شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه فإما أن يكون الكلام موجبا أو غير موجب فإن كان موجبا وجب نصب المستثنى ، نحو «قام إلا زيدا القوم» وإن كان غير موجب فالمختار نصبه ؛ فتقول : «ما قام إلا زيدا القوم» ، ومنه قوله :

(١٦٧) ـ

فمالى إلّا آل أحمد شيعة

ومالى إلا مذهب الحقّ مذهب

وقد روى رفعه ؛ فتقول «ما قام إلا زيد القوم» قال سيبويه : «حدثنى

__________________

«غير نصب» فى محل رفع خبر المبتدأ «ولكن» حرف استدراك «نصبه» نصب : مفعول مقدم لاحتر ، ونصب مضاف والهاء مضاف إليه «اختر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إن» شرطية «ورد» فعل ماض فى محل جزم فعل الشرط ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام ، وتقديره : إن ورد فاختر نصبه.

١٦٧ ـ البيت للكميت بن زيد الأسدى. من قصيدة هاشمية ، يمدح فيها آل النبى صلّى الله عليه وسلّم ، وأولها قوله :

طربت ، وما شوقا إلى البيض أطرب

ولا لعبا منّى ، وذو الشّيب يلعب؟

اللغة : «طربت» الطرب : استخفاف القلب من حزن أو فرح أو لهو «البيض» جمع بيضاء ، وهى المرأة النقية «وذو الشيب يلعب» جعله بعض النحاة ـ ومنهم ابن هشام فى المغنى ـ على تقدير همزة الاستفهام ، وكأنه قد قال : أو ذو الشيب يلعب؟ ودليل صحته أنه يروى فى مكانه «أذو الشيب يلعب» «شيعة» أشياع وأنصار «مذهب الحق» يروى فى مكانه «مشعب الحق» والمراد : أنه لا قصد له إلا طريق الحق.

الإعراب : «وما» نافية «لى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «إلا» أداة استثناء «آل» مستثنى ، وآل مضاف ، و «أحمد» مضاف إليه «شيعة» مبتدأ مؤخر ، وهو المستثنى منه ، «ومالى إلا مذهب الحق مذهب» مثل الشطر الأول فى الإعراب تماما.

الشاهد فيه : قوله «إلا آل أحمد» وقوله «إلا مذهب الحق» حيث نصب المستثنى بإلا فى الموضعين ؛ لأنه متقدم على المستثنى منه ، والكلام منفى ، وهذا هو المختار.

٦٠١

يونس أن قوما يوثق بعربيتهم يقولون : مالى إلا أخوك ناصر» وأعربوا الثانى بدلا من الأول [على القلب] [لهذا السبب] ومنه قوله :

(١٦٨) ـ

فإنّهم يرجون منه شفاعة

إذا لم يكن إلّا النّبيّون شافع

فمعنى البيت : إنه قد ورد فى المستثنى السابق غير النصب ـ وهو الرّفع ـ

__________________

١٦٨ ـ البيت لحسان بن ثابت شاعر النبى صلّى الله عليه وسلّم ، من قصيدة يقولها فى يوم بدر ، وأولها قوله :

ألا يا لقومى هل لما حمّ دافع؟

وهل ما مضى من صالح العيش راجع؟

اللغة : «حم» تقول : حم الأمر ـ بالبناء للمجهول ـ ومعناه قدر ، وتقول : قد حمه الله ، وأحمه ، تريد قدره وهيأ أسبابه «يرجون» يترقبون ويأملون ، والمراد بالشفاعة شفاعته صلّى الله عليه وسلّم ، وهى المقام المحمود الذى ذكره الله تعالى فى قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً).

الإعراب : «فإنهم» إن : حرف توكيد ونصب ، هم : اسمه «يرجون» فعل وفاعل ، والجملة فى محل رفع خير إن «منك» جار ومجرور متعلق بيرجون «شفاعة» مفعول به ليرجون «إذا» ظرفية «لم» نافية جازمة «يكن» فعل مضارع تام مجزوم بلم «إلا» أداة استثناء «النبيون» مستثنى ، وستعرف ما فيه «شافع» فاعل يكن ، وهو المستثنى منه.

الشاهد فيه : قوله «إلا النبيون» حيث رفع المستثنى مع تقدمه على المستثنى منه ، والكلام منفى ، والرفع فى مثل ذلك غير المختار ، وإنما المختار نصبه ، هذا هو الظاهر.

وقد خرجه بعض النحاة على غير ظاهره ؛ ليطابق المختار عندهم ؛ فذهبوا إلى أن قوله «النبيون» معمول لما قبل إلا ، أى أنه فاعل يكن ، فيكون الكلام استثناء مفرغا : أى لم يذكر فيه المستثنى منه ، وقوله «شافع» بدل كل مما قبله ، ويكون الأمر على عكس الأصل ؛ فالذى كان بدلا صار مبدلا منه ، والذى كان مبدلا منه قد صار بدلا ، وتغير نوع البدل فصار بدل كل بعد أن كان بدل بعض.

٦٠٢

وذلك إذا كان الكلام غير موجب ، نحو «ما قام إلا زيد القوم» ولكن المختار نصبه.

وعلم من تخصيصه ورود غير النصب بالنفى أن الموجب يتعين فيه النصب ، نحو «قام إلا زيدا القوم».

* * *

وإن يفرّغ سابق «إلّا» لما

بعد يكن كما لو «الّا» عدما (١)

إذا تفرّغ سابق «إلا» لما بعدها ـ أى : لم يشتغل بما يطلبه ـ كان الاسم الواقع بعد «إلا» معربا بإعراب ما يقتضيه ما قبل «إلا» قبل دخولها ، وذلك نحو «ما قام إلا زيد ، وما ضربت إلا زيدا ، وما مررت إلا بزيد» فـ «زيد» : فاعل مرفوع بقام ، و «زيدا» : منصوب بضربت ، و «بزيد» : متعلق بمررت ، كما لو لم تذكر «إلا».

__________________

(١) «وإن» شرطية «يفرغ» فعل مضارع مبنى للمجهول فعل الشرط «سابق» نائب فاعل ليفرغ ، وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل ، وفاعله ضمير مستتر فيه «إلا» قصد لفظه : جعله الشيخ خالد مضافا إليه ، وليس هذا الإعراب بشىء ، بل هو مفعول به لسابق ؛ لأنه اسم فاعل منون وترك تنوينه يخل بوزن البيت «لما» جار ومجرور متعلق بيفرغ «بعد» ظرف مبنى على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظا فى محل نصب ، وهو متعلق بمحذوف صلة «ما» المحرورة محلا باللام «يكن» فعل مضارع ناقص مجزوم لأنه جواب الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا «كما» الكاف جارة ، ما زائدة «لو» مصدرية «الا» قصد لفظه : نائب فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده «عدما» فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على إلا ، و «لو» ومدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر «يكن» ، وتقدير الكلام : يكن هو كائنا كعدم إلا فى الكلام.

٦٠٣

وهذا هو الاستثناء المفرّغ (١) ولا يقع فى كلام موجب (٢) فلا تقول «ضربت إلا زيدا».

وألغ «إلّا» ذات توكيد : كلا

: تمرر بهم إلّا الفتى إلّا العلا (٣)

إذا كررت «إلّا» لقصد التوكيد تؤثّر فيما دخلت عليه شيئا ، ولم نفد

__________________

(١) يجوز تفريغ العامل المتقدم على إلا بالنظر إلى جميع المعمولات كالفاعل ونائبه والمفعول به ، ويستثنى من ذلك : المفعول معه ، والمصدر المؤكد لعامله ، والحال المؤكدة ؛ فلا يجوز أن تقول : ما سرت إلا والنيل ، ولا أن تقول : ما ضربت إلا ضربا ، ولا أن تقول : لا تعث إلا مفسدا ، وذلك لأن الكلام مع هذه المثل ونحوها يتناقض صدره مع عجزه.

(٢) أطلق الشارح القول بعدم وقوع الاستثناء المفرغ فى الكلام الموجب ، ولم يفرق بين أن يكون ما بعد إلا فضلة وأن يكون عمدة ، وللنحاة فى هذا الموضوع مذهبان :

أحدهما : أنه لا يقع بعد الإيجاب مطلقا كما يقتضيه إطلاق الشارح ، وهو مذهب الجمهور ، واختاره الناظم ، والسر فى ذلك أنك لو كنت تقول «ضربت إلا زيدا» لكان المعنى أنك ضربت جميع الناس إلا زيدا ، وهذا مستحيل ، وقيام قرينة تدل على أنك تريد بالناس جماعة مخصوصة ، أو أنك قصدت إلى المبالغة ـ بجعل الفعل الواقع على بعض الناس واقعا على كلهم ، تنزيلا لهذا البعض منزلة الكل ، لعدم الاعتداد بما عدا هذا البعض ـ أمر نادر ، فلا يجعل له حكم.

والمذهب الثانى لابن الحاجب ، وخلاصته أنه يجوز وقوع الاستثناء بعد الإيجاب بشرطين ، الأول : أن يكون ما بعد إلا فضلة ، والثانى : أن تحصل فائدة ، وذلك كقولك : قرأت إلا يوم الجمعة ، فإن كان عمدة أو لم تحصل فائدة لم يجز.

(٣) «وألغ» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إلا» قصد لفظه : مفعول به لألغ «ذات» حال من «إلا» ، وذات مضاف ، و «توكيد» مضاف إليه «كلا» الكاف جارة لقول محذوف ، لا : ناهية «تمرر» فعل مضارع مجزوم بلا ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بهم» جار ومجرور متعلق بتمرر «إلا» حرف استثناء «الفتى» مستثنى ، والمستثنى منه الضمير المجرور محلا بالباء «إلا» توكيد لإ لا السابقة «العلا» بدل من «الفتى» ، بدل كل من كل.

٦٠٤

غير توكيد الأولى ، وهذا معنى إلغائها ، وذلك فى البدل والعطف ، نحو «ما مررت بأحد إلا زيد إلا أخيك» فـ «أخيك» بدل من «زيد» ولم تؤثر فيه «إلا» شيئا ، أى لم تفد فيه استثناء مستقلا ، وكأنك قلت : ما مررت بأحد إلا زيد أخيك ، ومثله «لا تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا» [والأصل : لا تمرر بهم إلا الفتى العلا] فـ «العلا» بدل من الفتى ، وكررت «إلّا» توكيدا ، ومثال العطف «قام القوم إلا زيدا وإلا عمرا» والأصل : إلا زيدا وعمرا ، ثم كررت «إلا» توكيدا ، ومنه قوله :

(١٦٩) ـ

هل الدّهر إلّا ليلة ونهارها

وإلّا طلوع الشمس ثمّ غيارها

والأصل : وطلوع الشمس ، وكررت «إلا» توكيدا.

__________________

١٦٩ ـ البيت لأبى ذؤيب الهذلى ، واسمه خويلد بن خالد ، والبيت مطلع قصيدة له ، وبعده قوله :

أبى القلب إلّا أمّ عمرو ، وأصبحت

تحرّق نارى بالشّكاة ونارها

وعيّرها الواشون أنى أحبّها

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

اللغة : «غيارها» بزنة قيام ـ هو مصدر بمعنى الغياب «تحرق» بالبناء للمجهول ـ توقد ، وتذكى ، وتشعل «بالشكاة» بفتح الشين ـ أراد ما يكون من كلام الواشين من النمائم «عيرها الواشون» نسبوها إلى العار ، وهو كل ما يوجب الذم.

الإعراب : «هل» حرف استفهام بمعنى النفى «الدهر» مبتدأ «إلا» أداة استثناء ملغاة «ليلة» خبر المبتدأ «ونهارها» الواو عاطفة ، نهار : معطوف على ليلة ، ونهار مضاف والضمير مضاف إليه «وإلا» الواو عاطفة ، وإلا زائدة للتوكيد «طلوع» معطوف على ما قبله ، وطلوع مضاف و «الشمس» مضاف إليه «ثم» عاطفة «غيارها» غيار : معطوف على طلوع ، وغيار مضاف وها مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «وإلا طلوع الشمس» حيث تكررت «إلا» ولم تفد غير مجرد التوكيد ، فألغيت ، وعطف ما بعدها على ما قبلها ، ونظير زيادة «إلا» فى هذا

٦٠٥

وقد اجتمع تكرارها فى البدل والعطف فى قوله :

(١٧٠) ـ

مالك من شيخك إلا عمله

إلّا رسيمه وإلّا رمله

__________________

الموضع زيادة «لا» فى نحو قولك : مررت برجل لا كريم ولا شجاع ؛ فالواو عاطفة لما بعد «لا» الثانية على ما بعد «لا» الأولى ، وليست «لا» الثانية إلا زائدة لمجرد تأكيد أن ما بعدها معطوف على مدخول الأولى.

١٧٠ ـ البيت لراجز لم يسمه أحد ممن اطلعنا على أقوالهم ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ٣٧٤).

اللغة : «شيخك» هكذا يقرأه الناس قديما وحديثا بالياء المثناة بعدها خاء معجمة ، ويشتهر على ألسنة الجميع أنه الجمل ، ولكنا لم نقف على هذا المعنى لهذا اللفظ فى كتب اللغة الموثوق بها ، والمنصوص عليه أن الشيخ هو الرجل المسن ، وعلى هذا يفسر الرسيم كما قال الأعلم بالسعى بين الصفا والمروة ، ويفسر الرمل بالسعى فى الطواف ، وكأنه قال : لا منفعة فى ولا عمل عندى أفوق فيه غيرى إلا هذان ، وزعم بعض الناس أن الصواب فى رواية هذه الكلمة «شنجك» بالنون والجيم الموحدتين ، وهو الجمل ، وأصل نونه متحركة فسكنها لإقامة الوزن ، وكأن الذى دعاه إلى ادعاء التصحيف ثم إلى هذا التفسير ذكر الرسيم والرمل. ولكن الذى عليه الرواة الأثبات من المتقدمين أولى بالاتباع ؛ إذ كانت اللغة لا تثبت إلا بالنقل ، و «رسيمه ورمله» على هذه الرواية الأخيرة ضربان من السير.

المعنى : المراد على الوجه الأخير : لا منفعة لك من جملك إلا فى نوعين من سيره ، وهما الرسيم والرمل وقد بينا لك المعنى على الرواية الأصيلة التى اخترناها وصوبناها.

الإعراب : «ما» نافية «لك» جار ومجرور ، ومثله «من شيخك» ويتعلقان بمحذوف خبر مقدم ، وشيخ مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه «إلا» أداة استثناء «عمله» عمل : مبتدأ مؤخر ، وعمل مضاف والضمير مضاف إليه «إلا» زائدة للتوكيد «رسيمه» رسيم : بدل من عمل ، بدل بعض من كل ، ورسيم مضاف والضمير مضاف إليه «وإلا» الواو عاطفة ، إلا : زائدة للتوكيد «رمله» رمل : معطوف على رسيمه ، ورمل مضاف وضمير الغائب العائد إلى شيخك مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «إلا رسيمه وإلا رمله» حيث تكررت «إلا» فى البدل والعطف ، ولم تفد غير مجرد التوكيد ، وقد ألغيت.

٦٠٦

والأصل : إلا عمله رسيمه ورمله ، فـ «رسيمه» : بدل من عمله ، «ورمله» معطوف على «رسيمه» ، وكررت «إلا» فيهما توكيدا.

* * *

وإن تكرّر لا لتوكيد فمع

تفريغ التّأثير بالعامل دع (١)

فى واحد ممّا بإلّا استثنى

وليس عن نصب سواه مغنى (٢)

إذا كرّرت «إلا» لغير التوكيد ـ وهى : التى يقصد بها ما يقصد بما قبلها من الاستثناء ، ولو أسقطت لما فهم ذلك ـ فلا يخلو : إما أن يكون الاستثناء مفرّغا ، أو غير مفرّغ.

__________________

(١) «وإن» شرطية «تكرر» فعل مضارع مبنى للمجهول ، فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على إلا «لا» عاطفة «لتوكيد» معطوف على جار ومجرور محذوف ، والتقدير : وإن تكرر إلا لتأسيس لا لتوكيد «فمع» الفاء لربط الجواب بالشرط ، مع : ظرف متعلق بدع الآتى ، ومع مضاف ، و «تفريغ» مضاف إليه «التأثير» مفعول به لدع مقدم عليه «بالعامل» جار ومجرور متعلق بالتأثير «دع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

(٢) «فى واحد» جار ومجرور متعلق بدع فى البيت السابق «مما» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لواحد «بإلا» جار ومجرور متعلق باستثنى الآتى «استثنى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما الموصولة المجرورة محلا بمن ، والجملة من استثنى ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول «وليس» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى واحد «عن نصب» جار ومجرور متعلق بمغنى الآتى ، ونصب مضاف وسوى من «سواه» مضاف إليه ، وسوى مضاف وضمير الغائب مضاف إليه. «مغنى» خبر ليس ، ووقف عليه كلغة ربيعة ، ويجوز أن يكون مغنى اسم ليس ، وخبرها محذوف ، أى وليس مغن عن نصب سواه موجودا.

٦٠٧

فإن كان مفرّغا شغلت العامل بواحد ونصبت الباقى ؛ فتقول : «ما قام إلّا زيد إلّا عمرا إلّا بكرا» ولا يتعين واحد منها لشغل العامل ، بل أيها شئت شغلت العامل به ، ونصبت الباقى ، وهذا معنى قوله : «فمع تفريغ ـ إلى آخره» أى : مع الاستثناء المفرغ اجعل تأثير العامل فى واحد مما استثنيته بإلا ، وانصب الباقى.

وإن كان الاستثناء غير مفرغ ـ وهذا هو المراد بقوله ـ :

ودون نفريغ : مع التّقدّم

نصب الجميع احكم به والتزم (١)

وانصب لتأخير ، وجىء بواحد

منها كما لو كان دون زائد (٢)

كلم يفوا إلّا امرؤ إلّا على

وحكمها فى القصد حكم الأول (٣)

__________________

(١) «ودون» ظرف متعلق باحكم ، ودون مضاف و «تفريغ» مضاف إليه «مع التقدم» مثله «نصب» مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده ، ونصب مضاف و «الجميع» مضاف إليه «احكم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «به» جار ومجرور متعلق باحكم «والتزم» الواو عاطفة ، التزم : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ومفعوله محذوف : أى التزم ذلك الحكم.

(٢) «وانصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لتأخير» جار ومجرور متعلق بانصب «وجىء» الواو عاطفة ، جىء : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بواحد» جار ومجرور متعلق بجىء «منها» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لواحد «كما» الكاف جارة ، وما : زائده «لو» مصدرية «كان» فعل ماض تام. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى واحد «دون» ظرف متعلق بمحذوف حال من فاعل «كان» و «لو» ومدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل جر صفة ثانية لواحد ، أو فى محل نصب حال منه ؛ لأنه تخصص بالوصف.

(٣) «كلم» الكاف جارة لقول محذوف ، لم : نافية جازمة «يفوا» فعل مضارع مجزوم بلم ، وواو الجماعة فاعله «إلا» أداة استثناء «امرؤ» بدل من واو الجماعة

٦٠٨

فلا يخلو : إما أن تتقدم المستثنيات على المستثنى منه ، أو تتأخّر.

فإن تقدمت المستثنيات وجب نصب الجميع ، سواء كان الكلام موجبا أو غير موجب ، نحو «قام إلّا زيدا إلا عمرا إلا بكرا القوم ، وما قام إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا القوم» وهذا معنى قوله : «ودون تفريغ ـ البيت».

وإن تأخرت فلا يخلو : إما أن يكون الكلام موجبا ، أو غير موجب ، فإن كان موجبا وجب نصب الجميع ؛ فتقول : «قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا» وإن كان غير موجب عومل واحد منها بما كان يعامل به لو لم يتكرر الاستثناء : فيبدل مما قبله ـ وهو المختار ـ أو ينصب ـ وهو قليل ـ كما تقدم ، وأما باقيها فيجب نصبه ؛ وذلك نحو «ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا» فـ «زيد» بدل من أحد ، وإن شئت أبدلت غيره من الباقين ، ومثله قول المصنف «لم يفوا إلا امرؤ إلا علىّ» فـ «امرؤ» بدل من الواو فى «يفوا» وهذا معنى قوله «وانصب لتأخير ـ إلى آخره» أى : وانصب المستثنيات كلّها إذا تأخرت عن المستثنى منه إن كان الكلام موجبا ، وإن كان غير موجب فجىء بواحد منها معربا بما كان يعرب به لو لم يتكرر المستثنى ، وانصب الباقى.

ومعنى قوله «وحكمها فى القصد حكم الأوّل» أن ما يتكرر من المستثنيات حكمه فى المعنى حكم المستثنى الأول ؛ فيثبت له ما يثبت للأول : من الدخول والخروج ؛ ففى قولك «قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا» الجميع

__________________

بدل بعض من كل «إلا» حرف دال على الاستثناء «على» مستثنى منصوب ، ووقف عليه بالسكون كلغة ربيعة «وحكمها» الواو عاطفة أو للاستئناف ، حكم : مبتدأ ، وحكم مضاف والضمير مضاف إليه «فى القصد» جار ومجرور متعلق بحكم «حكم» خبر المبتدأ ، وحكم مضاف ، و «الأول» مضاف إليه.

٦٠٩

مخرجون ، وفى قولك «ما قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا» الجميع داخلون ، وكذا فى قولك : «ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا» [الجميع داخلون].

* * *

واستثن مجرورا بغير معربا

بما لمستثنى بإلّا نسبا (١)

استعمل بمعنى «إلا» ـ فى الدلالة على الاستثناء ـ ألفاظ : منها ما هو اسم ، وهو «غير ، وسوى ، وسوى ، وسواء» ومنها ما هو فعل ، وهو «ليس ، ولا يكون» ومنها ما يكون فعلا وحرفا ، وهو «عدا ، وخلا ، وحاشا» وقد ذكرها المصنف كلها.

فأما «غير ، وسوى ، وسوى ، وسواء» فحكم المستثنى بها الجرّ ؛ لإضافتها إليه وتعرب «غير» بما كان يعرب به المستثنى مع «إلا» ؛ فتقول : «قام القوم غير زيد» بنصب «غير» كما تقول «قام القوم إلا زيدا» بنصب «زيد» ، وتقول «ما قام أحد غير زيد ، وغير زيد» بالإتباع والنصب ، والمختار الإتباع ، كما تقول «ما قام أحد إلا زيد ، وإلا زيدا» وتقول : «ما قام غير زيد» فترفع «غير» وجوبا كما تقول : «ما قام إلا زيد» برفعه

__________________

(١) «استثن» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مجرورا» مفعول به لاستثن «بغير» جار ومجرور متعلق باستثن «معربا» حال من غير «بما» جار ومجرور متعلق بمعرب «لمستثنى» جار ومجرور متعلق بنسب الآتى «بإلا» جار ومجرور متعلق بمستثنى «نسبا» نسب : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة «ما» المجرورة محلا بالباء ، وتقدير البيت : استثن بلفظ غير اسما مجرورا بإضافة غير إليه حال كون لفظ غير معربا بالإعراب الذى نسب للمستثنى بإلا.

٦١٠

وجوبا ، وتقول : «ما قام أحد غير حمار» بنصب «غير» عند غير بنى تميم ، وبالإتباع عند بنى تميم ، كما تفعل فى قولك «ما قام أحد إلّا حمار ، وإلا حمارا».

وأما «سوى» فالمشهور فيها كسر السين والقصر ، ومن العرب من يفتح سينها ويمدّ ، ومنهم من يضم سينها ويقصر ، ومنهم من يكسر سينها ويمدّ ، وهذه اللغة لم يذكرها المصنف ، وقلّ من ذكرها ، وممن ذكرها الفاسى فى شرحه للشاطبية.

ومذهب سيبويه والفرّاء وغيرهما أنها لا تكون إلا ظرفا ، فإذا قلت «قام القوم سوى زيد» فـ «سوى» عندهم منصوبة على الظرفية ، وهى مشعرة بالاستثناء ، ولا تخرج عندهم عن الظرفية إلا فى ضرورة الشعر.

واختار المصنف أنها كـ «غير» فتعامل بما تعامل به «غير» : من الرمع ، والنصب ، والجر ، وإلى هذا أشار بقوله :

ولسوى سوى سواء اجعلا

على الأصحّ ما لغير جعلا (١)

فمن استعمالها مجرورة قوله صلّى الله عليه وسلّم : «دعوت ربّى ألا يسلّط على أمّتى عدوّا من سوى أنفسها» وقوله صلّى الله عليه وسلّم : «ما أنتم فى سواكم من الأمم إلا كالشّعرة البيضاء فى الثّور الأسود ، أو كالشعرة السّوداء فى الثّور الأبيض» وقول الشاعر :

__________________

(١) «لسوى» جار ومجرور متعلق باجعل على أنه مفعول ثان له «سوى ، سواء» معطوفان على سوى بعاطف مقدر فى كل منهما «اجعلا» اجعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والألف منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة «على الأصح» جار ومجرور متعلق بجعل «ما» اسم موصول : مفعول أول لا جعل «لغير» جار ومجرور متعلق بجعل الآتى على أنه المفعول الثانى «جعلا» جعل : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، وهو المفعول الأول ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة ، والألف لاطلاق.

٦١١

(١٧١) ـ

ولا ينطق الفحشاء من كان منهم

إذا جلسوا منّا ولا من سوائنا

__________________

١٧١ ـ البيت للمرار بن سلامة العقيلى ، وهو من شواهد سيبويه ، وقد أنشده فى كتابه مرتين : إحداهما فى (١ / ٣) ونسبه للمرار بن سلامة ، والثانية فى (١ / ٣٠٢) ونسبه لرجل من الأنصار ، ولم يعينه.

اللغة : «الفحشاء» الشىء القبيح ، وتقول : أفحش الرجل فى كلامه ، وفحش تفحيشا ، وتفحش ، إذا أردت أنه يتكلم بقبيح الكلام.

الإعراب : «لا» نافية «ينطق» فعل مضارع «الفحشاء» منصوب على نزع الخافض «من» اسم موصول فاعل ينطق «كان» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة «منهم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان ، والجملة من كان ومعموليها لا محل لها من الإعراب صلة «إذا» ظرفية «جلسوا» فعل وفاعل. والجملة فى محل جر بإضافة إذا إليها «منا» جار ومجرور متعلق بجلسوا ، ومن الجارة هنا بمعنى مع «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية «من سوائنا» الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور السابق ، وسواء مضاف والضمير مضاف إليه ، وقيل : منا ومن سوائنا يتعلقان بقوله ينطق ، وجواب إذا محذوف يدل عليه سابق الكلام ، والتقدير : إذا جلسوا فلا ينطق الفحشاء ـ إلخ.

الشاهد فيه : قوله «من سوائنا» حيث خرجت فيه سواء عن الظرفية ، واستعملت مجرورة بمن ، متأثرة به ، وهو عند سيبويه وأتباعه من ضرورات الشعر.

قال الأعلم فى شرح شواهد سيبويه عند الكلام على هذا البيت : «أراد غيرنا ، فوضع سواء موضع غير ضرورة ، وكان ينبغى ألا يدخل من عليها ؛ لأنها لا تستعمل فى الكلام إلا ظرفا ، ولكنه جعلها بمنزلة غير فى دخول من عليها ؛ لأن معناها كمعناها» اه

ومثل هذا البيت ـ فى استعمال سوى مجروره للضروره ـ قول الأعشى ميمون بن قيس :

تجانف عن جوّ اليمامة ناقتى

وما عدلت عن أهلها لسوائكا

وقول عثمان بن صمصامة الجعدى :

على نعمنا ، لا نعم قوم سوائنا ،

هى الهمّ والأحلام لو يقع الحلم

٦١٢

ومن استعمالها مرفوعة قوله :

(١٧٢) ـ

وإذا تباع كريمة أو تشترى

فسواك بائعها وأنت المشترى

وقوله :

(١٧٣) ـ

ولم يبق سوى العدوا

ن دنّاهم كما دانوا

__________________

١٧٢ ـ البيت لمحمد بن عبد الله المدنى ، يخاطب يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب ، وقد روى أبو تمام فى الحماسة عدة أبيات من هذه الكلمة ، أولها بيت الشاهد (انظر شرح التبريزى ٤ / ٢٧٤ بتحقيقنا) وبعده قوله :

وإذا توعّرت المسالك لم يكن

منها السّبيل إلى نداك بأوعر

اللغة : «تباع» أراد بالبيع ههنا الزهد فى الشىء ، والانصراف عنه ، وذهاب الرغبة فى تحصيله ، كما أراد بالشراء الحرص على الشىء ، والكلف به ، وشدة الرغبة فى الحصول عليه ، و «أو» ههنا بمعنى الواو «كريمة» أى خصلة كريمة ، أى نفيسة حسنة يتسابق الكرام إليها.

المعنى : إذا رغب قوم فى تحصيل المكارم وتأثيل المجد وانصرف آخرون عن ذلك ، فأنت الراغب فى المجد المحصل للمكارم ، وغيرك المنصرف عنه الزاهد فيه.

الإعراب : «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «تباع» فعل مضارع مبنى للمجهول «كريمة» نائب فاعل تباع ، والجملة من تباع ونائب فاعله فى محل جر بإضافة إذا إليها «أو» عاطفة «تشترى» فعل مضارع مبنى للمجهول معطوف على تباع ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى كريمة «فسواك» الفاء لربط الجواب بالشرط ، سوى : مبتدأ ، وسوى مضاف والكاف مضاف إليه «بائعها» بائع : خبر المبتدأ ، وبائع مضاف ، وها : مضاف إليه ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها من الإعراب جواب إذا «وأنت» مبتدأ «المشترى» خبر المبتدأ ، والجملة معطوفة على الجملة السابقة.

الشاهد فيه : قوله «فسواك» فإن «سوى» قد خرجت عن الظرفية ، ووقعت مبتدأ متأثرا بالعامل ، وهذا العامل معنوى ، وهو الابتداء ، وهو يرد على ما ذهب إليه سيبويه والجمهور من أن «سوى» لا تخرج عن النصب على الظرفية.

١٧٣ ـ البيت للفند الزمانى من كلمة يقولها فى حرب البسوس ، واسم الفند شهل ابن شيبان بن ربيعة ، وقد روى أبو تمام فى مطلع ديوان الحماسة أبياتا من هذه الكلمة

٦١٣

فـ «سواك» مرفوع بالابتداء ، و «سوى العدوان» مرفوع بالفاعلية.

ومن استعمالها منصوبة على غير الظرفية قوله :

(١٧٤) ـ

لديك كفيل بالمنى لمؤمّل

وإنّ سواك من يؤمّله يشقى

__________________

يقع بيت الشاهد رابعها ، وقبله وقوله :

صفحنا عن بنى ذهل

وقلنا : القوم إخوان

عسى الأيّام أن يرجعن

قوما كالذى كانوا

فلمّا صرّح الشّرّ

وأمسى وهو عريان

اللغة : «صفحنا» عفونا ، والصفح : العفو ، وأصله من قولهم : أعرضت صفحا عن هذا الأمر ، إذا تركته ووليته جانبك «بنى ذهل» يروى فى مكانه «بنى هند» وهى هند بنت مر ابن أخت تميم ، وهى أم بكر وتغلب ابنى وائل «العدوان» الظلم الصريح «دناهم» جازيناهم وفعلنا بهم مثل الذى فعلوا بنا من الإساءة ، وجملة «دناهم» هذه جواب «لما» فى قوله «فلما صرح الشر».

الإعراب : «ولم» نافية جازمة «يبق» فعل مضارع مجزوم بحذف الألف «سوى» فاعل يبق ، وسوى مضاف ، و «العدوان» مضاف إليه «دناهم» فعل ومفعول به «كما» الكاف جارة ، وما : يجوز أن تكون موصولا اسميا ، وأن تكون حرفا مصدريا «دانوا» فعل وفاعل ، فإذا كانت «ما» موصولا اسميا فالجملة لا محل لها من الإعراب صلة ، والعائد محذوف ، والتقدير : دناهم كالدين الذى دانوه ، وإذا كانت ما مصدرية فهى ومدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ، وعلى كل حال فإن الكاف ومجرورها متعلقان بمحذوف صفة لمصدر محذوف يدل عليه قوله دناهم ، والتقدير : دناهم دينا كائنا كالدين الذى دانوه ، أو دناهم دينا مثل دينهم إيانا.

الشاهد فيه : قوله «سوى العدوان» حيث وقعت «سوى» فاعلا ، وخرجت عن الظرفية.

١٧٤ ـ البيت من الشواهد التى لم ينسبوها لقائل معين ، ولم أقف له على سابق أو لا حق.

٦١٤

فـ «سواك» اسم «إنّ» ، هذا تقرير كلام المصنف.

ومذهب سيبويه والجمهور أنها لا تخرج عن الظرفية ، إلا فى ضرورة الشعر ، وما استشهد به على خلاف ذلك يحتمل التأويل.

* * *

__________________

اللغة : «كفيلى» ضامن «المنى» الرغبات والآمال ، واحدها منية بوزان مدية وغرفة «لمؤمل» اسم فاعل من أمل فلان فلانا تأميلا ، إذا رجاه «يشقى» مضارع من الشقاء وهو العناء والشدة.

المعنى : إن عندك من مكارم الأخلاق وشريف السجايا ما يضمن لمن يرجو نداك أن يبلغ قصده وينال عندك ما يؤمل ، فأما غيرك ممن بظن بهم الناس الخير فإن آمال الراجين فيهم تنقلب خيبة وشقاء

الإعراب : «لديك» لدى : ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، ولدى مضاف والكاف مضاف إليه «كفيل» مبتدأ مؤخر «بالمنى ، لمؤمل» جاران ومجروران يتعلقان بكفيل «إن» حرف توكيد ونصب «سواك» سوى : اسم إن ، وسوى مضاف والكاف مضاف إليه «من» اسم موصول مبتدأ «يؤمله» يؤمل : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة ، والهاء مفعول به ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «يشقى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو من الموصولة ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل رفع خبر إن.

الشاهد فيه : قوله «وإن سواك» حيث فارقت «سوى» الظرفية ووقعت اسما لإن فتأثرت بالعامل الذى هو إن المؤكدة.

ومثل هذا البيت ـ فى وقوع سوى منصوبة بالعامل ـ الشاهد رقم ١٧٥ الآتى (ص ٦١٨) وقول عمر بن أبى ربيعة المخزومى (البيت ١٧ من الكلمة ١١٤) :

وصرمت حبلك إذ صرمت ؛ لأنّنى

أخبرت أنّك قد هويت سوانا

٦١٥

واستثن ناصبا بليس وخلا

وبعدا ، وبيكون بعد «لا» (١)

أى : استثن بـ «ليس» وما بعدها ناصبا المستثنى ؛ فتقول : «قام القوم ليس زيدا ، وخلا زيدا ، وعدا زيدا ، ولا يكون زيدا» فـ «زيدا» فى قولك : «ليس زيدا ، ولا يكون زيدا» منصوب على أنه خبر «ليس ، ولا يكون» ، واسمهما ضمير مستتر ، والمشهور أنه عائد على البعض المفهوم من القوم (٢) ،

__________________

وكل هذه الشواهد دالة على أن هذه الكلمة ليست ملازمة للنصب على الظرفية كما ذهب إليه سيبويه ، والخليل ، وجمهور البصريين ، وادعاؤهم أن ذلك خاص بضرورة الشعر ـ مع كثرة ما ورد منه ـ مما لا يجوز أن يلتفت إليه أو يؤخذ به ، وتأويل هذه الشواهد الكثيرة مما لا تدعو إليه ضرورة ، ولا يمكن ارتكابه إلا مع النمحل والتكلف ، ولئن ذهبنا إلى ارتكابه لم يبق تأصيل قواعد النحو ممكنا.

(١) «واستثن» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ناصبا» حال من الفاعل المستتر فى استثن «بليس» جار ومجرور متعلق باستثن «وخلا» معطوف على ليس «وبعدا ، وبيكون» جاران ومجروران معطوفان على بليس «بعد» ظرف متعلق بمحذوف حال من يكون ، وبعد مضاف ، و «لا» قصد لفظه : مضاف إليه.

(٢) للنحاة فى مرجع الضمير المستكن فى يكون من قولك «قام القوم لا يكون زيدا» والمستكن فى ليس من قولك «قام القوم ليس زيدا» ثلاثة أقوال معروفة :

(الأول) أن مرجعه هو البعض المفهوم من الكل السابق الذى هو المستثنى منه ؛ فتقدير الكلام : قام القوم لا يكون هو (أى بعض القوم) زيدا ؛ فهو مثل قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً) وهذا أشهر المذاهب فى هذه المسألة.

(الثانى) أن مرجعه اسم فاعل مأخوذ من الفعل العامل فى المستثنى منه ؛ فتقدير الكلام : قام القوم لا يكون هو (أى القائم) زيدا.

(الثالث) أن مرجعه هو مصدر الفعل السابق العامل فى المستثنى منه ، والمستثنى نفسه على تقدير مضاف ، وتقدير الكلام على هذا : قام القوم لا يكون هو (أى القيام) قيام زيد.

٦١٦

والتقدير : «ليس بعضهم زيدا [ولا يكون بعضهم زيدا]» ، وهو مستتر وجوبا ، وفى قولك : «خلا زيدا ، وعدا زيدا» منصوب على المفعولية ، و «خلا ، وعدا» فعلان فاعلهما ـ فى المشهور ـ ضمير عائد على البعض المفهوم من القوم كما تقدّم ، وهو مستتر وجوبا ، والتقدير : خلا بعضهم زيدا ، وعدا بعضهم زيدا.

ونبّه بقوله : «ويكون بعد لا» ـ وهو قيد فى «يكون» فقط ـ على أنه لا يستعمل فى الاستثناء من لفظ الكون غير «يكون» وأنها لا تستعمل فيه إلا بعد «لا» فلا تستعمل فيه بعد غيرها من أدوات النفى ، نحو : لم ، وإن ، ولن ، ولمّا ، وما.

* * *

واجرر بسابقى يكون إن ترد

وبعد «ما» انصب ، وانجرار قد يرد (١)

__________________

ويضعف الوجهين ـ الثانى والثالث ـ أن الكلام قد لا يكون مشتملا على فعل ، نحو قولك : القوم إخوتك لا يكون زيدا.

(١) «واجرر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بسابقى» جار ومجرور متعلق باجرر ، وسابقى مضاف ، و «يكون» قصد لفظه : مضاف إليه «إن» شرطية «ترد» فعل مضارع فعل الشرط ، مجزوم بإن ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام ، والتقدير : إن ترد فاجرر ـ إلخ «وبعد» الواو عاطفة ، بعد : ظرف متعلق بانصب الآتى ، وبعد مضاف ، و «ما» قصد لفظه : مضاف إليه «انصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وانجرار» مبتدأ «قد» حرف تقليل «يرد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى انجرار ، والجملة من يرد وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.

٦١٧

أى : إذا لم تتقدّم «ما» على ، «خلا ، وعدا» فاجرر بهما إن شئت ؛ فتقول : «قام القوم خلا زيد ، وعدا زيد» فخلا ، وعدا : حرفا جرّ ، ولم يحفظ سيبويه الجرّ بهما ، وإنما حكاه الأخفش ؛ فمن الجرّ بـ «خلا» قوله :

(١٧٥) ـ

خلا الله لا أرجو سواك ، وإنّما

أعدّ عيالى شعبة من عيالكا

__________________

١٧٥ ـ البيت من الشواهد التى لم يعينوا قائلها ، ولم أقف له على سابق أو لاحق.

اللغة : «أرجو» مضارع من الرجاء ، وهو ضد اليأس من الشىء الذى هو قطع الطماعية فى الوصول إليه ، وتقول : رجا الإنسان الشىء يرجوه رجاء ، إذا أمله وتوقع حصوله «سواك» غيرك ، وهو دليل على أن هذه الكلمة تستعمل غير ظرف ؛ لوقوعها مفعولا به ، وتقدمت هذه المسألة مشروحة مستدلا لها (ص ٦١١ وما بعدها) «أعد» أى أحسب «عيالى» العيال : هم أهل بيت الإنسان ومن يمونهم «شعبة» طائفة.

المعنى : إننى لا أؤمل أن يصلنى الخير من أحد إلا منك ، وأنا واثق كل الثقة من أنك لا تدخر وسعا فى التفضل على والإحسان إلى ؛ لأن أهلى ومن تلزمنى مؤنهم ـ فى اعتبارى ـ فريق من أهلك ومن تلزمك مؤنهم.

الإعراب : «خلا» حرف جر «الله» مجرور بخلا ، والجار والمجرور متعلق بأرجو الآتى «لا» نافية «أرجو» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «سواك» سوى : مفعول به لأرجو ، وسوى مضاف والكاف ضمير المخاطب مضاف إليه «إنما» أداة حصر «أعد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «عيالى» عيال : مفعول أول لأعد ، وعيال مضاف وياء المتكلم مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر «شعبة» مفعول ثان لأعد «من عيالكا» من عيال : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لشعبة ، وعيال مضاف والكاف مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «خلا الله» وفى هذه الكلمة وحدها شاهدان للنحاة :

أما الأول فحيث استعمل الشاعر «خلا» حرف جر ، فجربه لفظ الجلاله ، وذكر الشارح

٦١٨

ومن الجرّ بـ «عدا» قوله :

(١٧٦) ـ

تركنا فى الحضيض بنات عوج

عواكف قد خضعن إلى النّسور

أبحنا حيّهم قتلا وأسرا

عدا الشّمطاء والطّفل الصّغير

__________________

أن هذا مما نقله الأخفش ، وأن سيبويه لم يحفظ من العرب الجر بخلا ، وهذا نقل غير صحيح ، بل نقله سيبويه فى كتابه صريحا (١ / ٣٧٧) حيث يقول «أما حاش فليس باسم ، ولكنه حرف يجر ما بعده كما تجر حتى ما بعدها ، وفيه معنى الاستثناء ، وبعض العرب يقول : ما أنا من القوم خلا عبد الله (بالجر) فجعلوا خلا بمنزلة حاشا ، فإذا قلت : ما خلا فليس فيه إلا النصب ؛ لأن ما اسم ، ولا تكون صلتها إلا للفعل هنا» اه ،

وأما الشاهد الثانى فحيث قدم الاستثناء فجعله أول الكلام قبل المستثنى منه وقبل العامل فيه ، وذلك جائز عند الكوفيين ، نص عليه الكسائى ، وإليه ذهب أبو إسحاق الزجاج ، وذهب البصريون إلى أن ذلك لا يجوز ، وأجاز الفريقان جميعا تقديم المستثنى على المستثنى منه ، بشرط أن يتقدم العامل فى المستثنى منه أو بعض جملة المستثنى منه.

وفى قوله «لا أرجو سواك» شاهد ثالث ، وحاصله أن «سوى» قد تفارق النصب على الظرفية فتتأثر بالعوامل ، وقد وقعت هنا مفعولا به ، وهذا هو الذى نبهناك إليه فى ص ٦١١.

١٧٦ ـ وهذان البيتان من الأبيات التى لم نقف على نسبتها إلى قائل معين.

اللغة : «الحضيض» قرار الأرض عند منقطع الجبل «بنات عوج» أراد بها الخيل التى ينسبونها إلى فرس مشهور يسمونه «أعوج» ويقال : خيل أعوجيات «عواكف» جمع عاكفة ، والعكوف : ملازمة الشىء والمواظبة عليه «خضعن» ذللن وخشعن «أبحناحيهم» أراد أهلكنا واستأصلنا ، والحى : القبيلة «أسرا» الأسر : أن يأخذ الرجل الرجل فى الحرب ملقيا بيديه معترفا بالعجز عن الدفاع عن نفسه «الشمطاء» هى العجوز التى يخالط سواد شعرها بياض ،

الإعراب : «تركنا» فعل وفاعل «فى الحضيض» جار ومجرور متعلق بتركنا «بنات» مفعول به لتركنا ، وبنات مضاف ، و «عوج» مضاف إليه «عواكف» حال من بنات عوج «قد» حرف تحقيق «خضعن» فعل وفاعل ، والجملة فى محل

٦١٩

فإن تقدّمت عليهما «ما» وجب النصب بهما ؛ فتقول : «قام القوم ما خلا زيدا ، وما عدا زيدا» فـ «ما» : مصدرية ، و «خلا ، وعدا» : صلتها ، وفاعلهما ضمير مستتر يعود على البعض كما تقدم تقريره ، و «زيدا» : مفعول ، وهذا معنى قوله : «وبعد ما انصب» هذا هو المشهور.

وأجاز الكسائىّ الجرّ بهما بعد «ما» على جعل «ما» زائدة ، وجعل «خلا ، وعدا» حرفى جرّ ؛ فتقول : «قام القوم ما خلا زيد ، وما عدا زيد» وهذا معنى قوله : «وانجرار قد يرد» وقد حكى الجرمىّ فى الشرح الجرّ بعد «ما» عن بعض العرب.

* * *

وحيث جرّا فهما حرفان

كما هما إن نصبا فعلان (١)

__________________

نصب صفة لعواكف «إلى النسور» جار ومجرور متعلق بخضعن «أبحنا» فعل وفاعل «حيهم» حى : مفعول به لأباح ، وحى مضاف والضمير مضاف إليه «قتلا» تمييز «وأسرا» معطوف على قوله قتلا «عدا» حرف جر «الشمطاء» مجرور بعدا «والطفل» معطوف على الشمطاء «الصغير» صفة للطفل.

الشاهد فيه : قوله «عدا الشمطاء» حيث استعمل «عدا» حرف جر ، فجر الشمطاء به ، ولم يحفظ سيبويه الجر بعدا ، ولا ذكره أبو العباس المبرد ، أما الجر بخلا فقد عرفت أن الصحيح فى النقل عن سيبويه أنه قد رواه عن بعض العرب (انظر شرح الشاهد رقم ١٧٥ السابق) فقد نقلنا لك فيه نص عبارة سيبويه ، ودللناك على موضعه من كتابه.

(١) «وحيث» اسم شرط عند الفراء الذى لا يشترط فى المجازاة به اقترانه بما ، وعند غيره هو ظرف يتعلق بقوله «حرفان» الآتى ؛ لأنه فى قوة المشتق «جرا» فعل ماض ، وهو فعل الشرط على القول الأول ، وألف الاثنين فاعل «فهما حرفان»

٦٢٠