شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

واجعله من مضارع منفتحا

كينتجى المقول فيه : ينتحى (١)

يضمّ أوّل الفعل الذى لم يسمّ فاعله مطلقا ، أى : سواء كان ماضيا ، أو مضارعا ويكسر ما قبل آخر الماضى ، ويفتح ما قبل آخر المضارع.

ومثال ذلك فى الماضى قولك فى وصل : «وصل» وفى المضارع قولك فى «ينتحى» : «ينتحى».

* * *

والثّانى التّالى تا المطاوعه

كالأوّل اجعله بلا منازعه (٢)

وثالث الّذى بهمز الوصل

كالأوّل اجعلنّه كاستحلى (٣)

__________________

(١) «واجعله» اجعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول أول «من مضارع» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الهاء «منفتحا» مفعول ثان لا جعل «كينتحى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف «المقول» نعت لينتحى الذى قصد لفظه «فيه» جار ومجرور متعلق بالمقول «ينتحى» قصد لفظه : محكى بالقول ، فهو نائب فاعل للمقول.

(٢) «والثانى» مفعول أول لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : واجعل الثانى «التالى» نعت للثانى «تا» قصر للضرورة مفعول به للتالى ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، وتا مضاف ، و «المطاوعة» مضاف إليه «كالأول» جار ومجرور فى موضع المفعول الثانى لا جعل الآتى «اجعله» اجعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول أول «بلا منازعة» الباء حرف جر ، ولا : اسم بمعنى غير مجرور محلا بالباء ، وقد ظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية ، والجار والمجرور متعلق باجعل ، ولا مضاف ، ومنازعة : مضاف إليه ، مجرور بالكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية ، وسكن لأجل الوقف.

(٣) «وثالث» مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده ، وثالث مضاف و «الذى» مضاف إليه «بهمز» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الذى ، وهمز مضاف ،

٥٠١

إذا كان الفعل المبنىّ للمفعول مفتتحا بتاء المطاوعة ضمّ أوله وثانيه ، وذلك كقولك فى «تدحرج» : «تدحرج» وفى «تكسّر» ؛ «تكسّر» وفى «تغافل» : «تغوفل».

وإن كان مفتتحا بهمزة وصل ضمّ أوله وثالثه ، ذلك كقولك فى «استحلى» : «استحلى» وفى «اقتدر» : «اقتدر» وفى «انطلق» : «انطلق».

* * *

واكسر أواشمم فاثلاثىّ أعل

عينا ، وضمّ جا كـ «بوع» فاحتمل (١)

إذا كان الفعل المبنىّ للمفعول ثلاثيا معتلّ العين سمع فى فائه ثلاثة أوجه :

(١) إخلاص الكسر ، نحو «قيل ، وبيع» ومنه قوله :

(١٥٤) ـ

حيكت على نيرين إذ تحاك

تختبط الشّوك ولا تشاك

__________________

«الوصل» مضاف إليه «كالأول» جار ومجرور فى موضع المفعول الثانى لا جعل مقدما عليه «اجعلنه» اجعل : فعل أمر ، والنون للتوكيد ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول أول «كاستحلى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف على النحو الذى سبق مرارا.

(١) «واكسر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أو اشمم» مثله ، والجملة معطوفة على الجملة السابقة «فا» مفعول به تنازعه العاملان ، وفا مضاف ، و «ثلاثى» مضاف إليه «أعل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ثلاثى ، والجملة فى محل جر نعت لثلاثى «عينا» تمييز «وضم» مبتدأ «جا» أصله جاء ، وقصره للضرورة : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ضم ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «كبوع» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال «فاحتمل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ضم».

(١٥٤) ـ البيت لراجز لم يعينوه.

اللغة : «حيكت» نسجت ، وتقول : حاك الثوب محوكه حوكا وحياكة «نيرين»

٥٠٢

(٢) وإخلاص الضم ، نحو «قول ، وبوع» ومنه قوله :

(١٥٥) ـ

ليت ، وهل ينفع شيئا ليت؟

ليت شبابا بوع فاشتريت

وهى لغة بنى دبير وبنى فقعس [وهما من فصحاء بنى أسد].

__________________

تثنية نير ـ بكسر النون بعدها ياء مثناة ـ وهو علم الثوب أو لحمته ، فإذا نسج الثوب على نيرين فذلك أصفق له وأبقى ، وإذا أرادوا أن يصفوا ثوبا بالمتانة والإحكام قالوا : هذا ثوب ذو نيرين ، وقد قالوا من ذلك أيضا : هذا رجل ذو نيرين ، وهذا رأى ذو نيرين ، وهذه حرب ذات نيرين ، يريدون أنها شديدة ، وقالوا : هذا ثوب منير ـ على زنة معظم ـ إذا كان منسوجا على نيرين ، وقد روى فى موضع هذه العبارة «حوكت على نولين» ونولين : مثنى نول ـ بفتح النون وسكون الواو ـ وهو اسم للخشبة التى يلف عليها الحائك الشقة حين يريد نسجها «تختبط الشوك» تضربه بعنف «ولا تشاك» لا يدخل فيها الشوك ولا يضرها.

المعنى : وصف ملفحة أو حلة بأنها محكمة النسج ، تامة الصفاقة ، وأنها إذا اصطدمت بالشواك لم يؤذها ولم يعلق بها.

الإعراب : «حيكت» حيك : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء للتأنيث ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى «على نيرين» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر فى حيكت «إذ» ظرف للزمان الماضى مبنى على السكون فى محل نصب يتعلق بحيك ، وجملة «تحاك» ونائب الفاعل المستتر فيه فى محل جر بإضافة «إذ» إليها «تختبط» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى «الشواك» مفعول به لتختبط «ولا» نافية «تشاك» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى.

الشاهد فيه : قوله «حيكت» حيث إنه فعل ثلاثى معتل العين ، فلما بناه للمجهول أخلص كسر فائه ، ويروى «حوكت على نيرين» بالواو ساكنة ، وعلى هذا يكون شاهدا للوجه الثانى ، وهو إخلاص ضم الفاء.

١٥٥ ـ ينسب هذا البيت لرؤبة بن العجاج ، وقد راجعت ديوان أراجيزه فوجدت فى زياداته أبياتا منها هذا البيت ، وهى قوله :

٥٠٣

..................................................................................

__________________

يا قوم قد حوقلت أو دنوت

وبعض حيقال الرّجال الموت

مالى إذا أجذبها صأيت

أكبر قد عالنى أو بيت

ليت ، وهل ينفع شيئا ليت؟

ليت شبابا ...

وقد روى أبو على القالى فى أماليه (١ ـ ٢٠ طبع الدار) البيتين السابقين على بيت الشاهد ، ولم ينسبهما ، وقال أبو عبيد البكرى فى التنبيه (٩٧): «هذا راجز يصف جذبه للدلو» اه ، ولم يعينه أيضا.

اللغة : «حوقلت» ضعفت وأصابنى الكبر «دنوت» قربت «حيقال» هو مصدر حوقل «أجذبها» أراد أنزع الدلو من البئر «صأيت» صحت ، مأخوذ من قولهم : صأى الفرخ ؛ إذا صاح صياحا ضعيفا ، وأراد بذلك أنينه من ثقل الدلو عليه «قد عالنى» غلبنى وقهرنى وأعجزنى ، وفى رواية أبى على القالى* أكبر غيرنى ...* «أم بيت» يريد أم زوجة ، وذلك لأن العزب أقوى وأشد «ينفع شيئا ليت» قد قصد لفظ ليت هذه فصيرها اسما وأعربها وجعلها فاعلا ، ومثل هذا ـ فى «ليت» ـ قول الشاعر :

ليت شعرى ، وأين منّى ليت؟

إنّ ليتا وإنّ لوّا عناء

ومثله قول عمر بن أبى ربيعة المخزومى :

ليت شعرى ، وهل يردّنّ ليت؟

هل لهذا عند الرّباب جزاء؟

وقول الآخر :

ليت شعرى مسافر بن أبى عم

رو ، وليت يقولها المحزون

ونظيره ـ فى «لو» إذ قصد لفظها وجعلت اسما ـ قول الآخر :

ألام على لوّ ، ولو كنت عالما

بأذناب لوّ لم تفتنى أوائله

الإعراب : «ليت» حرف تمن ونصب «وهل» حرف استفهام المقصود منه النفى «ينفع» فعل مضارع «شيئا» مفعول به لينفع «ليت» قصد لفظه : فاعل ينفع ، والجملة لا محل لها معترضة «ليت» حرف تمن مؤكد للأول «شبابا» اسم ليت الأول «بوع» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره

٥٠٤

(٣) والإشمام ـ وهو الإتيان بالفاء بحركة بين الضمّ والكسر ـ ولا يظهر ذلك إلا فى اللفظ ، ولا يظهر فى الخطّ ، وقد قرىء فى السبعة قوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ) بالإشمام فى «قيل ، وغيض».

* * *

وإن بشكل خيف لبس يجتنب

وما لباع قد يرى لنحو حبّ (١)

إذا أسند الفعل الثلاثىّ المعتلّ العين ـ بعد بنائه للمفعول ـ إلى ضمير متكلم أو مخاطب أو غائب : فإما أن يكون واويا ، أو يائيا.

فإن كان واويّا ـ نحو «سام» من السّوم ـ وجب ـ عند المصنف ـ كسر الفاء أو الإشمام ؛ فتقول : «سمت» ، [ولا يجوز الضم ؛

__________________

هو يعود على شباب ، والجملة فى محل رفع خبر ليت الأول «فاشتريت» فعل وفاعل ، وجملتهما معطوفة بالفاء على جملة بوع.

الشاهد فيه : قوله «بوع» فإنه فعل ثلاثى معتل العين ، فلما بناه للمجهول أخلص ضم فائه ، وإخلاص ضم الفاء لغة جماعة من العرب منهم من حكى الشارح ، ومنهم بعض بنى تميم ، ومنهم ضبة ، وحكيت عن هذيل.

(١) «وإن» شرطية «بشكل» جار ومجرور متعلق بخيف «خيف» فعل ماض مبنى للمجهول فعل الشرط «لبس» نائب فاعل خيف «يجتنب» فعل مضارع مبنى للمجهول جواب الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شكل «وما» اسم موصول : مبتدأ «لباع» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما الموصولة «قد» حرف تقليل «يرى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «لنحو» جار ومجرور متعلق بيرى ، ونحو مضاف ، و «حب» قصد لفظه : مضاف إليه.

٥٠٥

فلا تقول : «سمت»] ؛ لئلا يلتبس بفعل الفاعل ، فإنه بالضم ليس إلا ، نحو «سمت العبد».

وإن كان يائيّا ـ نحو «باع» من البيع ـ وجب ـ عند المصنف أيضا ـ ضمّه أو الإشمام ؛ فتقول : «بعت يا عبد» ولا يجوز الكسر ؛ فلا تقول : «بعت» ؛ لئلا يلتبس بفعل الفاعل ؛ فإنه بالكسر فقط ، نحو «بعت الثّوب».

وهذا معنى قوله : «وإن بشكل خيف لبس يجتنب» أى : وإن خيف اللبس فى شكل من الأشكال السابقة ـ أعنى الضمّ ، والكسر ، والإشمام ـ عدل عنه إلى شكل غيره لا لبس معه.

هذا ما ذكره المصنف ، والذى ذكره غيره أن الكسر فى الواوى ، والضم فى اليائى ، والإشمام ، هو المختار ، ولكن لا يجب ذلك ، بل يجوز الضم فى الواوى ، والكسر فى اليائى.

وقوله : «وما لباع قد يرى لنحو حبّ» معناه أن الذى ثبت لفاء «باع» ـ من جواز الضم ، والكسر ، والإشمام ـ يثبت لفاء المضاعف ، نحو «حبّ» ؛ فتقول : «حبّ» ، و «حبّ» وإن شئت أشممت.

* * *

وما لفا باع لما العين تلى

فى اختار وانقاد وشبه ينجلى (١)

__________________

(١) «وما» اسم موصول مبتدأ «لفا» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما الموصولة ، وفا مضاف و «باع» قصد لفظه : مضاف إليه «لما» اللام جارة ، وما : اسم موصول مبنى على السكون فى محل جر باللام ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «العين» مبتدأ ، وجملة «تلى» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة «ما» المجرورة باللام «فى اختار» جار ومجرور متعلق بتلى «وانقاد ، وشبه» معطوفان على اختار «ينجلى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شبه ، والجملة فى محل جر نعت لشبه.

٥٠٦

أى : يثبت ـ عند البناء للمفعول ـ لما تليه العين من كلّ فعل يكون على وزن «افتعل» أو «انفعل» ـ وهو معتلّ العين ـ ما يثبت لفاء «باع» : من جواز الكسر ، والضم ، وذلك نحو «اختار ، وانقاد» وشبههما ؛ فيجوز فى التاء والقاف ثلاثة أوجه : الضمّ ، نحو «اختور» ، و «انقود» والكسر ، نحو «اختير» ، و «انقيد» والإشمام ، وتحرّك الهمزة بمثل حركة التاء والقاف.

* * *

وقابل من ظرف أو من مصدر

أو حرف جرّ بنيابة حرى (١)

تقدّم أن الفعل إذا بنى لما لم يسمّ فاعله أقيم المفعول به مقام الفاعل ، وأشار فى هذا البيت إلى أنه إذا لم يوجد المفعول به أقيم الظرف أو المصدر أو الجارّ والمجرور مقامه ؛ وشرط فى كل [واحد] منها أن يكون قابلا للنيابة ، أى : صالحا لها ، واحترز بذلك مما لا يصلح للنيابة ، كالظرف الذى لا يتصرّف ، والمراد به : ما لزم النّصب على الظرفية (٢) ، نحو «سحر» إذا أريد به سحر

__________________

(١) «وقابل» مبتدأ ، وخبره قوله «حرى» فى آخر البيت «من ظرف» جار ومجرور متعلق بقابل «أو من مصدر» معطوف على الجار والمجرور السابق «أو حرف جر» معطوف على مصدر ومضاف إليه «بنيابة» جار ومجرور متعلق بحر «حر» خبر المبتدأ الذى هو قابل فى أول البيت كما ذكرنا من قبل.

(٢) الظروف على ثلاثة أنواع :

النوع الأول : ما يلزم النصب على الظرفية ، ولا يفارقها أصلا ، ولا إلى الجر بمن ، وذلك مثل قط ، وعوض ، وإذا ، وسحر.

والنوع الثانى : ما يلزم أحد أمرين : النصب على الظرفية ، والجر بمن ، وذلك مثل عند ، وثم ، بفتح الثاء.

٥٠٧

يوم بعينه ، ونحو «عندك» فلا تقول : «جلس عندك» ولا «ركب سحر» ؛ لئلا تخرجهما عما استقرّ لهما فى لسان العرب من لزوم النصب ، وكالمصادر التى لا تتصرّف ، نحو «معاذ الله» فلا يجوز رفع «معاذ الله» ؛ لما تقدّم فى الظرف ، وكذلك ما لا فائدة فيه : من الظرف ، والمصدر ، [والجارّ] والمجرور ؛ فلا تقول : «سير وقت» ، ولا «ضرب ضرب» ، ولا «جلس فى دار» لأنه لا فائدة فى ذلك.

ومثال القابل من كل منها قولك : «سير يوم الجمعة ، وضرب ضرب شديد ، ومرّ بزيد» (١).

__________________

وهذان النوعان يقال لكل منهما : «ظرف غير متصرف» ، والفرق بينهما ما علمت.

والنوع الثالث : ما يخرج عن النصب على الظرفية وعن الجر بمن ، إلى التأثر بالعوامل المختلفة : كزمن ، ووقت ، وساعة ، ويوم ، ودهر ، وحين ؛ وهذا هو الظرف المتصرف.

(١) حاصل الذى أومأ إليه الشارح فى هذه المسألة أنه يشترط فى صحة جواز إنابة كل واحد من الظرف والمصدر شرطان ؛ أحدهما : أن يكون كل منهما متصرفا ، وثانيهما : أن يكون كل واحد منهما مختصا ؛ فإن فقد أحدهما واحدا من هذين الشرطين لم تصح نيابته.

فالمتصرف من الظروف هو : ما يخرج عن النصب على الظرفية والجر بمن إلى التأثر بالعوامل ، كما علمت مما أوضحناه لك قريبا.

وأما المتصرف من المصادر فهو : ما يخرج عن النصب على المصدريه إلى التأثر بالعوامل المختلفة ، وذلك كضرب وقتل وما لا يخرج من المصدر عن النصب على المصدرية كمعاذ الله فإنه يصدر غير متصرف لا يقع إلا منصوبا على المفعولية المطلقة.

وأما المختص من الظروف فهو : ما خص بإضافة ، أو وصف ، أو نحوهما.

٥٠٨

ولا ينوب بعض هذى ، إن وجد

فى اللّفظ مفعول به وقد يرد (١)

مذهب البصريين ـ إلا الأخفش ـ أنه إذا وجد بعد الفعل المبنى لما لم يسمّ فاعله : مفعول به ، ومصدر ، وظرف ، وجارّ ومجرور ـ نعين إقامة المفعول به مقام الفاعل ؛ فتقول : ضرب زيد ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الأمير فى داره ، ولا يجوز إقامة غيره [مقامه] مع وجوده ، وما ورد من ذلك شاذّ أو مؤوّل.

ومذهب الكوفيين أنه يجوز إقامة غيره وهو موجود : تقدّم ، أو تأخّر ؛ فتقول : «ضرب ضرب شديد زيدا ، وضرب زيدا ضرب شديد» وكذلك فى الباقى ، واستدلّوا لذلك بقراءة أبى جعفر (ليجزى قوما بما كانوا يكسبون) وقول الشاعر :

__________________

وأما المختص من المصادر فهو : ما كان دالا على العدد ، أو على النوع ، أما نحو «ضرب ضرب» فهو غير مختص ، ولا يجوز نيابته عن الفاعل.

ويشترط فى نيابة الجار والمجرور ثلاثة شروط ، أولها : أن يكون مختصا ـ بأن يكون المجرور معرفة أو نحوها ـ وثانيها : ألا يكون حرف الجر ملازما لطريقة واحدة ، كمذ ومنذ الملازمين لجر الزمان ، وكحروف القسم الملازمة لجر المقسم به ، وثالثها : ألا يكون حرف الجر دالا على التعليل كاللام ، والباء ، ومن ، إذا استعملت إحداها فى الدلالة على التعليل ، ولهذا امتنعت نيابة المفعول لأجله.

(١) «ولا» نافية «ينوب» فعل مضارع «بعض» فاعل ينوب ، وبعض مضاف ، واسم الإشارة فى «هذى» مضاف إليه «إن» شرطية «وجد» فعل ماض مبنى للمجهول فعل الشرط «فى اللفظ» جار ومجرور متعلق بوجد «مفعول» نائب فاعل لوجد «به» متعلق بمفعول ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام ، والتقدير : إن وجد فى اللفظ مفعول به فلا ينوب بعض هذه الأشياء «وقد» حرف تقليل «يرد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نيابة بعض هذه الأشياء مناب الفاعل مع وجود المفعول به فى اللفظ المستفاد من قوله «ولا ينوب ـ إلخ».

٥٠٩

(١٥٦) ـ

لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا

ولا شفى ذا الغىّ إلّا ذو هدى

__________________

١٥٦ ـ نسبوا هذا البيت لرؤبة بن العجاج ، وقد راجعت ديوان أراجيزه فوجدت هذا البيت فى زيادات الديوان ، لا فى أصله ، وقبله قوله :

وقد كفى من بدئه ما قد بدا

وإن ثنى فى العود كان أحمدا

اللغة : «بدئه» مبتدأ أمره وأول شأنه «بدا» ظهر «ثنى» عاد ، تقول : ثنى يثنى ـ بوزن رمى يرمى ـ وأصل معناه جمع طرفى الحبل فصير ما كان واحدا اثنين «كان أحمدا» مأخوذ من قولهم : عود أحمد ، يريدون أنه محمود «يعن» فعل مضارع ماضيه عنى ، وهو من الأفعال الملازمة للبناء للمفعول ، ومعناه على هذا أولع أو اهتم ، تقول : عنى فلان بحاجتى وهو معنى بها ؛ إذا كان قد أولع بقضائها واهتم لها «العلياء» هى خصال المجد التى تورث صاحبها سموا ورفعة قدر «شفى» أبرأ ، وأراد به ههنا هدى ، مجازا «الغى» الجرى مع هوى النفس والتمادى فى الأخذ بما يوبقها ويهلكها «هدى» بضم الهاء ـ وهو الرشاد وإصابة الجادة.

المعنى : لم يشتغل بمعالى الأمور ، ولم يولع بخصال المجد ، إلا أصحاب السيادة والطموح ، ولم يشف ذوى النفوس المريضة والأهواء المتأصلة من دائهم الذى أصيبت به نفوسهم إلا ذوو الهداية والرشد.

الإعراب : «لم» حرف نفى وجزم وقلب «يعن» فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الألف ، والفتحة قبلها دليل عليها «بالعلياء» جار ومجرور نائب عن الفاعل «إلا» أداة استثناء ملغاة «سيدا» مفعول به ليعن «ولا» الواو عاطفة ، ولا نافية «شفى» فعل ماض «ذا» مفعول لشفى مقدم على الفاعل ، وذا مضاف ، و «الغى» مضاف إليه «إلا» أداة استثناء ملغاة «ذو» فاعل شفى ، وذو مضاف ، و «هدى» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «لم يعن بالعلياء إلا سيدا» حيث ناب الجار والمجرور ـ وهو قوله «بالعلياء» ـ عن الفاعل ، مع وجود المفعول به فى الكلام ـ وهو قوله «سيدا».

والدليل على أن الشاعر أناب الجار والمجرور ، ولم ينب المفعول به ، أنه جاء بالمفعول به منصوبا ، ولو أنه أنابه لرفعه ؛ فكان يقول : لم يعن بالعلياء إلا سيد ،

٥١٠

ومذهب الأخفش أنه إذا تقدّم غير المفعول به عليه جاز إقامة كل [واحد] منهما ؛ فتقول : ضرب فى الدار زيد ، وضرب فى الدار زيدا ، وإن لم يتقدم تعين إقامة المفعول به ، نحو «ضرب زيد فى الدّار» ؛ فلا يجوز «ضرب زيدا فى الدّار».

* * *

وباتّفاق قد ينوب الثّان من

باب «كسا» فيما التباسه أمن (١)

__________________

والداعى لذلك أن القوافى كلها منصوبة ، فاضطراره لتوافق القوافى هو الذى دعاه وألجأه إلى ذلك.

ومثل هذا البيت قول الراجز :

وإنّما يرضى المنيب ربّه

ما دام معنيّا بذكر قلبه

ومحل الاستشهاد فى قوله «معنيا بذكر قلبه» حيث أناب الجار والمجرور ـ وهو قوله «بذكر» ـ عن الفاعل ، مع وجود المفعول به فى الكلام ـ وهو قوله «قلبه» ـ بدليل أنه أتى بالمفعول به منصوبا بعد ذلك كما هو ظاهر.

والبيتان حجة للكوفيين والأخفش جميعا ؛ لأن النائب عن الفاعل فى البيتين متقدم فى كل واحد منهما عن المفعول به ، والبصريون يرون ذلك من الضرورة الشعرية.

(١) «وباتفاق» الواو للاستئناف ، باتفاق : جار ومجرور متعلق بينوب الآتى «قد» حرف تقليل «ينوب» فعل مضارع «الثان» فاعل ينوب «من باب» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الثانى ، وباب مضاف ، و «كسا» قصد لفظه : مضاف إليه «فيما» جار ومجرور متعلق بينوب «التباسه» التباس : مبتدأ ، والتباس مضاف والهاء مضاف إليه «أمن» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى التباس ، والجملة من أمن ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها من الإعراب صلة «ما» المجرورة محلا بفى.

٥١١

إذا بنى الفعل المتعدّى إلى مفعولين لما لم يسمّ فاعله : فإما أن يكون من باب «أعطى» ، أو من باب «ظنّ (١)» ؛ فإن كان من باب «أعطى» ـ وهو المراد بهذا البيت ـ فذكر المصنف أنه يجوز إقامة الأول منهما وكذلك الثانى ، بالاتفاق ؛ فتقول : «كسى زيد جبّة ، وأعطى عمرو درهما» ، وإن شئت أقمت الثانى ؛ فنقول : «أعطى عمرا درهم ، وكسى زيدا جبة».

هذا إن لم يحصل لبس بإقامة الثانى ، فإذا حصل لبس وجب إقامة الأول ، [وذلك نحو «أعطيت زيدا عمرا» فتتعين إقامة الأول] فتقول : «أعطى زيد عمرا» ولا يجوز إقامة الثانى حينئذ : لئلا يحصل لبس ؛ لأن كل واحد منهما يصلح أن يكون آخذا ، بخلاف الأول.

ونقل المصنف الاتفاق على أن الثانى من هذا الباب يجوز إقامته عند أمن

__________________

(١) قد ينصب فعل من الأفعال مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر. نحو ظننت زيدا قائما وعلمت أخاك مسافرا ، ولا ينصب المفعولين اللذين أصلهما المبتدأ والخبر إلا ظن وأخواتها. وهذا هو مراد الشارح هنا بقوله «باب ظن» ، ومراد الناظم بقوله «فى باب ظن وأرى» لأن «أرى» تنصب ثلاثة مفاعيل : أصل الثانى والثالث منها مبتدأ وخبر ، على ما علمت.

وقد ينصب فعل من الأفعال مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ، وهذا النوع على ضربين ؛ لأن نصبه لأحد هذين المفعولين إما أن يكون على نزع الخافض ، كما فى قولك : اخترت الرجال محمدا ، وكما فى قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) الأصل اخترت من الرجال محمدا ، واختار موسى من قومه سبعين رجلا ، وإما أن يكون نصبه للمفعولين لأنه من طبيعته متعد إلى اثنين. وذلك نحو قولك : منحت الفقير درهما ، وأعطيت إبراهيم دينارا ، وكسوت محمدا جبة.

وهذا الضرب الأخير هو مراد الناظم والشارح بباب كسا ، فهو : كل فعل تعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ، وكان تعديه إليهما بنفسه ، لا بواسطة حذف حرف الجر من أحدهما وإيصال الفعل إلى المجرور.

٥١٢

اللّبس ؛ فإن عنى به أنه اتفاق من جهة النحويين كلهم فليس بجيد ؛ لأن مذهب الكوفيين أنه إذا كان الأول معرفة والثانى نكرة تعين إقامة الأول ؛ فتقول : «أعطى زيد درهما» ، ولا يجوز عندهم إقامة الثانى ؛ فلا تقول : «أعطى درهم زيدا».

* * *

فى باب «ظنّ ، وأرى» المنع اشتهر

ولا أرى منعا إذا القصد ظهر (١)

يعنى أنه إذا كان الفعل متعديا إلى مفعولين الثانى منهما خبر فى الأصل ، كظن وأخواتها ، أو كان متعديا إلى ثلاثة مفاعيل كأرى وأخواتها ـ فالأشهر عند النحويين أنه يجب إقامة الأول ، ويمتنع إقامة الثانى فى باب «ظنّ» والثانى والثالث فى باب «أعلم» ؛ فتقول : «ظنّ زيد قائما» ولا يجوز «ظنّ زيدا قائم» وتقول : «أعلم زيد فرسك مسرجا» ولا يجوز إقامة الثانى ؛ فلا تقول : «أعلم زيدا فرسك مسرجا» ولا إقامة الثالث ؛ فتقول : «أعلم زيدا

__________________

(١) «فى باب» جار ومجرور متعلق باشتهر الآتى ، وباب مضاف ، و «ظن» قصد لفظه : مضاف إليه «وأرى» معطوف على ظن «المنع» مبتدأ ، وجملة «اشتهر» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ «ولا» نافية «أرى» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «منعا» مفعول به لأرى «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط «القصد» فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : إذا ظهر القصد ، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله المذكور فى محل جر بإضافة إذا إليها «ظهر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القصد ، والجملة من ظهر المذكور وفاعله لا محل لها من الإعراب تفسيرية.

٥١٣

فرسك مسرج» ونقل ابن أبى الربيع الاتفاق على منع إقامة الثالث ، ونقل الاتفاق ـ أيضا ـ ابن المصنف.

وذهب قوم ـ منهم المصنف ـ إلى أنه لا يتعيّن إقامة الأول ، لا فى باب «ظنّ» ولا باب «أعلم» لكن يشترط ألّا يحصل لبس ؛ فتقول : «ظنّ زيدا قائم ، وأعلم زيدا فرسك مسرجا».

وأما إقامة الثالث من باب «أعلم» فنقل ابن أبى الربيع وابن المصنف الاتفاق على منعه ، وليس كما زعما ، فقد نقل غيرهما الخلاف فى ذلك (١) ؛ فتقول : «أعلم زيدا فرسك مسرج».

فلو حصل لبس تعيّن إقامة الأول فى باب «ظن ، وأعلم» فلا تقول : «ظنّ زيدا عمرو» على أن «عمرو» هو المفعول الثانى ، ولا «أعلم زيدا خالد منطلقا».

* * *

وما سوى النّائب ممّا علّقا

بالرّافع النّصب له محقّقا (٢)

__________________

(١) حاصل الخلاف الذى نقله غيرهما أن بعض النحاة أجازه بشرط ألا يوقع فى لبس كما مثل الشارح ، وحكاية الخلاف هو ظاهر كلام الناظم فى كتابه التسهيل ، بل يمكن أن يكون مما يشير إليه كلامه فى الألفية لأن ثالث مفاعيل أعلم هو ثانى مفعولى علم ، وقد ذكر اختلاف النحاة فى ثانى مفعولى علم.

(٢) «وما» اسم موصول : مبتدأ أول «سوى النائب ، مما» متعلقان بمحذوف صلة «ما» الواقع مبتدأ «علقا» علق : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود لما ، والجملة لا محل لها صلة ما المجرورة محلا بمن «بالرافع» متعلق بقوله علق «النصب» مبتدأ ثان «له» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ الثانى ، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول ، وهو «ما» فى أول البيت «محققا» حال من الضمير المستكن فى الخبر.

٥١٤

حكم المفعول القائم مقام الفاعل حكم الفاعل ؛ فكما أنه لا يرفع الفعل إلا فاعلا واحدا ، كذلك لا يرفع الفعل إلا مفعولا واحدا (١) ؛ فلو كان للفعل معمولان فأكثر أقمت واحدا منها مقام الفاعل ، ونصبت الباقى ؛ فتقول : «أعطى زيد درهما ، وأعلم زيد عمرا قائما ، وضرب زيد ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الأمير فى داره».

* * *

__________________

(١) يريد لا يرفع على أنه نائب فاعل إلا واحد من المفاعيل التى كان الفعل ناصبا لها وهو مبنى للمعلوم.

٥١٥

اشتغال العامل عن المعمول (١)

__________________

(١) أركان الاشتغال ثلاثة : مشغول عنه ، وهو الاسم المتقدم ، ومشغول ، وهو الفعل المتأخر ، ومشغول به ، وهو الضمير الذى تعدى إليه الفعل بنفسه أو بالواسطة ، ولكل واحد من هذه الأركان الثلاثة شروط لا بد من بيانها.

فأما شروط المشغول عنه ـ وهو الاسم المتقدم فى الكلام ـ فخمسة :

الأول : ألا يكون متعددا لفظا ومعنى : بأن يكون واحدا ، نحو زيدا ضربته ، أو متعددا فى اللفظ دون المعنى ، نحو زيدا وعمرا ضربتهما ؛ لأن العطف جعل الاسمين كالاسم الواحد ؛ فإن تعدد فى اللفظ والمعنى ـ نحو زيدا درهما أعطيته ـ لم يصح.

الثانى : أن يكون متقدما ، فإن تأخر ـ نحو ضربته زيدا ـ لم يكن من باب الاشتغال ، بل إن نصبت زيدا فهو بدل من الضمير ، وإن رفعته فهو مبتدأ خبره الجملة قبله.

الثالث : قبوله الإضمار ؛ فلا يصح الاشتغال عن الحال ، والتمييز ، ولا عن المجرور بحرف يختص بالظاهر كحتى.

الرابع : كونه مفتقرا لما بعده ؛ فنحو «جاءك زيد فأكرمه» ليس من باب الاشتغال لكون الاسم مكتفيا بالعامل المتقدم عليه.

الخامس : كونه صالحا للابتداء به ، بألا يكون نكرة محضة ؛ فنحو قوله تعالى : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) ليس من باب الاشتغال ، بل (رَهْبانِيَّةً) معطوف على ما قبله بالواو ، وجملة (ابتدعوها) صفة.

وأما الشروط التى يجب تحققها فى المشغول ـ وهو الفعل الواقع بعد الاسم ـ فاثنان :

الأول : أن يكون متصلا المشغول عنه ، فإن انفصل منه بفاصل لا يكون لما بعده عمل فيما قبله ـ كأدوات الشرط ، وأدوات الاستفهام ، ونحوهما ـ لم يكن من باب الاشتغال ، وسيأتى توضيح هذا الشرط فى الشرح.

الثانى : كونه صالحا للعمل فيما قبله : بأن يكون فعلا متصرفا ، أو اسم فاعل ، أو اسم مفعول ، فإن كان حرفا ، أو اسم فعل ، أو صفة مشبهة ، أو فعلا جامدا كفعل التعجب ـ وكل هذه العوامل لضعفها لا تعمل فيما تقدم عليها ـ لم يصح.

وأما الذى يجب تحققه فى المشغول به ـ وهو الضمير ـ فشرط واحد ، وهو : ألا يكون أجنبيا من المشغول عنه ؛ فيصح أن يكون ضمير المشغول عنه ، نحو زيدا ضربته ، أو مررت به ،

٥١٦

إن مضمر اسم سابق فعلا شغل

عنه : بنصب لفظه ، أو المحلّ (١)

فالسّابق انصبه بفعل أضمرا

حتما ، موافق لما قد أظهرا (٢)

الاشتغال : أن يتقدم اسم ، ويتأخر عنه فعل ، [قد] عمل فى ضمير ذلك الاسم أو فى سببيّه ـ وهو المضاف إلى ضمير الاسم السابق ـ فمثال المشتغل بالضمير «زيدا ضربته ، وزيدا مررت به» ومثال المشتغل بالسببىّ «زيدا ضربت غلامه» وهذا هو المراد بقوله : «إن مضمر اسم ـ إلى آخره» والتقدير : إن شغل مضمر اسم سابق فعلا عن ذلك الاسم بنصب المضمر لفظا نحو «زيدا ضربته» أو بنصبه محلا ، نحو «زيدا مررت به» فكلّ واحد من «ضربت ، ومررت» اشتغل بضمير «زيد» لكن «ضربت» وصل إلى

__________________

ويصح أن يكون اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير المشغول عنه ، نحو زيدا ضربت أخاه ، أو مررت بغلامه.

(١) «إن» شرطية «مضمر» فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : إن شغل مضمر ، ومضمر مضاف ، و «اسم» مضاف إليه «سابق» نعت لاسم «فعلا» مفعول به لشغل مقدم عليه «شغل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر «عنه ، بنصب» متعلقان بشغل ، ونصب مضاف ، ولفظ من «لفظه» مضاف إليه ، من إضافة المصدر لمفعوله ، ولفظ مضاف ، والهاء مضاف إليه «أو» حرف عطف «المحل» معطوف على لفظ.

(٢) «فالسابق» مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : فانصب السابق «انصبه» انصب : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به «بفعل» جار ومجرور متعلق بانصب ، وجملة «أضمر» ونائب الفاعل المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل ، فى محل جر نعت لفعل «حتما» مفعول مطلق لفعل محذوف ، والتقدير : حتم ذلك ذلك حتما «موافق» نعت ثان لفعل «لما» جار ومجرور متعلق بموافق «قد» حرف تحقيق ، وجملة «أظهرا» ونائب الفاعل المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، لا محل لها من الإعراب صلة «ما» المجرورة محلا باللام.

٥١٧

الضمير بنفسه ، و «مررت» وصل إليه بحرف جر ؛ فهو مجرور لفظا ومنصوب محلا ، وكل من «ضربت ، ومررت» لو لم يشتغل بالضمير لتسلّط على «زيد» كما تسلّط على الضمير ، فكنت تقول : «زيدا ضربت» فتنصب «زيدا» ويصل إليه الفعل بنفسه كما وصل إلى ضميره ، وتقول : «بزيد مررت فيصل الفعل إلى زيد بالباء كما وصل إلى ضميره ، ويكون منصوبا محلا كما كان الضمير.

وقوله «فالسابق انصبه ـ إلى آخره» معناه أنه إذا وجد الاسم والفعل على الهيئة المذكورة ؛ فيجوز لك نصب الاسم السابق ، واختلف النحويون فى ناصبه :

فذهب الجمهور إلى أن ناصبه فعل مضمر وجوبا ؛ [لأنه لا يجمع بين المفسّر والمفسّر] ويكون الفعل المضمر موافقا فى المعنى لذلك المظهر ، وهذا يشمل ما وافق لفظا ومعنى نحو قولك فى «زيدا ضربته» : إن التقدير «ضربت زيدا ضربته» وما وافق معنى دون لفظ كقولك فى «زيدا مررت به» : إن التقدير «جاوزت زيدا مررت به» (١) وهذا هو الذى ذكره المصنف.

__________________

(١) اعلم أن الفعل المشغول قد يكون متعديا ناصبا للمشغول به بلا واسطة ، وقد يكون لازما ناصبا للمشغول به معنى وهو مجرور بحرف جر ، وعلى كل حال إما أن يكون المشغول به ضمير الاسم المتقدم ، وإما أن يكون سببيه ؛ فهذه أربعة أحوال :

فيكون تقدير العامل فى الاسم المتقدم المشغول عنه من لفظ العامل المشغول ومعناه فى صورة واحدة ، وهى أن يجتمع فى العامل المشغول شيئان هما : كونه متعديا بنفسه ، وكونه ناصبا لضمير الاسم المتقدم ـ نحو قولك : زيدا ضربته.

ويكون تقدير العامل فى الاسم المتقدم المشغول عنه من معنى العامل المشغول دون لفظه ، فى ثلاث صور :

٥١٨

والمذهب الثانى : أنه منصوب بالفعل المذكور بعده ، وهذا مذهب كوفىّ ، واختلف هؤلاء ؛ فقال قوم : إنه عامل فى الضمير وفى الاسم معا ؛ فإذا قلت : «زيدا ضربته» كان «ضربت» ناصبا لـ «زيد» وللهاء ، وردّ هذا المذهب بأنه لا يعمل عامل واحد فى ضمير اسم ومظهره ، وقال قوم : هو عامل فى الظاهر ، والضمير ملغى ، وردّ بأن الأسماء لا تلغى بعد اتصالها بالعوامل.

* * *

والنّصب حتم ، إن تلا السّابق ما

يختصّ بالفعل : كإن وحيثما (١)

__________________

الأولى : أن يكون العامل فى المشغول به لازما ، والمشغول به ضمير الاسم المتقدم ، نحو قولك : أزيدا مررت به ، فإن التقدير : أجاوزت زيدا مررت به.

الثانية : أن يكون العامل لازما ، والمشغول به اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير الاسم السابق ، نحو قولك : زيدا مررت بغلامه ؛ فإن التقدير : لابست زيدا مررت بغلامه ، ولا تقدره : «جاوزت زيدا مررت بغلامه» كما قدرت فى الصورة الأولى ؛ لأن المعنى على هذا التقدير هنا غير مستقيم ، لأنك لم تجاوز زيدا ولم تمرر به ، وإنما جاوزت غلامه ومررت به ، وجاوز من معنى مر ، وليس من لفظه كما هو ظاهر.

الثالثة : أن يكون العامل متعديا ، ولكنه نصب اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير عائد إلى الاسم السابق ، نحو قولك : زيدا ضربت أخاه ، فإن التقدير : أهنت زيدا ضربت أخاه.

وهكذا تقدر فى كل صورة من هذه الصور الثلاث فعلا ينصب بنفسه ، ويصح معه المعنى

(١) «والنصب» مبتدأ «حتم» خبر المبتدأ «إن» شرطية «تلا» فعل ماض. فعل الشرط ، وجواب الشرط محذوف ، وتقدير الكلام : إن تلا السابق ما يختص بالفعل فالنصب واجب «السابق» فاعل لتلا «ما» اسم موصول : مفعول به لتلا

٥١٩

ذكر النحويون أن مسائل هذا الباب على خمسة أقسام ؛ أحدها : ما يجب فيه النصب ، والثانى : ما يجب فيه الرفع ، والثالث : ما يجوز فيه الأمران والنصب أرجح ، والرابع : ما يجوز فيه الأمران والرفع أرجح ، والخامس : ما يجوز فيه الأمران على السواء.

فأشار المصنف إلى القسم الأول بقوله : «والنّصب حتم ـ إلى آخره» ومعناه أنه يجب نصب الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل ، كأدوات الشرط (١) نحو إن ، وحيثما ؛ فتقول : «إن زيدا أكرمته أكرمك ، وحيثما زيدا تلقه فأكرمه» : فيجب نصب «زيدا» فى المثالين وفيما أشبههما ، ولا يجوز الرفع على أنه مبتدأ ؛ إذ لا يقع [الاسم] بعد هذه

__________________

«يختص» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة من يختص وفاعله لا محل لها صلة الموصول «بالفعل» جار ومجرور متعلق بيختص «كإن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف : أى وذلك كائن كإن ـ إلخ ، «وحيثما» معطوف على «إن» المجرورة محلا بالكاف.

(١) الأدوات التى تختص بالفعل أربعة أنواع :

الأول : أدوات الشرط كإن ، وحيثما ، نحو ما مثل به الشارح ، واعلم أن الاشتغال إنما يقع بعد أدوات الشرط فى ضرورة الشعر ، فأما فى النثر فلا يقع الاشتغال إلا بعد أداتين منهما : الأولى «إن» بشرط أن يكون الفعل المشغول ماضيا ، نحو : إن زيدا لقيته فأكرمه ، والثانية : «إذا» مطلقا ، نحو إذا زيدا لقيته ـ أو تلقاه ـ فأكرمه.

النوع الثانى : أدوات التحضيض ، نحو هلا زيدا أكرمته.

النوع الثالث : أدوات العرض ، نحو ألا زيدا أكرمته.

النوع الرابع : أدوات الاستفهام غير الهمزة ، نحو هل زيدا أكرمته ، فأما الهمزة فلا تختص بالفعل ، بل يجوز أن تدخل على الأسماء كما تدخل على الأفعال ، وإن كان دخولها على الأفعال أكثر.

٥٢٠