السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري
المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-09-6-X
الصفحات: ٥٩٢
مناقب إسحاق [ العدل ] (١) : انّه كان في خلافة هشام خطيب يلعن عليّاً عليهالسلام على المنبر ، فخرجت كفّ من قبر رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ يُرى الكفّ ولا يُرى الذراع ـ عاقدة على ثلاث وستّين ، وإذا كلام من القبر : ويلك [ من أمويّ ] (٢) ( أكَفَرتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُطفَةٍ ) الآية ، وألفت ما فيها ، فإذا دخان أزرق ، قال : فما نزل عن المنبر إلا وهو أعمى يقاد ، وما مضت عليه ثلاثة أيّام حتى مات. (٣)
وروى علماء واسط أنّه لمّا رفع عمر بن عبد العزيز اللعائن جعل خطيب واسط يلعن ، فإذا هو بثور عبر الشطّ ، وشقّ السور ، ودخل المدينة ، وأتى الجامع ، وصعد المنبر ، ونطح الخطيب فقتله ، وغاب عن أعين الناس ، فسدّوا الباب الذي دخل منه (٤) ، وأثره ظاهر وسمّوه باب الثور.
وقال هاشميّ : رأيت رجلاً بالشام قد اسودّ نصف وجهه ـ وهو يغطّيه ـ فسألته عن سبب ذلك ، فقال : نعم ، قد جعلت على نفسي أن لا يسألني أحد عن سبب ذلك إلا أخبرته ، كنت شديد الوقيعة في عليّ ، كثير الذكر له بالمكروه ، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذا بآتٍ أتاني في منامي فقال : أنت صاحب الوقيعة في عليّ؟ فضرب شقّ وجهي؟ فأصبحت وشقّ وجهي أسود كما ترى. (٥)
____________
١ و ٢ ـ من المناقب.
٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ، عنه البحار : ٣٩ / ٣١٨ ح ١٩ ، ومدينة المعاجز : ٢ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ح ٥٥١ و ٥٥٢ إلى قوله : فخبطه جمل حتى قتله.
٤ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : فيه.
٥ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٤ ، عنه البحار : ٣٩ / ٣١٩ ح ٢٠ ، ومدينة المعاجز : ١ / ٣١٤ ح ١٩٨ من قوله « قال هاشمي ».
وأورد نحوه في الفضائل لشاذان : ١١٥ ، والروضة في الفضائل : ١٠ ( مخطوط ) ، عنهما البحار : ٤٢ / ٨ ح ١٠.
وأورده أيضاً في الثاقب في المناقب : ٢٤١ ح ٦.
وكان بالمدينة رجل ناصبيّ ، ثم تشيّع بعد ذلك ، فسئل عن السبب ، فقال : إنّي رأيت في منامي عليّاً عليهالسلام يقول [ لي ] (١) : لو حضرت صفّين مع من كنت تقاتل؟
قافل : فأطرقت اُفكّر ، فقال عليهالسلام : يا خسيس ، هذه مسألة تحتاج إلى [ هذا ] (٢) الفكر العظيم! اصفعوا قفاه ، فصفعت (٣) حتى انتبهت وقد ورم قفاي ، فرجعت عمّا كنت عليه. (٤)
روى شيخنا ووسيلتنا إلى ربّنا الشيخ الجليل الفقيه عناد الدين محمد بن علي بن الحسين [ بن موسى ] (٥) بن بابويه القمّي في أماليه ، قال : حدّثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : حدّثني محمد بن جرير الطبري ، قال : حدّثني أحمد بن رشيد ، قال حدّثنا أبو معمر سعيد بن خثيم (٦) ، قال : حدّثني سعد ، عن الحسن البصري أنّه بلغه أنّ زاعماً يزعم أنّه ينتقص عليّاً صلوات الله عليه ، فقام في أصحابه يوماً فقال : لقد هممت أن أغلق بابي ثمّ لا أخرج من بيتي حتى يأتيني أجلي ، بلغني أنّا زاعماً منكم يزعم أنّي أنتقص خير الناس بعد نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، وأنيسه وجليسه ، والمفرّج عنه الكرب عند الزلازل ، والقاتل للأقران يوم التنازل ، لقد فارقكم رجل قرأ القرآن فوقّره ، [ وأخذ العلم
__________________
وأخرجه في مدينة المعاجز : ١ / ٣١٤ ح ١٩٩ عن البرسي ـ ولم نجده في مشارق أنوار اليقين ـ وما فيه يوافق ما في فضائل شاذان.
١ و ٢ ـ من المناقب.
٣ ـ في المناقب : اعطوا قفاه. فصفقت.
٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٤ ، عنه البحار : ٤٢ / ٧ ح ٧.
٥ ـ من الأمالي.
٦ ـ في الأمالي : خيثم ( خثيم ).
فوفّره ، ] (١) وحاز البأس فاستعمله في طاعة ربّه ، صابراً على مضض الحرب ، شاكراً عند اللأواء والكرب ، عمل بكتاب الله ، ونصح لنبيّه وابن عمّه وأخيه ، آخاه دون أصحابه ، وجعل عند سرّه ، وجاهد عنه صغيراً ، وقاتل معه كبيراً ، يقتل الأقران ، وينازل الفرسان دون دين الله حتى وضعت الحرب أوزارها ، مستمسكاً بعهد نبيه صلىاللهعليهوآله ، لا يصدّه صادّ ، ولا يمالي عليه مضادّ ، ثمّ مضى النبيّ صلىاللهعليهوآله وهو عنه راض.
أعلم المسلمين علماً ، وأفهمهم فهماً ، وأقدمهم في الإسلام ، لا نظير له في مناقبه ، ولا شبيه له في ضرائبه ، فظلفت (٢) نفسه عن الشهوات ، وعمل لله في الغفلات ، وأسبغ الوضوء (٣) في السبرات ، وخشع (٤) لله في الصلوات ، وقطع نفسه عن اللذات ، مشمّراً عن ساق ، طيّب الأخلاق ، كريم الأعراق ، واتّبع سنن نبيّه ، واقتفى آثار وليّه ، فكيف أقول فيه ما يوبقني؟ وما أحد أعلمه يجد فيه مقالاً ، فكفّوا عنّا الأذى ، وتجنّبوا طريق الردى. (٥)
وقال أيضاً رضي الله عنه في أماليه : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان وعلي بن أحمد بن موسى الدقّاق ومحمد بن أحمد السناني وعبد الله بن محمد الصائغ ، قالوا : حدّثنا أبو العبّاس [ أحمد بن يحيى بن ] (٦) زكريّا القطّان ، قال : حدّثنا أبو محمد بكر بن عبدالله بن حبيب ، قال : حدّثني علي بن محمد ، قال : حدّثنا الفضل بن العبّاس ، قال حدّثنا عبد القدّوس الورّاق ، قال : حدّثنا
__________________
١ ـ من الأمالي.
٢ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : طلقت. وظلفت : منعت.
٣ ـ في الأمالي : الطهور. والسيرات : جمع السبرة ، الغداة الباردة.
٤ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : وخضع.
٥ ـ أمالي الصدوق : ٣٥٢ ح ١ ، عنه البحار : ٤٠ / ١١٧ ح ٢.
٦ ـ من الأمالي.
محمد بن كثير ، عن الأعمش.
وحدّثنا الحسن بن إبراهيم بن أحمد المكتّب ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى القطّان ، قال : حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدّثني عبيد الله بن محمد بن باطويه (١) ، قال : حدّثنا محمد بن كثير ، عن الأعمش.
وأخبرنا سليمان بن أحمد بن أيّوب اللخمي فيما كتب إلينا من أصفهان ، قال : حدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري سنة ستّ وثمانين ومائتين ، قال : حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي ، قال : حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي ، قال : حدّثنا مندل بن علي العنزي (٢) ، عن الأعمش.
وحدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، قال : حدّثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي ، قال : حدّثنا علي بن عيسى الكوفي ، قال : حدّثنا جرير (٣) بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، وزاد بعضهم على بعض في اللفظ ، وقال بعضهم ما لم يقل بعض ، وسياق الحديث لمندل بن علي العنزي ، عن الأعمش ، قال : بعث إليّ أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أجب ، قال : فبقيت (٤) متفكّراً فيما بيني وبين نفسي وقلت : ما بعث إليّ [ في ] (٥) هذه الساعة الا ليسألني عن فضائل علي عليهالسلام ، ولعلّي إن أخبرته قتلني.
قال : فكتبت وصيّتي ، ولبست كفني ، ودخلت عليه ، فقال ادن منّي ، فدنوت وعنده عمرو بن عبيد ، فلمّا رأيته طابت نفسي شيئاً ثم قال : ادن منّي ،
____________
١ ـ في الأمالي : عبد الله ( عبيد الله ) بن محمد بن باطويه ( ناطويه ).
٢ ـ في الأمالي : العنزي ( العتري ). وكذا في الموضع التالي.
٣ ـ كذا في الأمالي ، وفي الاصل : حريز.
٤ ـ في الأمالي : فقمت.
٥ ـ من الأمالي.
فدنوت حتى كادت تمسّ ركبتي ركبته ، قال : فوجد منّي رائحة الحنوط ، فقال : والله لتصدقّنني وإلاّ لأصلبنّك. (١)
فقلت : ما حاجتك ، يا أمير المؤمنين؟
قال : ما شأنك متحنّطاً؟
قلت : أتاني رسولك في جوف الليل أن أجب ، فقلت : عسى أن يكون أمير المؤمنين بعث إليّ [ في ] (٢) هذه الساعة ليسألني عن فضائل عليّ عليهالسلام. فلعلّي إن أخبرته قتلني ، فكتبت وصيّتي ، ولبست كفني.
قال : وكان متّكئاً فاستوى جالساً وقال : لا حول ولا قوّة إلا بالله ، سألتك ـ يا أعمش (٣) ـ كم حديثاً ترويه في فضائل عليّ عليهالسلام؟
قال : فقلت : يسيراً ، يا أمير المؤمنين.
قال : كم.
قلت : عشرة آلاف وما زاد.
فقال : يا سليمان ، لاُحدّثنّك بحديث في فضل عليّ عليهالسلام تنسى كلّ حديث [ سمعته ] (٤).
قال : قلت : حدّثني ، يا أمير المؤمنين.
قال : إنّي كنت هارباً من بني اُميّة وكنت أتردّد في البلدان (٥) وأتقرّب إلى الناس بفضائل عليّ عليهالسلام ، وكانوا يطعموني ويزوّدوني حتى وردت إلى
__________________
١ ـ في الأمالي : لتصدّقني أو لاُصلبنّك.
٢ و ٤ ـ من الأمالي.
٣ ـ في الأمالي : سألتك بالله يا سليمان.
٥ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : من بني يزدد في البلدان.
بلاد شام ، وإنّي لفي كساءٍ خلق ما عليّ غيره ، فسمعت الاقامة وأنا جائع ، فدخلت المسجد لاُصلّي وفي نفسي أن اُكلّم الناس في عشاءٍ [ يعشوني ] (١) ، فلمّا سلّم الإمام دخل المسجد صبيّان ، فالتفت الإمام اليهما وقال : مرحباً بكما ، ومرحباً بمن اسمكما على اسمهما ، وكان إلى جانبي شابّ فقلت : يا شابّ ، ما الصبيّان؟ ومن الشيخ؟
قال : هو جدّهما ، وليس أحد في هذه المدينة يحبّ عليّاً إلا [ هذا ] (٢) الشيخ ، فلذلك سمّى أحدهما الحسن والآخر الحسين ، فقمت فرحاً إلى الشيخ ، فقلت : أيها الشيخ ، هل لك حاجة في حديثٍ اُقرّ به عينك؟
قال : إن أقررت عيني أقررت عينك.
قال : قلت : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن أبيه قال : كنّا قعوداً عند رسول الله صلىاللهعليهوآله إذ جاءت فاطمة عليهاالسلام وهي تبكي ، فقال لها النبي صلىاللهعليهوآله : ما يبكيك يا فاطمة؟
قالت : يا أبة ، خرج الحسن والحسين فما أدري أين باتا.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : يا فاطمة ، لا تبكي ، فإنّ الله الذي خلقهما هو ألطف بهما منك ، ورفع النبيّ صلىاللهعليهوآله يديه إلى السماء ، وقال : اللّهمّ إن كانا أخذا برّاً أو بحراً فاحفظهما وسلّمهما ، فنزل جبرائيل عليهالسلام من السماء وقال : يا محمد ، إنّ الله سبحانه يقرئك السلام ويقول : لا تحزن ولا تغتمّ فإنّهما فاضلان في الدنيا وفاضلان في الآخرة ، وأبوهما أفضل منهما ، هما نائمان في حظيرة بني النجّار ، وقد وكّل الله بهما ملكاً.
قال : فقام رسول الله صلىاللهعليهوآله فرحاً ومعه أصحابه حتى أتى
__________________
١ و ٢ ـ من الأمالي.
حظيرة بني النجّار ، فإذا الحسن (١) معانقاً للحسين عليهالسلام ، وإذا الملك الموكّل بهما قد افترش أحد جناحيه تحتهما وغطّاهما بالآخر.
قال : فمكث النبي صلىاللهعليهوآله يقبّلهما حتى انتبها ، فلمّا استيقظا حمل النبيّ صلىاللهعليهوآله الحسن ، وحمل جبرائيل الحسين فخرج من الحظيرة وهو يقول : والله لاُشرّفنّكما كما شرّفكم الله عزّ وجل.
فقال له أبو بكر : ناولني أحد الصبيّين اُخفّف عنك.
فقال : يا أبا بكر ، نعم الحاملان ، ونعم الراكبان ، وأبوهما أفضل منهما فخرجت حتى أتى باب المسجد فقال : يا بلال ، هلمّ عليّ الناس ، فنادى منادي رسول الله صلىاللهعليهوآله في المدينة ، فاجتمع الناس عند رسول الله صلىاللهعليهوآله في المسجد ، فقام على قدميه ، فقال : يا معشر الناس ، هل أدلّكم على أفضل الناس جدّاً وجدّة؟
قالوا : بلى ، يا رسول الله.
قال : الحسن والحسين فإنّ جدّهما محمد صلىاللهعليهوآله ، وجدّتهما خديجة بنت خويلد.
يا معشر الناس ، هل أدلّكم على خير الناس اُمّاً وأباً؟
قالوا : بلى ، يا رسول الله.
قال : الحسن والحسين فإنّ أباهما يحبّ الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، واُمّهما فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله .
يا معشر الناس : هل أدلّكم على خير الناس عمّاً وعمّة؟
__________________
١ ـ في الأمالي : حتى أتوا حظيرة بني النجّار ، فإذا هم بالحسن.
قالوا : بلى ، يا رسول الله.
قال : الحسن والحسين فإنّ عمّهما جعفر الطيّار في الجنّة مع الملائكة ، وعمّتهما اُمّ هانئ بنت أبي طالب.
يا معشر الناس ، هل أدلّكم على خير الناس خالاً وخالة؟
قالوا : بلى ، يا رسول الله.
قال : الحسن والحسين فإنّ خالهما القاسم بن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وخالتهما زينب بنت رسول الله ، ثمّ قال بيده هكذا يحشرنا الله (١) ، ثمّ قال : اللّهمّ إنّك تعلم أنّ الحسن في الجنّة ، والحسين في الجنّة ، وجدّهما في الجنّة ، وجدّتهما في الجنّة ، [ وأباهما في الجنّة ، واُمّهما في الجنّة ] (٢) ، وعمّهما في الجنّة ، وعمّتهما في الجنّة ، وخالهما في الجنّة ، وخالتهما في الجنّة.
اللّهمّ إنّك تعلم من يحبّهما في الجنّة ، ومن يبغضهما في النار.
قال : فلمّا قلت ذلك للشيخ قال : من أنت يا فتى؟
قلت : رجل من أهل الكوفة.
قال : أعربيّ أنت أم مولى؟
قلت : بل عربيّ.
قال : فأنت تحدّث بهذا الحديث وأنت في هذا الكساء ، فكساني خلعته ،
__________________
١ ـ الظاهر أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ضمّهما إلى صدره وأشار إلى الناس : هكذا يحشرنا الله.
٢ ـ من الأمالي.
وحملني على بغلته فبعتها بمائة دينار ، وقال يا شابّ (١) ، أقررت عيني فوالله لأقرّنّ عينك ، ولأرشدنّك إلى شابّ يقرّ عينك اليوم.
قال : قلت : أرشدني.
قال : إنّ لي أخوين أحدهما إمام والآخر مؤذّن ، أمّا الإمام فإنّه يحبّ عليّاً منذ خرج من بطن اُمّه ، وأمّا المؤذّن فإنّه يبغض عليّاً منذ خرج من بطن اُمّه.
قال : قلت : أرشدني ، فأخذ بيدي حتى أتى بي إلى باب الامام ، فإذا برجل خرج إليّ وقال : أمّا البغلة والكسوة فأعرفهما ، والله ما كان فلان يكسوك ويحملك إلا لأنّك تحبّ الله ورسوله ووصيّ رسوله ، فحدّثني بحديث في فضل عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
قال : قلت : أخبرني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : كنّا قعوداً عند رسول الله صلىاللهعليهوآله إذ جاءت فاطمة تبكي بكاءً شديداً ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما يبكيك ، يا فاطمة؟
قالت : يا أبة ، عيّرتني نساء قريش وقلن : إنّ أباك زوّجك من معدم لا مال له.
فقال لها النبيّ صلىاللهعليهوآله : لا تبكي فوالله ما زوّجتك حتى زوّجك الله من فوق عرشه ، وأشهد بذلك جبرائيل وميكائيل ، وإنّ الله سبحانه اطّلع على أهل الأرض (٢) فاختار من الخلائق أباك فبعثه نبيّاً ، ثمّ اطّلع الثانية فاختار من الخلائق عليّاً ، فزوّجك إيّاه ، واتّخذه وصيّاً ، فعليّ أشجع الناس قلباً ، وأحلم الناس حلماً ، وأسمح الناس كفّاً ، وأقدم الناس سلماً ، وأعلم الناس علماً ،
__________________
١ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : بغلته باعها بمائة دينار ، وقال : يا شيخ.
٢ ـ في الأمالي : الدنيا.
والحسن والحسين ابناه وهما سيّدا شباب أهل الجنة ، واسمهما في التوراة شبير وشبر لكرامتهما على الله سبحانه.
يا فاطمة ، لا تبكي فوالله إذا كان يوم القيامة يكسى أبوك حلّتين ، وعليّ حلّتين ، ولواء الحمد بيدي ، فاُناوله عليّاً لكرامته على الله.
يا فاطمة ، لا تبكي فإنّي إذا دعيت إلى ربّ العالمين يجيّ عليّ معي ، وإذا شفّعني الله شفّع عليّ معي.
يا فاطمة ، لا تبكي فإنّه إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ في أهوال ذلك اليوم : يا محمد ، نعم الجدّ جدّك إبراهيم خليل الرحمن ، ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب.
يا فاطمة ، علي يعينني على مفاتيح الجنّة ، وشيعته هم الفائزون غداً يوم القيامة في الجنّة ، فلمّا قلت ذلك قال : يا بنيّ ممّن أنت؟
قلت : من أهل الكوفة.
قال : أعربيّ أنت أم مولى؟
قلت : عربيّ.
قال : فكساني ثلاثين ثوباً ، وأعطاني عشرة آلاف درهم ، ثمّ قال : يا شابّ ، أقررت عيني ولي إليك حاجة ، قلت : انقضيت إن شاء الله.
قال : فإذا كان غداً فائت مسجد آل فلان كيما ترى أخي المبغض لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
قال : فطالت عليّ تلك الليلة ، فلمّا أصبحت أتيت المسجد الذي وصف لي وقمت في الصف الأوّل فإذا إلى جانبي شابّ متعمّم فذهب ليركع فسقطت
عمامته ، فنظرت في وجهه فإذا رأسه رأس خنزير ، ووجهه وجه خنزير ، فوالله ما علمت ما تكلّمت [ به ] (١) في صلاتي حتى سلّم الامام ، فقلت : يا ويحك ما الّذي أرى بك؟
فبكى وقال لي : انظر إلى هذه الدار ، فنظرت ، فقال لي : ادخل ، فدخلت ، فقال لي : كنت مؤذّناً لآل فلانٍ كلّما أذّنت (٢) لعنت عليّاً صلوات الله عليه ألف مرّة بين الاذان والإقامة ، وكلّما كان يوم الجمعة لعنته أربعة آلاف مرّة ، فخرجت من منزلي وأتيت داري واتّكأت على هذا الدكّان الّذي ترى فرأيت في منامي كأنّي في الجنّة وفيها رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلي عليهالسلام فرحين ، ورأيت كأنّ النبي صلىاللهعليهوآله عن يمينه الحسن ، وعن يساره الحسين ومعه كأس ، فقال : يا حسن ، اسقني فسقاه ، ثمّ قال : اسق الجماعة ، فسقاهم (٣) ، ثمّ رأيته كأنّه قال : اسق المتّكئ على [ هذا ] (٤) الدكّان.
فقال الحسن عليهالسلام : يا جدّ ، أتأمرني أن أسقي هذا وهو يلعن أبي في كلّ يوم ألف مرّة بين الأذان والإقامة ، وقد لعنه في هذا اليوم أربعة آلاف مرّة بين الأذان والإقامة؟! فأتاني النبيّ صلىاللهعليهوآله وقال : مالك عليك لعنة الله تعلن عليّاً ، وعليّ منّي ، [ وتشتم عليّاً وعليّ منّي ] (٥)؟ ورأيته كأنّه تفل في وجهي وضربني برجله ، وقال : قم غيّر الله ما بك من نعمة ، فانتبهت [ من نومي ] (٦) فإذا رأسي رأس خنزير ، ووجهي وجه خنزير.
ثم قال لي أبو جعفر المنصور : أهذان الحديثان في يدك؟
__________________
١ و ٤ و ٥ و ٦ ـ من الأمالي.
٢ ـ في الأمالي : أصبحت.
٣ ـ في الأمالي : فشربوا.
فقلت : لا.
فقال : يا سليمان ، حبّ عليّ إيمان ، وبغضه نفاق ، والله لا يحبّه إلا مؤمن ، ولا يبغضه إلا منافق.
قال : فقلت : الأمان ، يا أمير المؤمنين.
قال : لك الأمان.
فقتل : ما تقول في قاتل الحسين عليهالسلام؟
فقال : في النار ، وإلى النار.
قلت : وكذلك من يقتل ولد رسول الله صلىاللهعليهوآله في النار ، وإلى النار.
قال : يا سليمان ، الملك عقيم ، اخرج فحدّث بما سمعت. (١)
قلت : ثمّ لم تغن عنه الآيات والنذر ، ولم يعتبر بما شاهد وحقّه أن يعتبر ،
__________________
١ ـ أمالي الصدوق : ٣٥٣ ح ٢ ، عنه مدينة المعاجز : ١ / ٣١١ ح ١٩٦ ، وج ٣ / ٢٧٦ ح ٨٩٤ ، وغاية المرام : ٦٥٧ ح ١٠٨ ، وحلية الأبرار : ٢ / ١٣٧ ح ١.
ورواه في مناقب ابن المغازلي : ١٤٣ ح ١٨٨ ، ومناقب الخوارزمي : ٢٠٠ ، وبشارة المصطفى : ١٧٠ ـ ١٧٥.
وأورده في روضة الواعظين : ١٢٠ ـ ١٢٤ ، وفضائل شاذان : ١١٦ ـ ١٢١.
وأخرجه في البحار : ٣٧ / ٨٨ ح ٥٥ عن أمالي الصدوق وبشارة المصطفى ومناقب الخوارزمي والمناقب الفاخرة في العترة الطاهرة.
وفي ج ٤٣ / ٣٠٢ ، وعوالم العلوم : ١٦ / ٦٠ ـ ٦١ عن كشف الغمّة : ١ / ٥٢٣ ـ ٥٢٥ مختصراً.
وفي مدينة المعاجز : ٤ / ١١ ح ١٠٥١ عن عيون المعجزات : ٦٠ ـ ٦١. وفي غاية المرام : ٦٥٣ ح ١٠٧ عن مناقب الخوارزمي والمناقب الفاخرة.
وفي حلية الأبرار : ٢ / ١٣٨ ح ٢ عن مناقب الخوارزمي.
حتى يتبع بالأذى ذرّيّته ، وقصد بالأدا (١) عترته ، فكم علويّ أضحى منه ومن ولده في أضيق سجن وأسر ، وأسبغ حكم وقهر ، قد أكلت الجوامع لحم سواعده ويديه ، ووضعت الأصفاد من قدميه إلى حقويه ، وأثّرت الأغلال في عنقه وعضديه ، ونظرت الحتوف عن كثب إليه ، يستعذب الموت من أليم عذابهم ، ويستطب الفوت لوخيم عقابهم.
وكم فاطميّ فطم عن ثدي الحياة بقواتل سمومهم ، وكم حسينيّ انتظم في سلك الأموات بسيوف وقائعهم ونقمهم ، سل فخّاً (٢) وما حلّ بآل الرسول في عراها ، والزوراء وما غيّب من ولد البتول في ثراها ، وخراسان ومن شرّفت به مرابع طوسها ، والعراق وما حلّ من أمجادهم في ضرائح رموسها.
ترى مشاهدهم في الأقطار تشهد بجلالة قدرهم ، وتعاهدهم في الأمصار ينبي عن غزارة فضلهم ، وأنوار الايمان تسطع من قباب مزاراتهم ، وسحائب الغفران تهمع من اكمال زياراتهم ، يغفر الله الذنوب بالهجرة إليها ، ويكشف الكروب بالعكوف بحضراتها ومبانيها.
كلّما تقادمت الأيّام تجدّد فجرهم ، وكلّما تعاقبت الأعوام تعالى ذكرهم ، ورثوا المجد بالأصالة ، لما تمّمت بجدّهم الرسالة ، وعلت كلمتهم في الآفاق ، لما اُقيم أبوهم وليّاً على الإطلاق ، شدّ الله بزكيّهم أزر ملّته ، واستشهد بشهيدهم على برهان ربوبيّته ، وزيّن بعابدهم أوراد عبادته ، وبيّن بباقرهم وصادقهم أسرار شيعته ، وأظهر بعالمهم وكاظمهم أنوار حكمته ، وجعل رضاه مقروناً برضاهم ، وعلمه مخزوناً في جوادهم ومرتضاهم ، وهداه في اتّباع سبيل
__________________
١ ـ كذا في الأصل.
٢ ـ فخّ : واد بمكّة ، قتل به الحسين بن علي بن الحسين يوم التروية سنة تسع وستّين ومائة ، وقتل جماعة من أهل بيته ... « مراصد الاطّلاع : ٣ / ١٠١٩ ».
هاديهم ، وولاه منوطاً بولاء عسكريّهم وزكيّهم ، وقوام الخلق بقائمهم ، وقيام الحقّ بعالمهم ، صاحب الشوكة والقوّة ، وظاهر الملّة والدعوة ، حجّة الله على بريّته ، ومحجّته في خليقته ، والقائم بالقسط في اُمّة جدّه ، والداعي إلى الحق بجدّه وجهده.
ذكر راحة روحي وقلبي ، ومدحه مجلي همّي وكربي ، وخياله نصب سواد مقلتي ، وجماله في سويداء قلبي ومهجتي ، أحنّ إلى ؤرؤيته ولو في طيف المنام ، وأشتاق الى بهجته وإن بعد المرام ، أوّ دلو ثبّتني في جرائد الخالصين من عبيده ، وأن يرقمني في دفاتر المخلصين من جنوده ، وأن يسمني بميسم العبوديّة في جنبي لعزيز جنابه ، وأن يطوّقني بطوق الرقّية لملازمة ركابه ، أسير بين يدي طرفه ولو على رأسي وطرفي ، وأستلمح أنوار بهجته من بين يديّ ومن خلفي ، واُسارع إلى أمره بقلبي وقالبي ، وأستظلّ بظلّ جواده وذلك أقصى مطالبي ، رافعاً صوتي مدّة مسيري بين يديه ، متابعاً لفظي حين إشارتي بالصلاة عليه ، قائلاً : معاشر المؤمنين ، افرجوا عن سبيل سبيل ربّكم ، وتنحّوا عن طريق وليّ أمركم.
هذا علّة وجودكم ، هذا دليلكم على معبودكم ، هذا صاحب زمانكم هذا ناصب أعلامكم ، هذا وسيلتك إلى ربّكم يوم حشركم ، هذا نوركم الّذي يسعى بين أيديكم ومن خلفكم حين بشركم ، هذا الذي وعدكم به سيّد المرسلين ولا خلف لوعده ، هذا الّذي الروح الأمين من بعض حشمه وجنده ، هذا فرع الشجرة المباركة ، هذا خليفة الله بلا مشاركة ، هذا علم العترة الطاهرة ، هذا مصباح الاُسرة الفاخرة ، هذا شمس الشريعة النبويّة ، هذا بدر الذرّيّة العلويّة ، هذا ممصّر الأمصار ، هذا مدمّر الفجّار ، هذا هادم أركان النفاق ، هذا قاطع أسباب الشقاق ، هذا الصادق بالحقّ ، هذا الناطق بالصدق ، هذا طود الحلم ، هذا
بحر العلم ، هذا إمام الاُمّة ، هذا صاحب ( وَنُرِيدُ أن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الأرضِ وَنَجعَلَهُم أئِمَّةً ) (١) ، هذا الذي لولا وجوده لصاخت الأرض بكم ، ولأخذكم العذاب من فوقكم ومن تحت أرجلكم ، هذا خليفة الأنبياء ، هذا خاتمة الأوصياء.
غضّوا أبصاركم إذا أشرتم بالصلاة عليه ، واخفضوا أصواتكم ولا تقدّموا بين يديه ، واسألوا الله بحقّه فهو من أعظم وسائلكم إليه ، لا يقبل الله منكم صرفاً ولا عدلاً إلا باتّباع سبيله ، ولا يقيم لكم يوم القيامة وزناً إلا باقتفاء دليله.
فلا أزال أهتف بهذه الكلمات مدّة مسيري في ظلّ ركابه ، وأبهج بهذه الصفات منذ مصيري غاشياً دار جنابه ، حتى إذا التقى الجمعان ، واصطدم الفيلقان ، ضربت بين يديه بسيفي قدماً قدماً ، وقصمت الأصلاب بشدّة بطشي قصماً قصماً ، وقيّضت الأجساد بثعلب رمحي شكاً شكاً ، وجندلت الأبطال بقوّة عزمي فتكاً فتكاً ، لا اُوقر كبير أهل النفاق ، ولا أرحم صغيرهم ، ولا أغمد حسامي حتى اُبيد أميرهم ومأمورهم.
لو نشر لي صدّيقهم نجل قحّافهم في تلك الحال لفلقت قحفته بنصفين ، ولو تراءى لعيني زعيمهم فاروقهم عند مقارعة الأبطال لفرقت فرقه شطرين ، ولصبغت من ذي نوريهم أثباجه من دم أوداجه ، ولأطفأت لابن هندهم من نور الحياة ضوء سراجه ، ولآذيت أهل هودجهم بقولي وفعلي ، ولو جأت جبينها وخدها بسبت نعلي ، وللعنت أباها وجدّها بعالي صوتي ، ولشفيت عليك صدري منها ومن جندها قبل موتي ، حتى أجعلها في عرصة الجمع تذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع.
__________________
١ ـ سورة القصص : ٥.
يا ابن من أسرى به الله إلى حضرته |
|
وبه أظهر دين الـحقّ مـن بعثته |
يا سميّ الفاتح الخاتم يا نـور الهدى |
|
يا منار الحائر التـائـه فـي حيرته |
يا أمان المـلك الجبـّار في عـالمه |
|
يا أمين المصطفى المختـار في اُمّته |
كم غياب عـن عليل عظمت علّته |
|
كم حجاب من مشوق مات من غصّته |
لو تزره عائداً لو في الكرى أحييته |
|
وبثثت الـروح بعد الـموت في جثّته |
لم يزل منك جمال في سويداء قلبه |
|
وخيال فـي سواد الطـرف من مقلتهِ |
مستمرّ عهده مـن عالـم الذرّ إلى |
|
أن يوافيكم غـداً بالصدق في رجعتهِ |
نوره مذتمّ منكم صار لا يخشى بكم |
|
زخرفاً من باطـل يوديه فـي ظلمتهِ |
مذ خلا عمّا سواكم قلـبه صار له |
|
ذكـركـم دأباً به يأنس في خـلوته |
نحوكم منطقه كالدرّ فـي ترصيعه |
|
ببديع يطـرب الأسمـاع من دقّـته |
ببيان من معـان صـرفهـا في مدحكم |
|
يزدريه الجاهل الهالك فـي شبهته |
قسماً بالله ثـمّ المصـطـفى أكرم من |
|
أرسل الله وبالأطهار من عتـرتـه |
انّ لي صدق يقـين بـولاكـم لا أرى |
|
غيره ينقذ للإنسـان فـي لعـنـته |
يا مليكاً جـعـل اللـه له فـي ملـكه |
|
بسطة منها مدار الخلق في قبـضته |
لو نهيت الشمس عن إشراقها ما أشرقت |
|
ومنعت الـفلـك الدوّار عن دورته |
كلّما فكّرت في جرمـي ومـا أسلفته |
|
من كبير موبق أسعـفت مـن تبعته |
قال لي حسن يقيـني لك حـصن مانع |
|
ذلك المولى الذي بالـغت في مدحته |
حجّة الـوقـت ولـيّ الـله في عالمه |
|
ساطع البرهان والظاهر فـي حجّته |
بحر علم طود حلـم لا يضاهـى مجده |
|
كنز جود لا يسامى في عـلا رفعته |
غائب عن مقلتي لـكن بقـلبي حاضر |
|
لم يزل فيه خيال مـن سـنا بهجته |
يا مديد العمر صل صبا تقضّى عمره |
|
في انتظار واشفِهِ بالوصل من عـلّته |
يا إلهي إن تقضّى أجلي من قبل أن |
|
تقض لي بالسعد في دنياي من رؤيته |
فامح عنّي موبقات ليس تحصى كثرة |
|
واجعلنّي يوم حشر الخلق فـي زمرته |
أقول : إنّ هذه الجملة المعترضة التي قرّرتها ، والأبيات المسطّرة التي ذكرتها ، ليست من ملازمات المجلس المذكور ، ولا من غصون المقصد المذكور ، لكن لما صبّت الصبابة شآبيبها على قلبي ، وأضرمت الكآبة لهيبها في لبّي ، وذلك لما ألقى الله على لسان الحائد عن الحقّ ، ونطق به الجاحد من الصدق ، وشهد بما هو حجّة عليه في الدنيا والاُخرى ، فصار ومن انتمى إليه نحري الله أحقّ وأحرى ، أوحى جناني إلى لساني ، وألقى بياني على بناني ، هذه الكلمات المحلّاة بترصيعي وتسجيعي ، والأبيات المستمعة بمعاني بياني وبديعي ، فصارت كالعقد في صدر الخريدة ، أو العهد في صدر الجريدة.
ولنرجع إلى تمام المجلس الموعود ، والله المستعان على كلّ جبّار كنود.
الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام : كان إبراهيم بن هاشم المخزومي والياً على المدينة ، وكان يجمعنا كلّ يوم جمعة قريباً من المنبر ويشتم عليّاً عليهالسلام ، فلصقت بالمنبر فأغفيت ، وفرأيت القبر قد انفرج فخرج منه رجل عليه ثياب بيض ، فقال لي : يا أبا عبد الله ، ألا يحزنك ما يقول هذا؟
قلت : بلى ، والله.
قال : افتح عينيك انظر ما يصنع الله به ، وإذا هو قد ذكر عليّاً فرمي به من فوق المنبر فمات. (١)
عثمان بن عفّان السجستاني : [ إنّ محمد بن عبّاد ] (٢) قال : كان في جواري رجل صالح ، فرأى النبي صلىاللهعليهوآله في منامه على شفير الحوض والحسن والحسين يسقيان الاُمّة ، فاستسقيت فأبيا عليَّ ، فأتيت النبي صلىاللهعليهوآله أسأله ، فقال : لا تسقوه ، فإنّ في جوارك رجل يلعن عليّاً فلم تنهه ، ثم ناولني سكّيناً ، وقال : اذهب فاذبحه.
قال : فخرجت فذبحته ودفعت السكّين إليه ، فقال : يا حسين ، اسقه ، فسقاني ، فأخذت الكأس بيدي ولا أدري أشربت أم لا ، فانتبهت فإذا بولولة ويقولون : فلان ذبح على فراشه ، وأخذ الشرطة الجيران ، فقمت إلى الأمير ، فقلت : أصلحك الله أنا فعلت به هذا والقوم براء ، وقصصت عليه الرؤيا ، فقال : اذهب جزاك الله خيراً. (٣)
عبد الله بن السائب وكثير بن الصلت ، قالا : جمع زياد بن أبيه أشراف الكوفة في مسجد الرحبة ليحملهم على سبّ أمير المؤمنين عليهالسلام والبراءة منه ، فأغفيت فإذا أنا بشخص طويل العنق ، أهدل أهدب (٤) ، قد سدّ ما بين السماء والأرض ، فقلت له : من أنت؟
__________________
١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٥ ، عنه البحار ، ٣٩ / ٣٢٠ ، ومدينة المعاجز : ٢ / ٢٨٥ ح ٥٥٤.
٢ ـ من المناقب.
٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٥ ، عنه البحار : ٣٩ / ٣٢٠.
وأخرجه في مدينة المعاجز : ٢ / ٢٨٦ ح ٥٥٥ عن مناقب ابن شهراشوب والثاقب في المناقب : ٢٣٩ ح ٢٠٣.
٤ ـ الأهدل : المسترخي الشفة السفلى الغليظها. والأهدب : طويل شعر الأجفان.
قال : أنا النقّاد ذو الرقبة طاعون بعثت إلى زياد ، فانتبهت فزعاً فسمعت الواعية ، وأنشأت أقول :
قد جشم الناس أمراً ضاق ذرعهـم |
|
بحملهم (١) حين أدّاهم إلى الرحبة |
يدعو على ناصر الإسلام حين يرى |
|
له على المشركين الطول والغلبة |
ما كان منتـهـياً عـمّا أراد بـه (٢) |
|
حـتى تـناوله النقّاد ذو الرقبة |
فأسط الـشقّ مـنه ضـربة عجباً |
|
كما تناول ظلماً صاحب الرحبة (٣) (٤) |
ولمّا أتم الله سبحانه به دينه ، وأثبت في صحائف الاخلاص يقينه ، قاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله ، وشدّ أركان الإيمان بواضح دليله ، ومهّد سبيل الإسلام براسخ علمه ، وبيّن طريق الأحكام بصائب حكمه ، وأبطل شبهة أهل البغي بظاهر حجّة أدلّته ، وأدحض حجّة اولي الغيّ بصائب حكمته ، وأحيا سنّة أخيه الصادق الأمين في قوله : لتقاتلنّ بعدي الناكثين والقاسطين
____________
١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : يحمله.
٢ ـ في الأمالي : بنا.
٣ ـ المراد من « صاحب الرحبة » أمير المؤمنين عليهالسلام.
٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٥ ، عنه البحار : ٣٩ / ٣٢١.
ورواه في أمالي الطوسي : ١ / ٢٣٨ ( مختصراً ) ، عنه البحار : ٣٩ / ٣١٤ ح ١٠.
وفي ج ٢ / ٢٣٢ ، عنه البحار : ٤٢ / ٦ ح ٦.
وأخرجه في مدينة المعاجز : ٢ / ٢٦٢ ح ٥٤٢ ، عن الأمالي ـ الرواية الثانية ـ والمناقب.