تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-09-6-X
الصفحات: ٥٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

بكثرة العبادة ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا أعرفه ، فإذا هو قد طلع.

فقالوا : هو هذا.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي لأرى بين عينيه سفعة (١) من الشيطان ، فلمّا رآه قال : هل حدّثتك نفسك إذ طلعت علينا إنّه ليس في القوم مثلك؟

قال : نعم ، ثمّ دخل المسجد فوقف يصلّي ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا رجل يقتله؟ فجرّد (٢) أبو بكر عن ذراعيه وصمد نحوه فرآه راكعاً ، فقال : أقتل رجلاً يركع ويقول : لا إله إلا الله!

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لستَ بصاحبه.

ثم قال : ألا رجل يقتله؟ فقام عمر فرآه ساجداً ، فقال : أقتل رجلاً يسجد ويقول : لا إله إلا الله!

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اجلس فلستَ بصاحبه ، قم يا عليّ ، فإنّك أنت قاتله ، فمضى وانصرف ، فقال : ما رأيته.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إنّه لو قتل لكان أوّل فتنة وآخرها.

وفي رواية : هذا أوّل قرن يطلع في اُمّتي لو قتلتموه ما اختلف بعدي اثنان.

وقال ابن عبّاس : أنزل الله فيه ( ثَانِيَ عِطفِهِ لِيُضِلََّ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي

__________________

١ ـ السفعة : العلامة.

٢ ـ في المناقب : فحسر.

٤٦١

الدُّنيا خِزيٌ ـ القتل ـ وَنُذِيقُهُ يَومَ القِيَامَةِ عَذَابَ الحَرِيقِ ) (١) بقتاله أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ثم إنّهم أتوا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ورؤساؤهم زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير التميمي ـ الذي تقدّم ذكره وهو ذو الثديّة ـ وقالوا : لا حكم إلا بالله.

فقال عليه‌السلام : كلمة حقّ يراد بها باطل.

قال حرقوص : فتب من خطيئتك ، وارجع عن فعلتك (٢) ، واخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم حتى نلقى ربّنا.

فقال عليه‌السلام : قد أردتكم على ذلك فعصيتموني ، وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتاباً وشروطاً ، وأعطيناهم عليها عهوداً ومواثيقاً ، وقد قال الله سبحانه : ( وَأوفُوا بِعَهدِ اللهِ إذَا عَاهَدتُم ) (٣).

فقال حرقوص : فذلك ذنب ينبغي أن تتوب عنه.

فقال أمير المؤمنين : ما هو ذنب ، ولكنّه عجز من الرأي ، وضعف في العقل ، وقد تقدّمت ونهيتكم عنه.

فقال ابن الكوّاء : الآن صحّ عندنا أنّك لستَ بإمام ، ولو كنتَ إماماً لما رجعت.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا ويلكم ، قد رجع رسول الله صلّى الله

____________

١ ـ سورة الحج : ٩.

٢ ـ في المناقب : قصّتك.

٣ ـ سورة النحل : ٩١.

٤٦٢

عليه وآله عام الحديبيّة عن قتال أهل مكّة ، ففارقوا أمير المؤمنين عليه‌السلام وقالوا : لا حكم إلا لله ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وكانوا اثني عشر ألف رجل من أهل الكوفة والبصرة وغيرهما ، ونادى مناديهم أنّ أمير القتال شبث بن ربعي ، وأمير الصلاة عبد الله بن الكوّاء ، والأمر شورى بعد الفتح ، والبيعة لله على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وخرجوا من الكوفة إلى المدائن ، ثمّ إلى النهروان ، واستعرضوا الناس ، وقتلوا عبد الله بن خبّاب بن الارت ، وكان عامل أمير المؤمنين عليه‌السلام على النهروان.

فقصدهم أمير الؤمنين عليه‌السلام وأرسل إليهم ابن عبّاس ، وقال : امض إلى هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه ، ولماذا اجتمعوا؟ فلمّا وصل إليهم قالوا : ويلك يا ابن عبّاس أكفرت كما كفر صاحبك علي بن أبي طالب؟!

وخرج خطيبهم عتّاب بن الأعور الثعلبي ، فقال ابن عبّاس : من بنى الاسلام؟ قال : الله ورسوله.

قال : فالنبيّ أحكم اُموره وبيّن حدوده أم لا؟

قال : بلى.

قال : فالنبيّ بقي في دار الاسلام أم ارتحل؟

قال : بل ارتحل.

قال : فاُمور الشرع ارتحلت معه أم بقيت بعده؟

قال : بل بقيت.

قال : فهل أحد قام بعمارة ما بناه؟

قال : نعم.

٤٦٣

قال : من هو؟

قال : الذرّيّة والصحابة.

قال : فعمّروها أم خرّبوها؟

قال : بل عمّروها.

قال : فالآن هي معمورة أم خراب؟

قال : بل خراب.

قال : خرّبها ذرّيّته أم اُمّته؟

قال : بل اُمّته.

قال : أنت من الذرّيّة أم من الاُمّة؟

قال : من الاُمّة.

قال : أنت من الاُمّة وخرّبت دار الاسلام ، فكيف ترجو الجنّة؟ ـ وجرى بينهما كلام كثير ـ ثمّ حضر أمير المؤمنين عليه‌السلام بمائة رجل ، فلمّا قابلهم خرج إليه ابن الكوّاء في مائة رجل ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنشدكم بالله هل تعلمون حيث رفعوا المصاحف فقلتم : نجيبهم إلى كتاب الله ، فقلت لكم : إنّي أعلم بالقوم منكم ـ وذكر مقاله إلى أن قال ـ فلمّا أبيتم إلى الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحييها ما أحيا القرآن ، وأن ميتا ما أمات القرآن ، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكمه ، وإن أبيا فنحن منه (١) براء.

__________________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : منهم.

٤٦٤

قالوا : أخبرنا أتراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء (١)؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : نحن ليس الرجال حكّمنا ، وإنّما حكّمنا القرآن ، والقرآن إنّما هو خطّ مسطور بين دفّتين لا ينطق ، وإنّما يتلكّم به الرجال.

قالوا : فأخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينك وبينهم؟

قال : ليعلم الجاهل ، ويثبت العالم ، ولعلّ الله يصلح في هذه المدّة هذه الاُمّة ، وجرت بينهم مخاطبات وجعل بعضهم يرجع ، فأعطى أمير المؤمنين عليه‌السلام راية أمان مع أبي أيّوب الأنصاري رضي الله عنه. فنادى أبو أيّوب : من جاء إلى هذه الراية ، وفارق الجماعة فهو آمن ، فرجع منهم ثمانية آلاف رجل فأمرهم أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يتميّزوا منهم ، وأقام الباقون على الخلاف.

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام استنفر الناس فلم يجيبوه ، فقال :

أمرتكم أمري بمنعرج اللوى

فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغدِ

ثمّ استنفرهم فنفر معه ألفا رجل يقدمهم عديّ بن حاتم وهو يقول :

إلى شرّ خلق من شراة تحزّبوا

وعادوا إله الناس ربّ المشارق

ثمّ توجّه أمير المؤمنين نحوهم ، وكتب إليهم على يد (٢) عبد الله بن أبي عقب ، وفيها : والسعيد من سعدت به رعيّته ، والشقيّ من شقيت به رعيّته ، وخير

____________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : الدنيا.

٢ ـ في المناقب : يدي.

٤٦٥

الناس خيرهم لنفسه ، وشرّ الناس شرّهم لنفسه ، وليس بين الله وبين أحد قرابة ، و ( كُلُُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ ) (١).

فلمّا وصل إليهم أمير المؤمنين عليه‌السلام استعطفهم فأبوا إلا قتاله ، وتنادوا أن دعوا مخاطبة عليّ وأصحابه وبادروا إلى الجنّة ، وصاحوا : الرواح الرواح إلى الجنّة ، وأمير المؤمنين يعبّئ أصحابه ونهاهم أن يتقدّم إليهم أحد.

فكان أوّل من تقدّم من الخوارج أخنس بن العيزر (٢) الطائي ، وجعل يقول :

ثمانون من حيي جديلة قـتّـلوا

على النهر كانوا يخضبون العواليا

ينـادون لا لا حكم إلا لـربّنـا

حنـانـيك فاغفر حوبنا والمساويا

هم فارقوا من جار في الله حكمه

فكلّ إلـى (٣) الرحمن أصبح ثاويا

فقتله أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وخرج عبد الله بن وهب الراسبي ، وقال :

أنا ابن وهب الراسبي الشاري

أضرب في القوم لأخذ الثار

حتـى تـزولـه دولة الأشرار

ويرجـع الحقّ إلى الأخيار

فقُتل.

وخرج مالك بن الوضّاح قائلاً :

إنّي لبائع ما يفنى بباقية

ولا اُريد لدى الهيجاء تربيضا

____________

١ ـ سورة المدّثر : ٣٨.

٢ ـ في المناقب : العيزار ، وفي البحار : العزير.

٣ ـ في المناقب : على.

٤٦٦

وخرج إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام الوضّاح بن الوضّاح من جانب ، وابن عمّه حرقوص من جانب ، فقتل الوضّاح ، وضرب ضربة على رأس حرقوص فقطعه ، ووقع [ رأس ] (١) سيفه على الفرس فشرد وأرجله في الركاب حتى أوقعه في دولاب خراب فصارت الحروريّة كرمادٍ اشتدّت به الريح في يوم عاصفٍ.

وكان المقتولون من عسكر أمير المؤمنين عليه‌السلام : رؤبة بن وبر البجلي ، ورفاعة بن وائل الأرحبي ، والفياض بن خليل الأزدي ، وكيسوم بن سلمة الجهني ، وحبيب بن عاصم الأزدي ، إلى تمام تسعة ، وانفلت من الخوارج تسعة ، كما أخبر أمير المؤمنين عليه‌السلام في بدء الأمر ، فقال : إنّهم لا يقتلون منّا عشرة ، ولا يسلم منهم عشرة. (٢)

أبو نعيم الأصفهاني : عن سفيان الثوري أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أمر أن نفتّش على المُخدَج بين القتلى وفلم نجده.

فقال رجل : والله ما هو فيهم.

____________

١ ـ من المناقب.

٢ ـ انظر : الكامل للمبرّد : ٣ / ١٠٢ ، مقتل الامام أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا : ٢٢ ، الفتوح لابن أعثم : ٤ / ١٢٠ ، الهداية الكبرى : ١٣٧ ، كمال الدين : ١ / ١٢٠ ، نهج البلاغة : ٩٣ خطبة رقم ٥٩ ، المحاسن والمساوئ : ٣٨٥ ، السنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ١٥٨ ، تاريخ بغداد : ١٤ / ٣٦٥ ، مناقب ابن المغازلي : ٤٠٦ ، البدء والتاريخ : ٥ / ٢٢٤ ، مناقب الخوارزمي : ٢٦٣ ح ٢٤٥ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٧٣ ، إعلام الورى : ١٧٣ ، الخرائج والجرائح : ١ / ٢٢٨ ، الكامل في التاريخ : ٣ / ٣٤٥ ، مطالب السؤول : ١٣٢ ، الفخري : ٩٥ ، كشف الغمّة : ١ / ٢٧٤ ، مشارق أنوار اليقين : ٨٠ ، مجمع الزوائد : ٦ / ٢٤١ ، كنز العمّال : ١١ / ٢٩٠.

٤٦٧

فقال صلوات الله عليه : والله ما كذبت ولا كذّبت.

وروي (١) أنّ أمير المؤمنين قال : اطلبوا المُخدَج.

فقالوا : لم نجده.

فقال : والله ما كذبت ولا كذّبت ، يا عجلان : ائتني ببغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأتاه بالبغلة ، فركبها وجال في القتلى ، [ ثم ] (٢) قال : اطلبوه هاهنا.

قال : فاستخرجوه من تحت القتلى في نهر وطين ، فسجد أمير المؤمنين شكراً لله.

تاريخ القمّي : إنّه رجل أسود ، عليه قريطق ، مُخدَج اليد (٣) ، أحد ثدييه كثدي المرأة ، عليه شعيرات مثل شعيرات تكون على ذنب اليربوع (٤).

وفي مسند الموصلي : حبشيّ [ مثل البعير ] (٥) في منكبه مثل ثدي المرأة ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : صدق الله ورسوله.

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : من يعرف هذا؟ فلم يعرفه أحد.

____________

١ ـ انظر : سنن أبي داود : ٤ / ٢٤٥ ، صحيح مسلم : ٧٤٩ ذح ١٥٦.

٢ ـ من المناقب.

٣ ـ قريطق : تصغير قرطق ، وهو قباء. ومُخدَجُ اليد : ناقصها.

٤ ـ اليَربوعُ : حيوان صغير على هيئة الجُرَذ الصغير ، وله ذنب طويل ينتهي بخصلة من الشعر ، وهو قصير اليدين طويل الرجلين. « المعجم الوسيط : ١ / ٣٢٥ ».

٥ ـ من المناقب.

٤٦٨

فقال رجل : أنا رأيت هذا بالحيرة فقلت : إلى أين تريد؟

فقال : هذه ، وأشار إلى الكوفة ، وما لي بهذا (١) معرفة.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : صدق ، هو من الجانّ.

وفي رواية : هو من الجنّ.

وفي مسند الموصلي : من زعم من الناس أنّه رآه قبل مصرعه فهو كاذب.

وفي مسند أحمد : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : أما إنّه أخبرني خليلي بثلاثة إخوة من الجنّ هذا أكفرهم (٢) ، والثاني له جمع كثير ، والثالث فيه ضعف.

وفي رواية عن سعد بن أبي وقّاص : هو شيطان الردهة (٣).

وإلى هذا أشار أمير المؤمنين في خطبته القاصعة (٤) : ألا وقد أمرني الله سبحانه بقتال أهل البغي والنكث والفساد في الأرض ، فأمّا الناكثون فقد قاتلت ، وأمّا القاسطون فقد جاهدت ، وأمّا المارقة فقد دوّخت ، وأمّا شيطان الردهة فقد كفيته بصعقةٍ سمعت لها وجبة قلبه ورجّة صدره (٥).

____________

١ ـ في المناق : بها.

٢ ـ في المناقب : أكبرهم.

٣ ـ الرَدهة : النُقرة في الجبل قد يجتمع فيها الماء ، وشيطان الرَدهة : ذو الثَدِيّة وُجِد مقتولاً في ردهة.

٤ ـ نهج البلاغة : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ خطبة رقم ١٩٢.

٥ ـ الصَعقة : الغشيّة تصيب الانسان من الهول. ووجبة القلب : اضطرابه وخفقانه. ورجّة الصدر : اهتزازه وارتعاده.

٤٦٩

[ للحميري : ] (١)

إنّي أدينُ بما دان الوصيُّ به

يوم الخُرَيبة (٢) من قتل المحلّينا

وما به دان يوم النهر دنت به

وبايعت كَفّه كفّي بصفّينا

في سفكِ ما سفكت فيها إذا حضروا

وأبرزَ الله للقسط المَوازينا

تلك الدماء معاً يا ربّ في عنقي

ثمّ اسقِني مثلَها آمينَ آمينا (٣)

الحميري :

ومارقة في دينهم فارقوا الهدى

ولم يأتلوا بغياً عليه وحكّموا

سطوا بابن خبّاب وألقى بنفسه

وقتل ابن خبّاب عليهم محرّم

فلمّا أبوا في الغيّ إلا تمادياً

سما لم عبل الذراعين ضيغم

فأضحوا كعادٍ أو ثمود كأنّما

تساقوا عقاراً أسكرتهم فنوّموا (٤)

ثمّ لمّا انقضى أمر الخوارج عليهم اللعنة خاض الناس في أمر الحكمين ، فقال بعض الناس ، ما يمنع أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يأمر بعض أهل بيته فيتكلّم؟

فقال للحسن عليه‌السلام : قم فتكلّم في هذين الرجلين : عبد الله بن قيس ، وعمرو بن العاص.

____________

١ ـ من المناقب.

٢ ـ الخريبة : موضع بالبصرة كانت فيه واقعة الجمل.

٣ ـ العقد الفريد : ٣ / ٢٨٥ ، الأغاني : ٧ / ٢٧٣ ، أعيان الشيعة : ٣ / ٤١٦ ، ديوان السيّد الحميري : ٤١٨.

٤ ـ ديوان السيّد الحميري : ٣٧٢.

٤٧٠

فقام الحسن عليه‌السلام ، فقال : أيّها الناس ، إنّكم قد أكثرتم في أمر عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص ، وإنّما بعثناهما (١) ليحكما بكتاب الله فحكما بالهوى على الكتاب ، ومن كان هكذا لم يسمّ حكماً ولكنّه محكوم عليه ، وقد أخطأ عبد الله بن قيس إن أفضى (٢) بها إلى بعد الله بن عمر ، فأخطأ في ذلك في ثلاث خصال : في أنّ أباه لم يرضه لها ، وفي أنّه لم يستأمره ، وفي أنّه لم يجتمع عليه الأنصار والمهاجرون الذين نفذوها لمن بعده ، وإنّما الحكومة فرض من الله ، وقد حكّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سعداً في بني قريظة لحكم فيهم بحكم الله لا شكّ فيه ، فأنفذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حكمه ولو خالف ذلك لم يجزه ، ثمّ جلس.

ثمّ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عبّاس : قم فتكلّم.

فقام ، وقال : أيها الناس ، إنّ للحقّ أهلاً أصابوه بالتوفيق والناس بين راضٍ به وراغب عنه ، وإنّما بعث عبد الله بن قيس لهدىً من ضلالة ، وبعث عمرو لضلالة من هدى (٣) ، فلمّا التقيا رجع عبد الله عن هداه وثبت عمرو على ضلالته ، والله لئن حكما بالكتاب لقد حكما عليه ، وإن حكما بما اجتمعا عليه معاً ما اجتمعا على شيء ، وإن كانا قد حكما بما سارا إليه لقد سار عبد الله وإمامه عليّ ، وسار عمرو وإمامه ومعاوية ، فما بعد هذا من غيب ينتظر ، ولكنّهم سئموا الحرب وأحبّوا البقاء ، ودفعوا البلاء ، ورجا كلّ قوم صاحبهم.

____________

١ ـ في المناقب : بعثا.

٢ ـ في المناقب : أوصى.

٣ ـ في المناقب : بهدى إلى ضلالة ... بضلالة إلى الهدى.

٤٧١

ثم قال عليه‌السلام لعبد الله بن جعفر : قم فتكلّم.

فقام عبد الله ، وقال : أيها الناس ، إنّ هذا الأمر كان النظر فيه إلى عليّ عليه‌السلام والرضى فيه لغيره فجئتم بعبد الله بن قيس فقلتم : لا نرضى إلا بهذا فارض به فإنّه رضانا ، وأيم الله ما استفدنا علماً ، ولا انتظرنا منه غائباً ، ولا أمّلنا ضعفه ، ولا رجونا به صاحبه ، ولا أفسدا بما عملا العراق ، ولا أصلحا الشام ، ولا أماتا حقّ عليّ ، ولا أحييا باطل معاوية ، ولا يذهب الحقّ رقية راقٍ ولا نفحة الشيطان ، وإنّا اليوم على ما كنّا عليه أمس ، وجلس.

ومن كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) : ألاّ ومن دعا إلى هذا الشعار (٢) فاقتلوه ، ولو كان تحت عمامتي هذه ، فإنّما حُكّم الحكمان ليحييا ما أحيى القرآن ، ويميتا ما أمات القرآن ، وإحياؤه الاجتماع عليه ، وإماتته الافتراق عنه ، فإن جرّنا القرآن إليهم اتّبعناهم ، وإن جرّهم إلينا اتّبعونا ، فلم آت ـ لا أبا لكم ـ بُجراً ، ولا ختلتكم عن أمركم ، ولا لبّسته (٣) عليكم ، إنّما اجتمع رأي ملئِكم على اختيار رجلين ، أخذنا (٤) عليهما ألاّ يعتدّيا القرآن ، فتاها عنه ، وتركا الحقّ وهما يبصرانه ، فكان الجور هواهما فمضيا عليه ، وقد سبق استثناؤنا

____________

١ ـ نهج البلاغة : ١٨٥ خطبة رقم ١٢٧.

٢ ـ الشِعار : علامة القوم في الحرب والسفر ، وهو ما يتنادون به ليعرف بعضهم بعضاً.

٣ ـ البُجر : الشرّ والأمر العظيم. وختلتكم : خدعتكم. والتلبيس : خلط الأمر وتشبيهه حتى لا يعرف. وفي الأصل : لأ أبا لكم بجواب ، لا قلبّنكم عن أمركم ، ولا لبسنّه عليكم. وما أثبتناه في المتن وفقاً للنهج.

٤ ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : أخذتما.

٤٧٢

عليهما ـ في الحكومة بالعدل والصمد (١) للحقّ ـ سوء رأيهما ، وجور حكمهما.

ثم إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام خطب الخطبة المذكورة في نهج البلاغة (٢) من كلامه عليه‌السلام الّذي رواه نوف البكالي أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام خطب بها قائماً على حجارةٍ نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي وهو ابن اُخت أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهي التي أوّلها : الحمد لله الذي إليه مصائر الخلق ، وعواقب الأمر ، إلى آخرها ، فلمّا فرغ من خطبته عليه‌السلام نادى بأعلا صوته : الجهاد الجهاد عباد الله ، ألا وإنّي معسكر في يومي هذا ، فمن أراد الرواح إلى الله تعالى فليخرج.

قال نوف : وعقد للحسين عليه‌السلام في عشرة آلاف ، وللحسن في عشرة آلاف ، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف ، ولأبي أيّوب الأنصاري في عشرة آلاف ، ولغيرهم على أعدادٍ اُخر وهو يريد الرجعة إلى صفّين ، فما دارت الجمعة حتى ضربه ابن ملجم لعنة الله عليه ، فتراجعت العساكر ، فكنّا كأغنامٍ فقدت راعيها تتخطّفها الذئاب من كلّ مكان. (٣)

قلت : ولمّا تفكّرت في هذه العصابة المارقة عن الدين ، الخارجة عن الحق المبين ، التي كفى الله المؤمنين فتنتها ، وأدحض حجّتها ، واستأصل شأفتها ، وأوضح فسادها ، وبيّن إلحادها ، على لسان لسانه الناطق ، وأمينه الصادق ، خير الخلق بعد نبيّ الله ، وأعلمهم بصفات الله ، وأقومهم بحدود الله ، نظمت هذه

____________

١ ـ الصمد : القصد.

٢ ـ نهج البلاغة : ٢٦٠ خطبة رقم ١٨٢.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ١٨٧ ـ ١٩٤ ، عنه البحار : ٣٣ / ٣٨٨ ـ ٣٩٤ ح ٦١٨ من قوله : « ثمّ إنّهم أتوا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ».

٤٧٣

الأبيات تقرّباً إلى الله بلعنتهم وسبّهم ، ووشحت نظامي بذمّهم وثلبهم ، وأوضحت من مساوئهم ، وكشفت عن مخازيهم ، وخاطبتهم خطاب المجاهد المناجز ، وقاتلتهم مقاتلة المصاول المبارز ، وجرّدت عضب لساني من عمد مقولي ، وطعنت بعامل نظامي في أعداء معاذي وموئلي ، قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، أعلى من فاز بالمعلّا من قول ربّ العالمين : ( وَكَأَيِّن مِن نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُم فِي سَبيلِ اللهِ وَمَا ضَعَفُوا وَمَا استَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) (١).

يا اُمّة فـارقـت منـهاج هاديـهـا

وأوضعت بوجيف فـي مغاويها

وأصبحت عن طريق الحقّ خارجـة

كالنّبل تمرق من مـحني راميها

سوق العسوف بـها قامـت فأنفسـها

بالسيف اُرخص منها سعر غاليها

ما ان شرى الله منها أنـفساً زهقـت

في النهروان بل الشيطان شاريها

عن نور شمس الهدى أبصارها برقت

إذ البصائر فرط الجهل معشيـها

زلّت مطالبهـا ضلّـت مـذاهـبـها

عمّت مصائبها خابت مساعيهـا

ترى حـرورا بهـا معـنى لأعظمها

لمّا غدا البغي نحو الحتف داعيها

رامت على الحق أن تعـلو بشـبهتها

فانهدّ بنيانهـا وانحـطّ عاليـها

تنكّبت عن طريق الرشـد وارتكـبت

سبل الضلال فأضحى حتفها فيها

بسيف أعلا الورى جـدّاً وأشـرفـها

جدّاً وأعظمـها مـجداً وواليـها

وخير من فـرض الـلـه الـولاء له

على الخلائـق دانيـها وقاصيها

وأعظم النـاس قـدراً بـل وأسمحهم

كفّاً وأجـملهم وصفـاً وبـنويها

أخ الرسـول وفاديـه بـمهـجتـه

وخير اُمّـته طـرّاً وقـاضيـها

__________________

١ ـ سورة آل عمران : ١٤٦.

٤٧٤

ومن إذا أشـكلت فـي الدين معضلة

فهو الـذي بقـضايـاه يـجليـها

في محكم الذكر كـم في مدحه نطقت

آياته وجـــلت عنـه مـعانيـها

عن حاز بالبضعة الزهـراء مكرّمة

دون الـعبـاد فـلا خلـق يدانيها

الله زوّجـهـا والـروح شـاهـدها

أكرم بشـاهدها أعـظم بـواليها

نثار طوبى لـحسـد العـرس يومئذٍ

كان النـثار فـيا طوبـى مواليـها

في سورة الدهر حاز الفخر من مدحٍ

في شأنه انزلت سبحـان مـنشيـها

حتى القيامة تـتلى فـي خصائصه

يسرّ قلب اُولي الايـمـان تـاليـها

يا من يــروم بلا عـلم مراتـبه

أقدام رومـك زلـّت عـن مراقيها

أبالاُصول التي شاعت فضـائحـها

أم بالفروع التي جمـّت مخـازيـها

ترجو بجهلك يا مــغرور منـزلة

من المهيـمن لا ترقـى مـعاليـهـا

منّتك نفـسك سلطانـاً مـناصبـه

لا يستطيع خبيث الأصـل يأتيـهـا

هي الخـلافة بالنصّ الجليّ من الله

الجـليـل فـما اعلى مبـانيـهـا

٤٧٥

فصل

في مقتله صلوات الله وسلامه عليه ، وما ورد فيه من الأحاديث

الصحيحة عن أئمّة الهدى وغيرهم من أهل العلم.

روى الشيخ محمد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رضي الله عنه بإسناد صحيح متّصل إلى عليّ بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الرضا علي بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين ، قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم ـ قلت : وربّما كانت هذه الخطبة آخر جمعة من شهر شعبان ـ فقال : أيها الناس ، قد أظلّكم هر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله أفضل الشهور ، وأيّامه أفضل الأيّام ، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته أفضل الساعات.

شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله ، وجعلتم من أهل كرامة الله ، أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ، ودعاؤكم فيه مستجابٌ ، فاسألوا الله ربّكم بنيّات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه وتلاوة كتاب الله فيه ، فإنّ الشقيّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ـ إلى تمام الخطبة ، ذكرها الشيخ المذكور رضي الله عنه في أماليه ، إلى أن قال : ـ أيها الناس ، إنّ

٤٧٦

أبواب الجنان مفتّحة في هذا الشهر الشريف فاسألوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم ، وأبواب النيران مغلقة في هذا الشهر الشريف فاسألوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم ، والشياطين مغلولة فاسألوا ربّكم ألاّ يسلّطها عليكم.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : فقمت وقلت : يا رسول الله ، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر الشريف؟

فقال : يا أبا الحسن ، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّ وجلّ ، ثمّ بكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت : يا رسول الله ، ما يبكيك؟

قال : أبكي لما يستحلّ منك في هذا الشهر ، كأنّي بك وأنت تصلّي ربّك ، وقد انبعثت أشقى الأوّلين وأشقى الآخرين ، شقيق (١) عاقر ناقة ثمود ، فضربك على قرنك ضربة خضب منها لحيتك.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : فقلت : يا رسول الله ، أفي سلامة من ديني؟

فقال : في سلامة من دينك.

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ من قتلك فقد قتلني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن سبّك فقد سبّني ، لأنّك منّي كنفسي ، روحك من روحي ، وطينتك من طينتي ، إنّ الله سبحانه خلقني وإيّاك ، واصطفاني وإيّاك ، واختارني للنبوّة ، واختارك للامامة ، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي.

يا عليّ ، أنت وصيّي ، وأبو ولدي ، وزوج ابنتي ، وخليفتي على اُمّتي في

__________________

١ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : شبيه.

٤٧٧

حياتي وبعد موتي ، أمرك أمر ، ونهيك نهيي ، اُقسم بالذي بعثني بالنبوّة وجعلني خير البريّة إنّك لحجّة الله على خلقه ، وأمينه على سرّه (١) ، وخليفته على عباده (٢).

تفسير وكيع والسدّي وسفيان وأبي صالح : أنّ عبد الله بن عمر قرأ قوله تعالى : ( أوَلَم يَرَوا أنَّا نَأتِي الأَرضَ نَنقُصهَا مِن أَطرَافِهَا ) (٣) قال : هو يوم قتل فيه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ، لقد كنتَ الطرف الأكبر في العلم ، اليوم نقص علم الاسلام ، ومضى ركن الايمان.

وروى الزعفراني ، عن المزني ، عن الشافعي (٤) ، عن مالك ، [ عن سمّي ، ] (٥) عن أبي صالح ، قال : لمّا قتل عليّ بن أبي طالب قال ابن عبّاس : هذا اليوم نقص العلم والفقه من أرض المدينة ، ثمّ قال : إنّ نقصان الأرض نقصان علمائها وخيار أهلها ، إنّ الله لا يقبض هذا العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال ، لكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالم اتّخذ الناس دوننا (٦) جهّالاً ، فيسألوا فيفتوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا.

سعيد بن جيبر ، عن ابن عبّا س في قوله سبحانه : ( رَبِّ اغفِر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيتِي مُؤمِناً ) وقد كان قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام مع نوح في

__________________

١ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : بريّته.

٢ ـ أمالي الصدوق : ٨٤ ح ٤ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٢٩٥ ح ٥٣ ، فضائل الأشهر الثلاثة : ٧٧ ح ٦١ ، عنها البحار : ٩٦ / ٣٥٦ ح ٢٥.

وأخرجه في البحار : ٤٢ / ١٩٠ ح ١ عن الأمالي والعيون.

٣ ـ سورة الرعد : ٤١.

٤ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : وروى المازني عن الشافعي.

٥ ـ من المناقب.

٦ ـ في المناقب : رؤساء.

٤٧٨

السفينة ، فلمّا خرج من السفينة ترك قبره خارج الكوفة ، فسأل نوح ربّه المغفرة لعليّ وفاطمة قوله : ( وَلِلمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ ) ، ثم قال : ( وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ ـ لآل محمد ـ إلَّا تَبَاراً ) (١).

وروي أنّه نزل فيه ـ أي في قاتل عليّ ـ : ( وَسَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (٢).

وروى أبو بكر بن مردويه في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأبو بكر الشيرازي في نزول القرآن ، أنّه قال سعيد بن المسيّب : كان أمير المؤمنين يقرأ : ( إذ انبعثَ أشقاها ) (٣) قال : والذي نفسي بيده لتخضبنّ هذه من هذا ـ وأشار بيده إلى رأسه ولحيته ـ (٤).

وروى الثعلبيّ والواحديّ بإسنادهما عن عمّار وعن عثمان بن صهيب وعن الضحّاك. وروى ابن مردويه بإسناده عن جابر بن سمرة وعن صهيب وعن عمّار وعن ابن عديّ وعن الضحّاك. والخطيب في التاريخ عن جابر بن سمرة. وروى الطبري والموصلي عن عمّار. وروى أحمد بن حنبل عن الضحّاك أنّه قال (٥) النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ ، أشقى الأوّلين عاقر ناقة ثمود ، وأشقى الآخرين قاتلك.

__________________

١ ـ سورة نوح : ٢٨.

٢ ـ سورة الشعراء : ٢٢٧.

٣ ـ سورة الشمس : ١٢.

٤ ـ نعى أمير المؤمنين عليه‌السلام نفسه كثيراً ، انظر : الأحاديث الغيبيّة : ٢ / ١٣٢ ـ ١٥٠ ح ٤٢٧ ـ ٤٤١.

٥ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : وروى الثعلبيّ والواحديّ بإسنادهما عن عمّار وجابر بن سمرة عن عمّار أنّه قال.

٤٧٩

وفي رواية : من يخضّب هذه من هذا.

وروى الحسن البصري أنّه عليه‌السلام سهر في تلك الليلة الّتي ضرب فيها ولم يخرج لصلاة الليل على عادته ، فقالت اُمّ كلثوم : ما هذا السهر؟

قال : إنّي مقتول لو قد أصبت.

فقالت : مر جعدة فليصلّ بالناس.

[ قال : نعم ، مروا جعدة ليصلّ ] (١) ، ثمّ مرّ وقال : لا مفرّ من الأجل ، وخرج قائلاً :

خلّوا سبيل الجاهد المجاهد

في الله ذي الكتب وذي المشاهد

في الله لا يعبد غير الواحد

ويوقظ النـاس إلى المســاجد

وروي أنّه عليه‌السلام سهر في تلك الليلة فأكثر الخروج والنظر إلى السماء ، وهو يقول : والله ما كذبت ولا كذّبت ، وإنّها الليلة التي وعدت بها ، ثمّ يعاود مضجعه ، فلمّا طلع الفجر نادى ابن النباح (٢) : الصلاة ، فقام فاستقبلته الإوزّ ، فصحن في وجهه ، فقال : دعوهنّ ، فإنّهنّ صوائح تتبعها نوائح ، وتعلّقت حديدة غلق (٣) الباب بمئزره ، فشدّ إزاره وهو يقول :

اُشدد حيازيمك للموت

فإنّ الموت لاقيك

ولا تجزع من الموت

إذا حلّ بنـاديـك

____________

١ ـ من المناقب.

٢ ـ في المناقب : ابن التياح.

٣ ـ في المناقب على.

٤٨٠