شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

وظاهر كلام المصنف أن التنوين كلّه من خواصّ الاسم ، وليس كذلك ، بل الذى يختصّ به الاسم إنما هو تنوين التمكين ، والتنكير ، والمقابلة ، والعوض ، وأما تنوين الترنم والغالى فيكونان فى الاسم والفعل والحرف (١).

ومن خواص الاسم النداء ، نحو «يا زيد» ، والألف واللام ، نحو «الرّجل» والإسناد إليه ، نحو «زيد قائم».

فمعنى البيت : حصل للاسم تمييز عن الفعل والحرف : بالجر ، والتنوين ، والنداء ، والألف واللام ، والإسناد إليه : أى الإخبار عنه.

واستعمل المصنف «أل» مكان الألف واللام ، وقد وقع ذلك فى عبارة بعض المتقدمين ـ وهو الخليل ـ واستعمل المصنف «مسند» مكان «الإسناد له».

* * *

__________________

الإعراب : «وقاتم» الواو واو رب ، قاتم : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، وقاتم مضاف و «الأعماق» مضاف إليه «خاوى» صفة لقاتم ، وخاوى مضاف و «المخترق» مضاف إليه ، مجرور بالكسرة الظاهرة ، وسكنه لأجل الوقف ، وخبر المبتدأ جملة من فعل ماض وفاعل فى محل رفع ، وذلك فى قوله بعد أبيات :

*تنشّطته كلّ مغلاة الوهق*

الشاهد فيه : قوله «المخترقن» و «الخفقن» حيث أدخل عليهما التنوين مع اقتران كل واحد منهما بأل ، ولو كان هذا التنوين مما يختص بالاسم لم يلحق الاسم المقترن بأل ، وإذا كان آخر الكلمة التى فى آخر البيت حرفا صحيحا ساكنا كما هنا تسمى القافية حينئذ «قافية مقيدة».

(١) هذا الاعتراض لا يرد على الناظم ؛ لأن تسمية نون الترنم والنون التى تلحق القوافى المطلقة تنوينا إنما هى تسمية مجازية ، وليست من الحقيقة التى وضع لها لفظ التنوين ؛ فأنت لو أطلقت لفظ التنوين على المعنى الحقيقى الذى وضع له لم يشملهما ، والأصل أن يحمل اللفظ على معناه الحقيقى ، ولذلك نرى أنه لا غبار على كلام الناظم.

٢١

بتا فعلت وأتت ، ويا افعلى ،

ونون أقبلنّ ـ فعل ينجلى (١)

ثم ذكر المصنف أن الفعل يمتاز عن الاسم والحرف بتاء «فعلت» والمراد بها تاء الفاعل ، وهى المضمومة للمتكلم ، نحو «فعلت» والمفتوحة للمخاطب ، نحو «تباركت» والمكسورة للمخاطبة ، نحو «فعلت».

ويمتاز أيضا بتاء «أتت» ، والمراد بها تاء التأنيث الساكنة ، نحو «نعمت» و «بئست» فاحترزنا بالساكنة عن اللاحقة للأسماء ؛ فإنها تكون متحركة بحركة الإعراب ، نحو «هذه مسلمة ، ورأيت مسلمة ، ومررت بمسلمة» ومن اللاحقة للحرف ، نحو «لات ، وربّت ، وثمّت (٢)» وأما تسكينها مع ربّ وثمّ فقليل ، نحو «ربّت وثمّت».

__________________

(١) «بتا» جار ومجرور متعلق بينجلى الواقع هو وفاعله الضمير المستتر فيه فى محل رفع خبرا عن المبتدأ ، فإن قلت : يلزم تقديم معمول الخبر الفعلى على المبتدأ وهو لا يجوز ، قلت : إن ضرورة الشعر هى التى ألجأته إلى ذلك ، وإن المعمول لكونه جارا ومجرورا يحتمل فيه ذلك التقدم الذى لا يسوغ فى غيره ، وتا مضاف و «فعلت» قصد لفظه : مضاف إليه «وأتت» الواو حرف عطف ، أتت : قصد لفظه أيضا : معطوف على فعلت «ويا» معطوف على تاء ، ويا مضاف و «افعلى» مضاف إليه ، وهو مقصود لفظه أيضا «ونون» الواو حرف عطف ، نون : معطوف على تاء ، وهو مضاف و «أقبلن» قصد لفظه : مضاف إليه «فعل» مبتدأ «ينجلى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) أما دخول التاء على «لا» فأشهر من أن يستدل عليه ، بل قد استعملت «لات» حرف نفى بكثرة ، وورد استعماله فى فصيح الكلام ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) وأما دخولها على رب ففى نحو قول الشاعر :

وربّت سائل عنّى حفىّ

أعارت عينه أم لم تعارا

ونحو قول الآخر :

ماوىّ يا ربّتما غارة

شعواء كالّلذعة بالميسم

٢٢

ويمتاز أيضا بياء «افعلى» والمراد بها ياء الفاعلة ، وتلحق فعل الأمر ، نحو «اضربى» والفعل المضارع ، نحو «تضربين» ولا تلحق الماضى.

وإنما قال المصنف «يا افعلى» ، ولم يقل «ياء الضمير» لأن هذه تدخل فيها ياء المتكلم ، وهى لا تختصّ بالفعل ، بل تكون فيه نحو «أكرمنى» وفى الاسم نحو «غلامى» وفى الحرف نحو «إنّى» بخلاف ياء «افعلى» فإن المراد بها ياء الفاعلة على ما تقدّم ، وهى لا تكون إلا فى الفعل.

ومما يميز الفعل نون «أقبلنّ» والمراد بها نون التوكيد : خفيفة كانت ، أو ثقيلة ؛ فالخفيفة نحو قوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) والثقيلة نحو قوله تعالى : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ)

فمعنى البيت : ينجلى الفعل بتاء الفاعل ، وتاء التأنيث الساكنة ، وياء الفاعلة ، ونون التوكيد.

* * *

سواهما الحرف كهل وفى ولم

فعل مضارع يلى لم كيشم (١)

__________________

وأما دخولها على ثم ففى نحو قول الشاعر :

ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّنى

فمصيت ثمّت قلت لا يعنينى

(١) «سواهما» سوى : خبر مقدم مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، وسوى مضاف والضمير مضاف إليه «الحرف» مبتدأ مؤخر ، ويجوز العكس ، لكن الأولى ما قدمناه «كهل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير «وذلك كهل» «وفى ولم» معطوفان على هل «فعل» مبتدأ «مضارع» نعت له «يلى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فعل مضارع ، والجملة خبر المبتدأ «لم» مفعول به ليلى ، وقد قصد لفظه «كيشم» جار ومجرور متعلق بمحذوف يقع خبرا لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كيشم ، وتقدير البيت كله : الحرف سوى الاسم والفعل ، وذلك كهل وفى ولم ، والفعل المضارع يلى لم ، وذلك كائن

٢٣

وماضى الأفعال بالتّا مز ، وسم

بالنّون فعل الأمر ، إن أمر فهم (١)

يشير إلى أن الحرف يمتاز عن الاسم والفعل بخلوّه عن علامات الأسماء ، وعلامات الأفعال ، ثم مثّل بـ «هل وفى ولم» منبّها على أن الحرف ينقسم إلى قسمين : مختص ، وغير مختص ، فأشار بهل إلى غير المختص ، وهو الذى يدخل على الأسماء والأفعال ، نحو «هل زيد قائم» و «هل قام زيد» ، وأشار بفى ولم إلى المختص ، وهو قسمان : مختص بالأسماء كفى ، نحو «زيد فى الدار» ، ومختص بالأفعال كلم ، نحو «لم يقم زيد».

ثم شرع فى تبيين أن الفعل ينقسم إلى ماض ومضارع وأمر ؛ فجعل علامة

__________________

كيشم ، ويشم فعل مضارع ماضيه قولك : شممت الطيب ونحوه ـ من باب فرح ـ إذا نشقته ، وفيه لغة أخرى من باب نصر ينصر حكاها الفراء.

(١) «وماضى» الواو للاستئناف ، ماضى : مفعول به مقدم لقوله مز الآتى ، وماضى مضاف و «الأفعال» مضاف إليه «بالتا» جار ومجرور متعلق بمز «مز» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وسم» الواو عاطفة أو للاستئناف سم : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بالنون» جار ومجرور متعلق بسم «فعل» مفعول به لسم ، وفعل مضاف و «الأمر» مضاف إليه «إن» حرف شرط «أمر» نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده ، وتقديره : إن فهم أمر «فهم» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على أمر ، والجملة من الفعل ونائب فاعله لا محل لها من الإعراب تفسيرية ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه المذكور. وتقديره «إن فهم أمر فسم بالنون إلخ». وتقدير البيت : ميز الماضى من الأفعال بقبول التاء التى ذكرنا أنها من علامات كون الكلمة فعلا ، وعلم فعل الأمر بقبول النون إن فهم منه الطلب.

ومز : أمر من ماز الشىء يميزه ميزا ـ مثل باع يبيع بيعا ـ إذا ميزه ، وسم : أمر من وسم الشىء يسمه وسما ـ مثل وصفه يصفه وصفا ـ إذا جعل له علامة يعرفه بها ، والأمر قوله «إن أمر فهم» هو الأمر اللغوى ، ومعناه الطلب الجازم على وجه الاستعلاء.

٢٤

المضارع صحة دخول «لم» عليه ، كقولك فى يشمّ : «لم يشم» وفى يضرب : «لم يضرب» ، وإليه أشار بقوله : «فعل مضارع يلى لم كيشم».

ثم أشار إلى ما يميز الفعل الماضى بقوله : «وماضى الأفعال بالتّامز» أى : ميّز ماضى الأفعال بالتاء ، والمراد بها تاء الفاعل ، وتاء التأنيث الساكنة ، وكل منهما لا يدخل إلا على ماضى اللفظ ، نحو «تباركت يا ذا الجلال والإكرام» و «نعمت المرأة هند» و «بئست المرأة دعد».

ثم ذكر فى بقية البيت أن علامة فعل الأمر : قبول نون التوكيد ، والدلالة على الأمر بصيغته ، نحو «اضربن ، واخرجنّ».

فإن دلّت الكلمة على الأمر ولم تقبل نون التوكيد فهى اسم فعل (١) ، وإلى ذلك أشار بقوله :

والأمر إن لم يك للنّون محل

فيه هو اسم نحو صه وحيّهل (٢)

__________________

(١) وكذا إذا دلت الكلمة على معنى الفعل المضارع ولم تقبل علامته ـ وهى لم ـ فإنها تكون اسم فعل مضارع. نحو أوه وأف ، بمعنى أنوجع وأتضجر ، وإن دلت الكلمة على معنى الفعل الماضى وامتنع قبولها علامته امتناعا راجعا إلى ذات الكلمة فإنها تكون اسم فعل ماض ، نحو هيهات وشتان ، بمعنى بعد وافترق ، فإن كان امتناع قبول الكلمة الدالة على الماضى لا يرجع إلى ذات الكلمة ، كما فى فعل التعجب نحو : «ما أحسن السماء» وكما فى «حبذا الاجتهاد» فإن ذلك لا يمنع من كون الكلمة فعلا.

(٢) «والأمر» الواو عاطفة أو للاستئناف ، الأمر : مبتدأ «إن» حرف شرط «لم» حرف نفى وجزم «يك» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف ، وأصله يكن «للنون» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر يك مقدما «محل» اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة ، وسكن لأجل الوقف «فيه» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لمحل «هو اسم» مبتدأ وخبر ، والجملة منهما فى محل جزم جواب الشرط ، وإنما لم يجىء بالفاء للضرورة. والجملة من الشرط وجوابه فى محل رفع خبر المبتدأ ، أو تجعل جملة «هو اسم» فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو قوله

٢٥

فصه وحيّهل : اسمان وإن دلّا على الأمر ؛ لعدم قبولهما نون التوكيد ؛ فلا تقول : صهنّ ولا حيّهلنّ ، وإن كانت صه بمعنى اسكت ، وحيّهل بمعنى أقبل ؛ فالفارق (١) بينهما قبول نون التوكيد وعدمه ، نحو «اسكتنّ ، وأقبلنّ» ، ولا يجوز ذلك فى «صه ، وحيهل».

* * *

__________________

الأمر فى أول البيت ، وتكون جملة جواب الشرط محذوفة دلت عليها جملة المبتدأ وخبره ، والتقدير على هذا : والدال على الأمر هو اسم إن لم يكن فيه محل للنون فهو اسم ، وحذف جواب الشرط عند ما لا يكون فعل الشرط ماضيا ضرورة أيضا ؛ فالبيت لا يخلو من الضرورة «نحو» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك نحو ، ونحو مضاف و «صه» مضاف إليه ، وقد قصد لفظه «وحيهل» معطوف على صه.

(١) ثلاثة فوائد ـ الأولى : أسماء الأفعال على ثلاثة أنواع ؛ النوع الأول : ما هو واجب التنكير ، وذلك نحو ويها وواها ، والنوع الثانى : ما هو واجب التعريف ، وذلك نحو نزال وتراك وبابهما ، والثالث : ما هو جائز التنكير والتعريف ، وذلك نحو صه ومه ؛ فما نون وجوبا أو جوازا فهو نكرة ، وما لم ينون فهو معرفة.

والفائدة الثانية : توافق أسماء الأفعال الأفعال فى ثلاثة أمور ؛ أولها : الدلالة على المعنى ، وثانيها : أن كل واحد من أسماء الأفعال يوافق الفعل الذى يكون بمعناه فى التعدى واللزوم غالبا ، وثالثها : أنه بوافق الفعل الذى بمعناه فى إظهار الفاعل وإضماره ؛ ومن غير الغالب فى التعدى نحو «آمين» فإنه لم يحفظ فى كلام العرب تعديه لمفعول ، مع أنه بمعنى استجب وهو فعل متعد ، وكذا «إيه» فإنه لازم مع أن الفعل الذى بمعناه ـ وهو زدنى ـ متعد ، وتخالفها فى سبعة أمور ؛ الأول : أنه لا يبرز معها ضمير ، بل تقول «صه» بلفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع المذكر والمؤنث ، بخلاف «اسكت» فإنك تقول : اسكتى ، واسكتا ، واسكتوا ، واسكتن ، والثانى أنها لا يتقدم معمولها عليها ؛ فلا تقول : «زيدا عليك» كما تقول : «محمدا الزم» والثالث أنه يجوز توكيد الفعل توكيدا لفظيا باسم الفعل ؛ تقول : انزل نزال ، وتقول : اسكت صه ، كما تقول : انزل انزل ، واسكت اسكت ، ولا يجوز توكيد اسم الفعل بالفعل ، والرابع : أن الفعل إذا دل على الطلب جاز نصب

٢٦

..................................................................................

__________________

المضارع فى جوابه ، فتقول : انزل فأحدثك ، ولا يجوز نصب المضارع فى جواب اسم الفعل ولو كان دالا على الطلب كصه ونزال ، والخامس : أن أسماء الأفعال لا تعمل مضمرة ، بحيث تحذف ويبقى معمولها ، ولا متأخرة عن معمولها ؛ بل متى وجدت معمولا تقدم على اسم فعل تعين عليك تقدير فعل عامل فيه ؛ فنحو قول الشاعر :

يأيّها المائح دلوى دونكا

إنّى رأيت النّاس يحمدونكا

يقدر : حذ دلوى ، ولا يجعل قوله : «دلوى» معمولا لدونكا الموجود ، ولا لآخر مثله مقدر ، على الأصح. والسادس : أن أسماء الأفعال غير متصرفة ؛ فلا تختلف أبنيتها لاختلاف الزمان ، بخلاف الأفعال. والسابع : أنها لا تقبل علامات الأفعال كالنواصب والجوازم ونون التوكيد وياء المخاطبة وتاء الفاعل ، وهو ما ذكره الشارح فى هذا الموضع ؛ فاحفظ هذا كله ، وكن منه على ثبت ، والله يتولاك.

الفائدة الثالثة ، اختلف النحاة فى أسماء الأفعال ؛ فقال جمهور البصريين : هى أسماء قامت مقام الأفعال فى العمل ، ولا تتصرف تصرف الأفعال بحيث تختلف أبنيتها لاختلاف الزمان ، ولا تصرف الأسماء بحيث يسند إليها إسنادا معنويا فتقع مبتدأ وفاعلا ؛ وبهذا فارقت الصفات كأسماء الفاعلين والمفعولين ، وقال جمهور الكوفيين : إنها أفعال ؛ لأنها تدل على الحدث والزمان ، كل ما فى الباب أنها جامدة لا تتصرف ؛ فهى كليس وعسى ونحوهما ، وقال أبو جعفر بن صابر : هى نوع خاص من أنواع الكلمة ؛ فليست أفعالا وليست أسماء ؛ لأنها لا تتصرف تصرف الأفعال ولا تصرف الأسماء ، ولأنها لا تقبل علامة الأسماء ولا علامة الأفعال ، وأعطاها أبو جعفر اسما خاصا بها حيث سماها «خالفة».

٢٧

المعرب والمبنى (١)

والاسم منه معرب ومبنى

لشبه من الحروف مدنى (٢)

يشير إلى أن الاسم ينقسم إلى قسمين : حدهما المعرب ، وهو : ما سلم من شبه الحروف ، والثانى المبنى ، وهو : ما أشبه الحروف ، وهو المعنىّ بقوله : «لشبه من الحروف مدنى» أى : لشبه مقرّب من الحروف ؛ فعلّة البناء منحصرة عند المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ فى شبه الحرف ، ثم نوّع المصنّف وجوه الشبه فى البيتين اللذين بعد هذا البيت ، وهذا قريب من مذهب أبى على الفارسى حيث جعل البناء منحصرا فى شبه الحرف أو ما تضمن معناه ، وقد نص سيبويه ـ رحمه الله! ـ. على أن علة البناء كلها ترجع إلى شبه الحرف ،

__________________

(١) أى : هذا باب المعرب والمبنى ، وإعرابه ظاهر.

(٢) «والاسم» الواو للاستئناف ، الاسم : مبتدأ أول «منه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «معرب» مبتدأ مؤخر ، والجملة منه ومن خبره خبر المبتدأ الأول ، «ومبنى» مبتدأ ، وخبره محذوف ، والتقدير «ومنه مبنى» ولا يجوز أن تعطف قوله مبنى على معرب ؛ لأنه يستلزم أن يكون المعنى أن بعض الاسم معرب ومبنى فى آن واحد ، أو يستلزم أن بعض الاسم معرب ومبنى وبعضه الآخر ليس بمعرب ولا مبنى ، وهو قول ضعيف أباه جمهور المحققين من النحاة «لشبه» جار ومجرور متعلق بمبنى ، أو متعلق بخبر محذوف مع مبتدئه والتقدير : «وبناؤه ثابت لشبه» «من الحروف» جار ومجرور متعلق بشبه أو بمدنى «مدنى» نعت لشبه ، وتقدير البيت :والاسم بعضه معرب وبعضه الآخر مبنى ؛ وبناء ذلك المبنى ثابت لشبه مدن له من الحرف ومدنى : اسم فاعل فعله أدنى ؛ تقول : أدنيت الشىء من الشىء ، إذا قربته منه ، والياء فيه هنا ياء زائدة للاشباع ، وليست لام الكلمة ؛ لأن ياء المنقوص المنكر غير المنصوب تحذف وجوبا.

٢٨

وممن ذكره ابن أبى الرّبيع (١).

* * *

__________________

(١) اعلم أنهم اختلفوا فى سبب بناء بعض الأسماء : أهو شىء واحد يوجد فى كل مبنى منها أو أشياء متعددة يوجد واحد منها فى بعض أنواع المبنيات وبعض آخر فى نوع آخر ، وهكذا؟

فذهب جماعة إلى أن السبب متعدد ، وأن من الأسباب مشابهة الاسم فى المعنى للفعل المبنى ، ومثاله ـ عند هؤلاء ـ من الاسم «نزال وهيهات» فإنهما لما أشبها «انزل وبعد» فى المعنى بنيا ، وهذا السبب غير صحيح ، لأنه لو صح للزم بناء نحو سقيا لك و «ضربا زيدا» فإنهما بمعنى فعل الأمر وهو مبنى. وأيضا يلزمه إعراب نحو «أف» و «أوه» ونحوهما من الأسماء التى تدل على معنى الفعل المضارع المعرب ، ولم يقل بذلك أحد ، وإنما العلة التى من أجلها بنى «نزال» و «شتان» و «أوه» وغيرها من أسماء الأفعال هى مشابهتها الحرف فى كونها عاملة فى غيرها غير معمولة لشىء ، ألا ترى أنك إذا قلت نزال كان اسم فعل مبنيا على الكسر لا محل له من الإعراب ، وكان له فاعل هو ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وهذا الفاعل هو المعمول لاسم الفعل ، ولا يكون اسم الفعل أبدا متأثرا بعامل يعمل فيه ، لا فى لفظه ولا فى محله.

وقال قوم منهم ابن الحاجب : إن من أسباب البناء عدم التركيب ، وعليه تكون الأسماء قبل تركيبها فى الجمل مبنية ، وهو ظاهر الفساد ، والصواب أن الأسماء قبل تركيبها في الجمل ليست معربة ولا مبنية ، لأن الإعراب والبناء حكمان من أحكام التراكيب ، الا ترى أنهم يعرفون الإعراب بأنه : أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل ، أو يعرفونه بأنه : تغير أواخر الكلمات لاختلاف العوامل الداخلة عليها ، والبناء ضده ، فما لم يكن تركيب لا يجوز الحكم بإعراب الكلمة ولا ببنائها.

وقال آخرون : إن من أسباب البناء أن يجتمع فى الاسم ثلاثة أسباب من موانع الصرف ، وعللوه بأن السببين يمنعان من صرف الاسم ، وليس بعد منع الصرف إلا ترك الإعراب بالمرة ، ومثلوا لذلك بـ «حذام ، وقطام» ونحوهما ، وادعوا أن سبب بناء هذا الباب اجتماع العلمية ، والتأنيث ، والعدل عن حاذمة وقاطمة ، وهو فاسد ، فإنا وجدنا من الأسماء ما اجتمع فيه خمسة أسباب من موانع الصرف ، وهو مع ذلك معرب ، ومثاله «آذربيجان» فإن فيه العلمية والتأنيث والعجمة والتركيب وزيادة الألف والنون ،

٢٩

كالشّبه الوضعىّ فى اسمى جئتنا

والمعنوىّ فى متى وفى هنا (١)

وكنيابة عن الفعل بلا

تأثّر ، وكافتقار أصّلا (٢)

ذكر فى هذين البيتين وجوه شبه الاسم بالحرف فى أربعة مواضع :

(فالأول) شبهه له فى الوضع ، كأن يكون الاسم موضوعا على حرف

__________________

وليس بناء حذام ونحوه لما ذكروه ، بل لمضارعته فى الهيئة نزال ونحوه مما بنى لشبهه بالحرف فى نيابته عن الفعل وعدم تأثره بالعامل.

وقال قوم منهم الذين ذكرهم الشارح : إنه لا علة للبناء إلا مشابهة الحرف ، وهو رأى الحذاق من النحويين ، كل ما فى الأمر أن شبه الحرف على أنواع.

(١) «كالشبه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كالشبه «الوضعى» نعت للشبه «فى اسمى» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة للوضعى ، واسمى مضاف و «جئتنا» قصد لفظه : مضاف إليه «والمعنوى» معطوف على الوضعى «فى متى ، وفى هنا» جاران ومجروران متعلقان بمحذوف نعت للمعنوى ، وتقدير البيت : والشبه المدنى من الحروف مثل الشبه الوضعى الكائن فى الاسمين الموجودين فى قولك «جئتنا» وهما تاء المخاطب و «نا» ومثل الشبه المعنوى الكائن فى «متى» الاستفهامية والشرطية وفى «هنا» الإشارية.

(٢) «وكنيابة» الواو عاطفة ، والجار والمجرور معطوف على كالشبه «عن الفعل» جار ومجرور متعلق بنيابة «بلا تأثر» الباء حرف جر ، ولا : اسم بمعنى غير مجرور بالباء ، وظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لنيابة ، ولا مضاف ، وتأثر : مضاف إليه ، مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية التى يقتضيها ما قبله «وكافتقار» الواو حرف عطف والجار والمجرور معطوف على كنيابة «أصلا» فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على افتقار ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل جر نعت لافتقار ، وتقدير البيت : ومثل النيابة عن الفعل فى العمل مع أنه لا يتأثر بالعامل ، ومثل الافتقار المتأصل ، والافتقار المتأصل : هو الافتقار اللازم له الذى لا يفارقه فى حالة من حالاته.

٣٠

[واحد] ، كالتاء فى ضربت ، أو على حرفين كـ «نا» فى «أكرمنا» ، وإلى ذلك أشار بقوله : «فى اسمى جئتنا» فالتاء فى جئتنا اسم ؛ لأنه فاعل ، وهو مبنى ؛ لأنه أشبه الحرف فى الوضع فى كونه على حرف واحد ، وكذلك «نا» اسم ؛ لأنها مفعول ، وهو مبنى ؛ لشبهه بالحرف فى الوضع فى كونه على حرفين (١).

(والثانى) شبه الاسم له فى المعنى ، وهو قسمان : أحدهما ما أشبه حرفا موجودا ، والثانى ما أشبه حرفا غير موجود ؛ فمثال الأول «متى» فإنها مبنية لشبهها

__________________

(١) الأصل فى وضع الحرف أن يكون على حرف هجاء واحد كباء الجر ولامه وكافه وفاء العطف وواوه وألف الاستفهام وما شاكل ذلك ، أو على حرفى هجاء ثانيهما لين كلا وما النافيتين ، والأصل فى وضع الاسم أن يكون على ثلاثة أحرف فصاعدا كما لا يحصى من الأسماء ، فما زاد من حروف المعانى على حرفين من حروف الهجاء مثل إن وليت وإلا وثم ولعل ولكن فهو خارج عن الأصل فى نوعه ، وما نقص من الأسماء عن ثلاثة الأحرف كتاء الفاعل ونا وأكثر الضمائر فهو خارج عن الأصل فى نوعه ، وما خرج من الحروف عن الأصل فى نوعه قد أشبه الأسماء ، وما خرج من الأسماء عن الأصل فى نوعه أشبه الحروف ، وكلا الشبهين راجع إلى الوضع ، وكان ذلك يقتضى أن يأخذ المشبه حكم المشبه به فى الموضعين ، إلا أنهم أعطوا الاسم الذى يشبه الحرف حكم الحرف وهو البناء ، ولم يعطوا الحرف الذى أشبه الاسم حكم الاسم وهو الإعراب لسببين ، أولهما أن الحرف حين أشبه الاسم قد أشبهه فى شىء لا يخصه وحده ، فإن الأصل فى وضع الفعل أيضا أن يكون على ثلاثة أحرف ، بخلاف الاسم الذى قد أشبه الحرف ؛ فإنه قد أشبهه فى شىء يخصه ولا يتجاوزه إلى نوع آخر من أنواع الكلمة ، والسبب الثانى : أن الحرف لا يحتاج فى حالة ما إلى الإعراب ؛ لأن الإعراب إنما يحتاج إليه من أنواع الكلمة ما يقع فى مواقع متعددة من التراكيب بحيث لا يتميز بعضها عن بعض بغير الإعراب ، والحرف لا يقع فى هذه المواقع المتعددة ، فلم يكن ثمة ما يدعو إلى أن يأخذ حكم الاسم حين يشبهه ، ومعنى هذا الكلام أن فى مشابهة الحرف للاسم قد وجد المقتضى ولكن لم ينتف المانع ؛ فالمقتضى هو شبه الاسم ، والمانع هو عدم توارد المعانى المختلفة عليه ، وشرط تأثير المقتضى أن ينتفى المانع.

٣١

الحرف ، فى المعنى ؛ فإنها تستعمل للاستفهام ، نحو «متى تقوم؟» وللشرط ، نحو «متى تقم أقم» وفى الحالتين هى مشبهة لحرف موجود ؛ لأنها فى الاستفهام كالهمزة ، وفى الشرط كإن ، ومثال الثانى «هنا» فإنها مبنية لشبهها حرفا كان ينبغى أن يوضع فلم يوضع ، وذلك لأن الإشارة معنى من المعانى ؛ فحقها أن يوضع لها حرف يدلّ عليها ، كما وضعوا للنفى «ما» وللنهى «لا» وللتمنّى «ليت» وللترجّى «لعلّ» ونحو ذلك ؛ فبنيت أسماء الإشارة لشبهها فى المعنى حرفا مقدّرا (١).

(والثالث) شبهه له فى النّيابة عن الفعل وعدم التأثر بالعامل ، وذلك كأسماء الأفعال ، نحو «دراك زيدا» فدراك : مبنىّ ؛ لشبهه بالحرف فى كونه يعمل ولا يعمل فيه غيره (٢) كما أن الحرف كذلك.

__________________

(١) نقل ابن فلاح عن أبى على الفارسى أن أسماء الإشارة مبنية لأنها من حيث المعنى أشبهت حرفا موجودا ، وهو أل العهدية ؛ فإنها تشير إلى معهود بين المتكلم والمخاطب ، ولما كانت الإشارة فى هنا ونحوها حسية وفى أل العهدية ذهنية لم يرتض المحققون ذلك ، وذهبوا إلى ما ذكره الشارح من أن أسماء الإشارة بنيت لشبهها فى المعنى حرفا مقدرا.

ونظير «هنا» فبما ذكرناه «لدى» فإنها دالة على الملاصقة والقرب زيادة على الظرفية ، والملاصقة والقرب من المعانى التى لم تضع العرب لها حرفا ، وأيضا «ما» التعجبية ، فإنها دالة على التعجب ، ولم تضع العرب للتعجب حرفا ، فيكون بناء كل واحد من هذين الاسمين لشبهه فى المعنى حرفا مقدرا ، فافهم ذلك.

(٢) اسم الفعل مادام مقصودا معناه لا يدخل عليه عامل أصلا ، فضلا عن أن يعمل فيه ، وعبارة الشارح كغيره توهم أن العوامل قد تدخل عليه ولكنها لا تؤثر فيه ، فكان الأولى به أن يقول «ولا يدخل عليه عامل أصلا» بدلا من قوله «ولا يعمل فيه غيره» وقولنا «مادام مقصودا منه معناه» يريد به الإشارة إلى أن اسم الفعل إذا لم يقصد به معناه ـ بأن يقصد لفظه مثلا ـ فإن العامل قد يدخل عليه ، وذلك كما فى قول زهير ابن أبى سلمى المزنى :

٣٢

واحترز بقوله : «بلا تأثر» عما ناب عن الفعل وهو متأثر بالعامل ، نحو «ضربا زيدا» فإنه نائب مناب «اضرب» وليس بمبنى ؛ لتأثّره بالعامل ، فإنه منصوب بالفعل المحذوف ، بخلاف «دراك» فإنه وإن كان نائبا عن «أدرك» فليس متأثرا بالعامل.

وحاصل ما ذكره المصنف أن المصدر الموضوع موضع الفعل وأسماء الأفعال اشتركا فى النيابة مناب الفعل ، لكن المصدر متأثر بالعامل ؛ فأعرب لعدم مشابهته الحرف ، وأسماء الأفعال غير متأثرة بالعامل ؛ فبنيت لمشابهتها الحرف فى أنها نائبة عن الفعل وغير متأثرة به.

وهذا الذى ذكره المصنف مبنى على أن أسماء الأفعال لا محل لها من الإعراب والمسألة خلافية (١) ، وسنذكر ذلك فى باب أسماء الأفعال.

__________________

ولنعم حشو الدّرع أنت إذا

دعيت نزال ولجّ فى الذّعر

فنزال فى هذا البيت مقصود بها اللفظ ، ولذلك وقعت نائب فاعل ؛ فهى مرفوعة بضمة مقدرة على آخرها منع من ظهوها اشتغال المحل بحركة البناء الأصلى ، ومثله قول زيد الخيل :

وقد علمت سلامة أنّ سيفى

كريه كلّما دعيت نزال

ونظيرهما قول جريبة الفقعسى :

عرضنا نزال فلم ينزلوا

وكانت نزال عليهم أطمّ

(١) إذا قلت «هيهات زيد» مثلا ـ فللعلماء فى إعرابه ثلاثة آراء : الأول ـ وهو مذهب الأخفش ، وهو الصحيح الذى رجحه جمهور علماء النحو ـ أن هيهات اسم فعل ماض مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب ، وزيد : فاعل مرفوع بالضمة ، وهذا الرأى هو الذى يجرى عليه قول الناظم إن سبب البناء فى أسماء الأفعال كونها نائبة عن الفعل غير متأثرة بعامل لا ملفوظ به ولا مقدر ، والثانى ـ وهو رأى سيبويه ـ أن هيهات مبتدأ مبنى على الفتح فى محل رفع ؛ فهو متأثر بعامل معنوى وهو الابتداء ، وزيد : فاعل سد مسد الخبر ، والثالث ـ وهو رأى المازنى ـ أن هيهات مفعول مطلق

٣٣

(والرابع) شبه الحرف فى الافتقار اللازم ، وإليه أشار بقوله : «وكافتقار أصّلا» وذلك كالأسماء الموصولة ، نحو «الذى» فإنها مفتقرة فى سائر أحوالها إلى الصّلة ؛ فأشبهت الحرف فى ملازمة الافتقار ، فبنيت (١).

وحاصل البيتين أن البناء يكون فى ستة أبواب : المضمرات ، وأسماء الشرط ، وأسماء الاستفهام ، وأسماء الإشارة ، وأسماء الأفعال ، والأسماء الموصولة.

* * *

__________________

لفعل محذوف من معناه ، وزيد : فاعل به ، وكأنك قلت : بعد بعدا زيد ، فهو متأثر بعامل لفظى محذوف من الكلام ، ولا يجرى كلام الناظم على واحد من هذين القولين ، الثانى والثالث ، وعلة بناء اسم الفعل على هذين القولين تضمن أغلب ألفاظه ـ وهى الألفاظ الدالة على الأمر منه ـ معنى لام الأمر ، وسائره محمول عليه ، يعنى أن اسم الفعل أشبه الحرف شبها معنويا ، لا نيابيا.

(١) زاد ابن مالك فى شرح الكافية الكبرى نوعا خامسا سماه الشبه الإهمالى ، وفسره بأن يشبه الاسم الحرف فى كونه لا عاملا ولا معمولا. ومثل له بأوائل السور نحو «ألم ، ق ، ص» وهذا جار على القول بأن فواتح السور لا محل لها من الإعراب ؛ لأنها من المتشابه الذى لا يدرك معناه ، وقيل : إنها فى محل رفع على أنها مبتدأ خبره محذوف ، أو خبر مبتدؤه محذوف ، أو فى محل نصب بفعل مقدر كاقرأ ونحوه ، أو فى محل جر بواو القسم المحذوفة ، وجعل بعضهم من هذا النوع الأسماء قبل التركيب ، وأسماء الهجاء المسرودة ، وأسماء العدد المسرودة ، وزاد ابن مالك أيضا نوعا سادسا سماه الشبه اللفظى ، وهو : أن يكون لفظ الاسم كلفظ حرف من حروف المعانى ، وذلك مثل «حاشا» الاسمية ؛ فإنها أشبهت «حاشا» الحرفية فى اللفظ.

واعلم أنه قد يجتمع فى اسم واحد مبنى شبهان فأكثر ، ومن ذلك المضمرات ؛ فإن فيها الشبه المعنوى ، إذ التكلم والخطاب والغيبة من المعانى التى تتأدى بالحروف ، وفيها الشبه الافتقارى ؛ لأن كل ضمير يفتقر افتقارا متأصلا إلى ما يفسره ، وفيها الشبه الوضعى ، فإن أغلب الضمائر وضع على حرف أو حرفين ، وما زاد فى وضعه على ذلك فمحمول عليه ، طردا للباب على وتيرة واحدة.

٣٤

ومعرب الأسماء ما قد سلما

من شبه الحرف كأرض وسما (١)

يريد أن المعرب خلاف المبنىّ ، وقد تقدم أن المبنى ما أشبه الحرف ؛ فالمعرب ما لم يشبه الحرف ، وينقسم إلى صحيح ـ وهو : ما ليس آخره حرف علّة كأرض ، وإلى معتل ـ وهو : ما آخره حرف علة كسما ـ وسما : لغة فى الاسم ، وفيه ست لغات : اسم ـ بضم الهمزة وكسرها ، وسم ـ بضم السين وكسرها ، وسما ـ بضم السين وكسرها أيضا.

وينقسم المعرب أيضا إلى متمكن أمكن ـ وهو المنصرف ـ كزيد وعمرو ، وإلى متمكن غير أمكن ـ وهو غير المنصرف ـ نحو : أحمد ومساجد ومصابيح ؛

__________________

(١) «ومعرب» مبتدأ ، ومعرب مضاف و «الأسماء» مضاف إليه «ما» اسم موصول فى محل رفع خبر المبتدأ «قد سلما» قد : حرف تحقيق ، وسلم : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ، والألف فى «سلما» للاطلاق «من شبه» جار ومجرور متعلق بقوله سلم ، وشبه مضاف و «الحرف» مضاف إليه «كأرض» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كأرض «وسما» الواو حرف عطف ، سما : معطوف على أرض ، مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر ، وهو ـ بضم السين مقصورا ـ إحدى اللغات فى اسم كما سيذكره الشارح ، ونظيره فى الوزن هدى وعلا وتقى وضحا.

وههنا سؤال ، وهو أن الناظم فى ترجمة هذا الباب بدأ بالمعرب وثنى بالمبنى فقال «المعرب والمبنى» وحين أراد التقسيم بدأ بالمعرب أيضا فقال «والاسم منه معرب ومبنى» ولكنه حين بدأ فى التفصيل وتعريف كل واحد منهما بدأ بالمبنى وأخر المعرب ، فما وجهه؟

والجواب عن ذلك أنه بدأ فى الترجمة والتقسيم بالمعرب لكونه أشرف من المبنى بسبب كونه هو الأصل فى الأسماء. وبدأ فى التعريف بالمبنى لكونه منحصرا ، والمعرب غير منحصر ، ألا ترى أن خلاصة الكلام فى أسباب البناء قد أنتجت أن المبنى من الأسماء ستة أبواب ليس غير؟!.

٣٥

فغير المتمكن هو المبنى ، والمتمكن : هو المعرب ، وهو قسمان : متمكن امكن ، ومتمكن غير أمكن (١).

* * *

وفعل أمر ومضىّ بنيا

وأعربوا مضارعا : إن عريا (٢)

من نون توكيد مباشر ، ومن

نون إناث : كير عن من فتن (٣)

__________________

(١) والمتمكن الأمكن هو الذى يدخله التنوين ، إذا خلا من أل ومن الإضافة ، ويجر بالكسرة ، ويسمى المنصرف ، والمتمكن غير الأمكن هو الذى لا ينون ، ولا يجر بالكسرة إلا إذا اقترن بأل أو أضيف ، ويسمى الاسم الذى لا ينصرف.

(٢) «وفعل» مبتدأ ، وفعل مضاف و «أمر» مضاف إليه «ومضى» يقرأ بالجر على أنه معطوف على أمر ، ويقرأ بالرفع على أنه معطوف على فعل «بنيا» فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف التى فيه للتثنية ، وهى نائب فاعل ، وذلك إذا عطفت «مضى» على «فعل» فإن عطفته على «أمر» فالألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فعل «أعربوا» فعل وفاعل «مضارعا» مفعول به «إن» حرف شرط «عريا» فعل ماض مبنى على الفتح فى محل جزم فعل الشرط ، وألفه للاطلاق ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه السابق. من الكلام ، أى : إن عرى الفعل المضارع من النون أعرب ، وعرى من باب رضى بمعنى خلا ، ويأتى من باب قعد بمعنى آخر ، تقول : عراه يعروه عروا ـ مثل سما يسمو سموا ـ إذا نزل به ، ومنه قول أبى صخر الهذلى :

وإنّى لتعرونى لذكراك هزّة

كما انتفض العصفور بلّله القطر

(٣) «من نون» جار ومجرور متعلق بعرى ، ونون مضاف و «توكيد» مضاف إليه ، «مباشر» صفة لنون «ومن نون» جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور السابق ، ونون مضاف و «إناث» مضاف إليه «كيرعن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، وتقديره : وذلك كائن كيرعن «من» اسم موصول مفعول به ليرعن ، باعتباره فعلا قبل أن يقصد لفظه مع سائر التركيب ، مبنى على السكون فى محل نصب ، فأما بعد أن قصد لفظ الجملة فكل كلمة منها كحرف من

٣٦

لما فرغ من بيان المعرب والمبنى من الأسماء شرع فى بيان المعرب والمبنى من الأفعال ، ومذهب البصريين أن الإعراب أصل فى الأسماء ، فرع فى الأفعال (١) ؛ فالأصل فى الفعل البناء عندهم ، وذهب الكوفيون إلى أن الإعراب أصل فى الأسماء وفى الأفعال ، والأول هو الصحيح ، ونقل ضياء الدين بن العلج فى البسيط أن بعض النحويين ذهب إلى أن الإعراب أصل فى الأفعال ، فرع فى الأسماء.

والمبنى من الأفعال ضربان :

__________________

حروف زبد مثلا «فتن» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(١) لما كان الأصل عند البصريين فى الأسماء الإعراب فإن ما كان منها معربا لا يسأل عن علة إعرابه ؛ لأن ما جاء على أصله لا يسأل عن علته ، وما جاء منها مبنيا يسأل عن علة بنائه ، وقد تقدم للناظم والشارح بيان علة بناء الاسم ، وأنها مشابهته للحرف ؛ ولما كان الأصل فى الأفعال عندهم أيضا البناء فإن ما جاء منها مبنيا لا يسأل عن علة بنائه ، وإنما يسأل عن علة إعراب ما أعرب منه وهو المضارع ، وعلة إعراب الفعل المضارع عند البصريين أنه أشبه الاسم فى أن كل واحد منهما يتوارد عليه معان تركيبية لا يتضح التمييز بينها إلا بالإعراب ، فأما المعانى التى تنوارد على الاسم فمثل الفاعلية والمفعولية والإضافة فى نحو قولك : ما أحسن زيد ؛ فإنك لو رفعت زبدا لكان فاعلا وصار المراد نفى إحسانه ، ولو نصبته لكان مفعولا به وصار المراد التعجب من حسنه ، ولو جررته لكان مضافا إليه ، وصار المراد الاستفهام عن أحسن أجزائه ، وأما المعانى التى تتوارد على الفعل فمثل النهى عن الفعلين جميعا أو عن الأول منهما وحده أو عن فعلهما متصاحبين فى نحو قولك : لا تعن بالجفاء وتمدح عمرا ، فإنك لو جزمت «تمدح» لكنت منهيا عنه استقلالا ، وصار المراد أنه لا يجوز لك أن تعن بالجفاء ولا أن تمدح عمرا ، ولو رفعت «تمدح» لكان مستأنفا غير داخل فى حكم النهى ، وصار المراد أنك منهى عن الجفاء مأذون لك فى مدح عمرو ، ولو نصبته لكان معمولا لأن المصدرية وصار المراد أنك منهى عن الجمع بين الجفاء ومدح عمرو ، وأنك لو فعلت أيهما منفردا جاز.

٣٧

(أحدهما) ما اتّفق على بنائه ، وهو الماضى ، وهو مبنى على الفتح (١) نحو «ضرب وانطلق» ما لم يتصل به واو جمع فيضم ، أو ضمير رفع متحرك فيسكن.

(والثانى) ما اختلف فى بنائه والراجح أنه مبنى ، وهو فعل الأمر نحو «اضرب» وهو مبنى عند البصريين ، ومعرب عند الكوفيين (٢).

والمعرب من الأفعال هو المضارع ، ولا يعرب إلا إذا لم تتصل به نون التوكيد أو نون الإناث ؛ فمثال نون التوكيد المباشرة «هل تضربنّ» والفعل معها مبنى على الفتح ، ولا فرق فى ذلك بين الخفيفة والثقيلة (٣) فإن لم تتصل به لم يبن ، وذلك كما إذا

__________________

(١) بنى الفعل الماضى لأن البناء هو الأصل ، وإنما كان بناؤه على حركة ـ مع أن الأصل فى البناء السكون ـ لأنه أشبه الفعل المضارع المعرب فى وقوعه خبرا وصفة وصلة وحالا ، والأصل فى الإعراب أن يكون بالحركات ، وإنما كانت الحركة فى الفعل الماضى خصوص الفتحة لأنها أخف الحركات ، فقصدوا أن تتعادل خفتها مع ثقل الفعل بسبب كون معناه مركبا ، لئلا يجتمع ثقيلان فى شىء واحد ، وتركيب معناه هو دلالته على الحدث والزمان.

(٢) عندهم أن نحو «اضرب» مجزوم بلام الأمر مقدرة ، وأصله لتضرب ، فحذفت اللام تخفيفا ، فصار «تضرب» ثم حذف حرف المضارعة قصدا للفرق بين هذا وبين المضارع غير المجزوم عند الوقف عليه ، فاحتيج بعد حذف حرف المضارعة إلى همزة الوصل توصلا للنطق بالساكن ـ وهو الضاد ـ فصار «اضرب» وفى هذا من التكلف ما ليس تخفى.

(٣) لا فرق فى اتصال نون التوكيد بالفعل المضارع ومباشرتها له بين أن تكون ملفوظا بها كما مثل الشارح ، وأن تكون مقدرة كما فى قول الشاعر ، وهو الأضبط بن قريع

لا تهين الفقير علّك أن

تركع يوما والدّهر قد رفعه

فإن أصل قوله لا تهين لا تهينن بنونين أولاهما لام الكلمة والثانية نون التوكيد الخفيفة ، فحذفت نون التوكيد الخفيفة ، وبقى الفعل بعد حذفها مبنيا على الفتح فى محل جزم بلام النهى ، ولو لم تكن نون التوكيد مقدرة فى هذا الفعل لوجب عليه أن يقول لا تهن

٣٨

فصل بينه وبينها ألف اثنين نحو «هل تضربانّ» ، وأصله : هل تضرباننّ ، فاجتمعت ثلاث نونات ؛ فحذفت الأولى ـ وهى نون الرفع ـ كراهة توالى الأمثال ؛ فصار «هل تضربانّ (١)».

وكذلك يعرب الفعل المضارع إذا فصل بينه وبين نون التوكيد واو جمع أو ياء مخاطبة ، نحو «هل تضربنّ يا زيدون» و «هل تضربنّ يا هند» وأصل «تضربنّ» تضربوننّ ، فحذفت النون الأولى لتوالى الأمثال ، كما سبق ، فصار تضربونّ ، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فصار تضربنّ ، وكذلك «تضربنّ» أصله تضربيننّ ؛ ففعل به ما فعل بتضربوننّ.

وهذا هو المراد بقوله : «وأعربوا مضارعا إن عريا من نون توكيد مباشر» فشرط فى إعرابه أن يعرى من ذلك ، ومفهومه أنه إذا لم يعر منه يكون مبنيا.

فعلم أن مذهبه أن الفعل المضارع لا يبنى إلا إذا باشرته نون التوكيد ، نحو «هل تضربنّ يا زيد» فإن لم تباشره أعرب ، وهذا هو مذهب الجمهور.

وذهب الأخفش إلى أنه مبنىّ مع نون التوكيد ، سواء اتصلت به نون التوكيد أو لم تتصل ، ونقل عن بعضهم أنه معرب وإن اتصلت به نون التوكيد.

ومثال ما اتصلت به نون الإناث «الهندات يضربن» والفعل معها مبنىّ على السكون ، ونقل المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ فى بعض كتبه أنه لا خلاف فى

__________________

بحذف الياء التى هى عين الفعل تخلصا من التقاء الساكنين ـ وهما الياء وآخر الفعل ـ ثم يكسر آخر الفعل تخلصا من التقاء ساكنين آخرين هما آخر الفعل ولام التعريف التى فى أول «الفقير» لأن ألف الوصل لا يعتد بها ، اذ هى غير منطوق بها ، فلما وجدناه لم يحذف الياء علمنا أنه قد حذف نون التوكيد وهو ينوبها.

(١) أى : بعد أن حرك نون التوكيد بالكسر بعد أن كانت مفتوحة ، فرقا بينها وبين نون التوكيد التى تتصل بالفعل المسند لواحد ، فى اللفظ ، فإن ألف الاثنين تظهر فى النطق كحركة مشبعة ، فلو لم تكسر النون فى المثنى التبس المسند للاثنين فى اللفظ بالمسند إلى المفرد.

٣٩

بناء الفعل المضارع مع نون الإناث ، وليس كذلك ، بل الخلاف موجود ، وممن نقله الأستاذ أبو الحسن بن عصفور فى شرح الإيضاح (١).

* * *

وكلّ حرف مستحقّ للبنا

والأصل فى المبنىّ أن يسكّنا (٢)

ومنه ذو فتح ، وذو كسر ، وضم

كأين أمس حيث ، والساكن كم (٣)

الحروف كلها مبنية ؛ إذ لا يعتورها ما تفتقر فى دلالتها عليه إلى إعراب ، نحو «أخذت من الدّراهم» فالتيعيض مستفاد من لفظ «من» بدون الإعراب.

والأصل فى البناء أن يكون على السكون ؛ لأنه أخف من الحركة ، ولا يحرّك المبنىّ إلا لسبب كالتخلّص من التقاء الساكنين ، وقد تكون الحركة فتحة ، كأين وقام وإنّ ، وقد تكون كسرة ، كأمس وجير ، وقد تكون ضمة ، كحيث ، وهو اسم ، و «منذ» وهو حرف [إذا جررت به] ، وأما السكون فنحو «كم ، واضرب ، وأجل».

__________________

(١) ممن قال بإعرابه السهيلى وابن درستويه وابن طلحة ، ورأيهم أنه معرب بإعراب مقدر منع من ظهوره شبهه بالماضى فى صيرورة النون جزءا منه ؛ فتقول فى نحو (والوالدات يرضعن) : يرضعن فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع ظهورها شبه يرضعن بأرضعن فى أن النون قد صارت فيه جزءا منه.

(٢) «كل» مبتدأ ، وكل مضاف و «حرف» مضاف إليه «مستحق» خبر المبتدأ «للبنا» جار ومجرور متعلق بمستحق «والأصل» مبتدأ «فى المبنى» جار ومجرور متعلق بالأصل «أن» مصدرية «يسكنا» فعل مضارع مبنى للمجهول منصوب بأن ، والالف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المبنى ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر خبر المبتدأ ، والتقدير : والأصل فى المبنى تسكينه ، والمراد كونه ساكنا.

(٣) «ومنه» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «ذو» مبتدأ مؤخر ، مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لأنه من الأسماء الستة ، وذو مضاف و «فتح» مضاف إليه «وذو» معطوف على ذو السابق «كسر» مضاف إليه «وضم» معطوف على كسر بتقدير مضاف : أى وذو ضم «كأين» متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف «أمس ، حيث» معطوفان على أين بحرف عطف محذوف «والساكن الواو عاطفة أو للاستئناف ، الساكن : مبتدأ «كم» خبره ، ويجوز العكس.

٤٠