شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

الإنصاف استعمال المضارع واسم الفاعل من «عسى» قالوا : عسى يعسى فهو عاس ، وحكى الجوهرىّ مضارع «طفق» ، وحكى الكسائى مضارع «جعل».

* * *

بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد

غنى بـ «أن يفعل» عن ثان فقد (١)

اختصّت «عسى ، واخلولق ، وأوشك» بأنها تستعمل ناقصة وتامة.

فأما الناقصة فقد سبق ذكرها.

وأما التامة فهى المسندة إلى «أن» والفعل ، نحو «عسى أن يقوم ، واخلولق أن يأتى ، وأوشك أن يفعل» فـ «أن» والفعل فى موضع رفع فاعل «عسى ، واخلولق ، وأوشك» واستغنت به عن المنصوب الذى هو خبرها.

وهذا إذا لم يل الفعل الذى بعد «أن» اسم ظاهر يصحّ رفعه به ؛ فإن وليه نحو «عسى أن يقوم زيد» فذهب الأستاذ أبو على الشّلوبين إلى أنه يجب أن يكون الظاهر مرفوعا بالفعل الذى بعد «أن» فـ «أن» وما بعدها فاعل لعسى ، وهى تامة ، ولا خبر لها ، وذهب المبرد والسيرافىّ والفارسىّ إلى تجويز

__________________

(١) «بعد» ظرف متعلق بقوله يرد الآتى ، وبعد مضاف ، و «عسى» قصد لفظه مضاف إليه «اخلولق ، أوشك» معطوفان على «عسى» بعاطف مقدر «قد» حرف تحقيق «يرد» فعل مضارع «غنى» فاعل يرد «بأن يفعل» جار ومجرور متعلق بقوله «غنى» ومثله قوله «عن ثان» وقوله «فقد» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ثان ، والجملة من فقد ونائب فاعله فى محل جر صفة لثان.

٣٤١

ما ذكره الشّلوبين وتجويز وجه آخر ، وهو : أن يكون ما بعد الفعل الذى بعد «أن» مرفوعا بعسى اسما لها ، و «أن» والفعل فى موضع نصب بعسى ؛ وتقدّم على الاسم ، والفعل الذى بعد «أن» فاعله ضمير يعود على فاعل «عسى» وجاز عوده عليه ـ وإن تأخّر ـ لأنه مقدّم فى النية.

وتظهر فائدة هذا الخلاف فى التثنية والجمع والتأنيث ؛ فتقول ـ على مذهب غير الشلوبين ـ «عسى أن يقوما الزيدان ، وعسى أن يقوموا الزيدون ، وعسى أن يقمن الهندات» فتأتى بضمير فى الفعل ؛ لأن الظاهر ليس مرفوعا به ، بل هو مرفوع بـ «عسى» وعلى رأى الشلوبين يجب أن تقول : «عسى أن يقوم الزيدان ، وعسى أن يقوم الزيدون ، وعسى أن تقوم الهندات» فلا تأتى فى الفعل بضمير ؛ لأنه رفع الظاهر الذى بعده.

* * *

وجرّدن عسى ، أو ارفع مضمرا

بها ، إذا اسم قبلها قد ذكرا (١)

__________________

(١) «وجردن» جرد : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «عسى» قصد لفظه : مفعول به لجرد «أو» حرف عطف معناه التخيير «ارفع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مضمرا» مفعول به لارفع «بها» جار ومجرور متعلق بارفع «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان ، تضمن معنى الشرط «اسم» نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده ، أى : إذا ذكر اسم «قبلها» قبل : ظرف متعلق بذكر الآتى ، وقبل مضاف وها : مضاف إليه «قد» حرف دال على التحقيق مبنى على السكون لا محل له من الإعراب «ذكرا» فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم ، والجملة من ذكر ونائب فاعله المستتر فيه لا محل لها تفسيرية.

٣٤٢

اختصّت «عسى» من بين سائر أفعال هذا الباب بأنها إذا تقدم عليها اسم جاز أن يضمر فيها ضمير يعود على الاسم السابق ، وهذه لغة تميم ، وجاز تجريدها عن الضمير ، وهذه لغة الحجاز ، وذلك نحو «زيد عسى أن يقوم» فعلى لغة تميم يكون فى «عسى» ضمير مستتر يعود على «زيد» و «أن يقوم» فى موضع نصب بعسى ، وعلى لغة الحجاز لا ضمير فى عسى» و «أن يقوم» فى موضع رفع بعسى.

ونظهر فائدة ذلك فى التثنية والجمع والتأنيث ؛ فتقول ـ على لغة تميم ـ : «هند عست أن تقوم ، والزيدان عسيا أن يقوما ، والزيدون عسوا أن يقوموا ، والهندان عستا أن تقوما ، والهندات عسين أن يقمن» وتقول ـ على لغة الحجاز ـ : «هند عسى أن تقوم ، والزيدان عسى أن يقوما ، والزيدون عسى أن يقوموا ، والهندان عسى أن تقوما ، والهندات عسى أن يقمن».

وأما غير «عسى» من أفعال هذا الباب فيجب الإضمار فيه ؛ فتقول : «الزيدان جعلا ينظمان» ولا يجوز ترك الإضمار ؛ فلا تقول : «الزيدان جعل ينظمان» كما تقول : «الزيدان عسى أن يقوما».

* * *

والفتح والكسر أجز فى السّين من

نحو «عسيت» ، وانتقا الفتح زكن (١)

__________________

(١) «والفتح» مفعول به مقدم على عامله وهو قوله «أجز» الآتى «والكسر» معطوف على الفتح «أجز» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فى السين» جار ومجرور متعلق بأجز «من نحو» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من السين ، ونحو مضاف وقوله «عسيت» قصد لفظه : مضاف إليه «وانتقا» الواو

٣٤٣

إذا اتصل بـ «عسى» ضمير موضوع للرفع ، وهو لمتكلم ، نحو «عسيت» أو لمخاطب ، نحو «عسيت ، وعسيت ، وعسيتما ، وعسيتم ، وعسيتنّ» أو لغائبات ، نحو «عسين» جاز كسر سينها وفتحها ، والفتح أشهر ، وقرأ نافع : (فهل عسيتم إن تولّيتم) ـ بكسر السين ـ وقرأ الباقون بفتحها.

* * *

__________________

عاطفة ، انتقا : مبتدأ ، وانتقا مضاف و «الفتح» مضاف إليه «زكن» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى انتقا الفتح ، والجملة من زكن ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ.

٣٤٤

إنّ وأخواتها

لإنّ ، أنّ ، ليت ، لكنّ ، لعلّ ،

كأنّ ـ عكس مالكان من عمل (١)

كإنّ زيدا عالم بأنّى

كفء ، ولكنّ ابنه ذو ضغن (٢)

هذا هو القسم الثانى من الحروف الناسخة للابتداء ، وهى ستة أحرف (٣) :

__________________

(١) «لإن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «أن ، ليت ، لكن ، لعل ، كأن» كلهن معطوف على المجرور بعاطف مقدر «عكس» مبتدأ مؤخر ، وعكس مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «لكان» جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقع جملته صلة الموصول : أى عكس الذى استقر لكان «من عمل» جار ومجرور متعلق بما تعلق به الأول.

(٢) «كإن» الكاف جارة لقول محذوف كما سبق غير مرة ، إن : حرف توكيد ونصب «زيدا» اسمها «عالم» خبرها «بأنى» الباء جارة ، وأن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمها «كفء» خبرها ، وأن ومعمولاها فى تأويل مصدر مجرور بالباء ، والجار والمجرور متعلق بقوله «عالم» السابق «ولكن» حرف استدراك ونصب «ابنه» ابن : اسم لكن ، وابن مضاف والهاء مضاف إليه «ذو» خبر لكن ، وذو مضاف و «ضغن» مضاف إليه.

(٣) قد عرفت مما قدمنا لك ذكره فى أول الكلام على أفعال المقاربة (ص ٣٢٢) أن سيبويه رحمه الله يرى أن «عسى» قد تكون حرفا دالا على الترجى مثل لعل وأنها على مذهبه تكون عاملة عمل إن ؛ فتنصب الاسم ، وترفع الخبر ، وذلك فى حالة واحدة ، وهى أن يتصل بها ضمير نصب ، نحو قول الشاعر :

* فقلت عساها نار كأس وعلّها*

وقد تقدم إنشاده كاملا فى الموضع الذى أحلناك عليه ، ومثله قول الراجز :

تقول بنتى : قد أنى أناكا ،

يا أبتا علك أو عساكا

ومثله قول عمران بن حطان الخارجى :

٣٤٥

إنّ ، وأنّ ، وكأنّ ، ولكنّ ، وليت ، ولعلّ ، وعدّها سيبويه خمسة ؛ فأسقط «أنّ» المفتوحة لأن أصلها «إن» المكسورة ، كما سيأتى.

ومعنى «إنّ ، وأنّ» التوكيد ، ومعنى «كأنّ» التشبيه ، و «لكنّ» للاستدراك ، و «ليت» للتّمنّى ، و «لعلّ» للترجّى والإشفاق ، والفرق بين الترجّى والتمنى أن التمنى يكون فى الممكن ، نحو : «ليت زيدا قائم» وفى غير الممكن ، نحو : «ليت الشّباب يعود يوما» (١) ، وأن الترجّى لا يكون إلا فى الممكن ؛ فلا تقول : «لعلّ الشّباب يعود» والفرق بين الترجّى والإشفاق أن الترجّى يكون فى المحبوب ، نحو : «لعل الله يرحمنا» والإشفاق فى المكروه نحو : «لعل العدو يقدم».

وهذه الحروف تعمل عكس عمل «كان» فتنصب الاسم ، وترفع الخبر (٢)

__________________

ولى نفس أقول لها إذا ما

تنازعنى : لعلّى أو عسانى

ولهذا تجد ابن هشام عد هذه الحروف سبعة : الستة التى عدها الناظم والشارح ، والسابع عسى ، عند سيبويه وجماعة من النحاة ، فاعرف ذلك.

(١) قد وردت هذه الجملة فى بيت لأبى العتاهية ، وهو قوله :

ألا ليت الشّباب يعود يوما

فأخبره بما فعل المشيب

(٢) ههنا أمران يجب أن تتنبه لهما :

الأول : أن هذه الحروف لا تدخل على جملة يجب فيها حذف المبتدأ ، كما لا تدخل على مبتدأ لا يخرج عن الابتدائية ، مثل «ما» التعجبية ، كما لا تدخل على مبتدأ يجب له التصدير ـ أى الوقوع فى صدر الجملة ـ كاسم الاستفهام ، ويستثنى من هذا الأخير ضمير الشأن ؛ فإنه مما يجب تصديره ، وقد دخلت عليه إن فى قول الأخطل التغلبى :

إنّ من يدخل الكنيسة يوما

يلق فيها جآذرا وظباء

فإن : حرف توكيد ونصب ، واسمها ضمير شأن محذوف ، ومن : اسم شرط مبتدأ وخبره جملة الشرط وجوابه أو إحداهما ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل رفع خبر إن ، ولا يجوز أن تجعل اسم الشرط اسما لإن ؛ لكونه مما يجب له التصدير ، وقد حمل على

٣٤٦

..................................................................................

__________________

ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم : «إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» فإن : حرف توكيد ونصب ، واسمها ضمير شأن محذوف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، والمصورون : مبتدأ مؤخر ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل رفع خبر إن ، وهذا هو الراجح فى إعراب هذا الحديث على هذه الرواية ، ومنهم من جعل من فى قوله «من أشد» زائدة على مذهب الكسائى الذى يجيز زيادة من الجارة فى الإيجاب ، ويجعل «أشد» اسم إن. و «المصورون» خبرها وهو مبنى على رأى ضعيف ، ولا تدخل هذه الحروف على جملة يكون الخبر فيها طلبيا أو إنشائيا ، فأما قوله تعالى (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وقوله سبحانه (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) وقول الشاعر :

إنّ الذين قتلتم أمس سيّدهم

لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما

فإنها على تقدير قول محذوف يقع خبرا لإن ، وتقع هذه الجمل الإنشائية معمولة له ؛ فيكون الكلام من باب حذف العامل وإبقاء المعمول. والتقدير : إن الذين قتلتم سيدهم مقول فى شأنهم لا تحسبوا ـ إلخ ، وكذلك الباقى ، هكذا قالوا ، وهو عندى تكلف والتزام ما لا لزوم له.

ويستثنى من ذلك عندهم أن المفتوحة ؛ فإنها انفردت بجواز وقوع خبرها جملة إنشائية ، وهو مقيس فيما إذا خففت نحو قوله تعالى (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) وقوله جل شأنه : (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها).

الأمر الثانى : أن جماعة من العلماء ـ منهم ابن سيده ـ قد حكوا أن قوما من العرب ينصبون بإن وأخواتها الاسم والخبر جميعا ، واستشهدوا على ذلك بقول (وينسب إلى عمر بن أبى ربيعة ، ولم أجده فى ديوانه) :

إذا اسودّ جنح اللّيل فلتأت ولتكن

خطاك خفافا ، إنّ حرّاسنا أسدا

ويقول محمد بن ذؤيب العمانى الفقيمى الراجز يصف فرسا :

كأنّ أذنيه إذا تشوّفا

قادمة أو قلما محرّفا

وبقول ذى الرمة :

كأن جلودهنّ مموّهات

على أبشارها ذهبا زلالا

وبقول الراجز :

٣٤٧

نحو : «إنّ زيدا قائم» ؛ فهى عاملة فى الجزءين ، وهذا مذهب البصريين ، وذهب الكوفيّون إلى أنها لا عمل لها فى الخبر ، وإنما هو باق على رفعه الذى كان له قبل دخول «إن» وهو خبر المبتدأ.

* * *

وراع ذا التّرتيب ، إلّا فى الّذى

كليت فيها ـ أو هنا ـ غير البذى (١)

أى : يلزم تقديم الاسم فى هذا الباب وتأخير الخبر ، إلّا إذا كان الخبر ظرفا ، أو جارا ومجرورا ؛ فإنه لا يلزم تأخيره ، وتحت هذا قسمان :

أحدهما : أنه يجوز تقديمه وتأخيره ، وذلك نحو : «ليت فيها غير البذى»

__________________

* يا ليت أيّام الصّبا رواجعا*

وزعم ابن سلام أن لغة جماعة من تميم ـ هم قوم رؤبة بن العجاج ـ نصب الجزأين بإن وأخواتها ، ونسب ذلك أبو حنيفة الدينورى إلى تميم عامة.

وجمهرة النحاة لا يسلمون ذلك كله ، وعندهم أن المنصوب الثانى منصوب بعامل محذوف ، وذلك العامل المحذوف هو خبر إن ، وكأنه قال : إن حراسنا يشبهون أسدا ، يا ليت أيام الصبا تكون رواجع.

(١) «وراع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ذا» اسم إشارة مفعول به لراع «الترتيب» يدل ، أو عطف بيان ، أو نعت لاسم الإشارة «إلا» أداة استثناء «فى الذى» جار ومجرور يقع موقع المستثنى من محذوف. والتقدير : راع هذا الترتيب فى كل تركيب إلا فى التركيب الذى ـ إلخ «كليت» الكاف جارة لقول محذوف ، وهى ومجرورها متعلقان بفعل محذوف تقع جملته صلة الذى وليت : حرف تمن ونصب «فيها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليت مقدم على اسمها «أو» عاطفة ، معناه التخيير «هنا» ظرف مكان معطوف على قوله «فيها» «غير» اسم «ليت» مؤخر ، وغير مضاف ، و «البذى» مضاف إليه ، والمراد بالتركيب الذى كليت فيها ـ إلخ : كل تركيب وقع فيه خبر إن ظرفا أو جارا ومجرورا

٣٤٨

أو «ليت هنا غير البذى» أى اوقح ؛ فيجوز تقديم «فيها ، وهنا» على «غير» وتأخيرهما عنها.

والثانى : أنه يجب تقديمه ، نحو : «ليت فى الدّار صاحبها» فلا يجوز تأخير «فى الدار» لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

ولا يجوز تقديم معمول الخبر على الاسم إذا كان غير ظرف ولا مجرور ، نحو : «إنّ زيدا آكل طعامك» فلا يجوز «إنّ طعامك زيدا آكل» وكذا إن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا ، نحو : «إنّ زيدا واثق بك» أو «جالس عندك» فلا يجوز تقديم المعمول على الاسم ؛ فلا تقول : «إنّ بك زيدا واثق» أو «إنّ عندك زيدا جالس» وأجازه بعضهم ، وجعل منه قوله :

(٩٥) ـ

فلا تلحنى فيها ؛ فإنّ بحبّها

أخاك مصاب القلب جمّ بلابله

* * *

__________________

٩٥ ـ هذا البيت من شواهد سيبويه الخمسين التى لم ينسبوها إلى قائل معين (انظر كتاب سيبويه ١ / ٢٨٠).

اللغة : «لا تلحنى» ـ من باب فتح ـ أى : لا تلمنى ولا تعذلنى «جم» كثير ، عظيم «بلابله» أى وساوسه ، وهو جمع بلبال ، وهو الحزن واشتغال البال.

المعنى : قال الأعلم فى شرح شواهد سيبويه «يقول لا تلمنى فى حب هذه المرأة فقد أصيب قلبى بها ، واستولى عليه حبها ؛ فالعذل لا يصرفنى عنها» اه

الإعراب : «فلا» ناهية «تلحنى» تلح : فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به «فيها» جار ومجرور متعلق بتلحى «فإن» الفاء تعليلية ، إن : حرف توكيد ونصب «تجبها» الجار والمجرور متعلق بقوله «مصاب» الآتى ، وحب مضاف ، وها : ضمير الغائبة مضاف إليه «أخاك» أخا : اسم إن ، وأخا مضاف والكاف مضاف إليه «مصاب» خبر إن ، ومصاب مضاف و «القلب» مضاف إليه «جم» خبر ثان لإن «بلابله» بلابل : فاعل لجم ، مرفوع بالضمة الظاهرة ، وبلابل مضاف وضمير الغائب العائد إلى «أخاك» مضاف إليه ، مبنى على السكون فى محل جر.

٣٤٩

وهمز إنّ افتح لسدّ مصدر

مسدّها ، وفى سوى ذاك اكسر (١)

«إنّ» لها ثلاثة أحوال : وجوب الفتح ، ووجوب الكسر ، وجواز الأمرين :

فيجب فتحها إذا قدّرت بمصدر ، كما إذا وقعت فى موضع مرفوع فعل (٢) ،

__________________

الشاهد فيه : تقديم معمول خبر «إن» وهو قوله «بحبها» على اسمها وهو قوله «أخاك» وخبرها وهو قوله «مصاب القلب» وأصل الكلام «إن أخاك مصاب القلب بحبها» فقدم الجار والمجرور على الاسم ، وفصل به بين إن واسمها ، مع بقاء الاسم مقدما على الخبر ، وإجازة هذا هو ما رآه سيبويه شيخ النحاة (انظر الكتاب ١ / ٢٨٠).

(١) «وهمز» مفعول مقدم على عامله ، وهو قوله «افتح» الآتى ، وهمز مضاف و «إن» قصد لفظه : مضاف إليه «افتح» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لسد» جار ومجرور متعلق بافتح ، وسد مضاف و «مصدر» مضاف إليه «مسدها» مسد : مفعول مطلق ، ومسد مضاف والضمير مضاف إليه «وفى سوى» جار ومجرور متعلق بقوله «اكسر» الآتى ، وسوى مضاف واسم الإشارة من «ذاك» مضاف إليه ، والكاف حرف خطاب «اكسر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

(٢) شمل قول الشارح «مرفوع فعل» ما إذا وقعت أن فى موضع الفاعل كالمثال الذى ذكره ، ومنه قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا) أى : أولم يكفهم إنزالنا ، وما إذا وقعت فى موضع النائب عن الفاعل ، نحو قوله تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) أى : قل أوحى إلى استماع نفر من الجن ، ولا فرق بين أن يكون الفعل ظاهرا كما فى هذه الأمثلة ، وبين أن يكون الفعل مقدرا ، وذلك بعد «ما» المصدرية نحو قولهم : «لا أكلمه ما أن فى السماء نجما» وقولهم : «لا أفعل هذا ما أن حراء مكانه» التقدير : لا أكلمه ما ثبت كون نجم فى السماء ، ولا أفعله ما ثبت كون حراء فى مكانه ، وبعد «لو» الشرطية فى مذهب الكوفيين ، وذلك كما فى نحو قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ) أى لو ثبت صبرهم.

٣٥٠

نحو : «يعجبنى أنّك قائم» أى : قيامك ، أو منصوبه ، نحو : «عرفت أنّك قائم» أى : قيامك ، أو فى موضع مجرور حرف ، نحو : «عجبت من أنّك قائم» أى : من قيامك (١) ، وإنما قال : «لسدّ مصدر مسدّها» ولم يقل : «لسد مفرد مسدها» لأنه قد يسدّ المفرد مسدّها ويجب كسرها ، نحو : «ظننت زيدا إنه قائم» ؛ فهذه يجب كسرها وإن سدّ مسدّها مفرد ؛ لأنها فى موضع المفعول الثانى ، ولكن لا تقدّر بالمصدر ؛ إذ لا يصح «ظننت زيدا قيامه».

فإن لم يجب تقديرها بمصدر لم يجب فتحها ، بل تكسر : وجوبا ، أو جوازا ، على ما سنبين ، وتحت هذا قسمان ؛ أحدهما : وجوب الكسر ، والثانى : جواز الفتح والكسر ؛ فأشار إلى وجوب الكسر بقوله :

__________________

(١) ذكر المؤلف ضابطا عاما للمواضع التى يجب فيها فتح همزة «إن» ـ وهو أن يسد المصدر مسدها ـ وقد ذكر الشارح ثلاثة منها ، وبقيت عليه خمسة مواضع أخرى :

الأول : أن تقع فى موضع مبتدأ مؤخر ، نحو قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ) أى ومن آياته رؤيتك الأرض.

الثانى : أن تقع فى موضع خبر مبتدأ ، بشرط أن يكون ذلك المبتدأ غير قول ، وبشرط ألا يكون خبر أن صادقا على ذلك المبتدأ ، نحو قولك : ظنى أنك مقيم معنا اليوم ، أى ظنى إقامتك معنا اليوم.

الثالث : أن تقع فى موضع المضاف إليه نحو قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) أى مثل نطقكم ؛ فما : صلة ، ومثل مضاف وأن مع ما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بالإضافة.

الرابع : أن تقع فى موضع المعطوف على شىء مما ذكرناه ، نحو قوله تعالى : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ، وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) أى : اذكروا نعمتى وتفضيلى إياكم.

الخامس : أن تقع فى موضع البدل من شىء مما ذكرناه ، نحو قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) أى : وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين كونها لكم ، فهو بدل اشتمال من المفعول به.

٣٥١

فاكسر فى الابتدا ، وفى بدء صله

وحيث «إنّ» ليمين مكمله (١)

أو حكيت بالقول ، أو حلّت محلّ

حال ، كزرته وإنّى ذو أمل (٢)

وكسروا من بعد فعل علّقا

باللّام ، كاعلم إنّه لذو تقى (٣)

__________________

(١) «فاكسر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فى الابتد» جار ومجرور متعلق باكسر «وفى بدء» جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور السابق ، وبدء مضاف و «صله» مضاف إليه «وحيث» الواو عاطفة ، حيث : ظرف معطوف على الجار والمجرور «إن» قصد لفظه : مبتدأ «ليمين» جار ومجرور متعلق بقوله «مكمله» الآتى «مكمله» خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل جر بإضافة «حيث» إليها.

(٢) «أو» حرف عطف «حكيت» حكى : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء للتأنيث ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى إن ، والجملة معطوفة على جملة المبتدأ والخبر السابقة «بالقول» جار ومجرور متعلق بحكيت «أو» حرف عطف «حلت» حل : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى إن «محل» مفعول فيه ، ومحل مضاف ، و «حال» مضاف إليه «كزرته» الكاف جارة لقول محذوف ، كما سلف مرارا ، زرته : فعل وفاعل ومفعول «وإنى» الواو واو الحال ، إن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمها «ذو» خبرها ، وذو مضاف ، و «أمل» مضاف إليه ، والجملة من إن واسمها وخبرها فى محل نصب حال صاحبه تاء المتكلم فى «زرته».

(٣) «وكسروا» الواو عاطفة ، وكسروا : فعل وفاعل «من بعد» جار ومجرور متعلق بكسروا ، وبعد مضاف ، و «فعل» مضاف إليه «علقا» علق : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل والجملة فى محل جر نعت لفعل «باللام» جار ومجرور متعلق بعلق «كاعلم» الكاف جارة لقول محذوف ، اعلم : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إنه» إن حرف توكيد ونصب ، والهاء اسمها «لذو» اللام هى لام الابتداء ، وهى المعلقة ، ذو : خبر إن مرفوع بالواو نيابة عن الضمه لأنه من الأسماء الستة ، وذو مضاف ، و «تقى» مضاف إليه.

٣٥٢

[فذكر أنه] يجب الكسر فى ستة مواضع :

الأول : إذا وقعت «إنّ» ابتداء ، أى : فى أول الكلام ، نحو : «إنّ زيدا قائم» ولا يجوز وقوع المفتوحة ابتداء ؛ فلا تقول : «أنّك فاضل عندى» بل يجب التأخير ؛ فتقول : «عندى أنّك فاضل» وأجاز بعضهم الابتداء بها.

الثانى : أن تقع «إنّ» صدر صلة ، نحو : «جاء الّذى إنه قائم» ، ومنه قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ).

الثالث : أن تقع جوابا للقسم وفى خبرها اللام ، نحو : «والله إن زيدا لقائم» وسيأتى الكلام على ذلك.

الرابع : أن تقع فى جملة محكيّة بالقول ، نحو : «قلت إنّ زيدا قائم» [قال تعالى : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ)] ؛ فإن لم تحك به ـ بل أجرى القول مجرى الظن ـ فتحت ، نحو : «أتقول أن زيدا قائم؟» أى : أتظنّ.

الخامس : أن تقع فى جملة فى موضع الحال ، كقوله : «زرته وإنّى ذو أمل» ومنه قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) وقول الشاعر :

(٩٦) ـ

ما أعطيانى ولا سألتهما

إلّا وإنّى لحاجزى كرمى

__________________

٩٦ ـ البيت لكثير عزة ، وهو كثير بن عبد الرحمن ، من قصيدة له يمدح فيها عبد الملك بن مروان بن الحكم وأخاه عبد العزيز بن مروان ، وأول هذه القصيدة قوله :

دع عنك سلمى إذ فات مطلبها

واذكر خليليك من بنى الحكم

اللغة : «مطلبها» يجوز أن يكون ههنا مصدرا ميميا بمعنى الطلب ، ويجوز أن يكون اسم زمان بمعنى وقت الطلب ، والثانى أقرب «إلا» رواية سيبويه ـ رحمه الله ـ على أنها أداة استثناء مكسورة الهمزة مشددة اللام ، ورواية أبى العباس المبرد بفتح الهمزة وتخفيف اللام على أنها أداة استفتاح ، ورواية سيبويه أعرف وأشهر وأصلح من جهة

٣٥٣

السادس : أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب وقد علّق عنها باللام ، نحو : «علمت إنّ زيدا لقائم» وسنبين هذا فى باب «ظنّ» فإن لم يكن فى خبرها اللام فتحت ، نحو : «علمت أنّ زيدا قائم».

هذا ما ذكره المصنف ، وأورد عليه أنه نقص مواضع يجب كسر إنّ» فيها :

الأول : إذا وقعت بعد «ألا» الاستفتاحية ، نحو : «ألا إنّ زيدا قائم». ومنه قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ)

__________________

المعنى «حاجزى» أى مانعى ، وتقول : حجزه يحجزه ـ من باب ضرب ـ إذا منعه وكفه.

الإعراب : «ما» نافية «أعطيانى» أعطى : فعل ماض ، وألف الاثنين فاعل ، والنون للوقاية ، والياء مفعول أول ، والمفعول الثانى محذوف ، والتقدير : ما أعطيانى شيئا «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية «سألتهما» فعل وفاعل ومفعول أول ، والمفعول الثانى محذوف ، وتقديره كالسابق «إلا» أداة استثناء ، والمستثنى منه محذوف ، أى : ما أعطيانى ولا سألتهما فى حالة من الأحوال «وإنى» الواو واو الحال ، إن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمها «لحاجزى» اللام للتأكيد ، حاجز : خبر إن ، وحاجز مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله «كرمى» كرم : فاعل بحاجز ، وكرم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، وجملة إن واسمها وخبرها فى محل نصب حال ، وهذه الحال فى المعنى مستثناة من عموم الأحوال ، وكأنه قال : ما أعطيانى ولا سألتهما فى حالة إلا هذه.

الشاهد فيه : قوله «إلا وإنى ـ إلخ» حيث جاءت همزة «إن» مكسورة لأنها وقعت موقع الحال ، وثمت سبب آخر فى هذه العبارة يوجب كسر همزة «إن» وهو اقتران خبرها باللام ، وقال الأعلم (ج ١ ص ٤٧٢) : الشاهد فيه كسر إن ؛ لدخول اللام فى خبرها ، ولأنها واقعة موقع الجملة النائبة عن الحال ، ولو حذف اللام لم تكن إلا مكسورة لذلك» اه.

ومثل هذا البيت قول الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) فإن فى هذه الآية الكريمة مكسورة الهمزة وجوبا لسببين كل واحد منهما يقتضى ذلك على استقلاله : وقوعها موقع الحال ، واقتران خبرها باللام.

٣٥٤

الثانى : إذا وقعت بعد «حيث» ، نحو : «اجلس حيث إنّ زيدا جالس».

الثالث : إذا وقعت فى جملة هى خبر عن اسم عين ، نحو : «زيد إنّه قائم».

ولا يرد عليه شىء من هذه المواضع ؛ لدخولها تحت قوله : «فاكسر فى الابتدا» لأن هذه إنما كسرت لكونها أوّل جملة مبتدأ بها.

* * *

بعد إذا فجاءة أو قسم

لا لام بعده بوجهين نمى (١)

مع تلو فا الجزا ، وذا يطّرد

فى نحو «خير القول إنّى أحمد» (٢)

__________________

(١) «بعد» ظرف متعلق بقوله «نمى» فى آخر البيت ، وبعد مضاف ، و «إذا» مضاف إليه ، وإذا مضاف و «فجاءة» مضاف إليه ، وهى من إضافة الدال إلى المدلول «أو» حرف عطف «قسم» معطوف على إذا «لا» نافية للجنس «لام» اسمها «بعده» بعد : ظرف متعلق بمحذوف خبر لا ، وبعد مضاف والهاء مضاف إليه ، وجملة لا واسمها وخبرها فى محل جر نعت لقسم «بوجهين» جار ومجرور متعلق بقوله «نمى» الآتى «نمى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى همز إن.

(٢) «مع» ظرف معطوف على قوله «بعد» السابق بعاطف مقدر ، ومع مضاف و «تلو» مضاف إليه ، وتلو مضاف و «فا» قصر للضرورة : مضاف إليه ، وفا مضاف و «الجزا» قصر للضرورة أيضا : مضاف إليه «ذا» اسم إشارة مبتدأ «يطرد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على اسم الإشارة ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «فى نحو» جار ومجرور متعلق بيطرد «خير» مبتدأ ، وخير مضاف و «القول» مضاف إليه «إنى» إن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمها «أحمد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، وجملة المضارع وفاعله فى محل رفع خبر إن ، وجملة إن ومعموليها فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جر بإضافة «نحو» إليه.

٣٥٥

يعنى أنه يجوز فتح «إنّ» وكسرها إذا وقعت بعد إذا الفجائية ، نحو «خرجت فإذا إن زيدا قائم» فمن كسرها جعلها جملة ، والتقدير : خرجت فإذا زيد قائم ، ومن فتحها جعلها مع صلتها مصدرا ، وهو مبتدأ خبره إذا الفجائية ، والتقدير «فإذا قيام زيد» أى ففى الحضرة قيام زيد ، ويجوز أن يكون الخبر محذوفا ، والتقدير «خرجت فإذا قيام زيد موجود» (١) ، ومما جاء بالوجهين قوله :

(٩٧) ـ

وكنت أرى زيدا ـ كما قيل ـ سيّدا

إذا أنّه عبد القعا والّلهازم

__________________

(١) هذان الوجهان اللذان جوزهما المؤلف على تقدير فتح همز أن بعد إذا الفجائية مبنيان على الخلاف فى إذا الفجائية : أهى حرف أم ظرف؟ (انظر ص ٢٤٤ وما بعدها) فمن قال هى ظرف مكانى أو زمانى جعلها الخبر ، وفتح الهمزة ، ومن قال هى حرف أجاز جعل إن واسمها وخبرها جملة أو جعلها فى تأويل مفرد ، وهذا المفرد إما أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف ، وإما أن يكون مبتدأ والخبر محذوفا ، فإن جعلتها جملة كسرت الهمزة ، وإن جعلتها مفردا فتحت الهمزة.

والحاصل أن من قال «إذا حرف مفاجأة» وهو ابن مالك ـ جاز عنده كسر همزة إن بعدها على تقدير أن ما بعدها جملة تامة ، وجاز عنده أيضا فتح الهمزة على تقدير أن ما بعدها فى تأويل مصدر مبتدأ خبره محذوف أو خبر لمبتدأ محذوف ، وأما من جعل إذا ظرفا زمانيا أو مكانيا فقد أوجب فتح همزة أن على أنها فى تأويل مصدر مبتدأ خبره الظرف قبله.

ومن هنا يتبين لك أن كلام الناظم وجعله «إن» بعد «إذا» ذات وجهين لا يتم إلا على مذهبه أن إذا الفجائية حرف ، أو على التلفيق من المذهبين : بأن يكون الفتح على مذهب من قال بظرفيتها والكسر على مذهب من قال بحرفيتها ، مع أن من قال بحرفيتها يجوز فيها الفتح أيضا.

٩٧ ـ هذا البيت من شواهد سيبويه التى لم ينسبوها ، وقال سيبويه قبل أن ينشده (١ ـ ٤٧٢): «وسمعت رجلا من العرب ينشد هذا البيت كما أخبرك به» اه.

اللغة : «اللهازم» جمع لهزمة ـ بكسر اللام والزاى ـ وهى طرف الحلقوم ، ويقال : هى عظم ناتىء تحت الأذن ، وقوله «عبد القفا واللهازم» كناية عن الخسة والدناءة والذلة ، وذلك لأن القفا موضع الصفع ، واللهزمة موضع اللكز ، فأنت إذا

٣٥٦

..................................................................................

__________________

نظرت إلى هذين الموضعين منه اتضح لك أنه يضرب على قفاه ولهزمته ، وليس أحد يضرب على قفاه ولهزمته غير العبد ، فتعرف من ذلك عبوديته وذلته ودناءته.

المعنى : كنت أظن زيدا سيدا كما قيل لى عنه ، فإذا هو ذليل خسيس لا سيادة له ولا شرف.

الإعراب : «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه «أرى» بزنة المبنى للمجهول ومعناه أظن ـ فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «زيدا» مفعوله الأول «كما» الكاف جارة ، وما : مصدرية «قيل» فعل ماض مبنى للمجهول وما المصدرية مع مدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف : أى كقول الناس ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا ، والتقدير : ظنا موافقا قول الناس «سيدا» مفعول ثان لأرى ، والجملة من «أرى» وفاعلها ومفعوليها فى محل نصب خبر كان «إذا» فجائية «إنه» إن : حرف توكيد ونصب ، والهاء اسمه «عبد» خبر إن ، وعبد مضاف و «القفا» مضاف إليه «واللهازم» معطوف على القفا.

الشاهد فيه : قوله «إذا أنه» حيث جاز فى همزة «إن» الوجهان ؛ فأما الفتح فعلى أن تقدرها مع معموليها بالمفرد الذى هو مصدر ، وإن كان هذا المفرد محتاجا إلى مفرد آخر لتتم بهما جملة ، وهذا الوجه يتأتى على الراجح عند الناظم من أن إذا حرف لا ظرف ، كما أنه يتأتى على القول بأنها ظرف ، وأما الكسر فلتقديرها مع مفعوليها جملة ، وهى فى ابتدائها ، قال سيبويه : «فحال إذا ههنا كحالها إذا قلت : مررت فإذا أنه عبد ، تريد مررت به فإذا العبودية واللؤم ، كأنك قلت : مررت فإذا أمره العبودية واللؤم ، ثم وضعت أن فى هذا الموضع جاز» اه ، وقال الأعلم : «الشاهد فيه جواز فتح إن وكسرها يعد إذا ، فالكسر على نية وقوع المبتدأ ، والإخبار عنه بإذا ، والتقدير فإذا العبودية ، وإن شئت قدرت الخبر محذوفا على تقدير : فإذا العبودية شأنه» اه.

والمحصل من وجوه الإعراب الجائز فى هذا الأسلوب أن نقول لك :

أما من ذهب إلى أن إذا الفجائية ظرف فأوجب فتح همزة إن ، وجعل أن وما دخلت

٣٥٧

روى بفتح «أنّ» روى بفتح «أنّ» وكسرها ؛ فمن كسرها جعلها جملة [مستأنفة] ، والتقدير «إذا هو عبد القفا والّلهازم» ومن فتحها جعلها مصدرا مبتدأ ، وفى خبره الوجهان السابقان ، والتقدير على الأول «فإذا عبوديّته» أى : ففى الحضرة عبوديته ، وعلى الثانى «فإذا عبوديته موجودة».

وكذا يجوز فتح «إن» وكسرها إذا وقعت جواب قسم ، وليس فى خبرها اللام ، نحو «حلفت أنّ زيدا قائم» بالفتح والكسر ؛ وقد روى بالفتح والكسر قوله :

(٩٨) ـ

لتقعدنّ مقعد القصىّ

منّى ذى القاذورة المقلىّ

أو تحلفى بربّك العلىّ

أنّى أبو ذيّالك الصّبىّ

__________________

عليه فى تأويل مصدر ، ويجوز لك ـ حينئذ ـ ثلاثة أوجه من الإعراب : الأول أن يكون المصدر مبتدأ خبره إذا نفسها ، والثانى أن يكون المصدر مبتدأ خبره محذوف ، أى فإذا العبودية شأنه ، أو فإذا العبودية موجودة ، وهذا تقدير الشارح كغيره ، والثالث أن تجعل المصدر خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير فإذا شأنه العبودية ، وهذا تقدير سيبويه كما سمعت فى عبارته.

وأما من ذهب إلى أن إذا الفجائية حرف فأجاز فتح همزة إن وأجاز كسرها ، فإن فتحتها فهى ومدخولها فى تأويل مصدر ، ولك وجهان من الإعراب ، الأول أن تجعل المصدر مبتدأ خبره محذوف ، والثانى : أن تجعل المصدر خبر مبتدأ محذوف ، وليس لك ـ على هذا ـ أن تجعل «إذا» نفسها خبر المبتدأ ، لأن إذا حينئذ حرف وليست ظرفا ، وإن كسرتها فليس لك إلا الإعراب الظاهر ؛ إذ ليس فى الكلام تقدير ، فاحفظ هذا والله تعالى يرشدك.

٩٨ ـ البيتان ينسبان إلى رؤبة بن العجاج ، وقال ابن برى : «هما لأعرابى قدم من سفر فوجد امرأته وضعت ولدا فأنكره».

اللغة : «القصى» البعيد النائى «ذى القاذورة» المراد به الذى لا يصاحبه الناس لسوء خلقه ، ويقال : هذا رجل قاذورة ، وهذا رجل ذو قاذورة ؛ إذا كان الناس

٣٥٨

..................................................................................

__________________

يتحامون صحبته لسوء أخلاقه ودنىء طباعه «المقلى» المكروه ، اسم مفعول مأخوذ من قولهم : قلاه يقليه ، إذا أبغضه واجتواه ، ويقال فى فعله أيضا : قلاه يقلوه ، فهو يائى واوى ، إلا أنه ينبغى أن يكون اسم المفعول الذى معنا فى هذا الشاهد مأخوذا من اليائى ؛ لأنه لو كان من الواوى لقال : مقلو ، كما تقول : مدعو ومغزو ، من دعا يدعو ، وغزا يغزو.

الإعراب : «لتقعدن» اللام واقعة فى جواب قسم محذوف ، تقعدن : فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة لتوالى الأمثال ، وياء المؤنثة المخاطبة المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين فاعل ، والنون للتوكيد ، وأصله «نقعدينن» فحذفت نون الرفع فرارا من اجتماع ثلاث نونات ، فلما حذفت التقى ساكنان ، فحذفت ياء المؤنثة المخاطبة للتخلص من التقائهما وهى كالثابتة ، لكون حذفها لعلة تصريفية ، وللدلالة عليها بكسر ما قبلها «مقعد» مفعول فيه أو مفعول مطلق ، ومقعد مضاف و «القصى» مضاف إليه «منى» جار ومجرور متعلق بتقعدن ، أو بالقصى ، أو بمحذوف حال «ذى» نعت للقصى ، وذى مضاف و «القاذورة» مضاف إليه «المقلى» نعت ثان للقصى «أو» حرف عطف بمعنى إلا «تحلفى» فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد أو ، وعلامة نصبه حذف النون ، وياء المخاطبة فاعل «بربك» الجار والمجرور متعلق بتحلفى ، ووب مضاف والكاف مضاف إليه «العلى» صفة لرب «أنى» أن : حرف توكيد ونصب ، والياء اسمه «أبو» خبر أن ، وأبو مضاف وذيا من «ذيالك» اسم إشارة مضاف إليه ، واللام للبعد ، والكاف حرف خطاب «الصبى» بدل من اسم الإشارة ، أو عطف بيان عليه ، أو نعت له.

الشاهد فيه : قوله «أنى» حيث يجوز فى همزة «إن» الكسر والفتح ؛ لكونها واقعة بعد فعل قسم لا لام بعده.

أما الفتح فعلى تأويل أن مع اسمها وخبرها بمصدر مجرور بحرف جر محذوف ، والتقدير : أو تحلفى على كونى أبا لهذا الصبى.

وأما الكسر فعلى اعتبار إن واسمها وخبرها جملة لا محل لها من الإعراب جواب القسم.

ووجه جواز هذين الوجهين فى هذا الموضع أن القسم يستدعى جوابا لا بد أن

٣٥٩

ومقتضى كلام المصنف أنه يجوز فتح «إنّ» وكسرها بعد القسم إذا لم يكن فى خبرها اللام ، سواء كانت الجملة المقسم بها فعلية ، والفعل فيها ملفوظ به ، نحو «حلفت إنّ زيدا قائم» أو غير ملفوظ به ، نحو «والله إنّ زيدا قائم» أو اسمية ، نحو «لعمرك إنّ زيدا قائم» (١).

__________________

يكون جملة ، وبستدعى محلوفا عليه يكون مفردا ويتعدى له فعل القسم بعلى ؛ فإن قدرت «أن» بمصدر كان هو المحلوف عليه وكان مفردا مجرورا بعلى محذوفة ، وإن قدرت أن جملة فهى جواب القسم ، فتنبه لهذا الكلام.

(١) اعلم أن ههنا أربع صور :

الأولى : أن يذكر فعل القسم ، وتقع اللام فى خبر إن ، نحو قولك : حلفت بالله إنك لصادق ، ومنه قوله تعالى : (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) وقوله جل شأنه : (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ).

والثانية : أن يحذف فعل القسم ، وتقع اللام أيضا فى خبر إن ، نحو قولك : والله إنك لمؤدب ، ومنه قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ).

ولا خلاف فى أنه يتعين كسر همزة إن فى هاتين الصورتين ؛ لأن اللام لا تدخل إلا على خبر إن المكسورة.

والصورة الثالثة : أن يذكر فعل القسم ، ولا تقترن اللام بخبر إن ، كما فى البيت الشاهد السابق (رقم ٩٨).

ولا خلاف أيضا فى أنه يجوز فى هذه الصورة وجهان : كسر همزة إن ، وفتحها ، على التأويلين اللذين ذكرهما الشارح ، وذكرناهما فى شرح الشاهد السابق.

والصورة الرابعة : أن يحذف فعل القسم ، ولا تقترن اللام بخبر إن ، نحو قولك ، والله إنك عالم ، ومنه قوله تعالى : (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ).

وفى هذه الصورة خلاف ، والكوفيون يجوزون فيها الوجهين ، والبصريون لا يجوزون فتح الهمزة ، ويوجبون كسرها ؛ والذى حققه أثبات العلماء أن مذهب الكوفيين فى هذا الموضع غير صحيح ، فقد نقل ابن هشام إجماع العرب على الكسر ، وقال السيوطى فى جمع الجوامع : «وما نقل عن الكوفيين من جواز الفتح فيها غلط ؛ لانه لم يسمع» اه.

٣٦٠