شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

مذهب جمهور النحويين أنه لا يجوز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف (١) فلا تقول فى «مررت بهند جالسة» مررت جالسة بهند.

وذهب الفارسىّ ، وابن كيسان ، وابن برهان ، إلى جواز ذلك ، وتابعهم المصنف ؛ لورود السماع بذلك ، ومنه قوله :

(١٨٧) ـ

لئن كان برد الماء هيمان صاديا

إلىّ حبيبا ، إنّها لحبيب

__________________

ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا والهاء مفعول به «فقد» الفاء للتعليل. وقد : حرف تحقيق «ورد» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى سبق حال ، وتقدير البيت : وقد أبى النحاة أن يسبق الحال صاحبه الذى جر بالحرف ، ولا أمنع ذلك ، لأنه وارد فى كلام العرب.

(١) اعلم أن صاحب الحال قد يكون محرورا بحرف جر غير زائد ، كقولك : مررت بهند جالسة ، وقد يكون مجرورا بحرف جر زائد ، كقولك : ما جاء من أحد راكبا ؛ فراكبا : حال من أحد المجرور لفظا بمن الزائدة.

ولا خلاف بين أحد من النحاة فى أن صاحب الحال إذا كان مجرورا بحرف جر زائد جاز تقديم الحال عليه وتأخيره عنه ؛ فيصح أن تقول : ما جاء من أحد راكبا ، وأن تقول : ما جاء راكبا من أحد.

والخلاف بينهم منحصر فى تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف جر أصلى.

١٨٧ ـ البيت لعروة بن حزام العذرى ، وقبله :

حلفت بربّ الرّاكعين لربّهم

خشوعا ، وفوق الرّاكعين رقيب

وبعده بيت الشاهد ، وبعده قوله :

وقلت لعرّاف اليمامة : داونى

فإنّك ـ إن أبرأتنى ـ لطبيب

اللغة : «هيمان» مأخوذ من الهيام ـ بضم الهاء ـ وهو فى الأصل : أشد العطش «صاديا» اسم فاعل فعله «صدى» من باب تعب ـ إذا عطش.

الإعراب : «لئن» اللام موطئة للقسم ، إن : شرطية «كان» فعل ماض ناقص. فعل الشرط «برد» اسم كان ، وبرد مضاف ، و «الماء» مضاف إليه «هيمان ، صاديا»

٦٤١

فـ «هيمان ، وصاديا» : حالان من الضمير المجرور بإلى ، وهو الياء ، وقوله :

(١٨٨) ـ

فإن تك أذواد أصبن ونسوة

فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال

فـ «فرغا» حال من قتل.

__________________

حالان من ياء المتكلم المجرورة محلا بإلى «إلى» جار ومجرور متعلق بقوله حبيبا الآتى «حبيبا» خبر كان «إنها» إن : حرف توكيد ونصب ، وها : اسمه «لحبيب» اللام لام الابتداء ، حبيب : خبر إن ، والجملة من إن واسمها وخبرها جواب القسم ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه جواب القسم.

الشاهد فيه : قوله «هيمان صاديا» حيث وقعا حالين من الياء المجرورة محلا بإلى ، وتقدما عليها كما أوضحناه فى الإعراب.

١٨٨ ـ البيت لطليحة بن خويلد الأسدى المتنبى ، وبعد البيت المستشهد به قوله :

وما ظنّكم بالقوم إذ تقتلونهم

أليسوا ـ وإن لم يسلموا ـ برجال؟

عشيّة غادرت ابن أرقم ثاويا

وعكّاشة الغنمىّ عنه بحال

اللغة : «أذواد» جمع ذود ، وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر «فرغا» أى هدرا لم يطلب به «حبال» بزنة كتاب ـ وهو ابن الشاعر ، وقيل : ابن أخيه ، وكان المسلمون قد قتلوه فى حرب الردة ، فقتل به منهم عكاشة بن محصن وثابت بن أرقم ، كما ذكر هو فى البيت الثانى من البيتين اللذين أنشدناهما.

المعنى : يقول : لئن كنتم قد ذهبتم ببعض إبل أصبتموها وبجماعة من النساء سبيتموهن فلم أقابل صنيعكم هذا بمثله فى ذلك ؛ فالأمر فيه هين والخطب يسير ، والذى يعنينى أنكم لم تذهبوا بقتل حبال كما ذهبتم بالإبل والنساء ، ولكنى شفيت نفسى ونلت ثأرى منكم ، فلم يضع دمه هدرا.

الإعراب : «فإن» شرطية «تك» فعل مضارع ناقص فعل الشرط ، مجزوم بسكون النون المحذوفة للتخفيف «أذواد» اسم تك «أصبن» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونون النسوة نائب فاعل ، والجملة من أصيب ونائب فاعله فى محل نصب خبر تك «ونسوة» معطوف على أذواد «فلن» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، لن : نافية

٦٤٢

وأما تقديم الحال على صاحبها المرفوع والمنصوب فجائز ، نحو «جاء ضاحكا زيد ، وضربت مجرّدة هندا»

* * *

ولا تجز حالا من المضاف له

إلّا إذا اقتضى المضاف عمله (١)

أو كان جزء ما له أضيفا

أو مثل جزئه ؛ فلا تحيفا (٢)

__________________

ناصبة «يذهبوا» فعل مضارع منصوب بلن ، وعلامة نصبه حذف النون ، وواو الجماعة فاعل «فرغا» حال من «قتل» الآتى «بقتل» جار ومجرور متعلق بيذهب ، وقتل مضاف ، و «حبال» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «فرغا» حيث وقع حالا من «قتل» المجرور بالباء وتقدم عليه.

(١) «ولا» ناهية «تجز» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «حالا» مفعول به لتجز «من المضاف» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقوله «حالا» وقوله «له» جار ومجرور متعلق بالمضاف «إلا» أداة استثناء «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط «اقتضى» فعل ماض «المضاف» فاعل اقتضى «عمله» عمل : مفعول به لاقتضى ، وعمل مضاف ، والهاء مضاف إليه ، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول فى محل جر بإضافة «إذا» إليها ، والجواب محذوف يدل عليه سابق الكلام.

(٢) «أو» عاطفة «كان» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المضاف له «جزء» خبر كان ، وجزء مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «له» جار ومجرور متعلق بأضيف الآتى «أضيف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة من أضيف ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول «أو» عاطفة «مثل» معطوف على جزء السابق ، ومثل مضاف ، وجزء من «جزئه» مضاف إليه ، وجزء مضاف والهاء مضاف إليه «فلا» ناهية «تحيفا» فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا لأجل الوقف فى محل جزم ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

٦٤٣

لا يجوز مجىء الحال من المضاف إليه (١) ، إلا إذا كان المضاف مما يصحّ عمله فى الحال : كاسم الفاعل ، والمصدر ، ونحوهما مما تضمّن معنى الفعل ؛ فتقول : هذا ضارب هند مجردة ، وأعجبنى قيام زيد مسرعا ، ومنه قوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) ومنه قول الشاعر :

(١٨٩) ـ

تقول ابنتى : إنّ انطلاقك واحدا

إلى الرّوع يوما تاركى لا أباليا

__________________

(١) اختلف النحاة فى مجىء الحال من المضاف إليه ؛ فذهب سيبويه ـ رحمه الله! ـ إلى أنه يجوز أن يجىء الحال من المضاف إليه مطلقا : أى سواء أتوفر له واحد من الأمور الثلاثة المذكورة أم لم يتوفر ، وذهب غيره من النحاة إلى أنه إذا توفر له واحد من الأمور الثلاثة جاز ، وإلا لم يجز ، والسر فى هذا الخلاف أنهم اختلفوا فى : هل يجب أن يكون العامل فى الحال هو نفس العامل فى صاحب الحال ، أم لا يجب ذلك؟ فذهب سيبويه إلى أنه لا يجب أن يكون العامل فى الحال هو العامل فى صاحبها ، بل يجوز أن يكون العامل فيهما واحدا وأن يكون مختلفا ، وعلى ذلك أجاز أن يجىء الحال من المضاف إليه مطلقا ، وذهب غيره إلى أنه لا بد من أن يكون العامل فى الحال هو نفس العامل فى صاحبها ، وترتب على ذلك ألا يجوزوا مجىء الحال من المضاف إليه إلا إذا توفر له واحد من الأمور الثلاثة التى ذكرها الناظم والشارح ، وذلك لأن المضاف إن كان عاملا فى المضاف إليه بسبب شبهه للفعل لكونه مصدرا أو اسم فاعل كان كذلك عاملا فى الحال فيتحد العامل فى الحال والعامل فى صاحبه الذى هو المضاف إليه ، وإن كان المضاف جزء المضاف إليه أو مثل جزئه كان المضاف والمضاف إليه جميعا كالشىء الواحد ؛ فيصير فى هاتين الحالتين كأن صاحب الحال هو نفس المضاف ؛ فالعامل فيه هو العامل فى الحال ؛ فاحفظ هذا التحقيق النفيس ، واحرص عليه.

١٨٩ ـ البيت لمالك بن الريب ، أحد بنى مازن بن مالك ، من قصيدة له ، وأولها قوله :

ألا ليت شعرى هل أبيتنّ ليلة

بجنب الغضى أزحى القلاص النّواجيا

فليت الغضى لم يقطع الرّكب عرضه

وليت الغضى ماشى الرّكاب لياليا

٦٤٤

وكذلك يجوز مجىء الحال من المضاف إليه : إذا كان المضاف جزءا من المضاف إليه ، أو مثل جزئه فى صحة الاستغناء بالمضاف إليه عنه ؛ فمثال ما هو جزء من المضاف إليه قوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) فـ «إخوانا» : حال من الضمير المضاف إليه «صدور» ، والصدور : جزء من المضاف إليه ، ومثال ما هو مثل جزء المضاف إليه ـ فى صحة الاستغناء بالمضاف إليه عنه ـ قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ

__________________

اللغة : «الروع» الفزع ، والمخافة ، وأراد به ههنا لحرب ؛ لأن الخوف يتسبب عنها ، فهو من باب إطلاق اسم المسبب وإرادة السبب «تاركى» اسم فاعل من ترك بمعنى صير.

المعنى : إن ابنتى تقول لى : إن ذهابك إلى القتال منفردا يصيرنى لا محالة بلا أب ، لأنك تقتحم لظاها فتموت.

الإعراب : «تقول» فعل مضارع «ابنتى» ابنة : فاعل تقول ، وابنة مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «إن» حرف توكيد ونصب «انطلاقك» انطلاق : اسم إن ، وانطلاق مضاف والكاف مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله «واحدا» حال من الكاف التى هى ضمير المخاطب «إلى الحرب» جار ومجرور متعلق بانطلاق «تاركى» تارك : خبر إن ، وتارك مضاف وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى أحد مفعوليه ، وفيه ضمير مستتر فاعل «لا» نافية للجنس «أبا» اسمها «ليا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا ، والجملة من لا ومعموليها فى محل نصب مفعول ثان لتارك ، ويجوز أن يكون «أبا» اسم لا منصوبا بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، واللام فى «ليا» زائدة ، وياء المتكلم مضاف إليه ، وخبر لا محذوف ، وكأنه قال : لا أبى موجود.

الشاهد فيه : قوله «وحدا» حيث وقع حالا من المضاف إليه ـ وهو الكاف فى قوله «انطلاقك» ـ والذى سوغ هذا أن المضاف إلى الكاف مصدر يعمل عمل الفعل ؛ فهو يتطلب فاعلا كما يتطلبه فعله الذى هو انطلق. وهذه الكاف هى الفاعل ، فكان المضاف عاملا فى المضاف إليه ، ويصح أن يعمل فى الحال لأنه مصدر على ما علمت.

٦٤٥

حَنِيفاً) فـ «حنيفا» : حال من «إبراهيم» والملة كالجزء من المضاف إليه ؛ إذ يصح الاستغناء بالمضاف إليه عنها ؛ فلو قيل فى غير القرآن : «أن اتّبع إبراهيم حنيفا» لصحّ.

فإن لم يكن المضاف مما يصح أن يعمل فى الحال ، ولا هو جزء من المضاف إليه ، ولا مثل جزئه ـ لم يجز أن يجىء الحال منه ؛ فلا تقول : «جاء غلام هند ضاحكة» خلافا للفارسىّ ، وقول ابن المصنف رحمه الله تعالى : «إن هذه الصورة ممنوعة بلا خلاف» ليس بجيد ، فإن مذهب الفارسى جوازها ، كما تقدم ، وممن نقله عنه الشريف أبو السعادات ابن الشّجرىّ فى أماليه.

* * *

والحال إن ينصب بفعل صرّفا

أو صفة أشبهت المصرّفا (١)

فجائز تقديمه : كـ «مسرعا

ذا راحل ، ومخلصا زيد دعا (٢)

__________________

(١) «الحال» مبتدأ «إن» شرطية «ينصب» فعل مضارع مبنى للمجهول فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحال «بفعل» جار ومجرور متعلق بينصب «صرفا» صرف : فعل ماض مبنى للمجهول ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى فعل نائب فاعل ، والجملة من صرف ونائب فاعله فى محل جر نعت لفعل «أو» عاطفة «صفة» معطوف على فعل «أشبهت» أشبه : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى صفة «المصرفا» مفعول به لأشبه ، والجملة من أشبهت وفاعله ومفعوله فى محل جر صفة لقوله «صفة».

(٢) «فجائز» الفاء لربط الجواب بالشرط ، جائز : خبر مقدم «تقديمه» تقديم. مبتدأ مؤخر ، وتقديم مضاف والهاء مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله ، والجملة

٦٤٦

يجوز تقديم الحال على ناصبها إن كان فعلا متصرفا ، أو صفة تشبه الفعل المتصرف ، والمراد بها : ما تضمّن معنى الفعل وحروفه ، وقبل التأنيث ، والتثنية والجمع : كاسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة (١) ؛ فمثال تقديمها على الفعل المتصرف «مخلصا زيد دعا» [فدعا : فعل متصرف ، وتقدمت عليه الحال] ، ومثال تقديمها على الصفة المشبهة له : «مسرعا ذا راحل».

فإن كان الناصب لها فعلا غير متصرف لم يجز تقديمها عليه ، فتقول : «ما أحسن زيدا ضاحكا» ولا تقول : «ضاحكا ما أحسن زيدا» ؛ لأن فعل التعجب غير متصرّف فى نفسه ؛ فلا يتصرّف فى معموله ، وكذلك إن كان

__________________

فى محل جزم جواب الشرط ، وجملة الشرط وجوابه فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو «الحال» فى أول البيت السابق «كمسرعا» الكاف جارة لقول محذوف ، مسرعا : حال مقدم على عامله وهو «راحل» الآتى «ذا» مبتدأ «راحل» خبر المبتدأ ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو فاعل ، وهو صاحب الحال «ومخلصا» حال مقدم على عامله ، وهو «دعا» الآتى «زيد» مبتدأ ، وجملة «دعا» وفاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى زيد فى محل رفع خبر.

(١) أطلق الشارح كالناظم القول إطلاقا فى أنه يجوز تقديم الحال على عاملها إذا كان هذا العامل فعلا متصرفا أو صفة تشبه الفعل المتصرف ، وليس هذا الإطلاق بسديد بل قد يعرض أمر يوجب تأخير الحال على عاملها ولو كان فعلا متصرفا أو صفة تشبه الفعل المتصرف ، وذلك فى أربعة مواضع :

الأول : أن يكون العامل مقترنا بلام الابتداء ، كقولك : إنى لأزورك مبتهجا.

الثانى : أن يقترن العامل بلام القسم ، كقولك : لأصومن معتكفا ، وقولهم : لأصبرن محتسبا.

الثالث : أن يكون العامل صلة لحرف مصدرى ، كقولك : إن لك أن تسافر راجلا ، وإن عليك أن تنصح مخلصا.

الرابع : أن يكون العامل صلة لأل الموصولة ، كقولك : أنت المصلى فذا ، وعلى المذاكر متفهما.

٦٤٧

الناصب لها صفة لا تشبه الفعل المتصرف كأفعل التفضيل لم يجز تقديمها عليه ، وذلك لأنه لا يثنّى ، ولا يجمع ، ولا يؤنث ، فلم يتصرف فى نفسه ؛ فلا يتصرف فى معموله ، فلا تقول : «زيد ضاحكا أحسن من عمرو» ؛ بل يجب تأخير الحال ؛ فتقول : «زيد أحسن من عمرو ضاحكا» (١).

* * *

وعامل ضمّن معنى الفعل لا

حروفه مؤخّرا لن يعملا (٢)

ك «تلك ، ليت ، وكأنّ» وندر

نحو «سعيد مستقرّا فى هجر» (٣)

لا يجوز تقديم الحال على عاملها المعنوىّ ؛ وهو : ما تضمن معنى الفعل دون حروفه : كأسماء الإشارة ، وحروف التمنى ، والتشبيه ، والظرف ، والجار

__________________

(١) سيأتى للمصنف فى هذا الباب والشارح الاستثناء من عدم عمل أفعل التفضيل فى حال متقدمة ، وذلك المستثنى نحو قوله «زيد مفردا أنفع من عمرو معانا» وسيذكر هناك (ص ٦٥٠) ضابط هذا المثال.

(٢) «وعامل» مبتدأ «ضمن» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة من ضمن ونائب فاعله فى محل رفع صفة لعامل «معنى» مفعول ثان لضمن ، ومعنى مضاف ، و «الفعل» مضاف إليه «لا» عاطفة «حروفه» حروف : معطوف على «معنى الفعل» وحروف مضاف وضمير الغائب مضاف إليه «مؤخرا» حال من الضمير المستتر فى «يعمل» الآتى «لن» نافية ناصبة «يعملا» يعمل : فعل مضارع منصوب بلن ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عامل الواقع مبتدأ ، والألف للاطلاق ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٣) «كتلك» الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كتلك «ليت ، وكأن» معطوفان على تلك «وندر» فعل ماض «نحو» فاعل ندر «سعيد» مبتدأ «مستقرا» حال من الضمير المستكن فى الجار والمجرور الآتى «فى هجر» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ.

٦٤٨

والمجرور (١) نحو «تلك هند مجردة ، وليت زيدا أميرا أخوك ، وكأنّ زيدا راكبا أسد ، وزيد فى الدار ـ أو عندك ـ قائما» ؛ فلا يجوز تقديم الحال على عاملها المعنوىّ فى هذه المثل ونحوها ؛ فلا تقول «مجردة تلك هند» ولا «أميرا ليت زيدا أخوك» ولا «راكبا كأنّ زيدا أسد».

وقد ندر تقديمها على عاملها الظرف [نحو زيد قائما عندك] والجارّ والمجرور

__________________

(١) اعلم أن ههنا أمرين لا بد من بيانهما حتى تكون على ثبت من الأمر :

الأول : أن العامل المعنوى قد يطلق ويراد به ما يقابل اللفظى ، وهو شيئان : الابتداء العامل فى المبتدأ ، والتجرد من الناصب والجازم العامل فى الفعل المضارع ، وليس هذا المعنى مرادا فى هذا الموضع ؛ لأن العامل المعنوى بهذا المعنى لا يعمل غير الرفع ، فالابتداء يعمل فى المبتدأ الرفع ، والتجرد يعمل فى الفعل المضارع الرفع أيضا ، وحينئذ فالمراد بالعامل المعنوى ههنا : اللفظ الذى يعمل بسبب ما يتضمنه من معنى الفعل أفلا ترى أن «تلك» وغيرها من ألفاظ الإشارة إنما عملت فى الحال لأنها متضمنة معنى أشير؟ وهكذا.

الثانى : العوامل المعنوية بالمعنى المراد هنا كثيرة ، وقد ذكر الشارح منها خمسة ، وهى : أسماء الإشارة ، وحروف التمنى ، وأدوات التشبيه ، والظروف ، والجار والمجرور ، وقد بقى خمسة أخرى ، أولها : حرف الترجى كلعل ، نحو قولك : لعل زيدا أميرا قادم ، وثانيها : حروف التنبيه مثل «ها» فى قولك : ها أنت زيد راكبا ؛ فراكبا : حال من زيد ، والعامل فى الحال هو «ها» ، وثالثها : أدوات الاستفهام الذى يقصد به التعجب كقول الأعشى : *يا جارتا ما أنت جاره* ، عند من جعل «جاره» الأخرى حالا لا تمييزا ، رابعها : أدوات النداء نحو «يا» فى قولك : يأيها الرجل قائما ، وخامسها : «أما» نحو قولهم : أما علما فعالم ، عند من جعل تقدير الكلام : مهما يذكر أحد فى حال علم فالمذكور عالم ، فعلما ـ على هذا التقدير ـ حال من المرفوع بفعل الشرط الذى نابت عنه أما.

٦٤٩

نحو «سعيد مستقرا فى هجر» ومنه قوله تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(١) فى قراءة من كسر التاء ، وأجازه الأخفش قياسا.

* * *

ونحو «زيد مفردا أنفع من

عمرو معانا» مستجاز لن يهن (٢)

تقدّم أن أفعل التفضيل لا يعمل فى الحال متقدمة ، واستثنى من ذلك هذه المسألة ، وهى : ما إذا فضّل شىء فى حال على نفسه أو غيره فى حال أخرى ، فإنه يعمل فى حالين إحداهما متقدمة عليه ، والأخرى متأخرة عنه ، وذلك نحو : «زيد قائما أحسن منه قاعدا» و «زيد مفردا أنفع من عمرو معانا» فـ «قائما ، ومفردا» منصوبان بأحسن وأنفع ، وهما حالان ، وكذا «قاعدا ، ومعانا» وهذا مذهب الجمهور.

__________________

(١) القراءة المشهورة برفع السموات على الابتداء ورفع «مطويات» على أنه خبر المبتدأ ، والجار والمجرور ـ وهو «بيمينه» ـ متعلق بمطويات ، والقراءة التى يستدل بها الشارح برفع السموات على أنه مبتدأ ، ونصب مطويات بالكسرة نيابة عن الفتحة على أنه حال صاحبه الضمير المستكن فى الجار والمجرور ، والجار والمجرور ـ وهو قوله (بيمينه) ـ متعلق بمحذوف خبر المبتدأ.

(٢) «ونحو» مبتدأ «زيد» مبتدأ «مفردا» حال من الضمير المستتر فى «أنفع» الآتى «أنفع» خبر المبتدأ الذى هو زيد «من عمرو» جار ومجرور متعلق بأنفع «معانا» حال من عمرو ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل جر بإضافة نحو إليها «مستجاز» خبر المبتدأ الذى هو «نحو» فى أول البيت «لن» نافية ناصبة «يهن» بمعنى يضعف : فعل مضارع منصوب بلن ، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة ، وسكن لأجل الوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى «نحو» وجملة يهن وفاعله فى محل رفع خبر ثان ، أو صفحة للخبر السابق.

٦٥٠

وزعم السيرافىّ أنهما خبران منصوبان بكان المحذوفة ، والتقدير : «زيد إذا كان قائما أحسن منه إذا كان قاعدا ، وزيد إذا كان مفردا أنفع من عمرو إذا كان معانا».

ولا يجوز تقديم هذين الحالين على أفعل التفضيل ، ولا تأخير هما عنه ؛ فلا تقول «زيد قائما قاعدا أحسن منه» ولا [تقول] «زيد أحسن منه قائما قاعدا».

* * *

والحال قد يجىء ذا تعدّد

لمفرد ـ فاعلم ـ وغير مفرد (١)

يجوز تعدد الحال وصاحبها مفرد (٢) ، أو متعدد.

فمثال الأول «جاء زيد راكبا ضاحكا» فـ «راكبا ، وضاحكا» : حالان من «زيد» والعامل فيهما «جاء».

ومثال الثانى «لقيت هندا مصعدا منحدرة» فـ «مصعدا» : حال من التاء ، و «منحدرة» : حال من «هند» والعامل فيهما «لقيت» ومنه قوله :

(١٩٠) ـ

لقى ابنى أخويه خائفا

منجديه ؛ فأصابوا مغنما

__________________

(١) «الحال» مبتدأ ، وجملة «يجىء» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر «ذا» حال من الضمير المستتر فى يجىء ، وذا مضاف و «تعدد» مضاف إليه «لمفرد» جار ومجرور متعلق يتعدد أو بمحذوف نعت لتعدد «فاعلم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة لا محل لها اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه ، «وغير» الواو عاطفة ، غير : معطوف على مفرد ، وغير مضاف ، و «مفرد» مضاف إليه.

(٢) ترك الشارح بيان المواضع التى يجب فيها تعدد الحال ، ولوجوب ذلك موضعان ؛ أولهما أن يقع بعد «إما» نحو قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) وثانيهما : أن يقع بعد «لا» النافية كقولك : رأيت بكرا لا مستبشرا ولا جذلان.

١٩٠ ـ البيت من الشواهد التى لا يعلم قائلها

٦٥١

فـ «خائفا» حال من «ابنى» ، و «منجديه» حال من «أخويه» والعامل فيهما «لقى».

فعند ظهور المعنى تردّ كلّ حال إلى ما تليق به ، وعند عدم ظهوره يجعل أول الحالين لثانى الاسمين ، وثانيهما لأول الاسمين ؛ ففى قولك : «لقيت زيدا مصعدا منحدرا» يكون «مصعدا» حالا من زيد ، و «منحدرا» حالا من التاء.

* * *

وعامل الحال بها قد أكّدا

فى نحو : «لا تعث فى الأرض مفسدا» (١)

__________________

اللغة : «منجديه» مغيثيه ، وهو مثنى منجد ، ومنجد : اسم فاعل ماضيه أنجد ، وتقول : أنجد فلان فلانا ، إذا أغاثه وعاونه ودفع عنه المكروه «أصابوا» نالوا وأدركوا «مغنما» غنيمة.

الإعراب : «لقى» فعل ماض «ابنى» ابن : فاعل لقى ، وابن مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «أخويه» مفعول به للقى ، والهاء مضاف إليه «خائفا» حال من ابنى «منجديه» حال من أخويه «فأصابوا» الفاء عاطفة ، أصابوا : فعل وفاعل «مغنما» مفعول به لأصابوا ، والجملة من أصاب وفاعله ومفعوله معطوفة بالفاء على جملة لقى ومعمولاته.

الشاهد فيه : قوله «خائفا منجديه» فإن الحال متعددة لمتعدد ، والنظرة الأولى تدل على صاحب كل حال قترده إليه ؛ فإن واحدا من الحالين مفرد والآخر مثنى ، وكذلك صاحباهما ، فلا لبس عليك فى أن تجعل المفرد للمفرد والمثنى للمثنى.

(١) «وعامل» مبتدأ ، وعامل مضاف ، و «الحال» مضاف إليه «بها» جار ومجرور متعلق بأكد الآتى «قد» حرف تحقيق «أكذا» أكد : فعل ماض مبنى للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عامل الحال ، والألف للاطلاق. والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «فى نحو» جار ومجرور متعلق بأكد «لا» ناهية «تعث» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، والفاعل ضمير مستتر فيه

٦٥٢

تنقسم الحال إلى مؤكدة ، وغير مؤكدة ؛ فالمؤكدة على قسمين ، وغير المؤكدة ما سوى القسمين.

فالقسم الأول من المؤكدة : ما أكّدت عاملها ، وهى المراد بهذا البيت ، وهى : كلّ وصف دلّ على معنى عامله ، وخالفه لفظا ، وهو الأكثر ، أو وافقه لفظا ، وهو دون الأول فى الكثرة ؛ فمثال الأول «لا تعث فى الأرض مفسدا» ومنه قوله تعالى : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) وقوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ومن الثانى قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) وقوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ)

* * *

وإن تؤكّد جملة فمضمر

عاملها ، ولفظها يؤخّر (١)

هذا هو القسم الثانى من الحال المؤكدة ، وهى : ما أكّدت مضمون الجملة ،

__________________

وجوبا تقديره أنت «فى الأرض» جار ومجرور متعلق بتعث «مفسدا» حال من الضمير المستتر فى «تعث» وهو حال مؤكدة للعامل وهو «تعث» وجملة «تعث فى الأرض مفسدا» فى محل جر بإضافة نحو إليها.

(١) «وإن» شرطية «تؤكد» فعل مضارع ، فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى الحال «جملة» مفعول به لتؤكد «فمضمر» الفاء لربط الجواب بالشرط ، مضمر : خبر مقدم «عاملها» عامل : مبتدأ مؤخر ، وعامل مضاف وها : مضاف إليه ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «ولفظها» الواو عاطفة ، لفظ : مبتدأ ، ولفظ مضاف وها : مضاف إليه ، وجملة «يؤخر» من الفعل المضارع المبنى للمجهول ونائب الفاعل المستتر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جزم معطوفة بالواو على جملة جواب الشرط.

٦٥٣

وشرط الجملة : أن تكون اسمية ، وجزآها معرفتان ، جامدان ، نحو : «زيد أخوك عطوفا ، وأنا زيد معروفا» ومنه قوله :

(١٩١) ـ

أنا ابن دارة معروفا بها نسبى

وهل بدارة يا للنّاس من عار؟

فـ «معطوفا ، ومعروفا» حالان ، وهما منصوبان بفعل محذوف وجوبا ، والتقدير فى الأول «أحقّه عطوفا» وفى الثانى «أحقّ معروفا».

ولا يجوز تقديم هذه الحال على هذه الجملة ؛ فلا تقول «عطوفا زيد أخوك» ولا «معروفا أنا زيد» ولا توسّطها بين المبتدأ والخبر ؛ فلا تقول «زيد عطوفا أخوك».

* * *

__________________

١٩١ ـ البيت لسالم بن دارة ، من قصيدة طويلة يهجو فيها فزارة ؛ وقد أوردها التبريزى فى شرحه على الحماسة ، وذكر لهذه القصيدة قصة ، فارجع إليها هناك ،

اللغة : «دارة» الأكثرون على أنه اسم أمه ، وقال أبو رياش : هو لقب جده ، واسمه يربوع ، ويجاب ـ هلى هذا القول ـ عن تأنيث الضمير الراجع إلى دارة فى قوله «معروفا بها نسبى» بأنه عنى به القبيلة.

المعنى : أنا ابن هذه المرأة ، ونسبى معروف بها ، وليس فيها من المعرة ما بوجب القدح فى النسب ، أو الطعن فى الشرف.

الإعراب : «أنا» ضمير منفصل مبتدأ «ابن» خبر المبتدأ ، وابن مضاف ، و «دارة» مضاف إليه «معروفا» حال «بها» جار ومجرور متعلق بمعروف «نسبى» نائب فاعل لمعروف لأنه اسم مفعول «وهل» حرف دال على الاستفهام الإنكارى «بدارة» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «من» زائدة «عار» مبتدأ مؤخر ، مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، وقوله «يا للناس» اعتراض بين المبتدأ والخبر ، وياء : للنداء ، واللام للاستغاثة.

الشاهد فيه : قوله «معروفا» فإنه حال أكدت مضمون الجملة التى قبلها.

٦٥٤

وموضع الحال تجىء جمله

ك «جاء زيد وهو ناو رحله» (١)

الأصل فى الحال والخبر والصفة الإفراد ، وتقع الجملة موقع الحال ، كما تقع موقع الخبر والصفة ، ولا بدّ فيها من رابط ، وهو فى الحالية : إما ضمير ، نحو «جاء زيد يده على رأسه» أو واو ـ وتسمى واو الحال ، وواو الابتداء ، وعلامتها صحة وقوع «إذ» موقعها ـ نحو «جاء زيد وعمرو قائم» التقدير : إذ عمرو قائم ، أو الضمير والواو معا ، نحو «جاء زيد وهو ناو رحلة».

* * *

__________________

(١) «موضع» ظرف مكان متعلق بتجىء ، وموضع مضاف و «الحال» مضاف إليه «تجىء» فعل مضارع «جملة» فاعل تجىء «كجاء زيد» الكاف جارة لقول محذوف ، كما سبق مرارا ، وما بعدها فعل وفاعل «وهو» الواو واو الحال ، وهو : ضمير منفصل مبتدأ «ناو» خبر المبتدأ ، وفيه ضمير مستتر فاعل «رحله» مفعول به لناو ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل نصب حال.

(٢) يشترط فى الجملة التى تقع حالا أربعة شروط ، وقد ذكر الشارح تبعا للناظم من هذه الشروط واحدا ، وهو : أن تكون الجملة مشتملة على رابط يربطها بالحال ـ إما الواو ، وإما الضمير ، وإما هما معا ـ والشرط الثانى. أن تكون الجملة خبرية ؛ فلا يجوز أن تكون الحال جملة إنشائية ، والشرط الثالث : ألا تكون جملة الحال تعجبية ، والشرط الرابع : ألا تكون مصدرة بعلم استقبال ، وذلك نحو «سوف» و «لن» وأدوات الشرط ؛ فلا يصح أن تقول : جاء محمد إن يسأل يعط ، فإن أردت تصحيح ذلك فقل : جاء زيد وهو إن يسأل يعط ؛ فتكون الحال جملة اسمية خبرية.

ومن هذا الكلام ـ مع ما سبق فى مبحث مجىء خبر المبتدأ جملة ـ تعرف أن الخبر والحال جميعا اشتركا فى ضرورة وجود رابط يربط كلا منهما بصاحبه ، واختلفا فى الشروط الثلاثة الباقية ؛ فجملة الخبر تقع إنشائية وتعجبية على الاصح عند النحاة ، وتصدر بعلم الاستقبال ، وقد رأيت أن تصحيح المثال يكون بجعل جملة الشرط وجوابه خبرا ، فتنبه لذلك كله ، والله يوفقك ويرشدك.

٦٥٥

وذات بدء بمضارع ثبت

حوت ضميرا ، ومن الواو خلت (١)

وذات واو بعدها انو مبتدا

له المضارع اجعلنّ مسندا (٢)

الجملة الواقعة حالا : إن صدّرت بمضارع مثبت لم يجز أن تقترن بالواو ، بل لا تربط إلا بالضمير ، نحو «جاء زيد يضحك ، وجاء عمرو تقاد الجنائب بين يديه» ولا يجوز دخول الواو ؛ فلا تقول «جاء زيد ويضحك» فإن جاء من لسان العرب ما ظاهره ذلك أوّل على إضمار مبتدأ بعد الواو ؛ ويكون المضارع خبرا عن [ذلك] المبتدأ ؛ وذلك نحو قولهم «قمت وأصكّ عينه» وقوله :

(١٩٢) ـ

فلمّا خشيت أظافيرهم

نجوت وأرهنهم مالكا

__________________

(١) «وذات» مبتدأ ، وذات مضاف ، و «بدء» مضاف إليه «بمضارع» جار ومجرور متعلق ببدء «ثبت» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضارع ، والجملة فى محل جر صفة لمضارع «حوت» حوى : فعل ماض ، والتاء للتأنيث وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى ذات بدء ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «ضميرا» مفعول به لحوت «ومن الواو» الواو عاطفة ، وما بعدها جار ومجرور متعلق بخلت «خلت» خلا : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى ذات بدء بمضارع ، والجملة معطوفة على جملة الخبر.

(٢) «وذات» مبتدأ ، وذات مضاف و «واو» مضاف إليه «بعدها» بعد : ظرف متعلق بانو الآتى ، وبعد مضاف ، وها : مضاف إليه «انو» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مبتدا» مفعول به لانو «له» جار ومجرور متعلق باجعل الآتى «المضارع» مفعول أول لا جعل تقدم عليه ، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة «اجعلن» اجعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والنون نون التوكيد الثقيلة «مسندا» مفعول ثان لا جعل.

١٩٢ ـ البيت لعبد الله بن همام السلولى.

٦٥٦

فـ «أصكّ ، وأرهنهم» خبران لمبتدأ محذوف ؛ والتقدير : وأنا أصكّ ، وأنا أرهنهم.

* * *

وجملة الحال سوى ما قدّما

بواو ، أو بمضمر ، أو بهما (١)

__________________

اللغة : «أظافيرهم» جمع أظفور ـ بزنة عصفور ـ والمراد هنا منه الأسلحة «نجوت» أراد تخلصت منهم.

الإعراب. «فلما» الفاء للعطف على ما قبله ، لما : ظرف بمعنى حين متعلق بنجوت الآتى ، وهو متضمن معنى الشرط «خشيت» فعل وفاعل «أظافيرهم» أظافير : مفعول به لخشيت ، وأظافير مضاف وهم : مضاف إليه ، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله فى محل جر بإضافة «لما» الظرفية إليها «نجوت» فعل وفاعل ، والجملة جواب «لما» الظرفية بما تضمنته من معنى الشرط «وأرهنهم» الواو واو الحال ، أرهن : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، هم : مفعول أول لأرهن ، والجملة فى محل رفع خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وأنا أرهنهم ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل نصب حال «مالكا» مفعول ثان لأرهن.

الشاهد فيه : قوله «وأرهنهم» حيث إن ظاهره ينبىء عن أن المضارع المثبت تقع جملته حالا ، وتسبق بالواو ، وذلك الظاهر غير صحيح ؛ ولهذا قدرت جملة المضارع خبرا لمبتدأ محذوف كما فصلناه فى الإعراب.

(١) «وجملة» مبتدأ ، وجملة مضاف ، و «الحال» مضاف إليه «سوى» منصوب على الاستثناء أو على الظرفية ، وسوى مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «قدما» قدم : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والألف للاطلاق ، والجملة من قدم ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول «بواو» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ وهو قوله «جملة الحال» فى أول البيت ، وقوله «أو بمضمر ، أو بهما» معطوفان على قوله بواو.

٦٥٧

الجملة الحالية : إما أن تكون اسمية ، أو فعلية ، والفعل [إما] مضارع ، أو ماض ، وكل واحدة من الاسمية والفعلية : إما مثبتة ، أو منفيّة ، وقد تقدم أنه إذا صدّرت الجملة بمضارع مثبت لا تصحبها الواو ، بل لا تربط إلا بالضمير فقط (١) ، وذكر فى هذا البيت أنّ ما عدا ذلك يجوز فيه أن يربط بالواو

__________________

(١) قد ذكر الشارح أن الجملة الحالية إذا كانت فعلية فعلها مضارع مثبت وجب أن تخلو هذه الجملة من الواو ، وأن يكون رابطها الضمير ، وقد بقى عليه بعض شروط يجب تحققها فى هذه الجملة : منها ألا يتقدم بعض معمولات المضارع عليه ؛ فلو تقدم معموله عليه اقترنت الجملة بالواو ، ولهذا جوز القاضى البيضاوى فى قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أن تكون جملة(وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) حالا من الضمير المستتر وجوبا فى (نعبد) ومن الشروط أيضا : ألا تكون جملة المضارع المذكور مقترنة بقد ، فإن اقترنت بها وجب أن تقترن بالواو ، نحو قوله تعالى (لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) فجملة ما يشترط لخلو هذه الجملة من الواو أربعة شروط : أن تكون مضارعية ، وأن تكون مثبتة ، وأن يتقدم المضارع على كل ما يذكر معه من معمولاته ، وألا يقترن بقد.

وقد ذكر الشارح بعد قليل أن الجملة المضارعية المنفية بلا تمتنع معها الواو ، كما فى قوله تعالى : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) وبقى بعد ذلك خمس جمل يجب ألا تقترن بالواو ، فيصبر مجموع ما لا يجوز اقترانه بالواو من الحال الواقعة جملة سبعا ذكرنا لك اثنتين منها ،

(والثالثة) أن تكون مضارعية منفية بما ، كقول الشاعر :

عهدتك ما تصبو ، وفيك شبيبة

فما لك بعد الشّيب صبّا متيّما؟

(الرابعة) الجملة المعطوفة على حال قبلها ، نحو قوله تعالى : (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) فجملة «هم قائلون» معطوفة على «بياتا».

(الخامسة) الجملة المؤكدة لمضمون جملة قبلها ، نحو قولك : هو الحق لا شك فيه ، وقوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) فجملة «لا ريب فيه» حال مؤكدة لمضمون جملة «ذلك الكتاب» فى بعض أعاريب يحتملها هذا الكلام.

٦٥٨

وحدها ، أو بالضمير وحده ، أو بهما ؛ فيدخل فى ذلك الجملة الاسميّة : مثبتة ، أو منفيّة ، والمضارع المنفىّ ، والماضى : المثبت ، والمنفىّ.

فتقول : «جاء زيد وعمرو قائم ، وجاء زيد يده على رأسه ، وجاء زيد ويده على رأسه» وكذلك المنفىّ ، وتقول : «جاء زيد لم يضحك ، أو ولم يصحك ، أو ولم يقم عمرو ، وجاء زيد وقد قام عمرو ، وجاء زيد قد قام أبوه ، وجاء زيد وقد قام أبوه» وكذلك المنفىّ ، نحو «جاء زيد وما قام عمرو ، وجاء زيد ما قام أبوه ، أو وما قام أبوه».

ويدخل تحت هذا أيضا المضارع المنفىّ بلا ؛ فعلى هذا تقول : «جاء زيد ولا يضرب عمرا» بالواو.

وقد ذكر المصنف فى غير هذا الكتاب أنه لا يجوز اقترانه بالواو كالمضارع المثبت ، وأن ما ورد مما ظاهره ذلك يؤوّل على إضمار مبتدأ ، كقراءة

__________________

(السادسة) الجملة التى تقع بعد «إلا» سواء أكانت الجملة اسمية نحو قولك : ما صاحبت أحدا إلا زيد خير منه ، أم كانت فعلية فعلها ماض نحو قولك : ما أرى رأيا إلا رأيت صوابا ، ونحو قوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وقد ورد فى الشعر اقتران الفعلية التى فعلها ماض والواقعة بعد «إلا» بالواو كما فى قوله.

نعم امرأ هرم لم تعر نائبة

إلا وكان لمرتاع لها وزرا

فقيل : هو شاذ والقياس أن تخلو من الواو ، وقيل : هو قليل لا شاذ.

(السابعة) الجملة الفعلية التى فعلها ماض مسبوق بأو العاطفة ، نحو قولك : لأضربنه حضر أو غاب ، وقول الشاعر :

كن للخليل نصيرا جار أو عدلا

ولا تشحّ عليه جاد أو بخلا

٦٥٩

ابن ذكوان : (فاستقيما ولا تتّبعان) بتخفيف النون ، والتقدير : وأنتما لا تتّبعان ؛ فـ «لا تتبعان» خبر لمبتدأ محذوف.

* * *

والحال قد يحذف ما فيها عمل

وبعض ما يحذف ذكره حظل (١)

يحذف عامل الحال : جوازا ، أو وجوبا.

فمثال ما حذف جوازا أن يقال : «كيف جئت» فتقول : «راكبا» ، [تقديره «جئت راكبا»] ، وكقولك : «بلى مسرعا» لمن قال لك : «لم تسر» والتقدير : «بلى سرت مسرعا» ، ومنه قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ؟ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) التقدير ـ والله أعلم ـ : بلى نجمعها قادرين.

ومثال ما حذف وجوبا قولك : «زيد أخوك عطوفا» ونحوه من الحال المؤكدة لمضمون الجملة ، وقد تقدم ذلك ، وكالحال النائبة مناب الخبر ،

__________________

(١) «والحال» مبتدأ «قد» حرف تحقيق «يحذف» فعل مضارع مبنى للمجهول «ما» اسم موصول نائب فاعل ليحذف ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ «فيها» جار ومجرور متعلق بعمل الآتى «عمل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «وبعض» مبتدأ أول ، وبعض مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «يحذف» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «ذكره» ذكر : مبتدأ ثان ، وذكر مضاف والهاء مضاف إليه «حظل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا ، والجملة من حظل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول.

٦٦٠