مجمع البحرين - ج ٢

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٢

قبل اختراع الأجساد ، واخترع الأجساد واخترع لها الْأَرْوَاحَ بالخلق لِلْأَرْوَاحِ ، ولو لا ذلك لكانت الْأَرْوَاحُ تقوم بأنفسها ولكنا نعرف ما سلف لنا من الأحوال قبل خلق الأجساد كما نعلم أحوالنا بعد خلق الأجساد ، وهذا محال لا خفاء بفساده ـ انتهى كلامه. وللنظر فيه مجال.

وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ عليه السلام وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الرُّوحِ إِذَا نَامَ الْإِنْسَانُ أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فَقَالَ عليه السلام : إِنَ رُوحَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالرِّيحِ وَالرِّيحُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْهَوَاءِ إِلَى وَقْتِ مَا يَتَحَرَّكُ صَاحِبُهَا لِلْيَقَظَةِ ، فَإِنْ أَذِنَ اللهُ بِرَدِّ تِلْكَ الرُّوحِ عَلَى صَاحِبِهَا جَذَبَتِ الرُّوحُ الرِّيحَ وَجَذَبَتِ الرِّيحُ الْهَوَاءَ فَرَجَعَتِ الرُّوحُ وَاسْتَكَنَّتْ فِي بَدَنِ صَاحِبِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنِ اللهُ بِرَدِّ تِلْكَ الرُّوحِ عَلَى صَاحِبِهَا جَذَبَ الْهَوَاءُ الرِّيحَ فَجَذَبَ الرِّيحُ الرُّوحَ فَلَمْ تُرَدَّ عَلَى صَاحِبِهَا حَتَّى يُبْعَثَ.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا بُدَّ لِهَذَا الْبَدَنِ أَنْ تُرِيحَهُ ـ يَعْنِي فِي النَّوْمِ ـ حَتَّى تَخْرُجَ نَفَسُهُ ، فَإِذَا خَرَجَ النَّفَسُ اسْتَرَاحَ الْبَدَنُ وَرَجَعَتِ الرُّوحُ فِيهِ وَفِيهِ قُوَّةٌ عَلَى الْعَمَلِ ».

قال بعض العارفين : الفرق بين الموت والنوم أن في الموت ينقطع تعلق النفس الناطقة وفي النوم يبطل تصرفها ، فالمراد من خروج نفس الناطقة تصرفها في البدن ، والمراد من الرُّوحِ هذا الجسم البخاري اللطيف الذي يكون من لطافة الأغذية وبخاريتها ، وله مدخل عظيم في نظام البدن ـ انتهى. وقد مر في « وفا » الفرق أيضا بين نفسي الموت والنوم. والرِّيحُ : الرَّائِحَةُ في قَوْلِ الصَّادِقِ عليه السلام فِي غَدِيرٍ فِيهِ جِيفَةٌ « إِنْ كَانَ الْمَاءُ قَاهِراً لَهَا لَا يُوجَدُ الرِّيحُ مِنْهُ فَكَذَا ».

قال في المُغْرِبِ : الرِّيحُ والرَّائِحَةُ بمعنًى ، وهو عرض يدرك بحاسة الشم ـ انتهى. ومِنْهُ « خَيْرُ نِسَائِكُمُ الطَّيِّبَةُ الرِّيحِ ».

وَقَوْلُهُ عليه السلام فِي حَدِيثِ الصَّائِمِ « حَتَّى إِذَا أَفْطَرَ قَالَ اللهُ تَعَالَى طَيَّبَ اللهُ رِيحَكَ وَرُوحَكَ ».

وأَرْوَحَ الماءُ وأَرَاحَ : إذا تغير رِيحُهُ وأنتن. والْمُرَاوَحَةُ في العملين : أن تعمل

٣٦١

هذا مرة وهذا مرة. ورَاحَ بين رجليه : إذا قام على إحداهما مرة وعلى الأخرى مرة. والتَّرَاوُحُ : تفاعل من الرَّاحَةِ لأن كلا من الْمُتَرَاوِحَيْنِ يُرِيحُ صاحبه. وصلاة التَّرَاوِيحِ المخترعة من هذا الباب ، لأن المصلي يَسْتَرِيحُ بعد كل أربع. والرَّاحَةُ : زوال التعب والمشقة. والرَّاحَةُ : بطن الكف ، ومنه « اتكأ على رَاحَتَيْهِ » أي اعتمد عليهما والجمع رَاحٍ ورَاحَاتٍ. والرِّيحُ : أحد نواقض الطهارة. والرِّيحُ : داء يعتري الإنسان ، ومنه قَوْلُهُ عليه السلام « الْخِضَابِ يَطْرُدُ الرِّيحَ مِنَ الْأُذُنَيْنِ ».

والرِّيحُ : الهواء المسخر بين السماء والأرض ، وأصلها الواو ، يذكر عند البعض على معنى الهواء فيقال « هو الرِّيحُ » ويؤنث عند الأكثر فيقال « هي الرِّيحُ » والجمع أَرْوَاحٌ ورِيَاحٌ. والرِّيَاحُ أربع وقد مر تفصيلها في صبا. وفي حَدِيثِ عَلِيٍ « لِلرِّيحِ رَأْسٌ وَجَنَاحَانِ ».

وَفِي الدُّعَاءِ « اللهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحاً وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحاً ».

وعلل بأن الرِّيَاحَ إذا كثرت جلبت السحاب فكثر المطر والخير والزرع والثمار ، وإذا كانت رِيحاً واحدة فإنها ربما يكون عقيما أو صرصرا فلا تلقح.

وَ « رِيَاحٌ » عَبْدٌ لِعَلِيٍّ عليه السلام فَأَعْتَقَهُ عَلَى عَمَالَةٍ (١).

و « الرُّوحُ » بالضم : الحيوان مذكر وجمعه أَرْوَاحٌ. ورَوَاحُ العشي : من الزوال إلى الليل. و « الْمُرَاحُ » بالضم : مأوى الماشية بالليل. و « الْمَرَاحُ » بالفتح : الموضع الذي يَرُوحُ منه القوم أو يَرُوحُونَ إليه والرَّوْحُ بالفتح والرَّاحَةُ من الِاسْتِرَاحَةِ ، ومِنْهُ » أَسْأَلُكَ الرَّوْحَ وَالرَّاحَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ ».

ويحتمل الرحمة ، أو نسيم الريح ، ومنه

__________________

(١) وفي منهج المقال ص ١٣٥ : رياح بن الحارث من أصحاب عليّ عليه السلام من ربيعة.

٣٦٢

« جَعَلَ اللهُ الرَّوْحَ وَالرَّاحَةَ فِي الْيَقِينِ وَالرِّضَا ».

ومنه الْحَدِيثُ « أَنَّ مِنْ رَوْحِ اللهِ ثَلَاثَةً : التَّهَجُّدَ بِاللَّيْلِ ، وَإِفْطَارَ الصَّائِمِ ، وَلِقَاءَ الْإِخْوَانِ ».

أي هذه الثلاثة من رحمة الله بالعبد وتفضله عليه ولطفه به وحسن توفيقه. والرَّيْحَانُ : كل نبت طيب الرَّائِحَةِ ، وعند العامة نبات مخصوص ، وأصله « رَيْوِحَانُ » بياء ساكنة ثم واو مفتوحة لكن أدغم ثم خفف ، بدليل رُوَيحِينٍ بالتصغير. ونقل في المصباح عن جماعة أنه من بنات الياء كشيطان بدليل جمعه على رَيَاحِينَ.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَيْحَانَتَانِ » (١).

يعني أشمهما وأقبلهما لأن الأولاد يشمون ويقبلون ، فكأنهم من جملة الرَّيَاحِينِ. والرَّاحُ : الخمر. و « الدهن الْمُرَوَّحُ » بفتح الواو المشددة أي المُطَيَّبُ. والْمِرْوَحَةُ بالكسر آلة يُتَرَوَّحُ بها ، يقال تَرَوَّحْتُ بِالْمِرْوَحَةِ ، كأنه من الطيب لأن الرِّيحَ تلين به وتطيب بعد أن لم تكن كذلك ، والجمع الْمَرَاوِحُ. وأَرَاحَ الرجل واسْتَرَاحَ : إذا رجعت نفسه إليه بعد الإعياء. ورَاحَ يَرِيحُ وأَرَاحَ يُرِيحُ : إذا وجد رَائِحَةَ الشيء. والْمُسْتَرَاحُ : المخرج. والْمُسْتَرَاحُ : موضع الرَّاحَةِ ، ومنه قَوْلُهُ عليه السلام « لَوْ وَجَدْنَا أَوْعِيَةً أَوْ مُسْتَرَاحاً لَقُلْنَا ».

واسْتَرْوَحَ : وجد الراحة كَاسْتَرَاحَ.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْمَرِيضُ يَسْتَرِيحُ إِلَى كُلِّ مَا أُدْخِلَ بِهِ عَلَيْهِ ».

أي يجد الراحة ، ولعله أراد الهدية ، وفِيهِ « إِذَا دَخَلْتَ الْمَقَابِرَ فَطَأِ الْقُبُورَ فَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً اسْتَرْوَحَ إِلَى ذَلِكَ » أَيْ وَجَدَ الرَّاحَةَ وَاللَّذَّةَ « وَمَنْ كَانَ مُنَافِقاً وَجَدَ أَلَمَهُ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « التَّلَقِّي رَوْحَةٌ ».

يعني تلقي الركبان روحة ، وهي دون أربع فراسخ فإذا صار إلى أربع فراسخ فجلب. وفِيهِ » الرَّوْحَةُ وَالْغَدْوَةُ فِي سَبِيلِ

__________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٥٣٨.

٣٦٣

اللهِ ».

فَالرَّوْحَةُ المرة من المجيء ، والغدوة المرة من الذهاب. و « الرَّوْحَاءُ » كحمراء بلد من عمل الفرع على نحو من أربعين ميلا من المدينة (١). ومنه « فج الرَّوْحَاءِ » و « صفائح الرَّوْحَاءِ » ، والنسبة إليه « رَوْحَاوِيٌ ». وفج الروحاء تقدم ذكره (٢). والملائكة الرُّوحَانِيُّونَ بضم الراء وفتحها ، كأنه نسبة إلى الرُّوحِ ، والرَّوْحُ وهو نسيم الرِّيحِ ، والألف والنون من زيادة النسب ، يريد أنهم أجسام لطيفة لا يدركها البصر. ومنه الْحَدِيثُ « أَنَّ اللهَ خَلَقَ الْعَقْلَ وَهُوَ أَوَّلُ خَلْقٍ مِنَ الرُّوحَانِيِّينَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ » (٣).

قال الجوهري : زعم أبو الخطاب أنه سمع من العرب من يقول في النسبة إلى الملائكة والجن « رُوحَانِيٌ » بضم الراء ، والجمع رُوحَانِيُّونَ ، وزعم أبو عبيدة أن العرب تقوله لكل شيء فيه رُوحٌ.

وَفِي الْخَبَرِ « أَرِحْنَا يَا بِلَالُ ».

أي أذن بالصلاة وأَرِحْ قلوبنا من انتظارها والالتفات نحوها ، وليس المراد الضجر من الصلاة. وقيل كان اشتغاله بها رَاحَةٌ له ، فإنه كان يعد غيرها من الأعمال الدنيوية تعبا وكان يستريح بها لما فيها من مناجاة ربه ، ولذا

قَالَ : « وَقُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ».

وما أقرب الرَّاحَةَ من قرة العين ، ولأنها دَيْن وفي قضائه راحةٌ يشهد له

قَوْلُ لُقْمَانَ عليه السلام لِابْنِهِ إِذَا جَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ « فَلَا تُؤَخِّرْهَا لِشَيْءٍ صَلِّهَا وَاسْتَرِحْ مِنْهَا فَإِنَّهَا دَيْنٌ ».

وَفِي حَدِيثِ إِبِلِ الزَّكَاةِ وَوَصِيَّةِ الْعَامِلِ فِيهَا » وَلَا يَعْدِلْ بِهِنَّ عَنْ نَبْتِ الْأَرْضِ إِلَى جَوَادِّ الطَّرِيقِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي

__________________

(١) في معجم البلدان ج٣ ص ٧٦ : على نحو من أربعين يوما ، وفي كتاب مسلم بن الحجّاج على ستّة وثلاثين يوما ، وفي كتاب ابن أبي شيبة على ثلاثين يوما ....

(٢) انظر هذا الجزء ص٣٢١.

(٣) الكافي ج ١ ص ٢١.

٣٦٤

تُرِيحُ وَتَعْبُقُ » (١).

قال بعض شراح الحديث وهو ابن إدريس : سمعت من يقول تُرِيحُ وتَغْبُقُ بالغين المعجمة والباء تعتقد أنه الغبوق وهو الشرب بالعشي ، وهذا تصحيف فاحش وخطأ قبيح إنما هو بالعين غير المعجمة والنون المفتوحة [ من العَنَق ] هو ضرب من سير الإبل شديد ، والمعنى لا تعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطريق في الساعات التي لها فيها راحة ولا في الساعات التي عليها فيها مشقة ، ولأجل هذا قال تريح من الراحة ، ولو كان من الرَّوَاحِ لقال تَرُوحُ وما كان يقول تريح ، ولأن الرَّوَاحَ يكون عند العشي أو قريبا منه ، والغُبُوقُ هو شرب العشي ولم يبق له معنى وإن المعنى ما قلناه ، وإنما ذكرت هذه اللفظة في كتابي لأني سمعت جماعة من أصحابنا يصحفونها.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ آدَمَ « مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ».

قيل الواو بمعنى أو ، يعني ابن آدم إما مُسْتَرِيحٌ وهو المؤمن يَسْتَرِيحُ من تعب الدنيا إلى رحمة الله ، أو مُسْتَرَاحٌ منه وهو الفاجر يَسْتَرِيحُ منه البلاد والأشجار والدواب ، فإن الله تعالى بفوت الفاجر يرسل السماء مِدْرارا بعد ما حبس بشؤمه الأمطار.

وَفِي حَدِيثِ وَصْفِهِ عليه السلام « كَانَ أَجْوَدَ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ».

أي التي أرسلت بالبشرى بين يدي رحمته ، وذلك لشمول رَوْحِهَا وعموم نفعها. وقريب منه

قَوْلُ الْعَبَّاسِ لَهُ ص « مَنْ يُطِيقُكَ مِنْهُ وَأَنْتَ تُبَارِي الرِّيحَ ».

يعني سماحا وسخاء. وارْتَاحَ إلى الشيء : مال إليه وأحبه وإن شئت هش وسر. والِارْتِيَاحُ من الله : الرحمة ، ومِنْهُ « يَا مُرْتَاحُ ».

__________________

(١) الكافي ج٣ ص ٥٣٧.

٣٦٥

باب ما أوله الزاي

(زحزح)

قوله تعالى : ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ ) [٣ / ١٨٥ ] أي نجى وبعد عنها ، يقال زَحَّهُ يَزُحُّهُ : دفعه ، وزَحْزَحْتُهُ عن كذا فَتَزَحْزَحَ : أي باعدته. وتَزَحْزَحَ عن محله : تنحى ، ومنه الدُّعَاءِ « أَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ زَحْزَحَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ».

(زيح)

يقال زَاحَ الشيء يَزِيحُ زَيْحاً ـ من باب سار ـ ويَزُوحُ زَوْحاً ـ من باب قال ـ : بعد وذهب. ومنه « زَاحَ عن الباطل » أي زال وأَزَاحَهُ غيره.

باب ما أوله السين

(سبح)

قوله تعالى : ( إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً ) [ ٧٣ / ٧ ] قيل أي تصرّفا في المعاش والمهام فعليك بالتهجّد ليلا ، فإن مناجاة الحق تستدعي فراغا عن الخلق. قوله : ( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) [٣٠ / ١٧ ] قيل هو إخبار في معنى الأمر بالتنزيه لله تعالى والثناء عليه في هذه الأوقات ، فيكون « سُبْحَانَ » مصدرا بمعنى الأمر ، أي سَبِّحُوا.

سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَلْ تَجِدُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ( تُمْسُونَ ) صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَ ( تُصْبِحُونَ ) صَلَاةُ الْفَجْرِ

٣٦٦

وَ ( عَشِيًّا ) صَلَاةُ الْعَصْرِ ، وَ ( حِينَ تُظْهِرُونَ ) صَلَاةُ الظُّهْرِ (١).

قوله : ( سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) [٣٧ / ١٥٩ ] براءة من الله وتنزه منه. ويكون « سُبْحَانَ » بمعنى التحميد ، نحو ( سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا ) [ ٤٣ / ١٣ ] ويكون بمعنى التعجب والتعظيم لما اشتمل الكلام عليه نحو : ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ ) [ ١٧ / ١ ]. قوله : ( سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ ) [ ٢٤ / ١٦ ] هو تعجب ممن يقول ذلك ، وأصله أن يذكر عند كل متعجب منه ، لأن كل متعجب يُسَبِّحُ عند رؤية التعجب من صانعه ، ثم كثر ذلك حتى استعمل في كل تعجب. قوله : ( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ) [ ٢١ / ٢٠ ] يعني الملائكة ، جعل التَّسْبِيحُ لهم كمجرى النفس من بني آدم لا يشغلهم عنه شيء. ويجيء في « ملك » مزيد بحث لهذا إن شاء الله تعالى.

وَفِي الْحَدِيثِ » أَتَى رَجُلٌ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ وَمَا وَصَفَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ) ثُمَّ قَالَ ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) كَيْفَ لَا يَفْتُرُونَ وَهُمْ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه السلام : إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا خَلَقَ مُحَمَّداً أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَقَالَ : نَقِّصُوا مِنْ ذِكْرِي بِمِقْدَارِ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ ، فَقَوْلُ الرَّجُلِ » صَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ « فِي الصَّلَاةِ مِثْلُ قَوْلِهِ » سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ».

قوله : ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) [ ٥٢ / ٤٨ ] قيل : المراد حين تقوم من مجلسك ، فإنه كان

« سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ ».

وقد مر في « وفى » ما ينبغي أن يكون آخر كلام الإنسان في مجلسه ، وقبل أن يقوم من النوم. وَعَنِ الْبَاقِرِ وَالصَّادِقِ (ع)

__________________

(١) مجمع البيان ج ٤ ص ٢٩٩.

٣٦٧

أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَيَنْظُرُ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ وَيَقْرَأُ الْخَمْسَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ آلِ عِمْرَانَ إِلَى قَوْلِهِ : ( إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ) ثُمَّ يَفْتَتِحُ صَلَاةَ اللَّيْلِ ، وَقِيلَ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ.

وقوله : ( بِحَمْدِ رَبِّكَ ) الحمد مضاف إلى الفاعل ، والمراد لازمه أي بتوفيقه ، أو إلى المفعول أي سَبَّحْتُ بحمدي لك. قوله : ( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ ) [ ٦٨ / ٢٨ ] أي لو لا تستثنون قيل كان استثناؤهم « سُبْحَانَ الله » وقيل » إن شاء الله » لأنه ذكر وتعظيم لله وإقرار بأنه لا يشاء أحد إلا أن يشاء ، فجعل تنزيه الله موضع الاستثناء. قوله : ( يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) [ ٥٩ / ٢٤ ] قيل التَّسْبِيحُ إما بلسان الحال فإن كل ذرة من الموجودات تنادي بلسان حالها على وجود صانع حكيم واجب لذاته ، وإما بلسان المقال وهو في ذوي العقول ظاهر ، وأما غيرهم من الحيوانات فذهب فرقة عظيمة إلى أن كل طائفة منها تُسَبِّحُ ربها بلغتها وأصواتها ، وحملوا عليه قوله تعالى ( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ) وأما غير الحيوانات من الجمادات فذهب جم غفير إلى أن لها تَسْبِيحاً لسانيا أيضا ، واعتضدوا بقوله : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) [ ١٧ / ٤٤ ] وقالوا لو أريد التَّسْبِيحُ بلسان الحال لما احتاج قوله ( وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) إلى تأويل ، وذكروا أن الإعجاز في تَسْبِيحِ الحصى في كف نبينا ص ليس إلا من حيث سماعه الصحابة وإلا فهو في التَّسْبِيحِ دائما. قوله : « يُسَبِّحُونَ الله ( بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) قيل أي دائما أو مقدارهما ، إذ لا طلوع ولا غروب هناك ، وهو للاستلذاذ به إذ لا تكليف. قوله : ( كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) [ ٢١ /٣٣ ] أي يجرون. قوله : ( وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً ) [ ٧٩ /٣ ] قيل هي السفن و ( فَالسَّابِقاتِ )

٣٦٨

الخيل ، وقيل السَّابِحاتِ سَبْحاً الملائكة جعل نزولها بين السماء والأرض كَالسِّبَاحَةِ. و « التَّسْبِيحُ » الأصل فيه التنزيه والتقديس والتبرئة من النقائص ، فمعنى ( سُبْحانَ اللهِ ) أي برىء الله من السوء تبرئة ، فهو مصدر علم منصوب بفعل مضمر ترك إظهاره كمعاذ الله ، ويطلق على غيره من أنواع الذكر مجازا كالتحميد والتمجيد وغيرهما ولا يكاد يستعمل إلا مضافا.

وَفِي الْحَدِيثِ : سُئِلَ عَنِ ( سُبْحانَ اللهِ )؟ فَقَالَ « إِنْكَافُ اللهِ عَلَى كُلِّ سُوءِ ».

يعني تنزيهه وتقديسه عن الأنداد والأولاد. وفِيهِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ مَا مَعْنَى سُبْحَانَ؟ فَقَالَ : تَنْزِيهٌ.

وفِيهِ قَدْ سُئِلَ مَا تَفْسِيرُ ( سُبْحانَ اللهِ )؟ قَالَ « أَنَفَةٌ لِلَّهِ ».

أي تعجُّب ، أما ترى الرجل إذا عَجِبَ من الشيء قال سُبْحَانَ الله ، ومعنى سُبْحَانَ الله وبحمده أنزِّهه عما لا يليق به متلبسا بحمدي له على التوفيق لتنزيهه والتأهل لعبادته. وقالوا في « سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ».

أي سَبَّحْتُكَ سُبْحَاناً ، أي تنزيها من كل نقص ، وبحمدك أي بقوتك سَبَّحْتُكَ لا بقوتي.

وَفِي الدُّعَاءِ « سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ ».

قيل نصب على المصدر وكذلك البواقي مثل زنة عرشه ورضا نفسه ونحوها ، والمعنى سَبَّحْتُ الله تَسْبِيحاً يبلغ عدد خلقه وزنة عرشه أي ما يوازنه في القدر والوزانة يقال زنة الجبل أي حذاه في الوزانة والثقل ومعنى رضا نفسه أي ما يقع منه سُبْحَانَهُ موقع الرضا أو ما يرضاه لنفسه.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَمَّا نَزَلَ ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) قَالَ ص : « اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ ».

قيل الاسم هاهنا صلة وزيادة ، بدليل أنه كان يقول في ركوعه « سُبْحَانَ ربي العظيم وبحمده » فحذف الاسم ، وهذا على قول من زعم أن الاسم هو المسمى ، ومن قال إنه غيره لم يجعله صلة. و « السُّبْحَةُ » بالضم : خرزات يُسَبَّحُ بها. والسُّبْحَةُ أيضا : التطوع من الذكر والصلاة ، ومنه « قضيت سُبْحَتِي ».

٣٦٩

وَفِي الْحَدِيثِ « اجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً ».

أي نافلة ، قيل سميت سُبْحَةً لأنه يُسَبَّحُ فيها. والْمُسَبِّحَةُ : إصبع تلي الإبهام لأنها تشاركها عند التَّسبِيحِ. وفِيهِ « مَنْ قَرَأَ الْمُسَبِّحَاتِ فَلَهُ كَذَا ».

كأنه يريد السور التي أوائلها التسبيح. وسُبُحَاتُ النور : مظانه. وسُبُحَاتُ وجه ربنا : جلاله وعظمته ، وقيل نوره ، والمراد بالوجه الذات. و « سُبُّوحٌ قدوس » يرويان بالفتح والضم وهو أكثر والفتح أقيس ، وهو من أبنية المبالغة للتنزيه ، ومعنى « سُبُّوحٌ » طاهر عن أوصاف المخلوقات ، و « قدوس » بمعناه ، وقيل مبارك. وسَبَّحَ تَسْبِيحاً : قال « سُبْحَانَ الله » وسَبَّحَ الرجل بالماء ـ من باب نفع ـ والاسم السِّبَاحَةُ بالكسر. وسَبَّحْتُ بالسين المهملة والباء الموحدة والتاء الفوقانية بعد المهملة على ما في النسخ اسم رجل يهودي أسلم. وسُبَّحْتُ بالضم والباء المشددة لقب أبي عبيدة ـ قاله في القاموس.

(سجح)

الْإِسْجَاحُ : حسن العفو ، يقال ملكت فَأَسْجِحْ ، ومنه قول بعضهم :

معاوي إننا بشر فَأَسْجِحْ

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

وَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام مَعَ عَائِشَةَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَقَدْ قَالَ لَهَا كَيْفَ رَأَيْتَ صُنْعَ اللهِ بِكِ؟ فَقَالَتْ : مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ.

يعني قدرت فسهل وأحسن العفو ، وهو مَثَلٌ سائر. وفي معاني الأخبار أي تكرم.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام لِأَصْحَابِهِ « وَامْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْياً سُجُحاً ».

أي سَهْلا. ويقال « إذا سألت فَأَسْجِحْ » أي سهِّل ألفاظَك وارفُق.

(سحح)

سَحَ الماء ـ من باب قتل ـ : سال من فوق إلى أسفل ، وكذلك المطر ، ويقال السَّحُ للصب الكثير ، ومنه « مطر سَحَّاحٌ » للذي يَسُحُ شديدا. وغنم سُحَاحٌ ـ بالضم ـ أي سمان.

٣٧٠

ومنه الْحَدِيثُ « حَتَّى تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللهِ سِحَاحاً سِمَاناً ».

فَسِمَاناً عطف تفسير. و « مررت على جزور سَاحٍ » أي سمينة.

(سدح)

السَّدْحُ : الصرع بطحا على الوجه أو إلقاء على الظهر ـ قاله الجوهري. تقول سَدَحَهُ فَانْسَدَحَ فهو مَسْدُوحٌ وسَدِيحٌ.

(سرح)

قوله تعالى : ( وَسَرِّحُوهُنَ سَراحاً جَمِيلاً ) [٣٣ / ٤٩ ] قيل هو من تَسْرِيحِ المرأة : تطليقها ، وقيل أي أخرجوهن من منازلكم لعدم وجوب العدة. قوله : ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) [ ٢ / ٢٢٩ ] قال الشيخ أبو علي : هذا تخيير لهم بعد أن علمهم كيف يطلقون بين أن يمسكوا النساء مع حسن العشرة والقيام بحقوقهن وبين أن يُسَرِّحُوهُنَ سَرَاحاً جميلا ـ انتهى. وقيل التطليقة الثالثة التَّسْرِيحُ بإحسان. قوله : ( وَحِينَ تَسْرَحُونَ ) [ ١٦ / ٦ ] أي ترسلون الإبل غداة إلى الرعي ، يقال سَرَحَتِ الإبلُ سَرْحاً من باب نفع وسُرُوحاً أيضا : رعتْ بنفسها. وسَرَحْتُهَا يتعدى ولا يتعدى ، يقال « سَرَحَتْ بالغداة ورَاحَتْ بالعشي ». وسَرَّحْتُهَا بالتشديد للمبالغة والتكثير. والسَّرْحُ بمفتوحة فساكنة : السائم. والْمَسَارِحُ جمع مَسْرَحٍ ، وهو الموضع الذي تَسْرَحُ إليه الماشية. والسَّرَاحُ بالفتح : الإرسال ، ومنه الْحَدِيثُ « لِكُلِّ شَيْءٍ ثَمَرَةٌ وَثَمَرَةُ الْمَعْرُوفِ تَعْجِيلُ السَّرَاحِ ».

أي الإرسال. و « السُّرُحُ » بضمتين : السريع ، ومنه حَدِيثُ الْخَلَاءِ « رَبِّ أَخْرِجْ عَنِّي الْأَذَى سُرُحاً ».

أي سريعا سهلا لا احتباس معه. والسَّرْحُ أيضا : انفجار البول بعد احتباسه. ووَلَدَتْ سَرْحاً : أي سهلت ولادتها. وفلان يَسْرَحُ في الظلمة : أي يسير فيها.

٣٧١

وسَرَّحْتُ الشعر : أرسلته. وتَسْرِيحُ الشعر : إرساله وحله قبل المشط.

وَ « يَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ يَشَاءُ ».

من سَرَحَتِ الإبلُ بنفسها من غير صاد يصدها ولا مانع يمنعها. و « السِّرْحَانُ » بالكسر : الذئب والأسد أيضا ، والجمع سَرَاحِينُ ، وسِرَاحٌ أيضا ، والأنثى سِرْحَانَةُ بالهاء. وعن سيبويه نون سِرْحَانَ زائدة. ويقال للفجر الكاذب « ذَنَبُ السِّرْحَانِ » على التشبيه ، ومنه الْحَدِيثُ « الْفَجْرُ الْكَاذِبُ الَّذِي يُشْبِهُ ذَنَبَ السِّرْحَانِ ».

وَ « ابْنُ أَبِي سَرْحٍ » اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ الْأُمَوِيُّ ، عَاشَ إِلَى زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَتَوَلَّى مِصْرَ مِنْ قِبَلِ عُثْمَانَ ، وَهُوَ مِمَّنْ هَدَرَ رَسُولُ اللهِ ص دَمَهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللهِ ص ، وَكَانَ يُغَيِّرُ مَا يَنْزِلُ بِهِ الْوَحْيُ فَيَكْتُبُ بَدَلَ ( إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.

(سطح)

قوله تعالى : ( وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) [ ٨٨ / ٢٠ ] أي بسطت ، يقال سَطَحَ الله الأرض سَطْحاً : أي بسطها. وسَطَّحْتُ القبر تَسْطِيحاً : إذا جعلت أعلاه كَالسَّطْحِ ، وهو خلاف تسنيمه. وسَطْحُ البيت : سقفه. وسَطْحُ كل شيء : أعلاه ، والجمع سُطُوحٌ مثل فلس وفلوس. وسَطَحْتُ التمر سَطْحاً ـ من باب تعب ـ : بسطته.

(سفح)

قوله تعالى : ( أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) [ ٦ / ١٤٥ ] أي مصبوبا ، وهو المنصب من العرق بكثرة ، يقال سَفَحَ الرجل الدم والدمع سَفْحاً ـ من باب منع ـ : صبه ، ويقال سَفَحْتُ الماء : إذا هرقته ، وسَفَحْتُ دمه : إذا سفكته. قوله : ( غَيْرَ مُسافِحِينَ ) [ ٤ / ٢٤ ] أي غير زَوَانٍ ، يعني أَعِفَّاءَ. ومثله : ( غَيْرَ مُسافِحاتٍ ) [ ٤ / ٢٥ ] و « السِّفَاحُ » بالكسر : الزنا ، يقال سَافَحَ الرجل المرأة مُسَافَحَةً وسِفَاحاً ـ من باب قاتل ـ : وهو المُزَانَاةُ ، لأن

٣٧٢

الماء يصب ضائعا ، وفي النكاح غنية عنه. ورجل سَفَّاحٌ ـ بالتشديد ـ أي قادر على الكلام. و « السَّفَّاحُ » لقب عبد الله بن محمد أول خليفة من خلفاء بني العباس (١) ، وكانت مدة خلافته أربع سنين وستة أشهر ، ثم قام من بعده أخوه أبو جعفر المنصور وكانت خلافته إحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما وقيل غير ذلك. وسَفْحُ الجبل : أسفله حيث يَسْفَحُ فيه الماء. والسَّفْحُ : اسم موضع معين (٢). والسَّفِيحُ كالقبيح : سهم من سهام الميسر مما لا نصيب له.

(سلح)

قوله تعالى : ( وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ ) [ ٤ / ١٠٢ ] (٣) هي جمع سِلَاحٍ بالكسر ، وهو ما يقاتل به في الحرب ويدافع ، والتذكير فيه أغلب من التأنيث ، ويجمع في التذكير على « أَسْلِحَةٍ » وعلى التأنيث » سِلَاحَاتٍ » وأخذ القوم أَسْلِحَتَهُمْ : إذا أخذ كل واحد منهم سِلَاحَهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ « نَهَى أَنْ يُخْرَجَ السِّلَاحُ فِي الْعِيدَيْنِ ».

وذلك لعدم الحاجة إليه. وسَلَحَ الطائر سَلْحاً من باب قتل : إذا خرج منه ما يخرج من الإنسان عند التغوط.

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ عليه السلام

__________________

(١) قيل له السّفاح لكثرة سفح دماء المارقين من بني أميّة وغيرهم. انظر الكنى والألقاب ج ٢ ص ٢٨٤.

(٢) في معجم البلدان ج٣ ص ٢٢٤ : وهو موضع كانت به وقعة بين بكر بن وائل وتميم ، وسفح أكلب قرب اليمامة في حديث طسم وجديس.

(٣) في الأصل » خذوا أسلحتكم » ولمّا لم تكن في القرآن الكريم هذه الجملة أثبتنا الآية المذكورة مكانها.

٣٧٣

مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُلَقَّبِ بِالنَّفْسِ الزَّكِيَّةِ » إِنَّكَ أَشْأَمُ سَلْحَةٍ أَخْرَجَتْهَا أَصْلَابُ الرِّجَالِ إِلَى أَرْحَامِ النِّسَاءِ ».

يريد النطفة. والسَّلَحُ بالتحريك : ماء الغدران. و « الْمَسَالِحُ » جمع مَسْلَحَةٍ بفتح الميم ، وهي الحدود والأطراف من البلاد يرتب فيها أصحاب السِّلَاحِ كالثغور يوقون الحدود ، ومِنْهُ « أَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا ».

ومِنْهُ « بَعَثَ لَهُ مَسْلَحَةً يَحْفَظُونَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « كَانَ أَدْنَى مَسَالِحِ الْفَارْسِ إِلَى الْعَرَبِ الْعُذَيْبَ ».

و « الْمَسْلَحُ » مر ذكره في بعث. ومَسَالِحُ الدجال : مقدمة جيشه.

(سلطح)

فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ « سَلَاطِحُ بَلَاطِحُ ».

السَّلْطَحُ وَالسُّلْطَحُ : الضخم ، والْبَلْطَحُ كبلدح : الذي يضرب بنفسه الأرض ، والسَّلَاطِحُ أَوِ السُّلَاطِحُ كغلائط : العريض. وقَوْلُهُ : « سَلَاطِحُ بَلَاطِحُ يُنَاطِحُ الْأَبَاطِحَ ».

يريد كثرة الماء وقوته وفيضانه ، وحينئذ فلا حاجة إلى جعل بَلَاطِحَ من الإتباع كشيطان ليطان.

(سمح)

فِي الْحَدِيثِ « مَا بُعِثْتُ بِالرَّهْبَانِيَّةِ الشَّاقَّةِ وَلَكِنْ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ ».

هي بفتح فسكون أي السهلة التي لا ضيق فيها ولا حرج. والسَّمَاحُ بالفتح الجود ، والسَّمَاحَةُ مثله. وسَمَحَ به يَسْمَحُ بفتحتين سُمُوحاً وسَمَاحاً وسَمَاحَةً : أي جاد.

وَفِي الْحَدِيثِ « خِيَارُكُمْ سُمَحَاؤُكُمْ ».

وسَمَحَ لي : أعطاني ، وقوم سُمَحَاءُ جمع سَمِيحٍ ومَسَامِيحَ كأنه جمع مِسْمَاحٍ ـ قاله الجوهري. ومنه قول الشاعر :

مَسَامِيحُ الفعال ذوو أناة

والْمُسَامَحَةُ : المساهلة ، وتَسَامَحُوا : تساهلوا.

وَفِي خَبَرِ عَطَا « أَسْمَحُ يَسْمَحُ لَكَ ».

أي سهل يسهل عليك.

وَفِي الْخَبَرِ « السَّمَاحُ رَبَاحٌ » (١).

أي المساهلة في الأشياء ربح صاحبها.

__________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٦٥٤.

٣٧٤

وَفِي الْحَدِيثِ « السَّمَاحَةُ الْبَذْلُ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ » (١).

وَفِي آخَرَ « السَّمَاحَةُ إِجَابَةُ السَّائِلِ وَبَذْلُ النَّائِلِ » (٢).

وفلان سَمِحُ الكفين نقي الطرفين. قوله « سَمِحُ الكفين » أي كريم و « نَقِيُّ الطَّرَفَيْنِ » فرجه ولسانه.

(سنح)

« السِّنْحُ » بالكسر من كل شيء : أصله ، والجمع أَسْنَاحٌ ، مثل حمل وأحمال ، ومنه الْحَدِيثُ « التَّقْوَى سِنْحُ الْإِيمَانِ ».

السُّنْحُ بالضم : اليمين والبركة. قال في القاموس : ولعل منه ما

وَرَدَ عَنْهُ ص فِي زَغَبِ الْمَلَائِكَةِ « إِنَّا نَجْمَعُهُ إِذَا خَلَوْنَا سُنْحاً لِأَوْلَادِنَا ».

أي بركة لهم ويمنا (٣).

وَفِي الْخَبَرِ « كَانَ مَنْزِلُهُ بِالسُّنُحِ ».

هو بضم سين ونون وقيل بسكونها : موضع بعوالي المدينة (٤). والسُّنُوحُ : الظهور. وسَنَحَ به الخاطر : أي جاد. وسَنَحَ لي بالشيء : إذا عرض لي. وسَنَحَ الظبي (٥) : إذا مر من مياسرك إلى ميامنك. قال الجوهري وغيره والعرب تتيمن بِالسَّانِحِ وتتشاءم بالبارح. وفي المثل « من لي بِالسَّانِحِ بعد البارح » فَالسَّانِحُ من الصيد ما جاءك عن يسارك ، وإنما تتيمن العرب به لتمكنها من رميه من غير تكلف ، والبارح ما جاء عن اليمين ، والعرب تتشاءم به لعدم تمكنها من رميه بغير كلفة والتفات إليه.

وَفِي حَدِيثِ الْمُسَافِرِ « الشُّؤْمُ فِي خَمْسَةٍ ».

وعد منها الظَّبْيَ السَّانِحَ مِنْ يَمِينٍ

__________________

(١) المصدر السابق ج ١ ص ٦٥٤.

(٢) نفس المصدر والصفحة.

(٣) لم نجد هذا الكلام في القاموس.

(٤) هي منازل بني الحارث بن الخزرج بعوالي المدينة ، وموضع بنجد قرب جبل طيء معجم البلدان ج٣ ص ٢٦٥.

(٥) في الصحاح » سنح لي الظبي ».

٣٧٥

إلى شمال ، وهو موافق قول الفارسي السُّنُوحُ هو الظهور من جانب اليمين. وقد نقل السيد في حاشية الكشاف عن سمرة أن العرب تتشاءم بِالسَّانِحِ لأن معناه ما ولاك مياسره ، وهو يوافق الحديث.

(سوح)

قوله تعالى ( فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ ) [٣٧ / ١٧٧ ] الآية ، أي نزل العذاب بهم ، فكنى بِالسَّاحَةِ عن القوم.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَنَّ الْحَاجَّ يَنْزِلُونَ مَعَهُمْ ».

أي مع أهل مكة في سَاحَةٍ هي الفضاء ، وأصلها الفضاء بين المنازل ، يقال سَاحَةُ الحي للرحبة التي يبنون أخبيتهم حولها ، والجمع « سَاحَاتٌ » مثل ساعة وساعات ، وسَاحٌ وسُوحٌ بالضم أيضا.

وَفِي الدُّعَاءِ « اللهُمَّ إِنِّي حَلَلْتُ بِسَاحَتِكَ ».

وهو على التشبيه والاستعارة.

وَفِي الْحَدِيثِ « تَبَاعَدُوا عَنْ سَاحَةِ الظَّالِمِينَ ».

أي لا تتقربوا إليهم بوجه من الوجوه مهما أمكن.

(سيح)

قوله تعالى : ( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) [ ٩ / ٢ ] أي سيروا فيها آمنين حيث شئتم ، وأشهر السِّيَاحَةِ شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم.

وَفِي الْحَدِيثِ ( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) قَالَ : عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَمُحَرَّمَ وَصَفَرَ وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ » (١) ،.

ولا يحسب في الأربعة الأشهر العشرة الأيام من ذي الحجة. قوله : سائِحاتٍ [ ٦٦ / ٥ ] يعني صائمات ، والسِّيَاحَةُ في هذه الآية الصوم ، وكأن السَّائِحَ لما كان يَسِيحُ ولا زاد له ، شبه الصائم به لأنهما لا يطعمان بِسِيَاحَتِهِمْ ، وقيل مهاجرات ، وقيل ماضيات في طاعة الله ورسوله.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا سِيَاحَةَ فِي الْإِسْلَامِ ».

قيل هي من في الأرض يَسِيحُ إذا ذهب فيها ، أخذا من سَيْحِ الماء الجاري المنبسط على الأرض ، أراد بها مفارقة الأمصار وسكنى

__________________

(١) البرهان ج ٢ ص ١٠٢.

٣٧٦

البراري وترك الجمعة والجماعات ، وقيل من يَسِيحُونَ في الأرض بالنميمة والإفساد بين الناس ، والأول أظهر. ومنه الْحَدِيثُ « سِيَاحَةُ أُمَّتِي الْغَزْوُ وَالْجِهَادُ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « كَانَ مِنْ شَرَائِعِ عِيسَى عليه السلام السَّيْحُ فِي الْبِلَادِ ».

وفِيهِ « مِنْ أَوْصَافِ الْإِمَامِ عليه السلام سِيَاحَةُ اللَّيْلِ وَسِيَاحَةُ النَّهَارِ ».

والسَّيْحُ : الماء الجاري ، تسمية بالمصدر. ومنه الْحَدِيثُ « مَا سُقِيَ بِالسَّيْحِ فَفِيهِ الْعُشْرُ ».

و « سَيْحَانُ » نهر بالعواصم قريبا من طرسوس (١).

وَفِي الْخَبَرِ « سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَنِيلُ مِصْرَ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ».

قيل خص الأربعة لعذوبة مائها وكثرة منافعها ، كأنها من أنهار الجنة. قال في المجمع : والأصح أنها على ظاهرها وأن لها مادة من الجنة. في معالم التنزيل : أنزلها الله من الجنة واستودعها الجبال لقوله تعالى ( فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ). قال : وسَيْحَانُ وجيحان غير سَيْحُونَ وجَيْحُونَ ، وهما نهران عظيمان جدا ، وسَيْحُونَ دون جيحون ـ انتهى.

وَفِي الْحَدِيثِ « سَيْحُونُ أَحَدُ الْأَنْهُرِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي خَرَقَهَا جَبْرَئِيلُ بِإِبْهَامِهِ ».

وفي الصحاح سَيْحَانُ نهر بالشام ، وسَيْحُونُ نهر بالهند ، وسَاحِينُ نهر بالبصرة. وأَسَاحَ : جد في الغضب وانكمش ، ومنه الْخَبَرُ « إِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَسَاحَ ».

__________________

(١) في معجم البلدان ج٣ ص ٢٩٣ : وهو نهر كبير بالثغر من نواحي المصيصة ، وهو نهر أذنة بين أنطاكية والروم يمر بأذنة ثم ينفصل عنها نحو ستة أميال فيصب في بحر الروم.

٣٧٧

باب ما أوله الشين

(شبح)

فِي الْحَدِيثِ « خَلَقَ اللهُ مُحَمَّداً وَعِتْرَتَهُ أَشْبَاحَ نُورٍ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ. قُلْتُ : وَمَا الْأَشْبَاحُ؟ قَالَ : ظِلُّ النُّورِ أَبْدَانٌ نُورَانِيَةٌ بَلْ أَرْوَاحٌ ».

فَالْأَشْبَاحُ جمع شَبَحٍ بالتحريك وقد يسكن ، وهو الشخص ، مثل سبب وأسباب. وسُئِلَ الشَّيْخُ الْجَلِيلُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ : مَا مَعْنَى الْأَشْبَاحِ؟ فَأَجَابَ : الصَّحِيحُ مِنْ حَدِيثِ الْأَشْبَاحِ الرِّوَايَةُ الَّتِي جَاءَتْ عَنِ الثِّقَاتِ بِأَنَّ آدَمَ عليه السلام رَأَى عَلَى الْعَرْشِ أَشْبَاحاً يَلْمَعُ نُورُهَا ، فَسَأَلَ اللهَ تَعَالَى عَنْهَا فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أَنَّهَا أَشْبَاحُ رَسُولِ اللهِ وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَفَاطِمَةَ عليه السلام ، وَأَعْلَمَهُ لَوْ لَا الْأَشْبَاحُ الَّتِي رَآهَا مَا خَلَقَهُ اللهُ وَلَا خَلَقَ سَمَاءً وَلَا أَرْضاً.

ثم قال : والوجه فيما أظهره الله من الْأَشْبَاحِ والصور لآدم عليه السلام أن دله على تعظيمهم وتبجيلهم ، وجعل ذلك إجلالا لهم ومقدمة لما يفرضه من طاعتهم ، ودليلا على أن مصالح الدين والدنيا لا تتم إلا بهم ، ولم يكونوا في تلك الحال صورا مجسمة ولا أرواحا ناطقة ولكنها كانت على صورهم في البشرية تدل على ما يكونون عليه في المستقبل ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ آدَمَ عليه السلام لَمَّا تَابَ إِلَى اللهِ وَنَاجَاهُ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ سَأَلَهُ بِحَقِّهِمْ عَلَيْهِ وَمَحَلِّهِمْ عِنْدَهُ فَأَجَابَهُ.

قال : وهذا غير منكر من القول ولا مضاد للشرع ، وقد رواه الثقات الصالحون المأمونون ، وسلم لروايته طائفة الحق ، فلا طريق إلى إنكاره.

وَفِي وَصْفِهِ عليه السلام « مَشْبُوحَ الذِّرَاعَيْنِ ».

أي طويلهما ، وقيل عريضهما

وَرُوِيَ « شَبْحُ الذِّرَاعَيْنِ ».

والشَّبْحُ : مدك الشيء بين أوتاد كالجلد والحبل. وشَبَحَهُ يَشْبَحُهُ بفتحتين : ألقاه ممدودا بين خشبتين مقرونتين في الأرض.

٣٧٨

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا يُجَرَّدُ فِي حَدٍّ وَلَا يُشْبَحُ ».

أي يمد.

(شحح)

قوله تعالى : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ ) [ ٤ / ١٢٨ ] قال الشيخ أبو علي في قوله ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) وهذه الجملة اعتراض ، وكذا قوله : ( وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ ) أي جعل الشُّحُ حاضرا لها لا يغيب عنها ، إذ هي مطبوعة عليه ، والغرض أن المرأة لا تسمح بقسمتها والرجل لا يسمح أن يمكنها إذا أحب غيرها ولم يحبها. والشُّحُ : الْبُخْلُ مع حرص ، فهو أشد من البخل لأن البخل في المال وهو في مال ومعروف ، تقول شَحَ يَشُحُ من باب قتل ، وفي لغة من بابي ضرب وتعب فهو شَحِيحٌ ، وقوم أَشِحَّاءُ وأَشِحَّةٌ ، ومنه قوله تعالى : ( أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ) [٣٣ / ١٩ ] فَالشُّحُ : اللؤم وأن تكون النفس حريصة على المنع ، وقد أضيف إلى النفس لأنه غريزة فيها ، وأما البخل فإنه المنع نفسه. والشُّحُ مثلث الشين ـ قاله في القاموس وتَشَاحَ القوم : إذا شَحَ بعضهم على بعض.

وَالشُّحُ فِي الْحَدِيثِ « أَنْ تَرَى الْقَلِيلَ سَرَفاً وَمَا أَنْفَقْتَ تَلَفاً ».

. وفِيهِ أَيْضاً « الْبَخِيلُ يَبْخَلُ بِمَا فِي يَدِهِ وَالشَّحِيحُ يَشُحُ بِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ وَعَلَى مَا فِي يَدِهِ حَتَّى لَا يَرَى فِي أَيْدِي النَّاسِ شَيْئاً إِلَّا تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ بِالْحِلِّ وَالْحَرَامِ وَلَا يَقْنَعُ بِمَا رَزَقَهُ اللهُ تَعَالَى ».

وفِيهِ « لَا يَجْتَمِعُ الشُّحُ وَالْإِيمَانُ فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَداً » (١).

وتوجيهه أن الشُّحَ حالة غريزية جبل عليها الإنسان ، فهو كالوصف اللازم له ومركزها النفس ، فإذا انتهى سلطانه إلى القلب واستولى عليه عري القلب عن الإيمان ، لأنه يَشُحُ بالطاعة فلا يسمح بها ولا يبذل الانقياد لأمر الله. قال بعض العارفين : الشُّحُ في نفس الإنسان ليس بمذموم لأنه طبيعة خلقها

__________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٦٠.

٣٧٩

الله في النفوس كالشهوة والحرص للابتلاء ولمصلحة عمارة العالم ، وإنما المذموم أن يستولي سلطانه على القلب فيطاع.

(شرح)

قوله تعالى : ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) [ ٩٤ / ١ ] قال الشيخ أبو علي :

رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ص أَنَّهُ قَالَ : « سَأَلْتُ رَبِّي مَسْأَلَةً وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ. قُلْتُ : أَيْ رَبِّ إِنَّهُ قَدْ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلِي مِنْهُمْ مَنْ سَخَّرْتَ لَهُ الرِّيحَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى ، فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ تَعَالَى ... ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) إِلَخْ » (١).

والشَّرْحُ : فتح الشيء مما يصدر عن إدراكه ، وأصل الشَّرْحِ التوسعة ، ويعبر عن السرور ، بسعة القلب وشَرْحِهِ وعن الهم بضيق القلب لأنه يورث ذلك ، والمعنى ألم نفتح صدرك ونوسع قلبك بالنور والعلم حتى قمت بأداء الرسالة وصبرت على المكاره واحتمال الأذى واطمأننت إلى الإيمان ، فلم تضق به ذرعا ، ومعنى الاستفهام في الآية التقرير ، أي قد فعلنا ذلك

عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) قَالَ : لِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام (٢).

قوله : ( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ) [ ٦ / ١٢٥ ] قال المفسر : أي يثبت عزمه عليه ويقوي دواعيه على التمسك به ويزيل عن قلبه وساوس الشيطان وما يعرض في القلوب من الخواطر الفاسدة ، وإنما فعل ذلك لطفا له ومنا عليه وثوابا على اهتدائه بهدى الله وقبوله إياه ، ونظيره قوله تعالى ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ... ) والدليل على أن شرح الصدر قد يكون ثوابا قوله : ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) ، ومعلوم أن وضع الوزر ورفع الذكر يكون ثوابا على تحمل أعباء الرسالة وكلفها ـ انتهى (٣). ومثله قوله : ( شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ) [٣٩ / ٢٢ ].

__________________

(١) مجمع البيان ج ٥ ص ٥٠٨.

(٢) البرهان ج ٤ ص ٤٧٤.

(٣) مجمع البيان ج ٢ ص٣٦٣.

٣٨٠