تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-09-6-X
الصفحات: ٥٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

والمارقين. (١)

روى الحسن وقتادة أنّ الله أكرم نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن لم يره تلك النقمة ، ولم ير في اُمّته إلا ما قرّت به عينه ، وكان بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله نقمة شديدة.

وقد روي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله اُري ما تلقى اُمّته من بعده ، فما زال منقبضاً ولم ينبسط ضاحكاً حتى لقي الله تعالى.

وروى جابر بن عبد الله الأنصاري [ قال ] (٢) : إنّي لأدناهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع بمنى حين (٣) قال : لألفينّكم ترجعون بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنّني في الكتيبة التي تقاتلكم (٤) ، ثمّ التفت إلى خلفه فقال : أو عليّ أو عليّ ـ ثلاث مرّات ـ فرأينا انّ جبرئيل غمزه (٥) ، فأنزل الله على أثر ذلك ( فَإمَّا نَذهَبَنَّ بِكَ فَإنَّا مِنهُم مُنتَقِمُونَ ) (٦) بعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. (٧)

__________________

١ ـ حديث مشهور روي من طريق الخاصّة والعامّة. انظر الأحاديث الغيبيّة : ١ / ٧٢ ـ ٨٠ ح ٣٥ ـ ٣٨ ففيه جملة وافرة من المصادر.

٢ ـ من المجمع.

٣ ـ في المجمع : حتى.

٤ ـ في المجمع : تضاربكم.

٥ ـ انظر في هذا المعنى : أمالي المفيد : ١١٢ ح ٤ ، عنه البحار : ٣٢ / ٣٠٤ ح ٢٦٨.

وأمالي الطوسي : ٢ / ٧٥ ، عنه إثبات الهداة : ١ / ٣٠٩ ح ٢٣٩.

ومناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٢١٩.

وتأويل الآيات : ٢ / ٥٥٩ ح ١٨ ، عنه البحار : ٣٢ / ٣١٣ ح ٢٧٩ ، والبرهان : ٤ / ١٤٤ ح ٤.

٦ ـ سورة الزخرف : ٤١.

٧ ـ مجمع البيان : ٥ / ٤٩ ، عنه البحار : ٩ / ١٥٠ ، وج ٣٢ / ٢٩٠ ح ٢٤٢ وما قبله ، وج ٣٦ / ٢٣ ذ ح ٦.

٣٨١

وقال الشافعي كلاماً معناه : إنّما علم الناس قتال أهل البغي من عليّ عليه‌السلام.(١)

وقال محمد بن الحسن الفقيه : لولا عليّ بن أبي طالب ما علمنا حكم أهل البغي ، ولمحمد بن الحسن كتاب يشتمل على ثلاثمائة مسألة في قتال أهل البغي بناها على فعله صلوات الله عليه ، والأصل في قتال أهل البغي قوله سبحانه : ( وَإن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأصلِحُوا بَينَهُمَا فَإن بَغَت إحدَاهُمَا عَلَى الاُخرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبغِي ... ) (٢) فإذا بغت طائفة من أهل الإسلام على اُخرى وقلنا بوجوب قتالهم للأمر ، فقتال الطائفة الخارجة على إمام الحقّ أولى ، وقد قاتل أمير المؤمنين عليه‌السلام الناكثين والقاسطين والمارقين وهم أهل البصرة وعائشة وطلحة والزبير وعبد الله بن الزبير وغيرهم وهم الناكثون الّذين نكثوا بيعته ، وقاتل أهل الشام معاوية ومن تابعه وهم القاسطون أي الحائرون ؛ وقيل : أهل النهروان وهم الخوارج ، وهؤلاء جميعهم عندنا كفّار محكوم بكفرهم ، لأنّ الإمامة عندنا من شرائط الإيمان كما انّ التوحيد والعدل والنبوّة من أركانه وشروطه ولا يستحق الثواب الدائم إلا به ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا عليّ ، حربك حربي ، وسلمك سلمي » (٣) وهذا الحديث لم يختلف أحد من أهل الاسلام فيه ، وقد رواه أهل الخلاف في صحاحهم. (٤)

____________

١ ـ كنز العرفان للمقداد السيوري : ٣٨٦.

ونقل عن أبي حنيفة قوله : لولا سيرة أمير المؤمنين عليه‌السلام في اهل البغي ما كنّا نعرف أحكامهم. « شرح الأصول الخمسة : ١٤١ ».

٢ ـ سورة الحجرات : ٩.

٣ ـ الإفصاح : ١٢٨ ، تلخيص الشافي : ٢ / ١٣٤ ـ ١٣٥ ، مناقب ابن المغازلي : ٥٠ ، مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٢١٧ ، مناقب الخوارزمي : ١٢٩ ، شرح المقاصد : ٥ / ٣٠٨ ، لسان الميزان : ٢ / ٤٨٣.

٤ ـ رووه بهذا اللفظ : يا عليّ ، أنا حرب لمن حاربك ، وسلم لمن سالمك.

٣٨٢

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما سمع واعيتنا أهل البيت أحد فلم يجيبنا إلا أكبّه الله على منخريه في النار (١). (٢)

وكانت عائشة لمّا اجتمع الناس لقتل عثمان من أعظم المحرّضين عليه ، كانت تقول : اقتلوا نعثلاً (٣) ، قتل الله نعثلاً. وكانت تقول : هذا قميص رسول الله لم يبل وقد بليت سنّته ، وتركته في الفتنة ومضت إلى مكّة ، وكانت تؤلّب عليه وتقول : لا يصلح للخلافة إلا ذو الاصبع ـ يعني طلحة ـ. (٤)

ولمّا سمعت بقتله أقبلت من مكّة قاصدة المدينة ، وفي كلّ منزل تثني على طلحة وترجو أن يكون الأمر له ، فلمّا وصلت إلى مكان في طريق مكّة يقال له « سرف » وسمعت ببيعة علي عليه‌السلام قالت : ردّوني ، وانصرفت راجعة إلى مكّة تنتظر الأمر ، وجعلت تؤلّب على علي عليه‌السلام ، وكاتبت طلحة والزبير وعبد الله بن عامر بن كريز ، فلحقوا بها بعد أن طلبوا من أمير

____________

انظر : مسند أحمد : ٢ / ٤٤٢ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٢ ، سنن الترمذي : ٥ / ٦٥٦ ، المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٤٩ ، تاريخ بغداد : ٧ / ١٣٧ ، مناقب ابن المغازلي : ٦٤ ، أسد الغابة : ٣ / ١١ ، ذخائر العقبى : ٢٥ ، الإحسان : ٩ / ٦١ ، مجمع الزوائد : ٩ / ١٦٩.

١ ـ قال المجلسي رحمه‌الله : لعل المراد أنّ مع سماع الواعية وترك النصرة العذاب أشدّ ، وإلّا فالظاهر وجوب نصرتهم على أيّ حال.

٢ ـ روى الصدوق في الأمالي : ١١٨ ح ٦ قول الحسين عليه‌السلام : فوالّذي نفس الحسين بيده لا يسمع اليوم واعيتنا أحد فلا يعيننا إلا أكبّه الله لوجهه في جهنّم. عنه البحار : ٤٤ / ٢٥٦ ح ٤ ، ومدينة المعاجز : ٢ / ١٧١ ح ٤٧٣ ، وعوالم العلوم : ١٧ / ١٤٧ ح ٣.

٣ ـ قال ابنا الأثير في النهاية : ٥ / ٨٠ : النَعثَل : الشيخ الأحمق. ومنه حديث عائشة : « اقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً » تعني عثمان.

وقال الفيروز آبادي في القاموس المحيط : ٤ / ٥٩ : النَعثَل : الذَكَر من الضباع ، والشيخ الأحمق ، ويهودي كان بالمدينة ، ورجل لِحيانيّ كان يُشبّه به عثمان.

٤ ـ انظر : كشف الغمّة : ١ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ، ونهج الحقّ وكشف الصدق : ٣٦٨ ـ ٣٦٩.

٣٨٣

المؤمنين عليه‌السلام الاذن في المضيّ إلى مكّة.

فقال لهم : ما تريدون بمضيّكم إلى مكّة ، وليس موسم حجّ؟

فقالوا : نريد العمرة.

فقال عليه‌السلام : والله ما تريدون إلا الغدرة ، ثمّ أذن لهم بعد أن أخذ عليهم العهود والمواثيق ، فأدركوا عائشة بمكّة ، وعزموا على قتال أمير المؤمنين ، ونكثوا بيعته ، وأرادوا عبدالله بن عمر على البيعة ، فقال : تريدون أن تلقوني في مخالب عليّ وأنيابه ، لا حاجة لي بذلك.

ثمّ أدركهم يعلى بن منية من اليمن (١) وأقرضهم ستّين ألف دينار ، وأرسلت عائشة إلى اُمّ سلمة تلتمس منها الخروج معها فأبت ، وأمّا حفصة فأجابت ، وصوّبت رأيها ، ثمّ خرجت عائشة في النفر الأوّل عامدة إلى البصرة لكثرة ما بها من أهل النفاق وشيعة بني اُميّة ، حتى إذا كانت بالحوأب وهو ماء على طريق البصرة من مكّة ، صاحت كلابه عليها ، فقالت : ما هذا الماء؟

فقيل : اسمه الحوأب.

فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وكانت قد سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لنسائه : أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبّ (٢) تنبحها كلاب الحوأب؟ (٣)

____________

١ ـ في البحار : قادماً من اليمن.

٢ ـ جَمَلٌ أدَبٌّ : كثير الوَبَر. « المحيط في اللغة : ٩ / ٢٦٧ ـ دب ـ ».

٣ ـ انظر : المصنّف لعبد الرزّاق : ١١ / ٣٦٥ ح ٢٠٧٥٣ ، المعيار والموازنة : ٢٨ ، الفتن لنعيم بن حمّاد : ١ / ٨٣ ح ١٨٨ وص ٨٤ ح ١٨٩ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ١٥ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ح ١٩٦١٧ ، مسند إسحاق بن راهويه : ٣ / ٨٩١ ـ ٨٩٢ ح ١٥٦٩.

ومن أراد المزيد من مصادر هذا الحديث فليرجع إلى الأحاديث الغيبيّة : ١ / ١٣٥ ح

٣٨٤

وروى الأعثم في الفتوح (١) ، وشيرويه في الفردوس ، وابن مردويه في فضائل عليّ ، والموفّق في الأربعين ، وشعبة والشعبي أنّ عائشة لمّا سمعت نباح الكلاب قالت : أيّ ماء هذا؟

فقالوا : الحوأب.

قالت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، إنّي نهيت ، قد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده نساؤه [ يقول ] (٢) : ليت شعري أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدّب [ تخرج ] (٣) وتنبحها كلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها ويسارها قتلى كثيرة ، وتنجو بعدما كادت تقتل؟

ثمّ لم تعتبر بما رأت وسمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لشدّة حنقها وعداوتها لأمير المؤمنين عليه‌السلام حتى قصدت البصرة بخيلها ورجلها.

فلمّا نزلت الخريبة خارج البصرة قصدهم عثمان بن حنيف رضي الله عنه ـ وكان والياً على البصرة من قبل أمير المؤمنين ، فحاربهم حرباً شديداً ، وسمّي ذلك اليوم « يوم الجمل الأوّل » وأصدعهم المصاع ، ومنعهم من دخولها أشدّ المنع ، وعلموا أنّه لا طاقة لهم به ، ثمّ كتب إلى أمير المؤمنين يخبره الخبر ، ثمّ بعد ذلك دعوا عثماناً إلى الصلح على أن يكون على حاله في يده بيت المال والإمرة والجمعة والجماعة والمسجد الجامع ، ويقيموا على حالهم في الخريبة حتى يجمع الناس على أمر فيه صلاح المسلمين ، وإلى أن يصل إليهم أمير

____________

٧٨.

١ ـ الفتوح : ٢ / ٤٦٠.

٢ و ٣ ـ من المناقب.

٣٨٥

المؤمنين عليه‌السلام.

فقال طلحة لأصحابه في السرّ : والله لئن قدم عليّ القبصرة لنؤخذنّ بأعناقنا ، وحثّهم على بيات عثمان ونقض عهده ، فأجابوه وقصدوا عثمان في ليلة مظلمة وهو يصلّي بالناس العشاء الآخرة ، وقتلوا من شرطه خمسين رجلاً ، واستأسروه ، ونتفوال شعر لحيته ، وحلقوا رأسه ، وحبسوه.

وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام قد ولّى على المدينة أخاه سهل بن حنيف ، فلمّا بلغه الخبر كتب إلى عائشة : أعطي الله عهداً لئن لم تخلوا سبيله لابلغنّ من أقرب الناس إليكم ، فأطلقوه ، وبعثت عائشة إلى الأحنف بن قيس تدعوه ، فأبى واعتزل في الجَلحاء على فرسخين من البصرة في ستّة آلاف رجل ، ثمّ بعث طلحة والزبير عبد الله بن الزبير في جماعة إلى بيت المال فقتل أبا سالمة الزطّي وكان على بيت المال ؛ وقيل : معه خمسي رجلاً من أصحابه.

وخرج أمير المؤمنين عليه‌السلام في ستّة آلاف رجل من المدينة ونزل بالربذة ، ومنها إلى ذي قار بالقرب من الكوفة ، وأرسل الحسن وعمّار إلى الكوفة وكتب معهم :

من عبد الله ووليّه عليّ أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة حمية (١) الأنصار وسنام العرب ، ثم ذكر ما تمّ على عثمان وفعل طلحة والزبير [ وعائشة ] (٢) ، ثم قال : ألا إنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها ، وجاشت جيش المرجل ، وقامت الفتنة على القطب ، فأسرعوا إلى أميركم ، وبادروا عدوّكم.

فلمّا بلغوا الكوفة قال أبو موسى الأشعري : يا أهل الكوفة ، اتّقوا الله

__________________

١ ـ في المناقب : جبهة.

٢ ـ من المناقب.

٣٨٦

تقتلوا أنفسكم ، إنّ الله كان بكم رحيماً ( وَمَن يَقتُل مُؤمِناً مُتَعَمِّداً ) (١) الآية ، وجعل يثبّط الناس ، وكان رأساً من رؤساء المنافقين لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكانت عائشة قد أرسلته أن يثبّط الناس عن عليّ عليه‌السلام ، فسكّته عمّار.

فقال أبو موسى : هذا كتاب عائشة تأمرني أن اُثبّط الناس من أهل الكوفة ، وأن لا يكوننّ لنا ولا علينا ليصل إليهم صلاحهم.

فقال عمّار : إنّ الله تعالى أمرها بالجلوس فقامت ، وأمرنا بالقيام لندفع الفتنة فنجلس!! فقام زيد بن صوحان ومالك الأشتر في أصحابهما وتهدّدوه ، فلمّا أصبحوا قام زيد بن صوحان وقرأ : ( الم أحَسِبَ النَّاسُ أن يُترَكُوا أن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لَا يُفتَنُونَ ) (٢) الآيات.

ثمّ قال : أيها الناس ، سيروا إلى أمير المؤمنين ، وانفروا إليه أجمعين ، تصيبوا الحق راشدين.

ثم قال عمار : هذا ابن عم رسول الله يستنفركم فأطيعوه ـ في كلام له ـ.

وقال الحسن بن علي عليهما‌السلام : أجيبوا دعوتنا ، وأعينونا على ما بلينا به ـ في كلام له ـ ، فخرج قعقاع بن عمرو ، وهند بن عمرو ، وهيثم بن شهاب ، وزيد بن صوحان ، والمسيّب بن نجبة ، ويزيد بن قيس ، وحجر بن عديّ ، وابن مخدوج ، والأشتر ، يوم الثالث في تعسة آلاف ، فاستقبلهم أمير المؤمنين على فرسخ ، ووقال : مرحباً بكم أهل الكوفة سنام العرب ، وفئة الإسلام ، ومركز الدين ـ في كلام له ـ وخرج إلى أمير المؤمنين من شيعته من أهل البصرة من

__________________

١ ـ سورة النساء : ٩٣.

٢ ـ سورة العنكبوت : ١ و ٢.

٣٨٧

ربيعة ثلاث آلاف رجل ، وبعث الأحنف إلى أمير المؤمنين : إن شئت جئتك في مائتي فارس فكنت معك ، وإن شئت اعتزلت ببني سعد وكففت عنك ستّة آلاف سيف ، فاختار يا أمير المؤمنين.

ثمّ كتب أمير المؤمنين إلى طلحة والزبير :

أمّا بعد :

فإنّي لم اُرد الناس حتى أرادوني ، ولم اُبايعهم حتى أكرهوني ، وأنتما ممّن أراد بيعتي ، ثم قال عليه‌السلام بعد كلام : ودفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه بعد إقراركما.

البلاذري : قال : لمّا بلغ أمير المؤمنين قولهما : ما بايعناه إلا مكرهين تحت السيف ، قال : أبعدهما الله إلى أقصى دار وأحرّ نار.

وكتب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى عائشة :

أمّا بعد :

فإنّك خرجت من بيتك عاصية لله تعالى ولرسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله تطلبين أمراً كان عنك موضوعاً ، ثمّ تزعمين أنّك تريدين الاصلاح بين المسلمين ، فخبّريني ما للنساء وقود العساكر والاصلاح بين الناس؟ وطلبت كما زعمت بدم عثمان ، وعثمان رجل من بني اُميّة ، وأنت امرأة من بني تيم بن مرّة ، ولعمري إنّ الذي عرّضك للبلاء ، وحملك على العصبيّة ، لأعظم إليك ذنباً من قتلة عثمان ، وما غضبت حتى أُغضبت ، ولا هجت حتى هيّجت ، فاتّقي الله ـ يا عائشة ـ وارجعي إلى منزلك ، واسبلي عليك سترك.

فقال طلحة والزبير : احكم كما تريد ، فلن ندخل في طاعتك.

٣٨٨

وقالت عائشة : لقد جلّ الأمر عن الخطاب ، وأنشأ حبيب بن يساف الأنصاري :

أبا حسن أيقظت من كان نائماً

وما كلّ من يدعو (١) إلى الحق يتبعُ

وإنّ رجالاً بايعـوك وخـالفوا

هواك وأجروا في الضلال وضيّعوا (٢)

وطلحة فيها والزبيـر قرينـة

وليـس لـما لا يدفـع الله مدفعُ

وذكرهم قتل ابن عفّان خدعة

هم قـتـلوه والمـخادع يـخدع

تاريخ الطبري والبلاذري : أنّه ذكر مجيء طلحة والزبير عند الحسن البصري ، فقال : يا سبحان الله! ما كان للقوم أن يقولوا ، والله ما قتله غيركم.

تاريخ الطبري : قال يونس النحوي : فكّرت في أمر عليّ وطلحة والزبير إن كانا صادقين أنّ عليّاً عليه‌السلام قتل عثمان ، فعثمان هالك ، وإن كذبا عليه فهما هالكان.

ثم أنفذ أمير المؤمنين عليه‌السلام زيد بن صوحان وابن عبّاس فوعظاها وخوّفاها.

فأجابتهم : لا طاقة لي بحجج عليّ.

____________

١ ـ في المناقب : وما كان من يدعى.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : وأوضعوا.

٣٨٩

فقال ابن عبّاس : لا طاقة لك بحجج المخلوق ، فكيف طاقتك بحجج الخالق؟ (١)

ولمّا رأى أمير المؤمنين انّ الشيطان قد استحوذ ، وانّ ّالآيات والنذر لا تغني عنهم ، زحف عليه‌السلام بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ستّ وثلاثين ، وعلى ميمنته الأشتر وسعيد بن قيس ، وعلى ميسرته عمّار بن ياسر وشريح بن هانىء ، وعلى القلب محمد بن أبي بكر وعديّ بن حاتم ، وعلى الجناح زياد بن كعب وحجر بن عديّ ، وعلى الكمين عمرو بن الحمق وجندب بن زهير ، وعلى الرجّالة أبو قتادة الأنصاري ، وأعطى رايته محمد بن الحنفيّة ، ثم أوقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة الظهر يدعوهم ويناشدهم ، ويقول لعائشة : إنّ الله أمرك أن تقرّي في بيتك ، فاتّقي الله وارجعي ، ويقول لطلحة والزبير : خبّاتما نساءكما وأبرزتما زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واستغررتماها! (٢)

فيقولان : إنّما جئنا للطلب بدم عثمان ، وأن نردّ الأمر شورى.

واُلبست عائشة درعاً ، وضربت على هودجها صفائح حديد ، واُلبس الهودج أيضاً درعاً ، وكان الهودج يومئذ عند لواء أهل البصرة (٣) وهو على جمل يدعى عسكرا. (٤)

ابن مردويه في كتاب الفضائل : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال للزبير : أما تذكر يوماً كنت مقبلاً بالمدينة تحدّثني إذ خرج رسول الله صلّى الله عليه

__________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ١٤٩ ـ ١٥٣ ، عنه البحار : ٣٢ / ١١٧ ح ٩٤.

٢ ـ في المناقب : واستفززتماها.

٣ ـ في المناقب : وكان الهود لواء أهل البصرة.

٤ ـ إلى هنا رواه في أنساب الأشراف : ٢ / ٢٣٩.

٣٩٠

وآله فرآك معي وأنت تتبسّم إليّ ، فقال : يا زبير ، أتحبّ عليّاً؟

فقلت : وكيف لا اُحبّه وبيني وبينه من النسب والمودّة في الله ما ليس لغيره؟!

فقال : إنّك ستقاتله وأنت ظالم له.

فقلتَ : أعوذ بالله من ذلك.

فقال : اللهم نعم.

فقال : أجئت تقاتلني؟

فقال : أعوذ بالله من ذلك.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : دع هذا ، بايعتني طائعاً ، ثم جئت محارباً ، فما عدا ممّا بدا؟!

فقال : لا جرم والله لا قاتلتك.

قال : فلقيه عبدالله ابنه ، فقال : جُبناً جُبناً.

فقال : يا بنيّ ، قد علم الناس أنّي لست بجبان ، ولكن ذكّرني عليّ شيئاً سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحلفت [ أن ] (١) لا اُقاتله.

فقال : دونك غلامك فلان فأعتقه كفّارة عن يمينك.

فقالت عائشة : لا والله ، [ بل ] (٢) خفت سيوف ابن أبي طالب ، فإنّها طوال حداد ، تحملها سواعد أنجاد (٣) ، ولئن خفتها فقد خافها الرجال من قبلك ، فرجع

____________

١ و ٢ ـ من المناقب.

٣ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : أمجاد.

ورجل نَجدٌ : شجاع ماض فيما يعجز عنه غيره ؛ وقيل : هو الشديد البأس ؛ وقيل : هو

٣٩١

إلى القتال.

فقيل لأمير المؤمنين : إنّه قد رجع.

فقال : دعوه ، فإنّ الشيخ محمول عليه.

ثم قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أيّها الناس ، غضّوا أبصاركم ، وعضّوا على نواجذكم ، وأكثروا من ذكر ربّكم ، وإيّاكم وكثرة الكلام فإنّه فشل.

ونظرت إليه عائشة وهو يجول بين الصفّين ، [ فقالت : ] (١) انظروا إليه فإنّه يفعل كفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر.

فقال أمير المؤمنين : يا عائشة ، عمّا قليل لتصبحنّ نادمين.

فجدّ الناس في القتال ، فنهاهم أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : اللّهمّ أعذرت وأنذرت ، فكن لي عليهم من الشاهدين ، ثم أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم ( وَإن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمِنِينَ اقتَتَلُوا ) (٢) الآية.

فقال مسلم المجاشعي : هاأنذا يا أمير المؤمنين ، فخوّفه أمير المؤمنين بقطع يمينه وشماله وقتله.

فقال : لا عليك يا أمير المؤمنين ، فهذا قليل في ذات الله ، فأخذوه وهو يدعوهم إلى الله فقطعوا (٣) يده اليمنى ، فأخذ المصحف بيده اليسرى فقطعت ، فأخذه بأسنانه فقتل رضي الله عنه ، فقالت اُمّه :

__________________

السريع الإجابة إلى ما دُعي إليه. « لسان العرب : ٣ / ٤١٧ ـ نجد ».

١ ـ من المناقب.

٢ ـ سورة الحجرات : ٩.

٣ ـ في المناقب : فأخذه ودعاهم إلى الله فقطعت.

٣٩٢

يا ربّ إنّ مسـلماً أتاهم

بمحكم التنزيل إذ دعاهم

يتلو كتاب الله لا يخشاهم

فرمّلوه رمّلـت لحـاهم

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الآن طاب الضراب ، ثم قال لابنه محمد بن الحنفيّة والراية في يده : يا بنيّ ، تزول الجبال ولا تزول ، عضّ على ناجذك ، أعر الله جمجمتك ، تد في الأرض قدميك ، ارم ببصرك أقصى القوم وغضّ بصرك ، واعلم أنّ النصر من عند الله (١) ، ثمّ صبر سويعة ، فصاح الناس من كلّ جانب من وقع النبال.

فقال أمير المؤمنين : تقدّم يا بنيّ ، وقال :

اطعن بها طعن أبيك تحمد

لا خير في حـرب إذا لم توقد

بالمشرفي والقـنا [ المسدّد

والضرب بالخطيّ ] (٢) والمهنّد (٣)

وروي أن امير المؤمنين عليه‌السلام لمّا دفع الراية إلى ابنه محمد يوم الجمل وقال : تزول الجبال ولا تزول ـ الكلام المتقدّم ـ ، ثم قال : احمل ، فتوقّف محمد قليلاً ، فقال أمير المؤمنين : احمل.

فقال : يا أمير المؤمنين ، أما ترى السهام كأنّها شآبيب المطر؟

فدفع أمير المؤمنين في صدره وقال : أدركك عرق من اُمّك ، ثمّ أخذ عليه‌السلام الراية منه وهزّها وأنشد الأبيات المتقدّمة ، ثم حمل عليه‌السلام ، وحمل الناس خلفه ، ففرّق عسكر البصرة كما تتفرّق الغنم من سطوة الذئب ، ثمّ رجع

____________

١ ـ نهج البلاغة : ٥٥ خطبة رقم ١١ ، عنه البحار : ٣٢ / ١٩٥ ح ١٤٤ ، وج ١٠٠ / ٣٩ ح ٤١.

٢ ـ من المناقب.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ١٥٣ ـ ١٥٥ ، عنه البحار : ٣٢ / ١٧٢ ح ١٣٢.

٣٩٣

عليه‌السلام ودفع الراية إلى محمد ، وقال له : امح الاولى بالاُخرى وهؤلاء الأنصار معك ، وضمّ إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من البدريّين ، فحمل حملات منكرة ، وأبلى بلاء حسناً ، وقتل خلقاً كثيراً ، وصيّر عسكر الجمل كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف ، ورجع إلى أمير المؤمنين.

فقال خزيمة بن ثابت : أما إنّه لو كان غير محمد لافتضح.

وقال الأنصار : لولا ما نعلم من جعل الإمامة للحسن والحسين لما قدّمنا على محمد أحداً.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أين النجم من الشمس والقمر؟ أين نفع ابني من ابنيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

وأنشأ خزيمة بن ثابت رضي الله عنه يقول :

محمّد ما في عودك اليوم وضمة

ولا كنت في الحرب الضروس معرّدا (١)

أبوك الّذي لم يركب الخيل مثله

عـلـيّ وسمـّـاك النـبي محـمّدا

وانت بحمد الـله أطـول هاشم

لساناً وأنـداها بـما مـلكـت يدا

سوى أخويك السيّـدين كلاهما

إمام الورى والـداعيان إلى الـهدى

____________

١ ـ التعريد : الفِرار ، وقيل : سرعة الذهاب في الهزيمة. « لسان العرب : ٣ / ٢٨٨ ـ عرد ـ ».

٣٩٤

قيل لمحمد بن الحنفيّة : لِمَ كان أبوك يغرر بك في الحرب ولم يغرر بالحسن والحسين؟

قال : لأنّهما عيناه وأنا يمينه ، فهو يدفع عن عينيه بيمينه. (١)

وروي أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه أمر الأشتر أن يحمل ، فحمل وقتل هلال بن وكيع صاحب ميمنة الجمل ، وكان زيد بن صوحان يحمل ويقول :

ديني ديني وبيعتي بيعتي. (٢)

وجعل مخنف بن سليم (٣) يقول :

قد عشت يا نفس وقد غنيت

دهراً وقبل اليوم ما عييت

وبعد ذا لا شـك قـد فنيت

أما مللت طول ما حيـيت

فخرج عبد الله بن اليثربي يقول :

يا ربّ إنّي طالب أبا الحسن

ذاك الّذي يعرف حقّاً بالفتن

فبرز إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام قائلاً :

__________________

١ ـ أورده في شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٤٤ باختلاف يسير ، عنه البحار : ٤٢ / ٩٩. وفي ذوب النضار لابن نما ـ بتحقيقنا ـ : ٥٥.

وأورده في كشف الغمّة : ٢ / ٢٥ بهذا اللفظ : قيل لمحمد بن الحنفيّة رحمه‌الله : أبوك يسمح بك في الحرب ويشحّ بالحسن والحسين عليهما‌السلام!!

فقال : هما عيناه وأنا يده ، والانسان يقي عينيه بيده.

وقال مرّة اُخرى ـ وقد قيل له ذلك ـ : أنا ولده وهما ولدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عنه البحار : ٤٢ / ٩٦ ح ٢٧.

٢ ـ في المناقب : وبيعي بيعي.

٣ ـ كذا في البحار ، ,في الأصل والمناقب : مسلم.

وهو مخنف بن سليم الأزدي ، ابن خالة عائشة. راجع رجال الطوسي : ٥٨ رقم ١٢.

٣٩٥

إن كنت تبغي أن ترى أبا الحسن

فاليوم تلقاه مليّاً فاعلمن

وضربه ضربة فقتله.

فخرج بنو ضبّة وجعل بعضهم يقول :

نحن بنو ضبّة أعداء عليّ

ذاك الذي يعرف فيهم بالوصيّ

وقال آخر منهم :

نحن بنو ضبّة أصحاب الجمل

والموت أحلى عندنا من العسل

ردّوا علينا شيخـنا بـمر تحل

إنّ عليّاً بعد مـن شـرّ النـذل

وقيل : إنّ ابن اليثربي عمرو ـ أخوه عبدالله المذكور ـ يقول :

إن تنكروني فأنا ابن اليثربي

قاتل علباء ثم (١) هند الجملي

ثمّ ابن صوحان على دين عليّ

فبرز إليه عمّار رضي الله عنه قائلاً :

لا تبرح العرصة يا ابن اليثربي

اثبت اُقاتلك على دين عليّ

فأرداه عمّار عن فرسه وجرّ برجله إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقتله بيده.

فخرج أخوه أيضاً قائلاً :

أضربكم ولو أرى عليّا

عمّمته أبيض مشرفـيّا

وأسمراً عنطنطاً خطيّا (٢)

اُبكي عليه الولد والوليّا


__________________

١ ـ في المناقب : يوم.

٢ ـ الأسمر : الرمح وعنطنط : الطويل. والخَطُّ : مرفأ السفن بالبحرين تنسب إليه الرماح.

٣٩٦

فخرج إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام متنكّراً وهو يقول :

يا طالباً في حربه عليّا

يمنحه (١) أبيض مشرفيّا

اثبت لتلقاه (٢) بها مليّا

مهذّباً سميدعاً (٣) كمـيّا

فضربه فرمى بنصف رأسه ، فنادى عبد الله بن خلف الخزاعي صاحب منزل عائشة بالبصرة لعليّ : أتبارزني؟

فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ما أكره ذلك ، ولكن ويحك يا ابن خلف ما راحتك في القتل وقد علمت من أنا؟

فقال : ذرني من بذخك يا ابن أبي طالب ، ثم قال :

إن تدن منّي يا عليّ فترا

فإنّنـي دان إلـيك شـبرا

بصارم يسقيك كأساً مرّا

إن في صدري عليك وترا

فبرز إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام قائلاً :

يا ذا الذي تطلب منّي الوترا

إن كنت تبغي أن تزور القبرا

حقّاً وتُصلّى بعد ذاك جمرا

فادن تجدني أسـداً هـزبـرا

اُذيقك (٤) اليوم ذعافاً صبرا

فضربه أمير المؤمنين عليه‌السلام فطيّر جمجمته.

__________________

١ ـ في المناقب : يمنعه.

٢ ـ في المناقب : ستلقاه.

٣ ـ السميدع : السيد الشريف السخيّ والشجاع.

٤ ـ في المناقب : اصعطك.

واصعطه : أي أدخله في أنفه. والذعاف : السمّ الذي يقتل من ساعته.

٣٩٧

فخرج مازن الضبي قائلاً :

لا تطمعوا في جمعنا المكلّل

الموت دون الجمل المجلّل

فبرز إليه عبد الله بن نهشل قائلاً :

إن تنكروني فأنا ابن نهشل

فارس هيجاء وخطب فيصل

فقتله.

وكان طلحة يحثّ الناس ويقول : عباد الله ، الصبر الصبر ـ في كالم له ـ. (١)

قال (٢) : وكان مروان بالقرب منه ، فقال : والله لا أطلب أثراً بعد عين ، ما أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم ابداً ، فرمى طلحة بسهم فأصاب ركبته ، والتفت إلى أبان بن عثمان ، وقال : لقد كفيتك أحد قتلة أبيك.

وفي ذلك يقول السيد الحميري من جملة قصيدته :

واغتر طلحة عند مختلف القنا

عبل الذراع شديد عـظـم (٣) المنكب

فاخـتل حبّـة قلـبه بـمدلق

ريان مـن دم جـوفـه المـتصبّب

في مارقين من الجماعة فارقوا

دين الهدى وحيا (٤) الربيع المخصب

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ١٥٥ ـ ١٥٧ ، عنه البحار : ٣٢ / ١٧٥ ـ ١٧٧.

٢ ـ نقله ابن شهراشوب عن البلاذري في أنساب الأشراف : ٢ / ٢٤٦.

٣ ـ في المناقب : أصل.

٤ ـ في المناقب : باب الهدى وجباء.

والجباء : الحوض.

٣٩٨

وكانت بنو ضبّة مكتنفي الجمل ، فحمل أمير المؤمنين عليه‌السلام عليهم فكانوا كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف ، وكان كلّ من استقبل قبض على زمام الجمل ، وانصرف الزبير فتبعه عمرو بن جرموز فقتله ، وأتى برأسه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ... القصّة.

فقالوا العامّة : قتل طلحة والزبير وخرج عبدالله بن عامر ، وقال : يا عائشة ، صافحي عليّاً على يدي. (١)

فقالت : كبر (٢) عمرو عن الطوق ، وجلّ أمر عن العتاب ، ثمّ تقدّمت.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وجعل يخرج واحد بعد واحد ويأخذ الزمام حتى قطع أيدي ثمانية وتسعين رجلاً ، ثمّ تقدّمهم كعب بن سور الأزدي ـ وكان قاضياً على البصرة ـ وهو يقول :

يا معشر الناس عليكـم اُمّكم

فإنّها صـلاتكم وصـومـكم

والحرمة العظمى التي تعمّكم

لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم

فقتله الأشتر.

فخرج وائل بن كثير باكياً مرتجزاً :

يا ربّ فارحم سيّد القبائل

كعب بن سور غرّة الأوائل

__________________

١ ـ في المناقب : فقالوا : يا عائشة ، قتل طلحة والزبير وجرح عبدالله بن عامر من يدي علي ، فصالحي عليّاً.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : شب.

قال في القاموس المحيط : ٣ / ٢٥٩ ـ طوق ـ : « كَبِرَ عمروٌ عَن الطَوقِ » يضرب لمُلابس ما هو دون قدره ، وهو عمرو بن عديّ ...

٣٩٩

فقتله الأشتر أيضاً.

فخرج ابن جبير الأسدي (١) يقول :

قد وقع الأمر بما لا يحذر

والنبل يأخذن وراء العسكر

واُمّنا في خدرها المشهر

فبرز إليه الأشتر قائلاً :

اسمع ولا تعجل جواب الأشتر

واقرب تلاقي كأس موت أحمر

ينسيك ذكر الهودج (٢) المشهر

فقتله ، ثمّ قتل عمير الغنوي و عبدالله بن عتاب بن اُسيد ، ثمّ جال في الميدان جولاً وهو يقول :

نحن بنو الموت به غذينا

فخرج إليه عبدالله بن الزبير فطعنه الأشتر فأرداه ، وجلس على صدره ليقتله ، فصاح عبدالله : اقتلوني ومالكاً ، واقتلوا مالكاً معي ، وقصدوه (٣) من كلّ جانب فخلاه وركب فرسه ، فلمّا رأوه راكباً تفرّقوا عنه ؛ وقيل : إنّه فرّ من تحت الأشتر و في ذلك يقول :

أعايش لولا أنّني كنتُ طاوياً

ثلاثاً (٤) لألفيت ابنَ اُختك هالِكاً

__________________

١ ـ في المناقب : ابن جفير الأزدي.

٢ ـ في المناقب : الجمل.

٣ ـ في المناقب : فقصد إليه.

٤ ـ قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ١ / ٦٣ ـ ٦٤ : وكان الأشتر طاوياً ـ أي جائعاً ـ ثلاثة أيّام لم يطعم ، وهذه عادته في الحرب.

٤٠٠