تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-09-6-X
الصفحات: ٥٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

فقال : لا زيادة عليه ، فإنّ الحكماء القدماء ما زادوا عليه لئلاّ يتلاعب الناس بها. (١)

ومنهم الصوفيّه ومن تكلّم في علم المكاشفة (٢) على طريق الصوفية ، قالت مشايخهم : إنّه الأصل في علومهم ، ولا يوجد لغيره إلا اليسير ، وأكثر مشايخهم يتّصل سلسلة بكميل بن زياد ، وهو تلميذ أمير المؤمنين عليه‌السلام ومن خواصه. (٣)

روي مولانا أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام ، ورواه أيضاً أبو اُمامة الباهلي ، كلاهما عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في خبر طويل ، واللفظ لأبي اُمامة : ان الناس دخلوا علي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يهنّؤونه بولادة الحسين عليه‌السلام ، فقام رجل من وسط الناس ، فقال : بابي أنت واُمّي يا رسول الله ، رأينا من عليّ عجباً في هذا اليوم.

قال : وما رأيتم؟

فقال : أتيناك لنسلّم عليك ، ونهنّئك بولدك ، فَحَجَبَنَا عنك ، وأعلمنا أنّه هبط عليك مائة ألف ملك وأربعه وعشرون ألف ملك ، فعجبنا من إحصائه عدد الملائكة.

فأقبل عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله متبسّماً وقال : ما أعلمك أنّه هبط عليّ مائة وأربعة وعشرون ألف ملك؟ (٤)

____________

١ ـ مناقب ابن شهر اشوب : ٢ / ٥٢ ، عنه البحار : ٤٠ / ١٦٨.

٢ ـ في المناقب : المعاملة.

٣ ـ مناقب ابن شهر اشوب : ٢ / ٥٤ ، عنه البحار : ١٦٩ / ٤٠.

٤ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : مائة ألف ملك وأربعة وعشرون ملك.

٣٢١

فقال : بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ، سمعت مائة ألف لغة ، وأربعة وعشرين ألف لغة ، فعلمت أنّهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألف ملك.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : زادك الله علماً وحلماً ، يا أبا الحسن؟ (١)

قال الفرغاني شارح قصيدة نظم السلوك في حضائر الملائكة من نظم الشيخ عمر بن الفارض المصري العارف الصوفي (٢) عند شرحه لهذا البيت ، وهو :

وحُز بالولاء ميراثَ أرفعِ عارفٍ

غدا همّهُ ايثارَ تأثيرِ همَّةِ

« وحز » : أي اجمع ، وفي قوله : « بالولاء » مرهم معنى الحب المذكور ، ومعني الحبّ أهل البيت عليهم‌السلام على اصطلاح الشيعه القائلين بالولاء ، و « أرفع عارف » المراد به أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، فإنّه صاحب المعرفة الحقيقيّة بالأصالة وغيره بالتبعيّة ، فإنّ النسبة إلى الولاية الّتي هي منبع العلوم الحقيقية والمعارف الأصليّة لا تصحّ إلا من جهته وحيثيّته ، فإنّه كان مظهر الولاية الأحمديّة حيث انشقّت عن نبوّته صلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي كان انشقاق القمر صورة ذلك الانشقاق وهو باطنه وسرّه الظاهر بسبب ظهوره فإنّ كل معنى لا بدّ أن يظهر له صورة محسوسة ، وكان عليّ عليه‌السلام هو أرفع عارف في الدنيا من حيث ما حضر أصله بقوله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ،

__________________

١ ـ مناقب ابن شهر اشوب : ٢ / ٥٥ ، عنه البحار : ٤٠ / ١٧٠ ـ ١٧١.

٢ ـ هو أبو حفص عمر بن أبي الحسن الحموي الأصل ، المصري المولد والدار ، عرف بابن الفارض لأنّ أباه ـ على ما يظهر من هذا اللقب ـ كان يكتب فروض النساء علي الرجال. « مقدمة ديوانه المطبوع ».

والبيت المذكور هو في ص ٧٥ من الديوان.

٣٢٢

وهو علم الحقيقة ما خلا أصله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقوله : « غدا همه ايثار تأثير همّة » يعني انّه آثر الصبر على تأثير همّته.

انظر كيف تظاهر وتظافر خلق في غاية الكثرة وجماعة جمّة على إيذائه ووضعه وقمعه ومحاربته ومقابلته حتى قام الشيخ العارف سعيد مدافعتهم ومقاتلتهم في الظاهر بالسيف ، ولم يسلّط عليهم همّته الفعّالة وهمّه لدفعهم وإهلاكهم عن آخرهم بحيث لم يبق منهم وادٍ ولا ديار مع تحققّه بذلك لكن تركهم بمعرفته علي الحقيقه لوقوع ذلك كلّه ، وان لا مندوحة عمّا جرى على نحو ما جرى ، فلذلك ترك التأثير بالهمّة ووكلّ الأمر إلي مجزيه تعالى وتقدّس.

ومنهم النحاة ، وهو واضع النحو ، لأنّهم يروونه عن الخليل بن أحمد بن عيسي بن عمرو الثقفي ، عن عبدالله بن إسحاق الحضرمي ، عن أبي عمرو بن العلاء ، عن ميمون الأقرن ، [ عن عنبسة الفيل ] (١) عن أبي الأسود الدؤلي ، عنه عليه‌السلام ، والسبب في ذلك أنّ قريشاً كانوا يتزوجّون في الأنباط ، فرفع فيما بينهم أولادهم فافسدوا لسانهم ، حتى انّ بنت حرملة بن خويلد الأسدي (٢) كانت متزّوجة في الأنباط ، فقالت : إنّ أبوي مات وترك عليَّ مال كثيرٍ (٣) فلما رأوا فساد لسانها أخبروا أمير المؤمنين عليه‌السلام فأسّس النحو.

وروي أنّ أعرابيّاً سمع من سوقي يقرأ : ان الله بريء من المشركين

____________

١ ـ من المناقب.

٢ ـ في المناقب : انّ قريشاً كانوا يزوجون بالأنباط ، فوقع فيما بينهم أولاد ، ففسد لسانهم ، حتى أنّ بنتاً لخويلد الأسدي.

٣ ـ والصحيح ان تقول : أنّ أباي مات وترك عليَّ مالاً كثيراً.

٣٢٣

ورسولِهِ ، فشجّ رأسه ، فخاصمه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال له في ذلك ، فقال : إنّه كفر في قراءته.

فقال صلوات الله عليه : إنّه لم يتعمّد ذلك.

وروي أنّ أبا الأسود كان في بصره سوء وله بنيّة تقوده إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقالت : يا أبتاه ما أشدّ حرّ الرمضاء! تريد التعجّب ، فنهاها عن مقالتها ، وأخبر أمير المؤمنين عليه‌السلام بذلك فأسّس النحو.

وروي أنّ أبا الأسود كان يمشي خلف جنازة ، فقال قائل : من المتوفّي؟

فقال أبو الأسود : الله ، ثمّ إنّه أخبر عليّاً عليه‌السلام بذلك فأسّس النحو ودفعه (١) إلى أبي الأسود ، وقال : ما أحسن هذا النحو ، فسمّي نحواً.

قال ابن سلّام : كانت الرقعة : الكلام ثلاثة أشياء : اسم وفعل وحرف جاء لمعنى.

فالإسم : ما أنبأ عن المسمّى.

والفعل : ما أنبأ عن حركة المسمّى.

والحرف : ما أوجد معنى في غيره.

وكتب صلوات الله : وكتبه عليّ بن أبو طالب ، فعجزوا عن ذلك ، فقالوا : أبو طالب : اسمه لا كنيته (٢) ، وقالوا : هذا تركيب مثل [ درّاحناو ] (٣) حضرموت وبعل بك.

__________________

١ ـ في المناقب ، فأسّس النحو ، فعلى أي وجه كان وقّعه.

٢ ـ كذا الصحيح ، وفي الأصل والمناقب : اسمه كنيته.

٣ ـ من المناقب.

٣٢٤

وقال الزمخشري في الفائق (١) : تُرِك في حال الجرّ على لفظه في حال الرفع ، لأنّه اشتهر بذلك وعُرف ، فجَرى مجرى المثل الّذي لا يغيّر. (٢)

وأمّا إخلاصه وسبقه بالجهاد والأعمال الصالة التي لم يقصد بها إلا وجه الله فقد شهد الله له بها في كتابه ، وكذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

روي أنّه لمّا اُسر العبّاس بن عبد المطّلب [ يوم بدر ] (٣) أقبل المسلمون يعيّرونه بكفره بالله وقطيعة الرحم ، وأغلظ له أمير المؤمنين عليه‌السلام القول ، فقال العبّاس : ما لكم تذكرون مساوئنا ولا تذكرون محاسننا؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ألكم محاسن؟

فقال : نعم ، إنّا لنعمّر المسجد الحرام [ ، ونحجب الكعبة ، ونسقي الحاجّ ، ونفكّ العاني (٤) ، فأنزل الله تعالى ـ ردّاً على العباس ووفاقاً لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ـ ] (٥) : ( مَا كَانَ لِلمُشرِكِينَ أَن يَعمُرُوا مَسَاجِدَ اللهِ ) (٦) الآية ، ثمّ قال : ( إنَّمَا يَعمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ) (٧) الآية ، ثم قال : ( أجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ كَمَن آمَنَ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ ) (٨) الآية. (٩)

وروى إسماعيل بن خالد ، عن عامر. وابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس. ومقاتل ، عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس ، والسدّي ، عن أبي صالح. وابن

____________

١ ـ الفائق في غريب الحديث : ١ / ١٤.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٤٦ ـ ٤٧ ، عنه البحار : ٤٠ / ١٦١ ـ ١٦٢.

٣ و ٥ ـ من المناقب.

٤ ـ العاني : الأسير.

٦ و ٨ ـ سورة التوبة : ١٧ ـ ١٩.

٩ ـ أسباب النزول للواحدي : ١٦٣.

٣٢٥

أبي خالد وزكريّا (١) عن الشعبي أنّ هذه الآية نزلت في عليّ عليه‌السلام.

[ الثعلبي والقشيريّ والجبّائي والفلكيّ في تفاسيرهم ، والواحديّ في أسباب نزول القرآن (٢) عن الحسن البصري وعامر الشعبي ومحمد بن كعب القرظي. وروينا عن عثمان بن أبي شيبة ووكيع بن الجرّاح وشريك القاضي ومحمد بن سيرين ومقاتل بن سليمان والسدّي وأبي مالك ] (٣) ومرّة الهمداني وابن عبّاس أنّه افتخر العبّاس بن عبد المطّلب ، فقال : أنا عمّ محمد ، وأنا صاحب سقاية الحجيج ، فأنا أفضل من عليّ بن أبي طالب.

فقال شيبة بن عثمان أو طلحة أو عثمان : وأنا اعمّر بيت الله الحرام ، وصاحب حجابته ، فأنا أفضل.

وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام حاضراً ، فقال : أنا أفضل منكما ، لقد صلّيت قبلكما بستّ سنين ، وأنا اُجاهد في سبيل الله.

وفي رواية الحاكم أبي القاسم الحسكاني (٤) بإسناده عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : بينا شيبة والعبّاس يتفاخران إذ مرّ بهما علي بن أبي طالب ، فقال : بماذا تتفاخران؟

فقال العبّاس : لقد اُوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد سقاية الحاجّ. وقال شيبة : اُوتيت عمارة المسجد الحرام.

فقال أمير المؤمنين : لقد استحييت لكما فقد اُوتيت على صغري ما لم

__________________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي ا لأصل : وروي عن ابن عبّاس وعطاء وابن جريح ومقاتل ، عن الضحّاك والسدّي ، عن أبي صالح وزكريا.

٢ ـ أسباب النزول : ١٦٤.

٣ ـ من المناقب ، وفي الأصل : وروى السدّي وأبو مالك.

٤ ـ شواد التنزيل : ١ / ٣٢٩ ح ٣٣٨.

٣٢٦

تؤتيا.

فقالا : وما اُوتيت يا علي؟

قال : ضربت خراطيمكما بالسيف حتى آمنتما بالله ورسوله.

فقام العبّاس مغضباً يجرّ ذيله حتى دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : أما ترى ما استقبلني به عليّ؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ادعوا لي عليّاً ، فدعي له ، فقال : ما حملك على ما استقبلت به عمّك؟

فقال : يا رسول الله صلّى الله عليك وآلك ، صدمته بالحقّ ، فمن شاء فليغضب ، ومن شاء فليرض ، فنزل جبرائيل وقال : يا محمد ، إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول لك : اتل عليهم ( أجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ ) (١) الآيات.

فقال العبّاس : أنا قد رضيت ـ ثلاث مرّات ـ. (٢)

في كتاب أبي بكر الشيرازي بإسناده عن مقاتل ، [ عن مجاهد ، ] (٣) عن ابن عبّاس في قوله تعالى : ( رِجَالٌ لَا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلَا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللهِ ـ إلى قوله ـ بِغَيرِ حِسَابٍ ) (٤) قال : والله هو أمير المؤمنين.

ثمّ قال بعد كلام : [ وذلك ] (٥) أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى عليّاً

__________________

١ ـ سورة التوبة : ١٩.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٦٨ ـ ٦٩ ، عنه البحار : ٤١ / ٦٣ ـ ٦٤.

٣ و ٥ ـ من المناقب.

٤ ـ سورة النور : ٣٧ و ٣٨.

٣٢٧

[ يوماً ] (١) ثلاثمائة دينارٍ اُهديت إليه ، قال علي : فأخذتها قلت : والله لأتصدّقنّ في هذه الليلة بصدقة يقبلها الله منّي من هذه الدنانير ، فلمّا صلّيت العشاء الآخرة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذت منها مائة دينار وخرجت من المسجد ، فاستقبلتني امرأة فأعطيتها الدنانير ، فأصبح الناس بالغد يقولون تصدّق عليّ في هذه الليلة بمائة دينار على امرأة فاجرة ، فاغتممت غمّاً شديداً.

فلمّا صلّيت الليلة القابلة صلاة العتمة أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد ، وقلت : والله لأتصدّقنّ في هذه الليلة بصدقة يقبلها الله منّي ، فلقيت رجلاً فتصدّقت عليه بالدنانير ، فأصبح الناس (٢) يقولون : إنّ عليّا في هذه الليلة تصدّق بمائة دينار على رجل سارق ، فاغتممت لذلك غمّاً شديداً ، وقلت : والله لأتصدّقنّ في هذه الليلة بصدقة يقبلها الله منّي ، فصلّيت العشاء الآخرة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخرجت من المسجد ومعي المائة دينار الباقية ، فلقيت رجلاً فأعطيته إيّاها ، فأصبح الناس يقولون : إنّ عليّاً تصدّق البارحة على رجل غنيّ ، فاغتممت لذلك غمّاً شديداّ ، وأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته.

فقال : يا عليّ ، [ هذا جبرئيل يقول لك : إنّ الله عزّ وجلّ قد قبل صدقاتك ، وزكّى عملك ، ] (٣) إنّ المائة دينار الاُولى التي تصدّقت بها وقعت في يد امرأة فاسدة فرجعت إلى منزلها وتابت إلى الله تعالى من الفساد ، وجعلت تلك الدنانير رأس مال لها (٤) ، وهي في طلب بعل تتزوّج

__________________

١ و ٣ ـ من المناقب.

٢ ـ في المناقب : أهل المدينة. وكذا في الموضع الآتي.

٤ ـ في المناقب : رأس مالها.

٣٢٨

[ به ] (١) ، وإنّ الصدقة الثانية وقعت في يد سارق فرجع إلى منزله وتاب إلى الله من سرقته ، وجعل الدنانير رأس ماله يتّجر بها ، وإنّ الصدقة الثالثة وقعت في يد غني لم يزكّ ماله منذ سنين ، فرجع إلى منزله ووبّخ نفسه وقال : شحّاً عليك يا نفس ، هذا علي بن أبي طالب تصدّق عليَّ بمائة دينار ولا مال له ، وأنا قد أوجب الله عليَّ في مالي الزكاة أعواماً كثيرة لم أزكّه ، فحسب ماله وكّاه وأخرج زكاة ماله كذا وكذا ديناراً ، وأنزل الله سبحانه فيك : ( رِجَالٌ لَا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلَا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللهِ ) (٢) الآية.

أبو الطفيل : رأيت عليّاً عليه‌السلام يدعو اليتامى فيطعمهم العسل حتى قال بعض أصحابه : لوددت انّي كنت يتيماً. (٣)

محمد بن الصمّة ، عن أبيه ، [ عن عمّه ، ] (٤) قال : رأيت في المدينة رجلاً على كتفه (٥) قربة وفي يده صحفة يسقي ويطعم الفقراء ويقول : اللّهمّ وليّ المؤمنين ، وإله المؤمنين ، وجار المؤمنين ، اقبل قرباتي [ الليلة ] (٦) ، فما أمسيت أملك سوى ما في صحفتي وغير ما في قربتي (٧) ، فإنّك تعلم أنّي منعته نفسي من شدّة سغبي لطلب القربة إليك. (٨)

اللّهمّ فلا تخلق وجهي ، ولا تردّ دعوتي. فأتيته وتأمّلته (٩) ، فإذا هو أمير

__________________

١ و ٤ و ٦ ـ من المناقب.

٢ ـ سورة النور : ٣٧.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٧٤ ـ ٧٥ ، عنه البحار : ٤١ / ٢٨ ـ ٢٩.

٥ ـ كذا في المناقب ، وفي الاصل : في المدينة عليّاً وعلى كتفه.

٧ ـ في المناقب : وغير ما يواريني.

٨ ـ في المناقب : مع شدّة سغبي في طلب القربة إليك غنماً.

والسغب : الجوع.

٩ ـ في المناقب : فأتيته حتى عرفته.

٣٢٩

المؤمنين عليه‌السلام [ فأتى رجلاً فأطعمه ] (١). (٢)

روت الخاصّة والعامّة [ منهم : ابن شاهين المروزيّ ، وابن شيرويه الديلمي ، عن الخدري وأبي هريرة ] (٣) أنّ عليّاً عليه‌السلام أصبح ساغباً ، فسأل فاطمة طعاماً ، فقالت : ما كان ألاّ ما أطعمتك منذ يومين ، آثرتك به على نفسي وعلى الحسن والحسين.

فقال : ألا أعلمتني فآتيكم بشيء؟

فقالت : يا أبا الحسن ، إنّي لأستحيي من الله أن اُكلّفك ما لا تقدر عليه ، فخرج واستقرض [ من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ] (٤) ديناراً ، وخرج يشتري به شيئاً ، فلقيه المقداد قائلاً : ما شاء الله ، فناوله عليّ عليه‌السلام الدينار ، ثمّ دخل المسجد ووضع رأسه ونام ، فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا هو به ، فحرّكه ، وقال : ما صنعت؟ فأخبره ، فقام وصلّى معه ، فلمّا قضى النبيّ صلاته قال : يا أبا الحسن ، هل عندك شيء نفطر عليه فنميل معك؟ فأطرق لا يجد جواباً حياء منه ، وكان الله قد أوحى [ إليه ] (٥) أن يتعشّى تلك الليلة عند عليّ ، فانطلقا حتى دخلا على فاطمة وهي في مصلّاها وخلفها جفنة تفور دخاناً ، فأخرجت فاطمة الجفنة فوضعتها بين أيديهما ، فسألها علي عليه‌السلام : أنّى لك هذا؟

قالت : هو من عند الله (٦) إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب (٧).

قال : فوضع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كفّه المبارك بين كتفي عليّ ، وقال :

__________________

١ و ٣ و ٥ ـ من المناقب.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٧٦ ، عنه البحار : ٤١ / ٢٩ ـ ٣٠.

٦ ـ في المناقب : من فضل الله ورزقه.

٧ ـ إشارة إلى الآية : ٣٧ من سورة آل عمران.

٣٣٠

هذا بدل دينارك ، ثم استعبر النبي [ باكياً ] (١) وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت في ابنتي ما رأى زكريّا لمريم. (٢)

وأمّا شجاعته فهي أشهر من أن تشهر ، حتى انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يهدّد به قريشاً.

روي (٣) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لأهل الطائف : والّذي نفسي بيده لتقيمنّ الصلاة ، ولتؤتنّ الزكاة ، أو لأرسلنّ [ إليكم ] (٤) رجلاً منّي ـ أو كنفسي ـ فليضربنّ أعناق مقاتليكم ، وليسبينّ ذراريكم ، ثمّ أخذ بيد عليّ فقال : هذا (٥).

وروي عن الرضا عليه‌السلام أنّه قال : قوله سبحانه : ( وَالذِينَ مَعَهُ أشِدَّاءٌ عَلَى الكُفَّارِ ) (٦) أنّ عليّاً منهم. (٧)

فواعجباً لمن يقايس من لم يصب محجمة [ من ] (٨) دم في جاهليّته ولا إسلام مع من علم أنّه قتل في يوم بدر خمساً وثلاثين رجلاً مبارزاً دون الجرحى ، وكانوا من أماثل قريش وابطالها وشجعانها والمشهورين بالنجدة والبأس ، حتى سمّى الله سبحانه واقعة بدر بالبطشة الكبرى ، وما ذاك إلا لهلاك من هلك فيها ، فإنّه حصل بقتلهم هظيمة عظيمة في الشرك وأهله ، وكانت

____________

١ و ٨ ـ من المناقب.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٧٦ ـ ٧٧ ، عنه البحار : ٤١ / ٣٠.

٣ ـ في المناقب : تاريخ النسوي : قال عبد الرحمان بن عوف : قال النبي ...

٤ ـ من المناقب. وفيه « لأبعثنّ » بدل « لأرسلنّ ».

٥ ـ في المناقب : قال : فرأى الناس انّه عنى أبا بكر وعمر! فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال : هذا.

٦ ـ سورة الفتح : ٢٩.

٧ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٨٥ ، عنه البحار : ٤١ / ٦٨.

٣٣١

القتلى سبعين من سادات قريش وأعيانهم ، قتل عليّ منهم خمساً وثلاثين رجلاً ، وقتلت الملائكة وباقي الناس تمام العدد.

وأسماء الّذين قتلهم أمير المؤمنين عليه‌السلام : الوليد بن عتبة ، والعاص بن سعيد بن العاص ، وطعمة (١) بن عديّ بن نوفل ، وحنظلة بن أبي سفيان ، ونوفل بن خويلد ، وزمعة (٢) بن الأسود ، والحارث بن زمعة ، والنضر بن الحارث بن عبد الدار ، وعمير بن عثمان بن كعب عمّ طلحة ، وعثمان ومالك أخوا طلحة (٣) ، ومسعود بن أبي اُميّة بن المغيرة ، وقيس بن الفاكهة بن المغيرة ، وأبو القيس بن الوليد بن المغيرة ، وعمرو بن مخزوم ، والمنذر بن أبي رفاعة ، ومنبّه بن الحجّاج السهمي ، والعاص بن منبّه ، وعلقمة بن كلدة ، وأبو العاص بن قيس بن عديّ ، ومعاوية بن المغيرة بن أبي العاص ، ولوذان بن ربيعة ، وعبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة ، ومسعود بن اُميّة بن المغيرة ، [ والحاجب بن السائب بن عويمر ، وأوس بن المغيرة ] (٤) بن لوذان ، زيد بن مليص ، وعاصم بن أبي عرف ، سعيد بن وهب ، ومعاوية بن عامر بن عبد القيس ، وعبد الله بن جميل بن زهير ، والسائب بن سعيد (٥) بن مالك ، وأبو الحكم بن الأخنس ، وهشام بن [ أبي ] (٦) اُميّة ؛ وقيل : إنّه قتل بضعة وأربعين رجلاً.

وقتل عليه‌السلام يوم اُحد كبش الكتيبة طلحة بن [ أبي ] (٧) طلحة ، وابنه

____________

١ ـ في المناقب : ومطعم.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : ربيعة. وكذا في المورد التالي.

٣ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : وعثمان أخو طلحة.

٤ و ٦ ـ من المناقب.

٥ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : ومعاذ بن عامر ... سعد.

٧ ـ من المناقب ، واسم أبي طلحة هو : عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار ، وإليه ينتسب آل

٣٣٢

أبا سعيد ، وإخوته خالداً ومخلّداً وكلدة والمخالس (١) ، وعبد الرحمان بن حميد بن زهرة ، والحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي ، والوليد بن أرطاة ، واُميّة بن أبي حذيفة ، وأرطاة بن شرحبيل ، وهشام بن اُميّة ، ومسافع ، وعمرو بن عبد الله الجمحيّ ، بشر بن مالك المغافري ، وصؤاب مولى عبد الدار ، وأبا حذيفة بن المغيرة ، [ وقاسط بن شريح العبدي ، والمغيرة بن المغيرة ] (٢) سوى من قتلهم بعد ما هزمهم. ولا إشكال في هزيمة عمر وعثمان ، وإنّما الإشكال في هزيمة أبي بكر ، هل ثبت إلى وقت الفرج أو انهزم؟ (٣)

قال الشيخ أبو علي الطبرسي في كتابه مجمع البيان : ذكر أبو القاسم البلخي انّه لم يبق مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله [ يوم اُحد ] (٤) الا ثلاثة عشر نفساً ؛ خمسة من المهاجرين ، وثمانية من الأنصار.

فأمّا المهاجرون فعليّ عليه‌السلام وأبو بكر وطلحة وعبد الرحمان بن عوف وسعد بن أبي وقّاص ، وقد اختلف في الجميع الا في عليّ عليه‌السلام وطلحة.

وقد روي عن عمر بن الخطاب [ أنّه ] (٥) قا : رأيتني أصعد في الجبل كأنّي أروى ولم يرجع عثمان [ من ] (٦) الهزيمة إلا بعد ثلاثة أيّام ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد ذهبت فيها عريضة. (٧)

__________________

الشيبي الّذين لا يزال مفتاح الكعبة في أيديهم حتى اليوم.

١ ـ في المناقب : والمجالس. وفي بعض المصادر : الجُلاس.

٢ ـ من المناقب.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٨٢ ـ ٨٣ ، عنه البحار : ٤١ / ٦٥ ـ ٦٦.

٤ و ٦ ـ من المجمع.

٧ ـ مجمع البيان : ١ / ٥٢٤.

٣٣٣

وقتل عليه‌السلام يوم الأحزاب عمرو بن عبد ودّ.

قال الشيخ أبو علي الطبرسي رضي الله عنه في تفسيره : كان عمرو بن عبد ودّ فارس قريش ، وكان قد قاتل يوم بدر حتى ارتثّ (١) وأثبته الجراح فلم يشهد اُحداً ، فلمّا كان يوم الخندق خرج مُعلماً ليرى مشهده ، وكان يعدّ بألف فارس ، وكان يسمّى فارس يليل ، لأنّه أقبل في ركب من قريش حتى إذا هو بيليل ـ وهو واد قريب من بدر ـ عرض لهم بنو بكر بن وائل في عدد ، فقال لأصحابه ، امضوا ، [ فمضوا ، ] (٢) فقام في وجوه بني بكر حتى منعهم من أن يصلوا إليه ، فعرف بذلك ، وكان الموضع الّذي حفر فيه الخندق يقال له المداد ، وكان أوّل من طفره عمرو وأصحابه ، فقيل في ذلك :

عمرو بن عبد كان أوّل فارس

جزع المداد وكان فارس يليل

وذكر ابن إسحاق أنّ عمرو بن عبد ودّ كان ينادي : هل من مبارز؟

فقام عليّ عليه‌السلام وهو مقنّع بالحديد ، فقال : أنا له يا نبي الله.

فقال : إنّه عمرو ، اجلس.

ونادى عمرو : ألا رجل ـ وهو يؤنّبهم ويقول : أين جنّتكم الّتي تزعمون أنّ من قتل منكم دخلها ـ؟

فقام علي عليه‌السلام وقال : أنا له يا رسول الله.

ثم نادى الثالثة وقال :

ولقد بححت من النداء

بجمعكم هل من مبارز

____________

١ ـ أي حُمل من المعركة.

٢ ـ من المجمع.

٣٣٤

ووقفت إذ جبن المشجّع

موقف البـطل المـناجـز

إنّ السمـاحة والشـجا

عة في الفتى نعم (١) الغرائز

فقام أمير المؤمنين وقال : أنا له يا رسول الله.

فقال : إنّه عمرو.

فقال أمير المؤمنين : وإن كان عمراً ، ثمّ استأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأذن له.

وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني (٢) بالإسناد عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن جدّه (٣) ، عن حذيفة ، قال فألبسه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله درعه ذات الفضول ، وأعطاه سيفه ذا الفقار ، وعمّمه بعمامته السحاب ، على رأسه تسعة أكوار ، فقال له : تقدّم.

فمضى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا ولّى (٤) : اللّهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوق رأسه ، ومن تحت قدميه.

قال ابن إسحاق : فمشى أمير المؤمنين وهو يقول :

لا تعلجـنّ فقـد أتا

ك مجيب صوتك غير عاجز

ذو نيّـةٍ وبصـيرة

والصدق منجـي كــلّ فائز

إنّي لأرجو أن اُقيـ

ـم علـيك نائحـة الجنـائز

__________________

١ ـ في المجمع : خير.

٢ ـ شواهد التنزيل : ٢ / ١٠ ح ٦٣٤.

٣ ـ قيل : « عن جدّه » زائدة.

٤ ـ كذا في المجمع ، وفي الأصل : دنا.

٣٣٥

من ضربة نجلاء يبقى

ذكرها عند الهزاهز

فلمّا دنا أمير المؤمنين عليه‌السلام منه قال عمرو : من أنت؟

قال : أنا علي.

قال : ابن عبد مناف.

قال : أنا عليّ بن أبي طالب.

قال : غيرك يا ابن أخي من أعمامك [ مَن هو ] (١) أسنّ وأكبر منك فإنّي أكره أن اُهريق دمك.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لكنّي والله ما أكره [ أن ] (٢) اُهريق دمك ، فغضب ونزل عن فرسه وسلّ سيفه كأنّه شلعة نار ، ثمّ أقبل نحو عليّ مغضباً فاستقبله أمير المؤمنين بدرقته ، وضربه عمرو في الدرقة فقدّها وأثبت فيها السيف ، وأصاب رأس أمير المؤمنين فشجّه ، وضربه أمير المؤمنين على حبل عاتقه فسقط.

وفي رواية حذيفة : فسيّف عليّ رجليه بالسيف من أسفل فوقع على قفاه ، وثارت بينهما عجاجة ، فسمع عليّ يكبّر.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قتله والّذي نفسي بيده ، فكان أوّل من ابتدر العجاج عمر بن الخطّاب فإذا عليّ يمسح سيفه بدرع عمرو ، فكبّر عمر بن الخطّاب ، وقال : يا رسول الله قتله ، فحزّ أمير المؤمنين رأسه وأقبل به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووجهه يتهلّل.

فقال له عمر : هلا سلبته درعه فإنّه ليس في العرب درع خير منها؟

__________________

١ و ٢ ـ من المجمع.

٣٣٦

فقال : ضربته فاتّقاني بسوءته فاستحييت أن أسلب ابن عمّي.

وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني (١) أنّ عبدالله بن مسعود كان يقرأ : ( وَكَفَى اللهُ المُؤمِنِينَ القِتَالَ ـ بعليّ ـ ) (٢).

وخرج أصحابه منهزمين حتى طفرت خيولهم الخندق ، [ وتبادر المسلمون ] (٣) فوجدوا نوفل بن عبد العزى قد سقط ، فجعل المسلمون يرمونه بالحجارة ، فقال : موتة (٤) أجمل من هذه ، ينزل إليّ بعضكم اُقاتله.

قال ابن إسحاق : فنزل إليه علي عليه‌السلام فطعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه ، فمات في الخندق.

قال : وأرسل المشركون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف درهم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : هو لكم لا نأكل ثمن الموتى.

وذكر أمير المؤمنين صلوات الله عليه أبياتاً ، [ منها ] (٥) :

نَصَرَ الحجارةَ من سفاهة رأيه

ونصرتُ ربّ محمدٍ بـصواب

فضربته وتـركتـه متـجدّلاً

كالجذع بيـن دكـادك وروابي (٦)

وعففت عن أثوابه ولـو أنّني

كنت المـقطّر بـزّنـي أثوابي (٧)

__________________

١ ـ شواهد التنزيل : ٢ / ٧ ـ ٩ ح ٦٢٩ ـ ٦٣٢.

٢ ـ سورة الأحزاب : ٢٥.

٣ و ٥ ـ من المجمع.

٤ ـ في المجمع : قتلة.

٦ ـ الدكادك : جمع دكداك : الرمل الليّن. والروابي : جمع الرابية : ما ارتفع وعلا وأشرف من الأرض.

٧ ـ أي قتلته ولم اُفكّر في سلبه ، ولو كان هو الّذي قتلني لأخذ أثوابي.

٣٣٧

وروى عمرو بن عبيد ، عن الحسن البصري ، قال : إنّ عليّاً لمّا قتل عمرو حمل رأسه وألقاه بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام أبو بكر وعمر فقبّلا رأس علي عليه‌السلام.

وروي عن أبي بكر بن عيّاش أنّه قال : ضَرب عليّ ضربة ما كان في الاسلام أعزّ منها ـ يعني ضربة عمرو ـ وضُرب عليّ ضربة ما كان في الاسلام أشأم منها ـ يعني ضربة ابن ملجم عليه لعنة الله ـ. (١)

قلت في المعنى :

يا منكراً فـضل الوصـيّ

وحقّـه حـسداً وغـدرا

وعليـه أعـلن بـالتقـدّم

بعد خيـر الخـلق طـرّا

هلا جسـرت بيوم سلـع

في الوغا وأجـبت عمرا

إذ ضلّ يخـطر شبه ليث

الغاب يــزأر مكفهـرّا

في كفّه ماضـي الـغرار

بحدّه الأعنـاق تــبرا

أسـدي جري بـأســه

قد فاق في الآفـاق ذكرا

لا ينـثني عـن قـرنـه

إذ لا يرى الاحجام غدرا

نادى فصرت تحيد عـنه

مخـافة وتـروم سـترا

شبه الكمـاع إذا جـرت

من ربّها ترجـو مفـرّا

هلا أجـبت كمـا أجـاب

مجدّل الأبـطال قـسرا

أعني الوصيّ أخا الـنبي

أجلّ خـلق الـله قـدرا

من أطلع الرحـمن فـي

بدر بـه للحـقّ بـدرا

وكـذاك فـي الأحـزاب

شدّ به لخير الخلق أزرا

__________________

١ ـ مجمع البيان : ٤ /٣٤٢ ـ ٣٤٤ ، عنه البحار ٢٠ / ٢٠٢ ـ ٢٠٦.

٣٣٨

نـادى ألا هـل من مبارز

منـكم ويـحـوز فـخرا

فأجـابه هـا قــد أتـاك

مجـيب صـوتك لن يفرّا

في مـعـرك كــلا ولا

اولى المبـارز منه ظـهرا

مـن كان دون الـخلـق

للهادي النبـي أخا وصهرا

كـم أسبـغت حملاته في

الحرب جـامعـةٍ ويسـرا

فتـخـالـسا نـفسيـهما

وترامقا بالظـرف شـزرا

هذا لـديـن الحـقّ قـام

مؤيـّداً عـزّاً ونـصـرا

وقرينه فـي الـحـرب

أضحى ناصرا عزّاً ونسرا

فعـلاه مـنه بـصـارم

كم هـدّ ركـناً مـشمخرا

فهوى كجذع فـي الثرى

نحرته أيد الدهـر نحـرا

وأفاض من فيض الدماء

حللٍ عليـه صبغن حمرا

وأبـان مـنه الـرأس

ثمّ أتى به المخـتار جهرا

أعني بـه مولى الورى

وإمامهم بـرّاً وبـحرا

من بالزعامة والصرامة

والامـامـة كـان أحـرا

ليث الحـروب مـجدّل

أبطالهـا فتكـاً وصـبرا

رفع الـفخـار لمجـده

في هاشم نـسبـاً أغـرّا

ما خـاب متـّخذ ولايته

ليوم الحشــر ذخــرا

كـلا ولا تـربت يـداه

ولا غدا مسـعاه خـسرا

مـن فيه سورة هل أتى

أبداً مـدى الأيّـام تـقرا

ردّت عليه الشمس حتى

عاد وقت الفرض عصرا

فقضى فريضته وعادت

كالشهـاب إذا اسـتمرّا

هذا الذي قبّـلت مـنه

الرأس تلـبيـساً ومكراً

٣٣٩

وفديـتـه بـالـروح لكـن

في حشاك حشوت غدرا

حتى إذا خـلـت الـديـار

من النـبي وعـدن قفرا

أبديت مـا أخـفـيت مـن

فرط النفاق وجرت كفرا

عن مذهب الحـقّ السـويّ

فجئت يا مغرور نكـرا

وأمّا قتلاه عليه‌السلام يوم حنين فقتل أربعين رجلاً وفارسهم (١) أبو جَروَل (٢) ، وإنّه صلوات الله عليه قدّه بنصفين بسيفه بضربه واحدة في الخوذة والعمامة والجوشن والبدن إلى القربوس.

ووقوفه صلوات الله عليه يوم حنين وسط أربعة وعشرين ألف ضارب سيف إلى أن ظهر المدد من السماء (٣) ، من أعظم الآيات على صحّة إمامته ، وانّ هذه كرامة أكرمه الله بها ، وقوّة اختصّه الله بفضلها ، وكذلك جميع خواصّه الّتي اصطفاه الله بهاإذا استقرأها من له قلب سليم ولبّ مستقيم قضى منها عجباً ، واستدلّ بها أنّ الله سبحانه ما أيّده بهذه الفضائل الّتي تخرج عن طوق البشر إلا لكونه أفضل خلقه ، وأقربهم منزلة من جلال كبريائه ، وأحقّ الخلق بالرئاسة العامّة في أمر الدين والدنيا ، لكونه أكمل الخلق في علمه وحلمه زهده ،

__________________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : وأمّا قتلاه عليه‌السلام يوم اُحد فقتل أربعين رجلاً ـ وقد ذكرت أسماءهم من قبل ـ وفارسهم.

٢ ـ كان أبو جرول يرتجز ويقول :

أنا أبو جَروَلَ لا بَراحُ

حتى نُبيحَ القوم أو نُباح

فصمد له أمير المؤمنين عليه‌السلام فضرب عجز بعيره فَصَرَعه ، ثم ضربه فَقَطّره ، ثمّ قال :

قد عَلِم القومُ لدى الصَباح

أنّي في الهيجاء ذو نِصاح

فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جَروَل لعنه الله. انظر « إرشاد المفيد : ١ / ١٤٣ ».

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٨٣ ، عنه البحار : ٤١ / ٦٦.

٣٤٠