شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

وعلم مما مثلنا به أن البناء على الكسر والضم لا يكون فى الفعل ، بل فى الاسم والحرف ، وأن البناء على الفتح أو السكون : يكون فى الاسم ، والفعل ، والحرف (١).

* * *

والرّفع والنّصب اجعلن إعرابا

لاسم وفعل ، نحو : لن أهابا (٢)

والاسم قد خصّص بالجرّ ، كما

قد خصّص الفعل بأن ينجزما (٣)

__________________

(١) ذكر الناظم والشارح أن من المبنيات ما يكون بناؤه على السكون ، ومنه ما يكون بناؤه على حركة من الحركات الثلاث. واعلم أنه ينوب عن السكون فى البناء الحذف ، والحذف يقع فى موضعين : الأول الأمر المعتل الآخر ، نحو : اغز وارم واسع ، والثانى : الأمر المسند إلى ألف اثنين أو واو جماعة أو ياء مخاطبة ، نحو اكتبا واكتبوا واكتبى ، وأنه ينوب عن الفتح فى البناء شيآن : أولهما الكسر ، وذلك فى جمع المؤنث السالم إذا وقع اسما للا النافية للجنس ، نحو لا مسلمات ، وثانيهما الياء وذلك فى جمع المذكر السالم والمثنى إذا وقع أحدهما اسما للا النافية للجنس أيضا ، نحو : لا مسلمين ، وأنه ينوب عن الضم فى البناء شيآن : أحدهما الألف وذلك فى المثنى إذا وقع منادى نحو : يا زيدان ، وثانيهما الواو ، وذلك فى جمع المذكر السالم إذا وقع منادى أيضا ، نحو : يا زيدون.

(٢) «والرفع» مفعول به أول لاجعلن مقدم عليه «والنصب» معطوف عليه «اجعلن» فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إعرابا» مفعول ثان لاجعلن «لاسم» جار ومجرور متعلق بإعرابا «وفعل» معطوف على اسم «نحو» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك نحو «لن» حرف نفى ونصب واستقبال «أهابا» فعل مضارع منصوب بلن ، والألف للاطلاق ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، ونحو مضاف وجملة الفعل والفاعل فى قوة مفرد مضاف إليه.

(٣) «والاسم» مبتدأ «قد» حرف تحقيق «خصص» فعل ماض ، مبنى للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوزا تقديره هو يعود إلى الاسم ، والجملة فى محل رفع

٤١

فارفع بضمّ ، وانصبن فتحا ، وجر

كسرا : كذكر الله عبده يسر (١)

واجزم بتسكين ، وغير ما ذكر

ينوب ، نحو : جا أخوبنى نمر (٢)

__________________

خبر المبتدأ «بالجر» جار ومجرور متعلق بخصص «كما» الكاف حرف جر ، وما : مصدرية «قد» حرف تحقيق «خصص» فعل ماض مبنى للمجهول «الفعل» نائب فاعله ، وما مع مدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالكاف : أى ككون الفعل مخصصا «بأن» الباء حرف جر ، وأن حرف مصدري ونصب «ينجزما» فعل مضارع منصوب بأن ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل ، وأن ومدخولها فى تأويل مصدر مجرور بالباء : أى بالانجزام ، والجار والمجرور متعلق بخصص.

(١) «فارفع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بضم» جار ومجرور متعلق بارفع «وانصبن» الواو عاطفة ، انصب : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، وهو معطوف على ارفع «فتحا» منصوب على نزع الخافض أى بفتح «وجر» الواو عاطفة ، جر : فعل أمر معطوف على ارفع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «كسرا» مثل قوله فتحا منصوب على نزع الخافض «كذكر الله عبده يسر» الكاف حرف جر ومجروره محذوف ، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف والتقدير : وذلك كائن كقولك ، وذكر : مبتدأ ، وذكر مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله ، وعبد : مفعول به لذكر منصوب بالفتحة الظاهرة ، وعبد مضاف والضمير مضاف إليه ، ويسر : فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذكر ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) «واجزم» الواو عاطفة ، اجزم : فعل أمر معطوف على ارفع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بتسكين» جار ومجرور متعلق باجزم «وغير» الواو للاستئناف ، غير : مبتدأ ، وغير مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر «ذكر» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة «ينوب» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى غير. والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «نحو» خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك نحو «جا» فعل ماض قصر للضرورة «أحو» فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة ، وأخو مضاف و «بنى» مضاف إليه

٤٢

أنواع الإعراب أربعة : الرفع ، والنصب ، والجر ، والجزم ؛ فأما الرفع والنصب فيشترك فيهما الأسماء والأفعال نحو «زيد يقوم ، وإنّ زيدا لن يقوم» وأما الجر فيختص بالأسماء ، نحو «بزيد» وأما الجزم فيختص بالأفعال ، نحو «لم يضرب».

والرفع يكون بالضمة ، والنصب يكون بالفتحة ، والجر يكون بالكسرة ، والجزم يكون بالسكون ، وما عدا ذلك يكون نائبا عنه ، كما نابت الواو عن الضمة فى «أخو» والياء عن الكسرة فى «بنى» من قوله : «جا أخو بنى نمر» وسيذكر بعد هذا مواضع النيابة.

* * *

وارفع بواو ، وانصبنّ بالألف ،

واجرر بياء ـ ما من الأسما أصف (١)

شرع فى بيان ما يعرب بالنيابة عمّا سبق ذكره ، والمراد بالأسماء التى سيصفها

__________________

مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم ، وبنى مضاف و «نمر» مضاف إليه ، مجرور بالكسرة الظاهرة ، وسكن لأجل الوقف ، والجملة من الفعل وفاعله فى قوة مفرد مجرور بإضافة نحو إليه.

(١) «وارفع» الواو للاستئناف ، ارفع فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بواو» متعلق بارفع «وانصبن» الواو عاطفة ، انصب : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وهو معطوف على ارفع «بالألف» جار ومجرور متعلق بانصب «واجرر» الواو عاطفة ، اجرر : فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وهو معطوف على ارفع «بياء» جار ومجرور متعلق باجرر «ما» اسم موصول تنازعه الأفعال الثلاثة «من الأسما» جار ومجرور متعلق بأصف الآتى ، أو بمحذوف حال من ما الموصولة «أصف» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ، والعائد ضمير محذوف منصوب المحل بأصف ، أى : الذى أصفه.

٤٣

الأسماء الستة ، وهى أب ، وأخ ، وحم ، وهن ، وفوه ، وذو مال ؛ فهذه ترفع بالواو نحو «جاء أبو زيد» وتنصب بالألف نحو «رأيت أباه» وتجر بالياء نحو «مررت بأبيه» والمشهور أنها معربة بالحروف ؛ فالواو نائبة عن الضمة ، والألف نائبة عن الفتحة ، والياء نائبة عن الكسرة ، وهذا هو الذى أشار إليه المصنف بقوله : «وارفع بواو ـ إلى آخر البيت» ، والصحيح أنها معربة بحركات مقدّرة على الواو والألف والياء ؛ فالرفع بضمة مقدرة على الواو ، والنصب بفتحة مقدرة على الألف ، والجر بكسرة مقدرة على الياء ؛ فعلى هذا المذهب الصحيح لم ينب شىء عن شىء مما سبق ذكره (١).

__________________

(١) فى هذه المسألة أفوال كثيرة ، وأشهر هذه الأقوال ثلاثة ، الأول : أنها معربة من مكان واحد ، والواو والألف والياء هى حروف الإعراب ، وهذا رأى جمهور البصريين وإليه ذهب أبو الحسن الأخفش فى أحد قوليه ، وهو الذى ذكره الناظم هنا ومال إليه. والثانى : أنها معربة من مكان واحد أيضا ، وإعرابها بحركات مقدرة على الواو والألف والياء ، فإذا قلت «جاء أبوك» فأبوك : فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل ، وهذا مذهب سيبويه ، وهو الذى ذكره الشارح وزعم أنه الصحيح ، ورجحه الناظم فى كتابه التسهيل ، ونسبه جماعة من المتأخرين إلى جمهور البصريين ، والصحيح أن مذهب هؤلاء هو الذى قدمنا ذكره ، قال أتباع سيبويه : إن الأصل فى الإعراب أن يكون بحركات ظاهرة أو مقدرة فمتى أمكن هذا الأصل لم يجز العدول عنه إلى الفروع ، وقد أمكن أن نجعل الإعراب بحركات مقدرة ، فيجب المصير إليه ، والقول الثالث : قول جمهور الكوفيين ، وحاصله أنها معربة من مكانين ،. قالوا : إن الحركات تكون إعرابا لهذه الأسماء فى حال إفرادها : أى قطعها عن الإضافة ، فتقول : هذا أب لك وقد رأيت أخا لك ، ومررت بحم ، فإذا قلت فى حال الإضافة ، «هذا أبوك» فالضمة باقية على ما كانت عليه فى حال الإفراد ، فوجب أن تكون علامة إعراب ، لأن الحركة التى تكون علامة إعراب للمفرد فى حالة إفراده هى بعينها التى تكون علامة لإعرابه فى حال إضافته ، ألا ترى أنك تقول «هذا غلام» فإذا قلت «هذا غلامك» لم يتغير الحال؟ فكذا هنا. وكذا الواو والألف والياء بعد هذه الحركات فى حال إضافة الأسماء الستة تجرى مجرى الحركات فى كونها إعرايا ، بدليل أنها تتغير فى حال الرفع

٤٤

من ذاك «ذو» : إن صحبة أبانا

والفم ، حيث الميم منه بانا (١)

أى : من الأسماء التى ترفع بالواو ، وتنصب بالألف ، وتجرّ بالياء ـ ذو ، وفم ، ولكن يشترط فى «ذو» أن تكون بمعنى صاحب ، نحو «جاءنى ذو مال» أى : صاحب مال ، وهو المراد بقوله : «إن صحبة أبانا» أى : إن أفهم صحبة ، واحترز بذلك عن «ذو» الطائية ؛ فإنها لا تفهم صحبة ، بل هى بمعنى الذى ؛ فلا تكون مثل «ذى» بمعنى صاحب ، بل تكون مبنيّة ، وآخرها الواو رفعا ، ونصبا ، وجرا ، ونحو «جاءنى ذو قام ، ورأيت ذو قام ، ومررت بذو قام» ؛ ومنه قوله :

(٤) ـ

فإمّا كرام موسرون لقيتهم

فحسبى من ذو عندهم ما كفانيا

__________________

والنصب والجر ، فدل ذلك على أن الضمة والواو جميعا علامة للرفع ، والفتحة والألف جميعا علامة للنصب ، والكسرة والياء جميعا علامه للجر ، وإنما ألجأ العرب إلى ذلك قلة حروف هذه الأسماء ، فرفدوها ـ فى حال الإضافة التى هى من خصائص الاسم ـ بحروف زائدة ، تكثيرا لحروفها.

(١) «من ذاك» من ذا : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، والكاف حرف خطاب «ذو» مبتدأ مؤخر «إن» حرف شرط «صحبة» مفعول به مقدم لأبان «أبانا» أبان : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذو ، وألفه للاطلاق وهو فعل شرط مبنى على الفتح فى محل جزم ، والجواب محذوف ، والتقدير : إن أبان ذو صحبة فارفعه بالواو «والفم» معطوف على ذو «حيث» ظرف مكان «الميم» مبتدأ «منه» جار ومجرور متعلق ببان «بانا» فعل ماض بمعنى انفصل ، مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الميم ، وألفه للاطلاق وجملته فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو قوله الميم ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جر بإضافة «حيث» إليها.

٤ ـ هذا بيت من الطويل ، وهو من كلام منظور بن سحيم الفقعسى ، وقد

٤٥

..................................................................................

__________________

استشهد به ابن هشام فى أوضح المسالك (ش ٧) فى مبحث الأسماء الخمسة ، وفى باب الموصول ، كما فعل الشارح هنا ، واستشهد به الأشمونى (ش ١٥٥) مرتين أيضا. وقبل البيت المستشهد به قوله :

ولست بهاج فى القرى أهل منزل

على زادهم أبكى وأبكى البواكيا

فإمّا كرام موسرون لقيتهم

فحسبى من ذو عندهم ... البيت

وإما كرام معسرون عذرتهم

وإما لئام فادّخرت حيائيا

وعرضى أبقى ما ادّخرت ذخيرة

وبطنى أطويه كطىّ ردائيا

اللغة : «هاج» اسم فاعل من الهجاء ، وهو الذم والقدح ، تقول : هجاه يهجوه هجوا وهجاء «القرى» ـ بكسر القاف مقصورا ـ إكرام الضيف ، و «فى» هنا دالة على السببية والتعليل ، مثلها فى قوله صلّى الله عليه وسلّم : «دخلت امرأة النار فى هرة» أى بسبب هرة ومن أجل ما صنعته معها ، يريد أنه لن يهجو أحدا ولن يذمه ويقدح فيه بسبب القرى على أية حال ، وذلك لأن الناس على ثلاثة أنواع : النوع الأول كرام موسرون ، والنوع الثانى كرام معسرون غير واجدين ما يقدمونه لضيفانهم ، والنوع الثالث لئام بهم شح وبخل وضنانة ، وقد ذكر هؤلاء الأنواع الثلاثة ، وذكر مع كل واحد حاله بالنسبة له «كرام» جمع كريم ، وأراد الطيب العنصر الشريف الآباء ، وقابلهم باللئام «موسرون» ذوو ميسرة وغنى ، وعندهم ما يقدمونه للضيفان «معسرون» ذوو عسرة وضيق لا يجدون ما يقدمونه مع كرم نفوسهم وطيب عنصرهم.

الإعراب : «إما» حرف شرط وتفصيل ، مبنى على السكون لا محل له من الإعراب «كرام» فاعل بفعل محذوف يفسره السياق ، وتقدير الكلام : إما لقينى كرام ، ونحو ذلك ، مرفوع بذلك الفعل المحذوف ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة «موسرون» نعت لكرام ، ونعت المرفوع مرفوع ، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة لأنه جمع مذكر سالم ، والنون عوض عن التنوين فى الاسم المفرد «لقيتهم» لقى : فعل ماض مبنى على فتح مقدر لا محل له من الإعراب ، والتاء ضمير المتكلم فاعل لقى ، مبنى على الضم فى محل رفع ، وضمير الغائبين العائد إلى كرام مفعول به مبنى على السكون فى محل نصب. وجملة الفعل الماضى وفاعله

٤٦

..................................................................................

__________________

ومفعوله لا محل لها من الإعراب تفسيرية «فحسبى» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، حرف مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب ، حسب : اسم بمعنى كاف خبر مقدم ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، مبنى على الفتح فى محل جر «من» حرف جر مبنى على السكون لا محل له «ذو» اسم موصول بمعنى الذى مبنى على السكون فى محل جر بمن ، وإن رويت «ذى» فهو مجرور بمن ، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة ، والجار والمجرور متعلق بحسب «عندهم» عند : ظرف متعلق بمحذوف يقع صلة للموصول الذى هو ذو بمعنى الذى ، وعند مضاف وضمير الغائبين مضاف إليه ، مبنى على السكون فى محل جر «ما» اسم موصول بمعنى الذى مبتدأ مؤخر مبنى على السكون فى محل رفع «كفانيا» كفى : فعل ماض مبنى على فتح مقدر على الألف منع من ظهوره التعذر ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم الموصول الذى هو ما ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم مفعول به مبنى على الفتح فى محل نصب ، والألف للاطلاق ، وجملة كفى وفاعله ومفعوله لا محل صلة ما.

الشاهد فيه : قوله «فحسبى من ذو عندهم» فإن «ذو» فى هذه العبارة اسم موصول بمعنى الذى ، وقد رويت هذه الكلمة بروايتين ؛ فمن العلماء من روى «فحسبى من ذى عندهم» بالياء ، واستدل بهذه الرواية على أن «ذا» الموصولة تعامل معامل «ذى» التى بمعنى صاحب والتى هى من الأسماء الخمسة ، فترفع بالواو ، وتنصب بالألف ، وتجر بالياء كما فى هذه العبارة على هذه الرواية ، ومعنى ذلك أنها معربة ويتغير آخرها بتغير التراكيب. ومن العلماء من روى «فحسبى من ذو عندهم» بالواو ، واستدل بها على أن «ذو» التى هى اسم موصول مبنية ، وأنها تجىء بالواو فى حالة الرفع وفى حالة النصب وفى حالة الجر جميعا وهذا الوجه هو الراجح عند النحاة ؛ وسيذكر الشارح هذا البيت مرة أخرى فى باب الموصول ، وينبه على الروايتين جميعا ، وعلى أن رواية الواو تدل على البناء ورواية الياء تدل على الإعراب ، لكن على رواية الياء يكون الإعراب فيها بالحروف نيابة عن الحركات على الراجح ، وعلى رواية الواو تكون الكلمة فيها مبنية على السكون ، فاعرف ذلك ولا تنسه.

قال ابن منظور فى لسان العرب : «وأما قول الشاعر :

*فإنّ بيت تميم ذو سمعت به*

٤٧

وكذلك يشترط فى إعراب الفم بهذه الأحرف زوال الميم منه ، نحو «هذا فوه ، ورأيت فاه ، ونظرت إلى فيه» ؛ وإليه أشار بقوله : «والفم حيث الميم منه بانا» أى : انفصلت منه الميم ، أى زالت منه ؛ فإن لم تزل منه أعرب بالحركات ، نحو «هذا فم ، ورأيت فما ، ونظرت إلى فم».

* * *

أب ، أخ ، حم ـ كذاك ، وهن

والنّقص فى هذا الأخير أحسن (١)

وفى أب وتالييه يندر

وقصرها من نقصهنّ أشهر (٢)

يعنى أن «أبا ، وأخا ، وحما» تجرى مجرى «ذو ، وفم» اللّذين سبق ذكرهما ؛

__________________

فإن «ذو» هنا بمعنى الذى ، ولا يكون فى الرفع والنصب والجر إلا على لفظ واحد ، وليست بالصفة التى تعرب نحو قولك : مررت برجل ذى مال ، وهو ذو مال ، ورأيت رجلا ذا مال ، وتقول : رأيت ذو جاءك ، وذو جاءاك ، وذو جاءوك ، وذو جاءتك ، وذو جئنك ، بلفظ واحد للمذكر والمؤنث ، ومن أمثال العرب : أتى عليه ذو أتى على الناس ، أى الذى أتى عليهم ، قال أبو منصور : وهى لغة طيىء ، وذو بمعنى الذى» اه.

وفى البيت الذى أنشده فى صدر كلامه شاهد كالذى معنا على أن «ذو التى بمعنى الذى تكون بالواو ولو كان موضعها جرا أو نصبا ؛ فإن قول الشاعر «ذو سمعت به» نعت لبيت تميم المنصوب على أنه اسم إن ، ولو كانت «ذو» معربة لقال : فإن بيت تميم ذا سمعت به ، فلما جاء بها بالواو فى حال النصب علمنا أنه يراها مبنية ، وبناؤها كما علمت على السكون

(١) «أب» مبتدأ «أخ حم» معطوفان على أب مع حذف حرف العطف «كذاك» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر تنازعه كل من أب وما عطف عليه «وهن» الواو عاطفة ، هن : مبتدأ ، وخبره محذوف ، أى : وهن كذاك «والنقص» مبتدأ «فى هذا» جار ومجرور متعلق بالنقص ، أو بأحسن «الأخير» بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة أو هو نعت له «أحسن» خبر المبتدأ.

(٢) «وفى أب» جار ومجرور متعلق بيندر الآتى «وتالييه» معطوف على أب «يندر» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النقص «وقصرها» الواو عاطفة ، قصر : مبتدأ ، وقصر مضاف والضمير مضاف إليه «من نقصهن» من نقص : جار ومجرور متعلق بأشهر. ونقص مضاف والضمير مضاف إليه «أشهر» خبر المبتدأ.

٤٨

فترفع بالواو ، وتنصب بالألف ، وتجرّ بالياء ، نحو «هذا أبوه وأخوه وحموها ، ورأيت أباه وأخاه وحماها ، ومررت بأبيه وأخيه وحميها» وهذه هى اللغة المشهورة فى هذه الثلاثة ، وسيذكر المصنف فى هذه الثلاثة لغتين أخريين.

وأما «هن» فالفصيح فيه أن يعرب بالحركات الظاهرة على النون ، ولا يكون فى آخره حرف علة ، نحو «هذا هن زيد ، ورأيت هن زيد ، ومررت بهن زيد (١)» وإليه أشار بقوله : «والنقص فى هذا الأخير أحسن» أى : النقص فى «هن» أحسن من الإتمام ، والإتمام جائز لكنه قليل جدا ، نحو «هذا هنوه ، ورأيت هناه ، ونظرت إلى هنيه» وأنكر الفرّاء جواز إتمامه ، وهو مححوج بحكاية سيبويه الإتمام عن العرب ، ومن حفظ حجّة على من لم يحفظ.

وأشار المصنف بقوله : «وفى أب ونالييه يندر ـ إلى آخر البيت» إلى اللغتين الباقيتين فى «أب» وتالييه ـ وهما «أخ ، وحم» ـ فإحدى اللغتين النّقص ، وهو حذف الواو والألف والياء ، والإعراب بالحركات الظاهرة على الباء والخاء والميم ، نحو «هذا أبه وأخه وحمها ، ورأيت أبه وأخه وحمها ، ومررت بأبه وأخه وحمها» وعليه قوله :

__________________

(١) ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسّلام : «من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ، ولا تكنوا» وتعزى بعزاء الجاهلية معناه دعا بدعائها فقال : يا لفلان ، ويا لفلان ، والغرض أنه يدعو إلى العصبية القبلية التى جهد النبى صلّى الله عليه وسلّم جهده فى محوها. ومعنى «أعضوه بهن أبيه» قولوا له : عض أير أبيك ، ومعنى «ولا تكنوا» قولوا له ذلك بلفظ صريح ، مبالغة فى التشنيع عليه ، ومحل الاستشهاد قوله صلوات الله عليه : «بهن أبيه» حيث جر لفظ الهن بالكسرة الظاهرة ، ومن ذلك قولهم فى المثل : «من يطل هن أبيه ينتطق به» يريدون من كثر إخوته اشتدبهم ظهره وقوى بهم عزه (وانظره فى مجمع الأمثال رقم ٤٠١٥ فى ٢ / ٣٠٠ بتحقيقنا)

٤٩

(٥) ـ

بأبه اقتدى عدىّ فى الكرم

ومن يشابه أبه فما ظلم

وهذه اللغة نادرة فى «أب» وتالييه ، ولهذا قال : «وفى أب وتالييه يندر» أى : يندر النقص ، واللغة الأخرى فى «أب» وتاليه أن يكون بالألف : رفعا ، ونصبا ، وجرا ، ونحو «هذا أباه وأخاه وحماها ، ورأيت أباه وأخاه وحماها ، ومررت بأباه وأخاه وحماها ، وعليه قول الشاعر :

__________________

٥ ـ ينسب هذا البيت لرؤبة بن العجاج ، من كلمة يزعمون أنه مدح فيها عدى بن حاتم الطائى ، وقبله قوله :

أنت الحليم والأمير المنتقم

تصدع بالحقّ وتنفى من ظلم

اللغة : «عدى» أراد به عدى بن حاتم الطائى الجواد المشهور «اقتدى» يريد أنه جعله لنفسه قدوة فسار على نهج سيرته «فما ظلم» يريد أنه لم يظلم أمه ؛ لأنه جاء على مثال أبيه الذى ينسب إليه ، وذلك لأنه لو جاء مخالفا لما عليه أبوه من السمت أو الشبه أو من الخلق والصفات لنسبه الناس إلى غيره ، فكان فى ذلك ظلم لأمه واتهام لها (انظر مجمع الأمثال رقم ٤٠٢٠ فى ٢ / ٣٠٠ بتحقيقنا).

الإعراب : «بأبه» الجار والمجرور متعلق باقتدى ، وأب مضاف والضمير مضاف إليه «اقتدى عدى» فعل ماض وفاعله «فى الكرم» جار ومجرور بالكسرة الظاهرة متعلق بافتدى أيضا ، وسكن المجرور للوقف «ومن» اسم شرط مبتدأ «يشابه» فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بالسكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من «أبه» مفعول به ليشابه ، ومضاف إليه «فما» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، وما : نافية «ظلم» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط ، وجملة الشرط وجوابه فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو اسم الشرط ، وهذا أحد ثلاثة أقوال ، وهو الذى نرجحه من بينها ، وإن رجح كثير من النحاة غيره.

الشاهد فيه : قوله «بأبه ـ يشابه أبه» حيث جر الأول بالكسرة الظاهرة ، ونصب الثانى بالفتحة الظاهرة. وهذا يدل على أن قوما من العرب يعربون هذا الاسم بالحركات الظاهرة على أواخره ، ولا يجتلبون لها حروف العلة لتكون علامة إعراب.

٥٠

(٦) ـ

إنّ أباها وأبا أباها

قد بلغا فى المجد غايتاها

__________________

٦ ـ نسب العينى والسيد المرتضى فى شرح القاموس هذا البيت لأبى النجم العجلى ، ونسبه الجوهرى لرؤبة بن العجاج ، وذكر العينى أن أبا زيد نسبه فى نوادره لبعض أهل اليمن. وقد بحثت النوادر فلم أحد فيها هذا البيت ، ولكنى وجدت أبا زيد أنشد فيها عن أبى الغول لبعض أهل اليمن :

أىّ قلوص راكب تراها

طاروا عليهنّ فشل علاها

واشدد بمثنى حقب حقواها

ناجية وناجيا أباها

وفى هذه الأبيات شاهد للمسألة التى معنا ، وقافيتها هى قافية بيت الشاهد ، ومن هنا وقع السهو للعينى ، فأما الشاهد فى هذه الأبيات ففى قوله : «وناجيا أباها» فإن «أباها» فاعل بقوله : «ناجيا» وهذا الفاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، وهذه لغة القصر ، ولو جاء به على لغة التمام لقال : «وناجيا أبوها».

الإعراب : «إن» حرف توكيد ونصب «أباها» أبا : اسم إن منصوب بفتحة مقدرة على الألف ، ويحتمل أن يكون منصوبا بالألف نيابة عن الفتحة كما هو المشهور ، وأبا مضاف والضمير مضاف إليه «وأبا» معطوف على اسم إن ، وأبا مضاف وأبا من «أباها» مضاف إليه ، وهو مضاف والضمير مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «بلغا» فعل ماض ، وألف الاثنين فاعله ، والجملة فى محل رفع خبر إن «فى المجد» جار ومجرور متعلق بالفعل قبله وهو بلغ «غايتاها» مفعول به لبلغ على لغة من يلزم المثنى الألف ، أى منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، وغايتا مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه ، وهذا الضمير عائد على المجد ، وإنما جاء به مؤنثا ومن حقه التذكير لأنه اعتبر المحد صفة أو رتبة ، والمراد بالغايتين المبدأ والنهاية ، أو نهاية مجد النسب ونهاية مجد الحسب ، وهذا الأخير أحسن.

الشاهد فيه : الذى يتعين الاستشهاد به فى هذا البيت لما ذكر الشارح هو قوله : «أباها» الثالثة لأن الأولى والثانية يحتملان الإجراء على اللغة المشهورة الصحيحة كما رأيت فى الإعراب ؛ فيكون نصبهما بالألف ، أما الثالثة فهى فى موضع الجر بإضافة

٥١

فعلامة الرفع والنصب والجرّ حركة مقدّرة على الألف كما تقدّر فى المقصور ، وهذه اللغة أشهر من النقص.

وحاصل ما ذكره أنّ فى «أب ، وأخ ، وحم» ثلاث لغات : أشهرها أن تكون بالواو والألف والياء ، والثانية أن تكون بالألف مطلقا (١) ، والثالثة أن يحذف منها الأحرف الثلاثة ، وهذا نادر ، وأن فى «هن» لغتين : إحداهما النقص ، وهو الأشهر ، والثانية الإتمام ، وهو قليل.

* * *

وشرط ذا الإعراب : أن يضفن لا

لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا (٢)

__________________

ما قبلها إليها ، ومع ذلك جاء بها بالألف ، والأرجح إجراء الأوليين كالثالثة ؛ لأنه يبعد جدا أن يجىء الشاعر بكلمة واحدة فى بيت واحد على لغتين مختلفتين.

(١) هذه لغة قوم بأعيانهم من العرب ، واشتهرت نسبتها إلى بنى الحارث وخثعم وزبيد ، وكلهم ممن يلزمون المثنى الألف فى أحواله كلها ، وقد تكلم بها فى الموضعين النبى صلى الله عليه وسلم ، وذلك فى قوله : «ما صنع أبا جهل؟» ، وقوله : «لا وتران فى ليلة» وعلى هذه اللغة قال الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه : «لا قود فى مثقل ولو ضربه بأبا قبيس» وأبو قبيس : جبل معروف.

(٢) «وشرط» الواو للاستئناف ، شرط : مبتدأ ، وشرط مضاف و «ذا» مضاف إليه «الإعراب» بدل أو عطف بيان أو نعت لذا «أن» حرف مصدرى ونصب «يضفن» فعل مضارع مبنى للمجهول وهو مبنى على السكون لاتصاله بنون النسوة فى محل نصب بأن ، وأن مدخولها فى تأويل مصدر خبر المبتدأ ، أى : شرط إعرابهن بالحروف كونهن مضافات ، و «لا» حرف عطف «لليا» معطوف على محذوف ، والتقدير : لكل اسم لا للياء «كجا» الكاف حرف جر ، ومجروره محذوف والجار والمجرور متعلق بمحذوف ، خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كقولك ، وجا : أصله جاء : فعل ماض «أخو» فاعل جاء ، وأخو مضاف وأبى من «أبيك» مضاف إليه مجرور بالياء ، وأبى مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه «ذا» حال منصوب

٥٢

ذكر النحويون لإعراب هذه الأسماء بالحروف شروطا أربعة :

(أحدها) أن تكون مضافة ، واحترز بذلك من ألا تضاف ؛ فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة ، نحو «هذا أب ، ورأيت أبا ، ومررت بأب».

(الثانى) أن تضاف إلى غير ياء المتكلم ، نحو «هذا أبو زيد وأخوه وحموه» ؛ فإن أضيفت إلى ياء المتكلم أعربت بحركات مقدّرة ، نحو «هذا أبى ، ورأيت أبى ، ومررت بأبى» ، ولم تعرب بهذه الحروف ، وسيأتى ذكر ما تعرب به حينئذ.

(الثالث) أن تكون مكبّرة ، واحترز بذلك من أن تكون مصغّره ؛ فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة ، نحو : «هذا أبىّ زيد وذوىّ مال ، ورأيت أبىّ زيد وذوىّ مال ، ومررت بأبىّ زيد وذوىّ مال».

(الرابع) : أن تكون مفردة ، واحترز بذلك من أن تكون مجموعة أو مثنّاة ؛ فإن كانت مجموعة أعربت بالحركات الظاهرة (١) ، نحو «هؤلاء آباء

__________________

بالألف نيابة عن الفتحة ، وهو مضاف ، و «اعتلا» مضاف إليه. وأصله اعتلاء فقصره للاضطرار ، وتقدير البيت : وشرط هذا الإعراب (الذى هو كونها بالواو رفعا وبالألف نصبا وبالياء جرا) فى كل كلمة من هذه الكلمات كونها مضافة إلى أى اسم من الأسماء لا لياء المتكلم ، ومثال ذلك قولك : جاء أخو أبيك ذا اعتلاء ، فأخو : مثال للمرفوع بالواو وهو مضاف لما بعده ، وأبيك : مثال للمجرور بالياء ، وهو مضاف لضمير المخاطب ، وذا : مثال للمنصوب بالألف ، وهو مضاف إلى «اعتلا» ، وكل واحد من المضاف إليهن اسم غير ياء المتكلم كما ترى.

(١) المراد جمع التكسير كما مثل ؛ فأما جمع المذكر السالم فإنها لا تجمع عليه إلا شذوذا ، وهى ـ حينئذ ـ تعرب إعراب جمع المذكر السالم شذوذا : بالواو رفعا ، وبالياء المكسور ما قبلها نصبا وجرا ، ولم يجمعوا منها جمع المذكر إلا الأب وذو.

فأما الأب فقد ورد جمعه فى قول زياد بن واصل السلمى :

فلمّا تبيّنّ أصواتنا

بكين وفدّيننا بالأبينا

٥٣

الزّيدين ، ورأيت آباءهم ، ومررت بآبائهم» ، وإن كانت مثنّاة أعربت إعراب المثنى : بالألف رفعا ، وبالياء جرا ونصبا ، نحو : «هذان أبوا زيد ، ورأيت أبويه ، ومررت بأبويه».

ولم يذكر المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ من هذه الأربعة سوى الشرطين الأوّلين ، ثم أشار إليهما بقوله : «وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا لليا» أى : شرط إعراب هذه الأسماء بالحروف أن تضاف إلى غير ياء المتكلم ؛ فعلم من هذا أنه لا بد من إضافتها ، وأنه لا بد أن تكون [إضافتها] إلى غير ياء المتكلم.

ويمكن أن يفهم الشرطان الآخران من كلامه ، وذلك أن الضمير فى قوله «يضفن» راجع إلى الأسماء التى سبق ذكرها ، وهو لم يذكرها إلا مفردة مكبرة ؛ فكأنه قال : «وشرط ذا الإعراب أن يضاف أب وإخوته المذكورة إلى غير ياء المتكلم».

واعلم أن «ذو» لا تستعمل إلا مضافة ، ولا تضاف إلى مضمر ، بل إلى اسم جنس ظاهر غير صفة ، نحو : «جاءنى ذو مال» ؛ فلا يجوز «جاءنى ذو قائم» (١)

__________________

وأما «ذو» فقد ورد جمعه مضافا مرتين : إحداهما إلى اسم الجنس ، والأخرى إلى الضمير شذوذا ، وذلك فى قول كعب بن زهير بن أبى سلمى المزنى :

صبحنا الخزرجيّة مرهفات

أبار ذوى أرومتها ذووها

ففى «ذووها» شذوذ من ناحيتين : إضافته إلى الضمير ، وجمعه جمع المذكر السالم

(١) اعلم أن الأصل فى وضع «ذو» التى بمعنى صاحب أن يتوصل بها إلى نعت ما قبلها بما بعدها ، وذلك يستدعى شيئين ؛ أحدهما : أن يكون ما بعدها مما لا يمتنع أن يوصف به ، والثانى : أن يكون ما بعدها مما لا بصلح أن يقع صفة من غير حاجة إلى توسط شىء ومن أجل ذلك لازمت الإضافة إلى أسماء الأجناس المعنوية كالعلم والمال والفضل والجاه

٥٤

بالألف ارفع المثنّى ، وكلا

إذا بمضمر مضافا وصلا (١)

__________________

فتقول : محمد ذو علم ، وخالد ذو مال ، ويكر ذو فضل ، وعلى ذو جاه ، وما أشبه ذلك لأن هذه الأشياء لا يوصف بها إلا بواسطة شىء ، ألا ترى أنك لا تقول «محمد فضل» إلا بواسطة تأويل المصدر بالمشتق ، أو بواسطة تقدير مضاف ، أو بواسطة قصد المبالغة ، فأما الأسماء التى يمتنع أن تكون نعتا ـ وذلك الضمير والعلم ـ فلا يضاف «ذو» ولا مثناه ولا جمعه إلى شىء منها ، وشذ قول كعب بن زهير بن أبى سلمى المزنى الذى سبق إنشاده :

صبحنا الخزرجيّة مرهفات

أيار ذوى أرومتها ذووها

كما شذ قول الآخر :

إنما يعرف ذا الفضل من النّاس ذووه

وشذ كذلك ما أنشده الأصمعى قال : أنشدنى أعرابى من بنى تميم ثم من بنى حنظلة لنفسه :

أهنأ المعروف ما لم

تبتذل فيه الوجوه

إنما يصطنع

المعروف فى الناس ذووه

وإن كان اسم أو ما يقوم مقامه مما يصح أن يكون نعتا بغير حاجة إلى شىء ـ وذلك الاسم المشتق والجملة ـ لم يصح إضافة «ذو» إليه ، وندر نحو قولهم : اذهب بذى تسلم ، والمعنى : اذهب بطريق ذى سلامة ، فتلخص أن «ذو» لا تضاف إلى واحد من أربعة أشياء : العلم ، والضمير ، والمشتق ، والجملة ، وأنها تضاف إلى اسم الجنس الجامد ، سواء أكان مصدرا أم لم يكن

(١) «بالألف» جار ومجرور متعلق بارفع التالى «ارفع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «المثنى» مفعول به لا رفع ، منصوب بفتحة مقدرة على الألف «وكلا» معطوف على المثنى «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان «بمضمر» جار ومجرور متعلق بوصل الآتى «مضافا» حال من الضمير المستتر فى وصل «وصلا» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل جر بإضافة إذا إليها ، وجواب إذا محذوف ، والتقدير : إذا وصل كلا بالضمير حال كون كلا مضافا إلى ذلك الضمير فارفعه بالألف.

٥٥

كلتا كذاك ، اثنان واثنتان

كابنين وابنتين يجريان (١)

وتخلف اليا فى جميعها الألف

جرّا ونصبا بعد فتح قد ألف (٢)

ذكر المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ أن مما تنوب فيه الحروف عن الحركات الأسماء الستة ، وقد تقدم الكلام عليها ، ثم ذكر المثنى ، وهو مما يعرب بالحروف.

وحدّه : «لفظ دالّ على اثنين ، بزيادة فى آخره ، صالح للتجريد ، وعطف مثله عليه» فيدخل فى قولنا «لفظ دال على اثنين» المثنى نحو «الزيدان» والألفاظ الموضوعة لاثنين نحو «شفع» ، وخرج بقولنا (٣) «بزيادة» نحو

__________________

(١) «كلنا» مبتدأ «كذاك» الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر ، والكاف حرف خطاب «اثنان» مبتدأ «واثنتان» معطوف عليه «كابنين» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير الذى هو ألف الاثنين فى قوله يجريان الآتى «وابنتين» معطوف على ابنين «يجريان» فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، وألف الاثنين فاعل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ وما عطف عليه.

(٢) «وتخلف» فعل مضارع «اليا» فاعله «فى جميعها» الجار والمجرور متعلق بتخلف ، وجميع مضاف والضمير مضاف إليه «الألف» مفعول به لتخلف «جرا» مفعول لأجله «ونصبا» معطوف عليه «بعد» ظرف متعلق بتخلف ، وبعد مضاف و «فتح» مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «ألف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فتح ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل جر نعت لفتح.

(٣) وخرج بقوله «دال على اثنين» الاسم الذى تكون فى آخره زيادة المثنى وهو مع ذلك لا يدل على اثنين ، وإنما يدل على واحد أو على ثلاثة فصاعدا ، فأما ما يدل على الواحد مع هذه الزيادة فمثاله من الصفات : رجلان ، وشبعان ، وجوعان ، وسكران وندمان ، ومثاله من الأعلام : عثمان ، وعفان ، وحسان ، وما أشبه ذلك ، وأما ما يدل على الثلاثة فصاعدا فمثاله : صنوان ، وغلمان ، وصردان ، ورغفان ، وجرذان ، وإعراب هذين النوعين بحركات ظاهرة على النون ، والألف ملازمة لها فى كل حال ؛ لأنها نون الصيغة ، وليست النون القائمة مقام التنوين.

٥٦

«شفع» ، وخرج بقولنا «صالح للتجريد» نحو «اثنان» فإنه لا يصلح لإسقاط الزيادة منه ؛ فلا تقول «اثن» وخرج بقولنا «وعطف مثله عليه» ما صلح للتجريد وعطف غيره عليه ، كالقمرين ؛ فإنه صالح للتجريد ، فنقول : قمر ، ولكن يعطف عليه مغايره لا مثله ، نحو : قمر وشمس ، وهو المقصود بقولهم : «القمرين».

وأشار المصنف بقوله : «بالألف ارفع المثنى وكلا» إلى أن المثنى يرفع بالألف ، وكذلك شبه المثنى ، وهو : كلّ ما لا يصدق عليه حدّ المثنى ، وأشار إليه المصنف بقوله «وكلا» ؛ فما لا يصدق عليه حدّ المثنى مما دل على اثنين بزيادة أو شبهها ، فهو ملحق بالمثنى ؛ فكلا وكلتا واثنان واثنتان ملحقة بالمثنى ؛ لأنها لا يصدق عليها حدّ المثنى ، لكن لا يلحق كلا وكلتا بالمثنى إلا إذا أضيفا إلى مضمر ، نحو «جاءنى كلاهما ، ورأيت كليهما ، ومررت بكليهما ، وجاءتنى كلتاهما ، ورأيت كلتيهما ، ومررت بكلتيهما» فإن أضيفا إلى ظاهر كانا بالألف رفعا ونصبا وجرا ، نحو «جاءنى كلا الرجلين وكلتا المرأتين ، ورأيت كلا الرجلين وكلتا المرأتين ، ومررت بكلا الرجلين وكلتا المرأتين» ؛ فلهذا قال المصنف : «وكلا إذا بمضمر مضافا وصلا» (١).

__________________

(١) هذا الذى ذكره الشارح تبعا للناظم ـ ـ من أن لكلا وكلنا حالتين : حالة يعاملان فيها معاملة المثنى ، وحالة يعاملان فيها معاملة المفرد المقصور ؛ فيكونان بالألف فى الأحوال الثلاثة كالفتى والعصا ـ هو مشهور لغة العرب ، والسر فيه ـ على ما ذهب إليه نحاة البصرة ـ أن كلا وكلتا لفظهما لفظ المفرد ومعناهما معنى المثنى ، فكان لهما شبهان شبه بالمفرد من جهة اللفظ ، وشبه بالمثنى من جهة المعنى ؛ فأخذا حكم المفرد تارة وحكم المثتى تارة أخرى ، حتى يكون لكل شبه حظ ، فى الإعراب. وفى إعادة الضمير عليهما أيضا.

ومن العرب من يعاملهما معاملة المقصور فى كل حال ؛ فيغلب جانب اللفظ ، وعليه جاء قول الشاعر :

٥٧

ثم بيّن أن اثنين واثتتين يجريان مجرى ابنين وابنتين ؛ فاثنان واثنتان ملحقان بالمثنّى [كما تقدّم] ، وابنان وابنتان مثنى حقيقه.

ثم ذكر المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ أن الياء تخلف الألف فى المثنى والملحق به فى حالتى الجرّ والنصب ، وأن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحا ، نحو : «رأيت الزّيدين كليهما ، ومررت بالزّيدين كليهما» واحترز بذلك عن ياء الجمع ؛ فإن ما قبلها لا يكون إلا مكسورا ، نحو : «مررت بالزّيدين» وسيأتى ذلك.

وحاصل ما ذكره أن المثنى وما ألحق به يرفع بالألف ، وينصب ويجرّ بالياء ، وهذا هو المشهور ، والصحيح أن الإعراب فى المثنى والملحق به بحركة مقدرة على الألف رفعا والياء نصبا وجرا.

وما ذكره المصنف من أن المثنى والملحق به يكونان بالألف رفعا والياء نصبا وجرا هو المشهور فى لغة العرب ، ومن العرب (١) من يجعل المثنى والملحق به

__________________

نعم الفق عمدت إليه مطيّتى

فى حين جدّ بنا المسير كلانا

ومحل الشاهد فى قوله «كلانا» فإنه توكيد للضمير المجرور محلا بالباء فى قوله «بنا» وهو مع ذلك مضاف الى الضمير ، وقد جاء به بالألف فى حالة الجر.

وقد جمع فى عود الضمير عليهما بين مراعاة اللفظ والمعنى الأسود بن يعفر فى قوله :

إنّ المنيّة والحتوف كلاهما

يوفى المخارم يرقبان سوادى

فتراه قال «يوفى المخارم» بالإفراد ، ثم قال «يرقبان» بالتثنية ، فأما الإعراب فإن جعلت «كلاها» توكيدا كان كإعراب المقصور ، ولكن ذلك ليس بمتعين ، بل يجوز أن يكون «كلاهما» مبتدأ خبره جملة المضارع بعده ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل رفع خبر إن ، وعلى هذا يكون اللفظ كإعراب المثنى جاريا على اللغة الفصحى.

(١) هذه لغة كنانة وبنى الحارث بن كعب وبنى العنبر وبنى هجيم وبطون من ربيعة

٥٨

بالألف مطلقا : رفعا ، ونصبا ، وجرا ؛ فيقول : «جاء الزيدان كلاهما ، ورأيت الزيدان كلاهما ، ومررت بالزيدان كلاهما».

* * *

وارفع بواو وبيا اجرر وانصب

سالم جمع «عامر ، ومذنب» (١)

__________________

بكر بن وائل وزبيد وخثعم وهمدان وعذرة. وخرج عليه قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) وقوله صلّى الله عليه وسلّم : «لا وتران فى ليلة» وجاء عليها قول الشاعر :

تزوّد منّا بين أذناه طعنة

دعته إلى هابى التّراب عقيم

فإن من حق «هذان ، ووتران ، وأذناه» ـ لو جرين على اللغة المشهورة ـ أن تكون بالياء : فإن الأولى اسم إن ، والثانية اسم لا ، وهما منصوبان ، والثالثة فى موضع المجرور بإضافة الظرف قبلها ، وفى الآية الكريمة تخريجات أخرى تجريها على المستعمل فى لغة عامة العرب : منها أن «إن» حرف بمعنى «نعم» مثلها فى قول عبد الله بن قيس الرقيات :

بكر العواذل فى الصّبو

ح يلمننى وألومهنّه

ويقلن : شيب قد علا

ك وقد كبرت ، فقلت : إنّه

يريد فقلت نعم ، والهاء على ذلك هى هاء السكت ، و «هذان» فى الآية الكريمة حينئذ مبتدأ ، واللام بعده زائدة ، و «ساحران» خبر المبتدأ. ومنها أن «إن» مؤكدة ناصبة للاسم رافعة للخبر ، واسمها ضمير شأن محذوف ، و «هذان ساحران» مبتدأ وخبر كما فى الوجه السابق ، والجملة فى محل رفع خبر إن ، والتقدير : إنه (أى الحال والشأن) هذان لساحران.

(١) «وارفع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بواو» جار ومجرور متعلق بارفع «وبيا» جار ومجرور متعلق باجرر الآتى ، ولقوله انصب معمول مثله حذف لدلالة هذا عليه ، أى : اجرر بياء وانصب بياء «اجرر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وانصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا ، وهو معطوف بالواو على اجرر «سالم» مفعول به تنازعه كل من ارفع واجرر وانصب

٥٩

ذكر المصنف قسمين يعربان بالحروف : أحدهما الأسماء الستة ، والثانى المثنى ، وقد تقدّم الكلام عليهما ، ثم ذكر فى هذا البيت القسم الثالث ، وهو جمع المذكر السالم وما حمل عليه ، وإعرابه : بالواو رفعا ، وبالياء نصبا وجرا.

وأشار بقوله : «عامر ومذنب» إلى ما يجمع هذا الجمع ، وهو قسمان : جامد ، وصفة.

فيشترط فى الجامد : أن يكون علما ، لمذكر ، عاقل ، خاليا من تاء التأنيث ، ومن التركيب ؛ فإن لم يكن علما لم يجمع بالواو والنون ؛ فلا يقال فى «رجل» رجلون ، نعم إذا صغّر جاز ذلك نحو : «رجيل ، ورجيلون» لأنه وصف (١) ، وإن كان علما لغير مذكر لم يجمع بهما ؛ فلا يقال فى «زينب» زينبون ، وكذا إن كان علما لمذكر غير عاقل ؛ فلا يقال فى لاحق ـ اسم فرس ـ لا حقون ، وإن كان فيه تاء التأنيث فكذلك لا يجمع بهما ؛ فلا يقال فى «طلحة» طلحون ، وأجاز ذلك الكوفيون (٢) ، وكذلك إذا كان مركبا ؛ فلا يقال فى «سيبويه» سيبويهون ، وأجازه بعضهم.

__________________

وسالم مضاف و «جمع» مضاف إليه ، وجمع مضاف إليه و «عامر» مضاف إليه ، و «مذنب» معطوف على عامر.

(١) وجاء من ذلك قول الشاعر :

زعمت تماضر أنّنى إمّا أمت

يسدد أبينوها الأصاغر خلّتى

محل الشاهد فى قوله «أبينوها» فإنه جمع مصغر «ابن» جمع مذكر سالما ورفعه بالواو نيابة عن الضمة ، ولو لا التصغير لما جاز أن يجمعه هذا الجمع ؛ لأن ابنا اسم جامد وليس بعلم ، وإنما سوغ التصغير ذلك لأن الاسم المصغر فى قوة الوصف ، ألا ترى أن رجيلا فى قوة قولك : رجل صغير ، أو حقير ، وأن أبينا فى قوة قولك : ابن صغير؟

(٢) ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز جمع العلم المذكر المختوم بتاء التأنيث كطلحة وحمزة جمع مذكر سالما بالواو والنون أو الياء والنون بعد حذف تاء التأنيث التى فى

٦٠