تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-09-6-X
الصفحات: ٥٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

وَاُخِذُوا مِن مَكَانٍ قَرِيبً ) (١) ، لرأيت أعناقهم تقطع صبراً ، وأشلاءهم تبضّع هبراً ، واُمراءهم قد ولّوا الأدبار ، ثمّ لا ينصرون ، واُسراءهم كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون.

هؤلاء أسلافك الماضية ، وآباؤك الغالية ، الذين قصّ الله قصصهم في محكم تنزيله ، ولعنهم على لسان نبيّه ورسوله ، وسمّاهم الشجرة الملعونة في القرآن (٢) ، والعصابة الخارجة عن الايمان ، الذين اتّخذوا الأصنام آلهة من دون الله ، واستقسموا بالأزلام خلافاً لأمر الله ، وكان سيّدنا ووليّ أمرنا ومعتقدنا ووسيلتنا إلى ربّنا حينئذٍ أوّل من أسلم لربّ العالمين ، قائماً يومئذ بنصر سيّد المرسلين.

مقالـكم في اُحدٍ اُعـل هــبل

وقولـه الـله أعـلى وأجـل

أوّل مـن آمـن بالـله ومـن

صلّى وصام تابعاً خير الرسل

وخير من واسى النبيّ في الوغا

وخير من في الله نفـسه بـذل

يا من تلـمني في هواه لا تـلم

فحبّه وجـدته خـير العـمـل

من كفّـه رجـوت اُسقى شربة

ختامها مـسك وفـي ذلـك فل

أنا الذي من عـهده مسـتمسك

بعروةو عـقد ولاها لاتـحـل

خير وليّ ليس يحـصى فضله

ومجـده عزّ عن الوصف وجل

بعـد إلـهي ونـبيـّي لا أرى

سواه ينجيني إذا الـخطب نزل

في القلب منّي منـزل لـحبّه

متحكّم بصـدق عهـدي لم يزل

أهتف باسمـه إذا خطب عرا

وأسـأل الـله بـه وأبـتـهـل

فإنّنـي ومـن أجـل كـيـده

بساحتي العكس جابـني الأمـل (٣)

____________

١ ـ سورة سبأ : ٥١.

٢ ـ إشارة إلى الآية : ٦٠ من سورة الاسراء.

٣ ـ البيت لا يخلو من اضطراب ـ كما تلاحظ ـ.

٤٤١

رفضت رجسـين تسـمّـيا بما

سمّـاه ذو الـعرش قديماً في الأُول

ودنـت ديـنـاً قيّـماً إنـّهـما

في الكفر شـرّ مـن يـغوث وهبل

وهكـذا ثـالـثـهم أظلـم من

حلّ علـى وجـه الثرى أو ارتحل

ومن أتت لـحربـه وخـالفت

إلـهـهـا وبـعلـها يوم الجـمل

وسائقي بعيرها وقائدي نفيرها

ومـن رضــي ومـن دخــل

ومن بـصفّين علـيه جـرّدوا

بيض الضـبا واعتقلوا سمر الأسل

وأقبلـوا يـقدمـهم زعيـمهم

رأس النفـاق والـغرور والحـيل

نجل الـطغـاة الطلقاء والذي

لعنهم في مـحـكم الـذكر نـزل

ومن عن الحقّ السـويّ مرقوا

وخالفوا جميـع أربـاب الـمـلل

كلّهم قد فـارقـوا ديـن الهدى

وقارفـوا الكـفر بـقول وعـمل

عليهم مـن ذي الجـلسال لعنة

دوامهـا حجتـى الــقيام متّصل

ما سيّرت أفلاكها بشمـسهـا

وابتلج الصبـح وأظلـم الطـَفَل (١)

اللّهمّ يا من أفرغ على أعطاف عقولنا ألطاف كرامته ، وحلّى أجياد نفوسنا بجلي عنايته ، ورفع قواعد ملّتنا ، وجمع على التقوى كلمتنا ، وأثبت في دوحة الايمان اصولنا ، وسقى بزلال الاخلاص فروعنا ، وتمّم باتّباع سبيل نبيّه ووليّه حدودنا ورسومنا ، فصرنا لا نعتقد سواه قديماً أزليّاً ، ولا نرى وجوداً غير وجوده أبديّاً ديموميّاً ، ننزّهه عن الشريك والعديل ، ونقدّسه عن الشبيه والمثيل ، خلقنا لننزّهه ونمجدّه ، وأوجدنا لنعبده ونوحّده ، وجعل نفح ذلك واصلاً إلينا ، ومضاعفاً علينا ، لا لحاجة منه إلى عبادتنا ، ولا لفائدة عائدة إليه من طاعتنا.

__________________

١ ـ الطَفَل : المساء.

٤٤٢

ظهر لأفكارنا بآثار صنعته ، واحتجب عن أبصارنا بكبريائه وعظمته ، وفرض علينا بعد الاقرار بأنّه الواحد الأحد المبتدع المخترع ، وعرفان ما يصحّ على ذاته الشريفة ويمتنع ، وتعاليه عمّا لا يليق بجلاله من تعارض خلقه ، والاذعان بالتسليم لأمره وقضاء حقّه ، سلوك سبيل من أقامهم هداة إليه ، وإدلاء في مفاوز الضلالة عليه ، والتسليم لأمرهم ، والتنويه بذكرهم ، والاخلاص بشكرهم ، والاتّضاع لقدرهم ، والاغتراف من بحر علمهم ، والاغتراف بصواب حكمهم ، وأن لا يقدّم عليهم من سجد لصنم ، أو استقسم بزلم ، أو بحر بحيرة ، أو عتر عتيرة ، قد نمته الخبيثون والخبيثات ، وحاق به دناءة الآباء وعهر الاُمّهات.

ونعتقده انّه سبحانه قرن حبّهم بحبّه ، وجعل حربهم كحربه ، وسلمهم كسلمه ، وعلمهم من علمه ، فهم اُولوا الأمر الذين قرن طاعتهم بطاعته ، وهداة الخلق إلى ما اختلفوا فيه من فرض دينهم وسنّ حسدهم من لعنه الله وغضب عليه ، وأعدّ له خزيه يوم يقوم الناس لديه.

أغرى الشيطان بهم سفهاءه ، وأعلى عليهم أولياءه ، وزيّن للناس اتّباعهم ، وجعلهم أشياعهم واتباعهم ، وسمّى رأس الكذبة صدّيقهم ، وأساس الظلمة فاروقهم ، وخائن الاُمّة وليّ أمرهم ، وأجهل الاُمّة كاتب وحيهم ، وولّوا الناس بغرورههم ، وحرّفوا كتاب الله بزورهم ، وأخلفوا عهد الرسول ونبذوا ميثاقه المأخوذ عليه ، وجرّدوا عليهمه سيوفهم وعواملهم ، وفوّقوا نحوهم سهامهم ومعابلهم.

ثمّ تفكّر في حال الرجس اللئيم ، والدنس الأثيم ، ابن آكلة الأكباد ، ونتيجة الآثمة الأوغاد ، وما أظهر من الكفر والالحاد ، والبغي والعناد ، وليس ذلك ببدع من قبيح فعله ، وزنيم أصله ، فهو من قوم طوّقهم الله بطوق لعنته في

٤٤٣

الدار الفانية ، وأعدّ لهم أليم عقوبته في جحيمه الهاوية.

اللّهمّ إنّا نتقرّب إليك بلعنته وسبّه ، وتكفير مصوّبي اجتهاده في حربه ، ولمّا تصوّرت شدّة شكيمته في غيّه ، وخبث سريرته ببغيه ، وأذاه للنبيّ وأهله ، وعداوته للوصيّ ونجله ، كنت اُخاطبه بكلمات أوحاها جناني ، وأقصده بلعنتي في سرّي وإعلاني ، وأذبحه بذكر مساويه ببليغ نثري ، واورد نبذة من مخازيه بفصيح شعري ، فمن جملة ذلك أبيات ألقاها خالص الايمان على بنان نطقي ، وأهداها الملك الديّان إلى لسان صدقي ، تحلّي الطروس بذكرها ، وتسرّ النفوس بنشرها ، وهي هذه :

يا ابن البغـيّة يـا رأس البغاة ويا

نجل الطغاة وأهل الزيـغ والـزلـلِ

وأهل بدر واُحـدٍ والّذين سـروا

لحرب خير الورى بالبيض والأسـل

ومن بلعنتهم جـاء الكـتاب وفي

الأحزاب ذكرهم حتى القيـام جلـي

ويا ابن من كان رأس المشركين ويا

رأس النفاق وأهل الشـرك والخطل

رمتم بأن تطفئوا نور الهدى بعدت

أحزابكم مثل سهـل الأرض والجبلِ

فأرسل الله جـنداً لم تروه على

جموعكم فانثنيـتم خائـبي الأمـلِ

٤٤٤

حتى إذا قام ديـن الحـقّ منتــصباً

يزهو فخاراً إذ المحفوظ مـنه غلي

وذلّ ما عزّ مـن عُـزّاكـم وغــدا

مكسراً جمعها للكسر مـن هـبـل

وعـمرو ودّكم أمسـى كـودّكـم

مقسماً بحسام الضـيغـم البـطـل

هـادي الخـليقة محـمود الـطريقـة

معصوم الحقيقة نور الله فـي الأزل

ليث الكـتيبـة مشـهور الـضريـبة

ذي القربى القريبة ثاني خاتم الرسل

نفس الرسـول وواقــيه بمـهجـته

وناصر دينه بـالـقـول والـعمل

ربّ الفراش إذا المختـار اخرج مـن

مقامه في الدجا يسري على وجـل

بدت لأهل العـلى انــوار طلـعته

فوق الفراش كبدرٍ تمّ فـي الـطَفَل

من جدّك الرجس في بـدرٍ وخالك مع

أخيك عمّا لقـوه منه قـف وسـَل

يُنبيك صارمـه عنهــم بـأنـّهـم

ما بين منـعفـر مـنه ومـنجـدل

٤٤٥

يا أكفر الـخلق مـن بدوٍ ومن حضرٍ

وأظـلم النـاس فـي حلٍّ ومـرتحـل

لو تؤمـنوا رغباً فـي الدين بل رهباً

وخشيتـه مـن حسـام قـاطع الأجل

في كـفّ أبلـج يـوم الروع طلعته

كالشـمس مـشرقة في دارة الـحمل

غدا وليدكـم من ثـدي صـارمـه

لبـان صـرف الردى بالـغلّ والنـهل

كهف الأنام وهـاديـهم ومنـقذهم

ومن بهم سـالـك في أوضـح السـبل

وغيث ما حلتم إن أزمـّه قـرعـت

وغيـث صـارخهم في الحاديث الجلل

سل عن فضـائـله جـماً فـإنّ له

في الذكر ذكـر جلـيل سـار كالمـثل

يوم القموص على شأناً بسـطوتـه

إذ ردّ شـانـئـه بـالخذل والفشـل

كانت حصوناً حـصاناً فـي شـوا

هقها إلى ذراها سـحاب المزن لم تصل

فافتضّ بالذكر الصـمصـام عذرتها

فأصبحت من دمـاء الـقـوم في حلل

٤٤٦

وظيخها (١) طاح قد صرات سلالمه

منكساً منه أعـلاها إلـى الـسفل

يا قالع الباب يا باب النجاح ومـن

أوقفت دون الورى فـي بابه أملي

أرجو بك الله يـوم الشـحر ينقذني

وأن يضاعف ما قد قـلّ من عملي

ولا يجبهني حيث الفضـيحـة بي

أولى ويستر ما أخفيت من زللـي

ولا تكلني إلـى نفـسي وتجـعلني

في كلّ حال على علياه متـّكلـي

ولمّا جرى ما جرى في ليلة الهرير وكان القتل فاشياً في عسكر معاوية كما بيّنّا أوّلاً أنّ القتلى كانت من عسكر علي عليه‌السلام أربعة آلاف رجل ، ومن عسكر معاوية اثنين وثلاثين ألفاً ؛ وقيل : أكثر كما ذكر فأصبح معاوية وقد أسقط في يده ، وأشرف على الهلكة ، فقال لعمرو : نفرّ أو نستأمن؟

قال : نرفع المصاحف على الرماح ونقرأ : ( ألم تَرَ إلَى الَّذِينَ اُوتُوا نَصِيباً مِنَ الكِتَابِ يُدعَونَ إلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم ) (٢) فإن قبلوا حكم القرآن رفعنا الحرب وواقفناهم (٢) إلى أجل مسمّى ، وإن أبى بعضهم الا القتال فللنا شوكته (٤) ، ووقعت الفرقة بينهم.

__________________

١ ـ كذا في الأصل.

٢ ـ سورة آل عمران : ٢٣.

٣ ـ في المناقب : ورافعنا بهم.

٤ ـ في المناقب : شوكتهم ، وتقع بينهم الفرقة ، وآمر بالنداء : فلسنا ولستم من المشركين...

٤٤٧

فرفعوا المصاحف على الرماح ، وبان من جملتها مصحف يقال إنّه مصحف الإمام وحملوه على أربعة رماح ، وأتبعوه بأربعمائة مصحف اُخرى ، ونادوا من كلّ جانب : فلسنا ولستم من المشركين ، ولا المجمعين على الردّة ، فإن تقبلوها ففيها البقاء للفرقتين وللبلدة ، وإن تدفعوها ففيها الفناء وكلّ بلاءٍ إلى مدّة. (١)

وكان جلّ عسكر أمير المؤمنين عليه‌السلام منافقين عليهم لعائن الله كمسعر بن فدكي ، وزيد بن حصين الطائي ، والأشعث بن قيس الكندي ، وغيرهم ، ممّن كان أشدّ الناس عداوة لأمير المؤمنين في الباطن ، وإنّما خرجوا معه تعصّباً لأنّهم كان لهم أضراب وأنداد عند معاوية ، فخرجوا حميّة لذلك وللدنيا ، ولهذا كان أكثرهم ممّن حضر حرب الحسين عليه‌السلام ، واستحلّوا منه كلّ حرمة ، وأظهروا له كامن عداوتهم ، فلعنة الله عليهم ، وكذلك خذلوا مسلم بن عقيل وزيد ابن علي بن الحسين حتى قتل بين ظهرانيهم ، لم يراعوا فيه حرمة جدّه رسول الله ، فلهذا رمى الله بلدتهم بالذلّ الشامل والسيف القاطع ، واستجاب دعاء سيّد الوصيّين صلوات الله عليه بقوله : اللّهمّ سلّط عليهم غلام ثقيف الذيّال الميّال (٢) ، يبيد خضراءهم ، ويستأصل شأفتهم (٣).

قيل : إنّ رجلاً من ذوي العقول من أهل الكوفة لمّا رأى سبايا الحسين عليه‌السلام وحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبناته يطاف بهنّ في شوارع الكوفة على أقتاب الجمال كاُسارى الخزر والترك عمد إلى جميع ما يملك من

__________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ١٨٢.

٢ ـ الذيّال : الذي يجرّ ذيله على الأرض تبختراً. والميّال : الظالم.

٣ ـ نهج البلاغة : ١٧٤ خطبة رقم ١١٧ ، شرح نهج البلاغة : ٧ / ٢٧٧ ، الكامل في التاريخ : ٤ / ٥٨٧ ، البحار : ٣٤ / ٩١ ح ٩٤١ ، وج ٤١ / ٣٣٢ ح ٥٤ ، وج ٦٦ / ٣٢٧.

٤٤٨

عقار وغيره فباعه وارتحل عنها ، وقال : بلد يطاف فيه بعيال رسول الله ونسائه ، وترفع رؤوس رجالهم على رؤوس الرماح لا يفلح أبداً ، فما عسى أن يقال في بلدة خذل أهلها الوصيّ المرتضى ، ونافقوا سبط خاتم الأنبياء ، وراموا قتله ، وانتهبوا ثقله ، ونكثوا بيعته ، ثمّ كانت واقعة سيّد الشهداء ، وقرّة عين سيدّة النساء ، وخامس أصحاب الكساء ، كاتبوه ووعدوه النصر على عدوّه ، فجرّدوا عليه سيوفهم وعواملهم ، وقتلوه عطشاناً ، وسبوا ذراريه ونساءه ، ليس منهم رجل رشيد ينكر فعلهم ، بل ضربت عليهم الذلّة وشملهم خزي الدنيا ( وَلَعذَابُ الآخِرَةِ أخزَى وَهُم لا يُنصَرُونَ ) (١)؟

فلهذا منعهم الله لطفه ، وأحلّ بهم غضبه ، وسلّط عليهم غلام ثقيف الذي توعّدهم به أمير المؤمنين ، وزياد بن اُميّة ، وغيرهم ، من الخارجين في الاسلام حتى صارت براحاً كأن لم تغن بالأمس (٢).

روي أنّه مات في سجن الحجّاج مائة وعشرون ألف من غير قتل (٣) ، وكان سجنه ليس له سقف يضلّ وحرٍّ أو قرّ ، وكان عليه لعنة الله لا يرفع عنهم سيفه ولا سوطه ، وكان لا يخاطبهم الا بالتهديد والوعيد ويقول : يا أهل العراق ، يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق ، إنّه قد ضاع سوطي فأقمت مقامه السيف ، والله لأُلحوَنّكم لَحوَ العَصا (٤) ، ولأضربنّكم ضرب غرائب الإبل ، ولمّا تجهّز عليه اللعنة إلى حرب الأزارقة قال : والله لا أرى أحداً منكم بعد ثلاث إلّا

____________

١ ـ سورة فصّلت : ١٦.

٢ ـ إشارة إلى الآية : ٢٤ من سورة يونس.

٣ ـ انظر : الكامل في التاريخ : ٤ / ٥٨٧.

٤ ـ انظر الكامل في التاريخ : ٤ / ٣٧٦ ـ ٣٧٧.

واللحاء : ما على العَصا مِن قشرها.

٤٤٩

ضربت عنقه ، ثمّ بعد ثلاث سار في أزقّة الكوفة فلم ير أحداً ، وكان الرجل منهم يرسل أمته من منزل العسكر لتلحقه بزاده ولا يجسر على الدخول لذلك.

وهذا معنى قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه : إنّي والله ـ يا أهل الكوفة ـ أعلم ما يصلحكم ، ولكنّي لا اُفسد نفسي بصلاحكم. (١)

معنى كلامه عليه‌السلام : انّه لا يقيم أودهم إلا الظلم والعسف والقتل كما فعل الحجّاج وغيره بهم ، ولو كان الايمان قد أثلج في قلوبهم ، والاخلاص قد باشر نيّاتهم ، لابتغوا الدليل المرشد ، والهادي الناصح ، والمعلّم المشفق ، الّذي جعله الله لسانه في خلقه ، وعينه في عباده ، وأيّده بالعصمة ، وقلّده أحكامه ، لا يوازي في العلم ، ولا يضاهى في المجد ، فنافقوه وخذولوه وغدروا به بعد أن لاحت علامات النصر ، وسطعت أنوار الفتح ، وطلع فجر الحقّ ، وأشرف صلوات الله عليه بثبات جأشه ، وقوّة نصيحته ، وحياطته للاسلام وأهله ، على إدحاض الباطل وجدّ أصله ، واستئصال شأفته ، فتقاعسوا عن نصره ، وأظهروا مكنون نفاقهم ، وأبدوا مستور شقاقهم ، وقالوا ما قالوا ، وواجهوه بما واجهوا ، فعليهم لعائن الله ما أخبث نيّاتهم ، وأدغل قلوبهم ، وأعظم فتنتهم ، فلهذا أنزل الله بهم ما أنزل ، وأحلّ بهم ، فلا تراهم إلى الناس الا مقهورين مضطهدين تسومهم الاعتام سوء العذاب ، ويفتح عليهم من الأذى كلّ باب ، لا يخصلون من فتنة إلاّ

____________

١ ـ انظر : نهج البلاغة : ٩٩ خطبة رقم ٦٩.

٤٥٠

وقعوا فيما هو أعظم منها ، ولا ينجون من ظالم إلا أتاهم ظالم ينسيهم ذكر الظالم الأوّل.

روي أنّ مسعر بن فدكي وزيد بن حصين الطائي والأشعث بن قيس وكانوا من جلّة عسكر أهل العراق قالوا لأمير المؤمنين لمّا رفعت المصاحف : أجب القوم إلى كتاب الله.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ويحكم والله ما رفعوا المصاحف إلا خديعة ومكيدة حين علوتموهم.

وقال خالد بن معمّر السدوسي : يا أمير المؤمنين ، أحبّ الامور إلينا ما كفينا مؤنته.

فلمّا سمع عسكر أهل العراق كلامهم أقبل إلى أمير المؤمنين منهم عشرون ألفاً يقولون : يا عليّ ، أجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت وإلاّ دفعناك برمّتك إلى القوم ، أو نفعل بك كما فعلنا بعثمان.

فأجابهم صلوات الله عليه ، فقال : احفظوا عنّي مقالتي فإنّي آمركم بالقتال ، فإن تعصوني فافعلوا ما بدا لكم.

قالوا : فابعث إلى الأشتر ليأتيك ، فبعث يزيد بن هانئ السبيعي يدعوه.

فقال الأشتر رضي الله عنه : قد رجوتُ أن يفتح الله لا تعجلني ، وشدّد في القتال ، فقالوا حرّضته على الحرب ، ابعث إليه بعزيمتك فليأتيك وإلاّ والله اعتزلناك (١).

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا يزيد ، عد إليه فقل له : أقبل إلينا فإنّ

____________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : اغترفناك.

٤٥١

الفتنة قد وقعت.

فأقبل الأشتر يقول : يا أهل العراق ، يا أهل الذلّ والوهن ، أحين علوتم القوم وعلموا أنّكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف خديعة ومكراً؟

فقالوا : قاتلناهم في الله ونصالحهم في الله.

فقال : امهلوني ساعة ، أحسست بالفتح ، وأيقنت بالظفر.

قالوا : لا.

قال : أمهلوني عدوة فرسي.

فقالوا : إنّا لسنا نطيعك ولا لصاحبك ، ونحن نرى المصاحف على رؤوس الرماح ندعى إليها.

فقال : خدعتم والله فانخدعتم ، ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم.

فقام جماعة من بني بكر بن وائل ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن أجبت القوم أجبنا ، وإن حاربت حاربنا ، وإن أبيت أبينا.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : نحن أحقّ من أجاب إلى كتاب الله ، وإنّ معاوية وعمرواً وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحّاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين وقرآن ، أنا أعرف منكم بهم ، قد صحبتهم أطفالاً ورجالاً ـ في كلام له ـ ، ثمّ اتّفقوا على أن يقيموا حكمين ، فقال أهل الشام : قد اخترنا عمرواً.

فقال الأشعث وابن الكوّاء ومسعر بن فدكي وزيد الطائي : نحن اخترنا أبا موسى.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّكم عصيتموني في أوّل الأمر فلا

٤٥٢

تعصوني الآن.

فقالوا : إنّ أبا موسى كان يحذّرنا ممّا وقعنا فيه.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّه ليس بثقة ، إنّه فارقني وخذّل الناس عنّي ، ثمّ هرب منّي حتى أمنته بعد شهر ، ولكن هذا ابن عبّاس اولّيه ذلك.

فقالوا : ما نبالي أنت كنت أو ابن عبّاس.

قال : فالأشتر.

فقال الأشعث : رجل مسعر حرب وهل نحن (١) الا في حكم الأشتر؟

قال الأعمش : حدّني من رأى عليّاً عليه‌السلام يوم صفّين وهو يصفق إحدى يديه على الاُخرى ويقول : يا عجباً اُعصى ويطاع معاوية! ثم قال : قد أبيتم (٢) إلا أبا موسى؟

قالوا : نعم.

قال : فاصنعوا ما بدا لكم ، اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من صنيعهم.

فقال خريم (٣) بن فاتك الأسدي :

لو كان للقوم رأي يرشدون بـهِ

أهل العراق رموكم بابن عبّـاس

لكن رموكم بشيخ من ذوي يمنٍ

لم يدر ما ضرب أخماس بأسداس

فلمّا اجتعموا كان كاتب أمير المؤمنين عليه‌السلام عبيد الله بن أبي رافع ، وكاتب معاوية عمير بن عبّاد الكلبي ، فكتب عبيد الله بن أبي رافع : هذا ما

__________________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : يجز.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : قال : رمتم.

٣ ـ كذا في أعيان الشيعة : ٦ / ٣١٥ ، وفي الأصل والمناقب ، خزيم.

٤٥٣

تقاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان.

فقال عمرو : اكتبوا اسمه واسم أبيه هو أميركم أمّا أميرنا فلا.

فقال الأحنف : لا تمسح إمارة المؤمنين ، فلم يقبلوا منه.

فقال أمير المؤمنين : امح نزحة الله ، ثم قال أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) : الله أكبر ، واحدة بواحدة ، وسنّة بسنّة ، ومثل بمثل ، إنّي لكاتب رسول الله يوم الحديبيّة.

روى أحمد في المسند (٢) أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يكتب يوم الحديبيّة : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهيل بن عمرو : هذا كتاب بيننا وبينك فافتحه بما نعرفه ، واكتب : باسمك اللّهمّ ، هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسهيل بن عمرو وأهل مكّة.

فقال سهيل : لو أجبتك إلى هذا لأقررت لك بالنبوّة.

فقال : امحها يا عليّ ، فجعل أمير المؤمنين يتلكّأ ويأبى فمحاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكتب : هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب وأهل مكّة.

روى محمد بن إسحاق ، عن بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : فإنّ لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد (٣).

____________

١ ـ في المناقب : لا تمح إمارة المؤمنين ، امح نزحه من الله ، فقال علي عليه‌السلام.

٢ ـ مسند أحمد : ٤ / ٨٦ ـ ٨٧.

٣ ـ انظر فيه وفيما يليه : وقعة صفّين : ٥٠٩ ، تفسير القمّي : ٢ / ٣١٣ ، خصائص النسائي : ١٥٢ ح ١٨٦ ، المسترشد : ٧٠ ، دلائل النبوّة للبيهقي ، ٤ / ١٤٧ ، إرشاد المفيد : ٦٣ ، تنزيه الأنبياء ، ١٤٨ ، الذخيرة ٤٠٦ ، أمالي الطوسي : ١ / ١٩١ ، مناقب الخوارزمي : ١٩٣

٤٥٤

الماوردي في أعلام النبوّة أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ستسأم مثلها يوم الحكمين.

وفي رواية : ستدعى إلى مثل هذا فتجيب وأنت على مضض.

وفي رواية : إن لك يوماً ـ يا عليّ ـ مثل هذا اليوم ، أنا أكتبها للآباء ، وأنت تكتبها للأبناء.

فقال عمرو : يا سبحان الله! نشبّه بالكفّار ونحن مسلمون مؤمنون.

فقال عليه‌السلام : يا ابن الباغية (١) ، أو لم تكن للمشركين وليّاً وللمؤمنين عدوّاً؟ أو لم تكن في الضلالة رأساً وفي الاسلام ذنباً؟ ـ في كلام له ـ فكتبوا أن يحكموا بما في كتاب الله وينصرفوا والمدّة بينهم سنة واحدة كاملة ويكون مجتمع الحكمين بدومة الجندل.

فلمّا اجتمعا قال عمرو لأبي موسى : نخلع هذين الرجلين ونختار لهذه الاُمّة ، فأجابه أبو موسى إلى ذلك وقال : سمّ لي رجلاً يليق لهذا الأمر.

قال عمرو : يا أبا موسى ، أنت أولى أن تسمّي رجلاً يلي أمر هذه الاُمّة ، فإنّي أقدر على أن اُبايعك منك على أن تبايعني.

قال أبو موسى : اُسمّي لك عبد الله بن عمر.

____________

ح ٢٣١ ، مجمع البيان : ٥ / ١١٩ ، إعلام الورى : ١٠٦ و ١٩١ ، الخرائج والجرائح : ١١٦ ح ١٩٢ ، الكامل لابن الأثير : ٢ / ٢٠٤ ، وج ٣ / ٣٢٠ ، مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ١٨٤ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٣٢ ، الفصول المهمّة : ٩٧ ، كشف الغمّة : ١ / ٢١٠ ، سبل الهدى : ٥ / ١٢٣.

١ ـ في المناقب : النابغة.

٤٥٥

فقال عمرو : فإنّي اُسمّي لك معاوية بن أبي سفيان.

وفي رواية : انّ عمرو قال : إنّهما ظالمان فإنّ عليّاً آوى قتلة عثمان ، وأمّا معاوية فخذله ، فنخلعهما ونبايع عبد الله بن عمر لزهادته واعتزاله عن الحرب.

فقال أبو موسى : نعم ما رأيت.

قال : فإنّي قد خلعت معاوية فاخلع أنت عليّاً ، وإن شئت فاخلعه غداً ، فإنّه يوم الاثنين ، وكان ذلك بينهما ، فلمّا أصبحا خرجا إلى الناس ، فقالا : قد اتّفقنا ، فقال أبو موسى : تقدّم فاخلع صاحبك بحضرة الناس.

فقال عمرو : سبحان الله! أتقدّم عليك وأنت في موضعك وسنّك وفضلك مقدّم في الإسلام والهجرة ، ووافد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن ، وصاحب مقاسم أبي بكر ، وعامل عمر ، وحكم أهل العراق ، فتقدّم أنت ، فقدّمه.

فقال أبو موسى لعنه الله : إنّا والله ـ أيها الناس ـ قد اجتهدنا رأينا ولم نر أصلح للاُمّة من خلع هذين الرجلين ، وقد خلعت عليّاً ومعاوية كخلع خاتمي هذا.

فقال عمرو : لكنّي خلعت صاحبه كما خلع واُثبت معاوية كخاتمي [ هذا ] (١) ، وجعله في شماله. (٢)

فلعنة الله على عمرو وصاحبه. فوالله لقد علما الحقّ وأنّه مع أمير المؤمنين

__________________

١ ـ من المناقب.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٨٢ ـ ١٨٥ ، عنه البحار : ٣٣ / ٣١٢ ـ ٣١٤ إلى قوله : « وأنت مضطهد ».

٤٥٦

يدور حيث ما دار ، وأنّه كتاب الله الناطق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولكن الحقد القديم ، والنفاق الكامن ، والميل مع الدنيا وأهلها كيف مالت ، والشيطان المغويّ.

فلعنة الله عليهم كأنّهم لم يسمعوا قول الله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهََ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (١) وقوله سبحانه : ( أفَمَن يَهدِي إلى الحَقّ أحَقُّ أن يُتَّبَعَ أم مَن لاَ يَهدِّي إلّا أن يُهدَى فَمَا لكُم كَيفَ تَحكُمُونَ ) (٢) وقوله سبحانه : ( تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعلُهَا لِلَّذينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرضِ وَلَا فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ) (٣) بلى والله سمعوها ووعوها ـ كما قال أمير المؤمنين ـ ولكن حلت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها (٤) ، وعدلوا بالحقّ عن أهله ، ووضعوه في غير محلّه ، واتّبعوا كلّ ناعق ، واقتدوا بكلّ ناهق.

وتبّاً لدنيا يقدّم فيها الأشرار على الأخيار ، والأوغاد على الأبرار ، وسحقاً لاُمّة عدلت سيّد الخلق وأعلمهم وأفضلهم ، وأكملهم علماً وحلماً ، وطاعة لله ، وحياطة لرسول الله ، ونصراً للاسلام وأهله ، وجهاداً في الله ، وقرباً من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أوّل الناس إسلاماً ، وأقربهم من الله مقاماً ، لم يشرك بالله طرفة عين ، ولّاه الله أمر خلقه في كتابه ، وأقامه إماماً لبريّته في تنزيله وعلى لسان رسوله ، فقام بأمر الله صادعاً ، وبالحقّ ناطقاً.

كم غرّر نفسه في المهالك لإقامة دين الحقّ؟ وكم قذف بذاته في أضيق

__________________

١ ـ سورة التوبة : ١١٩.

٢ ـ سورة يونس : ٣٥.

٣ ـ سورة القصص : ٨٣.

٤ ـ نهج البلاغة : ٤٩ ـ ٥٠ خطبة رقم ٣. والزِبرِج : الزينة من وَشي أو جوهر.

٤٥٧

المسالك في الحروب لإعلاء كلمة الصدق؟ حتى قتل أبطال المشركين ، وكسر أصنام الملحدين ، وأدخل الناس في دين الله أفواجاً ، بمن لا يعادل عند الله جناح بعوضة ، أجهل الخلق أباً واُمّاً ، وألأمهم أصلاً وفرعاً ، ربّي في حجر الشرك ، ونشي في مهد الكفر ، وارتضع ثدي النفاق ، فرع الشجرة ، وأصل الفجرة ، ورأس المنافقين ، وأساس القاسطين ، الذي لعنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولعن أباه وابنه في قوله : اللّهمّ العن الراكب والقائد والسائق (١).

فتبّاً لها اُمة ضالّة ، وسحقاً لها طائفة عن الحق عادلة ، ما أشدّ جهلها ، وأسفه حملها ، وأضعف عقولها ، وأخسر صفقتها ، وأكسد تجارتها؟ إذ عدلت عن مهابط التنزيل إلى مواطن الأباطيل ، وعن أعلام الإيمان إلى أحزاب الشيطان ، واستبدلوا بالدرّ الثمين السرجين ، واتّبعوا ما يتلو الشيطان (٢).

روي في معنى قوله سبحانه : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعبُدُ اللهََ عَلَى حَرفٍ ) (٣) أنّه كان أبو موسى وعمرو.

وروى ابن مردويه بأسانيده عن سويد بن غفلة ، قال : كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات ، فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ بني إسرائيل اختلفوا فلم يزال اختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالّين ضالّ من اتّبعهما ، ولا تنفكّ اُموركم تختلف حتى تبعثوا حكمين يضلّان ويضلّ من تبعهما.

__________________

١ ـ وقعة صفّين : ٢٢٠ ، عنه البحار : ٣٣ / ١٩٠ ، والمقصودون هم : أبو سفيان ، ومعاوية وأخوه.

٢ ـ إقتباس م نالآية : ١٠٢ من سورة البقرة.

٣ ـ سورة الحجّ : ١١.

٤٥٨

فقلت : اُعيذك بالله أن تكون أحدهما.

قال : فخلع قميصه وقال : برّأني الله من ذلك كما برّأني من قميصي (١). اللّهمّ العن عمرواً وأبا موسى ، ومن أشار بتحكّمهما ، ورضي بحكمهما ، وصوّب اجتهادهما ، وحسّن رأيهما ، وشكّ في نفاقهما ، وحصّر لعنهما ، إنّك أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً.

ولمّا رجع أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد التحكّم إلى الكوفة اجتمعت الفرقة المارقة عن الايمان ، أهل الزيغ والبهتان ، وقالوا : إنّ عليّاً قد حكم في دين الله ، وكلّ من حكم في دين فقد كفر ، لقوله سبحانه : ( وَمَن لَم يَحكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَاُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ ) (٢) ودخلت عليهم الشبهة في ذلك ، فهم الضالّون المضلّون الّذين قال الله فيهم : ( قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأخسَرِينَ أعمَالاً ـ قال أمير المؤمنين لمّا سئل عن معناها : هم أهل حروراء ، ثم قال : ـ الَّذِينَ ضلََّ سَعيُهُم فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعاً ـ في قتال أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ اُولَئِكَ الَّذينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِم وَلِقَائِهِ فَحَبطَت أعمَالُهُم فَلَا نُقِيمُ لَهُم يَومَ القِيامَةِ وَزناً ذَلِكَ جَزَاؤُهُم جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا ـ بولاية عليّ بن أبي طالب ـ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي ـ القرآن ـ وَرُسُلِي ـ يعني محمّداً ـ هُزُواً ) (٣) واستهزؤا (٤) بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنتُ مولاه فعليّ مولاه.

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ١٨١ ـ ١٨٢ ، عنه البحار : ٣٣ / ٣١١ ـ ٣١٢ ح ٥٦٢.

وانظر : تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٩٠ ، ومروج الذهب : ٢ / ٤٠٣.

٢ ـ سورة المائدة : ٤٤.

٣ ـ سورة الكهف : ١٠٣ ـ ١٠٦.

٤ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : استهزاء.

٤٥٩

تفسير الفلكي : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله سبحانه : ( يَومَ تَبيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسوَدَّت وُجُوهُهُم ) (١) فهم الخوارج. (٢)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم : ياتي قوم من بعيد يحتقر أحدكم صلاته في جنب صلاتهم وعبادتهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه. (٣)

وروى البخاري ومسلم والطبري والثعلبي في كتبهم أنّ ذا الخويصرة التميمي (٤) أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : أعدل بالسويّة.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ويحك ، إن لم أعدل أنا فمن يعدل؟

فقال عمر : ائذن لي حتى أضرب عنقه.

فقال : دعه فإنّ له أصحاباً ، فذكر وصفه (٥) فنزل ( وَمِنهُم مَن يَلمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) (٦).

وروي من طرق شتّى أنّه ذكروه بين يدي (٧) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________

١ ـ سورة آل عمران : ١٠٦.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ١٨٦ ـ ١٨٧ ، عنه البحار : ٣٣ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ح ٥٧٣.

وانظر : العمدة لابن البطريق : ٤٦١ ح ٩٦٧.

٣ ـ انظر : الأحاديث الغيبيّة : ١ / ٢٨١ ـ ٣٠٧ ح ١٦٤ ـ ١٧٧.

٤ ـ هو حرقوص بن زهير رئيس الخوارج.

٥ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : وصيّه.

٦ ـ سورة التوبة : ٥٨.

٧ ـ في المناقب : مسند أبي يعلى الموصلي وإبانة ا بن بطّة العكبري وعقد ابن عبد ربّه الأندلسي وحلية أبي نعيم الاصفهاني وزينة أبي حاتم الرازي وكتاب أبي بكر الشيرازي انّه ذُكر بين يدي..

٤٦٠