شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

أىّ كما ، وأعربت ما لم تضف

وصدر وصلها ضمير انحذف (١)

يعنى أن «أيا» مثل «ما» فى أنها تكون بلفظ واحد : للمذكر ، والمؤنث ـ مفردا كان ، أو مثنى ، أو مجموعا ـ نحو : «يعجبنى أيّهم هو قائم».

ثم إن «أيا» لها أربعة أحوال ؛ أحدها : أن تضاف ويذكر صدر صلتها ، نحو : «يعجبنى أيّهم هو قائم» الثانى : أن لا تضاف ولا يذكر صدر صلتها ، نحو : «يعجبنى أىّ قائم» الثالث : أن لا تضاف ويذكر صدر صلتها ، نحو : «يعجبنى أىّ هو قائم» وفى هذه الأحوال الثلاثة تكون معربة بالحركات الثلاث ، نحو : «يعجبنى أيّهم هو قائم ، ورأيت أيّهم هو قائم ، ومررت بأيّهم هو قائم» وكذلك : «أىّ قائم ، وأيّا قائم ، وأىّ قائم» وكذا ، «أىّ

__________________

وغيّرنى ما غال قيسا ومالكا

وعمرا وحجرا بالمشقّر ألمعا

يريد : الذين معه ، فاستعمل أل موصولة بمعنى الذين ، وهو أمر لا شىء فيه ، وأنى بصلتها ظرفا ، وهو شاذ ؛ فإن أل بجميع ضروبها وأنواعها مختصة بالأسماء ؛ وقال الكسائى فى هذا البيت : إن الشاعر يريد «معا» فزاد أل

(١) «أى» مبتدأ «كما» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر «وأعربت» الواو عاطفة ، أعرب : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء تاء التأنيث ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على «أى» «ما» مصدرية ظرفية «لم» حرف نفى وجزم «تضف» فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على «أى» «وصدر» الواو واو الحال ، صدر : مبتدأ ، وصدر مضاف ووصل من «وصلها» مضاف إليه ، ووصل مضاف والضمير مضاف إليه «ضمير» خبر المبتدأ والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب حال صاحبه الضمير المستتر فى تضف العائد على أى «انحذف» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ضمير» والتقدير : أى مثل ما ـ فى كونها موصولا صالحا لكل واحد من المفرد والمثنى والجمع مذكرا كان أو مؤنثا ـ وأعربت هذه الكلمة مدة عدم إضافتها فى حال كون صدر صلتها ضميرا محذوفا.

١٦١

هو قائم ، وأيا هو قائم ، وأىّ هو قائم» الرابع ، أن تضاف ويحذف صدر الصلة ، نحو : «يعجبنى أيّهم قائم» ففى هذه الحالة تبنى على الضم ؛ فتقول : «يعجبنى أيّهم قائم ، ورأيت أيّهم قائم ، ومررت يأيّهم قائم» وعليه قوله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) وقول الشاعر :

(٣٣) ـ

إذا ما لقيت بنى مالك

فسلّم على أيّهم أفضل

__________________

٣٣ ـ هذا البيت ينسب لغسان بن وعلة أحد الشعراء المخضرمين من بنى مرة بن عباد ، وأنشده أبو عمرو الشيبانى فى كتاب الحروف ، وابن الأنبارى فى كتاب الإنصاف ، وقال قبل إنشاده : «حكى أبو عمرو الشيبانى عن غسان ـ وهو أحد من تؤخذ عنهم اللغة من العرب ـ أنه أنشد» وذكر البيت.

الإعراب : «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «ما» زائدة «لقيت» فعل وفاعل ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها ، وهى جملة الشرط «بنى» مفعول به للقى ، وبنى مضاف و «مالك» مضاف إليه «فسلم» الفاء داخلة فى جواب الشرط ، وسلم : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «على» حرف جر «أيهم» يروى بضم «أى» وبجره ، وهو اسم موصول على الحالين ؛ فعلى الضم هو مبنى ، وهو الأكثر فى مثل هذه الحالة ، وعلى الجر هو معرب بالكسرة الظاهرة ، وعلى الحالين هو مضاف والضمير مضاف إليه «أفضل» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هو أفضل ، والجملة من المبتدأ وخبره لا محل لها صلة الموصول الذى هو أى.

الشاهد فيه : قوله «أيهم أفضل» حيث أتى بأى مبنيا على الضم ـ على الرواية المشهورة الكثيرة الدوران على ألسنة الرواة ـ لكونه مضافا ، وقد حذف صدر صلته وهو المبتدأ الذى قدرناه فى إعراب البيت ، وهذا هو مذهب سيبويه وجماعة من البصريين فى هذه الكلمة : يذهبون إلى أنها تأتى موصولة ، وتكون مبنية إذا اجتمع فيها أمران ؛ أحدهما أن تكون مضافة لفظا ، والثانى : أن يكون صدر صلتها محذوفا ؛ فإذا لم تكن مضافة أصلا ، أو كانت مضافة لكن ذكر صدر صلتها ؛ فإنها تكون معربة ، وذهب الخليل بن أحمد ويونس بن حبيب ـ وهما شيخان من شيوخ سيبويه ـ إلى أن

١٦٢

وهذا مستفاد من قوله : «وأعربت ما لم تضف ـ إلى آخر البيت» أى : وأعربت أىّ إذا لم تضف فى حالة حذف صدر الصلة ؛ فدخل فى هذه الأحوال الثلاثة السابقة ، وهى ما إذا أضيفت وذكر صدر الصلة ، أو لم تضف ولم يذكر صدر الصلة ، أو لم تضف وذكر صدر الصلة ، وخرج الحالة الرابعة ، وهى : ما إذا أضيفت وحذف صدر الصلة ، فإنها لا تعرب حينئذ.

* * *

وبعضهم أعرب مطلقا ، وفى

ذا الحذف أيّا غير أىّ يقتفى (١)

إن يستطل وصل ، وإن لم يستطل

فالحذف نزر ، وأبوا أن يختزل (٢)

__________________

أيا لا تجىء موصولة ، بل هى إما شرطية وإما استفهامية ، لا تخرج عن هذين الوجهين ، وذهب جماعة من الكوفيين إلى أنها قد تأنى موصولة ، ولكنها معربة فى جميع الأحوال ؛ أضيفت أو لم تضف ، حذف صدر صلتها أو ذكر.

(١) «وبعضهم» الواو للاستئناف ، بعض : مبتدأ ، وبعض مضاف والضمير مضاف إليه «أعرب» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى بعض ، والجملة من أعرب وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو بعضهم «مطلقا» حال من مفعول به لأعرب محذوف ، والتقدير : وبعضهم أعرب أيا مطلقا «وفى ذا» جار ومجرور متعلق بقوله «يقتفى» الآتى «الحذف» بدل من اسم الإشارة ، أو عطف بيان عليه ، أو نعت له «أيا» مفعول به لقوله «يقتفى» الآتى «غير» مبتدأ ، وغير مضاف و «أى» مضاف إليه «يقتفى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على المبتدأ ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، ومعنى الكلام : وبعض النحاة حكم بإعراب أى الموصولة فى جميع الأحوال ، وغير أى يقتفى ويتبع أيا فى جواز حذف صدر الصلة ، إذا كانت الصلة طويلة.

(٢) «إن» شرطية «يستطل» فعل مضارع مبنى للمجهول فعل الشرط «وصل» نائب فاعل ليستطل ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله ، وتقديره : إن يستطل

١٦٣

إن صلح الباقى لوصل مكمل

والحذف عندهم كثير منجلى (١)

فى عائد متّصل إن انتصب

بفعل ، أو وصف : كمن نرجو يهب (٢)

يعنى أن بعض العرب أعرب «أيا» مطلقا ، أى : وإن أضيفت وحذف

__________________

وصل فغير أى يقتفى أيا «وإن» الواو عاطفة ، إن شرطية «لم» حرف نفى وجزم وقلب «يستطل» فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم ، وجملته فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى «وصل» «فالحذف» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، والحذف : مبتدأ «نزر» خبره ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «وأبوا» فعل وفاعل «أن» مصدرية «يختزل» فعل مضارع مبنى للمجهول منصوب بأن ، وسكن للوقف ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى «وصل» والمراد أنهم امتنعوا عن تجويز الحذف ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مفعول به لأبوا.

(١) «إن» شرطية «صلح» فعل ماض فعل الشرط مبنى على الفتح فى محل جزم ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله ، والتقدير : إن صلح الباقى بعد الحذف للوصل فقد أبوا الحذف «الباقى» فاعل صلح «لوصل» جار ومجرور متعلق بصلح «مكمل» نعت لوصل «والحذف» مبتدأ «عندهم» عند : ظرف متعلق بالحذف أو بكثير أو بمنجلى ، وعند مضاف والضمير العائد إلى العرب أو النحاة مضاف إليه «كثير» خبر المبتدأ «منجلى» خبر ثان ، أو نعت للخبر.

(٢) «فى عائد» جار ومجرور متعلق بكثير أو بمنجل فى البيت السابق «متصل» نعت لعائد «إن» شرطية «انتصب» فعل ماض فعل الشرط مبنى على الفتح فى محل جزم ، وسكن للوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يرجع إلى عائد «بفعل» جار ومجرور متعلق بانتصب «أو وصف» معطوف على فعل «كمن» الكاف جارة ، ومجرورها محذوف ، ومن : اسم موصول مبتدأ «نرجو» فعل مضارع ، مرفوع بضمة مقدرة على الواو ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن ، ومفعوله محذوف ، وهو العائد ، والتقدير كمن نرجوه ، والجملة لا محل لها صلة «يهب» فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة ، وسكن للوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «من» والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

١٦٤

صدر صلتها ؛ فيقول : «يعجبنى أيّهم قائم ، ورأيت أيّهم قائم ، ومررت بأيّهم قائم» وقد قرىء (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ) بالنصب ، وروى* فسلم على أيّهم أفضل* [٣٣] بالجر.

* * *

وأشار بقوله : «وفى ذا الحذف ـ إلى آخره» إلى المواضع التى يحذف فيها العائد على الموصول ، وهو : إما أن يكون مرفوعا ، أو غيره ؛ فإن كان مرفوعا لم يحذف ، إلا إذا كان مبتدأ وخبره مفرد [نحو (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) وأيّهم أشدّ] ؛ فلا تقول : «جاءنى اللّذان قام» ولا «اللذان ضرب» ؛ لرفع الأول بالفاعليّة والثانى بالنيابة ، بل يقال : «قاما ، وضربا» وأما المبتدأ فيحذف مع «أى» وإن لم تطل الصلة ، كما تقدم من قولك : «يعجبنى أيّهم قائم» ونحوه ، ولا يحذف صدر الصلة مع غير «أى» إلا إذا طالت الصلة ، نحو «جاء الذى هو ضارب زيدا» فيجوز حذف «هو» فتقول «جاء الذى ضارب زيدا» ومنه قولهم «ما أنا بالذى قائل لك سوءا» التقدير «بالذى هو قائل لك سوءا» فإن لم تطل الصلة فالحذف قليل ، وأجازه الكوفيون قياسا ، نحو «جاء الذى قائم» التقدير «جاء الذى هو قائم» ومنه قوله تعالى : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) فى قراءة الرفع ، والتقدير «هو أحسن» (١).

__________________

(١) ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز حذف العائد المرفوع بالابتداء مطلقا ، أى سواء أكان الموصول أيا أم غيره ، وسواء أطالت الصلة أم لم تطل ، وذهب البصريون إلى جواز حذف هذا العائد إذا كان الموصول أيا مطلقا ، فإن كان الموصول غير أى لم يجيزوا الحذف إلا بشرط طول الصلة ؛ فالخلاف بين الفريقين منحصر فيما إذا لم تطل الصلة وكان الموصول غير أى ، فأما الكوفيون فاستدلوا بالسماع ؛ فمن ذلك قراءة يحيى بن يعمر : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) قالوا : التقدير على الذى هو أحسن ، ومن ذلك قراءة مالك ابن دينار وابن السماك : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) قالوا : التقدير : مثلا الذى هو بعوضة فما فوقها ، ومن ذلك قول الشاعر :

١٦٥

وقد جوزوا فى «لا سيّما زيد» إذا رفع زيد : أن تكون «ما» موصولة ، وزيد : خبرا لمبتدأ محذوف ، والتقدير «لاسىّ الذى هو زيد» فحذف العائد الذى هو المبتدأ ـ وهو قولك هو ـ وجوبا ؛ فهذا موضع حذف فيه صدر الصلة مع غير «أى» وجوبا ولم تطل الصلة ، وهو مقيس وليس بشاذ (١).

__________________

لا تنو إلّا الّذى خير ؛ فما شقيت

إلّا نفوس الألى للشّرّ ناوونا

قالوا : التقدير لا تنو إلا الذى هو خير ، ومن ذلك قول الآخر :

من يعن بالحمد لم ينطق بما سفه

ولا يحد عن سبيل المجد والكرم

قالوا : تقدير هذا البيت : من يعن بالحمد لم ينطق بالذى هو سفه ، ومن ذلك قول عدى بن زيد العبادى :

لم أر مثل الفتيان فى غبن

الأيّام يدرون ما عواقبها

قالوا : ما موصولة ، والتقدير : يدرون الذى هو عواقبها.

وبعض هذه الشواهد يحتمل وجوها من الإعراب غير الذى ذكروه ، فمن ذلك أن «ما» فى الآية الثانية يجوز أن تكون زائدة ، وبعوضة خبر مبتدأ محذوف ، ومن ذلك أن «ما» فى بيت عدى بن زيد يحتمل أن تكون استفهامية مبتدأ ، وما بعدها خبر ، والجملة فى محل نصب مفعول به ليدرون ، وقد علق عنها لأنها مصدرة بالاستفهام ، والكلام يطول إذا نحن تعرضنا لكل واحد من هذه الشواهد ، فلنجتزىء لك بالإشارة.

(١) الاسم الواقع بعد «لا سيما» إما معرفة ، كأن يقال لك : أكرم العلماء لا سيما الصالح منهم ، وإما نكرة ، كما فى قول امرىء القيس :

ألا ربّ يوم صالح لك منهما

ولا سيّما يوم بدارة جلجل

فإن كان الاسم الواقع بعد «لا سيما» نكرة جاز فيه ثلاثة أوجه : الجر ، وهو أعلاها ، والرفع وهو أقل من الجر ، والنصب ، وهو أقل الأوجه الثلاثة.

فأما الجر فتخريجه على وجهين ؛ أحدهما : أن تكون «لا» نافية للجنس و «سى» اسمها منصوب بالفتحة الظاهرة ، و «ما» زائدة ، وسى مضاف ، و «يوم» مضاف

١٦٦

..................................................................................

__________________

إليه ، وخبر لا محذوف ، والتقدير : ولا مثل يوم بدارة جلحل موجود ، والوجه الثانى أن تكون «لا» نافية للجنس أيضا ، و «سى» اسمها منصوب بالفتحة الظاهر. وهو مضاف و «ما» نكرة غير موصوفة مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر ، و «يوم» بدل من ما.

وأما الرفع فتخريجه على وجهين أيضا ، أحدهما : أن تكون «لا» نافية للجنس أيضا و «سى» اسمها ، و «ما» نكرة موصوفة مبنى على السكون فى محل جر بإضافة «سى» إليها ، و «يوم» خبر مبتدأ حذوف ، والتقدير : هو يوم ، وخبر لا محذوف ، وكأنك قلت : ولا مثل شىء عظيم هو يوم بدارة جلجل موجود ، والوجه الثانى ، أن تكون «لا» نافية للجنس أيضا ، و «سى» اسمها ، و «ما» موصول اسمى بمعنى الذى مبنى على السكون فى محل جر بإضافة «سى» إليه ، و «يوم» خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير هو يوم ، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ؛ وخبر «لا» محذوف ، وكأنك قلت : ولا مثل الذى هو يوم بدارة جلجل موجود. وهذا الوجه هو الذى أشار إليه الشارح.

وأما النصب فتخريجه على وجهين أيضا ، أحدهما : أن تكون «ما» نكرة غير موصوفة وهو مبنى على السكون فى محل جر بإضافة «سى» إليها ، و «يوما» مفعول به لفعل محذوف ، وكأنك قلت : ولا مثل شىء أعنى يوما بدارة جلجل ، وثانيهما : أن تكون «ما» أيضا نكرة غير موصوفة وهو مبنى على السكون فى محل جر بالإضافة ، و «يوما» تمييز لها

وإن كان الاسم الواقع بعدها معرفة كالمثال الذى ذكرناه فقد أجمعوا على أنه يجوز فيه الجر والرفع ، واختلفوا فى جواز النصب ؛ فمن جعله بإضمار فعل أجاز كما أجاز فى النكرة ، ومن جعل النصب على التمييز وقال إن التمييز لا يكون إلا نكرة منع النصب فى المعرفة ؛ لأنه لا يجوز عنده أن تكون تمييزا ، ومن جعل نصبه على التمييز وجوز أن يكون التمييز معرفة كما هو مذهب جماعة الكوفيين جوز نصب المعرفة بعد «سيما».

والحاصل أن نصب المعرفة بعد «لا سيما» لا يمتنع إلا بشرطين : التزام كون المنصوب تمييزا ، والتزام كون التمييز نكرة.

١٦٧

وأشار بقوله «وأبوا أن يختزل* إن صلح الباقى لوصل مكمل» إلى أن شرط حذف صدر الصلة أن لا يكون ما بعده صالحا لأن يكون صلة ، كما إذا وقع بعده جملة ، نحو «جاء الذى هو أبوه منطلق» ، أو «هو ينطلق» أو ظرف ، أو جار ومجرور ، تامّان ، نحو «جاء الّذى هو عندك» أو «هو فى الدّار» ؛ فإنه لا يجوز فى هذه المواضع حذف صدر الصّلة ؛ فلا تقول «جاء الّذى أبوه منطلق» تعنى «الذى هو أبوه منطلق» ؛ لأن الكلام يتمّ دونه ، فلا يدرى أحذف منه شىء أم لا؟ وكذا بقية الأمثلة المذكورة ، ولا فرق فى ذلك بين «أى» وغيرها ؛ فلا تقول فى «يعجبنى أيّهم هو يقوم» : «يعجبنى أيّهم يقوم» لأنه لا يعلم الحذف ، ولا يختص هذا الحكم بالضمير إذا كان مبتدأ ، بل الضابط أنه متى احتمل الكلام الحذف وعدمه لم يجز حذف العائد ، وذلك كما إذا كان فى الصلة ضمير ـ غير ذلك الضمير المحذوف ـ صالح لعوده على الموصول ، نحو «جاء الذى ضربته فى داره» ؛ فلا يجوز حذف الهاء من ضربته ؛ فلا تقول : «جاء الذى ضربت فى داره» لأنه لا يعلم المحذوف.

وبهذا يظهر لك ما فى كلام المصنف من الإيهام ؛ فإنه لم يبيّن أنه متى صلح ما بعد الضمير لأن يكون صلة لا يحذف ، سواء أكان الضمير مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا ، وسواء أكان الموصول أيّا أم غيرها ، بل ربما يشعر ظاهر كلامه بأن الحكم مخصوص بالضمير المرفوع ، وبغير أى من الموصولات ؛ لأن كلامه فى ذلك ، والأمر ليس كذلك ، بل لا يحذّف مع «أى» ولا مع غيرها متى صلح ما بعدها لأن يكون صلة كما تقدم ، نحو «جاء الذى هو أبوه منطلق ، ويعجبنى أيّهم هو أبوه منطلق» وكذلك المنصوب والمجرور ، نحو «جاءنى الذى ضربته فى داره ، ومررت بالذى مررت به فى داره» ، و «يعجبنى أيّهم ضربته فى داره ، ومررت بأبيهم مررت به فى داره».

* * *

١٦٨

وأشار بقوله : «والحذف عندهم كثير منجلى ـ إلى آخره» إلى العائد لمنصوب.

وشرط جواز حذفه أن يكون : متصلا ، منصوبا ، بفعل تام أو بوصف ، نحو «جاء الّذى ضربته ، والّذى أنا معطيكه درهم».

فيجوز حذف الهاء من «ضربته» فتقول «جاء الذى ضربت» ومنه قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) وقوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) التقدير «خلقته ، وبعثه» (١).

وكذلك يجوز حذف الهاء من «معطيكه» ؛ فتقول «الذى أنا معطيك درهم» ومنه قوله :

(٣٤) ـ

ما الله موليك فضل فاحمدنه به

فما لدى غيره نفع ولا ضرر

تقديره : الذى الله موليكه فضل ، فحذفت الهاء.

__________________

(١) لم يذكر الشارح شيئا من الشواهد من الشعر العربى على جواز حذف العائد المنصوب بالفعل المتصرف ، بل اكتفى بذكر الآيتين الكريمتين ؛ لأن مجيئه فى القرآن دليل على كثرة استعماله فى الفصيح ، ومن ذلك قول عروة بن حزام :

وما هو إلّا أن أراها فجاءة

فأبهت حتّى ما أكاد أجيب

وأصرف عن جهى الّذى كنت أرتئى

وأنسى الّذى أعددت حين أجيب

أراد أن يقول : أصرف عن وجهى الذى كنت أرتئيه ، وأنسى الذى أعددته ، فحذف العائد المنصوب بأرتئى وبأعددت ، وكل منهما فعل تام متصرف :

٣٤ ـ هذا البيت من الشواهد التى ذكروها ولم ينسبوها إلى قائل معين.

اللغة : «موليك» اسم فاعل من أولاه النعمة ، إذا أعطاه إياها «فضل» إحسان.

المعنى : الذى يمنحك الله من النعم فضل منه عليك ، ومنة جاءتك من عنده من غير

١٦٩

..................................................................................

__________________

أن تستوجب عليه سبحانه شيئا من ذلك ؛ فاحمد ربك عليه ، واعلم أنه هو الذى ينفعك ويضرك ، وأن غيره لا يملك لك شيئا من نفع أو ضر.

الإعراب : «ما» اسم موصول مبتدأ «الله» مبتدأ «موليك» مولى : خبر عن لفظ الجلالة ، وله فاعل مستتر فيه عائد على الاسم الكريم ، والكاف ضمير المخاطب مبنى على الفتح فى محل جر بالإضافة ، وهو المفعول الأول ، وله مفعول ثان محذوف وهو العائد على الموصول ، والتقدير : موليكه ، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «خير» خبر عن «ما» الموصولة «فاحمدنه» الفاء عاطفة ، احمد : فعل أمر. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والنون نون التوكيد ، والضمير البارز المتصل مفعول به «به» جار ومجرور متعلق باحمد «فما» الفاء للتعليل ، وما : نافية تعمل عمل ليس «لدى» ظرف متعلق بمحذوف خبر «ما» مقدم على اسمها ، وجاز تقديمه لأنه ظرف يتوسع فيه ، ولدى مضاف وغير من «غيره» مضاف إليه ، وغير مضاف وضمير الغائب العائد على الله مضاف إليه «نفع» اسم «ما» مؤخر «ولا» الواو عاطفة. ولا : نافية «ضرر» معطوف على نفع ، ويجوز أن تكون «ما» نافية مهملة ، و «لدى» متعلق بمحذوف خبر مقدم ، و «نفع» مبتدأ مؤخر.

الشاهد فيه : قوله : «ما الله موليك» حيث حذف الضمير العائد على الاسم الموصول لأنه منصوب بوصف ، وهذا الوصف اسم فاعل ، وأصل الكلام : ما الله موليكه ، أى : بالشىء الذى الله تعالى معطيكه هو فضل وإحسان منه عليك.

واعلم أنه يشترط فى حذف العائد المنصوب بالوصف ألا يكون هذا الوصف صلة لأل فإن كان الوصف صلة لأل كان الحذف شاذا ، كما فى قول الشاعر :

ما المستفزّ الهوى محمود عاقبة

ولو أتيح له صفو بلا كدر

كان ينبغى أن يقول : ما المستفزه الهوى محمود عاقبة ، فحذف الضمير المنصوب مع ان ناصبه صلة لأل ، ومثله قول الآخر :

فى المعقب البغى أهل البغى ما

ينهى امرأ حازما أن يسأما

أراد أن يقول : فى المعقبه البغى ، فلم يتسع له.

وإنما يمتنع حذف المنصوب بصلة أل إذا كان هذا المنصوب عائدا على أل نفسها ؛ لأنه هو الذى يدل على اسمية أل ، فإذا حذف زال الدليل على ذلك.

١٧٠

وكلام المصنف يقتضى أنه كثير ، وليس كذلك ؛ بل الكثير حذفه من الفعل المذكور ، وأما [مع] الوصف فالحذف منه قليل.

فإن كان الضمير منفصلا (١) لم يجز الحذف ، نحو «جاء الذى إيّاه ضربت» فلا يجوز حذف «إياه» وكذلك يمتنع الحذف إن كان متصلا منصوبا بغير فعل أو وصف ـ وهو الحرف ـ ـ نحو «جاء الذى إنّه منطلق» فلا يجوز حذف

__________________

(١) الذى لا يجوز حذفه هو الضمير الواجب الانفصال ، فأما الضمير الجائز الانفصال فيجوز حذفه ، وإنما يكون الضمير واجب الانفصال إذا كان مقدما على عامله كما فى المثال الذى ذكره الشارح ، أو كان مقصورا عليه كقولك : جاء الذى ما ضربت إلا إياه ، والسر فى عدم جواز حذفه حينئذ أن غرض المتكلم يفوت بسبب حذفه ، ألا ترى أنك إذا قلت «جاء الذى إياه ضربت» كان المعنى : جاء الذى ضربته ولم أضرب سواه ، فإذا قلت «جاء الذى ضربت» صار غير دال على أنك لم تضرب سواه ، وكذلك الحال فى قولك «جاء الذى ما ضربت إلا إياه» فإنه بدل على أنك قد ضربت هذا الجائى ولم تضرب غيره ، فإذا قلت : «جاء الذى ما ضربت» دل الكلام على أنك لم تضرب هذا الجائى فحسب.

فأما المنفصل جوازا فيجوز حذفه ، والدليل على ذلك قول الشاعر :

* ما الله موليك فضل فاحمدنه به*

فإن التقدير يجوز أن يكون «ما الله موليكه» ويجوز أن يكون «ما الله موليك إياه» وقد عرفت فيما سبق (فى مباحث الضمير) السر فى جواز الوجهين ، ومما يدل على جواز حذف الجائز الانفصال قول الله تعالى : (فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) فإنه يجوز أن يكون التقدير «بالذى آتاهموه ربهم» وأن يكون التقدير «بالذى آتاهم إياه ربهم» والثانى أولى ؛ فيحمل عليه تقدير الآية الكريمة ، وكذلك قول الله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) فإنه يجوز أن يكون التقدير «ومن الذى رزقناهموه» كما يجوز أن يكون التقدير «ومن الذى رزقناهم إياه».

١٧١

الهاء (١) ، وكذلك يمتنع الحذف إذا كان منصوبا [متصلا] بفعل ناقص ، نحو «جاء الذى كانه زيد».

* * *

كذاك حذف ما بوصف خفضا

كأنت قاض بعد أمر من قضى (٢)

كذا الّذى جرّ بما الموصول جر

ك «مرّ بالّذى مررت فهو بر» (٣)

__________________

(١) إنما قال الشارح «فلا يجوز حذف الهاء» إشارة إلى أن الممنوع هو حذف الضمير المنصوب بالحرف مع إبقاء الحرف ، فأما إذا حذفت الضمير والحرف الناصب له جميعا فإنه لا يمتنع ، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) هذا إذا قدرت أصل الكلام : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أنهم شركائى ، على حد قول كثير :

وقد زعمت أنّى تغيّرت بعدها

ومن ذا الّذى يا عزّ لا يتغيّر؟

فإن قدرت الأصل «الذين كنتم تزعمونهم شركائى» لم يكن من هذا النوع.

(٢) «كذاك» الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، والكاف حرف خطاب «حذف» مبتدأ مؤخر ، وحذف مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر «بوصف» جار ومجرور متعلق بقوله «خفض» الآتى «خفضا» خفض : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» والجملة لا محل لها من الإعراب صلة «كأنت» الكاف جارة لقول محذوف ، أى كقولك ، أنت : مبتدأ «قاض» خبر المبتدأ «بعد» ظرف متعلق بمحذوف نعت للقول الذى قدرناه مجرورا بالكاف ، وبعد مضاف و «أر» مضاف إليه «من قضى» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لأمر ، أى : بعد فعل أمر مشتق من مادة قضى ، يشر إلى قوله تعالى : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) كما قال الشارح.

(٣) «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «الذى» اسم موصول مبتدأ مؤخر «جر» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «الذى» والجملة لا محل لها صلة «بما» جار ومجرور متعلق

١٧٢

لما فرغ من الكلام على الضمير المرفوع والمنصوب شرع فى الكلام على المجرور ، وهو إما أن يكون مجرورا بالإضافة ، أو بالحرف.

فإن كان مجرورا بالإضافة لم يحذف ، إلا إذا كان مجرورا بإضافة اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال ، نحو «جاء الذى أنا ضاربه : الآن ، أو غدا» ؛ فتقول : جاء الذى أنا ضارب ، بحذف الهاء.

وإن كان مجرورا بغير ذلك لم يحذف ، نحو «جاء الذى أنا غلامه ، أو أنا مضروبه ، أو أنا ضاربه أمس» وأشار بقوله : «كأنت قاض» إلى قوله تعالى : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) التقدير «ما أنت قاضيه» فحذفت الهاء ، وكأنّ المصنف استغنى بالمثال عن أن يقيّد الوصف بكونه اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال.

وإن كان مجرورا بحرف فلا يحذف إلا إن دخل على الموصول حرف مثله : لفظا ومعنى ، واتفق العامل فيهما مادة ، نحو : «مررت بالذى مررت به ، أو أنت مارّ به» فيجوز حذف الهاء ؛ فتقول : «مررت بالذى مررت» قال الله تعالى : (وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) أى : منه ، وتقول : «مررت بالذى أنت مارّ» أى به ، ومنه قوله :

__________________

بالفعل الذى قبله «الموصول» مفعول مقدم لجر الآتى «جر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» والجملة لا محل لها صلة «كمر» الكاف جارة لقول محذوف ، وهى ومجرورها يتعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كقولك ، مر : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بالذى» جار ومجرور متعلق بمر السابق «مررت» فعل وفاعل. والجملة لا محل لها صلة ، والعائد محذوف تقديره «به» وقوله : «فهو بر» الفاء واقعة فى جواب شرط محذوف ، وهو : ضمير منفصل مبتدأ ، بر : خبر المبتدأ. وجملة المبتدأ وخبره فى محل جزم جواب ذلك الشرط المحذوف.

١٧٣

(٣٥) ـ

وقد كنت تخفى حبّ سمراء حقبة

فبح لان منها بالّذى أنت بائح

أى : أنت بائح به.

__________________

٣٥ ـ هذا البيت لعنترة بن شداد العبسى ، الشاعر المشهور والفارس المذكور ، من كلمة مطلعها :

طربت وهاجتك الظّباء السّوانح

غداة غدت منها سنيح وبارح

تغالت بى الأشواق حتّى كأنّما

بزندين فى جو فى من الوجد قادح

اللغة : «طربت» الطرب : خفة تعتريك من سرور أو حزن «هاجتك» أثارت همك ، وبعثت شوقك «الظباء» جمع ظبى «السوانح» جمع سانح ، وهو ما أتاك عن يمينك فولاك مياسره من ظبى أو طير أو غيرهما ، ويقال له : سنيح «بارح» هو ضد السانح ، وهو ما أتاك عن يسارك فولاك ميامنه «قادح» اسم فاعل من قدح الزند قدحا ، إذا ضربه لتخرج منه النار «حقبة» ـ بكسر فسكون ـ فى الأصل تطلق على ثمانين عاما ، وقد أراد بها المدة الطويلة «فبح» أمر من «باح بالأمر يبوح به» : أى أعلنه وأظهره «لان» أى الآن ، فحذف همزة الوصل والهمزة التى بعدم اللام ، ثم فتح اللام لمناسبة الألف ، وقيل : بل هى لغة فى الآن ، ومثله قول جرير بن عطية :

ألان وقد نزعت إلى نمير

فهذا حين صرت لهم عذابا

وقول الآخر :

ألا يا هند هند بنى عمير

أرثّ لان وصلك أم جديد؟

وقول أشجع السلمى :

ألان استرحنا واستراحت ركابنا

وأمسك من يجدى ومن كان يجتدى

وروى الأعلم بيت الشاهد :

تعزّيت عن ذكرى سميّة حقبة

فبح عنك منها بالذى أنت بائح

وأنشده الأخفش كما فى الشرح ، وهو كذلك فى المشهور من شعر عنترة.

الإعراب : «قد» حرف تحقيق «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، وتاء

١٧٤

فإن اختلف الحرفان لم يجز الحذف ، نحو : «مررت بالّذى غضبت عليه» فلا يجوز حذف «عليه» وكذلك «مررت بالذى مررت به على زيد» فلا يجوز حذف «به» منه ؛ لاختلاف معنى الحرفين ؛ لأن الباء الداخلة على الموصول للالصاق ، والداخلة على الضمير للسببية ، وإن اختلف العاملان لم يجز الحذف أيضا ، نحو : «مررت بالّذى فرحت به» فلا يجوز حذف «به».

وهذا كله هو المشار إليه بقوله : «كذا الذى جرّ بما الموصول جرّ» أى كذلك يحذف الضمير الذى جرّ بمثل ما جرّ الموصول به (١) ، نحو : «مررت

__________________

المخاطب اسمه مبنى على الفتح فى محل رفع «تخفى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة من تخفى وفاعله خبر «كان» فى محل نصب «حب» مفعول به لتخفى ، وحب مضاف و «سمراء» مضاف إليه «حقبة» ظرف زمان متعلق بتخفى «فبح» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لان» ظرف زمان متعلق ببح «بالذى» جار ومجرور متعلق ببح أيضا «أنت بائح» مبتدأ وخبر ، والجملة منهما لا محل لها صلة الموصول المجرور محلا بالباء ، والعائد محذوف ، وتقدير الكلام : فبح الآن بالذى أنت بائح به.

الشاهد فيه : قوله «بالذى أنت بائح» حيث استساغ الشاعر حذف العائد المجرور على الموصول من جملة الصلة ؛ لكونه مجرورا بمثل الحرف الذى جر الموصول ـ وهو الباء ـ والعامل فى الموصول متحد مع العامل فى العائد مادة : الأول «بح» والثانى «بائح» ومعنى : لأنهما جميعا من البوح بمعنى الإظهار والإعلان.

(١) ومثله أن يكون الموصول وصفا لاسم ، وقد جر هذا الموصوف بحرف مثل الذى مع العائد ، ومنه قول كعب بن زهير :

إن تعن نفسك بالأمر الّذى عنيت

نفوس قوم سموا تظفر بما ظفروا

لا تركننّ إلى الأمر الّذى ركنت

أبناء يعصر حين اضطرّها القدر

١٧٥

بالّذى مررت فهو بر» أى : «بالذى مررت به» فاستغنى بالمثال عن ذكر بقية الشروط التى سبق ذكرها.

* * *

__________________

ففى كل بيت من هذين البيتين شاهد لما ذكرناه.

أما البيت الأول فإن الشاهد فيه قوله «بالأمر الذى عنيت» فإن التقدير فيه : بالأمر الذى عنيت به ، فحذف المجرور ثم الجار ؛ لكون الموصوف بالموصول مجرورا بمثل الذى جر ذلك العائد.

وأما البيت الثانى فالشاهد فيه قوله «إلى الأمر الذى ركنت» فإن تقدير الكلام : إلى الأمر الذى ركنت إليه ، فحذف المجرور ، ثم حذف الجار ؛ لكون الموصوف ـ وهو الأمر ـ مجرورا بحرف مماثل للحرف الذى جر به ذلك العائد.

* * *

١٧٦

المعرّف بأداة التّعريف

أل حرف تعريف ، أو اللّام فقط ،

فنمط عرّفت قل فيه : «النّمط» (١)

اختلف النحويون فى حرف التعريف فى «الرجل» ونحوه ؛ فقال الخليل المعرّف هو «أل» ، وقال سيبويه : هو اللام وحدها ؛ فالهمزة عند الخليل همزة قطع ، وعند سيبويه همزة وصل اجتلبت للنطق بالساكن (٢).

__________________

(١) «أل» مبتدأ «حرف» خبر المبتدأ ، وحرف مضاف و «تعريف» مضاف إليه «أو» عاطفة «اللام» مبتدأ ، وخبره محذوف يدل عليه ما قبله ، والتقدير : أو اللام حرف تعريف «فقط» الفاء حرف زائد لتزيين اللفظ ، وقط : اسم بمعنى حسب ـ أى كاف ـ حال من «اللام» وتقدير الكلام : أو اللام حال كونه كافيك ، أو الفاء داخلة فى جواب شرط محذوف و «قط» على هذا إما اسم فعل أمر بمعنى انته! وتقدير الكلام «إذا عرفت ذلك فانته» وإما اسم بمعنى كاف خبر لمبتدأ محذوف ، أى إذا عرفت ذلك فهو كافيك ، وقوله «نمط» مبتدأ «عرفت» فعل وفاعل ، والجملة فى محل رفع نعت لنمط «قل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «فيه» جار ومجرور متعلق بقل «النمط» مفعول به لقل ؛ لأنه مقصود لفظه ، وقيل : إن «عرفت» فعل شرط حذفت أداته ، وجملة «قل» جواب الشرط حذفت منه الفاء ، والتقدير : نمط إن عرفته فقل فيه النمط ، أى إن أردت تعريفه ، وجملة الشرط وجوابه ـ على هذا ـ خبر المبتدأ ، وهو تكلف لا داعى له.

(٢) ذهب الخليل إلى أن أداة التعريف هى «أل» برمتها ، وأن الهمزة همزة أصلية ، وأنها همزة قطع ؛ بدليل أنها مفتوحة ؛ إذ لو كانت همزة وصل لكسرت ؛ لأن الأصل فى همزة الوصل الكسر ، ولا تفتح أو تضم إلا لعارض ، وليس هنا عارض يقتضى ضمها أو فتحها ؛ وبقى عليه أن يجيب عما دعا إلى جعلها فى الاستعمال همزة وصل ،

١٧٧

والألف واللام المعرّفة تكون للعهد ، كقولك : «لقيت رجلا فأكرمت الرّجل» وقوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ، فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) ولاستغراق الجنس ، نحو : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) وعلامتها أن يصلح موضعها «كلّ» ولتعريف الحقيقة ، نحو : «الرّجل خير من المرأة» أى : هذه الحقيقة خير من هذه الحقيقة.

و «النمط» ضرب من البسط ، والجمع أنماط ـ مثل سبب وأسباب ـ والنّمط ـ أيضا ـ الجماعة من الناس الذين أمرهم واحد ، كذا فاله الجوهرى.

* * *

وقد تزاد لازما : كالّلات ،

والآن ، والّذين ، ثمّ الّلات (١)

ولاضطرار : كبنات الأوبر

كذا ، «وطبت النّفس يا قيس» السّرى (٢)

__________________

والجواب عنده أنها إنما صارت همزة وصل فى الاستعمال ؛ لقصد التخفيف الذى اقتضاه كثرة استعمال هذا اللفظ. وذهب سيبويه رحمه الله إلى أن أداة التعريف هى اللام وحدها ، وأن الهمزة زائدة ، وأنها همزة وصل أتى بها توصلا إلى النطق بالساكن ، فإن قيل : فلماذا أتى بالهمزة ليتوصل بها إلى النطق بالساكن ولم تتحرك اللام؟ أجيب عن ذلك بأنها لو حركت لكانت إما أن تحرك بالكسر فتلتبس بلام الجر ، أو بالفتح فتلتبس بلام الابتداء ، أو بالضم فتكون مما لا نظير له فى العربية ؛ فلأجل ذلك عدل عن تحريك اللام ، وأبقيت على أصل وضعها. وجىء بهمزة الوصل قبلها.

(١) «قد» حرف تقليل «تزاد» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى «أل» «لازما» حال من مصدر الفعل السابق ، وتقديره : تزاد حال كون الزيد لازما ، وقيل : هو مفعول مطلق ؛ وهو وصف لمصدر محذوف : أى زيدا لازما ، وأنكر هذا ابن هشام على المعربين «كاللات» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كاللات «والآن ، والذين ، ثم اللات» معطوفات على اللات.

(٢) «لاضطرار» جار ومجرور متعلق بتزاد «كبنات» الكاف جارة لقول

١٧٨

ذكر المصنف فى هذين البيتين أن الألف واللام تأتى زائدة ، وهى ـ فى زيادتها ـ على قسمين : لازمة ، وغير لازمة.

ثم مثّل الزائدة اللازمة بـ «اللات» (١) وهو اسم صنم كان بمكة ، وب «الآن» وهو ظرف زمان مبنى على الفتح (٢) ، واختلف فى الألف واللام الداخلة عليه ؛

__________________

محذوف ، وهى ومجرورها يتعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كقولك إلخ ، وبنات مضاف و «الأوبر» مضاف إليه «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ من مادة القول محذوف أيضا «طبت» فعل وفاعل «النفس» تمييز «يا» حرف نداء «قيس» منادى مبنى على الضم فى محل نصب «السرى» نعت له ، وتقدير الكلام : وقولك : «طبت النفس يا قيس» كذلك.

(١) مثل اللات كل علم قارنت «أل» وضعه لمعناه العلمى ، سواء أكان مرتجلا أم كان منقولا ؛ فمثال المرتجل من الأعلام التى فيها «أل» وقد قارنت وضعه : السموأل ، وهو اسم شاعر جاهلى مشهور يضرب به المثل فى الوفاء ، ومثال المنقول من الأعلام التى فيها «أل» وقد قارنت وضعه للعلمية أيضا : العزى ، وهو فى الأصل مؤنث الأعز وصف من العزة ، ثم سمى به صنم أو شجرة كانت غطفان تعبدها ، ومنه اللات ؛ وهو فى الأصل اسم فاعل من لت السويق يلته ؛ ثم سمى به صنم ؛ وأصله بتشديد التاء ؛ فلما سمى به خففت تاؤه ؛ لأن الأعلام كثيرا ما يغير فيها ، ومنه «اليسع» فإن أصله فعل مضارع ماضيه وسع ثم سمى به.

(٢) أكثر النحاة على أن «الآن» مبنى على الفتح ؛ ثم اختلفوا فى سبب بنائه؟ فذهب قوم إلى أن علة بنائه تضمنه معنى «أل» الحضورية ؛ وهذا الرأى هو الذى نقله الشارح عن المصنف وجماعة ؛ وهؤلاء يقولون : إن «أل» الموجودة فيه زائدة ؛ وبناؤه لتضمنه معنى «أل» أخرى غير موجودة ؛ ونظير ذلك بناء «الأمس» فى قول نصيب بن رباح :

وإنّى وقفت اليوم والأمس قبله

ببابك حتّى كادت الشّمس تغرب

فإنهم جعلوا بناءه فى هذا وما أشبهه لتضمنه معنى «أل» غير الموجودة فيه ، وهذا

١٧٩

فذهب قوم إلى أنها لتعريف الحضور كما فى قولك : «مررت بهذا الرّجل» ؛ لأن قولك : «الآن «بمعنى هذا الوقت ، وعلى هذا لا تكون زائدة ، وذهب قوم ـ منهم المصنف ـ إلى أنها زائدة ، وهو مبنىّ لتضمنه معنى الحرف ، وهو لام الحضور.

ومثّل ـ أيضا ـ بـ «الذين» ، و «اللّات» والمراد بهما ما دخل عليه «أل» من الموصولات ، وهو مبنى على أنّ تعريف الموصول بالصّلة ؛ فتكون الألف واللام زائدة ، وهو مذهب قوم ، واختاره المصنف ، وذهب قوم إلى أن تعريف الموصول بـ «أل» إن كانت فيه نحو : «الذى» فإن لم تكن فيه فبنيّتها نحو : «من ، وما» إلا «أيّا» فإنها تتعرف بالإضافة ؛ فعلى هذا المذهب لا تكون الألف واللام زائدة ، وأما حذفها فى قراءة من قرأ : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) فلا يدلّ على أنها زائدة ؛ إذ يحتمل أن تكون حذفت شذوذا وإن كانت معرّفة ، كما حذفت من قولهم : «سلام عليكم» من غير تنوين ـ يريدون «السّلام عليكم».

وأما الزائدة غير اللازمة فهى الداخلة ـ اضطرارا ـ على العلم ، كقولهم فى «بنات أوبر» علم لضرب من الكمأة «بنات الأوبر» ومنه قوله :

__________________

عجيب منهم ؛ لأنهم ألغوا الموجود ، واعتبروا المعدوم ، وقال قوم : بنى «الآن» لضمنه معنى الإشارة ؛ فإنه بمعنى هذا الوقت ، وهذا قول الزجاج ، وقيل : بنى «الآن» لشبهه بالحرف شبها جموديا ، ألا ترى أنه لا يثنى ولا يجمع ولا يصغر؟ بخلاف غيره من أسماء الزمان كحين ووقت وزمن وساعة ؛ ومن الناس من يقول : الآن اسم إشارة إلى الزمان ، كما أن هنا اسم إشارة إلى المكان ؛ فبناؤه على هذا لتضمنه معنى كان حقه أن يؤدى بالحرف ، ومن النحاة من ذهب إلى أنه معرب ، وأنه ملازم للنصب على الظرفية وقد يخرج عنها إلى الجر بمن ، فيقال : سأحالفك من الآن ، بالجر ، ويقول صاحب النكت : «وهذا قول لا يمكن القدح فيه ، وهو الراجح عندى ، والقول ببنائه لا توجد له علة صحيحة» اه.

١٨٠