شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

وظاهر كلام المصنف أنه يجب تأخير اللقب إذا صحت سواه ، ويدخل تحت قوله «سواه» الاسم والكنية ، وهو إنما يجب تأخيره مع الاسم ، فأما مع الكنية فأنت بالخيار (١) بين أن تقدّم الكنية على اللقب ؛ فتقول : أبو عبد الله زين

__________________

لذكر الاسم بعده فائدة ، بخلاف ذكر الاسم أولا ؛ فإن الإتيان بعده باللقب يفيد هذه الزيادة.

ومثل هذا البيت فى تقديم اللقب على الاسم قول أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم الأنصارى الخزرجى :

أنا ابن مزيقيا عمرو ، وجدّى

أبوه عامر ماء السماء

والشاهد فى قوله «مزيقيا عمرو» فإن «مزيقيا» لقب ، و «عمرو» اسم صاحب اللقب ، وقد قدم هذا اللقب على الاسم كما ترى ، أما قوله «عامر ماء السماء» فقد جاء على الأصل ،

(١) هذا الذى ذكره الشارح هو ما ذكره كبار النحويين من جواز تقديم الكنية على اللقب أو تأخيرها عنه ، والذى نريد أن ننبه عليه أن الشارح وغيره ـ كصاحب التوضيح ابن هشام الأنصارى ـ ذكروا أن قول ابن مالك* وأخرن ذا إن سواه صحبا* موهم لخلاف المراد ، معتمدين فى ذلك على مذهب جمهرة النحاة ، لكن قال السيوطى فى همعه : إن كان (أى اللقب) مع الكنية فالذى ذكروه جواز تقدمه عليها ، وتقدمها عليه ، ومقتضى تعليل ابن مالك امتناع تقديمه عليها ، وهو المختار ، وهذا يفيد أن الذى يوهمه كلام المصنف مقصود له ، وأن مذهبه وجوب تأخير اللقب على ما عداه ، سواء أكان اسما أم كنية ، وكنت قد كتبت على هامش نسختى تصحيحا لبيت المصنف هذا نصه : «وأخرن هذا إن اسما صحبا» ثم ظهر لى أنه لا يجوز تصحيح العبارة بشىء مما ذكرناه وذكره الشارح أو غيره ، وعبارة ابن هشام فى أوضح المسالك تفيد أن هذه العبارة التى اعترضها الشارح قد وردت على وجه صحيح فى نظر الجمهور ، قال ابن هشام : «وفى نسخة من الخلاصة ما يقتضى أن اللقب يجب تأخيره عن الكنية كأبى عبد الله أنف الناقة ، وليس كذلك» اه. ومعنى ذلك أنه قد وردت فى النسخة المعتمدة عنده على الوجه الصحيح فى نظر الجمهور ، وقد ذكر الشارح هنا نص هذه النسخة.

١٢١

العابدين ، وبين أن تقدم اللقب على الكنية ؛ فتقول : زين العابدين أبو عبد الله ؛ ويوجد فى بعض النسخ بدل قوله : * وأخّرن ذا إن سواه صحبا» * : * «وذا اجعل آخرا إذا اسما صحبا» * وهو أحسن منه ؛ لسلامته مما ورد على هذا ؛ فإنه نصّ فى أنه إنما يجب تأخير اللقب إذا صحب الاسم ، ومفهومه أنه لا يجب ذلك مع الكنية ، وهو كذلك ، كما تقدم ، ولو قال : «وأخرن ذا إن سواها صحبا» لما ورد عليه شىء ؛ إذ يصير التقدير : وأخّر اللّقب إذا صحب سوى الكنية ، وهو الاسم ، فكأنه قال : وأخر اللقب إذا صحب الاسم.

* * *

وإن يكونا مفردين فأضف

حتما ، وإلّا اتبع الّذى ردف (١)

إذا اجتمع الاسم واللقب : فإما أن يكونا مفردين ، أو مركبين ، أو الاسم مركبا واللقب مفردا ، أو الاسم مفردا واللقب مركبا.

__________________

(١) «إن» حرف شرط «يكونا» فعل مضارع متصرف من كان الناقصة فعل الشرط مجزوم بإن ، وعلامة جزمه حذف النون ، والألف اسمها مبنى على السكون فى محل رفع «مفردين» خبر يكون منصوب بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها لأنه مثنى «فأضف» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، وأضف : فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «حتما» مفعول مطلق «وإلا» الواو عاطفة ، إلا : هو عبارة عن حرفين أحدهما إن ، والآخر لا ، فأدغمت النون فى اللام ؛ وإن حرف شرط ، ولا : نافية ، وفعل الشرط محذوف يدل عليه الكلام السابق : أى وإن لم يكونا مفردين «أتبع» فعل أمر مبنى على السكون ، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط ، وحذف الفاء منها للضرورة ؛ لأن جملة جواب الشرط إذا كانت طلبية وجب اقترانها بالفاء فكان عليه أن يقول : وإلا فأتبع «الذى» اسم موصول مفعول به لأتبع ، مبنى على السكون فى محل نصب «ردف» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذى ، وجملة ردف وفاعله المستتر فيه لا محل لها من الإعراب صلة الموصول وهو «الذى».

١٢٢

فإن كانا مفردين وجب عند البصريين الإضافة (١) ، نحو : هذا سعيد كرز ، ورأيت سعيد كرز ، ومررت بسعيد كرز ؛ وأجاز الكوفيون الإتباع ؛ فتقول : هذا سعيد كرز ، ورأيت سعيدا كرزا ، ومررت بسعيد كرز ، ووافقهم المصنف على ذلك فى غير هذا الكتاب.

وإن لم يكونا مفردين ـ بأن كانا مركبين ، نحو عبد الله أنف الناقة ، أو مركّبا ومفردا ، نحو عبد الله كرز ، وسعيد أنف الناقة ـ وجب الإتباع ؛ فتتبع الثانى الأول فى إعرابه ، ويجوز القطع إلى الرفع أو النصب ، نحو مررت بزيد أنف الناقة ، وأنف الناقة ؛ فالرفع على إضمار مبتدأ ، والتقدير : هو أنف الناقة ، والنصب على إضمار فعل ، والتقدير : أعنى أنف الناقة ؛ فيقطع مع المرفوع إلى النصب ، ومع المنصوب إلى الرفع ، ومع المجرور إلى النصب أو الرفع ، نحو هذا زيد أنف الناقة ، ورأيت زيدا أنف الناقة ، ومررت بزيد أنف الناقة ، وأنف الناقة.

* * *

__________________

(١) وجوب الإضافة عندهم مشروط بما إذا لم يمنع منها مانع : كأن يكون الاسم مقترنا بأل ، فإنه لا تجوز فيه الإضافة ؛ فتقول : جاءنى الحارث كرز ، بإتباع الثانى للأول بدلا أو عطف بيان ؛ إذ لو أضفت الأول للثانى للزم على ذلك أن يكون المضاف مقرونا بأل والمضاف إليه خاليا منها ومن الإضافة إلى المقترن بها ، وذلك لا يجوز عند جمهور النحاة.

قال أبو رجاء غفر الله تعالى له ولوالديه : بقى أن يقال : كيف أوجب البصريون هنا إضافة الاسم إلى اللقب إذا كانا مفردين ولا مانع. مع أن مذهبهم أنه لا يجوز أن يضاف اسم إلى ما اتحد به فى المعنى كما سيأتى فى باب الإضافة؟

ويمكن أن يجاب عن هذا بأن امتناع إضافة الاسم إلى ما اتحد به فى المعنى إنما هو فى الإضافة الحقيقية التى يعرف فيها المضاف بالمضاف إليه ، وإضافة الاسم إلى اللقب من قبيل الإضافة اللفظية على ما اختاره الزمخشرى.

١٢٣

ومنه منقول : كفضل وأسد

وذو ارتجال : كسعاد ، وأدد (١)

وجملة ، وما بمزج ركّبا ،

ذا إن بغير «ويه» تمّ أعربا (٢)

وشاع فى الأعلام ذو الإضافه

كعبد شمس وأبى قحافه (٣)

__________________

(١) «ومنه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «منقول» مبتدأ مؤخر «كفضل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كفضل «وأسد» معطوف على فضل «وذو» الواو عاطفة ، وذو : معطوف على قوله منقول وذو مضاف و «ارتجال» مضاف إليه «كسعاد» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف : أى وذلك كائن كسعاد «وأدد» معطوف على سعاد.

(٢) «وجملة» مبتدأ خبره محذوف ، وتقديره : ومنه جملة ، وجملة المبتدأ والخبر معطوفة بالواو على جملة «ومنه منقول» ، «وما» الواو عاطفة ، وما اسم موصول معطوف على جملة ، مبنى على السكون فى محل رفع «بمزج» جار ومجرور متعلق بقوله ركب الآتى «ركبا» ركب : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والألف للاطلاق ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «ذا» اسم إشارة مبتدأ ، مبنى على السكون فى محل رفع «إن» حرف شرط «بغير» جار ومجرور متعلق بقوله تم الآتى ، وغير مضاف و «ويه» قصد لفظه : مضاف إليه «تم» فعل ماض مبنى على الفتح فى محل جزم فعل الشرط «أعرب» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ذا ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه خبر المبتدأ ، وتقدير الكلام : هذا أعرب ، إن تم بغير لفظ ويه أعرب.

(٣) «وشاع» فعل ماض «فى الأعلام» جار ومجرور متعلق بقوله شاع «ذو» فاعل شاع ، وذو مضاف ، و «الإضافة» مضاف إليه «كعبد» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كعبد ، وعبد مضاف و «شمس» مضاف إليه «وأبى» الواو عاطفة ، وأبى : معطوف على عبد ، مجرور بالياء نيابة عن الكسرة لأنه من الأسماء الخمسة ، وأبى مضاف «وقحافه» مضاف إليه.

١٢٤

ينقسم العلم إلى : مرتجل ، وإلى منقول ؛ فالمرتجل هو : ما لم يسبق له استعمال قبل العلمية فى غيرها ، كسعاد ، وأدد ، والمنقول : ما سبق له استعمال فى غير العلمية ، والنقل إما من صفة كحارث ، أو من مصدر كفضل ، أو من اسم جنس كأسد ، وهذه تكون معربة ، أو من جملة : كقام زيد ، وزيد قائم (١) ، وحكمها أنها تحكى ؛ فتقول : جاءنى زيد قائم ، ورأيت زيد قائم ، ومررت بزيد قائم ، وهذه من الأعلام المركبة.

ومنها أيضا : ما ركب تركيب مزج ، كبعلبكّ ، ومعدى كرب ، وسيبويه. وذكر المصنف أن المركب تركيب مزج : إن ختم بغير «ويه» أعرب ، ومفهومه أنه إن ختم بـ «ويه» لا يعرب ، بل يبنى ، وهو كما ذكره ؛ فتقول : جاءنى بعلبكّ ، ورأيت بعلبكّ ، ومررت ببعلبكّ ؛ فتعربه إعراب ما لا ينصرف ، ويجوز فيه أيضا البناء على الفتح ؛ فتقول : جاءنى بعلبكّ ، ورأيت بعلبكّ ، ومررت ببعلبكّ ، ويجوز [أيضا] أن يعرب أيضا إعراب المتضايفين ؛ فتقول : جاءنى حضر موت ، ورأيت حضر موت ، ومررت بحضر موت.

وتقول [فيما ختم بويه] : جاءنى سيبويه ، ورأيت سيبويه ، ومررت بسيبويه ؛ فثبنيه على الكسر ، وأجاز بعضهم إعرابه إعراب ما لا ينصرف ، نحو جاءنى سيبويه ، ورأيت سيبويه ، ومررت بسيبويه.

__________________

(١) الذى سمع عن العرب هو النقل من الجمل الفعلية ، فقد سموا «تأبط شرا» وسموا «شاب قرناها» ومنه قول الشاعر وهو من شواهد سيبويه :

كذبتم وبيت الله لا تنكحونها

بنى شاب قرناها تصرّ وتحلب

وسموا «ذرى حبا» ويشكر ، ويزيد ، وتغلب ، فأما الجملة الاسمية فلم يسموا بها ، وإنما قاسها النحاة على الجملة الفعلية.

١٢٥

ومنها : ما ركب تركيب إضافة : كعبد شمس ، وأبى قحافة ، وهو معرب ؛ فتقول : جاءنى عبد شمس وأبو قحافة ، ورأيت عبد شمس وأبا قحافة ، ومررت بعبد شمس وأبى قحافة.

ونبّه بالمثالين على أن الجزء الأول ؛ يكون معربا بالحركات ، كـ «عبد» ، وبالحروف ، كـ «أبى» ، وأن الجزء الثانى ؛ يكون منصرفا ، كـ «شمس» ، وغير منصرف ، كـ «قحافة».

* * *

ووضعوا لبعض الأجناس علم

كعلم الأشخاص لفظا ، وهو عمّ (١)

من ذاك : أمّ عريط للعقرب ،

وهكذا ثعالة للثّعلب (٢)

__________________

(١) «ووضعوا» الواو عاطفة ، ووضع : فعل ماض ، والواو ضمير الجماعة فاعل مبنى على السكون فى محل رفع «لبعض» جار ومجرور متعلق بوضعوا ، وبعض مضاف ، و «الأجناس» مضاف إليه «علم» مفعول به لوضعوا ، وأصله منصوب منون فوقف عليه بالسكون على لغة ربيعة «كعلم» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لعلم ، وليس حالا منه لأنه نكرة وصاحب الحال إنما يكون معرفة ، وعلم مضاف ، و «الأشخاص» مضاف إليه «لفظا» تمييز لمعنى الكاف ، أى : مثله من جهة اللفظ «وهو» ضمير منفصل مبتدأ «عم» يجوز أن يكون فعلا ماضيا ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوارا تقديره هو يعود إلى الضمير العائد إلى علم الجنس ، وعلى هذا تكون الجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ ، ويجوز أن يكون عم أفعل تفضيل وأصله أعم فسقطت همزته لكثرة الاستعمال كما سقطت من خبر وشر ، ويكون أفعل التفضيل على غير بابه ، وهو خبر عن الضمير الواقع مبتدأ.

(٢) «من» حرف جر «ذاك» ذا : اسم إشارة مبنى على السكون فى محل جر بمن ، والكاف حرف خطاب ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «أم» مبتدأ مؤخر ، وأم مضاف و «عريط» مضاف إليه «للعقرب» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن فى الخبر ، والتقدير : أم عريط كائن من ذاك حال كونه علما للعقرب «وهكذا» الواو عاطفة ، وها : حرف تنبيه ، والكاف حرف جر ، وذا : اسم

١٢٦

ومثله برّة للمبرّه ،

كذا فجار علم للفجره (١)

العلم على قسمين : علم شخص ، وعلم جنس.

فعلم الشخص له حكمان : معنوىّ ، وهو : أن يراد به واحد بعينه : كزيد ، وأحمد ، ولفظىّ ، وهو صحة مجىء الحال متأخرة عنه ، نحو «جاءنى زيد ضاحكا» ومنعه من الصّرف مع سبب آخر غير العلمية ، نحو «هذا أحمد» ومنع دخول الألف واللام عليه ؛ فلا تقول «جاء العمرو» (٢).

__________________

إشارة مبنى على السكون فى محل جر بالكاف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «ثعالة» مبتدأ مؤخر «للثعلب» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ضمير الخبر كما تقدم فيما قبله.

(١) «ومثله» الواو عاطفة ، مثل : خبر مقدم ، ومثل مضاف والهاء ضمير غائب عائد على المذكور قبله من الأمثلة مضاف إليه ، مبنى على الضم فى محل جر «برة» مبتدأ مؤخر «للمبرة» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن فى الخبر ؛ لأنه فى تقدير مشتق «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «فجار» مبتدأ مؤخر ، مبنى على الكسر فى محل رفع «علم» مبتدأ خبره محذوف «للفجرة» جار ومجرور متعلق بذلك الخبر المحذوف ، والتقدير : فجار كذا علم موضوع للفجرة ، ويجوز أن يكون قوله «للفجرة» جارا ومجرورا فى محل الوصف لعلم ، ويجوز غير هذين الإعرابين لعلم أيضا ، فتأمل.

(٢) اعلم أن العلم بحسب الأصل لا تدخله الألف واللام ، ولا يضاف ، وذلك لأنه معرفة بالعلمية ، وأل والإضافة وسيلتان للتعريف ، ولا يجوز أن يجتمع على الاسم الواحد معرفان ، إلا أنه قد يحصل الاشتراك الاتفاقى فى الاسم العلم ؛ فيكون لك صديقان اسم كل واحد منهما زيد أو عمرو ، مثلا. وفى هذه الحالة يشبه العلم اسم الجنس ؛ فتصل به أل ، وتضيفه ، كما تفعل ذلك برجل وغلام ، وقد جاء ذلك عنهم ؛ فمن دخول «أل» على علم الشخص قول أبى النجم العجلى :

باعد أمّ العمرو من أسيرها

حرّاس أبواب على قصورها

١٢٧

وعلم الجنس كعلم الشخص فى حكمه [اللّفظىّ] ؛ فتقول : «هذا أسامه مقبلا» فتمنعه من الصرف ، وتأتى بالحال بعده ، ولا تدخل عليه الألف واللام ؛ فلا تقول : «هذا الأسامة» (١).

__________________

وقول الأخطل التغلبى :

وقد كان منهم حاجب وابن أمّه

أبو جندل والزّيد زيد المعارك

وفى هذا البيت اقتران العلم بأل ، وإضافته.

ومن مجىء العلم مضافا قولهم : ربيعة الفرس ، وأنمار الشاة ، ومضر الحمراء ؛ وقال رجل من طيىء :

علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم

بأبيض ماضى الشّفرتين يمان

وقال ربيعة الرقى :

لشتّان ما بين اليزيدين فى النّدى

يزيد سليم والأغرّ ابن حاتم

وقال الراجز يخاطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب

يا عمر الخير جزيت الجنّه

اكس بنيّاتى وأمّهنّه

* أقسمت بالله لتفعلنّه*

والشواهد على ذلك كثيرة ، وانظر ص ٨٧ السابقة.

(١) ذكر الشارح من أحكام العلم اللفظية ثلاثة أحكام يشترك فيها النوعان ، وترك ثلاثة أخرى :

(الأول) أنه يبتدأ به بلا احتياج إلى مسوغ ، تقول : أسامة مقبل : وثعالة هارب ، كما تقول : على حاضر ، وخالد مسافر.

(الثانى) أنه لا يضاف بحسب أصل وضعه ؛ فلا يجوز أن تقول : أسامتنا ؛ كما يمتنع أن تقول : محمدنا ، فإن حصل فيه الاشتراك الاتفاقى صحت إضافته على ما علمت فى علم الشخص.

(الثالث) أنه لا ينعت بالنكرة ؛ لأنه معرفة ، ومن شرط النعت أن يكون مثل المنعوت فى تعريفه أو تنكيره كما هو معلوم.

١٢٨

وحكم علم الجنس فى المعنى كحكم النكرة : من جهة أنه لا يخصّ واحدا بعينه ، فكلّ أسد يصدق عليه أسامة ، وكل عقرب يصدق عليها أمّ عريط ، وكل ثعلب يصدق عليه ثعالة.

وعلم الجنس : يكون للشخص ، كما تقدم ، ويكون للمعنى كما مثّل بقوله : «برّة للمبرّة ، وفجار للفجرة».

* * *

١٢٩

اسم الإشارة

بذا لمفرد مذكّر أشر

بذى وذه تى تا على الأنثى اقتصر (١)

يشار إلى المفرد المذكّر بـ «ذا» ومذهب البصريين أن الألف من نفس الكلمة ، وذهب الكوفيون إلى أنها زائدة (٢).

__________________

(١) «بذا» جار ومجرور متعلق بقوله «أشر» الآتى «لمفرد» جار ومجرور متعلق بأشر كذلك «مذكر» نعت لمفرد «أشر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بذى» جار ومجرور متعلق بقوله اقتصر الآتى «وذه» الواو عاطفة ، وذه : معطوف على ذى «تى تا» معطوفان على ذى بإسقاط حرف العطف «على الأنثى» جار ومجرور متعلق بقوله اقتصر الآتى أيضا «اقتصر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وجملة «اقتصر» معطوفة على جملة «أشر» بإسقاط العاطف.

(٢) ههنا ثلاثة أمور ؛ أولها : أن الشارح لم يذكر ـ تبعا للمصنف ـ فى هذا الكتاب من ألفاظ الإشارة إلى المفرد المذكر سوى «ذا» وقد ذكر العلماء أربعة ألفاظ أخرى : الأول «ذاء» بهمزة مكسورة بعد الألف ، والثانى «ذائه» بهاء مكسورة بعد الهمزة المكسورة ، والثالث «ذاؤه» بهمزة مضمومة وبعدها هاء مضمومة ، الرابع «آلك» بهمزة ممدودة بعدها لام ثم كاف ، وممن ذكر ذلك الناظم فى كتابه التسهيل.

الأمر الثانى : أن «ذا» إشارة للمفرد ، وهذا المفرد إما أن يكون مفردا حقيقة أو حكما ؛ فالمفرد الحقيقى نحو : هذا زيد ، وهذا خالد ، وهذا الكتاب ، والمفرد حكما نحو : هذا الرهط ، وهذا الفريق ، ومنه قول الله تعالى : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) أى بين المذكور من الفارض والبكر ، وربما استعمل «ذا» فى الإشارة إلى الجمع ، كما فى قول لبيد بن ربيعة العامرى :

ولقد سئمت من الحياة وطولها

وسؤال هذا النّاس : كيف لبيد؟

الأمر الثالث : أن الأصل فى «ذا» أن يشار به إلى المذكر حقيقة ، كما فى الأمثلة التى ذكرناها ، وقد يشار به إلى المؤنث إذا نزل منزلة المذكر ، كما فى قول الله تعالى :

١٣٠

ويشار إلى المؤنثة بـ «ذى» ، و «ذه» بسكون الهاء ، و «تى» ، و «تا» ، و «ذه» بكسر الهاء : باختلاس ، وبإشباع ، و «ته» بسكون الهاء ، وبكسرها ، باختلاس ، وإشباع ، و «ذات».

* * *

وذان تان للمثنّى المرتفع

وفى سواه ذين تين اذكر تطع (١)

يشار إلى المثنى المذكر فى حالة الرفع بـ «ذان» وفى حالة النصب والجر بـ «ذين» وإلى المؤنثتين بـ «تان» فى الرفع ، و «تين» فى النصب والجر.

* * *

وبأولى أشر لجمع مطلقا ،

والمدّ أولى ، ولدى البعد انطقا (٢)

__________________

(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ : هذا رَبِّي) أشار إلى الشمس ـ وهى مؤنثة بدليل قوله (بازِغَةً) ـ بقوله : (هذا رَبِّي) لأنه نزلها منزلة المذكر ، ويقال : بل لأنه أخبر عنها بمذكر ، ويقال : بل لأن لغة إبراهيم ـ عليه السّلام! ـ الذى ذكر هذا الكلام على لسانه لا تفرق بين المذكر والمؤنث.

(١) «وذان» الواو عاطفة ، ذان : مبتدأ «تان» معطوف عله بإسقاط حرف العطف «للمثنى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «المرتفع» نعت للمثنى ، وجملة المبتدأ وخبره معطوفة على ما قبلها «وفى سواه» الجار والمجرور متعلق بقوله «اذكر» الآتى ، وسوى مضاف والهاء ضمير الغائب العائد إلى المثنى المرتفع مضاف إليه ، وقد أعمل الحرف فى «سوى» لأنها عنده متصرفة «ذين» مفعول به مقدم على عامله وهو قوله «اذكر» الآتى «تين» معطوف على ذين بإسقاط حرف العطف «اذكر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وجملة «اذكر» معطوفة بالواو على ما قبلها.

(٢) «وبأولى» الواو عاطفة ، والباء حرف جر ، و «أولى» مجرور المحل بالباء ، والجار والمجرور متعلق بقوله «أشر» الآتى «أشر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لجمع» جار ومجرور متعلق بقوله «أشر» السابق «مطلقا» حال من قوله «جمع» «والمد» مبتدأ «أولى» خبره «ولدى» الواو

١٣١

بالكاف حرفا : دون لام ، أو معه

واللّام ـ إن قدّمت ها ـ ممتنعه (١)

يشار إلى الجمع ـ مذكرا كان أو مؤنثا ـ بـ «أولى» ولهذا قال المصنف : «أشر لجمع مطلقا» ، ومقتضى هذا أنه يشار بها إلى العقلاء وغيرهم ، وهو كذلك ، ولكن الأكثر استعمالها فى العاقل ، ومن ورودها فى غير العاقل قوله :

(٢٣) ـ

ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى

والعيش بعد أولئك الأيّام

__________________

عاطفة ، لدى : ظرف بمعنى عند متعلق بقوله انطق الآتى ، ولدى مضاف و «البعد» مضاف إليه «انطقا» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والألف للاطلاق ، ويجوز أن تكون الألف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة للوقف.

(١) «بالكاف» جار ومجرور متعلق بقوله انطق فى البيت السابق «حرفا» حال من «الكاف» «دون» ظرف متعلق بمحذوف حال ثان من «الكاف» ودون مضاف و «لام» مضاف إليه «أو» حرف عطف «معه» مع : ظرف معطوف على الظرف الواقع متعلقه حالا وهو دون ، ومع مضاف والهاء ضمير الغائب مضاف إليه «واللام» مبتدأ «إن» حرف شرط «قدمت» قدم : فعل ماض مبنى على الفتح المقدر فى محل جزم على أنه فعل الشرط ، وتاء المخاطب فاعله ، و «ها» مفعول به لقدم «ممتنعه» خبر المبتدأ ، وجواب الشرط محذوف دل عليه المبتدأ وخبره ، والتقدير : واللام ممتنعة إن قدمت ها فاللام ممتنعة ، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها ، لأنها معترصة بين المبتدأ وخبره.

٢٣ ـ البيت لجرير بن عطية بن الخطفى ، من كلمة له يهجو فيها الفرزدق ، وقبله ـ وهو المطلع ـ قوله :

سرت الهموم فبتن غير نيام

وأخو الهموم يروم كلّ مرام

اللغة : «ذم» فعل أمر من الذم ، ويجوز لك فى الميم تحريكها بإحدى الحركات الثلاث : الكسر ؛ لأنه الأصل فى التخلص من التقاء الساكنين ؛ فهو مبنى على السكون وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين ، والفتح للتخفيف ؛ لأن الفتحة

١٣٢

وفيها لغتان : المدّ ، وهى لغة أهل الحجاز ، وهى الواردة فى القرآن العزيز ، والقصر ، وهى لغة بنى تميم.

وأشار بقوله : «ولدى البعد انطقا بالكاف ـ إلى آخر البيت» إلى أن المشار إليه له رتبتان : القرب ، والبعد ؛ فجميع ما تقدم يشار به إلى القريب ،

__________________

أخف الحركات ، وهذه لغة بنى أسد ، والضم ؛ لإتباع حركة الذال ، وهذا الوجه أضعف الوجوه الثلاثة «المنازل» جمع منزل ، أو منزلة ، وهو محل النزول ، وكونه ههنا جمع منزلة أولى ؛ لأنه يقول فيما بعد «منزلة اللوى» ـ واللوى ـ بكسر اللام مقصورا ـ موضع بعينه «العيش» أراد به الحياة.

المعنى : ذم كل موضع تنزل فيه بعد هذا الموضع الذى لقيت فيه أنواع المسرة ، وذم أيام الحياة التى تقضيها بعد هذه الأيام التى قضيتها هناك فى هناءة وغبطة.

الإعراب : «ذم» فعل أمر ، مبنى على السكون لا محل له من الإعراب ، وهو مفتوح الآخر للخفة أو مكسوره على الأصل فى التخلص من التقاء الساكنين أو مضمومه للاتباع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «المنازل» مفعول به لذم «بعد» ظرف متعلق بمحذوف حال من المنازل ، وبعد مضاف و «منزلة» مضاف إليه ، ومنزلة مضاف ، و «اللوى» مضاف إليه «والعيش» الواو عاطفة ، العيش : معطوف على المنازل «بعد» ظرف متعلق بمحذوف حال من العيش ، وبعد مضاف وأولاء من «أولائك» مضاف إليه ، والكاف حرف خطاب «الأيام» بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان عليه.

الشاهد فيه : قوله «أولئك» حيث أشار به إلى غير العقلاء ، وهى «الأيام» ومثله فى ذلك قول الله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) وقد ذكر ابن هشام عن ابن عطية أن الرواية الصحيحة فى بيت الشاهد* والعيش بعد أولئك الأقوام* وهذه هى رواية النقائض بين جرير والفرزدق ، وعلى ذلك لا يكون فى البيت شاهد ؛ لأن الأقوام عقلاء ، والخطب فى ذلك سهل ؛ لأن الآية الكريمة التى تلوناها كافية أعظم الكفاية للاستشهاد بها على جواز الإشارة بأولاء إلى الجمع من غير العقلاء

١٣٣

فإذا أريد الإشارة إلى البعيد أتى بالكاف وحدها ؛ فتقول : «ذاك» أو الكاف واللام نحو «ذلك».

وهذه الكاف حرف خطاب ؛ فلا موضع لها من الإعراب ، وهذا لا خلاف فيه.

فإن تقدّم حرف التنبيه الذى هو «ها» على اسم الإشارة أتيت بالكاف وحدها ؛ فتقول «هذاك» (١) وعليه قوله :

(٢٤) ـ

رأيت بنى غبراء لا ينكروننى

ولا أهل هذاك الطّراف الممدّد

__________________

(١) إذا كان اسم الإشارة لمثنى أو لجمع فإن ابن مالك يرى أنه لا يجوز أن يؤتى بالكاف مع حرف التنبيه حينئذ ، وذهب أبو حيان إلى أن ذلك قليل لا ممتنع ، ومما ورد منه قول العرجى ، وقيل : قائله كامل الثقفى :

ياما أميلح غزلانا شدنّ لنا

من هؤليّائكنّ الضّال والسّمر

الشاهد فيه هنا : قوله «هؤليائكن» فإنه تصغير «أولاء» الذى هو اسم إشارة إلى الجمع ، وقد اتصلت به «ها» التنبيه فى أوله ، وكاف الخطاب فى آخره.

٢٤ ـ هذا البيت لطرفة بن العبد البكرى ، من معلقته المشهورة التى مطلعها :

لخولة أطلال ببرقة ثهمد

تلوح كباقى الوشم فى ظاهر اليد

وقبل بيت الشاهد قوله :

وما زال تشرابى الخمور ولذّتى

وبيعى وإنفاقى طريفى ومتلدى

إلى أن تحامتنى العشيرة كلّها

وأفردت إفراد البعير المعبّد

اللغة : «خولة» اسم امرأة «أطلال» جمع طلل ، بزنة جبل وأجبال ، والطلل : ما شخص وظهر وارتفع من آثار الديار كالأثافى «برقة» بضم فسكون ـ هى كل رابية فيها رمل وطين أو حجارة ، وفى بلاد العرب نيف ومائة برقة عدها صاحب القاموس ،

١٣٤

ولا يجوز الإتيان بالكاف واللام ؛ فلا تقول «هذا لك».

وظاهر كلام المصنف أنه ليس للمشار إليه إلا رتبتان : قربى ، وبعدى ، كما قرّرناه ؛ والجمهور على أن له ثلاث مراتب : قربى ، ووسطى ، وبعدى ؛ فيشار إلى من فى القربى بما ليس فيه كاف ولا لام : كذا ، وذى ، وإلى من فى الوسطى بما فيه الكاف وحدها نحو ذاك ، وإلى من فى البعدى بما فيه كاف ولام ، نحو «ذلك».

* * *

__________________

وألف فيها غير واحد من علماء اللغة ، ومنها برقة ثهمد «تلوح» تظهر «الوشم» أن يغرز بالإبرة فى الجلد ثم يذر عليه الكحل أو دخان الشحم فيبقى سواده ظاهرا «البعير المعبد» الأجرب «بنى غبراء» الغبراء هى الأرض ، سميت بهذا لغبرتها ، وأراد ببنى الغبراء الفقراء الذين لصقوا بالأرض لشدة فقرهم ، أو الأضياف ، أو اللصوص «الطراف» بكسر الطاء بزنة الكتاب ـ البيت من الجلد ، وأهل الطراف الممدد : الأغنياء.

المعنى : يريد أن جميع الناس ـ من غير تفرقة بين فقيرهم وغنيهم ـ يعرفونه ، ولا ينكرون محله من الكرم والمواساة للفقراء وحسن العشرة وطيب الصحبة للأغنياء وكأنه يتألم من صنبع قومه معه.

الإعراب : «رأيت» فعل وفاعل «بنى» مفعول به ، وبنى مضاف ، و «غبراء» مضاف إليه ، ثم إذا كانت رأى بصربة فجملة «لا ينكروننى» من الفعل وفاعله ومفعوله فى محل نصب حال من بنى غبراء ، وإذا كانت رأى علمية ـ وهو أولى ـ فالجملة فى محل نصب مفعول ثان لرأى «ولا» الواو عاطفة ، ولا : زائدة لتأكيد النفى «أهل» معطوف على الواو الذى هو ضمير الجماعة فى قوله «لا ينكروننى» وأهل مضاف واسم الإشارة من «هذاك» مضاف إليه ، والكاف حرف خطاب «الطراف» بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان عليه «الممدد» نعت للطراف.

الشاهد فيه : قوله «هذاك» حيث جاء بها التنبيه مع الكاف وحدها ، ولم يجىء باللام ، ولم يقع لى ـ مع طويل البحث وكثرة الممارسة ـ نظير لهذا البيت مما اجتمعت فيه «ها» التنبيه مع كاف الخطاب بينهما اسم إشارة للمفرد ، ولعل العلماء الذين قرروا

١٣٥

وبهنا أو ههنا أشر إلى

دانى المكان ، وبه الكاف صلا (١)

فى البعد ، أو بثمّ فه ، أو هنّا

أو بهنالك انطقن ، أو هنّا (٢)

يشار إلى المكان القريب بـ «هنا» ويتقدّمها هاء التنبيه ؛ فيقال «ههنا» ؛ ويشار إلى البعيد على رأى المصنف بـ «هناك ، وهنالك ، وهنّا» بفتح الهاء وكسرها مع تشديد النون ، وب «ثمّ» و «هنّت» ، وعلى مذهب غيره «هناك» للمتوسط ، وما بعده للبعيد.

* * *

__________________

هذه القواعد قد حفظوا من شواهد هذه المسألة ما لم يبلغنا ، أو لعل قداماهم الذين شافهوا العرب قد سمعوا ممن يوثق بعربيته استعمال مثل ذلك فى أحاديثهم فى غير شذوذ ولا ضرورة تحوج إليه ؛ فلهذا جعلوه قاعدة.

(١) «وبهنا» الواو عاطفة ، بهنا : جار ومجرور متعلق بقوله «أشر» الآتى ، «أو» حرف عطف «ههنا» معطوف على هنا «أشر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إلى» حرف جر يتعلق بأشر «دانى» مجرور بإلى ، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء للثقل ، ودانى مضاف و «المكان» مضاف إليه «وبه» الواو عاطفة ، به : جار ومجرور متعلق بقوله صلا الآتى «الكاف» مفعول به مقدم على عامله وهو صلا الآتى «صلا» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والألف للاطلاق ، ويجوز أن تكون هذه الألف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة للوقف.

(٢) «فى البعد» جار ومجرور متعلق بقوله «صلا» فى البيت السابق «أو» حرف عطف معناه هنا التخيير «بثم» جار ومجرور متعلق بقوله «فه» الآتى «فه» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أو» حرف عطف «هنا» معطوف على قوله «ثم» السابق «أو» حرف عطف «بهنالك» جار ومجرور متعلق بقوله انطق الآتى «انطقن» انطق : فعل أمر ، مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ونون التوكيد الخفيفة حرف لا محل له من الإعراب «أو» حرف عطف «هنا» معطوف على قوله «هنالك».

١٣٦

الموصول

موصول الأسماء الّذى ، الأنثى الّتى ،

واليا إذا ما ثنّيا لا تثبت (١)

بل ما تليه أوله العلامه ،

والنّون إن تشدد فلا ملامه (٢)

__________________

(١) «موصول» مبتدأ أول ، وموصول مضاف و «الأسماء» مضاف إليه «الذى» مبتدأ ثان ، وخبر المبتدأ الثانى محذوف تقديره : منه ، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول «الأنثى» مبتدأ «التى» خبره ، والجملة معطوفة على الجملة الصغرى السابقة ـ وهى جملة المبتدأ الثانى وخبره ـ بحرف عطف مقدر ، والرابط للجملة المعطوفة بالمبتدأ الأول مقدر ، وكان أصل الكلام : موصول الأسماء أنثاه التى ، ويجوز أن يكون قوله «الأنثى» مبتدأ وخبره محذوف ، والتقدير : كائنة منه ، فيكون على هذا قوله «التى» بدلا من الأنثى «واليا» مفعول مقدم لقوله «لا تثبت» الآتى «إذا» ظرف ضمن معنى الشرط «ما» زائدة «ثنيا» ثنى : فعل ماض مبنى للمجهول وألف الاثنين نائب فاعل ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها ، وهى جملة الشرط «لا» ناهية «تثبت» فعل مضارع مجزوم بلا ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر لأجل الروى والوزن ، وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام ، والتقدير : ولا تثبت الياء ، إذا ثنيتهما ـ أى الذى والتى ـ فلا تثبتها.

(٢) «بل» حرف عطف معناه الانتقال «ما» اسم موصول مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور بعده ، والتقدير : بل أول ـ إلخ ، فهو مبنى على السكون فى محل نصب «تليه» تلى : فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقدير هى يعود إلى الياء ، والهاء ضمير الغائب العائد إلى ما مفعول به مبنى على الكسر فى محل نصب ، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «أوله» أول : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت والضمير الذى للغائب مفعول أول «العلامه» مفعول ثان لأول «والنون» مبتدأ «إن» شرطية «تشدد» فعل مضارع مبنى للمجهول فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على المبتدأ الذى هو النون «فلا» الفاء لربط الشرط

١٣٧

والنّون من ذين وتين شدّدا

أيضا ، وتعويض بذاك قصدا (١)

ينقسم الموصول إلى اسمى ، وحرفى

ولم يذكر المصنف الموصولات الحرفية ، وهى خمسة أحرف :

أحدها : «أن» المصدرية ، وتوصل بالفعل المتصرف : ماضيا ، مثل «عجبت من أن قام زيد» ومضارعا ، نحو «عجبت من أن يقوم زيد» وأمرا ، نحو «أشرت إليه بأن قم» ، فإن وقع بعدها فعل غير متصرف ـ نحو قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) وقوله تعالى : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) ـ فهى مخفّفة من الثقيلة.

ومنها : «أنّ» وتوصل باسمها وخبرها ، نحو «عجبت من أنّ زيدا قائم» ومنه قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا) وأن المخففة كالمثقّلة ، وتوصل باسمها وخبرها ، لكن اسمها يكون محذوفا ، واسم المثقّلة مذكورا.

ومنها : «كى» وتوصل بفعل مضارع فقط ، مثل «جئت لكى تكرم زيدا».

__________________

بالجواب ، ولا : نافية للجنس «ملامه» اسم لا مبنى على الفتح فى محل نصب ، وسكونه للوقف ، وخبر «لا» محذوف ، وتقديره : فلا ملامة عليك ، مثلا ، والجملة من لا واسمها وخبرها فى محل جزم جواب الشرط ، وجملة الشرط والجواب فى محل رفع خبر المبتدأ.

(١) «والنون» مبتدأ «من ذين» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه ضمير مستتر فى «شددا» الآتى «وتين» معطوف على «ذين» «شددا» شدد : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النون ، والألف للاطلاق ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «أيضا» مفعول مطلق حذف فعله العامل فيه «وتعويض» مبتدأ «بذاك» جار ومجرور متعلق بقوله قصد الآتى «قصدا» قصد : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تعويض ، والجملة من قصد ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو قوله تعويض.

١٣٨

ومنها : «ما» وتكون مصدرية ظرفية ، نحو «لا أصحبك ما دمت منطلقا» [أى : مدّة دوامك منطلقا] وغير ظرفية ، نحو «عجبت ممّا ضربت زيدا» وتوصل بالماضى ، كما مثل ، وبالمضارع ، نحو «لا أصحبك ما يقوم زيد ، وعجبت مما تضرب زيدا» ومنه (١) : (بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) وبالجملة الاسمية ، نحو «عجبت ممّا زيد قائم ، ولا أصحبك ما زيد قائم» وهو قليل (٢) ، وأكثر ما توصل الظرفية المصدرية بالماضى أو بالمضارع المنفى بلم ، نحو «لا أصحبك ما لم تضرب زيدا» وبقلّ وصلها ـ أعنى المصدرية ـ بالفعل المضارع الذى ليس منفيّا بلم ، نحو «لا أصحبك ما يقوم زيد» ومنه قوله :

(٢٥) ـ

أطوّف ما أطوّف ثمّ آوى

إلى بيت قعيدته لكاع

__________________

(١) أى من وصلها بالفعل ، بقطع النظر عن كونه ماضيا أو مضارعا.

(٢) اختلف النحويون فيما إذا وقع بعد «ما» هذه جملة اسمية مصدرة بحرف مصدرى نحو قولهم : لا أفعل ذلك ما أن فى السماء نجما ، ولا أكلمه ما أن حراء مكانه فقال جمهور البصريين : أن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مرفوع على أنه فاعل لفعل محذوف ، والتقدير على هذا : لا أكلمه ما ثبت كون نجم فى السماء ، وما ثبت كون حراء مكانه ، فهو حينئذ من باب وصل «ما» المصدرية بالجملة الفعلية الماضوية ، ووجه ذلك عندهم أن الأكثر وصلها بالأفعال ، والحمل على الأكثر أولى ، وذهب الكوفيون إلى أن «أن» وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مرفوع أيضا ، إلا أن هذا المصدر المرفوع مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير على هذا الوجه : لا أفعل كذا ما كون حراء فى مكانه ثابت ، وما كون نجم فى السماء موجود ، فهو من باب وصل «ما» بالجملة الاسمية ؛ لأن ذلك أقل تقديرا.

٢٥ ـ اشتهر أن هذا البيت للحطيئة ـ واسمه جرول ـ بهجو امرأته ، وهو بيت مفرد ليس له سابق أو لاحق ، وقد نسبه ابن السكيت فى كتاب الألفاظ (ص ٧٣ ط بيروت) ـ وتبعه الخطيب التبريزى فى تهذيبه ـ إلى أبى غريب النصرى.

اللغة : «أطوف» أى أكثر التجوال والتطواف والدوران ، ويروى «أطود»

١٣٩

ومنها : «لو» وتوصل بالماضى ، نحو «وددت لو قام زيد» والمضارع ، نحو «وددت لو يقوم زيد».

فقول المصنف «موصول الأسماء» احتراز من الموصول الحرفى ـ وهو

__________________

بالدال المهملة مكان الفاء ـ والمعنى واحد «آوى» مضارع أوى ـ من باب ضرب ـ إلى منزله ؛ إذا رجع إليه وأقام به «قعيدته» قعيدة البيت : هى المرأة. وقيل لها ذلك لأنها تطيل القعود فيه «لكاع» يريد أنها متناهية فى الخبث.

المعنى : أنا أكثر دورانى وارتيادى الأماكن عامة النهار فى طلب الرزق وتحصيل القوت ، ثم أعود إلى بيتى لأقيم فيه ، فلا تقع عينى فيه إلا على امرأة شديدة الخبث متناهية فى الدناءة واللؤم.

الإعراب : «أطوف» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، و «ما» مصدرية «أطوف» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا و «ما» مع ما دخلت عليه فى تأويل مصدر مفعول مطلق عامله قوله «أطوف» الأول «ثم» حرف عطف «آوى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «إلى بيت» جار ومجرور متعلق بقوله «آوى» «قعيدته» قعيدة : مبتدأ ، وقعيدة مضاف والضمير مضاف إليه «لكاع» خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل جر نعت لقوله «بيت» ، وهذا هو الظاهر ، وأحسن من ذلك أن يكون خبر المبتدأ محذوفا ، ويكون قوله «لكاع» منادى بحرف نداء محذوف ، وجملة النداء فى محل نصب مفعول به للخبر ، وتقدير الكلام على ذلك الوجه : قعيدته مقول لها : يالكاع.

الشاهد فيه : فى هذا البيت شاهدان للنحاة ، أولهما فى قوله «ما أطوف» حيث أدخل «ما» المصدرية الظرفية على فعل مضارع غير منفى بلم ، وهو الذى عناه الشارح من إتيانه بهذا البيت ههنا ، والشاهد الثانى يذكر فى أواخر باب النداء فى ذكر أسماء ملازمة النداء ، وهو فى قوله «لكاع» حيث يدل ظاهره على أنه استعمله خبرا للمبتدأ فجاء به فى غير النداء ضرورة ، والشائع الكثير فى كلام العرب أن ما كان على زنة فعال ـ بفتح الفاء والعين ـ مما كان سبا للاناث لا يستعمل إلا منادى ، فلا يؤثر فيه عامل غير حرف النداء ، تقول : يا لكاع ويا دفار ، ولا يجوز أن تقول : رأيت دفار ، ولا أن تقول : مررت بدفار ؛ ومن أجل هذا يخرج قوله «لكاع» هنا على حذف خبر المبتدأ وجعل «لكاع» منادى بحرف نداء محذوف كما قلنا فى إعراب البيت.

١٤٠