السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري
المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-09-6-X
الصفحات: ٥٩٢
يفصل اللحم ولم ير على يده أثر الدم.
فلمّا فرغوا من الطبخ أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله عليّاً أن ينادي على رأس داره : أجيبوا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأجابوه من النخلات والزروع ، فبسط النطوع في المسجد ، وصدر الناس وهم أكثر من أربعة آلاف رجل ، وسائر نساء المدينة ، ورفعوا منها ما أرادوا ولم ينقص من الطعام شيء ، ثمّ عادوا في اليوم الثاني فأكلوا ، وفي الثالث أكلوا مبعوثة أبي أيّوب الأنصاري رضي الله عنه ، ثمّ دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله بالصحاف فملئت ، ووجّه إلى منازل أزواجه ، ثمّ أخذ صحفة ، وقال : هذه لفاطمة وبعلها ، ثمّ دعا فاطمة فأخذ يدها ووضعها في يد عليّ ، وقال : بارك لكَ الله في ابنة رسول الله ؛ يا عليّ ، نعم الزوج فاطمة ، ويا فاطمة ، نعم البعل عليّ.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله أمر نساءه أن تزيّنها ويصلحن من شأنها في حجرة اُمّ سلمة فاستدعين من فاطمة عليهاالسلام طيباً فأتت بقارورة ، فسئلت عنها ، فقالت : كان دحية الكلبيّ يدخل على رسول الله صلىاللهعليهوآله فيقول : يا فاطمة ، هاتي الوسادة فاطرحيها لعمّك ، فكان إذا نهض سقط من بين ثيابه شيء ، فيأمرني رسول الله صلىاللهعليهوآله بجمعه ، فسألت رسول الله صلىاللهعليهوآله عن ذلك ، فقال : عنبر يسقط من زغب أجنحة جبرئيل ، وأتت بماء ورد فسألتها عنه اُمّ سلمة ، فقالت : هذا عرق رسول الله صلىاللهعليهوآله كنت آخذه عند قيلولته عندي.
وروي أنّ جبرئيل أتى بحلّةٍ قيمتها الدنيا ، فلمّا لبستها تحيّرت نسوة قريش منها ، وقلن : أنّى لك هذا؟
قالت : هو من عند الله سبحانه (١).
تاريخ الخطيب : بإسناده إلى ابن عبّاس وجابر (٢) أنّه لمّا كانت الليلة التي زفّت فيها فاطمة إلى عليّ عليهماالسلام كان النبي صلىاللهعليهوآله أمامها ، وجبرئيل عن يمينها ، وميكائيل عن يسارها ، وسبعون ألف ملك يشيّعونها من خلفها ، يسبّحون الله ويقدّسونه حتى طلع الفجر.
كتاب مولد فاطمة عليهاالسلام عن ابن بابويه رضي الله عنه ـ في خبر ـ أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أمر بنات عبد المطّلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة عليهاالسلام ، وأن يفرحن ويرجزن ويكبّرن ويحمدن ، ولا يقلن ما لا يرضي الله.
قال جابر : فأركبها رسول الله صلىاللهعليهوآله [ على ] (٣) ناقته. وفي رواية : على بغلته الشهباء ، وأخذ سلمان بزمامها ، وحولها سبعون حوراء والنبيّ صلىاللهعليهوآله وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم ، ونساء النبي قدّامهم يرجزن ، فأنشأت اُمّ سلمة رضي الله عنها :
سرن (٤) بعون الله جاراتي |
|
واشكرنه في كلّ حالات |
واذكرن ما أنعم ربّ العُلى |
|
من كشف مكروه وآفات |
____________
١ ـ في « ح » : كما قيل لمريم اُمّ عيسى عليهالسلام فقالت كقولها : ( هُوَ مِن عِندِ اللهِ ) [ سورة آل عمران : ٣٧ ].
٢ ـ في المناقب : تاريخ الخطيب ، وكتاب ابن مردويه ؛ وابن المؤذّن ؛ وابن شيرويه الديلميّ ، بأسانيدهم عن علي بن الجعد ، عن ابن بسطام ، عن شعبة بن الحجّاج ؛ وعن علوان ، عن شعبة ، عن أبي حمزة الضبعيّ ، عن ابن عبّاس وجابر.
٣ ـ من المناقب.
٤ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : سرّت.
فقد هدانـا بعـد كـفر وقد |
|
أنعشنا ربّ الـسموات |
فسرن مع خير نساء الورى |
|
تفدى بعمّات وخـالات |
يا بنت من فضّله ذو العلى |
|
بالوحي منه والرسالات |
ثمّ قالت عائشة :
يا نسوة اسـترن بالـمعـاجر |
|
واذكرن ما يحسن في المحاضر |
واذكرن ربّ الناس إذ يخصّنا |
|
بدينه مـع كـلّ عبـد شـاكر |
فالحمد لله عـلى إفـضاله |
|
والشكر لله الـعزيز الـقادر |
سرن بها فالله أعلـى قدرها (١) |
|
وخصـّهـا مـنه بطهر طاهر |
ثمّ قالت حفصة :
فاطمة خـير نـساء البشر |
|
ومن لها وجه كـوجـه القمر |
فضّلك الله على كلّ الورى |
|
بفضل من خُصّ بآي السـور (٢) |
زوّجك اللـه فتىً مفضّلاً (٣) |
|
أعني عليّاً خير مَن في الحضر |
فسرن جاراتي بها فيالها (٤) |
|
كريمة بنت عظـيم الخـطـر |
ثمّ قالت معاذة اُمّ سعد بن معاذ :
أقول قولاً فيه ما فيه |
|
وأذكر الخيـر واُبـديه |
محمد خير بنـي آدم |
|
ما فيه من كبر ولا تيه |
بفضله عرّفنا رشدنا (٥) |
|
فالله بالخـير يـجازيه |
__________________
١ ـ في المناقب : فالله أعطى ذكرها.
٢ ـ في المناقب : الزمر.
٣ ـ في المناقب : فاضلاً.
٤ ـ في المناقب : بها إنّها.
٥ ـ أي دليلنا.
ونحن مع بنت نبيّ الهدى |
|
ذي شرف قد مكّنت فيه |
في ذروة شامخـة أصلها |
|
فما أرى شيـئاً يـدانيه |
وكانت النسوة يرجعن أوّل بيت من كلّ رجز ، ثمّ يكبّرن حتى دخلن الدار ، ثمّ أنفذ رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى عليّ ودعاه إلى المسجد ، ثمّ دعا فاطمة فاخذ يدها ووضعها في يد عليّ ، وقال : بارك الله لكَ في ابنة رسول الله صلىاللهعليهوآله .
كتاب ابن مردويه : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله دعا بماء ، فأخذ منه جرعة فتمضمض بها ، ثمّ مجّها في القعب ، ثمّ صبّ منها على رأسها ، ثمّ قال : أقبلي ، فلمّا أقبلت نضح بين ثدييها ، ثمّ قال : أدبري ، فلمّا أدبرت نضح بين كتفيها ، ثمّ دعا لهما.
أبو عبيد في غريب الحديث أنّه قال : اللّهمّ اونسهما أي ثبّت الودّ بينهما.
وروي أنّه صلىاللهعليهوآله قال : اللّهمّ إنّهما أحبّ خلقك إليّ فأحبّهما وبارك في ذرّيّتهما ، واجعل عليهما منك حافظاً ، وإنّي اُعيذهما وذرّيّتهما بك من الشيطان الرجيم.
[ وروي أنّه دعا لها فقال : ] (١) أذهب الله عنكِ الرجس وطهّركِ (٢) تطهيراً.
وروي أنّه قال : مرحباً ببحرين يلتقيان ونجمين يقترنان ، ثمّ خرج إلى الباب وهو يقول : طهّركما الله وطهّر نسلكما ، أنا حرب لمن حاربكما ، وسلم لمن سالمكما ، أستودعكما الله وأستخلفه عليكما ، وباتت عندها أسماء بنت
____________
١ ـ من المناقب.
٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : عنكم الرجس وطهّركم.
عميس اُسبوعاً بوصيّة خديجة إليها ، فدعا لها النبي صلىاللهعليهوآله في دنياها وآخرتها.
ثمّ أتاهما في صبيحتهما ، وقال : السلام عليكم ، أدخل رحمكما الله ، ففتحت له أسماء الباب ، وكانا نائمين تحت الكساء ، فقال : على حالكما ، فأدخل رجليه بين أرجلهما ، فأخبر الله عن أورادهما ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ ) (١) الآية ، فسأل عليّاً : كيف وجدت أهلك؟
قال : نعم العون على طاعة الله.
وسأل فاطمة ، فقال : كيف وجدتِ بعلك؟
فقالت : خير بعل.
فقال : اللّهمّ اجمع شملهما ، وألّف بين قلوبهما ، واجعلهما وذرّيّتهما من ورثة جنّة النعيم ، وارزقهما ذرّيّة طيّبة طاهرة مباركة ، واجعل في ذرّيّتهما البركة ، واجعلهم أئمّة يهدون بأمرك إلى طاعتك ، ويأمرون بما يرضيك ، ثمّ أمر بخروج أسماء ، وقال : جزاك الله خيراً ، ثمّ خلا بها بعد ذلك بإشارة الرسول صلىاللهعليهوآله .
وروي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا كانت صبيحة عرس فاطمة جاء النبي بعسّ (٢) فيه لبن ، فقال لفاطمة : اشربي فداك أبوك ، وقال لعليّ : اشرب فداك ابن عمّك. (٣)
__________________
١ ـ سورة السجدة : ١٦.
٢ ـ العسّ : القدح أو الغناء الكبير.
٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٤٩ ـ ٣٥٦ ، عنه البحار : ٤٣ / ١١١ ـ ١١٧ ح ٢٣ و ٢٤.
فصل
في مولدها وأحوالها وأسمائها وكناها عليهاالسلام
ولدت فاطمة بمكّة بعد النبوّة بخمس سنين ، وبعد الاسراء بثلاث سنين ، في العشرين من جمادى الاُخرى ، وإقامتها مع أبيها بمكّة ثماني سنين ، ثمّ هاجرت إلى المدينة فزوّجها من عليّ بعد مقدمه (١) المدينة بسنتين ؛ أوّل يوم من ذي الحجّة ؛ وقيل : اليوم السادس منه ، ودخل بها يوم الثلاثاء لستّ خلون منه بعد بدر. (٢)
وقبض صلىاللهعليهوآله وكان لها ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر ، وعاشت بعده اثنين وسبعين يوماً ؛ ويقال : خمسة وسبعين ؛ وقليل : أربعة أشهر ، وقال القرباني : أربعين يوماً وهو أصحّ.
وولدت الحسن والحسين ولها اثنتا عشرة سنة (٣).
وتوفّيت ليلة الأحد لثلاث عشرة سنة خلت من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة من الهجرة ، ومشهدها بالبقيع ، وقالوا : إنّها دفنت في بيتها ،
__________________
١ ـ في المناقب : مقدمها.
٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٥٧.
٣ ـ في المناقب : وولدت الحسن ولها اثنتا عشرة سنة.
وقالوا : قبرها بين قبر رسول الله صلىاللهعليهوآله وبين منبره. (١)
وكناها : اُمّ الحسن ، واُمّ الحسين ، واُمّ محسن ، واُمّ الأئمّة ، واُمّ أبيها.
وأسماؤها ـ على ما ذكره أبو جعفر القمّي ـ : فاطمة ، البتول ، الحصان ، الحرّة ، السيّدة ، العذراء ، الزهراء ، الحوراء ، المباركة ، الطاهرة ، الزكيّة ، الراضية ، المرضيّة ، المحدّثة ، مريم الكبرى ، الصدّيقة ؛ ويقال لها في السماء : النوريّة ، السماويّة ، الحانية (٢) ، الزاهدة ، الصفيّة ، المتهجّدة الشريفة ، القانتة العفيفة ، سيّدة النسوان ، وحبيبة حبيب الرحمن ، ابنة خير المرسلين ، وقرّة عين سيّد الخلائق أجمعين ، وواسطة العقد بين سيّدات نساء العالمين ، والمتظلّمة بين يدي العرش يوم الدين ، ثمرة النبوّة ، واُمّ الأئمّة ، وزهرة فؤاد شفيع الاُمّة ، الزهراء المحترمة ، والغرّاء المحتشمة ، المكرّمة. (٣)
فيامن يروم حصر مناقبها ، ويطلب ضبط مراتبها ، ويسأل عن معاليها ومحامدها ، ويبحث عن خصائصها ومحاممدها ، لقد رمت حصر كواكب السماء الدنيا ، وأردت عدّ رمل عالج والدهناء ، هذه ابنة من اُخذ عهده على أهل الأرض والسماء ، وعرج بروحه وبدنه كقاب قوسين أو أدنى ، ورقمت أحرف أسمائه على العرش المجيد ، وجعل شفيع من استمسك بعروة عصمته يوم الوعيد.
القرآن منشور نبوّته ، والروح الأمين سفير رسالته ، « أرسله بالهدى ودين الحقّ » (٤) بشير بعثته ، ( فاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللهُ ) (٥) دليل محبّته ، ( كَتَبَ
____________
١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٥٧ ، عنه البحار : ٤٣ / ١٨٠ ح ١٦.
٢ ـ أي المشفقة على زوجها وأولادها.
٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨ ، عنه البحار : ٤٣ / ١٦ ح ١٥.
٤ ـ في سورة التوبة ، ٣٣ ، وسورة الفتح : ٢٨ ، وسورة الصفّ : ٩ : ( أرسَلَ رَسُولهُ بِالهُدَى وَدِينِ
اللهُ لَأَغلِبَنَّ أنَا وَرُسُلِي ) (٦) علم بصيرته ، ختم سجلّ ولايته ( مَا كَانَ مُحَمّدٌ أبَا أحَدٍ مِن رِجَالِكُم وَلَكِن رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (٧) ، وتوقيع علّة رسالته ( وَمَا أرسَلنَاكَ إلَّا رَحمَةً لِلعَالَمِينَ ) (٨) ، نشأ في حجر الفتوّة ، وربّي في دار النبوّة ، واُضجع في مهد العصمة ، واُرضع ثدي الحكمة ، ثمّ اُدخل مكتب ( سَنُقرِئُكَ فَلاَ تَنسَى ) (٩) ، واُدّب بأدب ( خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأعرِض عَنِ الجَاهِلِينَ ) (١٠) ، فبلغ من القيام بشروطها الغاية القصوى.
مدّت يد العصمة بقلم القدرة على لوح نفسه ( وَعَلَّمَكَ مَا لَم تَكُن تَعلَمُ ) (١١) ، وخوطب بلسان العزّة والرفعة : ( اقرَأ بِاسمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإنسَانَ مِن عَلَقٍ اقرَأْ وَرَبُّكَ الأكرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ ) (١٢).
لمّا استندت عناية المعلّم سبحانه بتهذيبه وتأديبه ، وشرّفه باختصاصه بتعليمه وتقريبه ، تفجّرت ينابيع الحكمة من صفا سريرته ، وظهرت أسرار العناية من ضفا روحانيّته ، وزفّت يد الإرادة الأزليّة عروس الرسالة النبويّة إليه ، وحلتها ماشطة المحبّة الإلهيّة في ملابس الألطاف الخفيّة عليه ، وأفرغت على أعطاف نبوّته من ملابس الرئاسة العامّة تعظيماً وتوقيراً ، وضربت على
__________________
الحَقِّ ).
٥ ـ سورة آل عمران : ٣١.
٦ ـ سورة المجادلة : ٢١.
٧ ـ سورة الأحزاب : ٤٠.
٨ ـ سورة الأنبياء : ١٠٧.
٩ ـ سورة الأعلى : ٦.
١٠ ـ سورة الأعراف : ١٩٩.
١١ ـ سورة النساء : ١١٣.
١٢ ـ سورة العلق : ١ ـ ٤.
هامة رفعته حجلة ( إنَّا أَرسَلنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) (١) ، ( وَدَاعِياً إلَى اللهِ بِإِذنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ) (٢).
لمّا انشرح صدره بخطاب ( ألَم نَشرَح لَكَ صَدرَكَ ) (٣) ، وعلا أمره بمقال ( وَرَفَعنَا لَكَ ذِكرَكَ ) (٤) ، وصار قلبه مشكاة النور الإلهيّ ، وفضله حتى القيامة غير متناهي ، اجلس في صدر صفة مشارق فيضان الأنوار الإلهيّة على جنانه ، فأضاءت الأكوان بانعكاس أشعّة مرآة كمال عرفانه ، فأظهر بدروس علومه من الايمان ما كان دارساً ، وأنار بوضع قواعد شرعه من الاسلام ما كان طامساً.
وهذه النبذة التي أوردتها ، واللمعة التي ذكرتها قطرة من بحر صفته ، وذرّة من طود مدحته ، اللّهمّ اجعلنا من المهتدين بواضح دليله ، السالكين في منجم سبيله ، المهتدين بأبرار عترته ، المستضيئين بأنوار ذرّيّته.
وأمّا بعلها فحسبك ما نطق به القرآن من خصائصه وفضائله ، ووضح بالبرهان الساطع فيه من مناقبه ودلائله ، ( إنَّمَا وَليُّكُم ) (٥) عنوان منشور ولايته ، و ( قُل لَا أَسألُكُم ) (٦) توقيع مسطور نسبته ، وسورة هل أتى نزلت في رفعة عظيم إخلاصه ، وآية النجوى (٧) وردت في صفاته وخواصّه ، خسف الله
__________________
١ ـ سورة الفتح : ٨.
٢ ـ سورة الأحزاب : ٤٦.
٣ ـ سورة الشرح : ١.
٤ ـ سورة الشرح : ٤.
٥ ـ سورة المائدة : ٥٥.
٦ ـ سورة الشورى : ٢٣.
٧ ـ أي قوله تعالى في سورة المجادلة : ١٢ : ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجيتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَينَ يَدَي نَجوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيرٌ لَكُم وَأطهَرُ فَإن لَم تَجِدُوا فَإنََّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).
بشمس وجهه بدر الشرك في بدر واُحد ، وأخمد بنور طلعته نار الكفر يوم عمرو بن ودّ ، وهزم أحزابه بجدّ عزائمه ، وقطع أسبابه بحدّ صارمه ، وشدّ أزر الايمان ببطشه شدّاً ، وألبس دين الاسلام بفتكه شرفاً ومجداً.
لمّا آثر بالقرص في صيام نذره ، ردّ الله له القرص بعد مغيبه وستره ، وأثبت في الذكر العزيز ذكره ، وأعلى في الكتاب المجيد قدره ، تتلى آيات مدحه ومدح ذرّيّته إلى يوم القيامة ، وتنشر رايات شكره بإعجازه ومناديه إلى حين حلول الطامّة ، سمّاه الله وزوجته وابنيه في محكم تنزيله أبراراً (١) ، وزادهم في ديوان شكره بمدحه إيّاهم فخاراً.
فالحمد لله الذي أوضح لقلوبنا سلوك سبيلهم ، وزادها لهم هدى ونوراً. وشرح صدورنا لاتّباع دليلهم ، وألبسها من ملابس ولائهم تزكية وتوقيراً. وقرّبنا زلفى من رضوانه بعرفان حقّهم ، وجعلنا من الموقنين بفضلهم وصدقهم ، وسقانا من زلال خالص حبّهم شراباً طهوراً. ثم أنزل لذّة زلاله في مذاق أفئدتنا منذ عالم الذرّ حين قال ربّنا : ( ألَستُ بِرَبِّكُم ) (٢) فأقرّ من أقرّ ، وأنكر من أنكر ، ولم تزل عين عنايتهم تحرسنا من ظلم الضلال الأكبر إلى أن جعل الله لنا في عالم الشهادة بروراً وطهوراً. لولا استمساكنا بعروة عصمتهم ، والتزامنا بحبل مودّتهم ، واتّباعنا سبيل شرعتهم لم نكن شيئاً مذكوراً.
طهّرنا ربّنا بفاضل طهورهم من دنس الشرك ، ونزّهنا باتّباع زاهر نورهم من دين الشكّ ، وخلص إبريز خالص معتقدنا بنار حبّهم عند السبك ، ورفع لنا في مقام المجد منبراً وسريراً.
__________________
١ ـ في قوله تعالى في سورة الانسان : ( إنََّ الأبرَارَ يَشرَبُونَ مِن كَأسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ).
٢ ـ سورة الأعراف : ١٧٢.
ووسم قلوبنا بميسم مودّتهم وطهّرها من الزلل ، ورقم على إبريز خالص معتقدنا أحرف حبّهم في دار ضرب الأزل ، وأذاقنا من رحيق عنايتهم ما لذّته في مذاق أفئدتنا لم تزل كأساً كان مزاجها كافوراً.
نشهد أنّهم أبواب وسائلنا إلى ربّنا ، وأسباب اتّصالنا بمنازل قربنا ، فلهذا وجّهنا إلى كعبة شرفهم مطايا حبّنا ، واعتقدنا ما سوى جلال جنابهم من الخلق هباء منثوراً.
هل أتى نصّ هل أتى إلا في مدحة فضلهم؟ وهل اُنزلت آية النجوى الا تزكية لفعلهم؟ وهل دنا بقدم الصدق إلى الملكوت الأعلى غير جدّهم صاحب آيات ( إنّا أرسَلنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) (١) ( وَدَاعِياً إلَى اللهِ بِإذنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ) (٢)؟
ردّ الله له القرص حين آثر في صيامه بالقرص ، وعليه الرسول بالرئاسة العامّة يوم الغدير نصّ ، وله الله بالبضعة الزهراء دون اخلق خصّ ، وجعله نسباً وصهراً وكان ربّك قديراً (٣).
لمّا لم يثنهم عن الوفاء بعهد ربّي ثاني ، ولم يكن لهم بالاخلاص في الطاعة من الخلق ثاني ، أثنى عليهم بآيات المثاني ، فقال : ( يُوفُونَ بِالنَّذرِ وَيَخَافُونَ يَوماً كَانَ شَرُّهُ مُستَطِيراً ) (٤).
مصابيح ظلام إذا العيون هجعت ، ومجارع اكرام إذا الغيوث منعت ،
__________________
١ ـ سورة الفتح : ٨.
٢ ـ سورة الأحزاب : ٤٦.
٣ ـ إشارة إلى الآية : ٥٤ من سورة الفرقان.
٤ ـ سورة الإنسان : ٧.
يؤثرون في صومهم بقوت يومهم ولا يخشون أزمّة قرعت ، ( وَيُطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسكِيناً وَيَتِيماً وَأسِيراً ) (١).
لم يتبعوا صدقاتهم منّاً ولا أذى لمّا تصدّقوا ، وما فاهوا بما يكدر الصنعة وما نطقوا ، بل قالوا في سرائر ضمائرهم لمّا تصدّقوا وصدقوا : ( إنَّمَا نُطعِمُكُمْ لِوَجهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُم جَزَاءً وَلَا شُكُوراً ) (٢).
إنّا نطمع أن يغفر لنا ربّنا خطايانا يوم الدين ، إنّا نرغب أن يخلصنا ببذل معروفنا بالصالحين ، إنّا نطلب إليه أن يرقم أسماءنا في دفاتر المخلصين ، ( إنّا نَخَافُ مِن رَبِّنَا يَوماً عَبُوساً قَمطَرِيراً ) (٣).
تحقّقوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ، وفرقوا من مقام التوبيخ حين العرض عليه ، وأشفقوا يوماً يعضّ الظالم على يديه (٤) ( فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَومِ وَلَقَّاهُم نَضرَةً وَسُرُوراً ) (٥).
أجلسهم على بساط اُنسه في ظلّ جنابه ، وسقاهم من شراب قدسه أصفى شرابه ، وجعلهم خاصّة نفسه في دار ثوابه ( وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ) (٦).
متقابلين فيها على مضاعفات الأسرّة والفرش ، في جنّة صعيدها رضوان الله وسقفها العرش ، قد نزع الله ما في صدورهم من غلّ وغشّ ، ( مُتَّكِئِينَ فِيهَا
__________________
١ ـ سورة الإنسان : ٨.
٢ ـ سورة الإنسان : ٩.
٣ ـ سورة الإنسان : ١٠.
٤ ـ إشارة إلى الآية : ٥٧ من سورة الفرقان.
٥ ـ سورة الإنسان : ١١.
٦ ـ سورة الإنسان : ١٢.
عَلَى الأرائِكِ لَا يَرَونَ فِيهَا شَمساً وَلَا زَمهَرِيراً ) (١).
ظـلالـها ممـدودة علـيهم |
|
قـطوفـها دانـيـة إليـهم |
ولـدانهـا قـائــمة لديهم |
|
كلـولؤ يحـسبه مـنـثورا |
يطوف بالأكواب والكـؤوس |
|
في مجلس التطهير والتقديس |
صار بأمـر بارئ الـنفـوس |
|
لهم شراباً سائغـاً طـهـورا |
جوهرهـا من فضـّة نقـيّة |
|
من كوثر متـرعـة رويـّة |
موضوعة في الغرف المبنيّة |
|
قدّرها مـدبّـرهـا تقـديرا |
من دارهـم منبع عين تسنيم |
|
ارقّ باللـطـف من النسـيم |
مـقسـمٌ فـي جنـّة النعيم |
|
يكسـهم بـشـربه سـرورا |
عن سلسبيل سل سبيل تخبر |
|
بأنّ بدء جـزئه مـن كـوثر |
____________
١ ـ سورة الإنسان : ١٣.
خـصّوا بـه مـن ذي الجلال الأكبر |
|
يزيدهـم بـصفـوه حبورا |
طووا ثلاثـاً لـم يـذوقـوا مطعـماً |
|
بل آثـروا بـقوتهـم تكرّما |
فقال فـيهم ذو الـعـلـى ونـعـما |
|
قال مـديحاً فيـهم مـشهورا |
إن شئت فاتـل سـورة الانـسـان |
|
ترى لـهم شأناً عظيـم الشأن |
بـه أقـرّ خـالـص الإيــمـان |
|
لمّا غـدا الرجس به كفـورا |
وإنـّـمـا وليـّـكم (١) في المائـدة |
|
عـليهم بكـلّ فضـل عائـدة |
يمجّهـا مـسـمع ذي المـعانــدة |
|
فيـنثني بـغـيـظه مقهـورا |
إنّ عصبة النصّاب أضحـت عازلة |
|
لنا وفـي فضـلهم مجـادلـة |
إذا تـلـونـا آيـة المـباهـلـة (٢) |
|
ولّوا عـلى أدبـارهـم نفورا |
__________________
١ ـ سورة المائدة : ٥٥.
٢ ـ سورة آل عمران : ٦١.
أبحر علـم وسـواهـم آل |
|
وهـم لخير المرسـليـن آل |
إليـهم المـرجـع والـمآل |
|
يومـاً عبوساً كالـحاً عسيرا |
آل العـبا خصّوا بآي الذكر |
|
والنصف من شفيع يوم الحشر |
ونزّهوا من كلّ عيب يجري |
|
في غيـرهم وطهّروا تطهيرا |
يا من يروم رتـبة الامـامة |
|
سواهـم والأمـر والـزعامة |
بغير علم متـقناً أحكـامـه |
|
لقد رقوت موبــقاً خطـيرا |
أتحسب الإمرة والـخلافـة |
|
بالكبر والغلــظة والخـلافة |
أم بأب مثل أبـي قـحافـة |
|
بؤ خـاسئـاً مذمماً مـدحوراً |
سل اُمّك البغــيّة الشـقيّة |
|
صهّـاك عـن اُصولك العليّة |
فإنّها أخـبـر بالـقضـيّة |
|
فلا تكن بغيرهــا فـخـورا |
غرّتك دنياك فصرت حاكماً |
|
وللوصيّ والبـتول ظـالـماً |
وللـنبـيّ مـؤذيـاً مـخاصـماً |
|
فـسوف تـصلى بعـد ذا سعيرا |
عقوبـة الذنـب مـن الله على |
|
مقدار ذنب العـبد فـي دار البلا |
وظلم مـن يؤذي النبـيّ المرسلا |
|
هل فوقـه ظـلم فـكن بصيـرا |
دع رتبـة الوصيّ خير من برى |
|
إلهنا وخيـر من فـوق الـثرى |
بعد النبيّ المصطفى هادي الورى |
|
عنه اسأل الـتوراة والـزبـورا |
والصحف الاولى ومـن أتى بها |
|
من لدن ذي العرش ومن صحابها |
سل بـرّة المـزمور في كتـابها |
|
معيّــناً مبيـّنـاً مـسطـورا |
صاحـب بـدر وحنـين واُحـد |
|
وخيـبر وخنـدق يوم ابـن ودّ |
إذ ضلّت الـقلوب مـنه ترتعـد |
|
فصـار مـن سطوتـه مثبورا |
جـلـّله عضـباً بائنـا ذكــر |
|
فخرّ كالجذع الغـريم المنـعقر |
له مـن المنـون ورداً وصـدر |
|
معـفّراً بـدمـه تـعـفيـرا |
سل كلّ باغٍ غـادر مشافق |
|
من ناكث وقاسط ومـارق |
ماذا لقوا من الإمام الصادق |
|
في حربهم فاسأل به خبيرا |
لنا قلوب ملئـت من حبّه |
|
وحبّ أهل بيته وصحـبه |
لمّا علمنا قربه مـن ربـّه |
|
بارئنا زدنا هدىً ونـورا |
اللّهمّ فكما جعلت له في فؤادي ودّاً ، لا اُعادي له وليّاً ، ولا اُوالي له ضدّاً ، فصلّ على محمد وآله واجعل لي بصدق ودادي عندك عهداً يوم ألقاك في معادي منشوراً.
وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة اُعدّها لهول القيامة وظلماته نوراً مستنيراً ، وعلى الملحدين في آياته سيفاً مشهوراً.
وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أفضل من أتى على الطاعة بالنعيم بشيراً ، وبالجحيم على المعصية نذيراً.
صلّى الله عليه وعلى آله سادة الخلق أوّلاً وآخراً ، الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً (١).
روى الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن علي الحسين بن موسى بن بابويه القمّي في أماليه : قال : حدّثنا الحسن بن مهران ، قال : حدّثنا مسملة بن
__________________
١ ـ إشارة إلى الآية : ٣٣ من سورة الأحزاب.
خالد ، عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام.
وروى هذا الحديث بعينه شعيب بن واقد ، عن القاسم بن بهرام ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه. (١)
وروى الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي في تفسيره مجمع البيان لعلوم القرآن (٢) أنّ هذه الآيات وهي : ( إنّ الاَبرَارَ يَشرَبُونَ مِن كَأسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ـ إلى قوله ـ وَكَانَ سَعيُكُم مَشكُوراً ) (٣) نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام وجارية لهم تسمّى فضّة.
ومضمون القصّة بالاسناد المتقدّم عن الصادق عليهالسلام وابن عبّاس ، قالوا : مرض الحسن والحسين عليهماالسلام وهما صبيّان صغيران فعادهما رسول الهل صلىاللهعليهوآله ومعه رجلان ، فقال أحدهما لأمير المؤمنين عليهالسلام : يا أبا الحسن ، لو نذرت في ابنيك نذراً إن الله (٤) عافاهما.
فقال صلوات الله عليه : أصوم ثلاثة أيّاك شكراً لله سبحانه ، وكذلك قالت فاطمة عليهاالسلام ، وقال الصبيّان : ونحن أيضاً نصوم ثلاثة أيّام ، وكذلك قالت جاريتهم فضّة ، فألبسهما الله عافيته ، فأصبحوا صيّاماً وليس عندهم شيئاً من الطعام ، فانطلق أمير المؤمنين عليهالسلام إلى جار له يهوديّ يعالج الصوف
____________
١ ـ في الأمالي : حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلوديّ البصريّ ، قال : حدّثنا محمد بن زكريّا ، قال : حدّثنا شعيب بن واقد ... عن ابن عبّاس ؛ وحدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، قال : حدّثنا الحسن بن مهران ... عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهماالسلام في قوله عزّ وجلّ ...
٢ ـ مجمع البيان : ٥ / ٤٠٤.
٣ ـ سورة الإنسان : ٥ ـ ٢٢.
٤ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من الأمالي.
اسمه شمعون ، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : هل لك أن تعطيني جزازاً (١) من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصواع من شعير؟
قال اليهودي : نعم. فأعطاه ، فجاء بالصوف والشعير ، وأخبر فاطمة عليهاالسلام بذلك ، فقبلت وأطاعت ، ثمّ عمدت فغزلت ثلث الصوف ، ثمّ أخذت صاعاً من الشعير ، فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد قرصاً (٢) ، وصلّى أمير المؤمنين عليهالسلام صلاة المغرب مع رسول الله
__________________
١ ـ في الأمالي : جزّة.
٢ ـ في « ح » :
في كتاب زهد النبي صلىاللهعليهوآله [ لأبي محمد جعفر بن أحمد القمّي ] : لمّا نزلت آية : ( وَإنَّ جَهَنَّم لَمَوعِدُهُم أجمَعيِنَ لَهَا سَبعَةُ أبوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنهُم جُزءٌ مَقسومٌ ) [ سورة الحجر : ٤٣ و ٤٤ ] بكى النبي صلىاللهعليهوآله بكاءً شديداً ، وبكى أصحابه لبكائه ، ولم يدروا ما نزل به جبرئيل عليهالسلام ، ولم يستطع أحد من أصحابه أن يكلّمه ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوآله إذا رأى فاطمة عليهاالسلام فرح بها ، فانطلق بعض أصحابه إلى بابها فوجد بين يديها شعير وهي تطحن فيه وتقول : ( وَمَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأبقَى ) [ سورة القصص : ٦٠ ] فسلّم عليها وأخبرها بخبر النبي ، فنهضت والتفّت بشملة لها خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل ، فلمّا خرجت نظر سلمان إلى الشملة وبكى وقال : واحزناه! إنّ قيصر وكسرى لفي السندس والحرير وابنة محمد عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً ، فلمّا دخلت فاطمة عليهاالسلام على النبيّ قالت : يا رسول الله ، إنّ سلمان تعجّب من لباسي ، فوالذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما لي ولعلي منذ خمس سنين الا مسك [ المسك : الجلد ] كبش نعلف عليه بالنهار بعيرنا ، فإذا كان الليل افترشناه ، وإنّ مرفقتنا [ المرفقة : المخدّة ] لمن اُدم حشوها ليف.
ثمّ قالت : يا أبت فدتك نفسي ، ما الذي أبكاك؟ فذكر لها ما نزل به جبرئيل من الآية ، فسقطت فاطمة عليهاالسلام على وجهها ، وهي تقول : الويل ، ثمّ ا لويل لمن دخل النار. فسمع سلمان ، فقال : يا ليتني كنت كبشاً فأكلوا لحمي ومزّقوا جلدي.
وقال أبو ذرّ : يا ليت اُمّي كانت عاقراً ولم تلدني.
وقال عمّار : يا ليتني كنت طائراً في القفار ، ولم يكن عليّ حساب ولا عقاب.
وقال عليّ عليهالسلام : يا ليت السباع مزّقت لحمي ، وليت اُمّي لم تلدني ، ولم أسمع بذكر النار. ثم وضع عليّ عليهالسلام يده على رأسه وجعل يبكي ويقول : وابعد سفراه! واقلّة زاداه! في سفر
صلىاللهعليهوآله ، ثمّ أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا يتعشّون خمستهم ، فأوّل لقمة كسرها أمير المؤمنين عليهالسلام وإذا مسكين قد وقف بالباب ، فقال : السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ، أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنّة ، فوضع أمير المؤمنين عليهالسلام اللقمة من يده ، ثم قال :
فاطم ذات المجـد والـيقـين |
|
يا بنت خير الـناس أجميعن |
أما ترين البائـس المـسكين |
|
قد قام بـالـباب (١) له حنين |
يشكو إلى اللـه ويستـكيـن |
|
يشكوا إلـيـنا جـائعاً حزين |
كلّ امـرء بكـسبه رهيـن |
|
من يفعل الخـير يقف سمين |
موعـده فـي جنّــة دهين |
|
حرّمها اللـه عـلى الضنين |
وصاحب البخل يقف حزيـن |
|
تهوي به النـار إلى سجّـين |
شرابه حميم والغسلين
__________________
القيامة يذهبون ، في النار يتردّدون ، وبكلاليب النار يتخطّفون ، مرضى لا يعاد سقيمهم ، وجرحى لا يداوى جريحهم ، أسرى لا يفكّ أسيرهم ، من النار يأكلون ، ومنها يشربون ، وبين أطباقها يتقلّبون ، وبعد لبس القطن والكتّان مقطّعات النار يلبسون ، وبعد معانقة الأزواج مع الشياطين مقرّنين. [ أخرجه في البحار : ٨ / ٣٠٣ ].
وفي الكتاب المذكور أنّ الني صلىاللهعليهوآله قال : أخبرني عن النار ـ يا أخي جبرئيل ـ حين خلقها الله تعالى ، فقال : إنّه سبحالنه أوقد عليها ألف عام فابيضّت ، ثمّ أوقد عليها بألف عام فاسودّت ، فهي سوداء مظلمة لا يضيء جمرها ، ولا ينطفئ لهبها. والذي بعثك بالحقّ نبيّاً لو أنّ مثل خرق إبرة خرج منها على أهل الأرض لاحترقوا عن آخرهم ، ولو أنّ رجلاً دخل جهنّم ثمّ اُخرج منها لهلك أهل الأرض جميعاً حين ينظرون إليه ، لما يرون به ... الحديث. [ أخرجه في البحار : ٨ / ٣٠٥ ].
١ ـ في الأمالي : جاء إلى الباب.