد وعمرا أكرمته»؟ فيجوز رفع «عمرو» ونصبه ، والمختار النصب ؛ لتعطف جملة فعلية على جملة فعلية ، فلو فصل بين العاطف والاسم كان الاسم كما لو لم يتقدمه شىء ، نحو «قام زيد وأمّا عمرو فأكرمته» فيجوز رفع «عمرو» ونصبه ، والمختار الرفع كما سيأتى ، وتقول : «قام زيد وأمّا عمرا فأكرمه» فيختار النصب كما تقدم ؛ لأنه وقع قبل فعل دالّ على طلب.

__________________

(١) إنما اختبر نصب الاسم المشغول عنه إذا كان الفعل المشغول طلبيا ـ مع أن الجمهور يجيزون الإخبار عن المبتدأ بالجملة الطلبية ـ لأن الإخبار بها خلاف الأصل ، لكونها لا تحتمل الصدق والكذب.

(٢) الأدوات التى يغلب وقوع الفعل بعدها أربعة (الأولى) همزة الاستفهام (الثانية) «ما» النافية ؛ ففى نحو «ما زيدا لقيته» يترجح النصب (الثالثة) «لا» النافية ؛ ففى نحو «لا زيدا ضربته ولا عمرا» يترجح النصب (الرابعة) «إن» النافية ؛ ففى نحو «إن زيدا ضربته» ـ بمعنى ما زيدا ضربته ـ يترجح النصب أيضا.

٥٢٦

وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا

به عن اسم ، فاعطفن مخيّرا (١)

أشار بقوله : «فاعطفن مخيّرا» إلى جواز الأمرين على السواء ، وهذا هو الذى تقدّم أنه القسم الخامس ، وضبط النحويون ذلك بأنه إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدّمته جملة ذات وجهين ، جاز الرفع والنصب على السواء ، وفسّروا الجملة ذات الوجهين بأنها جملة : صدرها اسم ، وعجزها فعل ، نحو «زيد قام وعمرو أكرمته» فيجوز رفع «عمرو» مراعاة للصدر ، ونصبه مراعاة للعجز.

* * *

والرّفع فى غير الّذى مرّ رجح

فما أبيح افعل ، ودع ما لم يبح (٢)

__________________

(١) «إن» شرطية «تلا» فعل ماض ، فعل الشرط «المعطوف» فاعل لتلا «فعلا» مفعول به لتلا «مخبرا» نعت لفعل «به ، عن اسم» متعلقان بمخبر «فاعطفن» الفاء لربط الجواب بالشرط ، اعطف : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مخيرا» حال من الضمير المستتر فى «اعطفن».

(٢) «والرفع» مبتدأ «فى غير» جار ومجرور متعلق برجح الآتى ، وغير مضاف و «الذى» اسم موصول : مضاف إليه «مر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذى ، والجملة من مر وفاعله لا محل لها صلة «رجح» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الرفع الواقع مبتدأ ، والجملة من رجح وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ «فما» الفاء للتفريع ، وما : اسم موصول به مقدم لا فعل «أبيح» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة من أبيح ونائب فاعله لا محل لها صلة «افعل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ودع» مثله «ما» اسم موصول مفعول به لدع «لم يبح» مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة لا محل لها صلة الموصول.

٥٢٧

هذا هو الذى تقدّم أنه القسم الرابع ، وهو ما يجوز فيه الأمران ويختار الرفع ، وذلك : كلّ اسم لم يوجد معه ما يوجب نصبه ، ولا ما يوجب رفعه ، ولا ما يرجّح نصبه ، ولا ما يجوّز فيه الأمرين على السواء ، وذلك نحو «زيد ضربته» فيجوز رفع «زيد» ونصبه ، والمختار رفعه ؛ لأن عدم الإضمار أرجح من الإضمار ، وزعم بعضهم أنه لا يجوز النصب ؛ لما فيه من كلفة الإضمار ، وليس بشىء ، فقد نقله سيبويه وغيره من أئمة العربية ، وهو كثير ، وأنشد أبو السعادات ابن الشّجرىّ فى أماليه على النصب قوله :

(١٥٨) ـ

فارسا ما غادروه ملحما

غير زمّيل ولا نكس وكل

ومنه قوله تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) بكسر تاء «جنّات».

* * *

__________________

١٥٨ ـ البيت لامرأة من بنى الحارث بن كعب ، وهو أول ثلاثة أبيات اختارها أبو تمام فى ديوان الحماسة (انظر شرح التبريزى ٣ ـ ١٢١ بتحقيقنا) ونسبها قوم إلى علقمة بن عبدة ، وليس ذلك بشىء ، وبعد بيت الشاهد قولها :

لو يشا طار به ذو ميعة

لاحق الآطال نهد ذو خصل

غير أنّ الباس منه شيمة

وصروف الدّهر تجرى بالاجل

اللغة : «فارسا» هذه الكلمة تروى بالرفع وبالنصب ، وممن رواها بالرفع أبو تمام فى ديوان الحماسة ، وممن رواها بالنصب أبو السعادات ابن الشجرى كما قال الشارح «ما» زائدة «غادروه» تركوه فى مكانه ، وسمى الغدير غديرا لأنه جزء من الماء يتركه السيل ؛ فهو فعيل بمعنى مفعول فى الأصل. ثم نقل إلى الاسمية «ملحم» بزنة المفعول : الذى ينشب فى الحرب فلا يجد له مخلصا «الزميل» بضم أوله وتشديد ثانيه مفتوحا : الضعيف الجبان «النكس» بكسر أوله وسكون ثانيه : الضعيف الذى يقصر عن النجدة وعن غاية المجد والكرم «الوكل» بزنة كتف ـ الذى يكل أمره إلى غيره عجزا «لو يشا ـ إلخ» معناه أنه لو شاء النجاة لأنجاه فرس له نشاط وسرعة جرى وحدة ، والنهد : الغليظ ، والحصل : جمع خصلة ، وهى ما يتدلى من أطراف الشعر

٥٢٨

وفصل مشغول بحرف جرّ

أو بإضافة كوصل يجرى (١)

يعنى أنه لا فرق فى الأحوال الخمسة السابقة بين أن يتّصل الضمير بالفعل المشغول به نحو «زيد ضربته» أو ينفصل منه : بحرف جر ، نحو «زيد مررت به» أو بإضافة ، نحو «زيد ضربت غلامه» ، [أو غلام صاحبه] ، أو مررت بغلامه ، [أو بغلام صاحبه]» ؛ فيجب النصب فى نحو «إن زيدا مررت به أكرمك» كما يجب فى «إن زيدا لقيته أكرمك» وكذلك يجب الرفع فى «خرجت فإذا زيد مرّ به عمرو» ويختار النصب فى «أزيدا مررت

__________________

«غير أن البأس ـ إلخ» الشيمة : الطبيعة والسجية والخليقة ، وصروف الدهر : أحواله وأهواله وأحداثه وغيره ونوازله ، واحدها صرف.

الإعراب : «فارسا» مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده ، وتقدير الكلام : غادروا فارسا «ما» حرف زائد لقصد التفخيم ، ويجوز أن يكون اسما نكرة بمعنى عظيم ؛ فهو حينئذ نعت لفارس «غادروه» فعل وفاعل ومفعول به «ملحما» حال من الضمير المنصوب فى غادروه ، ويقال : مفعول ثان ، وليس بذاك «غير» حال ثان ، وغير مضاف و «زميل» مضاف إليه «ولا نكس» الواو عاطفة ، ولا : زائدة لتأكيد النفى ، ونكس : معطوف على زميل «وكل» صفة لنكس.

الشاهد فيه : قوله «فارسا ما غادروه» حيث نصب الاسم السابق ، وهو قوله «فارسا» المشتغل عنه ، بفعل محذوف يفسره المذكور بعده ، ولا مرجح للنصب فى هذا الموضع ولا موجب له ؛ فلما نصب «فارسا» مع خلو الكلام مما يوجب النصب أو يرجحه ـ دل على أن النصب حينئذ جائز ، وليس ممتنع.

(١) «فصل» مبتدأ ، وفصل مضاف و «مشعول» مضاف إليه «بحرف» جار ومجرور متعلق بفصل ، وحرف مضاف و «جر» مضاف إليه «أو» عاطفة «بإضافة» جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور السابق «كوصل» جار ومجرور متعلق بيجرى الآتى «يجرى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فصل الواقع مبتدأ فى أول البيت ، والجملة من يجرى وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.

٥٢٩

به؟» ويختار الرفع فى «زيد مررت به» ويجوز الأمران على السواء فى «زيد قام وعمرو مررت به» وكذلك الحكم فى «زيد [ضربت غلامه ، أو] مررت بغلامه».

* * *

وسوّ فى ذا الباب وصفا ذا عمل

بالفعل ، إن لم يك مانع حصل (١)

يعنى أن الوصف العامل فى هذا الباب يجرى مجرى الفعل فيما تقدم ، والمراد بالوصف العامل : اسم الفاعل ، واسم المفعول.

واحترز بالوصف مما يعمل عمل الفعل وليس بوصف كاسم الفعل ، نحو «زيد دراكه» فلا يجوز نصب «زيد» ؛ لأن أسماء الأفعال لا تعمل فيما قبلها ؛ فلا تفسر عاملا فيه.

واحترز بقوله «ذا عمل» من لوصف الذى لا يعمل ، كاسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضى ، نحو «زيدا أنا ضاربه أمس» ؛ فلا يجوز نصب «زيد» ؛ لأن ما لا يعمل لا يفسر عاملا.

ومثال الوصف العامل «زيد أنا ضاربه : الآن ، أو غدا ، والدرهم أنت معطاه» فيجوز نصب «زيد ، والدرهم» ورفعهما كما كان يجوز ذلك مع الفعل.

__________________

(١) «وسو» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فى ذا» جار ومجرور متعلق بسو «الباب» بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان عليه أو نعت له «وصفا» مفعول به لسو «ذا» بمعنى صاحب : نعت لوصف ، وذا مضاف ، و «عمل» مضاف إليه «بالفعل» جار ومجرور متعلق بسو «إن» شرطية «لم» نافية جازمة «يك» فعل مضارع تام مجزوم بلم ، فعل الشرط ، وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة للتخفيف «مانع» فاعل يك «حصل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مانع ، والجملة فى محل رفع نعت لمانع ، وجواب الشرط محذوف ، وتقديره : إن لم يكن مانع حاصل وموجود فسو وصفا ذا عمل بالفعل.

٥٣٠

واحترز بقوله : «إن لم يك مانع حصل» عما إذا دخل على الوصف مانع يمنعه من العمل فيما قبله ، كما إذا دخلت عليه الألف واللام ، نحو «زيد أنا الضّاربه» ؛ فلا يجوز نصب «زيد» ؛ لأن ما بعد الألف واللام لا يعمل فيما قبلهما ؛ فلا يفسّر عاملا فيه ، والله أعلم (١).

* * *

وعلقة حاصلة بتابع

كعلقة بنفس الاسم الواقع (٢)

تقدّم أنه لا فرق فى هذا الباب بين ما اتّصل فيه الضمير بالفعل ، نحو «زيدا ضربته» وبين ما انفصل بحرف جر ، نحو «زيدا مررت به» ؛ أو بإضافة ، نحو «زيدا ضربت غلامه».

__________________

(١) تلخيص ما أشار إليه الناظم والشارح أن العامل المشغول إذا لم يكن فعلا اشترط فيه ثلاثة شروط (الأول) أن يكون وصفا ، وذلك يشمل اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة ، ويخرج به اسم الفعل والمصدر ؛ فإن واحدا منهما لا يسمى وصفا (الثانى) أن يكون هذا الوصف عاملا النصب على المفعولية باطراد ؛ فإن لم يكن بهذه المنزلة لم يصح ، وذلك كاسم الفاعل بمعنى الماضى والصفة المشبهة واسم التفضيل (الثالث ألا يوحد مانع ؛ فإن وجد ما يمنع من عمل الوصف فيما قبله لم يصح فى الاسم السابق نصبه على الاشتغال ، ومن الموانع كون الوصف اسم فاعل مقترنا بأل ؛ لأن «أل» الداخلة على اسم الفاعل موصولة ، وقد عرفت أن الموصولات تقطع ما بعدها عما قبلها ، فيكون العامل غير الفعل فى هذا الباب منحصرا فى ثلاثة أشياء : اسم الفاعل ، واسم المفعول ، وأمثلة المبالغة ، بشرط أن يكون كل واحد منها بمعنى الحال أو الاستقبال ، وألا يقترن بأل.

(٢) «وعلقة» مبتدأ «حاصلة» نعت لعلقة «بتابع» جار ومجرور متعلق بحاصلة «كعلقة» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «بنفس» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لعلقة المجرور بالكاف ، ونفس مضاف ، و «الاسم» مضاف إليه «الواقع» نعت للاسم.

٥٣١

وذكر فى هذا البيت أن الملابسة بالتابع كالملابسة بالسببى ، ومعناه أنه إذ عمل الفعل فى أجنبىّ ، وأتبع بما اشتمل على ضمير الاسم السابق : من صفة ، نحو «زيدا ضربت رجلا يحبه» أو عطف بيان ، نحو «زيدا ضربت عمرا أباه» أو معطوف بالواو خاصّة نحو «زيدا ضربت عمرا وأخاه» حصلت الملابسة بذلك كما تحصل بنفس السببىّ ، فينزّل «زيدا ضربت رجلا يحبه» منزلة «زيدا ضربت غلامه» وكذلك الباقى.

وحاصله أن الأجنبىّ إذا أتبع بما فيه ضمير الاسم السابق جرى مجرى السببى ، والله أعلم.

* * *

٥٣٢

تعدّى الفعل ، ولزومه

علامة الفعل المعدّى أن تصل

«ها» غير مصدر به ، نحو عمل (١)

ينقسم الفعل إلى متعدّ ، ولازم ؛ فالمتعدّى : هو الذى يصل إلى مفعوله بغير حرف جر ، [نحو «ضربت زيدا»] واللازم : ما ليس كذلك ، وهو : ما لا يصل إلى مفعوله إلا بحرف جر (٢) نحو «مررت بزيد» أولا مفعول له ،

__________________

(١) «علامة» مبتدأ ، وعلامة مضاف ، و «الفعل» مضاف إليه «المعدى» نعت للفعل «أن» مصدرية «تصل» فعل مضارع منصوب بأن ، وسكن للوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، و «أن» وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مرفوع خبر المبتدأ ، والتقدير : علامة الفعل المعدى وصلك به ها ـ إلخ «ها» مفعول به لتصل ، وها مضاف و «غير» مضاف إليه ، وغير مضاف ، و «مصدر» مضاف إليه «به» جار ومجرور متعلق بتصل «نحو» خبر لمبتدأ محذوف : أى وذلك نحو ، ونحو مضاف ، و «عمل» قصد لفظه : مضاف إليه.

(٢) أكثر النحاة على أن الفعل من حيث التعدى واللزوم ينقسم إلى قسمين : المتعدى ، واللازم ، ولا ثالث لهما ، وعبارة الناظم والشارح تدل على أنهما يذهبان هذا المذهب ، ألا ترى أن الناظم يقول «ولازم غير المعدى» والشارح يقول «واللازم ما ليس كذلك» وذلك يدل على أن كل فعل ليس بمتعد فهو لازم ؛ فيدل على انحصار التقسيم فى القسمين.

ومن العلماء من ذهب إلى أن الفعل من هذه الجهة ينقسم إلى ثلاثة أقسام : الأول المتعدى ، والثانى اللازم ، والثالث ما ليس بمتعد ولا لازم ، وجعلوا من هذا القسم الثالث الأخير «كان» وأخواتها ؛ لأنها لا تنصب المفعول به ولا تتعدى إليه بحرف الجر ، كما مثلوا له ببعض الأفعال التى وردت تارة متعدية إلى المفعول به بنفسها وتارة أخرى متعدية إليه بحرف الجر ، نحو شكرته وشكرت له ونصحته ونصحت له وما أشبههما وقد يقال : إن «كان» ليست خارجة عن القسمين ، بل هى متعدية ، وحينئذ يكون

٥٣٣

نحو «قام زيد» ويسمى ما يصل إلى مفعوله بنفسه : فعلا متعدّيا ، وواقعا ، ومجاوزا ، وما ليس كذلك يسمى : لازما ، وقاصرا ، وغير متعدّ ، و [يسمى] متعديا بحرف جر.

وعلامة الفعل المتعدّى أن تتصل به هاء تعود على غير المصدر ، وهى هاء المفعول به ، نحو «الباب أغلقته».

واحترز بهاء غير المصدر من هاء المصدر ؛ فإنها تتصل بالمتعدى واللازم ؛ فلا تدل على تعدّى الفعل ؛ فمثال المتصلة بالمتعدى «الضّرب ضربته زيدا» أى ضربت الضرب [زيدا] ومثال المتصلة باللازم «القيام قمته» أى : قمت القيام.

* * *

فانصب به مفعوله إن لم ينب

عن فاعل ، نحو تدبّرت الكتب (١)

__________________

المراد من المفعول به هو أو ما أشبهه كخبر كان ، أو يقال : إن المقسم هو الأفعال التامة ؛ فليست «كان» وأخواتها من موضع التقسيم حتى يلزم دخولها فى أحد القسمين ، كما انه قد يقال : إن نحو شكرته وشكرت له لم تخرج عن القسمين ، بل هى إما متعدية ، وحرف الجر فى شكرت له زائد ، أو لازمة ، ونصبها للمفعول به فى شكرته على نزع الخافض.

(١) «فانصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «به» جار ومجرور متعلق بانصب «مفعوله» مفعول : مفعول به لانصب ، ومفعول مضاف والهاء مضاف إليه «إن» شرطية «لم» نافية جازمة «ينب» فعل مضارع ، فعل الشرط ، مجزوم بلم ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مفعوله ،؟؟؟ الشرط محذوف ، والتقدير : إن لم ينب مفعوله عن فاعل فانصبه به «عن فاعل»؟؟؟ مجرور متعلق بينب «نحو» خبر لمبتدأ محذوف : أى وذلك نحو «تدبرت»؟؟؟ فاعل «الكتب» مفعول به ، ونحو مضاف ، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله

٥٣٤

شأن الفعل المتعدّى أن ينصب مفعوله إن لم ينب عن فاعله ، نحو «تدبّرت الكتب» فإن ناب عنه وجب رفعه كما تقدّم ، نحو «تدبّرت الكتب».

وقد يرفع المفعول وينصب الفاعل عند أمن اللبس ، كقولهم : «خرق الثوب المسمار» ولا ينقاس ذلك ، بل يقتصر فيه على السماع (١).

__________________

فى محل جر مضاف إليه ، والمراد بالمفعول فى قوله «فانصب به مفعوله» هو المفعول به ، لأمرين ؛ أحدهما : أن المفعول عند الإطلاق هو المفعول به ، وأما بقية المفاعيل فلا بد فيها من التقييد ، تقول : المفعول معه ، والمفعول لأجله ، والمفعول فيه. والمفعول المطلق. وثانيهما : أن الذى يختص به الفعل المتعدى هو المفعول به ؛ فأما غيره من المفاعيل فيشترك فى نصبه المتعدى واللازم ، تقول : ضربت ضربا ، وقمت قياما ، وتقول : ذاكرت والمصباح ، وسرت والنيل ، وتقول : ضربت ابنى تأديبا ، وقمت إجلالا للأمير ، وتقول : لعبت الكرة أصيلا. وخرجت من الملعب ليلا.

(١) قال السيوطى فى همع الهوامع (١ / ١٨٦) : وسمع رفع المفعول به ونصب الفاعل ، حكوا : خرق الثوب المسمار ، وكسر الزجاج الحجر ، وقال الشاعر :

مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت

بحران أو بلغت سوآتهم هجر

فإن السوآت هى المبالغة ، وسمع أيضا رفعهما ، قال :

[إن من صاد عقعقا لمشوم]

كيف من صاد عقعقان وبوم

وسمع نصبهما ، قال :

قد سالم الحيّات منه القدما

[الأفعوان والشّجاع الشّجعما]

والمبيح لذلك كله فهم المعنى وعدم الإلباس ، ولا يقاس على شىء من ذلك» اه وقال ابن مالك فى شرح الكافية : «وقد يحملهم ظهور المعنى على إعراب كل واحد من الفاعل والمفعول به بإعراب الآخر ؛ كقولهم : خرق الثوب المسمار ، ومنه قول الأخطل* مثل القنافذ ... البيت» اه.

والظاهر من هذه العبارات كلها أن الاسم المنصوب فى هذه المثل التى ذكروها هو الفاعل ، والاسم المرفوع هو المفعول ، وأن التغير لم يحصل إلا فى حركات الإعراب ، لكن ذهب الجوهرى إلى أن المنصوب هو المفعول به ، والمرفوع هو الفاعل ، والتغيير

٥٣٥

والأفعال المتعدية على ثلاثة أقسام :

أحدها : ما يتعدّى إلى مفعولين ، وهى قسمان ؛ أحدهما : ما أصل المفعولين فيه المبتدأ والخبر ، كظنّ وأخواتها ، والثانى : ما ليس أصلهما ذلك ، كأعطى وكسا.

والقسم الثانى : ما يتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل ، كأعلم وأرى.

والقسم الثالث : ما يتعدّى إلى مفعول واحد ، كضرب ، ونحوه.

* * *

ولازم غير المعدّى ، وحتم

لزوم أفعال السّجايا ، كنهم (١)

كذا افعللّ ، والمضاهى اقعنسسا ،

وما اقتضى : نظافة ، أو دنسا (٢)

أو عرضا ، أو طارع المعدّى

لواحد ، كمدّة فامتدّا (٣)

__________________

إنما حصل فى المعنى. وهذا رأى لجماعة من النحاة ، وقد اختاره الشاطى. وانظر ما ذكرناه واستشهدنا له فى مطلع باب الفاعل.

(١) «ولازم» خبر مقدم «غير» مبتدأ مؤخر ، وغير مضاف و «المعدى» مضاف إليه «وحتم» فعل ماض مبنى للمجهول «لزوم» نائب فاعل لحتم ، ولزوم مضاف ، و «أفعال» مضاف إليه ، وأفعال مضاف ، و «السجايا» مضاف إليه «كنهم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف. والتقدير : وذلك كائن كنهم.

(٢) «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «افعلل» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «والمضاهى» معطوف على قوله «افعلل» السابق. وهو اسم فاعل ، وفاعله ضمير مستتر فيه. وقوله «اقعنسسا» مفعوله ، وقد قصد لفظه «وما» اسم موصول : معطوف على المضاهى «اقتضى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة. والجملة لا محل لها صلة الموصول «نظافة» مفعول به لاقتضى «أو دنسا» معطوف على قوله نظافة.

(٣) «أو عرضا» معطوف على قوله نظافة فى البيت السابق «أو طاوع» أو :

٥٣٦

اللازم هو : ما ليس بمتعدّ ، وهو : ما لا يتّصل به هاء [ضمير] غير المصدر ، ويتحتّم اللزوم لكل فعل دالّ على سجية ـ وهى الطبيعة ـ نحو : «شرف ، وكرم ، وظرف ، ونهم» وكذا كلّ فعل على وزن افعللّ ، نحو : «اقشعرّ ، واطمأنّ» أو على وزن افعنلل ، نحو : «اقعنسس ، واحرنجم» أو دلّ على نظافة كـ «طهر الثوب ، ونظف» أو على دنس كـ «دنس الثوب ، ووسخ» أو دلّ على عرض نحو : «مرض زيد ، واحمرّ» أو كان مطاوعا لما تعدّى إلى مفعول واحد نحو : «مددت الحديد فامتدّ ، ودحرجت زيدا فتدحرج» واحترز بقوله : «لواحد» مما طاوع المتعدى إلى اثنين ؛ فإنه لا يكون لازما ، بل يكون متعديا إلى مفعول واحد ، نحو : «فهّمت زيدا المسألة ففهمها ، وعلّمته النحو فتعلّمه».

* * *

وعدّ لازما بحرف جرّ

وإن حذف فالنّصب للمنجرّ (١)

__________________

حرف عطف. وطاوع : فعل ماض معطوف على اقتضى ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة «المعدى» مفعول به لطاوع «لواحد» جار ومجرور متعلق بالمعدى «كمده» متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف. والتقدير : وذلك كائن كمده «فاستدا» الفاء عاطفة ، امتد : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جواز تقديره هو.

(١) «وعد» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لازما» مفعول به لعد «بحرف» جار ومجرور متعلق بعد ، وحرف مضاف و «جر» مضاف إليه «وإن» شرطية «حذف» فعل ماض مبنى للمجهول فعل الشرط. ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حرف جر «فالنصب» الفاء لربط الجواب بالشرط. النصب : مبتدأ «للمنجر» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جزم جواب الشرط.

٥٣٧

نقلا ، وفى «أنّ» «وأن» يطّرد

مع أمن لبس : كعجبت أن يدوا (١)

تقدّم أن الفعل المتعدّى يصل إلى مفعوله بنفسه ، وذكر هنا أن الفعل اللازم يصل إلى مفعوله بحرف جر ، نحو : «مررت بزيد» وقد يحذف حرف الجر فيصل إلى مفعوله بنفسه ، نحو : «مررت زيدا» قال الشاعر :

(١٥٩) ـ

تمرّون الدّيار ولم تعوجوا

كلامكم علىّ إذا حرام

__________________

(١) «نقلا» مفعول مطلق ، أو حال صاحبه اسم المفعول المفهوم من قوله «حذف» وتقديره منقولا «وفى أن» جار ومجرور متعلق بيطرد الآتى «وأن» معطوف على أن «يطرد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحذف المفهوم من حذف «مع» ظرف متعلق بيطرد ، ومع مضاف و «أمن» مضاف إليه ، وأمن مضاف و «لبس» مضاف إليه «كعجبت» الكاف جارة لقول محذوف ، عجبت : فعل وفاعل «أن» مصدرية «يدوا» فعل مضارع منصوب بأن ، وعلامة نصبه حذف النون ، وواو الجماعة فاعله ، و «أن» ومنصوبها فى تأويل مصدر مجرور بمن المحذوفة ، والتقدير : عجبت من وديهم ـ أى إعطائهم الدبة ـ والجار والمجرور متعلق بعجب.

(١٥٩) ـ البيت لجرير بن عطية بن الخطفى.

اللغة : «تعوجوا» يقال : عاج فلان بالمكان يعوج عوجا ومعاجا ـ كقال يقول قولا ومقالا ـ إذا أقام به ، ويقال : عاج السائر بمكان كذا ، إذا عطف عليه ، أو وقف به ، أو عرج عليه وتحول إليه. ورواية الديوان* أتمضون الرسوم ولا نحيا*.

الإعراب : «تمرون» فعل وفاعل «الديار» منصوب على نزع الخافض ، وأصله : تمرون بالديار «ولم تعوجوا» الواو للحال ، ولم : نافية جازمة ، تعوجوا : فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة فاعل ، والجملة فى محل نصب حال «كلامكم» كلام : مبتدأ ، وكلام مضاف وضمير المخاطبين مضاف إليه «على» جار ومجرور متعلق بحرام «حرام» خبر المبتدأ.

الشاهد فيه : قوله «تمرون الديار» حيث حذف الجار ، وأوصل الفعل اللازم إلى الاسم الذى كان مجرورا ، فنصبه ، وأصل الكلام «تمرون بالديار» ويسمى ذلك :

٥٣٨

أى : تمرّون بالديار. ومذهب الجمهور أنه لا ينقاس حذف حرف الجر مع غير «أنّ» و «أن» بل يقتصر فيه على السماع ، وذهب [أبو الحسن علىّ ابن سليمان البغدادىّ وهو] الأخفش الصغير إلى أنه يجوز الحذف مع غيرهما قياسا ، بشرط تعيّن الحرف ، ومكان الحذف ، نحو : «بريت القلم بالسكين» فيجوز عنده حذف الباء ؛ فتقول : «بريت القلم السكين» فإن لم يتعين الحرف لم يجز الحذف ، نحو : «رغبت فى زيد» فلا يجوز حذف «فى» ؛ لأنه لا يدرى حينئذ : هل التقدير «رغبت عن زيد» أو «فى زيد» وكذلك إن لم يتعين مكان الحذف لم يجز ، نحو «اخترت القوم من بنى تميم» فلا يجوز الحذف ؛ فلا تقول : «اخترت القوم بنى تميم» ؛ إذ لا يدرى : هل الأصل «اخترت القوم من بنى تميم» أو «اخترت من القوم بنى تميم».

وأما «أنّ ، وأن» فيجوز حذف حرف الجر معهما قياسا مطّردا ، بشرط أمن اللبس ، كقولك «عجبت أن يدوا» والأصل «عجبت من أن يدوا» أى : من أن يعطوا الدّية ، ومثال ذلك مع أنّ ـ بالتشديد ـ «عجبت من أنّك قائم» فيجوز حذف «من» فتقول : «عجبت أنّك قائم» ؛ فإن حصل لبس لم يجز

__________________

«الحذف والإيصال» وهذا قاصر على السماع ، ولا يجوز ارتكابه فى سعة الكلام ، إلا إذا كان المجرور مصدرا مؤولا من «أن» المؤكدة مع اسمها وخبرها ، أو من «أن» المصدرية مع منصوبها.

ومثل هذا الشاهد قول عمر بن أبى ربيعة المخزومى :

غضبت أن نظرت نحو نساء

ليس يعرفننى مررن الطّريقا

ومحل الاستشهاد قوله «مررن الطريقا» حيث حذف حرف الجر ثم أوصل الفعل اللازم إلى الاسم الذى كان مجرورا فنصبه ، وأصل الكلام : مررن بالطريق ، وفيه شاهد آخر للقياسى من هذا الباب ؛ وذلك فى قوله «غضبت أن نظرت» وأصله : غضبت من أن نظرت.

٥٣٩

الحذف ، نحو «رغبت فى أن تقوم» أو «[رغبت] فى أنك قائم» فلا يجوز حذف «فى» لاحتمال أن يكون المحذوف «عن» فيحصل اللّبس.

واختلف فى محل «أنّ ، وأن» ـ عند حذف حرف الجرّ ـ فذهب الأخفش إلى أنهما فى محل جر ، وذهب الكسائى إلى أنهما فى محل نصب (١) ، وذهب سيبويه إلى تجويز الوجهين.

__________________

(١) أما الذين ذهبوا إلى أن المصدر المنسبك من الحرف المصدرى ومعموله فى محل نصب بعد حذف حرف الجر الذى كان يقتضى جره فاستدلوا على ذلك بشيئين :

أولهما : أن حرف الجر عامل ضعيف ، وآية ضعفه أنه مختص بنوع واحد هو الاسم ، والعامل الضعيف لا يقوى على العمل إلا إذا كان مذكورا ، فمتى حذف من الكلام زال عمله.

وثانى الدليلين : أن حرف الجر إذا حذف من الكلام وكان مدخوله غير «أن» و «أن» فنحن متفقون على أن الاسم الذى كان مجرورا به ينصب كما فى بيت عمر وبيت جرير السابق (رقم ١٥٩) وكما فى قول ساعدة بن جؤية الهذلى :

لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه

فيه ، كما عسل الطّريق الثّعلب

وكما فى قول المتلمس جرير بن عبد المسيح يخاطب عمرو بن هند ملك الحيرة :

آليت حبّ العراق الدّهر أطعمه

والحبّ يأكله فى القرية السّوس

أراد الأول : كما عسل فى الطريق ، وأراد الثانى : آليت على حب العراق ، فلما حذفا حرف الجر نصبا الاسم الذى كان مجرورا ؛ فيجب أن يكون هذا هو الحكم مع أن وأن.

وأما الذين ذهبوا إلى أن المصدر فى محل جر بعد حذف حرف الجر فقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بالسماع عن العرب.

فمن ذلك قول الفرزدق من قصيدة يمدح فيها عبد المطلب بن عبد الله المخزومى :

وما زرت ليلى أن تكون حبيبة

إلىّ ، ولا دين بها أنا طالبه

فقوله «ولا دين» مروى بجر دين المعطوف على المصدر المنسبك من «أن تكون ـ إلخ»

٥٤٠