تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري

تسلية المُجالس وزينة المَجالس - ج ١

المؤلف:

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري


المحقق: فارس حسّون كريم
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-09-6-X
الصفحات: ٥٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

عاطل ، وكلّ عالم لا يعتمد عليه فهو جاهل ، وكلّ منطبق لا يقفو أثره فهو باقل (١) ، وكلّ فاضل لا يحذو حذوه فهو خامل.

ما من علم إلا وهو أصله وفرعه ، وما من أدب إلا وهو بصره وسمعه ، إليه يرجع المتألّهون في سلوكهم ، وبنور كشفه تكشف ظلمة الحيرة من سلوكهم ، أقدم الناس سلماً ، وأغزرهم علماً ، واعرفهم بكتاب الله ، وأذبّهم عن وجه رسول الله.

سيفه القاطع ، ونوره الساطع ، وصدّيقه الصادق ، ولسانه الناطق ، وأنيس وحشته ، وجليس وحدته ، ووليّ عهده ، وأبو ولده ، وأفضل الخلق من بعده ، لم يسبقه الأوّلون بعلم وجهاد ، ولم يلحقه الآخرون بجدّ واجتهاد ، نصر الرسول إذ خذلوا ، وآزره إذ فشلوا ، وآثره بنفسه إذ بخلوا ، واستقام على طريقته ، إذ غيّروا وبدّلوا.

مجده شامخ ، وعلمه راسخ ، كم حجّة لمارق أدحض ، وكم شبهة لزاهق قوّض ، وكم علم للشرك نكّس ، وكم جدّ للظلم أتعس ، وكم جمع للنفاس أركس ، وكم منطبق من اولي الشقاق أبلس ، أوّل من صام وصلّى وتصدّق ، وأقام الإسلام في بدر وحنين واُحد والخندق ، كم قصم فقار مشرك بذي الفقار ، كالوليد وعمرو وذي الخِمار (٢) ، ردّت له الشمس وقد دنت للطفل ، حتى أدّى فرضه وعن طاعة ربّه ما اشتغل.

أوّل في الدين ذو قدم

وله عزّ إذا انتسبا

خصّة ربّي فصـيّره

لبني بنت النبيّ أبا

__________________

١ ـ باقلٌ : اسم رجل يضرب به المثل في العِيّ. « لسان العرب : ١١ / ٦٢ ـ بقل ـ ».

٢ ـ هو سُبيع بن الحارث ، من بني مالك.

٢٦١

فهو سيّد الوصيّين ، وزوج سيّدة نساء العالمين ، وابناه سيّدا شباب أهل الجنّة ، وعمّه حمزة سيّد الشهداء ، وأخوه جعفر يسمّى ملكاً ، سيّد الطيور في الجنّة يطير عبد مناف سيّد العرب ، وحماته اُمّ المؤمنين أوّل امرأة أسلمت وصلّت وأنفقت ، ومنها نسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واُمّه فاطمة بنت أسد أوّل هاشميّة ولدت من هاشميّين.

وروى الثقات عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : يا عليّ ، لك أشياء ليس لي مثلها ؛ إنّ لك زوجة مثل فاطمة وليس لي مثلها ، ولك ولدين من صلبك وليس لي مثلهما من صلبي ، ولك مثل خديجة امّ أهلك وليس لي مثلها ، ولك حمو (١) مثلي وليس لي حمو مثلي ، ولك أخ في النسب مثل جعفر وليس لي مثله في النسب ، ولك اُمّ مثل فاطمة بنت أسد الهاشميّة المهاجرة وليس لي اُمّ مثلها.

سلمان وأبوذرّ والمقداد : انّ رجلاً فاخر عليّاً عليه‌السلام فقال [ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ] (٢) : إن فاخرت العرب فأنت أكرمهم ابن عمّ ، وأكرمهم نفساً ، وأكرمهم زوجة ، وأكرمهم ولداً ، واكرمهم أخاً ، وأكرمهم عمّاً ، وأعظمهم حلماً ، وأكثرهم علماً ، وأقدمهم سلماً ، [ وفي خبر : ] (٣) وأشجعهم قلباً ، وأسخاهم كفّاً.

وفي خبر آخر : أنت أفضل اُمّتي فضلاً. (٤)

وروى شيخ السنّة القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد في خبر طويل أنّ

____________

١ ـ في المناقب : صهر ، وكذا في الموضع الآتي.

٢ و ٣ ـ من المناقب.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٧٠ ، عنه البحار : ٤٠ / ٦٨ ح ١٠٢.

٢٦٢

فاطمة بنت أسد رأت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل تمراً له رائحة تزداد على كلّ الأطائب من المسك والعنبر ، من نخلة لا شماريخ لها ، فقالت : ناولني ـ يا رسول الله ـ أنل منها.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تصلح إلا أن تشهدي معي [ أن ] (١) لا إله إلا الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، فشهدت الشهادتين ، فناولها فأكلت ، فازدادت رغبتها ، وطلبت اُخرى لأبي طالب ، فأوعز إليها صلى‌الله‌عليه‌وآله الا تعطيه الا بعد الشهادتين.

فلمّا جنّ عليها الليل اشتمّ أبو طالب نسيماً ما اشتمّ مثله قطّ فأظهرت ما معها فالتمسه منها ، فأبت عليه (٢) إلا أن يشهد الشهادتين ، فلم يملك نفسه أن شهد الشهادتين غير أنّه سألها أن تكتم عليه لئلّا تعيّره قريش ، فعاهدته على ذلك ، وأعطته ما معها ودنا إليها ، فعلقت بعليّ صلوات الله عليه في تلك الليلة ، ولمّا علقت بعليّ عليه‌السلام ازداد حسنها ، وكان يتكلّم في بطنها ، وكانت يوماً في الكعبة فتكلّم علي عليه‌السلام مع جعفر فغشي عليه ، فالتفتت فإذا الأصنام خرّت على وجوهها ، فمسحت على بطنها وقالت : يا قرّة العين ، تخدمك (٣) الأصنام فيّ داخلاً ، فكيف شأنك خارجاً؟! وذكرت لأبي طالب ذلك ، فقال : هو الّذي قال لي عنه أسد في طريق الطائف. (٤)

وروى الحسن بن محبوب ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه لمّا أخذ فاطمة

__________________

١ ـ من المناقب.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : إليه.

٣ ـ في المناقب : سجدتك.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٧٢ ، عنه البحار : ٣٥ / ١٧ ح ١٤ ، وحلية الأبرار : ٢ / ١٩ ح ١.

٢٦٣

بنت أسد الطلق أتت الكعبة فانفتح البيت من ظهره ودخلت فاطمة فيه ، ثمّ عادت الفتحة والتصقت وبقيت فيه ثلاثة أيّام تأكل من ثمار الجنّة وأرزاقها حتى ولدت أمير المؤمنين عليه‌السلام في جوف الكعبة.

وقيل : إنّه لمّا أخذها المخاض أتت الكعبة وقالت : ربّ إنّ مؤمنة بك وبما جاء من عندك من كتب ورسل ، مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم ، فبحقّ الّذي بنى هذا البيت ، وبحقّ المولود الذي في بطني لما يسّرت عليّ ولادتي.

فانفتح البيت ودخلت فيه وإذا بحوّاء ومريم وآسية واُمّ موسى ، وصنعن به كما صنعن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ولادته ، فلمّا ولدته سجد على الأرض يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ، [ وأشهد أنّ عليّاً وصيّ محمد رسول الله ] (١) ، بمحمد تختم النبوّة ، وبي تتمّ الوصيّة ، وأنا أمير المؤمنين ، ثمّ سلّم على النساء ، وأشرقت الأرض (٢) بضيائها ، فخرج أبو طالب وهو يقول : أبشروا ، فقد خرج وليّ الله.

وفي رواية اُخرى : انّه لمّا خرجت به اُمّه من البيت قال لأبي طالب : السلام عليك يا أبة ورحمة الله وبركاته ، ثمّ تنحنح وقرأ : ( بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ قَد أفلَحَ المُؤمِنُونَ ) (٣) الآيات ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قد أفلحوا بك ، أنت والله أميرهم تميرهم من علومك فيمتارون ، وانت والله دليلهم وبك يهتدون.

ووضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لسانه في فيه فانفجر اثنتا عشرة

____________

١ ـ من المناقب.

٢ ـ في المناقب : السماء.

٣ ـ سورة المؤمنون : ١.

٢٦٤

عيناً ـ الحديث ـ فحنّكه رسول الله بريقه ، وأذّن في اُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، فعرف الشهادتين وولد على الفطرة. (١)

وروي أنّه لمّا ولد [ علي عليه‌السلام ] (٢) أخذ أبو طالب بيد فاطمة ـ وعليّ على صدره ـ وخرج ليلاً إلى الأبطح ونادى :

يا ربّ هذا الغـسق الدجيِّ

والقـمر المـبتلـج المضيّ

بيّن لنا من حكمك المقضيّ

[ ماذا ترى في اسم ذا الصبيّ؟ ] (٣)

قال : فجاء شيء كالسحاب يدبّ على وجه الأرض حتى حصل في صدر أبي طالب فضمّه مع عليّ إلى صدره ، فلمّا أصبح إذا هو بلوح أخضر فيه مكتوب :

خصصتما بالولد الزكيّ

والطاهر المنتجب الرضيّ

فاسمه من شامخ عليّ

عليّ اشــتقّ من العلـيّ (٤)

قال : فعلّق (٥) اللوح في الكعبة ، وما زال هناك حتى أخذه هشام بن عبد الملك لعنه الله ، وإجماع أهل البيت أنّه ولد في الزاوية اليمنى في الكعبة ، فالولد الطاهر من النسل الطاهر ، ولد في الموضع الطاهر ، فأين توجد هذه

__________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٧٣ ـ ١٧٤ ، عنه البحار : ٣٥ / ١٧ ذ ح ١٤.

٢ ـ من المناقب.

٣ ـ من المناقب.

وفي « ح » : قال أبو طالب :

سمّيته بعليّ كي يدوم له

عزّ العلوّ وخير العزّ أدومه

٤ ـ انظر كفاية الطالب : ٤٠٦ ، عنه الغدير : ٧ / ٣٤٧. وفي الفضائل لشاذان : ٥٦ ـ ٥٧ ، عنه البحار : ٣٥ / ١٠٢ ـ ١٠٣.

٥ ـ في المناقب : فعلّقوا.

٢٦٥

الكرامة لغيره؟ فأشرف البقاع الحرم ، وأشرف الحرم المسجد ، وأشرف [ بقاع ] (١) المسجد الكعبة ، ولم يولد فيه مولود سواه ، فالمولود فيه يكون في غاية الشرف ، وليس المولود في سيّد الأيّام يوم الجمعة في الشهر الحرام في البيت الحرام سوى أمير المؤمنين عليه‌السلام. (٢)

وأجمع أهل البيت بأدلّة قاطعة بأنّه معصوم ، وأجمع الناس انّه لم يشرك بالله أبداً ، وانّه بايع (٣) النبيّ في صغره وترك أبويه.

وروى جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ثلاثة لم يكفروا بالله (٤) طرفة عين : مؤمن آل يس ، وعليّ بن أبي طالب ، وآسية امرأة فرعون. (٥)

وروي أنّه اعترف رجل [ محصن ] (٦) عند أمير المؤمنين عليه‌السلام انّه زنا مرّة بعد مرّة وأمير المؤمنين يتغافل عنه حتى اعترف الرابعة ، فأمر صلوات الله عليه بحبسه ، ثمّ نادى في الناس ، ثم أخرجه بالغلس (٧) ، ثمّ حفر له حفيرة ووضعه فيها ، ثمّ نادى : أيها الناس ، هذه حقوق الله لا يطلبها من كان عليه مثلها ، فانصرفوا ما خلا عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين صلوات الله عليهم. (٨)

____________

١ ـ من المناقب.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٧٤ ـ ١٧٥ ، عنه البحار : ٣٥ / ١٨ ـ ١٩.

٣ ـ كذا في المناقب ، وفي الاصل : تابع.

٤ ـ في المناقب : بالوحي.

٥ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٧٧.

٦ ـ من المناقب.

٧ ـ الغلس : ظلمة آخر الليل.

٨ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٧٧ ، وزاد فيه : فرجمه ، ثمّ صلّى عليه.

٢٦٦

وفي التهذيب انّ محمد بن الحنفية كان ممّن رجع. (١)

وكان أمير المؤمنين ممّن وصفه الله تعالى ( وَاجنُبنِي وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنَامَ ) (٢) ثم قال : ( وَمِن ذُرِّيَّتنَا اُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ ) (٣) ، فنظرنا في أمر الظالم فإذا الاُمّة قد فسّروه انّه عابد الأصنام ، وانّ من عبدها فقد لزمه الذّل ، وقد نفى الله أن يكون الظالم إماماً (٤) لقوله : ( لَا يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ ) (٥).

ووجدنا العامّة بأسرهم إذا ذكروا عليّاً قالوا : كرّم الله وجهه ، وأجروا ذلك على ألسنتهم ، يعنون بذلك : عن عبادة الأصنام. (٦)

ديك الجنّ (٧) :

شرفي محبّة معشر

شرّفوا بسورة هـل أتى

وولاي من في فتكه

سمّاه ذو الـعرش الفتى

لم يعبد الأصنام قطّ

ولا ألام ولا عـتـا

ثبتاً إذا قدما سـواه

إلى المـهاوي زلـّـتا

ثقل الهدى وكتـابه

بـعـد الـنبـيّ تشتّتا

____________

١ ـ تهذيب الأحكام : ١٠ / ١١ ذ ح ٢٣ وفيه أن ذلك كان في قضيّة اُخرى.

٢ ـ سورة إبراهيم : ٣٥.

٣ ـ سورة البقرة : ١٢٨.

٤ ـ في المناقب : خليفة.

٥ ـ سورة البقرة : ١٢٤.

٦ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٧٧.

٧ ـ هو أبو محمد عبد السلام بن رغبان ، أصله من مؤتة ، وولد في حمص ، وهو شاعر مشهور مجيد ... وكان يتشيّع ، له مراث كثيرة للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، توفّي سنة « ٢٣٥ » ه‍. « الكنى والألقاب : ٢ / ٢١٢ ».

٢٦٧

واحسرتاه من ذلّهم

وخضوعهم واحسرتا

طالت حياة عدوّهم

حتّى متى وإلى متى؟

ثمّ انّه صلوات الله عليه لم يشرب الخمر قطّ ، ولم يأكل ما ذبح على النصب ، وغير ذلك من الفسوق وقريش ملوّثون بها. (١)

روى قتادة ، عن الحسن البصري ، قال : اجتمع علي وعثمان بن مظعون وأبو طلحة وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبو دجانة في منزل سعد بن أبي وقّاص ، فأكلوا شيئاً ، ثم قُدّم إليهم شيئاً من الفضيح ، فقام أمير المؤمنين عليه‌السلام وخرج من بينهم ، فقال عثمان في ذلك ، فقال علي : لعن الله الخمر ، والله لا أشرب شيئاً يذهب بعقلي ، ويضحك بي من رآني ، واُزوّج كرمتي من لا اُريد ، وخرج من بينهم ، فأتى المسجد ، وهبط جبرئيل بهذه الآية : ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ـ يعني الذين اجتمعوا في منزل سعد ـ إنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزلَامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ ) (٢) إلى آخرها ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تبّاً لها ، [ والله ـ يا رسول الله ـ لقد كان بصري فيها نافذ منذ كنت صغيراً.

قال الحسن : ] (٣) والله الذي لا إله إلا هو ما شربها (٤) قبل تحريمها ولا ساعة قطّ. (٥)

ثم إنّه كان أبو طالب وفاطمة بنت أسد ربّيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٧٨.

٢ ـ سورة المائدة : ٩٠.

٣ ـ من المناقب.

٤ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : ما شربتها.

٥ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٧٨.

٢٦٨

وربّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وخديجة لعلي عليه‌السلام ، وسمعنا (١) مذاكرة أنّه لمّا ولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يفتح عينيه ثلاثة أيّام ، فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ففتح عينيه ، ونظر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : خصّني بالنظر ، وخصصته بالعلم.

وروي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين تزوّج خديجة قال لعمّه أبي طالب : إنّي اُحبّ أن تدفع إليّ بعض ولدك يعينني على أمري ويكفيني ، وأشكر لك بلاءك عندي.

فقال أبو طالب : خذ أيّهم شئت ، فأخذ عليّاً عليه‌السلام. (٢)

نهج البلاغة : وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرابة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا وليد يضمّني إلى صدره ، ويلفّني (٣) في فراشه ، ويمسّني خدّه (٤) ، ويشمّني عَرفَهُ (٥) ، وكان يمضغ الشيء ويلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة (٦) في فعل ، ولقد قرن الله به صلى‌الله‌عليه‌وآله من لدن [ أن ] (٧) كان فطيماً أعظم مَلَكٍ من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره ، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر اُمّه ، يرفع لي [ في ] (٨) كلّ يوم عَلَماً من أخلاقه ،

____________

١ ـ في المناقب : وسمعت.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٧٩ ، عنه البحار : ٣٨ / ٢٩٤ ح ١ ، وحلية الأبرار : ٢ / ٢٨ ح ٢ ( صدره ).

٣ ـ في النهج : وأنا وَلَد ... ويكنفني.

٤ ـ في المناقب والنهج : جسده.

٥ ـ عرفه : رائحته الذكيّة.

٦ ـ الخلطة : واحدة الخَطَل ، وهو الخطأ ينشأ عن عدم الروية.

٧ ـ من النهج.

٨ ـ من المناقب والنهج.

٢٦٩

ويأمرني بالاقتداء به. (١)

فمن استقت عروقه من منبع النبوّة ، ورضعت شجرته ثدي الرسالة ، وتهدّلت أعصانه (٢) من نبعة الامامة ، ونشأ في دار الوحي ، وربّي في بيت التنزيل ، ولم يفارق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ساعة في حال حياته إلى حال وفاته ، لا يقاس به أحد من سائر الخلق ، وإذا كان صلوات الله عليه نشأ في أكرم اُرومة ، وأطيب مغرس ، والعرق الصالح ينمي ، والشهاب الثاقب يسري ، وتعليم الرسول نافع (٣) ، ولم يكن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ليتولّى تأديبه ويتضمّن حضانته وحسن تربيته إلا على ضربين (٤) : إمّا على التفرّس فيه ، أو بالوحي من الله سبحانه ، فإن كان بالتفرّس فلا تخطئ فراسته ولا يخيب [ ظنّه ] (٥) ، وإن كان بالوحي فلا منزلة أعلى ولا حال أدلّ على الفضيلة والامامة منه. (٦)

ثمّ إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خصّه بسيّدة النساء دون غيره بأمر الله سبحانه ، وتولّى سبحانه عقدة نكاحها ، وأنزل في ذلك قرآناً يتلى إلى يوم القيامة.

روى ابن عبّاس رضي الله عنه وابن مسعود وجابر والبراء وأنس

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ٣٠٠ خطبة رقم ١٩٢ ، عنه مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٨٠ ، والبحار : ٣٨ / ٣٢٠ ح ٣٣.

وأخرجه في حلية الأبرار : ٢ / ٣٠ ح ٤ عن المناقب.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : عليه أغصانه.

٣ ـ في المناقب : ناجع.

٤ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : إلا على خير بيّن.

٥ ـ من المناقب.

٦ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٨٠ ، عنه البحار : ٣٨ / ٢٩٥.

٢٧٠

واُمّ سلمة ، ورواه السدّي وابن سيرين (١) والباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهراً ) قالوا : هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ( وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً ) (٢) [ القائم في آخر الزمان ] (٣) لأنّه لم يجتمع نسب وسبب في الصحابة [ والقرابة ] (٤) إلا له. (٥)

عوتب صلى‌الله‌عليه‌وآله في أمر فاطمة ، فقال : لو لم يخلق الله عليّ بن أبي طالب ما كان لفاطمة كفو على وجه الأرض. (٦)

ومثله روي عن ابي عبد الله الصادق عليه‌السلام ، وزاد فيه : آدم ومن دونه. (٧)

قالت الناصبة : تزوّج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من الشيخين ، وزوّج عثمان بنتين.

قلنا : التزويج لا يدلّ على الفضل ، وإنّما هو مبنيّ على إظهار الشهادتين ، ثمّ إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله تزوّج في جماعة ، وأمّا عثمان ففي زواجه خلاف كثير ، وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله [ كان زوّجهما من كافرين قبله ، ] (٨) وليس حكم

____________

١ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : سدير.

٢ ـ سورة الفرقان : ٥٤.

٣ و ٤ و ٧ ـ من المناقب.

٥ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٨١ ، عنه البحار : ٤٣ / ١٠٦ ، وعوالم العلوم : ١١ / ٢٧٩ ح ٨.

٦ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٨١ ، عنه البحار : ٤٣ / ١٠٧ ، وعوالم العلوم : ١١ / ٢٨٢ ح ١٧.

٧ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٨١ ، عنه البحار : ٤٣ / ١٠٧ ، وعوالم العلوم : ١١ / ٢٨١ ح ١٣.

٢٧١

فاطمة مثل ذلك ، لأنّها ولدت في الاسلام ، ومن أهل العباء والمباهلة والمهاجرة في أصعب وقت ، ووردت فيها آية التطهير ، وافتخر جبرائيل بكونه منهم ، وشهد الله لهم بالصدق ، ولها اُمومة الأئمة عليهم إلى يوم القيامة ، ومنها الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وعقب الرسول ، وهي سيّدة نساء العالمين ، وزوجها من أصلها وليس بأجنبيّ.

وأمّا الشيخان فقد توسّلا إلى النبي بذلك.

وأمّا علي فتوسّل النبيّ إليه بعدما ردّ خطبتهما ، والعاقد عليها (١) هو الله تعالى ، والقابل جبرائيل ، والخاطب راحيل ، والشهود حملة العرش ، وصاحب النثار رضوان ، وطبق النثار شجرة طوبى ، والنثار الدرّ والياقوت والمرجان ، والرسول هو الماشطة ، وأسماء صاحبة الحجلة (٢) ، ووليد هذا النكاح الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام. (٣)

مع انّه قد روي أنّ زينب ورقيّة لم يكونا ابنتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الحقيقة ، بل ربيبتيه من جحش ـ كان زوج خديجة قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ روى ذلك صاحب كتاب الكشف واللمع ، ورواه البلاذري (٤) أيضاً ، وكانت زينب تحت أبي العاص بن الربيع ، وأمّا رقيّة فتزوّجها عتبة بن أبي لهب ومات على كفره بعد أن طلّقها ، وتزوّج بها عثمان.

__________________

١ ـ في المناقب : بينهما.

٢ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : وسيّدة النساء صاحبة الحجلة.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٨٢ ، عنه البحار : ٤٣ / ١٠٧ ، وعوالم العلوم : ١١ / ٢٨٢ ح ١٨.

٤ ـ أنساب الأشراف : ١ / ٣٩٧ و ٤٠١.

٢٧٢

وصار أمير المؤمنين أخا رسول الله لى الله عليه وآله من ثلاثة أوجه :

[ أوّلها : ] (١) لقوله عليه‌السلام : ما زال ينقل من الآباء الأخائر ، الخبر.

الثاني : أنّ فاطمة بنت أسد ربّت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قال : هذه اُمّي ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ابي طالب من أعزّ أولاده ، ربّاه في صغره ، وحماه في كبره ، ونصره بالمال واللسان والسيف والأولاد [ والهجرة ] (٢) ، والأب أبوان : أب ولادة وأب إفادة ، ثمّ انّ العمّ والد ، قال سبحانه حكاية عن يعقوب : ( مَا تَعبُدُونَ مِن بَعدِي قَالُوا نَعبُدُ إِلهَكَ وَإلهَ آبَائِكَ إبرَاهِيمَ وَإسمَاعِيلَ ) (٣) الآية ، وإسماعيل كان عمّه.

وقال سبحانه حكاية عن إبراهيم : ( وَإذ قَالَ إبرَاهِيمُ لِأبِيهِ آزَرَ ) (٤) قال الزجّاج : أجمع النسّابة أنّ اسم أبي إبراهيم تارخ.

[ والثالث : ] (٥) آخاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في عدّة مواضع : يوم بيعة العشيرة حين لم يبايعه أحد بايعه عليّ على أن يكون له أخاً في الدارين. وقال في مواضع كثيرة ، منها : يوم خيبر : أنت أخي ووصيّي. وفي ويوم المؤاخاة ما ظهر عند الخاصّ والعامّ صحّته ، وقد رواه ابن بطّة من ستّة طرق.

وروي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان بالنخيلة وحوله سبعمائة وأربعون رجلاً ، فنزل جبرئيل وقال : إنّ الله تعالى آخى بين الملائكة : بيني وبين ميكائيل ، وبين إسرافيل وعزرائيل ، وبين دردائيل وراحيل ، فآخى النبي صلّى

____________

١ و ٢ و ٥ ـ من المناقب.

٣ ـ سورة البقرة : ١٣٣.

٤ ـ سورة الأنعام : ٧٤.

٢٧٣

الله عليه وآله بين أصحابه.

وروى خطيب خوارزم في كتابه (١) بالاسناد عن ابن مسعود ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوّل من اتّخذ علي بن أبي طالب أخاً إسرافيل ثمّ جبرائيل ، الخبر.

وعن ابن عبّاس ، قال : لمّا نزل قوله تعالى : ( إنَّمَا المُؤمِنُونَ إخوَةٌ ) (٢) آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الأشكال والأمثال ، فآخى بين أبي بكر وعمر ، وبين عثمان وعبد الرحمان ، وبين سعدبن أبي وقّاص وسعيد بن زيد ، وبين طلحة والزبير ، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ ، وبين مصعب بن عمير وأبي أيّوب الأنصاري ، وبين أبي ذرّ وابن مسعود ، وبين سلمان وحذيفة ، وبين حمزة وزيد ، وبين أبي الدرداء وبلال ، وبين جعفر الطيّار ومعاذ بن جبل ، وبين المقداد وعمّار ، وبين عائشة وحفصة ، وبين زينب بنت جحش وميمونة ، وبين اُمّ سلمة وصفيّة ، حتى آخى بين أصحابه بأجمعهم على قدر منازلهم ، ثمّ قال : يا عليّ ، أنت أخي وأنا أخوك.

تاريخ البلاذري : قال عليّ عليه‌السلام : يا رسول الله ، آخيت بين أصحابك وتركتني!

فقال : أنت أخي ، أما ترضى أن تدعى إذا دعيتُ ، وتكسى إذا كسيتُ ، وتدخل الجنّة إذا دخلتُ؟! (٣)

__________________

١ ـ مناقب الخوارزمي : ٣١ ـ وفيه : اسرافيل ، ثم ميكائيل ، ثم جبرئيل ـ ، عنه كشف الغمّة : ١ / ٣٧٦. وفي البحار : ٣٩ / ١١٠ ح ١٧ عن الكشف.

٢ ـ سورة الحجرات : ١٠.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٨٤ ـ ١٨٥ وزاد فيه : قال : بلى ، يا رسول الله ، عنه البحار : ٣٨ / ٣٣٥ ح ١٠.

٢٧٤

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ (١) من بطنان العرش : يا محمد ، نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك عليّ بن أبي طالب. (٢)

وروى أبو إسحاق العدل ، قال أبو يحيى : ما جلس عليّ صلوات الله عليه على المنبر الا قال : أنا عبد الله ، وأخو رسول الله ، لا يقولها بعدي إلّا كذّاب. (٣)

الصادق عليه‌السلام قال : لمّا آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه وترك عليّاً ، فقال له في ذلك ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما (٤) اخترتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة.

فبكى عند ذلك أمير المؤمنين وقال :

أقيك بنفسي أيها المصـطفى الّذي

هدانا به الرحمن من عَمَهِ (٥) الجهل

بروحي أفديه (٦) وما قدر مهجتي؟

لمن أنتمي منه إلى الفـرع والأصل

ومن ضمّني مذ كنت طفلاً ويافعاً

وأنعشني بالبـرّ والعـلّ والنهـل (٧)

____________

١ ـ في المناقب : نوديت.

٢ و ٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٨٦ ، وعنه البحار : ٣٨ / ٣٣٧.

٤ ـ كذا في المناقب ، وفي الاصل : أنا.

٥ ـ العمه : الحيرة والتردّد.

٦ ـ في المناقب : وأفديك حوبائي. والحوباء : النفس.

٧ ـ العل : الشرب الثاني : والنهل : الشرب الأول. وهذا كناية عن غاية اهتمامه صلّى الله

٢٧٥

ومن جدّه جـدّي ومـن عمـّه عمّي

ومن اُمّه (١) اُمّي ومن بنته أهلي

ومن حين آخى بين من كان حاضراً

دعاني وآخاني وبيّن من فضلي

لك الفضل إنّي ما حييـت لـشـاكرٌ

لإتمام ما أوليت يا خاتم الرسل (٢)

قيل لقثم بن العباس : بأيّ شيء ورث عليّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دون العبّاس؟

قال : لأنّه [ كان ] (٣) أشدّنا به لصوقاً ، وأسرعنا به لحوقاً. (٤)

وقد علمنا أنّ أمير المؤمنين لم يكن أخاص للرسول في النسب ، فلمّا جعله شكلاً له وأخاً بين الأشكال والأمثال واستخلصه لنفسه علمنا بذلك أنّه الإمام الحقّ على سائر المسلمين ، فلا يجوز لأحدٍ أن يتقدّمه ، ولا أن يتأمّر عليه ، لأنّه شبه الرسول ومشاكله ، والعرب تقول للشيء : إنّه أخو الشيء إذا أشبهه وقاربه ، فكما لا يجوز التقدّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( لَا تُقَدِّمُوا بَينَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (٥) كذلك لا يجوز التقدّم على أمير المؤمنين صلوات الله عليه لأنّه

__________________

عليه وآله بتربيته على جميع الحالات.

١ ـ في المناقب : أهله.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٨٦ ـ ١٨٧ ، عنه البحار : ٣٨ / ٣٣٧.

وانظر ديوان الإمام علي عليه‌السلام ـ طبعة دار ابن زيدون ـ : ٢٤٦.

٣ ـ من المناقب.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٨٨ ، عنه البحار : ٣٨ / ٣٤٠.

٥ ـ سورة الحجرات : ١.

٢٧٦

مشابهه ومماثله ، ولهذا أمر الله نبيّه بسدّ أبواب الصحابة وترك باب عليّ لكونه مماثله ومشابهه. (١)

روى أحمد في كتاب الفضائل (٢) أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في ذلك ـ لمّا تكلّم الناس ـ : والله ما سددت شيئاً ولافتحته ، ولكن اُمرت بشيء فاتّبعه. (٣)

تاريخ البلاذري ومسند أحمد في خبر قال [ عمرو بن ميمون ] (٤) : خلا ابن عبّاس مع جماعة ، فنالوا من عليّ ، فقام ابن عبّاس ، ثمّ قال : اُف اُف وقعوا في رجل قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، ومن كنت وليّه فعليّ وليّه.

وقال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، الخبر.

وقال : لأدفعنّ الراية غداً إلى رجل ، الخبر.

وسدّ أبواب الصحابة إلا بابه. ونام مكان رسول الله ليلة الغار. وبعث ببراءة مع أبي بكر ، ثمّ أرسل عليّاً فأخذها منه. (٥)

وفي فضائل أحمد : قال عبد الله بن عمر : ثالثة أشياء كنّ لعليّ لو كان لي واحدة منها لكانت أحبّ إليّ من حمر النعم ؛ أحدها : إعطاؤه الراية يوم خيبر ، وتزويجه فاطمة ، وسدّ الأبواب.

____________

١ ـ نحوه في مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٨٩ ، عنه البحار : ٣٨ / ٣٤٠.

٢ ـ فضائل الصحابة : ٢ / ٥٨١ ح ٩٨٥ ، مسند أحمد : ١ / ١٧٥ ، وج ٤ / ٣٦٩.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٩٠.

٤ ـ من المناقب.

٥ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٩١ ، عنه البحار : ٣٩ / ٢٨.

٢٧٧

وقيل : إنّ العبّاس خرج يوم سدّ الأبواب ، وهو يبكي ويقول : سددت باب عمّك (١) وأسكنت ابن عمّك!

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أخرجتك ولا أسكنته ، ولكنّ الله أسكنه. (٢)

وفي رواية أنّه قال : أمّا علي فابن عمّ رسول الله وختنه ، وهذا بيته ـ وأشار بيده إلى بيت عليّ ـ حيث ترون أمر الله تعالى نبيّه أن يبني مسجده فبنى فيه عشرة أبيات : تسعة لبنيه وأزواجه وأصحابه ، وعاشرها وهو متوسّطها لعليّ وفاطمة ، وكان ذلك في أول سنة الهجرة ؛ وقيل : كان في آخر عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأوّل أصحّ ، وبقى على كونه مفتوح الباب إلى المسجد ، ولم يزل عليّ وولده فيه إلى أيّام عبد الملك بن مروان ، فعرف الخبر فحسد القوم على ذلك واغتاظ ، وأمر بهدم الدار ، وأظهر أنّه يريد أن يزيد في المسجد ، وكان في الدار الحسن بن الحسن فقال : لا أخرج ولا اُمكّن من هدمها ، فضرب بالسياط ، وتصايح الناس ، واُخرج عند ذلك ، وهدمت الدار ، وزيد في المسجد. (٣)

وروى عيسى بن عبد الله أنّ دار فاطمة عليها‌السلام حول تربة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبينهما حوض. (١)

وفي منهاج الكراجكي أنّه ما بين البيت الذي فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين الباب المحاذي لزقاق البقيع. فتح له باب وسدّ على سائر الأصحاب ، من قلع الباب كيف يُسدّ عليه الباب؟ قلع باب الكفر من التخوم ،

__________________

١ ـ في الماقب : ويقول : أخرجت عمّك.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٩١ ، عنه البحار : ٣٩ / ٢٨.

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٩١ ـ ١٩٢ ، عنه البحار : ٣٨ / ٢٩ ح ١١.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٩٢ ، عنه البحار : ٣٩ / ٢٩.

٢٧٨

فتح له أبواب من العلوم. (١)

ومن شدّة تحنّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما رواه ابن مسعود ، قال : رأيت كفّ عليّ في كفّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقبّلها فقلت : ما منزلته منك ، يا رسول الله؟

قال : منزلتي من الله؟ (٢)

وسئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن بعض أصحابه فذكره بخير (٣) ، فقال قائل : فعليّ؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما سألتني عن الناس ، ولم تسألني عن نفسي. (٤)

مَن نفسي مِن نفسه وجنسه من جنسه

وغرسه من غرسه (٥) فهل له معادل؟ (٦)

وروي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا جلس وأراد أن يقوم لا يأخذ بيده غير عليّ عليه‌السلام. (٧)

أنساب الأشراف (٨) : قال رجل لابن عمر : حدّثني عن عليّ بن أبي

____________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ١٩٢ ، عنه البحار : ٣٩ / ٢٩.

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٢٢٠.

٣ ـ في المناقب : فذكر فيه.

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٢١٧.

٥ ـ في المناقب : وعرسه من عرسه.

٦ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٢١٨. والبيت للسوسي.

٧ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٢١٩ ، عنه البحار : ٣٨ / ٢٩٧.

٨ ـ أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٠ ح ٢١١.

٢٧٩

طالب.

قال : تريد أن تعلم ما كانت منزلته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانظر إلى بيته من بيوت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . (١)

وكان النبي (٢) إذا غضب لم يجترئ عليه أحد [ أن ] (٣) يكلّمه إلا عليّ ، وأتاه يوماً فوجده نائماً فلم يوقظه.

لا شكّ انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أكبر سنّاً وأكثر (٤) جاهاً من عليّ ، فلمّا كان يحترمه هذا الاحترام إمّا انّه كان من الله تعالى أو من قبل نفسه ، وعلى الحالين جميعاً أظهر للناس فضله ، وعلوّ درجته عند الله ، ومنزلته عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . (٥)

وروي عن عائشة ، قالت : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله التزم عليّاً وقبّله وقال : بأبي الوحيد الشهيد ، بأبي الوحيد الشهيد ، ذكره أبو يعلى الموصلي في المسند. (٦)

وانّه لمّا جرح أمير المؤمنين في رأسه من ضربة عمرو بن ودّ يوم الخندق ، فجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فشدّه ونفث فيه فبرأ ، فقال :

__________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٢١٩ ، عنه البحار : ٣٨ / ٢٩٧.

٢ ـ أنساب الأشراف : ٢ / ١٠٧ ح ٤٤.

٣ ـ من المناقب.

٤ ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : وأكبر.

٥ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٢١٩ ، عنه البحار : ٣٨ / ٢٩٨.

٦ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٢٢٠.

٢٨٠