تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-09-6-X
الصفحات: ٥٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

صهر الرسول ومـولاه (١) وناصره

أضحت مـناقبـه نـوراً وبرهانا

وكان منه على رغم الحـسود لـه

مكان هارون من موسى بن عمرانا

وكان في الحرب سيفاً صارماً ذكراً

ليثاً إذا ما لـقى الأقـران أقـرانا

ذكرتُ قـاتـله والـدمـع منـحدر

فقلت سبحـان ربّ الـناس سبحانا

إنّي لأحـسبه مـا كـان مـن بشرٍ

يخشى المعـاد ولكـن كان شيطانا

اشقى مــراد إذا عدّت قبـائلـها

وأخسر الناس عند الـله مــيزانا

كعاقـر الـناقة الاولى التي جلبت

على ثمود بأرض الحجر خـسرانا

قد كان يخبرهم أن سوف يخضبها

قبل المـنيـّة أزماناً فـأزمـانـا

فلا عـفا الله عـنه مـا تحـمّله

ولا سقـى قبر عمـران بن حِطّانا

لقوله فـي شقـيٍّ ظـلّ مجـترماً

ونال ما ناله ظـلـماً وعـدوانـا

يا ضربـة مـن تقـيّ ما أراد بها

إلاّ ليبلغ من ذي الـعرش رضوانا

بل ضربة من غويّ أورثـته لظى

وسوف يلقى بها الرحمن غـضبانا

كأنّه لـم يـرد قـصداً بضـربته

إلاّ ليصلى عذاب الخلـد نيـرانـا (٢)

قلت : يا من حبّه أعظم وسائلي إلى ربّي في حشري ، ويا من ذكره أطيب ما يخطر بقلبي ويمرّ بفكري ، ويا من ولاه رأس إيماني واعتقادي ، ويا من مدحه راحة روحي وأقصى مرادي ، مصابك جدّد أحزاني ، وهيّج أشجاني ، وقرّح مقلتي ، وأجرى عبرتي ، وأسهر ناظري ، وأظهر سرائري ، كلّما أردت أن اُكفكف دموعي ذكت نيران الأسى في ضلوعي ، وكيف لا اُذيب فؤادي بنار حسراتي ، واُصاعده دماً من شؤوني بتصاعد زفراتي ، وأشقّ لمصابك فؤادي لا

____________

١ ـ في الغدير : صهر النبيّ ومولانا.

٢ ـ الغدير : ١ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

٥٠١

قميص حزني ، واُحرّم رقادي لوفاتك على قريح جفني ، وحبّك جُنّتي وجَنّتي في دنياي وآخرتي ، وولاؤك معاذي وملاذي يوم حشري وفاقتي؟

كتبت أحرف خالص اعتقادي في حبّك على صفحات سرائري ، وظهرت آثار محض ودادي لمجدك على وجهات بواطني وظواهري ، عمّر الله لحبّك في قلبي منزلاً شامخاً ، وثبّت بي في طريق شكوكي إلى عرفانك قدماً راسخاً ، لمّا شرّفني ربّي باتّباعك ، وأكرمني بولائك ، ونزّهني عن دنس الشكّ في أمرك ، وأطلعني على جلال مجدك وفخرك ، وأعلمني أنّ أفضل الأعمال حبّك ، وأقرب القربى إلى الرسول قربك.

وقفت خالص ودّي على باب جلالك ، ووجّهت شكري إلى كعبة إفضالك ، لا اُريد بعد الله ورسوله منك بدلاً ، ولا أبغي عن اتّباع سبيلك حولاً ، بل طوّقت بطوق العبوديّة عنقي ، ووسمت بميسم الرقية لجنابك حسّي ومفرقي ، راجياً أن يثبتني في جرائد أرقّائك عبداً حبشيّاً ، وإن كنت علويّاً قرشيّاً.

نزّهك الله عن الدنيا الفانية ، واختار لك الدار الباقية ، وابتلى عباده بولائك ، وأخبرهم باتّباعك ، فمن اتّبع سبيلك فقد اتّبع سبيل المؤمنين ، وانتظم في سلك المخلصين ، وٍأسلم لربّ العالمين ، واستمسك بحبله المتين ، ومن تولّى عن أمرك وخفض المرفوع من قدرك ، ولم يفق واضح أمرك ، وكذّب بعلانيتك وسرّك ، وغشى بصره عن نور عدلك ، وقدّم عليك من لا يعادل عند الله شسع نعلك ، وسمّى الكاذب صدّيقاً ، والجاهل فاروقاً ، فقد ألحد في دين الله ، وكذّب ببيّنات الله ، وصار اسمه في صحائف التحقيق مذؤوماً مدحوراً ، وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً ، وخرج من عبادة الله إلى عبادة

٥٠٢

الشيطان ، واتّبع ما تتلو الشياطين على ملك سليمان (١).

أنت نور الحقّ ، ومحنة الخلق ، والسبب المتّصل بين الله وعباده ، والنهج الموصل لسالكه إلى سبيل رشاده ، لمّا أعلى الله على كلّ شأن شأنك ، ورفع على كلّ بنيان بنيانك ، وتوّجك بتاج العلم ، وحلّاك بحلية الحلم ، فصارت نفسك أشرف النفوس الإنسيّة ، وروحك أطهر الأرواح القدسيّة ، وقلبك مشكاة الأنوار الإلهيّة ، وذاتك مظهر الأسرار الربّانيّة ، وقرن طاعتك بطاعته ، ومعصيتك بمعصيته ، يدخل الجنّة من أطاعك وإن عصاه ، ويدخل النار من أبغضك وإن والاه.

وأمر رسوله أن يوردك في الغدير من زلال الاختصاص كأساً رويّاً ، وأن يرفع لك بآية التطهير في سماء الاخلاص كاناً عليّاً ، وأن يكمل الاسلام بعد نقصه بولايتك ، وأن يتمّ الايمان بصريح نصّه على خلافتك ، فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله آخذاً ميثاقك على الأسود والأحمر ، موجباً ولاءك على كلّ من أخلص بالوحدانيّة لربّه وأقرّ ، وأخلصك بالاصطفاء ، وخصّك بسيّدة النساء ، وأعلمنا أنّ الله سبحانه تولّى عقدة نكاحها بشريف إرادته ، وأشهد على ذلك مقرّبي ملائكته ، وقرن حبّه بحبّك ، وجعل ذرّيّته من صلبك.

فشمخت لذلك معاطس أقوام حسداً وكفراً ، وأضمروا في حياة نبيّهم لجلال رفعتك حقداً وغدراً ، حتى إذا نقل الله نبيّه إلى جواره ، واختصّه بدار قراره ، أظهروا ما كمن من نفاقهم ، وأشهروا ما بطن من شقاقهم ، واتّخذوا عجلاً كقوم موسى ، وفارقوا الحقّ كاُمّة عيسى ، وبالغوا في إخفاء دين الله بآرائهم ،

__________________

١ ـ اقتباس من سورة البقرة : ١٠٢.

٥٠٣

وراموا إطفاء نور الله بأفواههم ، وخالفوا الرسول بما أكّد عليهم بوصيّته ، وقطعوا الموصول ممّا أمر الله بصلته من عترته ، واتّخذوا الولائج من دون الله ورسوله ، وأجهدوا جهدهم في تحرف كتاب ربّهم وتبديله ، وعبدوا الطاغوت وقد اُمروا أن يكفروا به ، وصدّقوا من اتّفق النقل والعقل على تكذيبه ، وأقاموا مقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله شيطاناً مريداً ، وجبّاراً عنيداً ، وجهولاً ظلوماً ، وعتلّاً زنيماً ، وأكفأوا الاسلام ، وعبّروا الأحكام ، وحرّفوا الكتاب بأهوائهم ، وأوّلوا القرآن بآرائهم ، فلم يبق من الملّة الحنيفيّة إلا رسمها ، ولا من الشريعة النبويّة إلا اسمها.

ثمّ لم يقنعوا باغتصاب تراثك ، وانتهاب ميراثك ، حتى نصبوا لك غوائلهم ، ودفنوا لاخترامك حبائلهم ، وجرّدوا عليك مناصلهم وعواملهم ، وفوّقوا نحوك سهامهم ومعابلهم ، ولم يتركوا عهداً فيك إلا نكثوه ، ولا وعداً إلا أخلفوه ، وعدلوا بك من لا يمتّ بنسبك ، ولا يتّصل بسببك.

ثمّ أظهروا ما أخفوا من النفاق في عهد نبيّهم ، وأبدوا ما أضمروا من العناد بحقدهم وبغيهم ، وجعلوا خلافة الله ملكاً عضوضاً ، وما عاهدوا الرسول عليه عهداً منقوضاً ، وتواصوا بظلمك وهضمك ، وتعاهدوا على إخفاء فضلك وعلمك ، وموّهوا على الاُمّة المفتونة بزورهم ، وشبّهوا عليها بغرورهم ، وأغرّوا سفهاءها بسبّك ، وحملوا طلقاءها على حربك ، حتى اغتالوك في حال توجّهك إلى معبودك ، وقتلوك حين ركوعك وسجودك ، وهدموا دين الاسلام بهدم بنيتك ، وفرّقوا كلمة الايمان بفرق هامتك ، وغاوروك في محرابك طريحاً ، وبين أصحابك طليحاً.

قد صدقت ما عاهدت الله عليه ، ووفيت بما ندبك سبحانه إليه ، ففزت

٥٠٤

بالشهادة التي فضّلك بها ، واصطفاك بفضلها ، وفكنت لوقتها منتظراً ، وبوصفها مشتهراً ، بما أعلمك به الصادق الأمين ، ومن هو على الغيب ليس بضنين (١) ، بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لتخضبنّ هذه من هذا (٢) ، وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله كأنّي وأنت قائم تصلّي لربّك وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين فضربك على هامتك ضربة خضب منها لحيتك (٣) ، وقال سبحانه في شأنك ، ومن أصدق من الله قيلاً : ( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدَوا اللهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً ) (٤).

فلأنفذنّ لمصابك ماء شؤوني ، ولأحرمنّ لذيذ الكرى على عيوني ، ولأستنفذنّ العمر في مدائحك ومراثيك ، ولأبكينّ الدهر على ما حلّ بك وبنيك ، ولاُذيبنّ بنار حزني فؤادي ، ولأصعدنّه دماً من مقلتي بطول سهادي ، ولأندبنّك آناء ليلي ونهاري ، ولأجعلنّ الحزن بمهجتي ألفاً ، والبكاء على مقلتي وقفاً ، ولاُوجّهنّ إلى غاصبي حقّك مطايا لعني وهضمي ، ولأقرعنّ هامات مكذّبي صدقك بمقامع نثري ونظمي ، ولاُبيّنّن ما دلّسوا بغرورهم ، ولاُظهرنّ ما أخفوا من باطلهم وزورهم ، معتقداً ذلك من أعظم الوسائل إلى ربّي في حشري ، وأكمل الفضائل يوم بعثتي من قبري.

فمن جملة ذلك قصيدة تحلّي الطروس بجواهر مصارعها ، وتسرّ النفوس بتواصل مقاطعها ، نظمتها قبل ابتدائي بتأليف كتاب ، والله الموفّق للصواب :

__________________

١ ـ اقتباس من سورة التكوير : ٢٤.

٢ ـ انظر : الأحاديث الغيبيّة : ١ / ٤٨ ح ١٩ وص ٤٩ ح ٢٠ وص ٥١ ح ٢٢.

٣ ـ انظر : الأحاديث الغيبّة : ١ / ٥٣ ح ٢٣.

٤ ـ سورة الأحزاب : ٢٣.

٥٠٥

صرف الردى بفنـي الزمان موكل

ولهم بأسـيـفا المـنيـّة تـقتل

وهُم لأسـهم فتـكه غـرض فليس

لهم سبـيـل عـنه أن يتـحوّلوا

في حكمةٍ بـقضائه فـي أخـذهم

بالموت جـمعاً لا يجـور ويعدل

كم غادرت غَـدراتـه مــن قاهرٍ

في الترب مـقهوراً تطأه الأرجل

عفت العواصف قـبره بهـبوبهـا

وعلى ثراه الـسائمات تهـرول

أين الملوك بنـو الملـوك ومن هم

كانوا إذا ركبوا يـذوب الجـندل

لعب الزمان بهـم فعمّا قـد جرى

في حقّهم من صرفـه لا تـسألوا

بليت محاسنهـم وشـتّت شمـلهم

وخلت مجالسهم وأفـنى الـمنزل

واستبدلوا بطن الثرى من ظهرها

واروعتا بحشاي مـمّا استـبدلوا

يا من حيث مدامعي مـن أجلـهم

في صحن خـدّي مطلق ومسلسل

عنّي خذوا خبـر الصبابة انـّني

ما بين أربـاب الـغرام مــعدل

سقـمي لدعـواي المحبّة معـجز

إذ دمع عيني مذ نـأيتـم مـرسل

يا مـن حقـيقة محنتي في حبّهم

منـها سقـامـي مجـمل ومفصّل

ما ان ضـمـمت إلى زلال لقاكم

إلاّ ولي مـن فيـض دمعي منهل

كلا ولا عـنّي تـأخّـر وصلكم

إلاّ وهيّـجنـي غـرام مقـــبل

فلأندبنّ بحرقـةٍ مـن لـوعتي

رضـوى يـذوب لهـا ويـذبـل

بالخيف خفت منيـّتي إذ لم أنل

بمنى المنى منكم فـخطـبي مشكل

وبجمع أجمعتم قـطيـعة صبّكم

فـغدا جـمالـكم يخـد ويـزمـل

ورميـتم قلـبي بجمـرة لوعةٍ

بشُواظها مـنّي اُصـيـب المقـتل

فلأصـرفنّ مـودّتي عنكم إلى

قـوم لـهم فـي المـجد باع أطول

قـوم هـم اما ولـيّك عـادل

أو عـالـم أو حـاكـم أو مـرسل

٥٠٦

أو عــابـد أو حـامـد أو زاهـد

أو مـاجـد أو عـاضد أو مفضل

أو فائز يـوم الـغـديـر بـرتـبـة

بعلوّها خـضع السمـاك الأعزلُ

مولى إليـه فـي الـحساب حسابـنا

وعلـيه فـي ذاك المـقام نـعوّل

وإذا بنـو الـدنـيا توالت مثـلهـا

فإليه من دون الـخـلائق نعـدلُ

فـرض الإلـه عــلى الأنـام ولاءهُ

فرضـاً بـه نـزل الكتاب المنزل

إن كنتَ مرتابـاً فسـل عـن إنّما (١)

فهي الدليل لـمن يصـحّ ويعـقل

كـتف النـبيّ لأخمصيـك مـواطىء

فلذاك خـدّ سـواك حـقّاً أسفـل

يــا أوّل الأقوام إيـمـانـاً بـما

أوحى الإله لابن عمـّك مـن عل

يا آخـراً عـهـداً بـه لمّا قـضـى

حزت الـعلى أنت الأخـير الأوّل

مـا رمـتُ نـظـماً فيـك إلا زانه

سحراً يـزيـّن مقـولي ويجمـّل

وإذا مـديـح سواك رامت فكـرتي

سمح القريض له وكـلّ المقـول

وإذا طـغى ريب الزمـان بـعسـره

فدعائي باسمك للعسـر يسهــّل

أعمـالنـا منقوصـة مـقـصـورة

إن لم يصحـّحها ولاك ويـكمـّل

مديـحك ألبسـنـي ملابـس رفعة

لعلوّهـا فـوق الـمجـرّة أرفـل

كــم مـنـبـر شـرّفته بـمدائح

في وصف مجدك فضلها لا يجهل

وخـطـابة رصّـعتها بـجـواهـر

هام الثناء بهـا عـليـك يكـلّـل

تـعنوا وجـوه اُولي التـقـى لجلالها

وذوو الشقاء حسـداً بها يتضاءلوا

ماطال مـجـد بالمـكـارم والتـقى

إلاّ ومـجد عـلاك مـنه أطـول

رقمت حروف علاك في الصحف الاُولى

مفروضـة إذ مـا سواهـا مهمل

__________________

١ ـ أي قوله تعالى في سورة المائدة : ٥٥ : ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ).

٥٠٧

سـل عنـه بـدراً والوليد وعتـبة

تنـبيك عـن نـدب يـقول ويفعل

قـدّ ابـن ميـشا فانثنى وحسـامه

بدمـائـه متـوشّـح متـسـربل

وقـموص خيبر مذ اُبيـد غدت لها

قمـص الـمذلّة والإهـانـة تشمل

وبنو قريظة لـم يزل ربّ الـعلى

بيديـك يـا مـولى الأنـام يزلزلُ

أعمالنا فـي حـشرنا وصـلاتـنا

بسـوى ولائـك ربـّنا لا يـقـبل

علـقت يدي منـه بأوثـق عـروة

يفنـى الزمـان وحـبلها لا يفصلُ

يا مـن يقيس يـبه سـواه سفاهة

مـا أنـت إلا أعـفـك (١) لا يعقل

تربت يداك فضلّ سعيك فـي الورى

أيقاس بـالـدرّ الثـميـن الجـندلُ

من تـيم مـن أعلامها مـا فضلها

ما مجدها مـن حبـترٍ مـن نـعثل

بل ما الأكاسـرة العـظـام ومـا

القياصرة الكرام ومن يجـور ويعدل

فيـه بـنوح والـخليـل وبالكليم

وبابن مريـم وهـو مـنهـم أفضل

يا زائـراً جـدث الوصيّ معظماً

ولـه على البـيت الحـرام يفـضل

ويرى الخضوع لديه خير وسيلة

بثـوابـهـا يـتوسّـل المـتوسـّل

قف خاشعاً والثـم ثـراه ففضله

وكمـالـه مـن كـلّ فضـل أكمل

واعدد قيامك في صـعيد مـقامه

سبـباً إلى رضـوان ربّك يـوصـل

وجميع ما تأتي بـه من طـاعةٍ

جـزمــاً بغـير ولائـه لا يـقبـل

وأبـلغه عنّـي بالـسلام تحيـّة

هي خـير مـا يـهـدى إليه ويرسل

ومدائحاً في غير وصـف كمـاله

ترصيعـها وبديـعـها لا يـجـمـل

وإليه أيدي بالـخطـاب ألوكـه

عن صدق إخلاصي رواهـا الـمقول

من بعد ما نأتي بـه مـن طاعةٍ

بـأدائـها يـتـنـفّل الـمتـنـفّل

__________________

١ ـ الأعفك : الأحمق.

٥٠٨

وإذا فــرض أو إقـامـة سـنـّة

أو زورة منـهـا الـنجاة تـؤمّل

قف ثمّ قـل يـا خيـر مـن لولائه

في مهجـتي دون الخـلائق منزل

ومعـارج الـدعوات حول ضريحه

وعلـيه أمـلاك السـماء تـنزل

تركـوك يـا طود الـعلوم وقدّمـوا

رجسـاً بحبـّة خردل لا يـعـدل

وبنوا قواعد ديـنهم سفهاً على جرفٍ

فتاهـوا فـي الـضلال وضلّـلوا

وتراث أحـمد منـك حـازوه ومـا

استحيوا وللقـرآن جهـلاً أوّلـوا

وعلـى عبادة عجلهم عكفوا وأضـ

ـحى السـامريّ بهم إليه يـعدلوا

ولزوجك الـزهـراء عـن ميراثها

حجبوا وحـكم الـله فيـها بـدّلوا

وعليك من بعـد النـبيّ تحـزّبت

أحزابهم وأتـوا لحربك يـرفلـوا

وغدا براكبة البـعيـر بعـيرهـا

للكفر والإلـحاد منـهـا يحـمـل

وأتت مـن البلد الـحرام بفـتنـةٍ

لبّ اللـبـيب لها يحـير ويذهـل

لم أنسهـا وجمـوعـها من حولها

لضبا الـعوامـل والـمناصل مأكل

حتى إذا شرفت بعـصبـة بغـيها

ورأت بنيها حولـها قـد قـتـّلوا

أبدت خضوعاً واسـتـقالت عثرة

ما أن يقال ومـثلـها لا يـحـمل

ثمّ انثنت نـحو ابن هـند والحشا

منها بـه لـلحـقد نـار تـشعـل

جعلت دم الـمقـتول حقـّاً شبهة

منها بـدار أخ الـرسـول تؤمـّل

ما تيـم مـرّة مـن اُميّة فانكصي

فالبغي يصـرع طـالبـيه ويـخذل

أغراك غلّ فـي فـؤادك كـامنٌ

يغــلي مـراجـلـه وحـقد أوّل

لم تجر بعد المصطفى من فـتنةٍ

إلاّ وبغـيك وردهـا والـمنـهـل

فلذاك رأس القاسطـين ورهطـه

بك في الضلال تـتابعوا وتـوغّـلوا

والمارقون عن الهـدى والسابقون

إلى الـردى وبنـهروان جـدّلــوا

منك احتدوا وبك اقتدوا في ضيمهم

وعلى اجتهادك في خروجـك عوّلوا

٥٠٩

أغواهم الشـيطـان حـتى أكفروا

بحر الـعلوم وخـطّأوه وجهــّلوا

وعدوا عـليه مـصلّياً متـهجّـداً

بتـخـشـّع وتـضـرّع يـتبـتّل

كفــروا بأنعم ربـّهم ونـبيّـهم

ووليّهـم إذ ضيّـعـوا مـا حمـلوا

بكـت السـماوات العلى لمصابه

بدم عـبـيـط لا بـدمـع يـهمل

أذكت رزيّـته بقـلـبي لـوعـة

حتى الـمـمات رسيسـها يتجلجل

وعلى عيوني حرّمت طيب الكرى

فلذا بفيـض نجـيـعها لا تـبخـل

صلّى عليـك الـله يا مـن ديننا

حـقـّاً بغـير ولائـه لا يـقبـل

وعـلى الذيـن تـقـدّمـوك وفا

رقوا دين الهدى ووكيد عهدك أهملوا

لعناً وبيلاً ليـس يحـصـى عدّه

حتـى القـيامة وصله لا يفـصـل

ما ارتاح ذو شجن ينـشر صارماً

عصفت جـنوب واستـمرّت شمائل

٥١٠

فصل

في ذكر سيّدة النساء صلوات الله وسلامه عليها

نبدأ من ذلك بخطبة في ذكر شيء من مناقبها وتزويجها بأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، قلتها بإذن الله وخطبت في مشهد ولدها السبط التابع لمرضاة الله أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام يوم السادس من ذي الحجّة الحرام ، وهي هذه :

الحمد لله الذي أعلا بعليّ أمره كلمة رسوله ونبيّه وانمى له في سماء المجد قدراً ، وأوضح أحكام شريعته بوصيّه في اُمّته وشدّ به منه عضداً وأزراً ، ونصب أعلام ملّته بشدّة عزمته وجعله نسباً وصهراً.

وأمر نبيّه أن يورده من غدير الشرف في الغدير ورداً وصدراً ، وأن يخاطبا لجمّ الغفير بفرض ولايته علانية وسرّاً ، وأن يرفع له بالرئاسة العامّة إلى حين حلول الطامّة الكبرى قدراً ، لمّا زوّجه الجليل سبحانه بالبتولة الزهراء والإنسيّة الحوراء جعل سبحانه نثار طوبى لشهود العرس نثراً ، وتولّى سبحانه عقدة نكاحها بلسان العناية الإلهيّة ، وخاطب نبيّه ببيان الإرادة الإلهيّة الأزليّة : إنّي قد زوّجت نوري من نوري فأعظم بذلك فخراً.

يا له نكاحاً وليّه الملك الجليل ، وعقد شاهداه جبرائيل وميكائيل ، وجمعا (١) خطبته على منبر الكرامة راجيل ، قد جعل الله نثار قاصرات الطرف فيه

__________________

١ ـ كذا في الأصل.

٥١١

ياقوتاً ودرّاً ، يتفاخرن به في قصور دار المقامة ، ويتهادينه في منازل السرور إلى يوم القيامة ، تلك أرواح سالكي طريق الحقّ من أهل الامامة ، قد جعل الله لهنّ حسن إخلاص المخلصين بالايمان ... (١) مهر الولاء وجود عين الوجود في الكربين ، أعني صاحب بدر واُحد وحنين ، لم يكن للزهراء كفو ما بين المشرقين والمغربين ، فلهذا أحدث الله لهما في صحائف التطهير والتقديس أمراً.

بحران التقيا بتدبير العليّ العظيم ، وبدران اقترنا بتقدير العزيز العليم ، ونوران اجتمعا بمشيئة المدبّر الحكيم ، قد كفّر الله بولائهما سيّئات أوليائهما وأعظم لهم أجراً ، يخرج من صدف بحريهما اللؤلؤ والمرجان ، ويشرق بزاهر نوريهما الملوان (٢) والخافقان ، ويهتدي بعلم علمهما الثقلان من الإنس والجانّ ، ويجعل الله بذرّيتهما لدين الحقّ بعد الطيّ نشراً ، اُمناء الحقّ من نجلهما ، وهداة الخلق من نسلهما ، ودعاة الصدق من الهماهم غيوث وليوث في قرى ، وقراع فهم اُسد الشرى ، سادة الخلق والورى ، فعليهم أهل بيت ومقام وصفا ، ومناجاة بصدق صفا ، من لهم بالمجد حقّاً وصفا ، نال من ذي العرش صلوات الله تتراً ، توقيراً وبرّاً.

نحمد ربّنا على ما اختصّنا به من عرفان حقّهم ، ونكشره إذ جعلنا من الموقنين بفضلهم وصدقهم ، ووفّقنا في حلبة الفخر للاقرار بتقديمهم وسبقهم ، وخلص ابريز خالص معتقدنا لحبّهم سرّاً وجهراً.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة تدحض عن قائلها ذنباً ووزراً ، وترمض من منكرها سحراً وبحراً.

__________________

١ ـ الظاهر سقط من الأصل هنا بمقدار صفحة واحدة.

٢ ـ كذا في الأصل.

٥١٢

ونشهد أنّ محمداً عبده ورسوله الذي أطلعه الله على أسرار ملكوته ليلة الاسراء ، وشرّفه حضرة جبروته على الخلق طرّاً.

صلّى الله عليه صلاة عرفها كالمسك عطراً ، ونشرها كالروض نشراً ، وعلى آلها الّذين من استمسك بحبل ولائهم فاز من الله بالبشرى ، وحاز السعادة الكبرى في الدنيا والاُخرى ، ما أظهر النهار بنور صباه من الليل فجراً ، وهزم بمسلول صارم حسامه صباحه جنود الحنادس فلم يبق منها عينا ولا أثراً.

يا أيّها الّذين آمنوا هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذاب أليم (١) وسعادة باقية ببقاء الرب الرحيم ، وجنّات لكم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبداً إنّ الله عنده أجر عظيم (٢) ، أن تسلكوا سبيل وليّ الله في برّه وبحره ، والداعي إلى الله على بصيرةٍ من أمره ، والمخلص بطاعته لربّه في برّه وبحره ، والداعي إلى الله على بصيرةٍ من أمره ، والمخلص بطاعته لربّه في سرّه وجهره ، وعيبة علمه ، وموضع سرّه ، ووجهه الواضح في خلقه ، ولسانه الناطق بحقّه ، ويده الباسطة في بلاده ، وعينه الباصرة في عباده.

صاحب الخندق وبدر ، وقاتل الوليد وعمرو ، الذي دكّ الله بيده حصن القموص ، واختصّه بأشرف النصوص على الخصوص.

بحر العلم ، طود الحلم ، وينبوع الكرم ، ومعدن الحكم.

أفصح الخلق لساناً ، وأوضحهم بياناً ، وأكرمهم بناناً ، وأعلاهم في الشرف تبياناً.

السائق الصادق ، والصادع الناطق ، والفاتح الخاتم ، والمتصدّق في

__________________

١ ـ إقتباس من سورة الصف : ١٠.

٢ ـ إقتباس من سورة التوبة : ٢١ و ٢٢.

٥١٣

ركوعه بالخاتم.

نفسه نفس الرسول ، وعرسه الطاهرة البتول ، سيّدة نساء الاُمّة ، واُمّ السادة الأئمّة ، وابنة شفيع المحشر ، وحليلة ساقي الكوثر ، الخاشعة الزاهدة ، الراكعة الساجدة ، الصائمة القائمة ، العاملة العالمة ، السالكة الناسكة ، العفيفة الشريفة ، المتهجّدة المتعبّدة ، البتولة الطاهرة ، سيّدة نساء الدنيا والآخرة ، اُمّ الحسنين ، وابنة شفيع الكونين ، وحليلة إمام الثقلين.

تخجل الشمس حياءً منها إن أسفرت ، وتبتهج الأرض سروراً إن عليها خطرت ، شجرة دوحة النبوّة ، ودرّة صدفة الفتوّة ، نور من نور خلقت ، وشمس من شمس أشرقت ، فضلها لا يخفى ، ونورها لا يطفى ، لمّا كان والدها لقلادة النبوّة واسطة ، كلّمه الجليل سبحانه ليلة الاسراء بلا واسطة ، وجعل بعلها له وصيّاً ووليّاً ، وبأعباء رسالته حفيّاً مليّاً ، وتولّى سبحانه عقدة نكاحها في حضيرة القدس ، وجعل جبرائيل وميكائيل من جملة خدمها ليلة العرس :

بنت خيـر الـخلق طرّاً

وأجلّ الخـلق قـدرا

من بها الله بصنو المصـ

ـطفى أصفى وبـرّا

عالم الاُمـّة والهـادي لها

بـرّاً وبـــحـرا

ولا سـما الخـلق مـجداً

نسـباً كـان وصهرا

وبـاُحـدٍ شــدّ مـنه ا

لله لـلمخـتـار أزرا

وببـدر أطلـع الـحـقّ

به للـحــقّ بـدرا

هـازم الأحـزاب والقاتل

ذاك اليـوم عـمـرا

سـل بـه خــيبـركـم

هدّ بها ركناً وقصـرا

ناصب الرايـة لمّـا كـعّ

مَـن كــَعّ وفــرّا

٥١٤

في حنـين نـصـر الـلّه

به الاسـلام نـصـرا

رفع اللـه له فـي الـدوح

بـالإمــرة أمـــرا

كان بالـزهـراء مـن كلّ

عــباد الـله أحـرى

لم يكن كفـواً لـها لـولاه

بـيـن الـناس يـدري

جعل الـله لهـا خـمـس

جمـيع الأرض مهـرا

طهرت مـع نجـلها مـن

سائر الأرجـاس طهرا

ذكرها يـوم الكـساء فـي

الذكـر يتـلى مستمرّا

بـعلـها قامـع هـامـات

جنود الشـرك قـهـرا

قاصم الأصلاب والـقاسـم

للأسـلاب قـســرا

وامرح فكـري مـدحاً في

وصفه نـظمـاً ونثرا

فرأيت اللــه قد أعلى له

فـي الـذكـر ذكـرا

هـل أتـى (١) فيـه وفي

زوجته وابنيـه تـقرا

آثـروا بالـقـوت لمّـا

أن وفوا عـهداً ونذرا

عبد الخـالق لـمّا عـبد

الأقـوام جـهــرا

هـبـلاً ثـمّ يـغــوث

وسواعــاً ثم نسرا

مذ بني بالبضعة الزهراء

أهدى الـله عطـرا

شرفـاً مـنه لـها قــد

فاق في الآفـاق ذكرا

عرفه من يثرب في مـكّةٍ

يـنفـح نـشــرا

روي عن الأصبغ بن نباتة بإسناد متّصل قال : لمّا زوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة من عليّ عليه‌السلام وأراد أن يدخلها به أتاه جبرائيل ،

____________

١ ـ المراد سورة الانسان.

٥١٥

فقال : يا محمد ، ما تصنع؟

قال : اُدخل فاطمة بعليّ.

قال : إنّ ربّك يقرؤك السلام ، ويقول لك : لا تحدث شيئاً حتى آتيك ، ثمّ عرج جبرائيل وهبط على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه قدح من الياقوت فيه من مسك الجنّة ، وزعفران من زعفران الجنّة ، مضروب بماء الحياة ، وقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ربّك يقرؤك السلام ، ويقول لك : مر فاطمة فلتضع هذا في مفرقها ونحرها ، ففعلت ذلك ، فكانت صلوات الله عليها بعد ذلك إذا حكّت رأسها بالمدينة تفوح رائحة من مكّة ، فيقول الناس : ما هذه الرائحة؟

فيقال : إنّ فاطمة قد حكّت رأسها بالمدينة اليوم ، فهذه رائحة الطيب الذي أهداه الله إليها.

وروى الشيخ الجليل محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رضي الله عنه في أماليه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : لقد هممت بتزويج فاطمة عليها‌السلام وما يمنعني من ذلك إلا انّي لم أتجرّأ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ ذلك ليختلج في صدري ليلاً ونهاراً حتى دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم فقال : يا علي.

فقلت : لبّيك ، يا رسول الله.

قال : هل لك في التزويج؟

قلت : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلم ، وإذا به يريد أن يزوّجني بعض نساء قريش (١) وإنّي لخائف على فوات فاطمة ، فانصرفت فلم أشعر بشيء حتى

__________________

١ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : بعض بنات نساء قريش.

٥١٦

أتاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي : أجب النبيّ وأسرع ، فما رأيت أشدّ فرحاً منه اليوم ، قال : فأتيته مسرعاً ، فإذا هو في حجرة اُمّ سلمة رضي الله عنها ، فلمّا نظر إليّ تهلّل وجهه فرحاً ، وتبسّم حتى نظرت إلى بياض أسنانه يبرق.

فقال : يا عليّ ، أبشر ، فإنّ الله سبحانه قد كفاني ما كان أهمّني من أمر تزويجك.

فقلت : وكيف ذلك ، يا رسول الله؟

فقال : أتاني جبرائيل ومعه من سنبل الجنّة وقرنفلها وناولنيهما فأخذتهما وشممتهما ، وقلت : ما سبب هذا السنبل والقرنفل؟

فقال : إنّ الله سبحانه أمر سكّان الجنّة (١) من الملائكة ومن فيها أن يزيّنوا الجنان كلّها بمغارسها وأشجارها وأثمارها وقصورها ، وأمر ريحها فهبّت بأنواع الطيب والعطر ، وأمر حور عينها بقراءة سورة طه وطواسين ويس وحمعسق ، ثمّ نادى منادٍ من تحت العرش :

ألا إنّ اليوم يوم وليمة علي بن أبي طالب ، ألا إنّي اُشهدكم أنّي قد زوّجت فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من عليّ بن أبي طالب رضي منّي بعضهما لبعضٍ.

ثمّ بعث الله سبحانه سحابة بيضاء فمطرت عليهم من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها ، وقامت الملائكة من سنبل الجنّة وقرنفلها ، وهذا ممّا نثرته الملائكة.

__________________

١ ـ في الأمالي : الجنان.

٥١٧

ثمّ أمر الله سبحانه ملكاً من ملائكة الجنّة يقال له راحيل (١) ، وليس في الملائكة أبلغ منه ، فقال : اخطب يا راحيل ، فخطب بخطبةٍ لم يسمع بمثلها أهل السماوات ولا أهل الأرض ، ثمّ نادى منادٍ : ألا يا ملائكتي وسكّان جنّتي ، باركوا على عليّ حبيب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة بنت محمد فقد باركت عليهما ، ألا إنّي قد زوّجت أحبّ النساء إليّ من أحبّ الرجال إليّ بعد النبيّين والمرسلين (٢).

فقال راحيل الملك : يا ربّ وما بركتك عليهما بأكثر ممّا رأينا [ لهما ] (٣) في جنّتك ودار رضوانك؟

فقال عزّ وجل : يا راحيل ، إنّ من بركتي عليهما أنّ أجمعهما على محبّتي ، وأجعلهما حجّة على خلقي ، وعزّتي وجلالي لأخلقنّ منهما خلقاً ، ولأنشئنّ منما ذرّيّة أجعلهم خزّاني في أرضي ، ومعادن لعلمي ، ودعاة إلى ديني ، بهم أحتجّ على خلقي بعد النبيّين والمرسلين.

فأبشر يا عليّ ، فإنّ الله عزّ وجلّ أكرمك بكرامةٍ لم يكرم بمثلها أحداً ، وقد زوّجتك ابنتي على ما زوّجك الرحمن ، ورضيت بما رضي الله لها ، فدونك أهلك ، فإنّك أحقّ بها منّي ومن كلّ أحد ، وقد أخبرني جبرائيل أنّ الجنّة مشتاقة

__________________

١ ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : راجيل ، وكذا في المواضع الآتية.

٢ ـ في « ح » : سمعت من علماء الشيعة رضوان الله عليهم أجمعين [ أنّه ] قد وجد بالكوفة بعد قتل الحسين عليه‌السلام درّة حمراء وقد كتب فيها بخطّ كوفيّ جليّ هذا الرباعي بحسن الخط :

أنا درّ من السمـاء نثروني

يوم تزويج والد الـحسنين

كنت أصفى من اللجين ولكن

صبّغتني دماء نحر حسين

٣ ـ من الأمالي ، وفيه بعده : في جنانك ودارك.

٥١٨

إليكما ، ولولا أنّ الله سبحانه قدّر أن يخرج منكما ما يتّخده على الخلق حجّة لأجاب فيكما الجنّة وأهلها ، فنعم الأخ أنت ، ونعم الختن أنت ، ونعم الصاحب أنت ، وكفاك برضى الله رضى.

قال عليّ عليه‌السلام : فقلت : يا رسول الله ، أبلغ بقدري حتى ذكرتُ في السماء (١) وزوّجني ربّي في ملائكته؟!

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله سبحانه إذا أكرم وليّه أكرمه بما لا عين رأت ولا اُذن سمعت ، فأحباها الله لك.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد أن سجد شكراً لله : ( رَبِّ أوزِعنِي أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتِي أَنعَمتَ عَلَيَّ ) (٢).

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : آمين (٣).

الخرگوشي في كتابيه شرف المصطفى واللوامع ، بإسناده عن سلمان. وأبو بكر الشيرازي أيضاً روى في كتابه. وأبو إسحاق الثعلبي ، وعليّ بن أحمد الطائي ، وغيرهم من علماء السنّة في تفاسيرهم عن سعيد بن جبير. وروى أيضاً سفيان الثوري وأبو نعيم الأصفهاني أيضاً فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه‌السلام عن حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، وعن [ أبي مالك ، عن ] (٤) ابن عبّاس والقاضي النطنزي عن سفيان بن عيينة ، عن الصادق عليه‌السلام.

__________________

١ ـ في الأمالي : الجنّة.

٢ ـ سورة النمل : ١٩.

٣ ـ أمالي الصدوق : ٤٤٨ ح ١ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٢٢٢ ح ١ وص ٢٢٥ ح ٢ ، عنهما البحار : ٤٣ / ١٠١ ح ١٢ ، وفي ص ١٠٣ عن تفسير فرات : ١٥٦.

٤ ـ من المناقب.

٥١٩

وروى مشايخنا رضي الله عنهم عن الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : ( مَرَجَ البَحرَينِ يَلتَقِيَانِ ) (١) قال : عليّ وفاطمة بحران من العلم عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه ، وفي رواية : ( بَينَهُماَ بَرزَخٌ ) (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( يَخرُجُ مِنهُمَا اللُّؤلُؤُ وَالمَرجَانَ ) (٣) الحسن الحسين عليهما‌السلام. (٤)

أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس أنّ فاطمة عليها‌السلام بكت للجوع والعري ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اقنعي يا فاطمة بزوجك ، فوالله إنّه سيّد في الدنيا ، سيّد في الآخرة ، وأصلح بينهما ، فأنزل سبحانه : ( مَرَجَ البَحرَينِ يَلتَقِيَانِ ) يقول : أنا الله أرسلت البحرين : عليّاً بحر العلم ، وفاطمة بحر النبوّة ، يلتقيان : يتّصلان ، أنا الله أوقعت الوصلة بينهما ، ثم قال : ( بَينَهُمَا بَرزَخٌ ) أي مانع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يمنع عليّاً أن يحزن لأجل الدنيا ، ويمنع فاطمة أن تخاصم بعلها لأجل الدنيا ( فبَِأيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا ) يا معشر الجنّ والإنس ( تُكَذِّبَان ) بولاية أمير المؤمنين وحبّ فاطمة الزهراء ، فاللؤلؤ الحسن ، والمرجان الحسين ، لأنّ اللؤلؤ الكبار والمرجان الصغار ، ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما وكثرة خيرهما ، فإنّ البحر ما سمّي بحراً إلا لسعته ، وأجرى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فرساً فقال : وجدته بحراً. (٥)

القاضي أبو محمد الكرخي في كتابه عن الصادق عليه‌السلام ، عن فاطمة

__________________

١ ـ سورة الرحمن : ١٩.

٢ ـ سورة الرحمن : ٢٠.

٣ ـ سورة الرحمن : ٢٢.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣١٨ ـ ٣١٩ ، عنه البحار : ٤٣ / ٣١ ح ٣٩.

٥ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣١٩ ، عنه البحار : ٢٤ / ٩٩ ح ٦.

٥٢٠