مجمع البحرين - ج ٢

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٢

الباخسين الثواب الناقصين للحظ لأنفسكما بترك هذا المندوب إليه ـ كذا ذكره الشيخ أبو علي. قوله : ( حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ) [٣ / ١٨٣ ] أي تشرع لنا تَقْرِيبَ قُرْبَانٍ تأكله النار ، والْقُرْبَانُ ما يقصد به الْقُرْبُ من رحمة الله من أعمال البر ، وهو على وزن فعلان من الْقُرْبِ كالفرقان من الفرق.

وَالْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ : أَنَّهُ لَمَّا أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ فَوُلِدَ لَهُ هَابِيلُ وَأُخْتُهُ تَوْأَمٌ فَوُلِدَ لَهُ قَابِيلُ وَأُخْتُهُ تَوْأَمٌ ، ثُمَّ أَمَرَهُمَا أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَاناً ، وَكَانَ هَابِيلُ صَاحِبَ غَنَمٍ وَقَابِيلُ صَاحِبَ زَرْعٍ ، فَقَرَّبَ هَابِيلُ كَبْشاً مِنْ أَفَاضِلِ غَنَمِهِ وَقَرَّبَ قَابِيلُ مِنْ زَرْعِهِ مَا لَمْ يُنَقَّ ، فَقُبِلَ قُرْبَانُ هَابِيلَ فَأَكَلْتُهُ النَّارِ ، فَعَمَدَ قَابِيلُ إِلَى النَّارِ فَبَنَى لَهَا بَيْتاً وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَنَى بُيُوتَ النَّارِ ، فَقَالَ : لِأَعْبُدَ هَذِهِ النَّارَ حَتَّى تُقْبَلُ مِنِّي قُرْبَانِي ، ثُمَّ إِنَّ إِبْلِيسَ أَتَاهُ وَهُوَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ فَقَالَ لَهُ : يَا قَابِيلُ إِنْ تَرَكْتَ هَابِيلَ يَكُونُ لَهُ عَقِبٌ يَفْتَخِرُونَ عَلَى عَقِبِكَ وَيَقُولُونَ نَحْنُ مِمَّنْ تُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ فَاقْتُلْهُ ، فَقَتَلَهُ ، فَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَرُ آدَمَ بَكَاهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ سَأَلَ رَبَّهُ وَلَداً فَسَمَّاهُ هِبَةَ اللهِ وَهَبَهُ لَهُ وَأُخْتُهُ تَوْأَمٌ.

قوله : ( وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى ) [ ٢ / ١٧٧ ] فقيل قَرَابَةُ المعطى ، فيكون حثا على صلة الأرحام ويدخل في ذلك النفقات الواجبة والمندوبة وغيرها من الصلات ، وَقِيلَ قَرَابَةُ النَّبِيِّ (ص) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [ ٤٢ / ٢٣ ] وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ الْبَاقِرِ وَالصَّادِقِ (ع)

قوله : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) [ ٢٦ / ٢١٤ ] قال قرابة رسول الله (ص) الذين جعل لهم الخمس ، وهم بنو عبد المطلب أنفسهم ذكرهم وأنثاهم لا يخالطهم من قريش أو من بيوتات العرب أحد.

وَعَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) قَالَ : لَمَّا أُنْزِلَتْ ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) دَعَا رَسُولُ اللهِ (ص) بَنُو [ بَنِي ] عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ

١٤١

رَجُلاً يَزِيدُونَ رَجُلاً أَوْ يُنْقَصُونَ رَجُلاً ، فَقَالَ : أَيُّكُمْ يَكُونُ أَخِي وَوَارِثِي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ بَعْدِي؟ فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ رَجُلاً رَجُلاً كُلُّهُمْ يَأْبَى ذَلِكَ وَأَقُولُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ (ص). فَقَالَ : يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ هَذَا أَخِي وَوَارِثِي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ بَعْدِي. فَقَامَ الْقَوْمُ يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَيَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ : قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَسْمَعُ وَتُطِيعَ هَذَا الْغُلَامَ.

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَعَنَ رَسُولُ اللهِ (ص) ثَلَاثاً مِنْهَا السَّادُّ الطَّرِيقِ الْمُقَرِّبَةِ ».

وقد مر شرحه في « غرب ». وتقرب إلى الله بشيء : أي طلب به الْقُرْبَةَ عنده. و « الْقُرُبَةُ » بسكون الراء والضم للاتباع : ما يُتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى ، والجمع قُرَبٌ وقُرُبَاتٌ مثل غرفة وغرف وغرفات. و « الْقِرْبَةُ » بالكسر : ما يستقى به الماء ، والجمع « قِرَبٌ » كسدرة وسدر. واقْتَرَبَ : دنا. وتَقَارَبُوا : قَرُبَ بعضهم إلى بعض. و « الْقُرْبَانُ » بالضم : مثل الْقُرْبَةِ ، ومنه الْحَدِيثُ « الصَّلَاةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ » (١).

أي الأتقياء من الناس يَتَقَرَّبُونَ بها إلى الله تعالى ، أي يطلبون الْقُرْبَ منه بها.

وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ : « مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً ».

المراد بِقُرْبِ العبد إلى الله تعالى الْقُرْبُ بالذكر والعمل الصالح لا قُرْبُ الذات والمكان ، لأن ذلك من صفات الأجسام والله منزه عن ذلك ومقدس ، والمراد بِقُرْبِ الله تعالى من العبد قُرْبُ نعمه وألطافه وبره وإحسانه إليه وترادف مننه وفيض مواهبه عليه. و « قَرِبْتُ الأمر » من باب تعب ، وفي لغة من باب قتل قُرْبَاناً بالكسر : فعلته أو دانيته. قيل ومن الأول ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ) ومِنَ الثَّانِي « لَا تَقْرُبُوا الْحُمَّى ».

وقَارَبَ الإبل : أي جمعها حتى لا تتبدد. وقَارَبَ فلان فلانا : إذا كلمه

__________________

(١) الكافي ج٣ ص ٢٦٥.

١٤٢

بكلام حسن. و « قِرَابُ السيف » بالكسر جفنه ، وهو وعاء السيف ، والجمع قُرُبٌ وأَقْرِبَةٌ كحُمُر وأَحْمِرة. و « الْقِرَابَةُ » بالكسر : الرحم. و « شيء مُقَارِبٌ » بكسر الراء ، أي وسط بين الجيد والرديء.

وَفِي الْحَدِيثِ : « فَدَعَا بِإِزَارٍ قُرْقُبِيٍّ ».

و « أَقْبَلَ شَيْخٌ عَلَيْهِ قَمِيصٌ قُرْقُبِيٌّ ».

القُرْقُبِي بقافين : ثوب أبيض مصري من كتان منسوب إلى قرقوب مع حذف الواو في النسبة كسابري لسابور ، وروي بالفاء وعن الزمخشري الفُرْقُبِيَّة والثُّرْقُبُيَّة ـ يعني بالفاء والثاء المثلثة ـ ثياب مصري ، ويروى بقافين منسوب إلى قُرْقُوب (١)

(قشب)

فِي الْحَدِيثِ : « لَا أَقُولُ كَمَا يَقُولُ هَذِهِ الْأَقْشَابُ ».

جمع قَشِب بكسر الشين المعجمة ككتف ، وهو من لا خير فيه من الرجال ، يقال « رجل قَشِب خشب » أي لا خير فيه. و « قَشَّبَنِي وَيْحَه » بالتشديد : آذاني.

(قصب)

فِي الْحَدِيثِ : « مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ عَشْرَةً كُتِبَ لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ عَدَدَ كُلِ قَصَبَةٍ ».

هي بالتحريك واحدة الْقَصَب بفتحتين أيضا ، وهو كل نبات يكون ساقه أنابيب وكعوبا ـ نقلا عن مختصر العين والمغرب. ويحتمل « عَدَدَ كُلِ قَصَبَةٍ ».

بالضاد المعجمة ، وهي الرطبة. والْقَصَبُ : العظام التي في الجوف التي فيها مخ نحو الساق والذراعين ، ومنه حَدِيثُ صِفَاتِهِ : « سَبْطُ الْقَصَبِ » (٢).

أي ممتد القَصَبِ غير متعقدة. وقَصَبُ السكر : معروف. والْقَصَبُ الفارسي منه صلب غليظ يعمل منه المزامير ويسقف فيه البيوت.

__________________

(١) قرقوب بالضم ثم السكون وقاف أخرى وواو ساكنة وآخره باء موحدة : بلدة متوسطة بين واسط والبصرة والأهواز. مراصد الاطلاع ص ١٠٨٠.

(٢) مكارم الأخلاق ص ١٠.

١٤٣

والْقَصَبُ : ثياب ناعمة واحدها قَصَبِيٌ على النسبة. والْقَصَبُ من الجوهر : هو ما استطال منه في تجويف ، ومنه الْحَدِيثُ : « بَشِّرْ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ ».

أي من الجوهر. وقَصَبَةُ الأنف : عظمه. وقَصَبَةُ البلاد : مدينتها ، ومنه « قَصَبَةُ إيلاق ». وقَصَبَةُ القرية : وسطها. وقَصَبْتُ الشاة قَصْباً ـ من باب ضرب ـ قطعتها عضوا عضوا ، والفاعل قَصَّابٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا تُسَلِّمْ ابْنَكَ قَصَّاباً فَإِنَّهُ يَذْبَحُ حَتَّى تَذْهَبَ الرَّحْمَةُ مِنْ قَلْبِهِ ».

ورجل قَصَّابَةٌ : للذي يقع في الناس. و « الْمَقْصَبَةُ » بفتح الميم والصاد : موضع يُقْصَبُ فيه. ومنبت الْقَصَبِ أيضا. والعباس بن عامر بن رياح الْقَصَبَانِيُ أحد رواة الحديث (١).

(قضب)

قوله تعالى : ( وَقَضْباً وَزَيْتُوناً ) [ ٨٠ / ٢٨ ] الْقَضْبُ نحو فلس ، سمي بذلك لأنه يقضب مرة بعد أخرى ، أي يقطع. ومنه الْحَدِيثُ : « فِي الْقَضْبِ زَكَاةٌ ».

والْقَضْبُ : كل نبت اقْتَضَبَ وأكل طريا : والْقَضْبَةُ : الرطبة. والْقَضْبُ : اسم يقع على ما قُضِبَ من أغصان يتخذ منه سهام أو قسي. وقَضَبْتُ الشيء قَضْباً ـ من باب ضرب ـ : قطعته فانقطع ، واقْتَضَبْتُ الشيء مثل اقتطعته وزنا ومعنى. ومنه قيل للغصن المقطوع « قَضِيبٌ » فعيل بمعنى مفعول ، والجمع « قُضْبَانٌ » بضم القاف والكسر لغة. ومنه : « سألته عن الْقُضْبَانِ من الفرسك ». وقَضِيبُ النبي (ص) يسمى الممشوق.

__________________

(١) هو شيخ الصدوق ثقة كثير الحديث ، واسم جده في بعض الكتب » دراج » وفي بعضها الآخر » رباح ». انظر رجال أبي علي ص ١٦٩.

١٤٤

والْقَضِيبُ : قَضِيبُ الحمار وغيره. وسيف قَاضِبٌ : أي قاطع.

وَفِي حَدِيثِ الْحُسَيْنِ (ع) : « فَجَعَلَ ابْنُ زِيَادٍ لَعَنَهُ اللهِ يَقْرِعُ فَمَهُ بِقَضِيبٍ ».

أراد به السيف اللطيف الدقيق ، وقيل أراد به العود

(قطب)

فِي الْحَدِيثِ : « فَقَطَبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه السلام ».

أي قبض ما بين عينيه كما يفعل العبوس ، يقال قَطَبَ ما بين عينيه قَطْباً من باب ضرب : جمع جلدته من شيء كرهه. وقَطَبَ الثوب : مزجه. و « قُطْبُ الرحى » وزان قفل : ما دارت عليه. والْقُطْبُ أيضا : كوكب صغير بين الجدي والفرقدين مدار الفلك عليه. وقُطْبُ الدين الراوندي اسمه سعيد بن هبة الله بن الحسين ، كان من فقهاء الإمامية اقتصر مدة عمره على الاشتغال بعلم الفقه وحده ـ قاله ابن أبي الحديد في شرح النهج (١). وقُطْبُ الدين الراوندي هو صاحب المحاكمات وشرح المطالع من تلامذة العلامة (ره) ، وقرأ عنده كتاب قواعد الأحكام ، وله عليها قيود وحواش. قال الشيخ البهائي : نقلها والدي (ره) في قواعده من قواعد شيخنا الشهيد (ره). وقَطَّبَ في وجهه تَقْطِيباً : عبس. وقَاطِبَةٌ في قولهم : « جاء القوم قَاطِبَةً » اسم دل على العموم ، ومنه « لما قبض رسول الله (ص) ارتدت العرب قَاطِبَةً » أي جميعهم ـ هكذا يقال ، وهي نكرة منصوبة غير مضافة ، ونصبها على المصدر والحال. وقَاطِبَةً

فِي قَوْلِهِ : « مَا بَالَ قُرَيْشٍ يَلْقَوْنَنَا بِوُجُوهٍ قَاطِبَةٍ ». أي مُقَطَّبَةٍ كـ ( عِيشَةٍ راضِيَةٍ ).

(قطرب)

الْقُطْرُبُ : طائر يجول الليل كله لا ينام. و « قُطْرُبٌ » لقب محمد بن المستنير

__________________

(١) توفي يوم ٤ شوال سنة ٥٧٤. الكنى والألقاب ج٣ ص ٥٨.

١٤٥

النحوي. كان من أهل العربية ، وكان حريصا على الاشتغال والتعلم ، وكان يبكر إلى سيبويه قبل حضور أحد من التلامذة فقال له يوما : ما أنت إلا قطرب ليل ، فبقي عليه (١)

(قعب)

فِي الْحَدِيثِ : « فَأُتِيَ بِقَعْبٍ ». هو بالفتح فالسكون : قدح من خشب مقعر والجمع « قِعَابٌ » و « أَقْعُبٌ » مثل سهم وسهام وأسهم.

(قلب)

قوله تعالى : ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ) [ ٥٠ /٣٧ ] أي عقل وفي الخبر كذلك ، يقال « ما قَلْبُكَ معك » أي ما عقلك. قوله : ( ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) [٣٣ / ٤ ] لأن ذلك يؤدي أن يكون الجملة الواحدة متصفة بكونها مريدة وكارهة لشيء واحد في حالة إذا أراد بأحد الْقَلْبَيْنِ كره بالآخر. قوله : ( وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ ) [ ١٨ / ١٨ ] في كل عام مرتين لئلا تأكلهم الأرض. قوله : ( أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ) [ ١٦ / ٤٦ ] أي مُتَقَلِّبِينَ في متاجرهم وأسفارهم ( عَلى تَخَوُّفٍ ) أي متخوفين. قوله : ( يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها ) [ ١٨ / ٤٢ ] أي يصفق بالواحدة على الأخرى كما يفعل المتندم الأسف على ما فاته. قوله : و ( تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ ) [ ٤٠ / ٤ ] أي تصرفهم فيها للتجارة ، أي فلا يغرنك تَقَلُّبُهُمْ وخروجهم من بلد إلى بلد فإن الله تعالى محيط بهم. قوله : ( أَيَ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) [ ٢٦ / ٢٢٧ ] أي أي منصرف ينصرفون

وَفِي قِرَاءَةِ الصَّادِقِ (ع) » ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) آلِ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ ( أَيَ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) ».

قوله : ( وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ) [ ٢٩ / ٢١ ] أي ترجعون. قوله : ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ. الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) [ ٢٦ / ٢١٩ ]. قوله :

__________________

(١) توفي سنة ست ومائتين. الكنى والألقاب ج٣ ص ٦١.

١٤٦

( حِينَ تَقُومُ ) أي للتهجد ، والمراد بالساجدين المصلون ، وتَقَلُّبُهُ فيهم تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم ، وقيل معناه وتَقَلُّبُكَ في الساجدين في الأصلاب أصلاب الموحدين حتى أخرجك. قال الشيخ أبو علي : وهو المروي عن أئمة الهدى (ع). قوله : ( وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ) [ ٩ / ٤٨ ] أي يبغون لك الغوائل. قوله : ( تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ ) [ ٢٤ /٣٧ ] أي تضطرب من الهول والفزع وتشخص ، أو تَتَقَلَّبُ أحوالها فتفقه القلوب وتبصر الأبصار بعد أن كانت لا تفقه ولا تبصر. قوله : ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ) [ ٢ / ١٤٤ ] أي تردد وجهك وتصرف نظرك تطلعا للوحي. قوله : ( وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ) [ ٤٣ / ١٤ ] أي راجعون إليه ، والِانْقِلَابُ : الانصراف.

وَفِي الْحَدِيثِ : « قَلْبُ الْإِنْسَانُ مُضْغَةٌ مِنْ جَسَدِهِ ».

وفِيهِ أَيْضاً : « الْقَلْبُ مَا فِيهِ إِيمَانٌ وَلَا كُفْرٌ شِبْهُ الْمُضْغَةِ » (١).

والمضغة : هي القطعة من اللحم. وفِيهِ : « الْقَلْبُ أَمِيرُ الْجَوَارِحِ وَلَا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ ».

وفِيهِ « إِنَ الْقُلُوبَ أَرْبَعَةٌ : قَلْبٌ فِيهِ نِفَاقٌ وَإِيمَانٌ إِذَا أَدْرَكَ الْمَوْتُ صَاحِبَهُ عَلَى نِفَاقِهِ هَلَكَ وَإِنْ أَدْرَكَهُ عَلَى إِيمَانِهِ نَجَا ، وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ وَهُوَ قَلْبُ الْمُشْرِكِ ، وَقَلْبٌ مَطْبُوعٌ هُوَ قَلْبُ الْمُنَافِقِ ، وَقَلْبٌ أَزْهَرُ أَجْرَدَ وَهُوَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ فِيهِ كَهَيْئَةِ السِّرَاجِ إِنْ أَعْطَاهُ اللهُ شَكَرَ وَإِنِ ابْتَلَاهُ صَبَرَ » (٢).

والْقَلْبُ : هو الفؤاد ، وقيل هو أخص منه ، وقيل هما سواء. والجمع « قُلُوبٌ » مثل فلس وفلوس.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٤٢٠.

(٢) هذا الحديث مع شرحه مذكور في رواية في الكافي ج ٢ ص ٤٢٢ بغير هذا الترتيب.

١٤٧

وعن بعض أهل التحقيق : أن الْقَلْبَ يطلق على معنيين : أحدهما اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر ، وهو لحم مخصوص وفي باطنه تجويف وفي ذلك التجويف دم أسود ، وهو منبع الروح ومعدنه ، وهذا المعنى من الْقَلْبِ موجود للبهائم بل للميت. المعنى الثاني لطيفة ربانية روحانية لها بهذا الْقَلْبِ تعلق ، وتلك اللطيفة هي المعبر عنها بِالْقَلْبِ تارة وبالنفس أخرى وبالروح أخرى وبالإنسان أيضا ، وهو المدرك العالم العارف ، وهو المخاطب والمطالب والمعاقب ، وله علاقة مع الْقَلْبِ الجسداني ، وقد تحير أكثر الخلق في إدراك وجه علاقته ، وإن تعلقه يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام أو الأوصاف بالموصوفات ، أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة ، أو تعلق المتمكن بالمكان ، وشبه ذلك ـ انتهى. وهذا هو المراد من

قَوْلِهِ (ع) : « لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ عَلَى اللهِ إِلَّا أَقْبَلَ اللهُ بِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ ».

وَفِي حَدِيثِ الْفُرُوضِ عَلَى الْجَوَارِحِ : « وَأَمَّا مَا فَرَضَ اللهُ عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الْإِيمَانِ فَالْإِقْرَارُ وَالْمَعْرِفَةُ وَالْعَقْدُ وَالرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ ».

وفسر الإقرار : الإقرار بما جاء من عند الله تعالى من نبي أو كتاب ، والمعرفة بالتصور المطلق ، والعقد بالإذعان القلبي وهو التصديق ، وقد جاء في تفسيره به

فِي الْحَدِيثِ : « وَالرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ بِأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ».

وَفِي الْخَبَرِ : « قَلْبُ الْمُؤْمِنِ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ ».

هو تمثيل عن سرعة تَقَلُّبِهِ ، أو أنه معقود بمشية الله وتخصيص الأصابع كناية عن إجراء القدرة والبطش لأنه باليد والأصابع إجراؤها. وقَلْبُ كل شيء : خالصه ولبه. وقَلْبُ العقرب : من منازل القمر ، وهو كوكب نير بجانبه كوكبان. و « الْقُلْبُ » بضم فسكون : سوار المرأة ، ومنه « تنزع المرأة حجلها وقُلْبَها ». ومُقَلِّبُ الْقُلُوبِ : أي مغيرها ومبدل

١٤٨

الخواطر وناقض العزائم ، فإنها تحت قدرته يُقَلِّبُها كيف شاء. وقَلَبْتُ الشيء قَلْباً من باب ضرب : حولته عن وجهه. وكلام مَقْلُوبٌ : مصروف عن وجهه. والْمَقْلُوبُ من الحديث سهوا ما يرويه محمد بن أحمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن عيسى ، فإنه مَقْلُوبٌ عن أحمد بن محمد بن عيسى ، إذ ليس في الرجال المعتمد على روايتهم محمد بن أحمد بن عيسى ، ومثله رواية محمد بن أحمد بن يحيى عن أبيه أحمد بن محمد بن يحيى عن محمد بن يحيى. وقَلَبْتُ الرداء : حولته وجعلت أعلاه أسفله. وقَلَبْتُ الأمر ظهرا لبطن : اختبرته. وقَلَّبْتُ بالتشديد في الكل مبالغة وتكثير ، ومنه قوله تعالى : ( وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ). و « الْقَالَبُ » بفتح اللام : قَالَبُ الخف وغيره ، ومنهم من يكسرها. ومنه فِي صِفَاتِ رُوحِ الْمُؤْمِنِ بَعْدَ الْمَوْتِ : « فِي قَالَبٍ كَقَالَبِهِ فِي الدُّنْيَا ».

والْقَلِيبُ : بئر تحفر فَيَنْقَلِبُ ترابها قبل أن تطوى ـ كذا في المغرب. وعن الأزهري : الْقَلِيبُ عند العرب البئر العادية القديمة مطوية كان أو غير مطوية ، والجمع « قُلُبٌ » مثل بريد وبرد ، ومنه حَدِيثُ قَتْلَى بَدْرٍ : « ثُمَّ جَمَعَهُمْ فِي قَلِيبٍ ».

و « أبو قِلَابَةٍ » بكسر القاف من التابعين ، واسمه عبد الله.

وَفِي حَدِيثِ السَّفَرِ : « وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ ».

والْمُنْقَلَبُ مصدر بمعنى الِانْقِلَابِ ، أي الِانْقِلَابُ من السفر ، والمعنى فيه هو أن يرجع من سفره بأمر يحزنه : إما بآفة أصابته في سفره ، أو يعود غير مقضي الحاجة ، أو أصاب ماله آفة ، أو يقدم على أهله فيجدهم مرضى ، أو قد فقد بعضهم. و « أَعُوذُ بِكَ مِنْ خَيْبَةِ الْمُنْقَلَبِ ».

أي الرجوع إلى الله تعالى يوم القيامة بالخيبة. الخيبة : الخسران. وقَوْلُهُ : « فِي مُنْقَلَبِي وَمَثْوَايَ ».

أي رجوعي وإقامتي أو حركتي وسكوني.

١٤٩

(قنب)

فِي الْحَدِيثِ مِنْ رَجَزِ [ أَبِي ] طَالِبٍ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ :

يَا رَبِّ إِمَّا تُعْزِزَنَّ بِطَالِبِ

فِي مِقْنَبٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَانِبِ.

 « الْمِقْنَبُ » بالكسر : جماعة الخيل والفرسان ، وقيل هو دون المائة. و « الْقُنَّبُ » بفتح النون المشددة : نبات يؤخذ لحاؤه ثم يفتل حبالا.

(قوب)

قوله تعالى : ( فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) [ ٥٣ / ٩ ] أي مقدار قوسين والْقَابُ والقيد والقيس : المقدار ، والمعنى فكان مقدار مسافة قريبة مثل قَابِ قوسين ، فحذفت هذه المضافات كما قال الشاعر :

« وقد جعلتني من خزيمة إصبعا »

أي على مقدار مسافة إصبع. والْقَابُ : ما بين المقبض والسية ، ولكل قوس قَابَانِ. وقوله ( قابَ قَوْسَيْنِ ) أراد قَابَيْ قوس.

وَفِي الْحَدِيثِ : مَا قَابَ قَوْسَيْنِ؟ قَالَ : مَا بَيْنَ سِيَتِهَا إِلَى رَأْسِهَا.

و « الْقُوبَاءُ « بالمد : داء معروف يتقشر ويتسع ، وهي مؤنثة لا تنصرف ، وجمعها « قُوَبٌ »

باب ما أوله الكاف

(كاب)

فِي الدُّعَاءِ « أَعُوذُ بِكَ مِنْ كَآبَةِ الْمَنْظَرِ ».

الْكَآبَةُ والْكَآبُ : الغم وسوء الحال والانكسار من الحزن ، و « الِاكْتِآبُ » مثله ، و « كَأِبَ » بابه تعب ، والمعنى وأعوذ بك من كل منظر يَعْقُبُه الْكَآبَةُ عند النظر إليه.

(كبب)

قوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [ ٦٧ / ٢٢ ] أي ملقى على وجهه ، يقال ذلك لكل سائر أي

١٥٠

ماش كان على أربع قوائم أو لم يكن. قوله : ( فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ) [ ٢٧ / ٩٠ ] يقال كَبَبْتُ فلانا كَبّاً ألقيته على وجهه فَأَكَبَ هو بالألف ، وهي من النوادر التي يعدى ثلاثيها دون رباعيها. قوله : ( فَكُبْكِبُوا فِيها ) [ ٢٦ / ٩٤ ] على صيغة المجهول ، أي كُبِتُوا ، أي ألقوا على رءوسهم واطرحوا في جهنم ، من قولهم » كَبَبْتُ الإناء » من باب قتل : إذا قلبته على رأسه. ومنه الْحَدِيثُ : « وَهَلْ يَكُبُ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا مَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ وَحَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ مَا قِيلَ فِي النَّاسِ وَقُطِعَ بِهِ عَلَيْهِمْ ».

وأصل الحصد قطع الزرع ، فاستعمله هاهنا على وجه الاستعارة ، وهي من نتائج بلاغته التي لم يشاركه فيها أحد ، وذلك أنه شبه إطلاق المتكلم لسانه بما يقتضيه الطبع من اللسان من غير أن يميز بين سقاط العقول وبحثه وتناول الناس بلسانه بفعل الحاصد الذي لا يميز في الحصاد بين شوك وزرع بل يتناول الكل بمنجله. وأَكَبَ عليه : أقبل ولزم كَانْكَبَ.

وَ « عَلَيْكَ بِالْإِكْبَابِ عَلَى صَلَاتِكَ ».

أي لزومها والإقبال عليها. وفِي بَعْضِ النُّسَخِ « بِالْإِقْبَالِ ».

وَفِي الْحَدِيثِ : « يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ الْكُبَّةِ فَتَدْفَعُ فِي ظَهْرِ الْمُؤْمِنِ فَتُدْخِلُ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ هَذَا الْبِرُّ بِالْوَالِدَيْنِ ».

« الْكُبَّةُ » بالفتح ، الدفعة ، والْكُبَّةُ أيضا : الجماعة من الناس. و « الْكُبَّةُ « بضم الكاف من الغزل ، والجمع كُبَبٌ مثل غرفة وغرف. و « كَبَبْتُ الغزل « من باب قتل جعلته كُبَّةً. والْكُبَّةُ أيضا : جماعة من الخيل ، وكذا الْكَبْكَبَةُ بالضم والفتح ، ومنه حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ « حَتَّى مَرَّ مُوسَى (ع) بِكَبْكَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ».

أي جماعة متضامة من الناس وغيرهم. والْكَبَابُ : معروف ، ومنه حَدِيثُ الْمُحْرِمِينَ : « أوقدنا نَاراً وَطَرَحْنَا عَلَيْهِ لَحْماً نُكَبِّبُهُ ».

١٥١

وتَكَابُّوا على الميضاة : أي ازدحموا عليها.

(كتب)

قوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) [ ٢ / ١٨٣ ] أي فرض عليكم. ومنه « الصلاة الْمَكْتُوبَةُ ». و ( الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) الأنبياء ، وهم من لدن آدم (ع) إلى عهدنا.

وَعَنِ الصَّادِقِ (ع) إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ كَانَ وَاجِباً عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ دُونَ أُمَّتِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (ص).

قيل وفائدة إعلامنا بتكليف من كان قبلنا بالصوم تأكيد الحكم فإنه إذا كان مستمرا في جميع الملل تأكد الانبعاث إلى يوم القيام به. قوله : ( كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) [ ٥٨ / ٢٢ ] أي جمعه ، ويقال للخرز « الْكُتُبُ » لأنه يجمع بعضها على بعض. قوله : ( كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) [ ٥٨ / ٢١ ] أي قضى الله. قوله : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) [ ٢ / ٢١٦ ] ( كُتِبَ ) بمعنى وجب. وفرض. و ( كُرْهٌ ) بضم الكاف وفتحها : مصدر بمعنى المكروه ، كاللفظ بمعنى الملفوظ ، لأنه كالخبز بمعنى المخبوز ، لأن الخبز بضم الخاء اسم لا مصدر ، وإنما المصدر بفتح الخاء. قوله : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ ) [ ٩ /٣٦ ] أي في اللوح المحفوظ أو القرآن. قوله : ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) [ ٦ / ٥٤ ] أي أوجبها على ذاته في هدايتكم ، أي معرفته ونصب الأدلة لكم على توحيده بما أنتم تعرفون به من خلق السماوات والأرض ، وقيل أوجب الرحمة على نفسه في إمهال عباده ليتداركوا ما فرط منهم ، وقيل كُتِبَ الرحمة لأمة محمد (ص) بأن لا يعذبهم بعذاب الاستيصال في الدنيا بل يؤخرهم إلى القيامة ـ كذا ذكره الشيخ أبو علي. قوله : ( اكْتَتَبَها ) لنفسه [ ٥ / ٢٥ ] قيل طلب كِتَابَتِهَا لنفسه. قوله : ( لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ ) [ ٨ / ٦٨ ] أي حكم من الله سبق

١٥٢

إثباته في اللوح المحفوظ ، وهو أن لا يعاقب المخطىء وأن لا يعذب أهل بدر أو قوما بما لم يصرح لهم بالنهي عنه. قوله : ( وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ ) [ ٢ / ٢٣٥ ] أي تعتد ويبلغ الذي في الْكِتَابِ أجل أربعة أشهر وعشرا. قوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) [ ٤ / ١٠٣ ] الْكِتَابُ مصدر كالقتال والضراب ، والمصدر قد يراد به المفعول أي الْمَكْتُوبُ ، وهو يرادف الفرض ، ومنه ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) [ ٢ / ١٨٠ ] أي فرض ، والموقوت المحدود بأوقات لا تزيد ولا تنقص ولا يجوز التقديم عليها ولا التأخير. قوله : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ) [ ٨٤ / ٧ ـ ٨ ]. ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَيَصْلى سَعِيراً ) [ ٨٤ / ١٠ ـ ١١ ] قيل عند تطاير الكُتُبِ المطيع يأتيه كِتَابُهُ من قدامه ويتناوله بيمينه ، والعاصي يأتيه كِتَابُهُ من وراء ظهره ويتناوله بيساره ، وهذا الْكِتَابُ فيه عمله. قوله : ( وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ) [ ٢ / ١٥١ ] القرآن والحكمة هي الشريعة وبيان الأحكام. قوله : ( وَالْكِتابِ الْمُبِينِ ) [ ٤٤ / ٢ ] أراد بالكتاب القرآن ، وهو المبين الذي أنزل عليهم بلغتهم ، وقيل الذي أبان طريق الهدى وما يحتاج إليه الأمة من الحلال والحرام وشرائع الإسلام قوله : ( وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ ) [ ٥٢ / ٢ ـ٣ ] قيل هو التوراة ، وقيل هو صحائف الأعمال ، وقيل القرآن مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ. قوله : ( وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ ) [ ١٥ / ٤ ] أي أجل لا يتقدمه ولا يتأخر عنه. قوله : ( نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ ) [ ٧ /٣٧ ] أي ما كُتِبَ لهم من العذاب. قوله : ( لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ ) [٣٠ / ٥٦ ] أي أنزل الله في كِتَابِهِ أنكم لابثون إلى يوم البعث.

١٥٣

قوله تعالى : و ( لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ )

عَنِ الصَّادِقِ (ع) : « الْكِتَابُ الِاسْمُ الْأَكْبَرُ الَّذِي يُعْلَمُ بِهِ عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ الَّذِي كَانَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ ».

قوله : ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) [ ٩٨ / ١ ] ( أَهْلِ الْكِتابِ ) هم اليهود والنصارى ، ( وَالْمُشْرِكِينَ ) الذين هم عبدة الأصنام من العرب وغيرهم ، وهم الذين ليس لهم كتاب. ( مُنْفَكِّينَ ) أي منفصلين وزائلين ، وقيل لم يكونوا منتهين عن كفرهم بالله وعبادتهم غير الله ( حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ). قوله : ( الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ) [ ٢ / ٢ ] قال المفسر : فإن قلت أخبرني عن تأليف ( ذلِكَ الْكِتابِ ) مع ( الم ). قلت : إن جعلت ( الم ) اسما للسورة ففي التأليف وجوه : أن يكون ( الم ) مبتدأ و ( ذلِكَ ) مبتدأ ثانيا و ( الْكِتابُ ) خبره والجملة خبر المبتدإ الأول ، ومعناه إن ذلك الْكِتَابَ هو الْكِتَابُ الكامل كان ما عداه من الْكُتُبِ في مقابلته ناقص ، كما يقول « هو الرجل » أي الكامل في الرجولية ، وأن يكون ( الْكِتابُ ) صفته ، معناه هو ذلك الْكِتَابُ الموعود ، وأن يكون ( الم ) خبر مبتدإ محذوف ، أي هذه ( الم ) و ( ذلِكَ ) خبرا ثانيا أو بدلا على أن يكون ( الْكِتابُ ) صفة وأن يكون هذه ( الم ) جملة و ( ذلِكَ الْكِتابُ ) جملة أخرى ، وإن جعلت ( الم ) بمنزلة الصوت كان ( ذلِكَ ) مبتدأ خبره ( الْكِتابُ ) ، أي ذلك الْكِتَابُ المنزل هو الْكِتَابُ الكامل ، أو ( الْكِتابُ ) صفته والخبر ما بعده ، أو قدر مبتدأ محذوف ، أي هو ـ يعني المؤلف من هذه الحروف ـ ( ذلِكَ الْكِتابُ ). قوله : ( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ ) [ ٢٤ /٣٣ ] أي الْمُكَاتَبَةُ ، وهو أن يُكَاتِبَ الرجل عبده على مال يؤديه منجما عليه فإذا أداه فهو حر. قوله : ( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) [ ٢٤ /٣٣ ] المكاتب ـ بالفتح ـ اسم مفعول ، وهو العبد المعتق يُكَاتِبُ على نفسه بثمنه فإذا سعى وأداه عتق. والْمُكَاتِبُ ـ بالكسر ـ اسم فاعل لأنه كَاتَبَ فالفعل

١٥٤

منه ، والأصل في باب المفاعلة أن تكون من اثنين فصاعدا يفعل أحدهما بصاحبه ما يفعل هو به ، فكل واحد فاعل ومفعول من حيث المعنى. والْمُكَاتَبَةُ المستحبة مع العلم بخيرية المملوك مشتركة بين العمل الصالح وبين المال ، فمن حمل المشترك على معنييه حمله عليهما ومن لا فلا.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى ( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) قَالَ : إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالاً.

وَفِي آخَرَ عَنْهُ قَالَ : إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ دِيناً وَمَالاً.

قيل والمراد بالعلم هنا الظن المتآخم للعلم.

وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِ : « كَاتِبْ مَوْلَاكَ ».

أي اشتر نفسك منه بتخمين أو أكثر. ومِنْ قِصَّتِهِ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ هَرَبَ مِنْ أَبِيهِ طَلَباً لِلْحَقِّ وَكَانَ مَجُوسِيّاً فَلَحِقَ بِرَاهِبٍ فَخَدَمَهُ وَعَبَدَ رَبَّهُ مَعَهُ حَتَّى مَاتَ ، وَدَلَّهُ عَلَى آخَرَ لَزِمَهُ حَتَّى مَاتَ ، وَدَلَّهُ عَلَى آخَرَ وَهَلُمَّ جَرّاً إِلَى أَنْ دَلَّهُ آخَرُ عَلَى الْحِجَازِ وَأَخْبَرَهُ بِأَوَانِ ظُهُورِ النَّبِيِّ (ص) فَقَصَدَهُ مَعَ بَعْضِ الْأَعْرَابِ فَغَدَروُا بِهِ فَبَاعُوهُ مِنْ يَهُودِيٍّ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْضَةَ فَقَدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ فَأَسْلَمَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (ص) « كَاتِبْ مَوْلَاكَ ». عَاشَ مِائَةَ وَخَمْسِينَ سَنَةً ، وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ.

وَفِي الْحَدِيثِ : « كُتِبَ فِي الذِّكْرِ كُلُّ شَيْءٍ ».

أي قدر كل الكائنات وأثبتها في الذكر ، أي اللوح المحفوظ. وكَتَبْتُ كَتْباً من باب قتل ، وكِتْبَةً بالكسر وكِتَاباٍ ، والاسم الْكِتَابَةُ بالكسر لأنها صِنَاعَةٌ كالتجارة والعطارة.

وَفِي حَدِيثٍ الْكِتَابَةُ » هِيَ مِمَّا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ تُفِيدُ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ لِلْبَاقِينَ وَأَخْبَارَ الْبَاقِينَ لِلْآتِينَ ، وَبِهَا تُخَلَّدُ الْكُتُبُ للعلوم وَالْآدَابِ وَغَيْرِهَا ، وَبِهَا يَحْفَظُ الْإِنْسَانُ ذِكْرَ مَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ وَالْحِسَابِ ، وَلَوْلَاهَا لَانْقَطَعَ أَخْبَارُ بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ عَنْ بَعْضٍ وَأَخْبَارُ الْغَائِبِينَ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَدَرَسَتِ الْعُلُومُ وَضَاعَتِ الْآدَابُ ، وَعَظُمَ مَا يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْخَلَلِ فِي أُمُورِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَى النَّظَرِ فِيهِ مِنْ أُمُورِ

١٥٥

دِينِهِمْ ، وَمَا رُوِيَ لَهُمْ مَا لَا يَسَعُهُمْ ».

وكَتَبَ القاضي بالنفقة : قضى. و « الْمَكْتَبُ » بفتح الميم والتاء : موضع تعليم الكتابة ، والجمع « الْمَكَاتِيبُ ». و « كَتَّبْتُهُ » بالتشديد : علمته الْكِتَابَةَ ومنه « إن لنا جارا يُكَتِّبُ » أي يعلم الْكِتَابَةَ.

قِيلَ وَأَوَّلُ مَنْ كَتَبَ بِالْقَلَمِ آدَمُ (ع) ، وَقِيلَ إِدْرِيسُ.

والْكَتِيبَةُ على فعيلة ـ الطائفة من الجيش ، والجمع « كَتَائِبُ ». والْكَاتِبَانُ : الملكان الْكَاتِبَانِ للحسنات والسيئات.

(كثب)

قوله تعالى : ( كَثِيباً مَهِيلاً ) [ ٧٣ / ١٤ ] الْكَثِيبُ : الرمل المستطيل المحدودب ، والجمع « كُثُبٌ » بضمتين و « كُثْبَانٌ ». والمهيل : السائل ، ويقال لكل ما أرسلت من يدك من رمل أو تراب أو نحو ذلك قد هِلْتُهُ ، يعني أن الجبال قد فتت من زلزلتها حتى صارت كالرمل المذرى.

وَفِي الْحَدِيثِ : « ثَلَاثَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ : أَحَدُهُمْ مُؤَذِّنٌ أَذَّنَ احْتِسَاباً » (١).

و « الْكَوَاثِبُ » جمع كَاثِبَةٍ ، وهي من الفرس مجمع كتفيها ، ومنه « يضعون رماحهم على كَوَاثِبِ خيولهم »

(كذب)

قوله تعالى : ( وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً ) [ ٧٨ / ٢٨ ] أي تَكْذِيباً. قوله : ( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً ) [ ٧٨ /٣٥ ] أي تَكْذِيباً ، وهو أحد المصادر المشددة. قال الشيخ أبو علي : أي كَذَّبُوا بما جاء به الأنبياء ، وقيل بالقرآن ، وقيل بحجج الله كِذَّاباً أي تَكْذِيباً قوله : ( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً ) قال الشيخ أبو علي : قرأ الكسائي « وَلا كِذَاباً » بالتخفيف والباقون بالتشديد. قوله : ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) [ ١٢ / ١١٠ ] بالتشديد ، أي فلما استيأس الرسل من

__________________

(١) الكافي ج٣ ص٣٠٧.

١٥٦

قومهم أن يصدقوهم وتيقنوا أنهم ، وبالتخفيف أي فلما استيأس الرسل إيمان القوم وظن القوم أن الرسل كَذَبُوهُمْ فيما وعدوهم ( جاءَهُمْ نَصْرُنا ). قوله : ( وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ) [ ١٢ / ١٨ ] أي مَكْذُوبٌ فيه ، فسمي الدم بالمصدر. قوله : ( لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ) [ ٥٦ / ٢ ] هو اسم يوضع موضع المصدر كالعافية والعاقبة والباقية. قوله : ( ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ ) [ ٩٦ / ١٦ ] أي صاحبها كَاذِبٌ خاطىء ، كما يقال نهاره صائم وليله قائم ، أي هو صائم في يومه قائم في ليله. قوله : ( سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ ) [ ٢٧ / ٢٧ ] الْكَاذِبُ خلاف الصادق ، ومنه الآية. قوله : ( وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ) [ ٦٣ / ١ ] والمعنى ـ على ما قيل لَكَاذِبُونَ في الشهادة وادعائهم مواطأة قلوبهم ألسنتهم ، فَالتَّكْذِيبُ راجع إلى قولهم ( نَشْهَدُ ) باعتبار تضمنه خبرا كَاذِباً وهو أن شهادتهم صادرة عن صميم القلب وخلوص الاعتقاد بشهادة تأكيدهم الجملة الاسمية ، وقيل غير ذلك. قوله : ( وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ) [ ٩٢ / ٩ ] يأتي تفسيره في « عسر » إن شاء الله تعالى. قوله : ( يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ ) [ ٦ / ٢٧ ] يجيء في « ردد » إن شاء الله.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ (ص) « كَثُرَتْ عَلَيَ الْكَذَّابَةُ » (١).

بالتشديد مبالغة ، والجار إما متعلق به أو بكثرت على تضمين اجتمعت ونحوه. وكَذَبَ كِذْباً وكَذِباً ، فهو كَاذِبٌ وكَذَابٌ وكِذَّابٌ بالتشديد وكَذُوبٌ وكُذَبَةٌ كهمزة. والْكِذْبُ : هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو فيه سواء العمد والخطإ ، إذ لا واسطة بين الصدق والْكِذْبُ على المشهور ، والْكِذْبُ هو الانصراف عن الحق وكذلك الإفك. والكلام ثلاثة : صدق

__________________

(١) سفينة البحار ج ٢ ص ٤٧٤.

١٥٧

وكِذْبٌ ، وإصلاح. فالإصلاح لا يوصف بِالْكَذِبِ البحت وليس مبغوضا صاحبه ، ولذا

قَالَ الصَّادِقُ (ع) فِي قَوْلِ يُوسُفَ : ( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ) وَاللهِ مَا سَرَقُوا وَمَا كَذَبَ يُوسُفُ (ع) ، وَقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ : ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ) وَاللهِ مَا فَعَلُوا وَمَا كَذَبَ (١) ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا أَرَادَا الْإِصْلَاحَ وَاللهُ أَحَبَ الْكَذِبَ فِي الْإِصْلَاحِ وَأَبْغَضَهُ فِي غَيْرِهِ.

فَقَوْلُهُ « وَمَا كَذَبَ يُوسُفُ ».

أراد الْكَذِبَ البحت الذي يلعن الله صاحبه ويبغضه عليه.

وَفِي الْحَدِيثِ : « ثَلَاثٌ يَحْسُنُ فِيهِنَ الْكَذِبُ : الْمَكِيدَةُ فِي الْحَرْبِ ، وَعِدَتُكَ زَوْجَكَ ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ ».

و « الْكُذَّبُ » كركع جمع كَاذِبٍ وراكع ، وكَاذِبٌ جمع كَذُوبٍ مثل صبور وصبر ، ومنه قراءة بعضهم : وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبُ فجعله نعتا للألسنة. والْكَوَاذِبُ : النفوس الأمارة الخادعة للإنسان بالآمال الْكَاذِبَةِ. والْأُكْذُوبَةُ : الْكَذِبُ. وكَذَّبْتُ الرجل : قلت له كَذَبْتَ. و « كَذَبَ » قد يكون بمعنى وجب ، ومنه الْحَدِيثُ : « ثَلَاثَةُ أَسْفَارٍ كَذَبَتْ عَلَيْكُمْ ».

ومِنْهُ « كَذَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ ».

وَفِي حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ « إِنَّهُ كَذَبَ ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ».

بفتح الذال جمع كَذْبَةٍ بسكونها ،

وَهِيَ قَوْلُهُ : ( إِنِّي سَقِيمٌ ) وَ ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ) و « سَارَةُ أُخْتِي ».

وإنما عدل عن هي زوجتي قيل لأن ذلك الجبار كان مجوسيا وعندهم أن الأخت إذا كانت زوجة كان أخوها أحق بها من غيره ، فأراد إبراهيم أن يعتصم بدينه فإذا هو لا يراعي دينه. ومِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ ص :

أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبٌ

أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

أي أنا النبي حقا لا كَذِبَ فيه ، وذكره جده عبد المطلب دون أبيه تنبيها

__________________

(١) هذا القول المنقول عن الإمام الصادق (ع) مذكور في حديثين في الكافي ج ٢ ص٣٤١ و٣٤٣.

١٥٨

على اشتهار سؤدده وشجاعته.

(كرب)

قوله تعالى : ( وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ) [٣٧ / ٧٦ ] الضمير لنوح ، والكرب العظيم الطوفان. قوله : ( وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ) [٣٧ / ١١٥ ] قال المفسر : أي من تقسير تسخير قوم فرعون إياهم واستعمالهم في الأيام الشاقة ، وقيل من الغرق.

وَفِي حَدِيثٍ الْجَنَّةِ « كَرَبُهَا ذَهَبَ الْكَرَبَ ».

بالتحريك أصل السعف ، وقيل ما يبقى في أصوله في النخلة بعد القطع كالمراقى ، الواحدة « كربة « مثل قصبة ، سمي بذلك لأنه يبس وكَرَبَ أن يقطع ، أي حان له ذلك. ومنه الْحَدِيثُ : « أَعْطَى رَسُولُ اللهِ (ص) فَاطِمَةَ (ع) كَرَبَةً وَقَالَ : تَعَلَّمِي مَا فِيهَا وَكَانَ فِيهَا كِتَابَةٌ ».

و « كَرَبَ أن يفعل كذا » أي كاد يفعل. وكَرَبْتُ الأرض ـ كحفرتها ـ وكَرَبْتُهَا : إذا قلبتها للحرث. و « الْكُرْبَةُ » بالضم : الغم الذي يأخذ بالنفس ، وكذلك الْكَرْبُ كالضرب والجمع الْكُرَبُ كغرفة وغرف ، ومنه الدُّعَاءُ » يَا مُفَرِّجُ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ ».

و « الْكَرُوبِيِّينَ » من الملائكة قاله

فِي الْحَدِيثِ « وَجَبْرَئِيلُ هُوَ رَأْسُ الْكَرُوبِيِّينَ ».

بتخفيف الراء ، وهم سادة الملائكة والمقربون منهم.

(كسب)

قوله تعالى : ( لَها ما كَسَبَتْ ) [ ٢ / ٢٨٦ ] أي من الخير ( وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) أي من الشر ، وتخصيص الْكَسْبُ بالخير والِاكْتِسَابُ بالشر لأن الِاكْتِسَابَ فيه اعتمال والشر تشتهيه النفس فكانت أجد في تحصيله وأعمل بخلاف الخير. قوله : ( وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) [ ٢ / ٢٢٥ ] أي اقترفته من إثم القصد إلى الكذب في اليمين ، وهو أن يحلف على ما يعلم أنه خلاف ما يقوله ، وهو اليمين الغموس. وفِي الْحَدِيثِ : « فِي الْعِلْمِ يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ الطَّاعَةَ ». هو بضم حرف المضارعة

١٥٩

من أَكْسَبَ ، والمراد بِكَسْبِ الإنسان طاعة الله أو بِكَسْبِهِ طاعة العباد له.

وَفِي الْخَبَرِ : « نَهَى عَنْ كَسْبِ الْإِمَاءِ ».

قيل لأن المعصوم منهن قليل فنهى عنه مطلقا. وكَسَبْتُ مالا ـ من باب ضرب ـ ربحته. والْكَسْبُ : طلب الرزق. وكَسَبَ الإثم واكْتَسَبَهُ : عمله. و « الْكُسْبُ » بالضم فالسكون : فضلة دهن السمسم ، ومنه الْحَدِيثُ : « ثَلَاثَ يُؤْكَلْنَ فَيَهْزِلْنَ : الطَّلْعُ ، وَالْكُسْبُ ، وَالْجَزَرُ ».

(كعب)

قوله تعالى : ( وَكَواعِبَ أَتْراباً ) [ ٧٨ /٣٣ ] الْكَوَاعِبُ جمع كَاعِبٍ ، وهي المرأة التي يبدو ثديها للنهود. و ( أَتْراباً ) : أقرانا. قوله تعالى : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) [ ٥ / ٦ ] قال الفخري في تفسير هذه الآية : جمهور الفقهاء على أن الْكَعْبَيْنِ هما العظمان الناتيان في جانبي الساق ، وقالت الإمامية وكل من ذهب إلى وجوب المسح : أن الْكَعْبَ عبارة عن عظم مستدير مثل كَعْبِ الغنم والبقر موضوع تحت عظم الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم ، ومثله نقل عن النيشابوري. وقال في مجمع البحار : وقيل هما العظمان في ظهر القدم وهو مذهب الشيعة. ونقل بعض الأفاضل عن بعض العارفين عن علماء التشريح أن القدم مؤلف من ستة وعشرين عظما أعلاها الكعب ، وهو عظم مائل إلى الاستدارة واقع في ملتقى الساق والقدم ، له زائدتان في أعلاه إنسية ووحشية كل منهما في حفرة من حفرتي قصبة الساق.

وَفِي صَحِيحِ الْأَخَوَيْنِ زُرَارَةَ وَبُكَيْرٍ ابْنَيْ أَعْيَنَ عَنِ الْبَاقِرِ (ع) قَالا : قُلْنَا لَهُ أَصْلَحَكَ اللهُ أَيْنَ الْكَعْبَانِ؟ فَقَالَ : هَاهُنَا ـ يَعْنِي الْمَفْصِلَ دُونَ عَظْمِ السَّاقِ (١).

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ « وَصَفَ الْكَعْبَ فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ » (٢).

وفِي آخَرَ أَنَّهُمَا تُقْطَعُ الرِّجْلُ مِنَ الْكَعْبِ وَيُتْرَكُ مِنْ قَدَمِهِ مَا يَقُومُ

__________________

(١) الكافي ج٣ ص ٢٦.

(٢) الكافي ج٣ ص ٢٧.

١٦٠