تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-09-6-X
الصفحات: ٥٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

مناقب إسحاق [ العدل ] (١) : انّه كان في خلافة هشام خطيب يلعن عليّاً عليه‌السلام على المنبر ، فخرجت كفّ من قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يُرى الكفّ ولا يُرى الذراع ـ عاقدة على ثلاث وستّين ، وإذا كلام من القبر : ويلك [ من أمويّ ] (٢) ( أكَفَرتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُطفَةٍ ) الآية ، وألفت ما فيها ، فإذا دخان أزرق ، قال : فما نزل عن المنبر إلا وهو أعمى يقاد ، وما مضت عليه ثلاثة أيّام حتى مات. (٣)

وروى علماء واسط أنّه لمّا رفع عمر بن عبد العزيز اللعائن جعل خطيب واسط يلعن ، فإذا هو بثور عبر الشطّ ، وشقّ السور ، ودخل المدينة ، وأتى الجامع ، وصعد المنبر ، ونطح الخطيب فقتله ، وغاب عن أعين الناس ، فسدّوا الباب الذي دخل منه (٤) ، وأثره ظاهر وسمّوه باب الثور.

وقال هاشميّ : رأيت رجلاً بالشام قد اسودّ نصف وجهه ـ وهو يغطّيه ـ فسألته عن سبب ذلك ، فقال : نعم ، قد جعلت على نفسي أن لا يسألني أحد عن سبب ذلك إلا أخبرته ، كنت شديد الوقيعة في عليّ ، كثير الذكر له بالمكروه ، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذا بآتٍ أتاني في منامي فقال : أنت صاحب الوقيعة في عليّ؟ فضرب شقّ وجهي؟ فأصبحت وشقّ وجهي أسود كما ترى. (٥)

____________

١ و ٢ ـ من المناقب.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ، عنه البحار : ٣٩ / ٣١٨ ح ١٩ ، ومدينة المعاجز : ٢ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ح ٥٥١ و ٥٥٢ إلى قوله : فخبطه جمل حتى قتله.

٤ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : فيه.

٥ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٤ ، عنه البحار : ٣٩ / ٣١٩ ح ٢٠ ، ومدينة المعاجز : ١ / ٣١٤ ح ١٩٨ من قوله « قال هاشمي ».

وأورد نحوه في الفضائل لشاذان : ١١٥ ، والروضة في الفضائل : ١٠ ( مخطوط ) ، عنهما البحار : ٤٢ / ٨ ح ١٠.

وأورده أيضاً في الثاقب في المناقب : ٢٤١ ح ٦.

٣٦١

وكان بالمدينة رجل ناصبيّ ، ثم تشيّع بعد ذلك ، فسئل عن السبب ، فقال : إنّي رأيت في منامي عليّاً عليه‌السلام يقول [ لي ] (١) : لو حضرت صفّين مع من كنت تقاتل؟

قافل : فأطرقت اُفكّر ، فقال عليه‌السلام : يا خسيس ، هذه مسألة تحتاج إلى [ هذا ] (٢) الفكر العظيم! اصفعوا قفاه ، فصفعت (٣) حتى انتبهت وقد ورم قفاي ، فرجعت عمّا كنت عليه. (٤)

روى شيخنا ووسيلتنا إلى ربّنا الشيخ الجليل الفقيه عناد الدين محمد بن علي بن الحسين [ بن موسى ] (٥) بن بابويه القمّي في أماليه ، قال : حدّثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : حدّثني محمد بن جرير الطبري ، قال : حدّثني أحمد بن رشيد ، قال حدّثنا أبو معمر سعيد بن خثيم (٦) ، قال : حدّثني سعد ، عن الحسن البصري أنّه بلغه أنّ زاعماً يزعم أنّه ينتقص عليّاً صلوات الله عليه ، فقام في أصحابه يوماً فقال : لقد هممت أن أغلق بابي ثمّ لا أخرج من بيتي حتى يأتيني أجلي ، بلغني أنّا زاعماً منكم يزعم أنّي أنتقص خير الناس بعد نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنيسه وجليسه ، والمفرّج عنه الكرب عند الزلازل ، والقاتل للأقران يوم التنازل ، لقد فارقكم رجل قرأ القرآن فوقّره ، [ وأخذ العلم

__________________

وأخرجه في مدينة المعاجز : ١ / ٣١٤ ح ١٩٩ عن البرسي ـ ولم نجده في مشارق أنوار اليقين ـ وما فيه يوافق ما في فضائل شاذان.

١ و ٢ ـ من المناقب.

٣ ـ في المناقب : اعطوا قفاه. فصفقت.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٤ ، عنه البحار : ٤٢ / ٧ ح ٧.

٥ ـ من الأمالي.

٦ ـ في الأمالي : خيثم ( خثيم ).

٣٦٢

فوفّره ، ] (١) وحاز البأس فاستعمله في طاعة ربّه ، صابراً على مضض الحرب ، شاكراً عند اللأواء والكرب ، عمل بكتاب الله ، ونصح لنبيّه وابن عمّه وأخيه ، آخاه دون أصحابه ، وجعل عند سرّه ، وجاهد عنه صغيراً ، وقاتل معه كبيراً ، يقتل الأقران ، وينازل الفرسان دون دين الله حتى وضعت الحرب أوزارها ، مستمسكاً بعهد نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا يصدّه صادّ ، ولا يمالي عليه مضادّ ، ثمّ مضى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو عنه راض.

أعلم المسلمين علماً ، وأفهمهم فهماً ، وأقدمهم في الإسلام ، لا نظير له في مناقبه ، ولا شبيه له في ضرائبه ، فظلفت (٢) نفسه عن الشهوات ، وعمل لله في الغفلات ، وأسبغ الوضوء (٣) في السبرات ، وخشع (٤) لله في الصلوات ، وقطع نفسه عن اللذات ، مشمّراً عن ساق ، طيّب الأخلاق ، كريم الأعراق ، واتّبع سنن نبيّه ، واقتفى آثار وليّه ، فكيف أقول فيه ما يوبقني؟ وما أحد أعلمه يجد فيه مقالاً ، فكفّوا عنّا الأذى ، وتجنّبوا طريق الردى. (٥)

وقال أيضاً رضي الله عنه في أماليه : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان وعلي بن أحمد بن موسى الدقّاق ومحمد بن أحمد السناني وعبد الله بن محمد الصائغ ، قالوا : حدّثنا أبو العبّاس [ أحمد بن يحيى بن ] (٦) زكريّا القطّان ، قال : حدّثنا أبو محمد بكر بن عبدالله بن حبيب ، قال : حدّثني علي بن محمد ، قال : حدّثنا الفضل بن العبّاس ، قال حدّثنا عبد القدّوس الورّاق ، قال : حدّثنا

__________________

١ ـ من الأمالي.

٢ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : طلقت. وظلفت : منعت.

٣ ـ في الأمالي : الطهور. والسيرات : جمع السبرة ، الغداة الباردة.

٤ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : وخضع.

٥ ـ أمالي الصدوق : ٣٥٢ ح ١ ، عنه البحار : ٤٠ / ١١٧ ح ٢.

٦ ـ من الأمالي.

٣٦٣

محمد بن كثير ، عن الأعمش.

وحدّثنا الحسن بن إبراهيم بن أحمد المكتّب ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى القطّان ، قال : حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدّثني عبيد الله بن محمد بن باطويه (١) ، قال : حدّثنا محمد بن كثير ، عن الأعمش.

وأخبرنا سليمان بن أحمد بن أيّوب اللخمي فيما كتب إلينا من أصفهان ، قال : حدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري سنة ستّ وثمانين ومائتين ، قال : حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي ، قال : حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي ، قال : حدّثنا مندل بن علي العنزي (٢) ، عن الأعمش.

وحدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، قال : حدّثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي ، قال : حدّثنا علي بن عيسى الكوفي ، قال : حدّثنا جرير (٣) بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، وزاد بعضهم على بعض في اللفظ ، وقال بعضهم ما لم يقل بعض ، وسياق الحديث لمندل بن علي العنزي ، عن الأعمش ، قال : بعث إليّ أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أجب ، قال : فبقيت (٤) متفكّراً فيما بيني وبين نفسي وقلت : ما بعث إليّ [ في ] (٥) هذه الساعة الا ليسألني عن فضائل علي عليه‌السلام ، ولعلّي إن أخبرته قتلني.

قال : فكتبت وصيّتي ، ولبست كفني ، ودخلت عليه ، فقال ادن منّي ، فدنوت وعنده عمرو بن عبيد ، فلمّا رأيته طابت نفسي شيئاً ثم قال : ادن منّي ،

____________

١ ـ في الأمالي : عبد الله ( عبيد الله ) بن محمد بن باطويه ( ناطويه ).

٢ ـ في الأمالي : العنزي ( العتري ). وكذا في الموضع التالي.

٣ ـ كذا في الأمالي ، وفي الاصل : حريز.

٤ ـ في الأمالي : فقمت.

٥ ـ من الأمالي.

٣٦٤

فدنوت حتى كادت تمسّ ركبتي ركبته ، قال : فوجد منّي رائحة الحنوط ، فقال : والله لتصدقّنني وإلاّ لأصلبنّك. (١)

فقلت : ما حاجتك ، يا أمير المؤمنين؟

قال : ما شأنك متحنّطاً؟

قلت : أتاني رسولك في جوف الليل أن أجب ، فقلت : عسى أن يكون أمير المؤمنين بعث إليّ [ في ] (٢) هذه الساعة ليسألني عن فضائل عليّ عليه‌السلام. فلعلّي إن أخبرته قتلني ، فكتبت وصيّتي ، ولبست كفني.

قال : وكان متّكئاً فاستوى جالساً وقال : لا حول ولا قوّة إلا بالله ، سألتك ـ يا أعمش (٣) ـ كم حديثاً ترويه في فضائل عليّ عليه‌السلام؟

قال : فقلت : يسيراً ، يا أمير المؤمنين.

قال : كم.

قلت : عشرة آلاف وما زاد.

فقال : يا سليمان ، لاُحدّثنّك بحديث في فضل عليّ عليه‌السلام تنسى كلّ حديث [ سمعته ] (٤).

قال : قلت : حدّثني ، يا أمير المؤمنين.

قال : إنّي كنت هارباً من بني اُميّة وكنت أتردّد في البلدان (٥) وأتقرّب إلى الناس بفضائل عليّ عليه‌السلام ، وكانوا يطعموني ويزوّدوني حتى وردت إلى

__________________

١ ـ في الأمالي : لتصدّقني أو لاُصلبنّك.

٢ و ٤ ـ من الأمالي.

٣ ـ في الأمالي : سألتك بالله يا سليمان.

٥ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : من بني يزدد في البلدان.

٣٦٥

بلاد شام ، وإنّي لفي كساءٍ خلق ما عليّ غيره ، فسمعت الاقامة وأنا جائع ، فدخلت المسجد لاُصلّي وفي نفسي أن اُكلّم الناس في عشاءٍ [ يعشوني ] (١) ، فلمّا سلّم الإمام دخل المسجد صبيّان ، فالتفت الإمام اليهما وقال : مرحباً بكما ، ومرحباً بمن اسمكما على اسمهما ، وكان إلى جانبي شابّ فقلت : يا شابّ ، ما الصبيّان؟ ومن الشيخ؟

قال : هو جدّهما ، وليس أحد في هذه المدينة يحبّ عليّاً إلا [ هذا ] (٢) الشيخ ، فلذلك سمّى أحدهما الحسن والآخر الحسين ، فقمت فرحاً إلى الشيخ ، فقلت : أيها الشيخ ، هل لك حاجة في حديثٍ اُقرّ به عينك؟

قال : إن أقررت عيني أقررت عينك.

قال : قلت : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن أبيه قال : كنّا قعوداً عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ جاءت فاطمة عليها‌السلام وهي تبكي ، فقال لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبكيك يا فاطمة؟

قالت : يا أبة ، خرج الحسن والحسين فما أدري أين باتا.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة ، لا تبكي ، فإنّ الله الذي خلقهما هو ألطف بهما منك ، ورفع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يديه إلى السماء ، وقال : اللّهمّ إن كانا أخذا برّاً أو بحراً فاحفظهما وسلّمهما ، فنزل جبرائيل عليه‌السلام من السماء وقال : يا محمد ، إنّ الله سبحانه يقرئك السلام ويقول : لا تحزن ولا تغتمّ فإنّهما فاضلان في الدنيا وفاضلان في الآخرة ، وأبوهما أفضل منهما ، هما نائمان في حظيرة بني النجّار ، وقد وكّل الله بهما ملكاً.

قال : فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرحاً ومعه أصحابه حتى أتى

__________________

١ و ٢ ـ من الأمالي.

٣٦٦

حظيرة بني النجّار ، فإذا الحسن (١) معانقاً للحسين عليه‌السلام ، وإذا الملك الموكّل بهما قد افترش أحد جناحيه تحتهما وغطّاهما بالآخر.

قال : فمكث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقبّلهما حتى انتبها ، فلمّا استيقظا حمل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن ، وحمل جبرائيل الحسين فخرج من الحظيرة وهو يقول : والله لاُشرّفنّكما كما شرّفكم الله عزّ وجل.

فقال له أبو بكر : ناولني أحد الصبيّين اُخفّف عنك.

فقال : يا أبا بكر ، نعم الحاملان ، ونعم الراكبان ، وأبوهما أفضل منهما فخرجت حتى أتى باب المسجد فقال : يا بلال ، هلمّ عليّ الناس ، فنادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة ، فاجتمع الناس عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد ، فقام على قدميه ، فقال : يا معشر الناس ، هل أدلّكم على أفضل الناس جدّاً وجدّة؟

قالوا : بلى ، يا رسول الله.

قال : الحسن والحسين فإنّ جدّهما محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجدّتهما خديجة بنت خويلد.

يا معشر الناس ، هل أدلّكم على خير الناس اُمّاً وأباً؟

قالوا : بلى ، يا رسول الله.

قال : الحسن والحسين فإنّ أباهما يحبّ الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، واُمّهما فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

يا معشر الناس : هل أدلّكم على خير الناس عمّاً وعمّة؟

__________________

١ ـ في الأمالي : حتى أتوا حظيرة بني النجّار ، فإذا هم بالحسن.

٣٦٧

قالوا : بلى ، يا رسول الله.

قال : الحسن والحسين فإنّ عمّهما جعفر الطيّار في الجنّة مع الملائكة ، وعمّتهما اُمّ هانئ بنت أبي طالب.

يا معشر الناس ، هل أدلّكم على خير الناس خالاً وخالة؟

قالوا : بلى ، يا رسول الله.

قال : الحسن والحسين فإنّ خالهما القاسم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخالتهما زينب بنت رسول الله ، ثمّ قال بيده هكذا يحشرنا الله (١) ، ثمّ قال : اللّهمّ إنّك تعلم أنّ الحسن في الجنّة ، والحسين في الجنّة ، وجدّهما في الجنّة ، وجدّتهما في الجنّة ، [ وأباهما في الجنّة ، واُمّهما في الجنّة ] (٢) ، وعمّهما في الجنّة ، وعمّتهما في الجنّة ، وخالهما في الجنّة ، وخالتهما في الجنّة.

اللّهمّ إنّك تعلم من يحبّهما في الجنّة ، ومن يبغضهما في النار.

قال : فلمّا قلت ذلك للشيخ قال : من أنت يا فتى؟

قلت : رجل من أهل الكوفة.

قال : أعربيّ أنت أم مولى؟

قلت : بل عربيّ.

قال : فأنت تحدّث بهذا الحديث وأنت في هذا الكساء ، فكساني خلعته ،

__________________

١ ـ الظاهر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ضمّهما إلى صدره وأشار إلى الناس : هكذا يحشرنا الله.

٢ ـ من الأمالي.

٣٦٨

وحملني على بغلته فبعتها بمائة دينار ، وقال يا شابّ (١) ، أقررت عيني فوالله لأقرّنّ عينك ، ولأرشدنّك إلى شابّ يقرّ عينك اليوم.

قال : قلت : أرشدني.

قال : إنّ لي أخوين أحدهما إمام والآخر مؤذّن ، أمّا الإمام فإنّه يحبّ عليّاً منذ خرج من بطن اُمّه ، وأمّا المؤذّن فإنّه يبغض عليّاً منذ خرج من بطن اُمّه.

قال : قلت : أرشدني ، فأخذ بيدي حتى أتى بي إلى باب الامام ، فإذا برجل خرج إليّ وقال : أمّا البغلة والكسوة فأعرفهما ، والله ما كان فلان يكسوك ويحملك إلا لأنّك تحبّ الله ورسوله ووصيّ رسوله ، فحدّثني بحديث في فضل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال : قلت : أخبرني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : كنّا قعوداً عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ جاءت فاطمة تبكي بكاءً شديداً ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبكيك ، يا فاطمة؟

قالت : يا أبة ، عيّرتني نساء قريش وقلن : إنّ أباك زوّجك من معدم لا مال له.

فقال لها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تبكي فوالله ما زوّجتك حتى زوّجك الله من فوق عرشه ، وأشهد بذلك جبرائيل وميكائيل ، وإنّ الله سبحانه اطّلع على أهل الأرض (٢) فاختار من الخلائق أباك فبعثه نبيّاً ، ثمّ اطّلع الثانية فاختار من الخلائق عليّاً ، فزوّجك إيّاه ، واتّخذه وصيّاً ، فعليّ أشجع الناس قلباً ، وأحلم الناس حلماً ، وأسمح الناس كفّاً ، وأقدم الناس سلماً ، وأعلم الناس علماً ،

__________________

١ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : بغلته باعها بمائة دينار ، وقال : يا شيخ.

٢ ـ في الأمالي : الدنيا.

٣٦٩

والحسن والحسين ابناه وهما سيّدا شباب أهل الجنة ، واسمهما في التوراة شبير وشبر لكرامتهما على الله سبحانه.

يا فاطمة ، لا تبكي فوالله إذا كان يوم القيامة يكسى أبوك حلّتين ، وعليّ حلّتين ، ولواء الحمد بيدي ، فاُناوله عليّاً لكرامته على الله.

يا فاطمة ، لا تبكي فإنّي إذا دعيت إلى ربّ العالمين يجيّ عليّ معي ، وإذا شفّعني الله شفّع عليّ معي.

يا فاطمة ، لا تبكي فإنّه إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ في أهوال ذلك اليوم : يا محمد ، نعم الجدّ جدّك إبراهيم خليل الرحمن ، ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب.

يا فاطمة ، علي يعينني على مفاتيح الجنّة ، وشيعته هم الفائزون غداً يوم القيامة في الجنّة ، فلمّا قلت ذلك قال : يا بنيّ ممّن أنت؟

قلت : من أهل الكوفة.

قال : أعربيّ أنت أم مولى؟

قلت : عربيّ.

قال : فكساني ثلاثين ثوباً ، وأعطاني عشرة آلاف درهم ، ثمّ قال : يا شابّ ، أقررت عيني ولي إليك حاجة ، قلت : انقضيت إن شاء الله.

قال : فإذا كان غداً فائت مسجد آل فلان كيما ترى أخي المبغض لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال : فطالت عليّ تلك الليلة ، فلمّا أصبحت أتيت المسجد الذي وصف لي وقمت في الصف الأوّل فإذا إلى جانبي شابّ متعمّم فذهب ليركع فسقطت

٣٧٠

عمامته ، فنظرت في وجهه فإذا رأسه رأس خنزير ، ووجهه وجه خنزير ، فوالله ما علمت ما تكلّمت [ به ] (١) في صلاتي حتى سلّم الامام ، فقلت : يا ويحك ما الّذي أرى بك؟

فبكى وقال لي : انظر إلى هذه الدار ، فنظرت ، فقال لي : ادخل ، فدخلت ، فقال لي : كنت مؤذّناً لآل فلانٍ كلّما أذّنت (٢) لعنت عليّاً صلوات الله عليه ألف مرّة بين الاذان والإقامة ، وكلّما كان يوم الجمعة لعنته أربعة آلاف مرّة ، فخرجت من منزلي وأتيت داري واتّكأت على هذا الدكّان الّذي ترى فرأيت في منامي كأنّي في الجنّة وفيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام فرحين ، ورأيت كأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن يمينه الحسن ، وعن يساره الحسين ومعه كأس ، فقال : يا حسن ، اسقني فسقاه ، ثمّ قال : اسق الجماعة ، فسقاهم (٣) ، ثمّ رأيته كأنّه قال : اسق المتّكئ على [ هذا ] (٤) الدكّان.

فقال الحسن عليه‌السلام : يا جدّ ، أتأمرني أن أسقي هذا وهو يلعن أبي في كلّ يوم ألف مرّة بين الأذان والإقامة ، وقد لعنه في هذا اليوم أربعة آلاف مرّة بين الأذان والإقامة؟! فأتاني النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : مالك عليك لعنة الله تعلن عليّاً ، وعليّ منّي ، [ وتشتم عليّاً وعليّ منّي ] (٥)؟ ورأيته كأنّه تفل في وجهي وضربني برجله ، وقال : قم غيّر الله ما بك من نعمة ، فانتبهت [ من نومي ] (٦) فإذا رأسي رأس خنزير ، ووجهي وجه خنزير.

ثم قال لي أبو جعفر المنصور : أهذان الحديثان في يدك؟

__________________

١ و ٤ و ٥ و ٦ ـ من الأمالي.

٢ ـ في الأمالي : أصبحت.

٣ ـ في الأمالي : فشربوا.

٣٧١

فقلت : لا.

فقال : يا سليمان ، حبّ عليّ إيمان ، وبغضه نفاق ، والله لا يحبّه إلا مؤمن ، ولا يبغضه إلا منافق.

قال : فقلت : الأمان ، يا أمير المؤمنين.

قال : لك الأمان.

فقتل : ما تقول في قاتل الحسين عليه‌السلام؟

فقال : في النار ، وإلى النار.

قلت : وكذلك من يقتل ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في النار ، وإلى النار.

قال : يا سليمان ، الملك عقيم ، اخرج فحدّث بما سمعت. (١)

قلت : ثمّ لم تغن عنه الآيات والنذر ، ولم يعتبر بما شاهد وحقّه أن يعتبر ،

__________________

١ ـ أمالي الصدوق : ٣٥٣ ح ٢ ، عنه مدينة المعاجز : ١ / ٣١١ ح ١٩٦ ، وج ٣ / ٢٧٦ ح ٨٩٤ ، وغاية المرام : ٦٥٧ ح ١٠٨ ، وحلية الأبرار : ٢ / ١٣٧ ح ١.

ورواه في مناقب ابن المغازلي : ١٤٣ ح ١٨٨ ، ومناقب الخوارزمي : ٢٠٠ ، وبشارة المصطفى : ١٧٠ ـ ١٧٥.

وأورده في روضة الواعظين : ١٢٠ ـ ١٢٤ ، وفضائل شاذان : ١١٦ ـ ١٢١.

وأخرجه في البحار : ٣٧ / ٨٨ ح ٥٥ عن أمالي الصدوق وبشارة المصطفى ومناقب الخوارزمي والمناقب الفاخرة في العترة الطاهرة.

وفي ج ٤٣ / ٣٠٢ ، وعوالم العلوم : ١٦ / ٦٠ ـ ٦١ عن كشف الغمّة : ١ / ٥٢٣ ـ ٥٢٥ مختصراً.

وفي مدينة المعاجز : ٤ / ١١ ح ١٠٥١ عن عيون المعجزات : ٦٠ ـ ٦١. وفي غاية المرام : ٦٥٣ ح ١٠٧ عن مناقب الخوارزمي والمناقب الفاخرة.

وفي حلية الأبرار : ٢ / ١٣٨ ح ٢ عن مناقب الخوارزمي.

٣٧٢

حتى يتبع بالأذى ذرّيّته ، وقصد بالأدا (١) عترته ، فكم علويّ أضحى منه ومن ولده في أضيق سجن وأسر ، وأسبغ حكم وقهر ، قد أكلت الجوامع لحم سواعده ويديه ، ووضعت الأصفاد من قدميه إلى حقويه ، وأثّرت الأغلال في عنقه وعضديه ، ونظرت الحتوف عن كثب إليه ، يستعذب الموت من أليم عذابهم ، ويستطب الفوت لوخيم عقابهم.

وكم فاطميّ فطم عن ثدي الحياة بقواتل سمومهم ، وكم حسينيّ انتظم في سلك الأموات بسيوف وقائعهم ونقمهم ، سل فخّاً (٢) وما حلّ بآل الرسول في عراها ، والزوراء وما غيّب من ولد البتول في ثراها ، وخراسان ومن شرّفت به مرابع طوسها ، والعراق وما حلّ من أمجادهم في ضرائح رموسها.

ترى مشاهدهم في الأقطار تشهد بجلالة قدرهم ، وتعاهدهم في الأمصار ينبي عن غزارة فضلهم ، وأنوار الايمان تسطع من قباب مزاراتهم ، وسحائب الغفران تهمع من اكمال زياراتهم ، يغفر الله الذنوب بالهجرة إليها ، ويكشف الكروب بالعكوف بحضراتها ومبانيها.

كلّما تقادمت الأيّام تجدّد فجرهم ، وكلّما تعاقبت الأعوام تعالى ذكرهم ، ورثوا المجد بالأصالة ، لما تمّمت بجدّهم الرسالة ، وعلت كلمتهم في الآفاق ، لما اُقيم أبوهم وليّاً على الإطلاق ، شدّ الله بزكيّهم أزر ملّته ، واستشهد بشهيدهم على برهان ربوبيّته ، وزيّن بعابدهم أوراد عبادته ، وبيّن بباقرهم وصادقهم أسرار شيعته ، وأظهر بعالمهم وكاظمهم أنوار حكمته ، وجعل رضاه مقروناً برضاهم ، وعلمه مخزوناً في جوادهم ومرتضاهم ، وهداه في اتّباع سبيل

__________________

١ ـ كذا في الأصل.

٢ ـ فخّ : واد بمكّة ، قتل به الحسين بن علي بن الحسين يوم التروية سنة تسع وستّين ومائة ، وقتل جماعة من أهل بيته ... « مراصد الاطّلاع : ٣ / ١٠١٩ ».

٣٧٣

هاديهم ، وولاه منوطاً بولاء عسكريّهم وزكيّهم ، وقوام الخلق بقائمهم ، وقيام الحقّ بعالمهم ، صاحب الشوكة والقوّة ، وظاهر الملّة والدعوة ، حجّة الله على بريّته ، ومحجّته في خليقته ، والقائم بالقسط في اُمّة جدّه ، والداعي إلى الحق بجدّه وجهده.

ذكر راحة روحي وقلبي ، ومدحه مجلي همّي وكربي ، وخياله نصب سواد مقلتي ، وجماله في سويداء قلبي ومهجتي ، أحنّ إلى ؤرؤيته ولو في طيف المنام ، وأشتاق الى بهجته وإن بعد المرام ، أوّ دلو ثبّتني في جرائد الخالصين من عبيده ، وأن يرقمني في دفاتر المخلصين من جنوده ، وأن يسمني بميسم العبوديّة في جنبي لعزيز جنابه ، وأن يطوّقني بطوق الرقّية لملازمة ركابه ، أسير بين يدي طرفه ولو على رأسي وطرفي ، وأستلمح أنوار بهجته من بين يديّ ومن خلفي ، واُسارع إلى أمره بقلبي وقالبي ، وأستظلّ بظلّ جواده وذلك أقصى مطالبي ، رافعاً صوتي مدّة مسيري بين يديه ، متابعاً لفظي حين إشارتي بالصلاة عليه ، قائلاً : معاشر المؤمنين ، افرجوا عن سبيل سبيل ربّكم ، وتنحّوا عن طريق وليّ أمركم.

هذا علّة وجودكم ، هذا دليلكم على معبودكم ، هذا صاحب زمانكم هذا ناصب أعلامكم ، هذا وسيلتك إلى ربّكم يوم حشركم ، هذا نوركم الّذي يسعى بين أيديكم ومن خلفكم حين بشركم ، هذا الذي وعدكم به سيّد المرسلين ولا خلف لوعده ، هذا الّذي الروح الأمين من بعض حشمه وجنده ، هذا فرع الشجرة المباركة ، هذا خليفة الله بلا مشاركة ، هذا علم العترة الطاهرة ، هذا مصباح الاُسرة الفاخرة ، هذا شمس الشريعة النبويّة ، هذا بدر الذرّيّة العلويّة ، هذا ممصّر الأمصار ، هذا مدمّر الفجّار ، هذا هادم أركان النفاق ، هذا قاطع أسباب الشقاق ، هذا الصادق بالحقّ ، هذا الناطق بالصدق ، هذا طود الحلم ، هذا

٣٧٤

بحر العلم ، هذا إمام الاُمّة ، هذا صاحب ( وَنُرِيدُ أن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الأرضِ وَنَجعَلَهُم أئِمَّةً ) (١) ، هذا الذي لولا وجوده لصاخت الأرض بكم ، ولأخذكم العذاب من فوقكم ومن تحت أرجلكم ، هذا خليفة الأنبياء ، هذا خاتمة الأوصياء.

غضّوا أبصاركم إذا أشرتم بالصلاة عليه ، واخفضوا أصواتكم ولا تقدّموا بين يديه ، واسألوا الله بحقّه فهو من أعظم وسائلكم إليه ، لا يقبل الله منكم صرفاً ولا عدلاً إلا باتّباع سبيله ، ولا يقيم لكم يوم القيامة وزناً إلا باقتفاء دليله.

فلا أزال أهتف بهذه الكلمات مدّة مسيري في ظلّ ركابه ، وأبهج بهذه الصفات منذ مصيري غاشياً دار جنابه ، حتى إذا التقى الجمعان ، واصطدم الفيلقان ، ضربت بين يديه بسيفي قدماً قدماً ، وقصمت الأصلاب بشدّة بطشي قصماً قصماً ، وقيّضت الأجساد بثعلب رمحي شكاً شكاً ، وجندلت الأبطال بقوّة عزمي فتكاً فتكاً ، لا اُوقر كبير أهل النفاق ، ولا أرحم صغيرهم ، ولا أغمد حسامي حتى اُبيد أميرهم ومأمورهم.

لو نشر لي صدّيقهم نجل قحّافهم في تلك الحال لفلقت قحفته بنصفين ، ولو تراءى لعيني زعيمهم فاروقهم عند مقارعة الأبطال لفرقت فرقه شطرين ، ولصبغت من ذي نوريهم أثباجه من دم أوداجه ، ولأطفأت لابن هندهم من نور الحياة ضوء سراجه ، ولآذيت أهل هودجهم بقولي وفعلي ، ولو جأت جبينها وخدها بسبت نعلي ، وللعنت أباها وجدّها بعالي صوتي ، ولشفيت عليك صدري منها ومن جندها قبل موتي ، حتى أجعلها في عرصة الجمع تذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع.

__________________

١ ـ سورة القصص : ٥.

٣٧٥

يا ابن من أسرى به الله إلى حضرته

وبه أظهر دين الـحقّ مـن بعثته

يا سميّ الفاتح الخاتم يا نـور الهدى

يا منار الحائر التـائـه فـي حيرته

يا أمان المـلك الجبـّار في عـالمه

يا أمين المصطفى المختـار في اُمّته

كم غياب عـن عليل عظمت علّته

كم حجاب من مشوق مات من غصّته

لو تزره عائداً لو في الكرى أحييته

وبثثت الـروح بعد الـموت في جثّته

لم يزل منك جمال في سويداء قلبه

وخيال فـي سواد الطـرف من مقلتهِ

مستمرّ عهده مـن عالـم الذرّ إلى

أن يوافيكم غـداً بالصدق في رجعتهِ

نوره مذتمّ منكم صار لا يخشى بكم

زخرفاً من باطـل يوديه فـي ظلمتهِ

مذ خلا عمّا سواكم قلـبه صار له

ذكـركـم دأباً به يأنس في خـلوته

نحوكم منطقه كالدرّ فـي ترصيعه

ببديع يطـرب الأسمـاع من دقّـته

٣٧٦

ببيان من معـان صـرفهـا في مدحكم

يزدريه الجاهل الهالك فـي شبهته

قسماً بالله ثـمّ المصـطـفى أكرم من

أرسل الله وبالأطهار من عتـرتـه

انّ لي صدق يقـين بـولاكـم لا أرى

غيره ينقذ للإنسـان فـي لعـنـته

يا مليكاً جـعـل اللـه له فـي ملـكه

بسطة منها مدار الخلق في قبـضته

لو نهيت الشمس عن إشراقها ما أشرقت

ومنعت الـفلـك الدوّار عن دورته

كلّما فكّرت في جرمـي ومـا أسلفته

من كبير موبق أسعـفت مـن تبعته

قال لي حسن يقيـني لك حـصن مانع

ذلك المولى الذي بالـغت في مدحته

حجّة الـوقـت ولـيّ الـله في عالمه

ساطع البرهان والظاهر فـي حجّته

بحر علم طود حلـم لا يضاهـى مجده

كنز جود لا يسامى في عـلا رفعته

غائب عن مقلتي لـكن بقـلبي حاضر

لم يزل فيه خيال مـن سـنا بهجته

٣٧٧

يا مديد العمر صل صبا تقضّى عمره

في انتظار واشفِهِ بالوصل من عـلّته

يا إلهي إن تقضّى أجلي من قبل أن

تقض لي بالسعد في دنياي من رؤيته

فامح عنّي موبقات ليس تحصى كثرة

واجعلنّي يوم حشر الخلق فـي زمرته

أقول : إنّ هذه الجملة المعترضة التي قرّرتها ، والأبيات المسطّرة التي ذكرتها ، ليست من ملازمات المجلس المذكور ، ولا من غصون المقصد المذكور ، لكن لما صبّت الصبابة شآبيبها على قلبي ، وأضرمت الكآبة لهيبها في لبّي ، وذلك لما ألقى الله على لسان الحائد عن الحقّ ، ونطق به الجاحد من الصدق ، وشهد بما هو حجّة عليه في الدنيا والاُخرى ، فصار ومن انتمى إليه نحري الله أحقّ وأحرى ، أوحى جناني إلى لساني ، وألقى بياني على بناني ، هذه الكلمات المحلّاة بترصيعي وتسجيعي ، والأبيات المستمعة بمعاني بياني وبديعي ، فصارت كالعقد في صدر الخريدة ، أو العهد في صدر الجريدة.

ولنرجع إلى تمام المجلس الموعود ، والله المستعان على كلّ جبّار كنود.

الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام : كان إبراهيم بن هاشم المخزومي والياً على المدينة ، وكان يجمعنا كلّ يوم جمعة قريباً من المنبر ويشتم عليّاً عليه‌السلام ، فلصقت بالمنبر فأغفيت ، وفرأيت القبر قد انفرج فخرج منه رجل عليه ثياب بيض ، فقال لي : يا أبا عبد الله ، ألا يحزنك ما يقول هذا؟

قلت : بلى ، والله.

٣٧٨

قال : افتح عينيك انظر ما يصنع الله به ، وإذا هو قد ذكر عليّاً فرمي به من فوق المنبر فمات. (١)

عثمان بن عفّان السجستاني : [ إنّ محمد بن عبّاد ] (٢) قال : كان في جواري رجل صالح ، فرأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه على شفير الحوض والحسن والحسين يسقيان الاُمّة ، فاستسقيت فأبيا عليَّ ، فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أسأله ، فقال : لا تسقوه ، فإنّ في جوارك رجل يلعن عليّاً فلم تنهه ، ثم ناولني سكّيناً ، وقال : اذهب فاذبحه.

قال : فخرجت فذبحته ودفعت السكّين إليه ، فقال : يا حسين ، اسقه ، فسقاني ، فأخذت الكأس بيدي ولا أدري أشربت أم لا ، فانتبهت فإذا بولولة ويقولون : فلان ذبح على فراشه ، وأخذ الشرطة الجيران ، فقمت إلى الأمير ، فقلت : أصلحك الله أنا فعلت به هذا والقوم براء ، وقصصت عليه الرؤيا ، فقال : اذهب جزاك الله خيراً. (٣)

عبد الله بن السائب وكثير بن الصلت ، قالا : جمع زياد بن أبيه أشراف الكوفة في مسجد الرحبة ليحملهم على سبّ أمير المؤمنين عليه‌السلام والبراءة منه ، فأغفيت فإذا أنا بشخص طويل العنق ، أهدل أهدب (٤) ، قد سدّ ما بين السماء والأرض ، فقلت له : من أنت؟

__________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٥ ، عنه البحار ، ٣٩ / ٣٢٠ ، ومدينة المعاجز : ٢ / ٢٨٥ ح ٥٥٤.

٢ ـ من المناقب.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٥ ، عنه البحار : ٣٩ / ٣٢٠.

وأخرجه في مدينة المعاجز : ٢ / ٢٨٦ ح ٥٥٥ عن مناقب ابن شهراشوب والثاقب في المناقب : ٢٣٩ ح ٢٠٣.

٤ ـ الأهدل : المسترخي الشفة السفلى الغليظها. والأهدب : طويل شعر الأجفان.

٣٧٩

قال : أنا النقّاد ذو الرقبة طاعون بعثت إلى زياد ، فانتبهت فزعاً فسمعت الواعية ، وأنشأت أقول :

قد جشم الناس أمراً ضاق ذرعهـم

بحملهم (١) حين أدّاهم إلى الرحبة

يدعو على ناصر الإسلام حين يرى

له على المشركين الطول والغلبة

ما كان منتـهـياً عـمّا أراد بـه (٢)

حـتى تـناوله النقّاد ذو الرقبة

فأسط الـشقّ مـنه ضـربة عجباً

كما تناول ظلماً صاحب الرحبة (٣) (٤)

ولمّا أتم الله سبحانه به دينه ، وأثبت في صحائف الاخلاص يقينه ، قاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله ، وشدّ أركان الإيمان بواضح دليله ، ومهّد سبيل الإسلام براسخ علمه ، وبيّن طريق الأحكام بصائب حكمه ، وأبطل شبهة أهل البغي بظاهر حجّة أدلّته ، وأدحض حجّة اولي الغيّ بصائب حكمته ، وأحيا سنّة أخيه الصادق الأمين في قوله : لتقاتلنّ بعدي الناكثين والقاسطين

____________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : يحمله.

٢ ـ في الأمالي : بنا.

٣ ـ المراد من « صاحب الرحبة » أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٥ ، عنه البحار : ٣٩ / ٣٢١.

ورواه في أمالي الطوسي : ١ / ٢٣٨ ( مختصراً ) ، عنه البحار : ٣٩ / ٣١٤ ح ١٠.

وفي ج ٢ / ٢٣٢ ، عنه البحار : ٤٢ / ٦ ح ٦.

وأخرجه في مدينة المعاجز : ٢ / ٢٦٢ ح ٥٤٢ ، عن الأمالي ـ الرواية الثانية ـ والمناقب.

٣٨٠