تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-09-6-X
الصفحات: ٥٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

عليها‌السلام قالت : لمّا نزلت ( لاَ تَجعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَينَكُم كَدُعَاءِ بَعضِكُم بَعضاً ) (١) هبت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أقول له يا أبة ، فكنت أقول : يا رسول الله ، فأعرض عنّي مرّتين أو ثلاثاً ، ثمّ اقبل عليَّ ، وقال : يا فاطمة ، إنّها لم تنزل فيك ولا في أهلك ولا في نسلك ، أنت منّي وأنا منك ، إنّما اُنزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش أصحاب البذخ والكبر ، قولي : يا أبة ، فإنّها أحيى للقلب ، وأرضى للربّ. (٢)

سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي صالح في قوله سبحانه : ( وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَت ) (٣) قال : ما من مؤمن يوم القيامة إلا إذا قطع الصراط زوّجه الله على باب الجنّة بأربع نسوة من نساء الدنيا ، وسبعين [ ألف ] (٤) حوراء من حور الجنّة إلا عليّ بن أبي طالب ، فإنّه زوج البتول فاطمة في الدنيا ، وهو زوجها في الجنّة ، ليست له في الجنّة زوجة غيرها من نساء الدنيا ، لكن له في الجنّة سبعون ألف حوراء ، لكلّ حوراء سبعون ألف خادم (٥).

عن الصادق عليه‌السلام قال : حرّم الله النساء على عليّ ما دامت فاطمة حيّة لأنّها طاهرة لا تحيض.

وقال أبو عبيد الهروي في الغريبين (٦) : سمّيت مريم بتولاً لأنّها بتلت عن

__________________

١ ـ سورة النور : ٦٣.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٢٠ ، عنه البحار : ٤٣ / ٣٢ ـ ٣٣ ، وعوالم العلوم : ١١ / ٧٤ ح ٦.

٣ ـ سورة التكوير : ٧.

٤ ـ من المناقب.

٥ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، عنه البحار : ٤٣ / ١٥٤.

٦ ـ الغريبين : ٣٨ ( مخطوط ). وفيه : وقال الليث : البتول كلّ امرأة منقطعة عن الرجال لا شهوة لها. وقال أحمد بن يحيى : سمّيت فاطمة البتول لانقطاعها عن نساء زمانها ونساء

٥٢١

الرجال ، وسمّيت فاطمة بتولاً لأنّها بتلت عن النظير.

أو هاشم العسكري قال : سألت صاحب العسكر عليه‌السلام : لِمَ سمّيت فاطمة الزهراء؟

قال : كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين من أوّل النهار كالشمس الضاحية ، وعند الزوال كالقمر المنير ، وعند غروب الشمس كالكوكب. (١)

وروي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ، ورواه أيضاً عامر الشعبيّ والحسن البصري [ وسفيان الثوري ومجاهد وابن جبير وجابر الأنصاري ] (٢) ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني. أخرجه البخاري عن المسوّر بن مخرمة.

وفي رواية جابر : فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله. (٣)

ابن عبد ربّه الأندلسي في العقد ، عن عبد الله بن الزبير ـ في خبر ـ عن معاوية بن أبي سفيان ، قال : دخل الحسن بن عليّ على جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يتعثّر بذيله ، فأسرّ إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سرّاً فرأيته قد تغيّر لونه ، ثمّ قام صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أتى منزل فاطمة ، فأخذ بيدها فهزّها هزّاً ، وقال لها : يا فاطمة ، إيّاك وغضب عليّ ، فإنّ الله يغضب لغضبه ، ويرضى لرضاه ، ثمّ جاء إلى عليّ عليه‌السلام فأخذه بيد ، ثمّ هزّها هزّاً خفيفاً ، ثمّ قال :

__________________

الاُمّة فضلاً عن دينها ...

وفي الأصل والمناقب والبحار : « عبيد » بدل « أبو عبيد ».

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٣٠ ، عنه البحار : ٤٣ / ١٦.

٢ ـ من المناقب.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٣٢ ، عنه البحار : ٤٣ / ٣٩.

٥٢٢

يا أبا الحسن ، إيّاك وغضب فاطمة ، فإنّ الملائكة تغضب لغضبها ، وترضى لرضاها.

فقلت (١) : يا رسول الله ، مضيت مذعوراً ورجعت مسروراً!

فقال : يا معاوية : كيف لا اُسرّ وقد أصلحت بين اثنين هما أكرم أهل الأرض على الله؟ (٢)

قلت : في روايته لهذا الحديث ثمّ خلافه له وارتكاب ما حذّر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من أنّ الله يغضب لغضب عليّ ، ويرضى لرضاه أكبر دليل على نفاقه واستهزائه بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقلّة مبالاة بأمره ونهيه ، وخروج عن الدين بقالبه وقلبه ، وأنّه لا يعتقد الاسلام ديناً ، ولا الله ربّاً ، ولا محمداً رسولاً ، ولا كان متمسّكاً بالكتاب ، ولا أنّه منزل من عند الله ، ولا مقرّاً بما اُنزل فيه ، ولا معتقداً ما وعد الله من الحشر والنشر والحساب ، والجنّة والنار وما أعدّ الله فيهما من الثواب والعقاب ، فلهذا أظهر ما أبطن من بغض النبيّ وأهله ، وأجلب عليهم بخيله ورجله ، وأفضى بوصيّه إلى فتنته ، واُسرته وذروته وشيعته ، بالانتقام منهم ، وإظهار الأحقاد البدريّة فيهم ، فالله حسبه وطلبته ، وهو بالمرصاد لكلّ ظالم.

قال الشيخ محمد بن بابويه القمّي رضي الله عنه : وهذا الحديث ليس بمعتمد لأنّهما منزّهان [ عن ] (٣) أن يحتاجا أن يصلح بينهما رسول الله صلّى الله

__________________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : فقلنا.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٣٤ ، عنه البحار : ٤٣ / ٤٢ ـ ٤٣ ، وعوالم العلوم : ١١ / ١٥٤ ح ١.

٣ ـ من المناقب.

٥٢٣

عليه وآله. (١)

الباقر والصادق عليهما‌السلام : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا ينام حتى يقبّل عرض وجه فاطمة ، ويضع وجهه بين ثدييها. (٢)

اُتي برجل إلى الفضل بن الربيع زعموا أنّه سبّ فاطمة فقال لابن غانم : انظر في أمره ما تقول؟

قال : يجب عليه الحدّ.

فقال له الفضل : إذاً كاُمّك إن حددته ، فأمر به أن يضرب بألف سوط ، وأن يصلب في الطريق. (٣)

أبو علي الصولي في أخبار فاطمة ، وأبو السعادات في فضائل العشرة ، بالاسناد عن أبي ذرّ الغفاري ، قال : بعثني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أدعوا عليّاً ، فأتيت بيته وناديته ، فلم يجبني ، فأخبرت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : عد إليه فإنّه في البيت فأتيت ودخلت عليه ، فرأيت الرحى تطحن ولا أحد عندها ، فقلت لعليّ : إنّ النبيّ يدعوك ، فخرج متوشّحاً حتى أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبرت النبي بما رأيت ، فقال : يا أبا ذرّ ، لا تعجب فإنّ لله ملائكة سيّاحون في الأرض ، موكّلون بمعونة آل محمد.

الحسن البصري وابن إسحاق ، عن عمّار وميمونة أنّ كليهما قالا : وجدت فاطمة نائمة والرحى تدور ، فأخبرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ،

__________________

١ ـ انظر التخريجة السابقة.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٣٤ ، عنه البحار : ٤٣ / ٤٢ ، وعوالم العلوم : ١١ / ١٣٤ ح ٤.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٣٥ ، عنه البحار : ٤٣ / ٤٣ ذح ٤٢ ، وعوالم العلوم : ١١ / ١٥٢ ح ١.

٥٢٤

فقال : إنّ الله علم ضعف أمته فأوى إلى الرحى أن تدور فدارت.

وقد أورد هذا الحديث أبو القاسم البستيّ في فضائل أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وروي أنّها عليها‌السلام ربّما اشتغلت بصلاتها وعبادتها فربّما بكى ولدها فرؤي المهد يتحرّك وكان ملك يحرّكه.

وروي عن الباقر عليه‌السلام ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان إلى منزل فاطمة عليها‌السلام بحاجة.

قال سلمان : فوقفت بالباب وقفة حتى سلّمت ، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من داخل البيت والرحى تدور من خارج ما عندها أنيس ، فأخبرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، فتبسّم ، وقال : يا سلمان ، إنّ ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً إلى مشاشها (١) ، تفرّغت لطاعة الله فبعث الله ملكاً يقال له زوقابيل ؛ وقيل : جبريل ، فأدار لها الرحى ، وكفاها الله مؤنة الدنيا مع مؤنة الآخرة. (٢)

أبو القاسم القشيري في كتابه : قال بعضهم : انقطعت في البادية عن قافلة الحجّ ، فوجدت امرأة ، فقلت لها : من أنت؟

فقالت : ( وقُل سَلامٌ فَسَوفَ يَعلَمُونَ ) (٣).

فسلّمت عليها ، فقلت : ما تصنعين هاهنا؟

____________

١ ـ أي رؤوس العظام اللينة.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، عنه البحار : ٤٣ / ٤٥ ـ ٤٦ ، وعوالم العلوم : ١١ / ١٥٥ ح ٤ وص ١٨٣ ح ٢٣.

٣ ـ سورة الزخرف : ٨٩.

٥٢٥

قالت : ( مَن يُضلِلِ اللهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ ) (١).

فقلت : أمن الجنّ أنتِ أم من الإنس؟

قالت : ( يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ ) (٢).

فقلت : من أين أقبلت؟

قالت : ( اُولَئِكَ يُنَادَونَ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ ) (٣).

فقلت : أين تقصدين؟

فقالت : ( وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إلَيهِِ سَبِيلاً ) (٤).

فقلت : متى انقطعت؟

فقالت : ( وَلَقَدْ خَلَقنَا السَّموَاتِ وَالأَرضَ وَمَا بَينَهُمَا فِي سِتَّةِ أيَّامٍ ) (٥).

فقلت : أتشتهين طعاماً؟

فقالت : ( وَمَا جَعَلنَاهُمْ جَسَداً لا يَأكُلُونَ الطَّعامَ ) (٦) فأطعمتها.

ثمّ قلت : هرولي وتعجّلي.

فقال : ( لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نفساً الاَّ وُسعَهَا ) (٧).

فقلت : أردفك.

____________

١ ـ سورة الأعراف : ١٨٦.

٢ ـ سورة الأعراف : ٣١.

٣ ـ سورة فصّلت : ٤٤.

٤ ـ سورة آل عمران : ٩٧.

٥ ـ سورة ق : ٣٨.

٦ ـ سورة الأنبياء : ٨.

٧ ـ سورة البقرة : ٢٨٦.

٥٢٦

فقالت : ( لَو كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا ) (١).

فنزلت وأركبتها ، فقالت : ( سُبحانَ الَّذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرِنينَ ) (٢).

فلمّا أدركنا القافلة قلت : هل لك أحد فيها؟

قالت : ( يا دَاوُدُ إنَّا جَعَلنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرضِ ) (٣) ( وَمَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ ) ) ( يَا يَحيى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ ) (٥) ( يَا مُوسَى .. إنَّني أنَا اللهُ ) (٦).

فصحت بهذه الأسماء ، فإذا أنا بأربعة شباب متوجّهين نحوها (٧) ، فقلت : من هؤلاء منك؟

قالت : ( المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنيَا ) (٨) ، فلمّا أتوها قالت : ( يَا أَبَتِ استَأجِرهُ إنََّ خَيرَ مَنِ استَأجَرتَ القَوِيُّ الأَمِينُ ) (٩) فكافوني بأشياء فقالت : ( وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ) (١٠) فزادوا عليّ فسألتهم عنها ، فقالوا : هذه اُمّنا فضّة

__________________

١ ـ سورة الأنبياء : ٢٢.

٢ ـ سورة الزخرف : ١٣.

٣ ـ سورة ص : ٢٦.

٤ ـ سورة آل عمران : ١٤٤.

٥ ـ سورة مريم : ١٢.

٦ ـ سورة طه : ١١ و ١٤.

٧ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : موجّهين إليّ.

٨ ـ سورة الكهف : ٤٦.

٩ ـ سورة القصص : ٢٦.

١٠ ـ سورة البقرة : ٢٦١.

٥٢٧

جارية الزهراء صلّى الله عليها ، ما تكلّمت منذ عشرين سنة إلا بالقرآن. (١)

قلت : يا أصحاب الفكر الصائب ، والنظر الثاقب ، والقلب السليم ، واللبّ المستقيم ، تفكّروا في هذه النفس التي قدّسها الله وطهّرها وأطلعها على أسرار كلامه ، وطهّرها وشرّفها بخدمة اُولي نهيه وأمره ، وأطلعها ببركات فضلهم على مكنون سرّه ، وجعل قلبها مشكاة نور حكمته ، وباطنها مرآة كمال معرفته ، وأسكن حبّه سويداء فؤادها ، وجعل ذكره أقصى مرادها ، فصارت لا تنطق الا بكلامه المجيد ، الذي ( لاَ يَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِن خَلفِهِ تَنزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (٢).

وأذهب عنها كلفة المشقّة في استنباط غرائبه ، وإعمال الفكرة في إظهار عجائبه ، وجعل جبلتها مطبوعة عليه ، وفكرتها مصبوبة لديه ، ينبي عن مقاصدها بوجيز كلماته ، ويخبر عن مطالبها بعزيز آياته ، فهو في لوح نفسها مسطور ، وفي رقّ عملها منشور ، فكأنّه روضة أنيقة بين يديها ، أو جنّة يانعة تهدّلت أغصانها عليها ، تلتقط ما شاءت من أزاهير هذه وأنوارها ، وتقتطف ما أرادت من فواكه تلك وثمارها ، لمّا أخلصت لله بطاعتها ، وعظّمت ما عظّم الله من جلالة سيّدتها ، وعلمت أنّ الله سبحانه عصمها وصفاها ، وعلى نساء العالمين اصطفاها ، وجعل والدها كلمته التامّة في خلقه ، وبعلها لسانه الناطق بحقّه ، وذرّيّتها أولياءه على عباده ، وعترها اُمناءه في بلاده ، لا يقبل الله عمل عامل إلا بولايتهم ، ولا يدخل الجنّة الا مستمسكاً بعروة محبّتهم ، تشاركهم في إخلاص الطاعة لمعبودهم ، وساوتهم في وفاء نذورهم وعهودهم ، فأدخلها سبحانه في

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ، عنه البحار : ٤٣ / ٨٦ ـ ٨٧.

٢ ـ سورة فصّلت : ٤٢.

٥٢٨

زمرتهم ، وأشركها في مدحتهم ، وجعل ذكرها في جملة ذكره مذكوراً ، في قوله سبحانه : ( إنَّ الأبرَارَ يَشرَبُونَ مِن كَأسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ) (١) ، وأثبت في صحائف الايمان شرفها ورفعتها ، وأصلح بصلاحها ولدها وحفدتها.

مالك بن دينار قال : رأيت في مودع الحجّ امرأة ضعيفة على دابّة نحيفة والناس ينصحونها لتنكص وهي تمتنع ، فلمّا توسّطنا البادية كلّت دابّتها فعذلتها في إتيانها وعنّفتها فرفعت طرفها (٢) إلى السماء ، وقالت : لا في بيتي تركتني ، ولا إلى بيتك حملتني ، فوعزّتك وجلالك لو فعل هذا بي غيرك لما شكوته الا إليك ، فإذا شخص أتاها من الفيفاء (٣) وفي يده زمام ناقة وقال لها : اركبي ، فركبت وسارت الناقة كالبرق الخاطف ، فلمّا بلغت المطاف رأيتها تطوف فحلّفتها : من أنتِ؟

فقالت : أنا شهرة بنت مسكة بنت فضّة جارية (٤) الزهراء عليها‌السلام.

وروي أنّ فاطمة الزهراء عليها‌السلام سألت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتماً ، فقال لها : إذا صلّيت صلاة الليل فاطلبي من الله عز وجل خاتماً ، فإنّك تنالين حاجتك.

قال : فدعت ربّها سبحانه فإذا بهاتف يهتف : يا فاطمة ، الذي طلبتِ منّي تحت المصلّى ، فرفعت المصلّى فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له ، فجعلته في إصبعها وفرحت ، فلمّا نامت من ليلتها رأت في منامها كأنّها في الجنّة فرأت

____________

١ ـ سورة الانسان : ٥.

٢ ـ في المناقب : رأسها.

٣ ـ الفيفاء : البادية.

٤ ـ في المناقب : خادمة.

٥٢٩

ثلاث قصور لم تر في الجنّة مثلها ، قالت : لمن هذه القصور؟

قالوا : لفاطمة بنت محمد.

قال : فكأنّها دخلت قصراً من تلك ودارت [ فيه ] (١) فرأت سريراً قد مال على ثلاث قوائم ، فقالت : ما لهذا السرير قد مال على ثلاث قوائم؟ فلمّا أصبحت دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقصّت القصّة.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : معاشر آل عبد المطّلب ، ليس لكم الدنيا ، إنّما لكم الآخرة ، وميعادكم الجنّة ، ما تصنعون بالدنيا فإنّها زائلة غرّارة ، فأمرها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تردّ الخاتم تحت المصلّى ، فردّته ، ثمّ نامت على المصلّى فرأت في المنام أنّها دخلت الجنة ، ودخلت ذلك القصر ، ورأت السرير على أربع قوائم ، فسألت عن حاله : فقالوا : رددت الخاتم فرجع السرير إلى هيئته.

أبو جعفر الطوسي : عن الصادق عليه‌السلام ؛ وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنّه لمّا استخرج أمير المؤمنين عليه‌السلام للبيعة من منزله خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر وقالت : خلّوا عن ابن عمّي ، فوالذي بعث محمداً بالحقّ لأن لم تخلّوا عنه لأنشرنّ شعري ، ولأضعنّ قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على رأسي ، ولأصرخنّ إلى الله (٢) ، فما ناقة صالح بأكرم على الله منّي ، ولا الفصيل على الله بأكرم من ولدي (٣).

قال سلمان : فوالله رأيت أساس حيطان المسجد قد تقلّعت من أسفلها

__________________

١ ـ من المناقب.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : ولأخرجنّ.

٣ ـ في المناقب : فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي.

٥٣٠

حتى لو اراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ ، فدنوت منها وقلت : يا سيّدتي ومولاتي ، إنّ الله سبحانه بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة ، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا. (١)

في الصحيحين (٢) : أنّ عليّاً عليه‌السلام قال لفاطمة : إنّي أشتكي ممّا أندأ بالقِرَب.

فقالت : والله وأنا أشتكي يديّ ممّا أطحن بالرحى ، وكان قد اُتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بسبي ، فأمرها أمير المؤمنين عليه‌السلام أن تمضي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتطلب منه جارية ، فدخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمت ورجعت ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما لك؟

فقالت : والله ما استطعت أن اُكلّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هيبته ، فانطلق عليّ معها ، فقال لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد جاءت بكما إليّ حاجة.

فقال أمير المؤمنين لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ فاطمة قد طحنت بالرحى حتى مجلت كفّاها ، وقمّت البيت حتى دكنت ثيابها ، وخبّره بمرادهما.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اُريد أن أبيعهم وأنفق أثمانهم على أهل الصفّة ، وعلّمها تسبيح الزهراء.

وعن أبي بكر الشيرازي (٣) : أنّها لمّا ذكرت حالها للرسول بكى صلّى الله

__________________

١ ـ مناقب ابن شهر اشوب : ٣ / ٣٣٨ ـ ٣٤٠ ، عنه البحار : ٤٣ / ٤٦ ح ٤٦ ، وعوالم العلوم : ١١ / ١٥٦ ح ٦ صدره.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : كتاب الشيرازي : وفي الصحيحين.

٣ ـ في المناقب : كتاب الشيرازي.

٥٣١

عليه وآله وقال : يا فاطمة ، والذي بعثني بالحقّ إنّ في المسجد أربعمائة رجل ما لهم طعام ولا ثياب ، ولولا خشيتي خصلة لأعطيتك ما سألت.

يا فاطمة ، إنّي لا اُريد أن ينفكّ عنك أجرك إلى الجارية ، وإنّي أخاف أن يخصمك عليّ يوم القيامة بين يدي الله عزّ وجل (١) إذا طلب حقّه منك ، ثمّ علّمها صلاة التسبيح.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : مضيتِ تريدين من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الدنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة.

قال أبو هريرة : فلمّا خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من عند فاطمة أنزل الله سبحانه عليه : ( وإمَّا تُعرِضَنَّ عَنهُمُ ابتِغَاءَ رَحمَةٍ مِن رَبِّكَ تَرجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَولاً مَيسُوراً ) (٢) يعني قولاً حسناً. فلمّا نزلت هذه الآية أنفذ إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جارية للخدمة وسمّاها فضّة.

تفسير القشيري : عن جابر الأنصاري ، قال : رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة صلّى الله عليها وعليها كساء من أجلّة الإبل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : يا بنتاه ، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة.

فقالت : يا رسول الله ، الحمد لله على نعمائه ، والشكر لله على آلائه ، فأنزل سبحانه ( وَلَسَوفَ يُعطِيكَ رَبُّكَ فَتَرضَى ) (٣).

أبو صالح المؤذّن في كتابه بالاسناد عن عليّ عليه‌السلام أنّ النبي صلّى

__________________

١ ـ لفظ الجلالة من المناقب.

٢ ـ سورة الإسراء : ٢٨.

٣ ـ سورة الضحى : ٥.

٥٣٢

الله عليه وآله دخل على فاطمة وإذا في عنقها قلادة ، فأعرض عنها ، فقطعتها ورمت بها [ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت منّي يا فاطمة ] (١) ، ثمّ جاءها سائل فناولته إيّاها. (٢)

وفي مسند الرضا عليه‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا فاطمة ، لا يغرّنّك الناس أن يقولوا بنت محمد وعليك لبس الجبابرة ، فقطعتها وباعتها واشترت بثمنها رقبة فأعتقتها ، فسرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك. (٣)

تاريخ بغداد (٤) : بالاسناد عن بلال بن حمامة : طلع علينا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ووجهه مشرق كالبدر ، فسأله ابن عوف عن ذلك ، فقال : بشارة من ربّي أتتني لأخي عليّ بن أبي طالب وابنتي فاطمة ، وأنّ الله زوّج عليّاً بفاطمة وأمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاعاً بعدد محبّي أهل بيتي ، وأنشأ من تحتها ملائكة من نور ، ودفع إلى كلّ ملك صكّاً ، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق : أين محبّو عليّ وفاطمة عليهما‌السلام؟ فلا يبقى محبّاً لنا إلا دفعت إليه صكّاً براءة من النار ، بأخي وابن عمّي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من اُمّتي.

____________

١ ـ من المناقب.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٤١ ـ ٣٤٣ ، عنه البحار : ٤٣ / ٨٥ ـ ٨٦ ح ٨.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٤٣.

ورواه في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٤٤ ح ١٦١ ، وفيه : يا فاطمة لا يقول الناس إنّ فاطمة بنت محمد تلبس لبس الجبابرة .. ، عنه البحار : ٤٣ / ٨١ ح ٢ ، وعوالم العلوم : ١١ / ٢٦٩ ح ٩.

٤ ـ تاريخ بغداد : ٤ / ٢١٠.

٥٣٣

وفي رواية : أنّ في الصكوك : براءة من العليّ الجبّار ، لشيعة علي وفاطمة من النار. (١)

ابن بطّة والسمعاني في كتبهم بالاسناد عن ابن عبّاس وأنس بن مالك ، قالا : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس إذ جاء عليّ ، فقال : يا عليّ ، ما جاء بك؟

قال : جئت اُسلّم عليك.

قال : هذا جبرئيل يخبرني أنّ الله سبحانه زوّجك فاطمة ، وأشهد على تزويجها أربعين ألف ملك ، وأمر سبحانه شجرة طوبى أن انثري عليهم الدرّ والياقوت ، وهنّ يتهادينه إلى يوم القيامة ، وكانوا يتهادونه ويقلن : هذا تحفة خير النساء.

وفي رواية ابن بطّة عن عبد الله : فمن أخذ منه شيئاً أكثر ممّا أخذ منه صاحبه أو أحسن افتخر به على صاحبه إلى يوم القيامة.

وفي رواية خبّاب بن الأرتّ ، أنّ الله تعالى أوحى إلى جبرئيل أن زوّج النور من النور ، وكان الوليّ الله ، والخطيب جبرئيل ، والمنادي ميكائيل ، والداعي إسرافيل ، والناثر عزرائيل ، والشهود ملائكة السماء والأرض ، ثمّ أوحى سبحانه إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك ، فنثرت الدرّ الأبيض ، والياقوت الأحمر ، والزبرجد الأخضر ، واللؤلؤ الرطب ، فبادرن الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهنّ إلى بعض.

__________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٤٦ ، عنه البحار : ٤٣ / ١٢٣ ذح ٣١ وعن كشف الغمّة : ١ / ٣٥٢ نقلاً من مناقب الخوارزمي : ٢٤٦.

٥٣٤

وفي خبر أنّ الخطيب كان ملكاً يقال له راحيل (١) ، وقد جاء في بعض الكتب أنّه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع ، فقال :

الحمد لله الأوّل قبل أوّلية الأوّلين ، والباقي بعد فناء العالمين ، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيّين ، ولربوبيّته مذعنينن ، وله على ما أنعم علينا شاكرين ، حجبنا من الذنوب ، وسترنا من العيوب ، أسكننا في السماوات ، وقريباً من السرادقات ، وحبس (٢) عنّا النهم من الشهوات ، وجعل شهوتنا ونهمتنا في تسبيحه وتقديسه ، الباسط رحمته ، الواهب نعمته ، جلّ عن إلحاد أهل الأرض من المشركين ، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين.

ثم قال بعد كلام (٣) : اختار الملك الجبّار صفوة كرمه ، وعبد عظمته لأمته سيّدة النساء بنت خير النبيّين ، وسيّد المرسلين ، وإمام المتّقين ، فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه ، المصدّق دعوته ، المبادر إلى كلمته ، عليّ الوصول بفاطمة البتول ، ابنة الرسول.

وروي أنّ جبرئيل روى عن الله سبحانه أنّه قال عقيبها : الحمد ردائي ، والعظمة كبريائي ، والخلق كلّهم عبيدي وإمائي ، زوّجت فاطمة أمتي ، من عليّ صفوتي ، اشهدوا يا ملائكتي.

وكان بين تزويج فاطمة بعليّ صلّى الله عليهما في السماء وتزويجهما في الأرض أربعين يوماً ، زوّجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من علي عليه‌السلام

__________________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : راجيل. وكذا في المواضع الآتية.

٢ ـ في المناقب : وقرّبنا إلى السرادقات ، وحجب.

٣ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : بعد ذلك.

٥٣٥

أوّل يوم من ذي الحجّة ؛ وقيل : يوم السادس منه. (١)

علي (٢) بن جعفر ، عن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجهاً ، فقال له : حبيبي جبرئيل ، لم أرك في هذه الصورة؟!

قال الملك : لست بجبرئيل ، أنا محمود ، بعثني الله أن اُزوّج النور من النور.

قال : مَن بِمَن؟

قال : فاطمة من عليّ.

قال : فلمّا ولّى الملك إذا بين كتفيه : محمد رسول الله ، عليّ وصيّه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : منذ كم كتب هذا (٣) بين كتفيك؟

فقال : من قبل أن يخلق الله آدم باثنين وعشرين ألف عام.

وفي رواية : أربع وعشرون ألف عام.

وروي أنّه كان للملك عشرون رأساً ، في كلّ رأس ألف لسان ، وكان اسم الملك صرصائيل.

وبالاسناد عن أبي أيّوب ، قال : دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على

__________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ٣٤٦ ـ ٣٤٩ ، عنه البحار : ٤٣ / ١٠٩ ـ ١١٠.

٢ ـ روى هذا الحديث الصدوق في معاني الأخبار : ١٠٣ ح ١ ، الخصال : ٦٤ ح ١٧ ، الأمالي : ٤٧٤ ح ١٩.

٣ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : منذ كم كنتَ وهذا؟

٥٣٦

فاطمة وقال : يا فاطمة ، إنّي اُمرت بتزويجك من عليّ من البيضاء (١). وفي رواية : من السماء.

وعن الضحّاك ، قال : دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على فاطمة ، وقال : يا فاطمة ، إنّ عليّ بن أبي طالب ممّن عرفت قرابته منّي ، وفضله في الاسلام ، وإنّي سألت الله أن يزوّجك خير خلقه ، وأحبّهم إليه ، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين؟

فسكتت ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو يقول : الله أكبر ، سكوتها إقرارها.

وخطب رسول الله (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله في تزويج فاطمة أمام العقد على المنبر ، رواها يحيى بن معين في أماليه ، وابن بطّة في الإبانة ، بإسناده عن أنس ابن مالك مرفوعاً ، ورويناها نحن عن الرضا عليّ بن موسى عليه‌السلام ، فقال :

الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع في سلطانه ، المرغوب إليه فيما عنده ، المرهوب من عذابه ، النافذ أمره في سمائه وأرضه ، الذي خلق الخلق بقدرته ، وميّزهم بأحكامه ، وأعزّهم بدينه ، وأكرمهم بنبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّ الله تعالى جعل المصاهرة نسباً لاحقاً ، وأمراً مفترضاً ، وشج بها الأرحام ، وألزمها الانام ، فقال سبحانه : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهراً ) (٣) ثمّ إنّ الله سبحانه أمرني أن اُزوّج فاطمة من عليّ ، وقد

____________

١ ـ في المناقب : بتزويجك من البيضاء.

٢ ـ أخرج هذه الخطبة في كشف الغمّة : ١ / ٣٤٨ نقلاً من مناقب الخوارزمي : ٢٤٢ ، عنه البحار : ٤٣ / ١١٩ ح ٢٩.

٣ ـ سورة الفرقان : ٥٤.

٥٣٧

زوّجتها إيّاه على أربعمائة مثقال فضّة ، أرضيت يا عليّ؟

فقال صلوات الله عليه : رضيت ، يا رسول الله.

وروى ابن مردويه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : تكلّم يا عليّ خطيباً لنفسك.

فقال : الحمد لله الذي قرب من حامديه ، ودنا من سائليه ، ووعد الجنّة من يتّقيه ، وأنذر بالنار من يعصيه ، نحمده على قديم إحسانه وأياديه ، حمد من يعلم أنّه خالقه وباريه ، ومميته ومحييه ، وسائله عن مساويه ، ونستعينه ونستهديه ، ونؤمن به ونستكفيه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغه وترضيه ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة تزلفه وتحظيه ، وترفعه وتصطفيه ، والنكاح ممّا أمر الله [ به ] (١) ويرضيه ، واجتماعنا ممّا قدّره الله وأذن فيه ، وهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زوّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم ، وقد رضيت ، فاسألوه واشهدوا.

[ وفي خبر : زوّجتك ابنتي فاطمة على ما زوّجك الرحمن ، وقد رضيت بما رضي الله لها ، فدونك أهلك فإنّك أحقّ بها منّي ] (٢).

وفي خبر : فنعم الأخ أنت ، ونعم الصهر ، ونعم الختن أنت ، فخرّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ساجداً ، فلمّا رفع أمير المؤمنين عليه‌السلام رأسه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بارك الله عليكما ، وبارك فيكما ، وأسعد جدّكما ، وجمع شملكما (٣) ، وأخرج منكما الكثير الطيّب ، ثمّ أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بطبق بُسر وأمر بنهبه ، ودخل حجرة النساء وأمرهنّ بضرب الدفّ.

____________

١ و ٢ ـ من المناقب.

٣ ـ في المناقب : بينكما.

٥٣٨

وقيل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : قد علمنا مهر فاطمة في الأرض ، فما مهرها في السماء؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : سل عمّا يعنيك ، ودع ما لا يعنيك.

فقيل : هذا ممّا يعنينا ، يا رسول الله.

قال : مهرها في السماء خمس الأرض ، فمن مشى عليها مبغضاً لها ولولدها مشى عليها حراماً إلى أن تقوم الساعة.

وفي الجلاء والشفاء عن الباقر عليه‌السلام ـ في خبر طويل ـ : جعلت نحلتها من عليّ خمس الدنيا وثلثي الجنّة ، وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار : الفرات ، ونيل مصر ، ونهروان ، ونهر بلخ.

ثم (١) إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : قم فبع الدرع ، فباعه بخمسمائة درهم من أعرابي ، وأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بها.

فقال : أعرفت الأعرابي؟

قال : لا.

قال : كان ذاك جبرئيل ، وأتاني بدرعك.

قال الصادق عليه‌السلام (٢) : وسكب الدراهم في حجره ، فأعطى منها قبضة كانت ثلاثة وستّين أو ستّة وستّين إلى اُم أيمن لمتاع البيت ، وقبضة إلى أسماء بنت عميس للطيب ، وقبضة إلى اُمّ سلمة للطعام ، وأنفذ عمّاراً وأبا بكر

____________

١ ـ روي نحو هذا في دلائل الامامة : ١٣ ، عنه مدينة المعاجز : ٢ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦ وص ٤٤٣ ـ ٤٤٤ ح ٦٦.

٢ ـ رواه الطوسي في الأمالي : ١ / ٣٩.

٥٣٩

وبلالاً لابتياع ما يصلحها ، فكان ممّا اشتروه : قميص بسبعة دراهم ، وخمار بأربعة دراهم ، وقطيفة سوداء خيبريّة ، وسرير مزمّل بشريطٍ ، وفراشان من خَيش مصر (١) ، حشو أحدهما ليف ، والآخر من جزّ الغنم ، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخِر (٢) ، وستر من صوف ، وحصير هَجَري ، ورحى اليد ، وسقاء من آدم ، ومِخضَب (٣) من نحاس ، وقفّة (٤) للّبن ، ومطهرة للماء مزفّتة (٥) ، وجرّة خضراء وكيزان خزف.

وفي رواية : ونطع من أدم ، وعباء قطراني ، وقربة ماء.

وكان من تجهيز عليّ داره انتشار رمل لبن ، وخشبة من حائط إلى حائط للثياب ، وبسط إهاب كبش ، ومخدّة ليف.

أبو بكر بن مردويه قال : لبث أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد عقده تسعة وعشرين يوماً ، فقال له جعفر وعقيل : سل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدخل عليك أهلك ، فعرفت اُمّ أيمن ذلك ، وقالت : هذا من أمر النساء ، وخلت به أيضاً اُمّ سلمة وطالبته بذلك ، فدعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : حبّاً وكرامة ، فأتى الصحابة بالهدايا والتحف ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بطحن البرّ وخبزه ، وأمر عليّاً بذبح البقر والغنم ، فكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : جنس.

والخَيش : ثيابٌ رقاقُ النسج ، غلاظُ الخُيُوط ، تُتّخذُ من مُشاقَة الكتّان ومن أردَئه. « لسان العرب : ٦ / ٣٠١ ـ خيش ـ ».

٢ ـ الإذخِر : حشيش طيّب الرائحة ، أطول من الثيّل.

٣ ـ المِخضَب : إناء تغسل فيه الثياب.

٤ ـ في المناقب : قعب.

٥ ـ في المناقب : وشن للماء ومطهرة مزفّته.

٥٤٠