تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-09-6-X
الصفحات: ٥٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

فقد أعرف أقواماً

وإن كانوا صعاليك (١)

مساريع إلى الخير

وللشرّ متـاريـك (٢)

أبو صالح الحنفي : قال : سمعت عليّاً عليه‌السلام يقول : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي ، فشكوت إليه ما لقيت من اُمّته من الأود واللدد (٣) ، وبكيت ، فقال : لا تبك يا عليّ ، والتفتَ والتفتُّ ، فإذا رجلان مصفّدان ، وإذا جلاميد ترضخ بها رؤوسهما.

وروي أنّه عليه‌السلام قال لابنته اُمّ كلثوم : يا بنيّة ، إنّي أراني قلّ ما أصحبكم.

قالت : وكيف ذاك يا أبتاه؟

قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام وهو يمسح الغبار عن وجهي ، ويقول : يا عليّ ، لا عليك قضيت ما عليك.

قالت : فما مكثنا حتى ضرب في تلك الليلة.

وروي أنّه قال : يا بنيّة ، إنّي رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يشير إليّ بكفّه ، ويقول : يا علي ، إلينا ، فإنّ ما عندنا خير لك.

أبو مخنف الأزدي ، وابن راشد ، والرفاعي ، والثقفي جميعاً ، قالوا : لمّا رجع أمير المؤمنين عليه‌السلام من حرب الخوارج وقتلهم الله على يده ، وأنجز ما وعده ، اجتمع في مكّة جماعة من الخوارج فقالوا : إنّا شرينا أنفسنا لله فلو

____________

١ ـ الصعاليك : جمع الصعلوم ، وهو الفقير ، الضعيف.

٢ ـ انظر خصائص الأئمّة عليهم‌السلام : ٦٣.

٣ ـ الاود : الاعوجاج. اللدد : الخصومة.

٤٨١

أتينا أئمّة الضلال ، وطلبنا غِرّتهم أرحنا العباد والبلاد منهم.

فقال عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله : أنا أكفيكم عليّاً ، وقال الحجّاج بن عبد الله السعدي الملقّب بالبُرَك : أنا أكفيكم معاوية ، وقال عمرو بن بكر التميمي : أنا أكفيكم عمرو بن العاص ، واتّعدوا ليلة التاسع عشر من شهر رمضان ، ثمّ تفرّقوا ، فدخل ابن ملجم الكوفة فرأى رجلاً من تيم الرباب عند قَطام التميميّة ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام قتل أباها الأخضر وأخاها الأصبغ بالنهروان فشغف بها ، وخطبها فأجابته بمهر ذكره العبدي في كلمته :

فلم أر مهراً ساقـهُ ذو سمـاحةٍ

كمهر قَطام مـن فصيـح وأعجم

ثـلاثـة آلافٍ وعبـدٌ وقَـينَةٌ

وقتل (١) عليّ بالحـسام الـمسمّم

فلا مهر أغلى من عليّ وإن غلا

ولا فتك إلا دون فتك (٢) ابن ملجم

فقبل ابن مُلجَم ذلك ، ثمّ قال : يا ويلك ، ومن يقدر على قتل عليّ ، وهو فارس الفرسان ، ومغالب الأقران ، والسبّاق إلى الطعان؟ وأمّا المال فلا بأس عليّ منه.

قالت : اقبل ، فقبل ، وقال لها : إنّي ما أتيت هذه البلدة إلا لذلك ، ولم اُظهر ذلك لأحد إلا لك.

قالت : فإنّي أرسل إلى جماعة رأيهم رأيك في ذلك ، فبعثت إلى ابن عمّ لها يقال له وردان (٣) بن مجالد التميمي وسألته معونة ابن ملجم ، واستعان ابن ملجم بشبيب بن بَجَرة ، وأعانه رجل من وكلاء عمرو بن العاص فأطعمتهم

__________________

١ ـ في المناقب : وعبدٌ وفتية وضرب عليّ.

٢ ـ في المناقب : ولا قتل الا دون قتل.

٣ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : ورقاء.

٤٨٢

اللوزينج والجوزينق وسقتهم الخمر العكبري ، فنام شبيب وتمتّع ابن ملجم معها ، ثمّ قامت فأيقظتهم وعصبت صدورهم بحرير ، وتقلّدوا أسيافهم.

وقيل : إنّ ابن ملجم قال لها : أترضين منّي بضربة واحدة؟

قالت : نعم ، ولكن اعطني سيفك ، فأعطاها فأمست ملطّخة بالسمّ ، ثمّ مضوا وكمنوا له مقابل السدّة ، وحضر الأشعث بن قيس لمعونتهم ، وقال لابن ملجم : النجا النجا لحاجتك ، فقد فضحك الصبح ، فأحسّ حجر بن عديّ بما أراد الأشعث ، فقال : قتلته يا أشعث ، وخرج مبادراً ليمضي إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف.

وعن عبد الله بن محمد (١) الأزدي ، قال : أقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام ينادي : الصلاة الصلاة ، فإذا هو مضروب ، وسمعت قائلاً يقول : الحكم لله يا عليّ لا لك ولا لأصحابك ، وسمعت عليّاً يقول : فزت وربّ الكعبة ، ثمّ قال : لا يفوتنّكم الرجل.

وكان قد ضربه شبيب فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق ، ومضى هارباً حتى دخل منزله ودخل عليه ابن عمّ له فرآه يحلّ الحرير عن صدره ، فقال : لعلّك قتلت أمير المؤمنين؟ فاراد أن يقول : لا ، فقال : نعم ، فقتله الأزدي.

وأمّا ابن ملجم فإنّ رجلاً من همدان لحقه وطرح عليه قطيفة وصرعه.

وانسلّ الثالث بين الناس وأتوا بابن ملجم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : النفس بالنفس ، إن أنا متّ فاقتلوه كما قتلني ، وإن سلمت رأيت فيه رأيي.

وفي رواية : إن عشت رأيت فيه رأيي ، وإن هلكت فاصنعوا به ما يفعل

____________

١ ـ في المناقب : محمد بن عبد الله.

٤٨٣

بقاتل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فسئل : ما معناه؟

فقال : اقتلوه ، ثمّ حرّقوه بالنار.

فقال ابن ملجم : لقد ابتعته بألفٍ وسممته بألف ، فإن خانني فأبعده الله ، ولقد ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلكتهم.

وفي محاسن الجوابات عن الدينوريّ : أنّ ابن ملجم قال : لقد سألت الله أن يقتل به شرّ خلقه.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لقد أجاب الله دعوتك ، يا حسن ، إذا متّ فاقتله بسيفه.

روي أنّه عليه‌السلام قال : أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره ، فإن أصحّ فأنا وليّ دمي ، إن شئت عفوت ، وإن شئت استنفذت ، وإن هلكت فاقتلوه.

وروي أنّه لمّا ضرب أمير المؤمنين عليه‌السلام وسمعوا قوله : فزت وربّ الكعبة ، وارتفع الصياح في المسجد : قُتِل أمير المؤمنين ، أقبل أهل الكوفة رجالاً ونساءً بالمصابيح ، فوجدوا أمير المؤمنين عليه‌السلام مطروحاً في محرابه ، فارتفعت أصوات الناس بالبكاء والنحيب.

وأقبل الحسن والحسين ، فلمّا رأيا أمير المؤمنين وقعا على قدميه وأعلنا بالبكاء والنحيب ، وأقبلت بنات أمير المؤمنين مشقّقات الجيوب ، وجعل أمير المؤمنين يأخذ الدم من رأسه ويلطّخ وجهه ومحاسنه ، ويقول : هكذا ألقى الله ، هكذا ألقى رسول الله ، هكذا ألقى فاطمة ، هكذا ألقى جعفر الطيّار ، وسمع أمير المؤمنين بكاء بناته ، فقال : احملوني إلى المنزل لاُودّع بناتي وأهلي ،

٤٨٤

فوضع إحدى يديه على كتف الحسن ، والاُخرى على كتف الحسين ، ومضيا به إلى حجرته ورجلاه تخطّان الأرض ، وقد علا لونه الاصفرار ، ولمّا وصل إلى الحجرة تنفّس الصبح ، فقال : يا صبح ، اشهد لي عند ربّك أنّني منذ كفلني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طفلاً إلى يومي هذا ما طلعتَ عليّ وأنا نائم أبداً ، ثمّ قال : اللّهمّ اشهد وكفى بك شهيداً أنّي لم أعص لك أمراً ، ولا تركت فرضاً ، ولا خطر في بالي ما يخالف أمرك.

وروى ابن نباتة في خبر أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : لقد ضربت في الليلة الّتي قبض فيها يوشع بن نون ، ولاُقبضنّ في الليلة التي رفع (١) فيها عيسى عليه‌السلام.

عن الحسن عليه‌السلام في خبر : ولقد صعد بروحه في الليلة الّتي صعد فيها بروح يحيى بن زكريّا عليهما‌السلام.

وكان عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله في عداد مراد. قال ابن عبّاس : من نسل قدار عاقر ناقة صالح ، وقصّتهما واحدة ، لأنّ قدار عشق امرأة يقال لها رباب كما عشق ابن ملجم قطاماً.

وسُمِعَ ابن ملجم يقول : لأضربنّ عليّاً بسيفي هذا ، فذهبوا به إليه عليه‌السلام ، فقال : ما اسمك؟

قال : عبد الرحمان بن ملجم.

قال : نشدتك بالله عن شيء تخبرني به؟

قال : نعم.

__________________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : قبض.

٤٨٥

قال : هل مرّ بك رجل متوكّئاً على عصا وأنت في الباب فمشقك بعصاه ، ثم قال : بؤساً لك يا أشقى من عاقر ناقة ثمود؟

قال : نعم.

قال : هل كان الصبيان يسمّونك ابن راعية الكلاب؟

قال : نعم.

وروي انّه أتى ابن ملجم أمير المؤمنين عليه‌السلام يبايعه فردّه مرتين أو ثلاثاً ، ثمّ بايعه وتوثّق منه إلا يغدر ولا ينكث ، فقال : والله ما رأيتك تفعل هذا بغيري.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : امض يا ابن ملجم ، فوالله لتخضبنّ هذه من هذا ـ وأشار إلى لحيته ورأسه ـ.

وروي أنّ ابن ملجم أتى أمير المؤمنين عليه‌السلام يستحمله ، فقال : يا غزوان احمله على الأشقر ، ثمّ قال عليه‌السلام :

اُريد حياته ويريد قتلي

عذيري من خليلي (١) من مراد (٢)

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان كثيراً ما يقول : ما يمنع أشقاها؟ أو ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا؟ وكان يقول : والله ليخضبنّ هذه من دم هذا ، ثمّ يشير إلى لحيته ورأسه خضاب دم لا خضاب عطر ولا عبير (٣).

__________________

١ ـ في المناقب : عذيرك من خليلك.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٠٨ ـ ٣١٣ ، عنه البحار : ٤٢ / ٢٣٦ ـ ٢٤٠ ح ٤٥.

٣ ـ انظر : الطبقات الكبرى : ٣ / ٣٣ ، مقتل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن أبي الدنيا : ٤١ ح ٢٦ ، الآحاد والمثاني : ١ / ١٤٨ ح ١٧٦ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٥٠٠ ح ٥٤٥.

٤٨٦

وقيل لأمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ ابن ملجم يسمّ بسيفه ويقول : إنّه سيقتلك به فتكةً يتحدّث بها العرب ، فبعث إليه ، فقال له : لِم تسمّ سيفك؟

قال : لعدوّي وعدوّك ، فخلّا عنه ، وقال : ما قتلني بعد.

وقال ابن عبد الرحمان السلمي : أخبرني الحسن بن علي عليه‌السلام أنّه سمع أباه في ذلك السحر يقول : يا بنيّ ، إنّي رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الليلة في المنام ، فقلت : يا رسول الله ، ماذا لقيت من اُمّتك من الأود واللدد؟

فقال : ادع عليهم.

فقلت : اللّهمّ أبدلني بهم خيراً منهم ، وأبدلهم بي شرّاً منهم (١). ثم انتبه وجاء مؤذّنه يؤذنه بالصلاة ، فخرج فاعتوره الرجلان ، فأمّا أحدهما فوقعت ضربته في الطاق ، وأمّا الآخر فضربه في رأسه وذلك في صبيحة يوم الجمعة لتسع عشرة من رمضان صبيحة بدر.

وروي أنّه جمع الأطبّاء لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان أبصرهم بالطبّ أثير (٢) بن عمرو السكوني ، وكان صاحب كسرى يتطبّب له ، وهو الّذي تنسب إليه صحراء أثير فأخذ رئة شاة حارّة فتتبّع عرقاً منها فأخرجه وأدخله في جراحة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثمّ نفخ العرق واستخرجه فإذا عليه بياض دماغ وإذا الضربة قد وصلت إلى اُمّ رأسه.

____________

١ ـ انظر نهج البلاغة : ٩٩ خطبة رقم ٧٠ ، عنه البحار : ٣٤ / ٧٩ ح ٩٣٦ ، وج ٤٢ / ٢٢٦ ح ٣٧.

٢ ـ كذا في الاستيعاب ، وفي الأصل : كثير ، وفي مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا : ٤٣ ح ٢٨ أنّ طبيبه كان ابن أثير الكندي.

٤٨٧

فقال : يا أمير المؤمنين ، اعهد فإنّك ميّت (١).

فعندها أوصى أمير المؤمنين عليه‌السلام للحسن والحسين صلوات الله عليهما بالوصيّة التي رواها سيّدنا ومفخرنا السيد محمد الرضي الموسويّ في كتاب نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين ، وهي قوله عليه‌السلام :

ومن وصيّة له عليه‌السلام للحسن والحسين عليهما‌السلام لمّا ضربه ابن ملجم عليه اللعنة :

اُوصيكما بتقوى الله ، وألاّ تبغياً الدنيا وإن بغتكما ، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما ، وقولا بالحقّ ، واعملا للآخرة (٢) ، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً.

اُوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ، ونظم أمركم ، وصلاح ذات بينكم ، فإنّي سمعت جدّكما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : صلاح ذات البيت أفضل من عامّة الصلاة والصوم.

الله الله في الأيتام فلا تُغبّوا أفواههم ، ولا يضيعوا بحضرتكم.

الله الله في جيرانكم ، فإنّهم وصيّة نبيّكم ، وما زال عليه‌السلام يوصي بهم حتى ظننّا (٣) أنّه سيورثهم.

والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم.

والله الله في الصلاة فإنّها عمود دينكم.

____________

١ ـ الاستيعاب : ٣ / ٦٢.

٢ ـ في النهج : للأجر.

٣ ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : ظننت.

٤٨٨

والله الله في بيت ربّكم ، لا تخلوه ما بقيتم ، فإنّه إن ترك لم تناظروا.

والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله.

وعليكم بالتواصل والتباذل ، وإيّاكم والتدابر والتقاطع ، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم اشراركم ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم.

[ ثمّ ] (١) قال : يا بني عبد المطّلب ، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون : قتل أمير المؤمنين (٢) ، ألا لا يقتل فيَّ (٣) إلا قاتلي.

انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ، ولا تمثّلوا بالرجل ، فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إيّاكم والمُثلة ولو بالكلب العقور. (٤)

أبو بكر الشيرازي في كتابه عن الحسن البصري ، قال : أوصى عليّ صلوات الله عليه عند موته للحسن والحسين عليهما‌السلام وقال لهما : إذا أنا متّ فإنّكما ستجدان عند رأسي حنوطاً من الجنّة وثلاثة أكفان من استبرق الجنّة فغسّلوني وحنّطوني بالحنوط وكفّنوني.

قال الحسن عليه‌السلام : فلمّا قبض عليه‌السلام وجدنا عند رأسه طبقاً

__________________

١ ـ من النهج.

٢ ـ كرّرت هذه الجملة في الأصل.

٣ ـ في النهج : لا تقتلنّ بي.

٤ ـ نهج : ٤٢١ رقم ٤٧ ، عنه البحار : ٤٢ / ٢٥٦ ح ٧٨.

وروى الوصيّة أيضاً ابن أبي الدنيا في مقتل الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام ص ٤٥ وما بعدها ، فراجع.

٤٨٩

من الذهب عليه خمس شمّامات من كافور الجنّة ، وسدراً من سدر الجنّة.

ومن الطريق أهل البيت عليهم‌السلام ما جاء في تهذيب الأحكام (١) عن سعد الاسكافي قال : حدّثني أبو عبد الله عليه‌السلام [ قال ] (٢) : لمّا اُصيب أمير المؤمنين عليه‌السلام قال للحسن والحسين عليهما‌السلام : غسّلاني وكفّناني وحنّطاني ، واحملاني على سريري ، واحملا مؤخّره تكفيان مقدّمه ، فإنّكما تنتهيان إلى قبر محفور ، ولحد ملحود ، ولبن موضوع ، فالحداني واشرجا اللبن عليَّ ، وارفعا لبنة من عند (٣) رأسي فانظرا ما تسمعان.

وعن منصور بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن جدّه [ زيد بن عليّ ، عن أبيه ، عن جدّه ] (٤) الحسين بن علي عليهم‌السلام في خبر طويل يذكر فيه :

اُوصيكما وصيّة فلا تظهرا على أمري أحداً ، فأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحاً وأن يكفّناه فيما يجدان ، فإذا غسّلاه وكفّناه وضعاه على اللوح وإذا وجدا السرير يشال مقدّمه فيشيلان مؤخّره ، وأن يصلّي الحسن مرّة والحسين مرّة صلاة إمام ، ففعلا بما رسم عليه‌السلام ، فوجدا اللوح وعليه مكتوب :

بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما ادّخره نوح النبي لعلي بن أبي طالب ،

__________________

١ ـ تهذيب الأحكام : ٦ / ١٠٦ ح ٣.

ورواه في الكافي : ١ / ٤٥٧ ح ٩ ، وفرحة الغريّ : ٣٠ ، عنهما البحار : ٤٢ / ٢١٣ ح ١٤.

وأخرج قطعة منه في البحار : ٤٢ / ٢٥١ ح ٥٣ عن الكافي.

٢ ـ من المناقب.

٣ ـ في المناقب : ممّا يلي.

٤ ـ من المناقب.

٤٩٠

وأصابا الكفن في دهليز الدار موضوعاً فيه حنوط د أضاء نوره على نور النهار.

وروي أنّ الحسين عليه‌السلام قال وقت الغسل : أما ترى خفّة أمير المؤمنين؟

فقال الحسن : يا أبا عبد الله ، إنّ معنا قوماً يعينونا ، فلمّا قضينا صلاة العشاء الآخرة إذا قد شيل مقدّم السرير ، ولم نزل نتّبعه إلى أن وردنا الغريّ ، فأتينا إلى قبر كما وصف عليه‌السلام ونحن نسمع خفق أجنحة كثيرة وضجّة وجَلَبة (١) ، فوضعنا السرير وصلّينا على أمير المؤمنين عليه‌السلام كما وصف لنا ، ونزلنا قبره فأضجعناه في لحده ، ونضّدنا عليه اللبن.

وفي الخبر عن الصادق عليه‌السلام : فأخذنا اللبنة من عند رأسه بعدما أشرجنا عليه اللبن ، وإذا ليس في القبر شيء ، وإذا هاتف يهتف : أمير المؤمنين عليه‌السلام كان عبداً صالحاً ، فألحقه الله بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء ، حتى لو أنّ نبيّاً مات بالمشرق و [ مات ] (٢) وصيّه بالمغرب لألحق الله الوصيّ بالنبيّ.

وفي خبر عن اُمّ كلثوم بنت علي عليه‌السلام : فاشنقّ القبر عن ضريح فإذا هم بساجة (٣) مكتوب عليها بالسريانيّة :

بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا قبر حفره نوح لعليّ بن أبي طالب وصيّ

__________________

١ ـ الجلبة ـ بالتحريك ـ : اختلاط الصوت.

٢ ـ من المناقب.

٣ ـ الساجة : الطيلسان الواسع المدوّر.

٤٩١

محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الطوفان بسبعمائة سنة.

وعنها رضي الله عنها أنّه لمّا دفن أمير المؤمنين علهي السام سمع ناطق يقول : أحسن الله لكم العزاء في سيّدكم وحجّة الله على خلقه.

التهذيب (١) في خبر أنّه نفذ إسماعيل بن عيسى العبّاسي غلاماً أسود شديد البأس يعرف بالجمل في ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين ومائتين في جماعةٍ وقال : امضوا إلى هذا القبر الذي قد افتتن به الناس ويقولون انّه قبر عليّ حتى تنبشوه (٢) إلى قعره ، فحفروا حتى نزلوا خمسة أذرع فبلغوا إلى موضع صلب عجزوا عنه ، فنزل الحبشي وضرب ضربة سمع طنينها في البرّ (٣) ، ثمّ ضرب ثانية وثالثة ، ثمّ صاح صيحة وجعل يستغيث فأخرجوه بالحبل فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى ترقوته (٤) دم فحملوه على بغل ، ولم يزل ينتثر من عضده وسائر شقّه الأيمن فرجعوا إلى العبّاسي ، فلمّا رآه التفت إلى القبلة وتاب من فعله وتولّى وتبرّأ ، ومات الغلام من وقته ، وركب في الليل إلى عليّ بن مصعب ابن جابر وسأله أن يجعل (٥) على القبر صندوقاً.

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه : حدّثني أبو الحسن محمد بن تمّام الكوفي ، قال : حدّثني أبو الحسن بن الحجّاج ، قال : رأينا هذا الصندوق

____________

١ ـ تهذيب الأحكام : ٦ / ١١١ ح ١٦. وفيه إسماعيل بن عديّ العبّاسي.

٢ ـ كذا في التهذيب ، وفي الأصل والمناقب : تنبشون.

٣ ـ في التهذيب : القبر.

٤ ـ في التهذيب : مرفقه.

٥ ـ في التهذيب والمناقب : يعمل.

٤٩٢

وذلك قبل أن يبني الحسن بن زيد الحائط. (١)

أقول : وإنّما أمر أمير المؤمنين عليه‌السلام بإخفاء قبره عن غير أهله وولده لأمرٍ لا نعلم نحن سرّه ، ولتكن المحنة أشدّ ، والبلاء أعظم ، أو لكثرة أعدائه ، وقصدهم إطفاء نوره ، أو غيرهما ؛ كخوف شدّة عداوة أعدائه له في حياته ، كالناكثين والقاسطين والمارقين الذين غرّروا بأنفسهم في حربه ، ورابطوه قاصدين إطفاء نوره واستئصال شأفته ، حتى قتلوه في محرابه راكعاً ، وأعلنوا بسبّه على منابرهم ، وقتلوا ولده وشيعته ، وسبوا نساءه وبناته وولده ، ثمّ تتبّعوا أبرار شيعته بالأذى والقتل ، كما فعل زياد بن أبيه والحجّاج ، وغيرهما ، وكانوا يقتلون على التهمة والظنّة ، حتى روي أنّهم سمعوا برجل يحدّث الناس بفضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ببلاد ما وراء النهر فاجتهدوا في قتله وقتلوه غيلة (٢) ، فما ظنّك لو علموا بموضع قبره؟ وهو عليه‌السلام أعلم بما قال وأوصى.

ولم يكن قبره عليه‌السلام مخفيّاً عند ولده وأهله وأحفاده الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم ، حتى انّ الإمام المعصوم عليّ بن الحسين سيّد العابدين أتى من المدينة لزيارته وأخفى نفسه في الحياة وزاره ليلاً ورجع من فوره إلى المدينة ، وكذلك الباقر عليه‌السلام.

روى جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال : أتى عليّ بن الحسين عليه السالم زائراً أمير المؤمنين فوضع خدّه على القبر ،

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٨ ـ ٣٥٠ ، عنه البحار : ٤٢ / ٢٣٤ ـ ٢٣٦ ح ٤٤.

٢ ـ الغيلة : المكر.

٤٩٣

وقال : السلام عليك يا وليّ (١) الله في أرضه ، وحجّته على عباده ، إلى آخر الزيارة ، ثمّ قال : اللّهمّ إنّ قلوب المخبتين إليك والهة (٢) ، وسبل الراغبين إليك شارعة ، إلى آخره ، كما ذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي في مصباحه (٣).

ولم يزل قبره عليه‌السلام مخفيّاً عند العامّة معلوماً عند الخاصّة إلى أن ، انقرضت دولة الشجرة الملعونة في القرآن ـ أعني بني اُميذة عليهم لعائن الله ـ فأظهره الصادق عليه‌السلام لخاصّته وأصحابه (٤).

وكان يأتي إليه من المدينة جماعة من شيعته ، وكان معلوماً لأكثر الناس في تلك الناحية ، حتى انّ بعض خلفاء بني العبّاس خرج يتصيّد في ناحية الغريّين والثويّة وأرسل الكلاب فلجأت [ الظباء ] (٥) إلى أكمة ورجعت الكلاب ، ثمّ إنّ الضباء هبطت منها وصنعت الكلاب مثل الأوّل ، فسئل شيخاً من بني أسد فقال : إنّ فيها قبر علي بن أبي طالب عليه‌السلام جعله الله حرماً لا يأوى إليه شيء إلا أمن. (٦)

__________________

١ ـ في الصحيفة السجّاديّة ومصباح المتهجّد : يا أمين. وهذه الزيارة معروفة بزيارة أمين الله.

٢ ـ المخبتين : الخاشعين : والهة : متحيّرة من شدّة الوجد.

٣ ـ مصباح المتهجّد : ٧٣٨ ، الصحيفة السجّاديّة الجامعة : ٥٩٠ دعاء ٢٥٥.

وانظر أيضاً : كامل الزيارات : ٣٩ ب ١١ ح ١ ، مزار الشهيد : ٩٥ ، البلد الأمين : ٢٩٥ ، مصباح الكفعمي : ٤٨٠ ، فرحة الغريّ : ٤٠.

٤ ـ انظر : إرشاد المفيد : ١٢.

٥ ـ من المناقب.

٦ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٥٠.

ورواه مفصّلاً في فرحة الغريّ : ١١٩ وفيه أنّ الخليفة هو هارون الرشيد ، عنه البحار : ٤٢ / ٣٢٩ ح ١٦.

٤٩٤

ولنرجع إلى تمام الحديث :

ولمّا فرغ أمير المؤمنين من وصيّته وكانت ليلة الحادي والعشرين وذهب شطر من الليل فتحت أبواب السماء ، وزيّنت الجنان ، وتهيّأت أرواح الأنبياء والأولياء لاستقبال روحه الشريفة صلوات الله عليه. قال عليه‌السلام للحسن والحسين : احملوني إلى هذا البيت ، ودعوني وحدي ، واغلقوا عليَّ الباب ، واجلسوا خارج الباب إلى أن أمضي إلى جوار الله تعالى ، فوضعوه عليه‌السلام وفعلوا ما أمرهم ، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى سمعوا أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : لا إله إلا الله ، فلمّا سمع الحسن والحسين تهليله صلوات الله عليه لم يتمالكا إلى أن دخلا عليه ، فوجدوه قد قضى صلوات الله عليه نحبه ، فأخذوا في تجهيزه كما ذكرنا أوّلاً صلوات الله ورحمته وبركاته عليه وعلى روحه وبدنه ، ولعنة الله على ظالمه وقاتله ومانعه حقّه.

وروى الكليني في الكافي (١) أنّه لمّا توفّي أمير المؤمنين عليه‌السلام جاء شيخ يبكي وهو يقول : اليوم انقطعت علاقة النبوّة ، حتى وقف بباب البيت الذي فيه أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ وذلك حين موته قبل أن يخرجوه ويأخذوا في جهازه ـ فأخذ بعضادتي الباب ، ثم قال : رحمك الله ، لفقد كنتَ أول الناس إسلاماً ، وأفضلهم إيماناً ، وأشدّهم يقيناً ، وأخوفهم من الله ، وأطوعهم لنبيّ الله ، وأفضلهم مناقباً ، وأكثرهم سوابقاً ، وأشبههم به خَلقاً وخُلقاً ، وسيماء وفضلاً ، وكنتَ أخفضهم صوتاً ، وأعلاهم طوداً ، وأقلّهم كلاماً ، وأصوبهم منطقاً ،

____________

١ ـ الكافي : ١ / ٤٥٤ ح ٤ ، عنه البحار : ٤٢ / ٣٠٣ ح ٤ وعن كمال الدين : ٣٨٧ ح ٣.

وأخرجه في مدينة المعاجز : ٣ / ٦٥ ح ٧٣٠ عن الكافي.

٤٩٥

وأشجعهم قلباً ، وأحسنهم عملاً (١) ، وأقواهم يقيناً ، محفظت ما ضيّعوا ، ورعيت ما أهملوا ، وشمّرت إذا اجتمعوا ، وعلوت إذا هلعوا ، ووقفت إذا أسرعوا ، وأدركت أوتار ما ظلموا.

كنتَ على الكافرين عذاباً واصباً ، وللمؤمنين كهفاً وحصناً ، كنت كالجبل الراسخ لا تحرّكه العواصف ، ولا تزيله القواصف ، كنت للأطفال كالأب الشفيق ، وللأرامل كالبعل العطوف ، قسمت بالسويّة ، وعدلت بالرعيّة ، وأطفأت النيران ، وكسرت الأصنام ، وذللت الأوثان ، وعبدت الرحمن ـ في كلام كثير ـ فالتفتوا فلم يروا أحداً ، فسئل الحسن عليه‌السلام عنه ، فقال : كان الخضر ، فارتجّت الدار بالبكاء والنحيب ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. (٢)

ولمّا رجع الحسن والحسين عليهما‌السلام من دفن أمير المؤمنين عليه‌السلام أمر الحسن عليه‌السلام بإخراج ابن ملجم والاتيان به ، فأمر عليه‌السلام فضربت عنقه ، واستوهبت اُمّ الهيثم بنت الأسود النخعيّة جيفته لتتولّى إحراقها ، فوهبها لها فأحرقتها بالنار ، وأمّا الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على معاوية وعمرو بن العاص ، فإنّ أحدهما ضرب معاوية على إليته وهو راكع ، وأمّا الآخر فإنّه قتل خارجة بن أبي حنيفة العامري وهو يظنّ أنّه عمرو ، وكان قد استخلفه لعلّة وجدها. (٣)

وممّا رثي به عليه‌السلام قول سيّدنا ومولانا الحسن السبط التابع لمرضاة

____________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : علماً.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٧ ، عنه مدينة المعاجز : ٣ / ٦٨ ح ٧٣١.

٣ ـ إرشاد المفيد : ١٨ وفيه : خارجة بن أي حبيبة العامري ، مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣١٣.

٤٩٦

الله صلوات الله عليه :

أين من كـان لعلم

المصطفى في الناس بابا

أين مـن كـان إذا

ما أقحـط الـناس سحابا

أين من كان إذا نو

دي فـي الحـرب أجابا

أين من كـان دعا

ه مستـجابـاً ومجـابـا (١)

وسمع هاتف من الجنّ يقول :

يا من يؤمّ إلى المدينـة قـاصـداً

أدّ الرسالة غير ما متـوان

قتلت شرار بـني اُميّـة سيــّداً

خير البريّة ماجداً ذا شـان

ربّ الفضائل في السماء وأرضها

سيف النـبي وهادم الأوثان

بكت المشاعر والمساجـد بـعدما

بكت الأنـام لـه بكلّ مكان

صعصعة بن صوحان :

إلى من لي باُنسـك يا اُخيّا

ومن لتي أن أبثّـك مـالديّا

طوتك خطوب دهر قد تولّى

كذاك خطوبـه نشـراً وطيّا

فلو نشرت قواك إلى المنايا

شكوت إلـيك ما صنعت إليّا

بكيتك يا عليّ بدمع (٢) عيني

فلم يغن البكاء علـيك شـيّا

كفى حزناً بدفنك ثمّ إنّي

نفضت تراب قبرك من يديّا

وكانت في حياتك لي عظات

وأنت الـيوم أوعظ منك حيّا

فيا أسفي عليك وطول شوقي

إليك لـو أنّ ذلـك ردّ شـيّا

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣١٣.

٢ ـ في المناقب : لدرّ.

٤٩٧

وله أيضاً :

هل خبّر القبر سائليـه

أم قرّ عيناً بزائريه؟

أم هل تراه أحاط علماً

بالجسد المستكن فيه؟

لو علم القبر من يواري

تاه على كلّ من يليه

يا موت ماذا أردت منّي

حقّقت ما كنت أتّقيه

يا موت لو تقبل افتداء

لكنت بالروح أفتديه

دهر رماني بفقد الـفي

أذمّ دهري وأشتكيه (١)

عن ابن عبّاس رضي الله عنه : لقد قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام7 على أرض الكوفة فأمطرت السماء ثلاثة أيّام دماً.

أبو حمزة ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه لمّا قبض أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يرفع من وجه الأرض حجر الا وجد تحته دم عبيط.

وفي أخبار الطالبيّين أنّ الروم أسروا قوماً من المسلمين فاُتي بهم الملك فعرض عليهم الكفر ، فأبوا ، فأمر بإلقائهم في الزيت المغليّ ، وأطلق منهم رجلاً يخبر بحالهم ، فبينا هو يسير إذ سمع وقع حوافر الخيل ، فوقف فنظر إلى أصحابه الذين اُلقوا في الزيت ، فقال لهم في ذلك ، فقالوا : قد كان ذلك ، فنادى مناد من السماء في شهداء البرّ والبحر انّ عليّ بن أبي طالب قد استشهد في هذه الليلة ، فصلّوا عليه ، فصلّينا عليه ونحن راجعون إلى مصارعنا.

أبو ذرعة الرازي ، عن منصور بن عمّار أنّه سئل عن أعجب ما رآه ، قال : ترى هذه الصخرة في وسط البحر ، يخرج من هذا البحر طائر في كلّ يوم مثل

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣١٤ ـ ٣١٥.

٤٩٨

النعامة فيقع عليها ، فإذا استوى واقفاً تقيّأ رأساً ، ثم تقيّأ يداً ، وهكذا عضواً عضواً ، ثمّ تلتئم الأعضاء بعضها إلى بعض حتى يستوي إنساناً قاعداً ، ثمّ يهمّ بالقيام ، فإذا همّ للقيام نقره نقرةً فيأخذ رأسه ، ثمّ يأخذ عضواً عضواً كما قاءه ، فلمّا طال عليَّ ذلك ناديته يوماً : ويلك من أنت؟

فالتفت إليّ ذليلاً وقال : أنا ابن ملجم قاتل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكّل الله بي هذا الطائر فهو يعذّبني إلى يوم القيامة. (١)

وسأل أبو مسكان الصادق عليه‌السلام عن القائم المائل في طريق الغريّ. فقال : نعم ، إنّهم لمّا جاءوا بسرير أمير المؤمنين عليه السالم انحنى أسفاً وحزناً على أمير المؤمنين صلوات الله عليه. (٢)

وممّا رثاه به أبو الأسود الدؤلي رضي الله عنه :

ألا يا عين ويحك فاسـعدينا

ألا فابكي أمير المـؤمـنيـنا

رزئنا خير من ركب المطايا

وأفضلها (٣) ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها

ومن قرأ المثـانـي والمـبينا (٤)

إذا استقبلت وجه أبي حسين

رأيت البدر راق الناظـرينـا

يقيم الحدّ لا يـرتـاب فـيه

ويقضي بالسرائـر (٥) مستبينا

ألا أبلغ معاويـة بـن حرب

فلا قرّت عيـون الشـامتيـنا

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، عنه البحار : ٤٢ / ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ح ٩.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٨.

٣ ـ في المناقب : وحثحثها ، وفي الديوان : وخَيّسها ، وفي الأعيان : وفارسها. وحثحثها : أي أسرعها.

٤ ـ في الديوان والأعيان : والمئينا.

٥ ـ في المناقب : بالفرائض.

٤٩٩

أفي شهر الصيام فجـعتمـونا

بخير النـاس طرّاً أجمعينا

ومن بعد النبـيّ فخير نفـس

أبو حسـن وخير الصالحينا

كأنّ الـناس إذ فقـدوا علـيّاً

نعام جـال فـي بلـد سنينا

وكنّا قـبل مهـلكة بخـيـر

نـرى فينا وصيّ المسلمينا

فلا والله لا أنسـى عـليّاً

وحسن صلاته في الراكعينا

لقد علمت قريش حيث كانت

بأنّك خيرها نسباً (١) ودينـا

فلا تشمت معاوية بن حرب

فإنّ بقيّة الـخلفـاء فيـنا (٢)

ولمّا قال عمران بن حِطّان الخارجي لعنة الله عليه في ابن ملجم :

يا ضربة من تقيّ ما أراد بها

إلاّ ليدرك من ذي العرش رضوانا

إنّي لأذكره حينـاً فأحسـبه

أوفـى البريّة عند الـله مـيزانا (٣)

أجابه بكر (٤) بن حمّاد التاهرتي معارضاً له :

قل لابـن ملجم والأقدار غالبة

هدّمتَ ويلك للإسـلام أركانا

قتلتَ أفضل من يمشي على قدمٍ

وأوّل الناس إسلامـاً وإيماناً

واعلم النـاس بالـقرآن ثمّ بما

سنّ الرسول لنا شرعاً وتبيانا

____________

١ ـ في المناقب : خيرهم حسباً.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣١٥ ، ديوان أبي الأسود الدوؤلي : ٧١ رقم ٤٥ ، أعيان الشيعة : ٧ / ٤٠٣.

وقد اختلف في نسبة هذه القصيدة وفي عدد أبياتها ؛ فقد نسب في الاستيعاب وكفاية الطالب لاُمّ الهيثم بنت العريان النخعيّة ، ونسبت في الكامل في التاريخ لاُمّ العريان ، ونسبت في الأغاني وإنباه الرواة وتاريخ الطبري للدؤلي.

٣ ـ الفَرق بين الفِرق : ٧٢ ، الغدير : ١ / ٣٢٤.

٤ ـ كذا في الأصل والاصابة : ٣ / ١٧٩ ، وفي الاستيعاب : ٢ / ٤٧٢ : أبو بكر ، وفي الغدير : ١ / ٣٢٦ : بكر بن حسّان الباهلي.

٥٠٠