شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

صاحبها» إنما هو عائد على جزء من الخبر ، لا على الخبر ؛ فينبغى أن تقدر مضافا محذوفا فى قول المصنف «عاد عليه» التقدير «كذا إذا عاد على ملابسه» ثم حذف المضاف ـ الذى هو ملابس ـ وأقيم المضاف إليه ـ وهو الهاء ـ مقامه ؛ فصار اللفظ «كذا إذا عاد عليه».

ومثل قولك «فى الدار صاحبها» قولهم : «على التّمرة مثلها زبدا» وقوله :

(٥٤) ـ

أهابك إجلالا ، ما بك قدرة

علىّ ، ولكن ملء عين حبيبها

__________________

٥٤ ـ هذا البيت قد نسبه قوم ـ منهم أبو عبيد البكرى فى شرحه على الأمالى (ص ٤٠١) ـ لنصيب بن رياح الأكبر ، ونسبه آخرون ـ ومنهم ابن نباتة المصرى فى كتابه «سرح العيون» (ص ١٩١ بولاق) إلى مجنون بنى عامر من أبيات أولها قوله :

وناديت يا ربّاه أوّل سؤلتى

لنفسى ليلى ، ثمّ أنت حسيبها

دعا المحرمون الله يستغفرونه

بمكة يوما أن تمحّى ذنوبها

اللغة : «أهابك» من الهيبة ، وهى المخافة «إجلالا» إعظاما لقدرك.

المعنى : إنى لأهابك وأخافك ، لا لاقتدارك على ، ولكن إعظاما لقدرك ؛ لأن العين تمتلىء بمن تحبه فتحصل المهابة ، وهو معنى أكثر الشعراء منه ، انظر إلى قول بن الدمينة :

وإنّى لأستحييك حتّى كأنما

علىّ بظهر الغيب منك رقيب

الإعراب : «أهابك» أهاب : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والضمير البارز المتصل مفعول به ، مبنى على الكسر فى محل نصب «إجلالا» مفعول لأجله «وما» الواو واو الحال ، وما : نافية «بك» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «قدرة» مبتدأ مؤخر «على» جار ومجرور متعلق بقدرة ، أو بمحذوف نعت لقدرة «ولكن» حرف استدراك «ملء» خبر مقدم ، وملء مضاف و «عين» مضاف إليه «حبيبها» حبيب : مبتدأ مؤخر ، وحبيب مضاف والضمير مضاف إليه.

٢٤١

فحبيبها : مبتدأ [مؤخّر] وملء عين : خبر مقدم ، ولا يجوز تأخيره ؛ لأن الضمير المتصل بالمبتدأ ـ وهو «ها» ـ عائد على «عين» وهو متصل بالخبر ؛ فلو قلت «حبيبها ملء عين» عاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

وقد جرى الخلاف فى جواز «ضرب غلامه زيدا (١)» مع أن الضمير فيه عائد على متأخر لفظا ورتبة ، ولم يجر خلاف ـ فيما أعلم ـ فى منع «صاحبها فى الدّار» فما الفرق بينهما؟ وهو ظاهر ، فليتأمل ، والفرق [بينهما] أن ما عاد عليه الضمير وما اتصل به الضمير اشتركا فى العامل فى مسألة «ضرب غلامه زيدا» بخلاف مسألة «فى الدار صاحبها» فإن العامل فيما اتصل به الضمير وما عاد عليه الضمير مختلف (٢).

__________________

الشاهد فيه : قوله «ملء عين حبيبها» فإنه قدم الخبر ـ وهو قوله «ملء عين» ـ على المبتدأ ـ وهو قوله «حبيبها» ـ لاتصال المبتدأ بضمير يعود على ملابس الخبر ، وهو المضاف إليه ، فلو قدمت المبتدأ ـ مع أنك تعلم أن رتبة الخبر التأخير ـ لعاد الضمير الذى اتصل بالمبتدأ على متأخر لفظا ورتبة ، وذلك لا يجوز ، لكنك بتقديمك الخبر قد رجعت الضمير على متقدم لفظا وإن كانت رتبته التأخير ، وهذا جائز ، ولا إشكال فيه.

(١) مثل ذلك المثال : كل كلام اتصل فيه ضمير بالفاعل المتقدم ، وهذا الضمير عائد على المفعول المتأخر ، نحو مثال ابن مالك فى باب الفاعل من الألفية «زان نوره الشجر» ونحو قول الشاعر :

جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر

وحسن فعل كما يجزى سنمّار

ونحو قول الشاعر الآخر :

كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد

ورقّى نداه ذا النّدى فى ذرى المجد

وسيأتى بيان ذلك وإبضاحه فى باب الفاعل.

(٢) وأيضا فإن المفعول قد تقدم على الفاعل كثيرا فى سعة الكلام ، حتى ليظن أن رتبه قد صارت التقدم ، بخلاف الخبر ، فإنه ـ وإن تقدم على المبتدأ أحيانا ـ لا يتصور أحد أن رتبته التقدم ؛ لكونه حكما ، والحكم فى مرتبة التأخر عن المحكوم عليه البتة ،

٢٤٢

الثالث : أن يكون الخبر له صدر الكلام ، وهو المراد بقوله : «كذا إذا يستوجب التصديرا» نحو «أين زيد»؟ فزيد : مبتدأ [مؤخر] ، وأين : خبر مقدم ، ولا يؤخّر ؛ فلا تقول : «زيد أين» ؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام ، وكذلك «أين من علمته نصيرا»؟ فأين : خبر مقدم ، ومن : مبتدأ مؤخر ، و «علمته نصيرا» صلة من.

الرابع : أن يكون المبتدأ محصورا ، نحو «إنما فى الدّار زيد ، وما فى الدّار إلا زيد» ومثله «ما لنا إلّا اتّباع أحمد».

* * *

وحذف ما يعلم جائز ، كما

تقول «زيد» بعد «من عندكما» (١)

__________________

وأيضا فإن الفاعل والفعل المتعدى جميعا يشعران بالمفعول ؛ فكان المفعول كالمتقدم ، بخلاف الخبر المتصل بمبتدئه ضمير يعود على ملابسه ، فإن المبتدأ إن أشعر بالخبر لم يشعر بما يلابس الخبر الذى هو مرجع الضمير.

(١) «وحذف» مبتدأ ، وحذف مضاف ، و «ما» اسم موصول مضاف إليه ، مبنى على السكون فى محل جر «يعلم» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة من الفعل المبنى للمجهول ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول الذى هو ما «جائز» خبر المبتدأ «كما» الكاف جارة ، وما مصدرية «تقول» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وما مع مدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ، أى : كقولك ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى وذلك كائن كقولك ، و «زيد» مبتدأ ، وخبره محذوف ، والتقدير : زيد عندنا «بعد» منصوب على الظرفية متعلق بتقول «من» اسم استفهام مبتدأ «عندكما» عند : ظرف متعلق بمحذوف خبر عن اسم الاستفهام ، وعند مضاف والضمير الذى للمخاطب مضاف إليه ، والميم حرف عماد ، والألف حرف دال على التثنية ، والجملة فى محل جر بإضافة بعد إليها.

٢٤٣

وفى جواب «كيف زيد» قل «دنف»

فزيد استغنى عنه إذ عرف (١)

يحذف كلّ من المبتدأ والخبر إذا دلّ عليه دليل : جوازا ، أو وجوبا ، فذكر فى هذين البيتين الحذف جوازا ؛ فمثال حذف الخبر أن يقال : «من عندكما»؟ فتقول : «زيد» التقدير «زيد عندنا» ومثله ـ فى رأى ـ «خرجت فإذا السّبع» التقدير (٢) «فإذا السبع حاضر» قال الشاعر :

(٥٥) ـ

نحن بما عندنا ، وأنت بما

عندك راض ، والرّأى مختلف

التقدير «نحن بما عندنا راضون».

__________________

(١) «وفى جواب» جار ومجرور متعلق بقل «كيف» اسم استفهام خبر مقدم «زيد» مبتدأ مؤخر ، وجملة المبتدأ والخبر مقصود لفظها فهى فى محل جر بإضافة «جواب» إليها «قل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «دنف» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : زيد دنف «فزيد» الفاء للتعليل ، زيد : مبتدأ «استغنى» فعل ماض مبنى للمجهول «عنه» نائب فاعل لاستغنى ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ «إذ» ظرف متعلق باستغنى ، أو حرف دال على التعليل «عرف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى زيد المستغنى عنه فى الجواب ، والجملة فى محل جر بإضافة إذ إليها.

(٢) «إذا» فى هذا المثال ونحوه تسمى «إذا الفجائية» وللعلماء فيها خلاف : أهى حرف أم ظرف؟ والذين قالوا هى ظرف اختلفوا : أهى ظرف زمان أم ظرف مكان؟ فمن قال هى ظرف جعلها خبرا مقدما ، وجعل الاسم المرفوع بعدها مبتدأ مؤخرا ، وكأن القائل قد قال ـ على تقدير أنها ظرف زمان ـ خرجت ففى وقت خروجى الأسد ، أو قال ـ على تقدير أنها ظرف مكان ـ خرجت ففى مكان خروجى الأسد ، ولا حذف على هذا الوجه بشقيه ، ومن قال : هى حرف جعل الاسم المرفوع بعدها مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير : خرجت فإذا الأسد موجود ، أو حاضر ، أو نحو ذلك. وهذا الوجه هو الذى عناه الشارح بقوله : «فى رأى».

٥٥ ـ هذا البيت نسبه ابن هشام اللخمى وابن برى إلى عمرو بن امرىء القيس

٢٤٤

..................................................................................

__________________

الأنصارى ، ونسبه غيرهما ـ ومنهم العباسى فى معاهد التنصيص (ص ٩٩ بولاق) ـ إلى قيس بن الخطيم أحد فحول الشعراء فى الجاهلية ، وهو الصواب ، وهو من قصيدة له ، أولها قوله :

ردّ الخليط الجمال فانصرفوا

ماذا عليهم لو أنّهم وقفوا؟

وقيس بن الخطيم ـ بالخاء المعجمة ـ هو صاحب القصيدة التى أولها قوله :

أتعرف رسما كاطّراد المذاهب

لعمرة وحشا غير موقف راكب؟

اللغة : «الرأى» أراد به هنا الاعتقاد ، وأصل جمعه أرآء ، مثل سيف وأسياف وثوب وأثواب ، وقد نقلوا العين قبل الفاء ، فقالوا : آراء ، كما قالوا فى جمع بئر آبار وفى جمع رئم آرام ، ووزن آراء وآبار وآرام أعفال.

الإعراب : «نحن» ضمير منفصل مبتدأ ، مبنى على الضم فى محل رفع ، وخبره محذوف دل عليه ما بعده ، والتقدير : نحن راضون «بما» جار ومجرور متعلق بذلك الخبر المحذوف «عندنا» عند : ظرف متعلق بمحذوف صلة «ما» المجرورة محلا بالباء ، وعند مضاف والضمير مضاف إليه «وأنت» مبتدأ «بما» جار ومجرور متعلق بقوله «راض» الآتى «عندك» عند : ظرف متعلق بمحذوف صلة «ما» المجرورة محلا بالباء ، وعند مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه «راض» خبر المبتدأ الذى هو «أنت» و «الرأى مختلف» مبتدأ وخبره.

الشاهد فيه : قوله «نحن بما عندنا» حيث حذف الخبر ـ احترازا عن العبث وقصدا للاختصار مع ضيق المقام ـ من قوله «نحن يما عندنا» والذى جعل حذفه سائغا سهلا دلالة خبر المبتدأ الثانى عليه.

واعلم أولا أن الحذف من الأول لدلالة الثانى عليه شاذ ، والأصل الغالب هو الحذف من الثانى لدلالة الأول عليه.

واعلم ثانيا أن بعض العلماء أراد أن يجعل هذا البيت جاريا على الأصل المذكور ؛ فزعم أن «راض» فى الشطر الثانى من البيت ليس خبرا عن «أنت» بل هو خبر عن «نحن» الذى فى أول البيت ، وذلك بناء على أن «نحن» للمتكلم المعظم نفسه.

٢٤٥

ومثال حذف المبتدأ أن يقال : «كيف زيد»؟ فتقول «صحيح» أى : «هو صحيح».

وإن شئت صرّحت بكل واحد منهما فقلت : «زيد عندنا ، وهو صحيح».

ومثله قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) أى : «من عمل صالحا فعمله لنفسه ، ومن أساء فإساءته عليها».

قيل : وقد يحذف الجزآن ـ أعنى المبتدأ والخبر ـ للدلالة عليهما ، كقوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) أى : «فعدّتهنّ ثلاثة أشهر» فحذف المبتدأ والخبر ـ وهو «فعدتهن ثلاثة أشهر» ـ لدلالة ما قبله عليه ، وإنما حذفا لوقوعهما موقع مفرد ، والظاهر أن المحذوف مفرد ، والتقدير : «واللائى لم يحضن كذلك» وقوله : (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) معطوف على (وَاللَّائِي يَئِسْنَ) والأولى أن يمثّل بنحو قولك : «نعم» فى جواب «أزيد قائم»؟ إذ التقدير «نعم زيد قائم».

* * *

وبعد لو لا غالبا حذف الخبر

حتم ، وفى نصّ يمين ذا استقر (١)

__________________

وهذا كلام غير سديد ، لأن نحن ـ وإن كانت كما زعم المتمحل للمتكلم المعظم لنفسه فمعناها حينئذ مفرد ـ تجب فيها المطابقة بالنظر إلى لفظها ؛ فيخبر عنها بالجمع ، كما فى قوله تعالى : (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) وما أشبهه.

(١) «بعد» ظرف متعلق بقوله حتم الآتى ، وبعد مضاف ، و «لو لا» مضاف إليه ، مقصود لفظه «غالبا» منصوب على نزع الخافض «حذف» مبتدأ ، وحذف مضاف و «الخبر» مضاف إليه «حتم» خبر المبتدأ «وفى نص» الواو عاطفة ، فى نص : جار ومجرور متعلق باستقر الآتى ، ونص مضاف و «يمين» مضاف إليه «ذا» اسم إشارة ،

٢٤٦

وبعد واو عيّنت مفهوم مع

كمثل «كلّ صانع وما صنع» (١)

وقبل حال لا يكون خبرا

عن الّذى خبره قد أضمرا (٢)

كضربى العبد مسيئا ، وأتمّ

تبينى الحقّ منوطا بالحكم (٣)

__________________

مبتدأ «استقر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الإشارة ، والجملة من استقر وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، وتقدير البيت : وحذف الخبر حتم بعد لو لا فى غالب أحوالها ، وهذا الحكم قد استقر فى نص يمين : أى إذا كان المبتدأ يستعمل فى اليمين نصا ، بحيث لا يستعمل فى غيره إلا مع قرينة.

(١) «وبعد» الواو عاطفة ، بعد ظرف متعلق باستقر فى البيت السابق ، وبعد مضاف و «واو» مضاف إليه «عينت» عين : فعل ماض ، والتاء تاء التأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى واو ، والجملة من عين وفاعله فى محل جر صفة لواو «مفهوم» مفعول به لعين ، ومفهوم مضاف ، و «مع» مضاف إليه ، مقصود لفظه «كمثل» الكاف زائدة ، مثل : خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك مثل «كل» مبتدأ ، وكل مضاف و «صانع» مضاف إليه «و» عاطفة «ما» يجوز أن تكون موصولا اسميا معطوفا على كل ، ويجوز أن تكون حرفا مصدريا هى ومدخولها فى تأويل مصدر معطوف على كل ، وجملة «صنع» وفاعله المستتر فيه على الوجه الأول لا محل لها صلة الموصول ، وخبر المبتدأ محذوف وجوبا.

(٢) «وقبل» الواو عاطفة ، وقبل : ظرف متعلق باستقر فى البيت الأول ، وقبل مضاف و «حال» مضاف إليه «لا» نافية «يكون» فعل مضارع ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حال «خبرا» خبر كان ، والجملة من يكون واسمه وخبره فى محل جر صفة لحال «عن الذى» جار ومجرور متعلق بخبر «خبره» خبر : مبتدأ ، وخبر مضاف والضمير البارز المتصل مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «أضمرا» أضمر : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى خبر ، والألف للاطلاق ، والجملة من أضمر ونائب الفاعل فى محل رفع خبر ، وجملة المبتدأ والخبر لا محل لها صلة الذى.

(٣) «كضربى» الكاف جارة لقول محذوف ، ضرب : مبتدأ ، وضرب مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، وهى فاعل المصدر «العبد» مفعول المصدر «مسيئا» حال من فاعل كان المحذوفة العائد على العبد ، وخبر المبتدأ جملة محذوفة ، والتقدير : إذا كان

٢٤٧

حاصل ما فى هذه الأبيات أن الخبر يجب حذفه فى أربعة مواضع :

الأول : أن يكون خبرا لمبتدأ بعد «لو لا» ، نحو «لو لا زيد لأتيتك» التقدير «لو لا زيد موجود لأتيتك» واحترز بقوله «غالبا» عما ورد ذكره فيه شذوذا ، كقوله :

(٥٦) ـ

لو لا أبوك ولو لا قبله عمر

ألقت إليك معدّ بالمقاليد

فـ «عمر» مبتدأ ، و «قبله» خبر.

__________________

(أى وجد ، هو : أى العبد) مسيئا «وأتم» الواو عاطفة ، أتم : مبتدأ ، وأتم مضاف وتبيين من «تبيينى» مضاف إليه ، وتبيين مضاف ، وياء المتكلم مضاف إليه ، وهى فاعل له «الحق» مفعول به لتبيين «منوطا» حال من فاعل كان المحذوفة العائد على الحق ، على غرار ما قدرناه فى العبارة الأولى «بالحكم» جار ومجرور متعلق بقوله منوطا. والتقدير : أتم تبيينى الحق إذا كان (أى وجد ، هو : أى الحق) حال كونه منوطا بالحكم.

٥٦ ـ البيت لأبى عطاء السندى ـ واسمه مرزوق (وقيل : أفلح) بن يسار ـ مولى بنى أسد ، وهو من مخضرمى الدولتين الأموية والعباسية ، من كلمة يمدح فيها ابن يزيد بن عمر بن هبيرة ، وانظر قصة ذلك فى الأغانى (١٦ / ٨٤ بولاق) وقبل البيت المستشهد به قوله :

أمّا أبوك فعين الجود نعرفه

وأنت أشبه خلق الله بالجود

ويروى صدر البيت «لو لا يزيد ولو لا ـ إلخ» ويزيد أبو الممدوح ، وبعد لشاهد قوله :

ما ينبت العود إلّا فى أرومته

ولا يكون الجنى إلّا من العود

اللغة : «معد» هو أبو العرب ، وهو معد بن عدنان ، وكان سيبويه يقول : إن الميم من أصل الكلمة ؛ لقولهم «تمعدد» بمعنى اتصل بمعد بنسب أو حلف أو جوار ، أو بمعنى قوى وكمل ، قال الراجز :

ربّيته حتّى إذا تمعددا

كان جزائى بالعصا أن أجلدا

لقلة تمفعل فى الكلام ، ولكن العلماء خالفوه فى ذلك ؛ وذهبوا إلى أن الميم فى

٢٤٨

..................................................................................

__________________

معد زائد بدليل إدغام الدال فى الدال ، والتزموا أن يكون تمعدد على زنة تمفعل مع قلته ، وانظر الجزء الثانى من كتابنا دروس التصريف «المقاليد» : هو جمع لا مفرد له من لفظه ، وقبل : مفرده إقليد ـ على غير قياس ـ وهو المفتاح ، وقد كنى الشاعر بإلقاء المقاليد عن الخضوع والطاعة وامتثال أمر الممدوح.

المعنى : يقول : أنت خليق بأن يخضع لك بنو معد كلهم ؛ لكفايتك وعظم قدرك. وإنما تأخر خضوعهم لك لوجود أبيك ووجود جدك من قبل أبيك.

الإعراب : «لو لا» حرف يدل على امتناع الثانى لوجود الأول ، مبنى على السكون لا محل له من الإعراب «أبوك» أبو : مبتدأ ، وأبو مضاف والكاف مضاف إليه ، والخبر محذوف وجوبا «ولو لا» الواو عاطفة كالأول ، لو لا : حرف امتناع لوجود «قبله» قبل : ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وقبل مضاف والضمير البارز مضاف إليه «عمر» مبتدأ مؤخر «ألقت» ألقى : فعل ماض ، والتاء تاء التأنيث «إليك» جار ومجرور متعلق بألقت «معد» فاعل ألقت ، والجملة من الفعل الماضى وفاعله لا محل لها جواب لو لا «بالمقاليد» جار ومجرور متعلق بألقت.

الشاهد فيه : قوله «ولو لا قبله عمر» حيث ذكر فيه خبر المبتدأ وهو قوله «قبله» ـ مع كون ذلك المبتدأ واقعا بعد لو لا التى يجب حذف خبر المبتدأ الواقع بعدها لأنه قد عوض عنه بجملة الجواب ، ولا يجمع فى الكلام بين العوض والمعوض عنه.

وفى البيت توجيه آخر ، وهو أن «قبله» ظرف متعلق بمحذوف حال ، والخبر محذوف ، وعلى هذا تكون القاعدة مستمرة ، ولا شاهد فى البيت لما أتى به الشارح من أجله. ومثله فى كل ذلك قول الزبير بن العوام رضى الله عنه :

ولو لا بنوها حولها لخبطتها

كخبطة عصفور ولم أتلعثم

فإن «لو لا» حرف امتناع لوجود ، و «بنوها» مبتدأ مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لكونه جمع مذكر سالما ، والضمير البارز مضاف إليه ، و «حول» ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وحول مضاف والضمير البارز مضاف إليه ، وعلى هذا يكون فيه شاهد لما جاء الشارح ببيت أبى عطاء من أجله ، ويجوز أن يكون «حول» متعلقا بالخبر المحذوف على رأى الجمهور ، وعلى ذلك لا يكون شاهدا لما ذكره الشارح.

٢٤٩

وهذا الذى ذكره المصنف فى هذا الكتاب ـ من أن الحذف بعد «لو لا» واجب إلا قليلا ـ هو طريقة لبعض النحويين ، والطريقة الثانية : أن الحذف واجب [دائما (١)] وأن ما ورد من ذلك بغير حذف فى الظاهر مؤوّل ، والطريقة الثالثة أن الخبر : إما أن يكون كونا مطلقا ، أو كونا مقيّدا ؛ فإن كان كونا مطلقا وجب حذفه ، نحو : «لو لا زيد لكان كذا» أى : لو لا زيد موجود ، وإن كان كونا مقيّدا ؛ فإما أن يدلّ عليه دليل ، أو لا ، فإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره ، نحو : «لو لا زيد محسن إلىّ ما أتيت» وإن دلّ عليه [دليل] جاز إثباته وحذفه ، نحو أن يقال : هل زيد محسن إليك؟ فتقول : «لو لا زيد لهلكت» أى : «لو لا زيد محسن إلىّ» ، فإن شئت حذفت الخبر ، وإن شئت أثبتّه ، ومنه قول أبى العلاء المعرّىّ ،

__________________

(١) ههنا شيآن نحب أن ننبهك إليهما ، الأول أن الطريقة الثانية من الطرق الثلاث التى ذكرها الشارح هى طريقة جمهور النحاة ، والفرق بينها وبين الطريقة الأولى أن أهل الطريقة الأولى يقولون : إن ذكر الخبر عندهم بعد «لو لا» قليل ، وليس شاذا ، وذلك بخلاف طريقة الجمهور ، فإن ذكر الخير عندهم بعد «لو لا» إن كان صادرا عمن لا يستشهد بكلامه كما فى بيت المعرى الآتى فهو لحن ، وإن كان صادرا عمن يستشهد بكلامه فإن أمكن تأويله كالشاهد ٥٦ وما أنشدناه معه فهو مؤول ، وإن لم يمكن تأويله فهو شاذ ، ولا شك أن القليل غير الشاذ.

والأمر الثانى : أن الشارح قد حمل كلام الناظم على الطريقة الأولى ، وذلك مخالف لما حمله من عداه من الشروح فإنهم جميعا حملوا كلام الناظم على الحالة الثالثه ، بدليل أنه اختارها فى غير هذا الكتاب ، وهو الذى أشرنا إليه عند إعراب البيت ، وتلخيصه أن تحمل قوله «غالبا» على حالات «لو لا» وذلك لأن لو لا إما أن يليها كون عام وهو أغلب الأمر فيها ، وإما أن يليها كون خاص وهو قليل ، ثم تحمل قوله «حتم» على الحكم النحوى ، وكأنه قد قال : إن كان خبر المبتدأ الواقع بعد لو لا كونا عاما وهو الغالب فإنه لا يجوز ذكر ذلك الخبر ، وهذا هو ـ كما ذكرنا ـ الطريقة الثالثة ، فتدبر.

٢٥٠

(٥٧) ـ

يذيب الرّعب منه كلّ عضب

فلو لا الغمد يمسكه لسالا

__________________

٥٧ ـ البيت لأبى العلاء المعرى أحمد بن عبد الله بن سليمان ، نادرة الزمان ، وأوحد الدهر حفظا وذكاء وصفاء نفس ، وهو من شعراء العصر الثانى من الدولة العباسية ؛ فلا يحتج بشعره على قواعد النحو والتصريف ، والشارح إنما جاء به للتمثيل ، لا للاحتجاج والاستشهاد به.

اللغة : «يذيب» من الإذابة ، وهى إسالة الحديد ونحوه من الجامدات «الرعب» الفزع والخوف «عضب» هو السيف القاطع «الغمد» قراب السيف وحفنه.

الإعراب : «يذيب» فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة «الرعب» فاعل يذيب «منه» جار ومجرور متعلق بقوله يذيب «كل» مفعول به ليذيب ، وكل مضاف و «عضب» مضاف إليه «فلو لا» حرف امتناع لوجود «الغمد» مبتدأ «يمسكه» يمسك : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الغمد ، والهاء ـ التى هى ضمير الغائب العائد إلى السيف ـ مفعول به ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، وستعرف ما فى هذا الإعراب من المقال وتوجيهه فى بيان الاستشهاد «لسالا» اللام واقعة فى جواب «لو لا» وسال : فعل ماض ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى السيف ، وجملة سال وفاعله لا محل لها من الإعراب جواب لو لا.

التمثيل به : فى قوله «فلو لا الغمد يمسكه» حيث ذكر خبر المبتدأ الواقع بعد لو لا ـ وهو جملة «يمسك» وفاعله ومفعوله ـ لأن ذلك الخبر كون خاص قد دل عليه الدليل وخبر المبتدأ الواقع بعد لو لا يجوز ذكره كما يجوز حذفه إذا كان كونا خاصا وقد دل عليه الدليل عند قوم ، كما ذكره الشارح العلامة ، والجمهور على أن الحذف واجب ، وذلك بناء منهم على ما اختاروه من أن خبر المبتدأ الواقع بعد «لو لا» لا يكون إلا كونا عاما ، وحينئذ لا يقال إما أن يدل عليه دليل أولا ، وعندهم أن بيت المعرى هذا لحن لذكر الخبر بعد لو لا

وفى البيت توجيه آخر يصح على مذهب الجمهور ، وهو أن «يمسك» فى تأويل

٢٥١

وقد اختار المصنف هذه الطريقة فى غير هذا الكتاب.

الموضع الثانى : أن يكون المبتدأ نصّا فى اليمين (١) ، نحو : «لعمرك لأفعلنّ» التقدير «لعمرك قسمى» فعمرك : مبتدأ ، وقسمى : خبره ، ولا يجوز التصريح به.

قيل : ومثله «يمين الله لأفعلنّ» التقدير «يمين الله قسمى» وهذا لا يتعين أن يكون المحذوف فيه خبرا (٢) ؛ لجواز كونه مبتدأ ، والتقدير «قسمى يمين

__________________

مصدر بدل اشتمال من الغمد ، وأصله «أن يمسكه» فلما حذف «أن» ارتفع الفعل ، كقولهم «تسمع بالمعيدى خير من أن تراه» فيمن رواه برفع «تسمع» من غير «أن».

وحاصل القول فى هذه المسألة أن النحاة اختلفوا ؛ هل يكون خبر المبتدأ الواقع بعد لو لا كونا خاصا أولا؟ فقال الجمهور : لا يكون كونا خاصا ألبتة ، بل يجب كونه كونا عاما ويجب مع ذلك حذفه ، فإن جاء الخبر كونا خاصا فى كلام ما فهو لحن أو مؤول ، وقال غيرهم ؛ يجوز أن يكون الخبر بعد لو لا كونا خاصا ، لكن الأكثر أن يكون كونا عاما ، فإن كان الخبر كونا عاما وجب حذفه كما يقول الجمهور ، وإن كان الخبر كونا خاصا : فإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره ، وإن دل عليه دليل جاز ذكره وجاز حذفه ؛ فلخبر المبتدأ الواقع بعد لو لا حالة واحدة عند الجمهور ، وهى وجوب الحذف ، وثلاثة أحوال عند غيرهم ، وهى : وجوب الحذف ، ووجوب الذكر ، وجواز الأمرين ، وقد قدمنا لك أن الواجب حمل كلام الناظم على هذا ؛ لأنه صرح باختياره فى غير هذا الكتاب ، وقد ذكر الشارح نفسه أن هذا هو اختيار المصنف.

(١) المراد بكون المبتدأ نصا فى اليمين : أن يغلب استعماله فيه ، حتى لا يستعمل فى غيره إلا مع قرينة ، ومقابل هذا ما ليس نصا فى اليمين ـ وهو : الذى يكثر استعماله فى غير القسم حتى لا يفهم منه القسم إلا بقرينة ذكر المقسم عليه ، ألا ترى أن «عهد الله» قد كثر استعماله فى غير القسم ـ نحو قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) وقولهم : عهد الله يجب الوفاء به ، ويفهم منه القسم إذا قلت : عهد لأفعلن كذا ؛ لذكرك المقسم عليه.

(٢) إن كان من غرض الشارح الاعتراض على الذين ذكروا هذا المثال لحذف الخبر وجوبا لكون المبتدأ نصا فى اليمين فلا محل لاعتراضه عليهم بأن ذلك يحتمل أن يكون

٢٥٢

الله» بخلاف «لعمرك» فإن المحذوف معه يتعين أن يكون خبرا ؛ لأن لام الابتداء قد دخلت عليه ، وحقّها الدخول على المبتدأ.

فإن لم يكن المبتدأ نصّا فى اليمين لم يجب حذف الخبر ، نحو «عهد الله لأفعلنّ» التقدير «عهد الله علىّ» فعهد الله : مبتدأ ، وعلىّ : خبره ، ولك إثباته وحذفه.

الموضع الثالث : أن يقع بعد المبتدأ واو هى نصّ فى المعية ، نحو «كلّ رجل وضيعته» فكلّ : مبتدأ ، وقوله «وضيعته» معطوف على كل ، والخبر محذوف ، والتقدير «كلّ رجل وضيعته مقترنان» ويقدّر الخبر بعد واو المعية.

وقيل : لا يحتاج إلى تقدير الخبر ؛ لأن معنى «كلّ رجل وضيعته» كل رجل مع ضيعته ، وهذا كلام تامّ لا يحتاج إلى تقدير خبر ، واختار هذا المذهب ابن عصفور فى شرح الإيضاح.

فإن لم تكن الواو نصّا فى المعية لم يحذف الخبر وجوبا (١) ، نحو «زيد وعمرو قائمان».

الموضع الرابع : أن يكون المبتدأ مصدرا ، وبعده حال سدّ [ت] مسدّ الخبر ، وهى لا تصلح أن تكون خبرا ؛ فيحذف الخبر وجوبا ؛ لسدّ الحال مسدّه ، وذلك نحو «ضربى العبد مسيئا» فضربى : مبتدأ ، والعبد : معمول

__________________

المحذوف هو المبتدأ ، وذلك من وجهين ؛ أولهما : أن المثال يكفى فيه صحة الاحتمال الذى جىء به من أجله ، ولم يقل أحد إنه يجب أن يتعين فيه الوجه الذى جىء به له وثانيهما : أن الغرض من كلامهم أنا إن جعلنا هذا المذكور مبتدأ كان خبره محذوفا وجوبا ، أما حذفه فلكون ذلك المبتدأ نصا فى اليمين ، وأما الوجوب فلأن جواب اليمين عوض عنه ، ولا يجمع بين العوض والمعوض منه.

(١) بل إن دل عليه دليل جاز حذفه ، وإلا وجب ذكره.

٢٥٣

له ، ومسيئا : حال سدّ [ت] مسدّ الخبر ، والخبر محذوف وجوبا ، والتقدير «ضربى العبد إذا كان مسيئا» إذا أردت الاستقبال ، وإن أردت المضىّ فالتقدير «ضربى العبد إذ كان مسيئا» فمسيئا : حال من الضمير المستتر فى «كان» المفسّر بالعبد [و «إذا كان» أو «إذ كان» ظرف زمان نائب عن الخبر].

ونبّه المصنف بقوله : «وقبل حال» على أن الخبر المحذوف مقدّر قبل الحال التى سدّت مسدّ الخبر كما تقدم تقريره.

واحترز بقوله : «لا يكون خبرا» عن الحال التى تصلح أن تكون خبرا عن المبتدأ المذكور ، نحو ما حكى الأخفش ـ رحمه الله! ـ من قولهم «زيد قائما» فزيد : مبتدأ ، والخبر محذوف ، والتقدير «ثبت قائما» وهذه الحال تصلح أن تكون خبرا ؛ فتقول «زيد قائم» فلا يكون الخبر واجب الحذف ، بخلاف «ضربى العبد مسيئا» فإن الحال فيه لا تصلح أن تكون خبرا عن المبتدأ الذى قبلها ؛ فلا تقول : «ضربى العبد مسىء لأن الضرب لا يوصف بأنه مسىء.

والمضاف إلى هذا المصدر حكمه كحكم المصدر ، نحو «أتمّ تبيينى الحقّ منوطا بالحكم» فأتمّ : مبتدأ ، وتبيينى : مضاف إليه ، والحقّ : مفعول لتبيينى ، ومنوطا : حال سدّ [ت] مسدّ خبر أتم ، والتقدير : «أتم تبيينى الحقّ إذا كان ـ أو إذ كان ـ منوطا بالحكم».

* * *

ولم يذكر المصنف المواضع التى يحذف فيها المبتدأ ، وجوبا ، وقد عدّها فى غير هذا الكتاب أربعة (١) :

__________________

(١) بقى عليه موضعان آخران مما يجب فيه حذف المبتدأ (الأول) مبتدأ الاسم

٢٥٤

الأول : النعت المقطوع إلى الرفع : فى مدح ، نحو : «مررت بزيد الكريم» أو ذم ، نحو : «مررت بزيد الخبيث» أو ترحّم ، نحو : «مررت بزيد المسكين» فالمبتدأ محذوف فى هذه المثل ونحوها وجوبا ، والتقدير «هو الكريم ، وهو الخبيث ، وهو المسكين».

الموضع الثانى : أن يكون الخبر مخصوص «نعم» أو «بئس» نحو : «نعم

__________________

المرفوع بعد «لا سيما» سواء كان هذا الاسم المرفوع بعدها نكرة كما فى قول امرىء القيس بن حجر الكندى الذى أنشدناه فى مباحث العائد فى باب الموصول (ص ١٦٦) ، وهو :

ألا ربّ يوم صالح لك منهما

ولا سيّما يوم بدارة جلجل

أم كان معرفه كما فى قولك : أحب النابهين لا سيما على ، فإن هذا الاسم المرفوع خبر لمبتدأ محذوف وجوبا ، والتقدير : ولا مثل الذى هو يوم بدارة جلجل ، ولا مثل الذى هو على ، وليس يخفى عليك أن هذا إنما يجرى على تقدير رفع الاسم بعد «لا سيما» فأما على جره أو نصبه فلا (الثانى) بعد المصدر النائب عن فعله الذى بين فاعله أو مفعوله بحرف جر ؛ فمثال ما بين حرف الجر فاعل المصدر قولك : سحقا لك. وتعسا لك ، وبؤسا لك ، التقدير : سحقت وتعست وبؤست. هذا الدعاء لك ، فلك : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف وجوبا ، ولم يجعل هذا الجار والمجرور متعلقا بالمصدر لأن التعدى باللام إنما يكون إلى المفعول لا إلى الفاعل ، والتزموا حذف المبتدأ ليتصل الفاعل بفعله ، ومثال ما بين حرف الجر المفعول قولك : سقيا لك ، ورعيا لك ، والتقدير : اسق اللهم سقيا وارع اللهم رعيا ، هذا الدعاء لك يا زيد ، مثلا ، فلك : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف وجوبا ، ولم يجعل الجار والمجرور متعلقا بالمصدر فى هذا لئلا يلزم عليه وجود خطابين لاثنين مختلفين فى جملة واحدة ، ولهذا لو كان المصدر نائبا عن فعل غير الأمر ، أو كانت اللام جارة لغير ضمير المخاطب ، نحو «شكرا لك» : أى شكرت لك شكرا ، ونحو «سقيا لزيد» : أى اسق اللهم زيدا ـ لم يمتنع جعل الجار والمجرور متعلقا بالمصدر ، ويصير الكلام جملة واحدة حينئذ ، والتزموا حذف المبتدأ فى هذا الموضع أيضا ليتصل العامل بمعموله.

٢٥٥

الرّجل زيد ، وبئس الرّجل عمرو» فزيد وعمرو : خبران لمبتدإ محذوف وجوبا ، والتقدير «هو زيد» أى الممدوح زيد «وهو عمرو» أى المذموم عمرو.

الموضع الثالث : ما حكى الفارسىّ من كلامهم «فى ذمّتى لأفعلنّ» ففى ذمتى : خبر لمبتدإ محذوف واجب الحذف ، والتقدير «فى ذمّتى يمين» وكذلك ما أشبهه ، وهو ما كان الخبر فيه صريحا فى القسم.

الموضع الرابع : أن يكون الخبر مصدرا نائبا مناب الفعل ، نحو : «صبر جميل» التقدير «صبرى صبر جميل» فصبرى : مبتدأ ، وصبر جميل : خبره ، ثم حذف المبتدأ ـ الذى هو «صبرى» ـ وجوبا (١).

* * *

وأخبروا باثنين أو بأكثرا

عن واحد كهم سراة شعرا (٢)

__________________

(١) وقد ورد من هذا قول الله تعالى : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) وقول الشاعر :

عجب لتلك قضيّة ، وإقامتى

فيكم على تلك القضيّة أعجب

وقول الراجز :

شكا إلىّ جملى طول السّرى

صبر جميل فكلانا مبتلى

لكن كون هذا مما حذف فيه المبتدأ ليس بلازم ، بل يجوز أن يكون مما حذف فيه الخبر ، وكون الحذف واجبا ليس بلازم أيضا ، فقد جوزوا أن يكون «عجب» مبتدأ و «لتلك» خبره.

(٢) «وأخبروا» فعل ماض وفاعله «باثنين» جار ومجرور متعلق بأخبر «أو» حرف عطف «بأكثرا» جار ومجرور معطوف بأو على الجار والمجرور السابق «عن واحد» جار ومجرور متعلق بأخبر «كهم» الكاف جارة لقول محذوف ، وهى ومجرورها تتعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، وهم : مبتدأ «سراة» خبر أول

٢٥٦

اختلف النحويون فى جواز تعدّد خبر المبتدأ الواحد بغير حرف عطف ، نحو : «زيد قائم ضاحك» فذهب قوم ـ منهم المصنف ـ إلى جواز ذلك ، سواء (١) كان الخبران فى معنى خبر واحد ، نحو : «هذا حلو حامض» أى مزّ ، أم لم يكونا كذلك ، كالمثال الأول ، وذهب بعضهم إلى أنه لا يتعدّد الخبر إلا إذا كان الخبران فى معنى خبر واحد ؛ فإن لم يكونا كذلك تعيّن العطف ؛ فإن جاء من لسان العرب شىء بغير عطف قدّر له مبتدأ آخر ؛ كقوله تعالى : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) وقول الشاعر :

(٥٨) ـ

من يك ذا بتّ فهذا بتّى

مقيّظ مصيّف مشتّى

__________________

«شعرا» أصله شعراء فقصره للضرورة ، وهو خبر ثان ، والجملة من المبتدأ وخبريه فى محل نصب مقول القول المقدر.

(١) الذى يستفاد من كلام الشارح ـ وهو تابع فيه للناظم فى شرح الكافية ـ أن تعدد الخبر على ضربين (الأول) تعدد فى اللفظ والمعنى جميعا ، وضابطه : أن يصح الإخبار بكل واحد منهما على انفراده ، كالآية القرآنية التى تلاها ، وكمثال النظم ، وكالبيتين اللذين أنشدهما. وحكم هذا النوع ـ عند من أجاز التعدد ـ أنه يجوز فيه العطف وتركه ، وإذا عطف أحدهما على الآخر جاز أن يكون العطف بالواو وغيرها ، فأما عند من لم يجز التعدد فيجب أن يعطف أو يقدر لما عدا الأول مبتدآت (الثانى) التعدد فى اللفظ دون المعنى ، وضابطه : ألا يصح الإخبار بكل واحد منهما على انفراده ، نحو قولهم : الرمان حلو حامض ، وقولهم : فلان أعسر أيسر ، أى يعمل بكلتا يديه ، ولهذا النوع أحكام : منها أنه يمتنع عطف أحد الأخبار على غيره ، ومنها أنه لا يجوز توسط المبتدأ بينها ، ومنها أنه لا يجوز تقدم الأخبار كلها على المبتدأ ؛ فلا بد فى المثالين من تقدم المبتدأ عليهما ، والإتيان بهما بغير عطف ؛ لأنهما عند التحقيق كشىء واحد ؛ فكل منهما يشبه جزء الكلمة.

٥٨ ـ ينسب هذا البيت لرؤبة بن العجاج ، وهو من شواهد سيبويه (ج ١ ص ٢٥٨) ولم ينسبه ولا نسبه الأعلم ، وروى ابن منظور هذا البيت فى اللسان أكثر من مرة ولم ينسبه فى إحداها ، وقد روى بعد الشاهد فى أحد المواضع قوله :

٢٥٧

..................................................................................

__________________

* أخذته من نعجات ستّ*

وزاد على ذلك كله فى موضع آخر قوله :

* سود نعاج كنعاج الدّشت*

اللغة : «بت» قال ابن الأثير : البت الكساء الغليظ المربع ، وقيل : طيلسان من خز ، وجمعه بتوت ، وقوله «مقيظ ، مصيف ، مشتى» أى : يكفينى للقيظ وهو زمان اشتداد الحر ، ويكفينى للصيف ، وللشتاء «الدشت» الصحراء ، وأصله فارسى ، وقد وقع فى شعر الأعشى ميمون بن قيس ، وذلك قوله :

قد علمت فارس وحمير

والأعراب بالدّشت أيّكم نزلا

قال أهل اللغة : «وهو فارسى معرب ، ويجوز أن يكون مما اتفقت فيه لغة العرب ولغة الفرس».

المعنى : هذا البيت فى وصف كساء من صوف كما قال الجوهرى وغيره ، ويريد الشاعر أن يقول : إذا كان لأحد من الناس كساء فإن لى كساء أكتفى به فى زمان حمارة القيظ وزمان الصيف وزمان الشتاء ، يعنى أنه يكفيه الدهر كله ، وأنه قد أخذ صوفه الذى نسج منه من نعجات ست سود كنعاج الصحراء.

الإعراب : «من» يجوز أن يكون اسما موصولا ، وهو مبتدأ مبنى على السكون فى محل رفع ، ويجوز أن تكون اسم شرط مبتدأ أيضا ، وهو مبنى على السكون فى محل رفع أيضا «يك» فعل مضارع ناقص مجزوم بسكون النون المحذوفة للتخفيف ، فإن قدرت «من» شرطية فهذا فعل الشرط ، واسم يك على الحالين ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «من» ولا إشكال فى جزمه حينئذ ، وإن قدرتها موصولة فإنما جزم ـ كما أدخل الفاء فى «فهذابتى» لشبه الموصول بالشرط «ذا» خبريك ، منصوب بالألف نيابة عن الفتحة لأنه من الأسماء الستة ، وذا مضاف و «بت» مضاف إليه ، مجرور بالكسرة الظاهرة ، والجملة من «يك» واسمها وخبرها لا محل لها صلة الموصول إذا قدرت «من» موصولة «فهذا» الفاء واقعة فى جواب الشرط إذا قدرت «من» اسم شرط ، وإن قدرتها موصولة فالفاء زائدة فى خبر المبتدأ لشبهه بالشرط فى عمومه ،

٢٥٨

وقوله :

(٥٩) ـ

ينام بإحدى مقلتيه ، ويتّقى

بأخرى المنايا ؛ فهو يقظان نائم

__________________

وها : حرف تنبيه ، وذا : اسم إشارة مبتدأ «بتى» بت : خبر المبتدأ ، وبت مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «مقيظ ، مصيف ، مشتى» أخبار متعددة لمبتدأ واحد ، وهو اسم الإشارة ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو «من» إن قدرت «من» موصولة ، وفى محل جزم جواب الشرط إن قدرتها شرطية ، وجملة الشرط وجوابه جميعا فى محل رفع خبر المبتدأ على تقدير من شرطية.

الشاهد فيه : قوله «فهذا بتى ، مقيظ ، مصيف ، مشتى» فإنها أخبار متعددة لمبتدأ واحد من غير عاطف ، ولا يمكن أن يكون الثانى نعتا للأول ؛ لاختلافهما تعريفا وتنكيرا ، وتقدير كل واحد مما عدا الأول خبرا لمبتدأ محذوف خلاف الأصل ؛ فلا يصار إليه.

٥٩ ـ البيت لحميد بن ثور الهلالى ، من كلمة يصف فيها الذئب.

اللغة : «مقلتيه» عينيه «المنايا» جمع منية ، وهى فى الأصل فعيلة بمعنى مفعول من منى الله الشىء يمنيه ـ على وزن رمى يرمى ـ بمعنى قدره ، وذلك لأن المنية من مقدرات الله تعالى على عباده ، وقوله «فهو يقظان نائم» هكذا وقع فى أكثر كتب النحاة ، والصواب فى إنشاد هذا البيت «فهو يقظان هاجع» ؛ لأنه من قصيدة عينية مشهورة لحميد بن ثور ، وقبله قوله :

إذا خاف جورا من عدوّ رمت به

قصائبه والجانب المتواسع

وإن بات وحشا ليلة لم يضق بها

ذراعا ، ولم يصبح لها وهو خاشع

الإعراب : «ينام» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذئب «بإحدى» جار ومجرور متعلق بقوله ينام ، وإحدى مضاف ، ومقلتى من «مقلتيه» مضاف إليه ، ومقلتى مضاف والضمير مضاف إليه «ويتقى» الواو عاطفة ، يتقى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذئب ، والجملة معطوفة على جملة «ينام» السابقة «بأخرى» جار ومجرور متعلق بقوله يتقى «المنايا» مفعول به ليتقى «فهو» مبتدأ «يقظان» خبره «نائم» أو «هاجع» خبر بعد خبر.

٢٥٩

وزعم يعضهم أنه لا يتعدّد الخبر إلا إذا كان من جنس واحد ، كأن يكون الخبران مثلا مفردين ، نحو : «زيد قائم ضاحك» أو جملتين نحو : «زيد قام ضحك» فأما إذا كان أحدهما مفردا والآخر جملة فلا يجوز ذلك ؛ فلا تقول : «زيد قائم ضحك» هكذا زعم هذا القائل ، ويقع فى كلام المعريين للقرآن الكريم وغيره تجويز ذلك كثيرا ، ومنه قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) جوزوا كون «تسعى» خبرا ثانيا ، ولا يتعين ذلك ؛ لجواز كونه حالا (١).

__________________

الشاهد فيه : قوله «فهو يقظان نائم» أو قوله «فهو يقظان هاجع» حيث أخبر عن مبتدأ واحد ـ وهو قوله «هو» ـ بخبرين وهما قوله «يقظان هاجع» أو قوله «يقظان نائم» من غير عطف الثانى منهما على الأول

والشواهد على ذلك كثيرة فى كلام من يحتج بكلامه شعره ونثره ؛ فلا معنى لجحده ونكرانه.

ومما استشهد به المجيز قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى) وقوله سبحانه فى قراءة ابن مسعود : (وهذا بعلى شيخ) ومنه قول على بن أبى طالب أمير المؤمنين :

أنا الذى سمّتن أمّى حيدره

كليث غابات غليظ القصره

* أكيلكم بالسّيف كيل السّندره*

فإن قوله «أنا» مبتدأ ، والاسم الموصول بعده خبره ، ويجوز أن يكون «كليث» جارا ومجرورا يتعلق بمحذوف خبر ثان ، وقوله «أكيلكم» جملة فعلية فى محل رفع خبر ثالث ، وهذا دليل لمن أجاز تعدد الخبر مع اختلاف الجنس ، وهو ظاهر بعد ما بيناه.

(١) إذا لم تجعل جملة (تسعى) خبرا ثانيا كما يقول المعربون فهى فى محل رفع صفة لحية ، وليست فى محل نصب حالا من حية كما زعم الشارح ، وذلك لأن (حية) نكرة لا مسوغ لمجىء الحال منها ، وصاحب الحال لا يكون إلا معرفة أو نكرة معها مسوغ ، اللهم إلا أن تتمحل للشارح فتزعم أن الجملة حال من الضمير الواقع مبتدأ على رأى سيبويه الذى يجيز مجىء الحال من المبتدأ.

٢٦٠