مجمع البحرين - ج ٢

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٢

باب ما أوله الميم

(متت)

« مَتَّى » كحتّى اسم أب يونس (ع) قال في جامع الأصول : وقيل هو اسم أمه و « متى » اسم استفهام ، نحو ( مَتى نَصْرُ اللهِ ) ، واسم شرط نحو « متى أضع العمامة تعرفوني » ، واسم مرادف للوسط ، وحرف بمعنى « من » وقوله :

متى لجج خضر لهن نئيج

يحتملهما ، ويكون بمعنى « في » في لغة هذيل ، ومنه قولهم : أخرجها متى كمّه.

(مقت)

قوله تعالى : ( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ ) [ ٤٠ /٣٥ ] أي أعظم بغضا عنده ، والْمَقْتُ البغض. ومثله قوله : ( كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً ) [ ٤ / ٢٢ ] أي ( كانَ فاحِشَةً ) عند الله ( وَمَقْتاً ) في تسميتكم. و « نكاح الْمَقْتِ » كان في الجاهلية ، كانت العرب إذا تزوج الرجل امراة أبيه فأولدها يقولون للولد مقتي. قوله : ( لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) [ ٤٠ / ١٠ ] أي إذا تبين لكم سوء غب كفركم.

وَفِي الْحَدِيثِ : « ثَلَاثٌ فِيهِنَ الْمَقْتُ مِنَ اللهِ تَعَالَى ».

يقال مَقَتَهُ مَقْتاً من باب قتل : أبغضه أشد البغض عن أمر قبيح ، فهو مَقِيتٌ ومَمْقُوتٌ. وعن الغزالي معنى كون الشيء مبغوضا نفرة النفس عنه لكونه مؤلما ، فإن قوي البغض والنفرة سمي مَقْتاً.

(مكت)

مَكَتَ بالمكان : أقام به.

(موت)

قوله تعالى : ( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها ) [ ٦ / ١٢٢ ]

قَالَ الْبَاقِرُ (ع) : مَيْتاً لَا يَعْرِفُ شَيْئاً ، وَ ( نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) إِمَاماً يَأْتَمُّ بِهِ ، ( كَمَنْ

٢٢١

مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها ) قَالَ : الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْإِمَامَ.

قوله : ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ ) [٣ / ١٤٤ ] الآية. قال الزمخشري : الفاء معلقة للجملة الشرطية بالجملة قبلها على معنى التسبيب ، والهمزة للإنكار. قوله : ( نَمُوتُ وَنَحْيا ) [ ٢٣ /٣٧ ] أي يموت بعض ويولد بعض وينقضي قرن ويأتي قرن. قوله : ( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) [ ٤٠ / ١١ ] قيل هو مثل. قوله تعالى : ( كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) [ ٢ / ٢٨ ] فَالْمَوْتَةُ الأولى كونهم نطفا في الأصلاب ، لأن النطفة مَيْتَةٌ ، والحياة الأولى إحياء الله إياهم من النطفة ، والْمَوْتَةُ الثانية إِمَاتَةُ الله إياهم بعد الحياة ، والحياة الثانية إحياؤهم الله للبعث. ويقال الْمَوْتَةُ الأولى التي تقع بهم في الدنيا بعد الحياة ، والحياة الأولى إحياء الله إياهم في القبر للمسألة والْمَوْتَةُ الثانية إمَاتَةُ الله إياهم بعد المسألة والحياة الثانية إحياء الله إياهم للبعث. وقيل الْمَوْتَةُ الأولى التي كانت بعد إحياء الله إياهم في الذر إذ سألهم ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) ثم أَمَاتَهُمْ بعد ذلك ، ثم أحياهم بإخراجهم إلى الدنيا ، ثم أَمَاتَهُمْ ، ثم يبعثهم الله إذا شاء. قوله : ( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى ) [ ٤٤ / ٥٦ ] قال الشيخ أبو علي : أي لا يذوقون فيها الْمَوْتَ البتة ، فوضع ( إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى ) ذوقها موضع ذلك لأن الْمَوْتَةَ الماضية لا يمكن ذوقها في المستقبل ، وهو من باب التعليق بالمحال ، فكأنه قال : إن كانت الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها. قوله : ( وَلا تَمُوتُنَ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) [ ٢ / ١٣٣ ] هو أمر بالإقامة على الإسلام.

وَفِي دُعَاءِ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ النَّوْمِ : « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا ».

سمي النوم مَوْتاً لأنه يزول معه العقل والحركة تمثيلا أو تشبيها لا تحقيقا ، وقيل الْمَوْتُ في كلام العرب يطلق على السكون ، يقال مَاتَتِ الريح إذا سكنت.

٢٢٢

والْمَوْتُ يقع بحسب أنواع الحياة فمنها ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الحيوان والنبات كقوله تعالى : ( يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) [٣٠ / ١٩ ] ومنها زوال القوة الحسية كقوله : ( يا لَيْتَنِي مِتُ قَبْلَ هذا ) [ ١٩ / ٢٣ ] ومنها زوال القوة العاقلة ـ وهي الجهالة ـ كقوله تعالى : ( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ) [ ٦ / ١٢٢ ] و ( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ) [ ٢٧ / ٨٠ ] ومنها الحزن والخوف المكدر للحياة كقوله تعالى : ( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ ) [ ١٤ / ١٧ ] وقد يستعار الْمَوْتُ للأحوال الشاقة كالفقر والذل والسؤال والهدم وغير ذلك. و « الْأَمْوَاتُ » جمع مَيِّتٍ ، مثل بيت وأبيات. قال تعالى : ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [٣ / ١٦٩ ]. وقد تكرر ذكر الْمَيِّتِ بالتشديد وعدمه ، وفرق بعضهم بينهما فقال : يقال في الحي مَيِّتٌ بالتشديد لا غير ، واستشهد بقوله : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) [٣٩ /٣٠ ] أي سَيَمُوتُونَ ، وقد جمعهما قول من قال :

ليس من مَاتَ واستراح بِمَيْتٍ

إنما الْمَيْتُ مَيِّتُ الأحياء

ويستوي في الْمَيِّتِ المذكر والمؤنث قال تعالى : ( لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً ) [ ٢٥ / ٤٩ ] ولم يقل مَيْتَةً. والْمَوْتُ : ضد الحياة ، يقال مَاتَ الإنسان يَمُوتُ مَوْتاً ، ويقال : مَاتَ يَمَاتُ من باب خاف لغة ـ قاله في المصباح وذكر لغة ثالثة ذكر أنها من باب التداخل.

وَقِيلَ لِلصَّادِقِ (ع) : صِفْ لَنَا الْمَوْتَ؟ فَقَالَ : هُوَ لِلْمُؤْمِنِ كَأَطْيَبِ رِيحٍ يَشَمُّهُ فَيَنْعَسُ لِطِيبِهِ فَيَنْقَطِعُ التَّعَبُ وَالْأَلَمُ كُلُّهُ عَنْهُ ، وَلِلْكَافِرِ كَلَسْعِ الْأَفَاعِيِّ وَلَدْغِ الْعَقَارِبِ وَأَشَدَّ.

و « مَاتَ » يعدى بالهمزة فيقال « أَمَاتَهُ الله ». و « الْمَوَتَانُ » بفتحتين : ضد الحيوان أيضا ، يقال اشْتَرِ الْمَوَتَانَ ولا تشتر الحيوان ، أي اشتر الأرض والدور ولا تشتر الرقيق والدواب.

وَفِي الْحَدِيثِ : « مَوَتَانُ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ».

يعني مَوَاتُهَا التي ليست لأحد

٢٢٣

قيل وفيه لغتان سكون الواو وفتحها مع فتح الميم. والْمَوْتُ والحياة خلقان من خلق الله تعالى ، فإذا جاء الْمَوْتُ فدخل الإنسان لم يدخل في شيء إلا وخرجت منه الحياة.

وَالْمَرْوِيُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَمُوتُونَ بَعْدَ مَوْتِ الْإِنْسِ بِأَسْرِهِمْ ، وَكُلَّمَا خَلَقَ اللهُ مِنْهُمْ حَيَّ ، وَالْأَشْرَافُ مِنْهُمْ لَا تَكُونُ مَسَاكِنُهُمْ وَمَنَازِلُهُمْ إِلَّا عَلَى السَّمَاوَاتِ كَجَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَعَزْرَائِيلَ.

كذا في شرح النهج للفاضل المتبحر ميثم (ره). و « الْمُوَاتُ » بضم الميم وبالفتح يقال لما لا روح فيه ، ويطلق على الأرض التي لا مالك لها من الآدميين ولا ينتفع بها ، إما لعطالتها أو لاستيحامها أو لبعد الماء عنها. و « الأرض الْمُوَاتُ » في كلام الأصحاب إما في ملك الإمام أو في ملك المسلمين أو يكون لها مالك معروف ، فالأولى تملك بالإحياء حال الغيبة مسلما كان المحيي أم كافرا ، وفي حال حضوره عليه السلام تملك بإذنه ، وما في ملك المسلمين لا يجوز إحياؤه إلا بإذنه وعلى المحيي طسقه ، وفي حال الغيبة من سبق إلى إحياء مَيْتَةٍ فهو أحق بها وعليه طسقها ، وقيل ليس عليه شيء. وأما التي لها مالك مخصوص وقد ملكت بغير الإحياء كالبيع والشراء وهي لمالكها ، وعليه الإجماع من الأصحاب. و « الْمِيتَةُ » بالكسر للحال والهيئة ، ومنه « مَاتَ مِيتَةً حسنة ». و « مَيْتَةَ السوء » بفتح السين : هي الحالة التي يكون عليها الإنسان عند الْمَوْتِ ، كالفقر المدقع ، والوصب الموجع ، والألم المغلق ، والأعلال التي تفضي به إلى كفران النعمة ، ونسيان الذكر ، والأحوال التي تشغله عما له وعليه. و « مَاتَ مَيتَةً جَاهِلِيَّةً ».

أي كَمَوْتِ أهل الجاهلية. و « الْمَيْتَةُ » بالفتح من الحيوان ، وجمعها « مَيْتَاتٌ » ، وأصلها « مَيِّتَةٌ « بالتشديد قيل والتزم التشديد في مَيِّتَةِ الأناسي والتخفيف في غير الناس فرقا بينهما.

٢٢٤

و « الْمَيِّتُون » بالتشديد يختص بذكور العقلاء ، و « الْمَيِّتَاتُ » لأناثهم ، وبالتخفيف للحيوان. و « مُؤْتَةُ » بهمزة ساكنة وتاء فوقانية كغرفة ويجوز التخفيف : قرية في أرض البلقاء (١) ، وبها وقعة مشهورة قتل فيها جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وجماعة كثيرة من الصحابة. و « يوم مُؤْتَةَ » يوم مشهور في السير

باب ما أوله النون

(نأت)

النُّؤْتَي : الملاح.

(نبت)

قوله تعالى : ( وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً ) [ ٧١ / ١٧ ] أي أنشأكم فاستعار الْإِنْبَاتَ للإنشاء ، كما يقال « زرعكم الله للخير » والمعنى أَنْبَتَكُمْ فَنَبَتُّمْ نَبَاتاً ، ونصب بِأَنْبَتَكُمْ لتضمنه معنى نَبَتُّمْ. قوله : ( أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً ) [٣ /٣٧ ] هو مجاز عن تربيتها بما يصلحها في جميع أحوالها ، والنَّبْتُ : النَّبَاتُ. ونَبَاتُ الأرض نَبْتُهَا ، ونَبَتَتِ الأرض وأَنْبَتَتْ بمعنى وأَنْبَتَ الغلام : نَبَتَتْ عانته. و « الأصبغ بن نُبَاتَةُ » بضم النون من رواة الحديث ممدوح (٢)

(نحت)

قوله تعالى : ( وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً ) [ ٢٦ / ١٤٩ ] أي تنقرون نقرا لأنهم كانوا يَنْحِتُونَ من الجبال سقوفا كالأبنية فلا تنهدم ولا تخرب.

__________________

(١) وقيل إنها من مشارف الشام على اثني عشر ميلا من أذرح. مراصد الاطلاع ص ١٣٣٠.

(٢) الأصبغ بن نباتة المجاشعي التميمي الحنظلي ، كان من خاصة أمير المؤمنين عليه السلام وعمر بعده. منتهى المقال ص ٦٠.

٢٢٥

ونَحَتَ من باب ضرب ، ومن باب نفع لغة. و « النُّحَاتَةُ » بالضم : البراية. والْمِنْحَتُ. ما يُنْحَتُ به.

(نصت)

قوله تعالى : ( إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ) [ ٧ / ٢٠٤ ] الآية قال بعض الأفاضل : لم أجد أحدا من المفسرين فرق بين الاستماع والإنصات ، والذي يظهر لي أن استمع بمعنى سمع والْإِنْصَاتُ توطين النفس على السماع مع السكوت ـ انتهى. قيل إنهم كانوا يتكلمون في صلاتهم أول فرضها ، فكان الرجل يجيء وهم في الصلاة فيقول : كم صليتم؟ فيقولون : كذا وكذا.

وَعَنِ الصَّادِقِ (ع) : الْمُرَادُ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِمَاعِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا.

والْإِنْصَاتُ : السكوت والاستماع للحديث ، يقال أَنْصِتُوهُ وأَنْصِتُوا له. والْإِنْصَاتُ للعلماء : السكوت والاستماع لما يقولون. واسْتَنْصَتَ الناس : طلب سكوتهم

(نعت)

فِي الْحَدِيثِ : « الرَّجُلُ يُنْعَتُ لَهُ الْمَرْأَةُ ».

أي توصف له ، من النَّعْتِ : وصف الشيء بما هو فيه من حسن وقبيح ، ولا يقال في القبيح إلا أن يتكلف ، والوصف يقال في الحسن والقبيح. و « كان يُنْعَتُ الزيت والورس لذات الجنب » أي يمدح التداوي بهما لتلك العلة. ويقال نُعِتَ شيء وأَنْعَتَهُ : إذا وصفه ونَعَتَ الرجل صاحبه ـ من باب نفع ـ : وصفه. وأَنْعَتُ لك كذا وكذا : أصفه لك.

(نكت)

فِي الْحَدِيثِ : « إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً مِنْ نُورٍ ».

النُّكْتَةُ في الشيء كالنقطة والجمع « نُكَتٌ » مثل برم وبرام ، ونُكْتَةٌ ونِكَاتٌ مثل برمة وبرام بالضم عامي ، ويقال نَكَتَ علي نُكْتَةً من بول ونقطة من بول.

وَفِي الْحَدِيثِ « بَيْنَا هُوَ يَنْكُتُ ». بضم الكاف أي يفكر ويحدث نفسه ، وأصله

٢٢٦

من الْنَّكْتِ بالحصى ، يقال نَكَتَ الأرض بالقضيب : وهو أن يخط بها خطا كالمفكر المهموم.

وَفِي حَدِيثِ وَصْفِ أَهْلِ الْبَيْتِ (ع) مِنْ جُمْلَةِ عُلُومِهِمْ : « نَكْتٌ فِي الْقُلُوبِ وَنَقْرٌ فِي الْأَسْمَاعِ ».

أما النَّكْتُ في القلوب فإلهام وأما النقر في الأسماع فأمر الملك.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ » ارْعَوْا قُلُوبَكُمْ بِذِكْرِ اللهِ وَاحْذَرُوا النَّكْتَ فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَى الْقَلْبِ تَارَاتٌ أَوْ سَاعَاتٌ لَا إِيمَانٌ فِيهِ وَلَا كُفْرٌ ، شِبْهَ الْخِرْقَةِ الْبَالِيَةِ وَالْعَظْمِ النَّخِرِ ، يَا أَبَا أُسَامَةَ أَلَيْسَ رُبَّمَا تَفَقَّدْتَ قَلْبَكَ فَلَا تَذْكُرُ بِهِ خَيْراً وَلَا شَرّاً وَلَا تَدْرِي أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ : بَلَى إِنَّهُ لَيُصِيبُنِي وَأَرَاهُ يُصِيبُ النَّاسَ. قَالَ : أَجَلْ لَيْسَ يَعْرَى مِنْهُ. قَالَ : فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَاذْكُرِ اللهَ تَعَالَى وَاحْذَرِ النَّكْتَ ».

كأن المراد أن يقع في القلب شيء غير مرضي لله تعالى.

باب ما أوله الواو (وقت)

قوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) [ ٤ / ١٠٣ ] الكتاب كالقتال ، والمراد منه المكتوب ، أي المفروض ، والْمَوْقُوتُ : المحدود بِأَوْقَاتٍ معينة ، يقال وَقَّتَهُ فهو مَوْقُوتٌ : إذا بين للفعل وَقْتاً يفعل فيه. والتَّوْقِيتُ للشيء مثله. قوله : ( وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ) [ ٧٧ / ١١ ] ووُقِتَتْ مخففة ، وأُقِتَتْ لغة مثل وجوه وأجوه ، أي جمعت لِوَقْتٍ وهي القيامة. قوله : ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً ) [ ٧٨ / ١٧ ] الْمِيْقَاتُ هو الْوَقْتُ المحدود للفعل ، واستعير للمكان ، ومنه « مَوَاقِيتُ الحج » لمواضع الإحرام يَوْمُ الْفَصْلِ يوم القضاء الذي يفصل الله فيه الحكم بين الخلائق ، ( كانَ مِيقاتاً ) لما وعد من الجزاء والحساب والثواب والعقاب.

٢٢٧

والْوَقْتُ مثل الْمِيقَاتُ ، ومنه الْحَدِيثُ « تَأْتِي الْوَقْتَ فَتُلَبِّي ».

ومِثْلَهُ « أَحْرَمَ مِنْ دُونَ أَنْ يَأْتِيَ الْوَقْتُ ».

أي الْمِيقَاتُ. والْوَقْتُ : مقدار من الزمان مفروض لأمر ما. وكل شيء قدرت له حينا فقد وَقَّتَهُ تَوْقِيتاً. ووَقَتَهَا يَقِتُهَا ـ من باب وعد ـ : حد لها وَقْتاً ، ثم قيل لكل شيء محدود مُوَقَّتٌ.

باب ما أوله الهاء

(هرت)

هَارُوتُ ومَارُوتُ هما ملكان أنزلا لتعليم السحر ابتلاءا من الله للناس وتميزا بينه وبين المعجزة. قيل هما من الْهَرْتِ والمرت وهو الكسر ، وعليه فهما منصرفان لكونهما عربيين ، ولهما قصة من أرادها طلبها من تفسير الشيخ علي بن إبراهيم (١). وهَرَتَ الثوب يَهْرِتُهُ. وهَرَتَ عرضه : طعن فيه.

(هفت)

فِي الْحَدِيثِ « يَتَهَافَتُونَ فِي النَّارِ ».

أي يتساقطون فيها ، من « الْهَفْتِ » وهو السقوط ، وأكثر ما يستعمل في الشر. وهَفَتَ الشيء هَفْتاً وهَفَاتاً : أي تطاير لخفته ، وكل شيء انخفض واتضع فقد هَفَتَ. والتَّهَافُتُ : التساقط شيئا فشيئا ، ومنه « تَهَافَتَ الفراش ».

(هيت)

قوله تعالى : ( هَيْتَ لَكَ ) [ ١٢ / ٢٣ ] قيل معناه هلم وأقبل إلى ما أدعوك إليه ، وقوله ( لَكَ ) أي إرادتي بهذا لك ، وقرئ ( هَيْتَ لَكَ ) بفتح هاء وكسرها مع تثليث تاء ، بمعنى تَهَيَّئَتْ لك. وهَيْتَ بمعنى هلم ، ومنه قول الشاعر في عَلِيٍّ (ع) :

__________________

(١) انظر تفسير علي بن إبراهيم ص ٤٧ ـ ٤٨.

٢٢٨

أَبْلِغْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أخا العراق إذا أَتَانَا

إن العراق وأهله سِلْمٌ إليك فَهَيْتَ هَيْتاً

أي هلم ، ويقال يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث إلا أن العدد فيما بعده قاله الجوهري. يقال هَيْتَ لكم وهَيْتَ لكما وهَيْتَ لكن. و « هِيتَ » بالكسر : اسم بلد على الفرات (١). و « هَاتِ يا رجلُ » بكسر التاء : أي أعطني ، وللاثنين هَاتِيَا مثل آتيا ، والجمع هَاتُوا ، والمرأة هَاتِي بالياء قاله الجوهري.

__________________

(١) هيت بالكسر وآخره تاء مثناة ، سميت باسم بانيها ، وهو الهيت بن البندي ـ ويقال البلندي ـ : بلدة على الفرات فوق الأنبار ذات نخل كثير وخيرات واسعة على جهة البرية في غربي الفرات ، وبها قبر عبد الله بن المبارك. مراصد الاطلاع ص ١٤٦٨.

٢٢٩
٢٣٠

كتاب الثاء

٢٣١

٢٣٢

باب ما أوله الألف

(اثث)

قوله تعالى : ( هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً ) [ ١٩ / ٧٤ ] الْأَثَاثُ : متاع البيت ، وعن الفراء لا واحد له من لفظه ، وعن ابن زيد الْأَثَاثُ المال أجمع الإبل والغنم والعبيد والمتاع الواحدة « أَثَاثَةٌ » وقيل الْأَثَاثُ ما يلبس ويفترش ، والجمع أَثَّةٌ وأُثُثٌ. وفِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : يَعْنِي بِهِ الثِّيَابَ وَالْأَكْلَ وَالشُّرْبَ.

وَفِي رِوَايَةِ الْبَاقِرِ قَالَ : الْأَثَاثُ الْمَتَاعُ (١).

(إرث)

قد تكرر في الكتاب والسنة ذكر الْإِرْثُ ، وهو الْمِيرَاثُ ، وأصل الهمز فيه الواو.

وَقَوْلُهُ (ع) : « إِنَّكُمْ عَلَى إِرْثِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ».

أي على ملته. والتَّأْرِيثُ : إيقاد النار ـ قاله الجوهري.

(أنث)

قوله تعالى : ( إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ) [٣ /٣٦ ]

وَرَوَى الزَّمَخْشَرِيُ أَنَّ حَنَّةَ حِينَ وَلَدَتْ مَرْيَمَ لَفَّتْهَا فِي خِرْقَةٍ وَحَمَلَتْهَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَوَضَعَتْهَا عِنْدَ الْأَحْبَارِ أَبْنَاءِ هَارُونَ وَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَالْحَجَبَةِ فِي الْكَعْبَةِ ، فَقَالَتْ لَهُمْ : دُونَكُمْ هَذِهِ النَّذِيرَةَ. فَتَنَافَسُوا فِيهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ بِنْتَ إِمَامِهِمْ وَصَاحِبِ قُرْبَانِهِمْ وَكَانُوا بَنُو مَاتَانَ رُءُوسَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمُلُوكَهُمْ. فَقَالَ زَكَرِيَّا : أَنَا أَحَقُّ بِهَا عِنْدِي أُخْتُهَا. فَقَالُوا : لَا حَتَّى نَقْتَرِعَ عَلَيْهَا ، فَانْطَلَقُوا وَكَانُوا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ إِلَى نَهَرٍ فَأَلْقَوْا فِيهِ أَقْلَامَهُمْ فَارْتَفَعَ قَلَمُ زَكَرِيَّا فَوْقَ الْمَاءِ وَرَسَبَتْ أَقْلَامُهُمْ ، فَتَكَفَّلَهَا وَكَانَ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا ( الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً ) فَيَقُولُ لَهَا : ( أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ )

__________________

(١) انظر التّفسير ص ٤١٣.

٢٣٣

تَكَلَّمَتْ وَهِيَ صَغِيرَةٌ كَمَا تَكَلَّمَ عِيسَى (ع) وَهُوَ فِي الْمَهْدِ.

قوله : ( إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً ) [ ٤ / ١١٧ ] قيل يعني إلا مواتا ضد الحياة ، وقيل الملائكة ، وقيل مثلا للات والعزى ومناة وأشباهها من الآلهة الْمُؤَنَّثَةِ ، كانوا يقولون للصنم أُنْثَى بني فلان ، ويقولون إن الأصنام بنات الله ، ويقرأ : إلا أُنُثاً جمع إِنَاثٍ. والْأُنْثَى : خلاف الذكر ، والجمع « إِنَاثٌ » بالكسر. وتَأْنِيثُ الاسم : خلاف تذكيره.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الشَّيْطَانُ أَتَى قَوْمَ لُوطٍ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ فِيهَا تَأْنِيثٌ ».

كأن المراد حب الوطي. ومثله « رَأَيْتَ التَّأْنِيثَ فِي وُلْدِ الْعَبَّاسِ ».

والأسماء التي لا بد من تَأْنِيثِهَا مما لا علامة فيه فكثيرة ، منها العين والأذن والنفس والدار والدلو إلى تمام ستين اسما. والْأُنْثَيَانِ : الخصيان ، ومنه « فِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ ».

باب ما أوله الباء

(بثث)

قوله : ( وَبَثَ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ) [ ٢ / ١٦٤ ] أي فرق فيها ونشر ، من بَثَ الشيء : إذا فرقه. قوله : ( هَباءً مُنْبَثًّا ) [ ٥٦ / ٦ ] الْمُنْبَثُ : ما تَبُثُّهُ الخيل بسنابكها من الغبار ، والْمُبْثَثُ المفرق ، ومنه قوله تعالى : ( كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ ) [ ١٠١ / ٤ ]. وقوله تعالى : ( وَزَرابِيُ مَبْثُوثَةٌ ) [ ٨٨ / ١٦ ] قوله : ( إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ ) [ ١٢ / ٨٦ ] الْبَثُ : أشد الحزن الذي لا يصبر عليه صاحبه حتى يَبُثَّهُ أو يشكوه ، والحزن : الهم. وقيل الْبَثُ ما أبداه الإنسان والحزن ما أخفاه ، لأن الحزن مستكن في القلب ، والْبَثُ ما بُثَ وأظهر ، فَالْبَثُ غير الحزن.

٢٣٤

وَفِي الْحَدِيثِ : « إِبْلِيسُ يَبُثُ جُنُودَهُ ».

أي يفرقهم وينشرهم ، من بَثَ الحديث : أذاعه وأنشره ، ومنه « بَثَ السُّلْطَانُ جُنُودَهُ ».

ومثله : « بَثَ الخير وأَبَثَّهُ ». وبَثَ الله الخلق بَثّاً ـ من باب قتل ـ : خلقهم. وبُثَ حاجتك : اذكرها.

(بحث)

قوله تعالى : ( غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ ) [ ٥ /٣١ ] هو من الْبَحْثِ ، وهو طلب الشيء في التراب. والْبَحْثُ أيضا : التفحص عن الشيء والتفتيش ، يقال بَحَثْتُ عن الشيء وابْتَحَثْتُ عنه : أي فتشت. وبَحَثَ بعقبه : أي حفر بطرف رجله

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَيْسَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَبْحَثُوا ».

أي يتقصوا عن الأحوال ويفتشوا ، من قولهم بَحَثَ عن الأمر بَحْثاً ـ من باب نفع ـ : استقصى.

(برث)

الْبَرْثُ : الأرض السهلة ، والجمع بِرَاثٌ وأَبْرَاثٌ وبُرُوثٌ. و « بُرَاثَا « بالضم : محلة عتيقة بجانب بغداد (١).

و « مَسْجِدُ بُرَاثَى » مَعْرُوفٌ هُنَاكَ ، وَهُوَ مَسْجِدٌ صَلَّى فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) لَمَّا رَجَعَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ (٢).

(برعث)

« بَرْعِيثَاشَا » على ما في النسخ وصى عَثَامِرَ الذي هو وصي سام الذي هو وصي نوح (ع).

(برغث)

الْبُرْغُوثُ واحد الْبَرَاغِيثِ ، وضم بائه أشهر من كسرها. و « أكلوني الْبَرَاغِيثُ » لغة طي خرجوا عليها ( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) ، ومثله

__________________

(١) براثا بالثاء المثلثة والقصر : محلة كانت في طرف بغداد في قبلي الكرخ. مراصد الاطلاع ص ١٧٤.

(٢) في الوافي ج ٢ ص ١٧٠ جابر بن عبد الله الأنصاري قال : صلى بنا علي (ع) ببراثا بعد رجوعه من قتال الشراة ....

٢٣٥

قوله : « يتعاقبون عليكم ملائكة ».

(بعث)

قوله تعالى : ( مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ) [٣٦ / ٥٢ ] قيل قد يكون الْبَعْثُ من النوم ، كما في الآية ، ومثله قوله ( ثُمَ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى ) [ ١٨ / ١٢ ] ويكون الْبَعْثُ إرسالا كـ ( بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً ) [ ١٦ /٣٦ ] ويكون نشورا كـ ( يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ) [ ٦ / ٦٠ ] أي في النهار ، ويكون إحياءا كقوله : ( وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ ) [ ١٨ / ١٩ ] أي أحييناهم. قوله : ( إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها ) [ ٩١ / ١٢ ] هو انفعل من الْبَعْثِ. والِانْبِعَاثُ : الإسراع إلى الطاعة لِلْبَاعِثِ ، ويقال انْبَعَثَ لشأنه : إذا ثار ومضى ذاهبا لقضاء حاجته. قوله : ( وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ ) [ ٩ / ٤٦ ] أي نهوضهم للخروج. قوله : ( عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) [ ١٧ / ٧٩ ] قيل ضمن يَبْعَثَكَ معنى يقيمك ( مَقاماً مَحْمُوداً ) وهو الشفاعة لأمته ، وكان محمودا لأنه يحمده كل من عرفه ، والْبَعْثُ : الإثارة ، من فعل يفعل بالفتح فيهما ، يقال بَعَثَ الله الموتى من قبورهم : أي أثارهم وأخرجهم.

وَفِي الْحَدِيثِ : « تَنَوَّقُوا بِأَكْفَانِكُمْ فَإِنَّكُمْ تُبْعَثُونَ بِهَا » (١).

أي تنشرون بها.

وَفِي حَدِيثِ الْحَجَرِ : « لِيَبْعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».

قيل لما كان الحجر من جملة الأموات وأعلم نبي الله أن الله قدر أن يهب له حياة يوم القيامة يستعد بها للنطق ويجعل له آلة تميز بها المشهود له وغيره وآلة يشهد بها ، شبه حاله بالأموات الذين كانوا رفاتا فَبُعِثُوا ، لاستواء كل واحد منهما في انعدام الحياة أولا ثم في حصوله ثانيا. والْبَاعِثُ : الذي يحيي الخلق بعد موتهم. وبَعَثَهُ وابْتَعَثَهُ : بمعنى أرسله.

وَمِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ (ع) فِي وَصْفِ النَّبِيِ :

__________________

(١) الكافي ج٣ ص ١٤٩ ، وفيه » في الأكفان ».

٢٣٦

« وَبَعِيثُكَ نِعْمَةٌ » (١).

أي مَبْعُوثُكَ الذي بَعَثْتَهُ إلى الخلق ـ أي أرسلته ـ نعمة فهو فعيل بمعنى مفعول. ومثله قَوْلُهُ (ص) : « وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً ».

وقَوْلُهُ : « بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً ».

ومثله « بَعَثَ راحلته » و « حتى تَنْبَعِثَ راحلته « أي تستوي قائمة إلى الطريق ، أي حين إبتدأ الشروع. والْبَعْثُ : الجيش ، تسمية بالمصدر والجمع بُعُوثٌ ، ومنه « كَانَ (ع) يَبْعَثُ الْبُعُوثَ ».

بفتح موحدة : أي يرسل الجيش للقتال.

وَفِي الْحَدِيثِ : « أَوَّلُ الْعَقِيقِ بَرِيدُ الْبَعْثِ » (٢).

بالعين المهملة والثاء المثلثة في المشهور ، وهو مكان دون المسلح بستة أميال مما يلي العراق ، وبينه وبين غمرة على ما قيل أربعة وعشرون ميلا بريدان ، وفسر المسلح بالسين والحاء المهملتين اسم مكان أخذ السلاح ولبس لأمة الحرب ، وهذا يناسب تفسير البعث بالجيش ، وضبطه العلماء بأنه واحد المسالح وهي المواضع العالية ، وضبطه البعض بالخاء المعجمة لنزع الثياب به (٣)، ويحكى ضبطه عن العلامة ببريد النغب بالنون قبل الغين المعجمة والباء الموحدة أخيرا ، وهو خلاف ما اشتهرت به الرواية. و « يوم الْمَبْعَثِ » هو يوم السابع والعشرين من رجب. و « يوم بُعَاثٍ » بالضم كغراب : يوم حرب في الجاهلية بين الأوس والخزرج وكان الظفر للأوس واستمر مائة وعشرين سنة حتى ألف بينهم الإسلام. و « بُعَاثٌ » اسم حصن للأوس ، وبعضهم يقول بالغين المعجمة ،

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ ص ٢٠٤.

(٢) الكافي ج ٤ ص٣٢١.

(٣) الموجود في الكافي ج ٤ ص٣٢٠ ـ٣٢١ في عدة أحاديث » مسلخ » بالخاء المعجمة ، وقال في مراصد الاطلاع ص ١٢٧١ المسلح بالفتح ثم السكون وفتح اللام والحاء المهملة موضع من أعمال المدينة. قلت : ومسلح قبل ذات عرق يحرم منه الشيعة ـ انتهى.

٢٣٧

قال في النهاية : وهو تصحيف (١).

(بغث)

في الحديث ذكر الْبُغَاثِ بالباء الموحدة المثلثة وبالمعجمة جمع بُغَاثَةٍ كذلك : طائر أبيض بطيء الطيران أصغر من الحدأة ، وفي الدروس : الْبُغَاثُ ما عظم من الطير وليس له مخلاب معقب أي معوج ، وربما جعل النسر من الْبُغَاثِ. وقال الفراء : بُغَاثُ الطير شرارها وما لا يصيد منها. وفي الصحاح الْبُغَاثُ طير دون الرخمة بطيء الطيران. وفي المثل « إن الْبُغَاثَ بأرضنا تستنسر » أي من جاورنا عز بنا.

باب ما أوله التاء

(تفث)

قوله تعالى : ( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) [ ٢٢ / ٢٩ ] التَّفَثُ محركة قيل هو التنظيف من الوسخ ، وقيل ما يفعله المحرم عند إحلاله كقص الشارب والظفر ونتف الإبط وحلق العانة ، وقيل هو ذهاب الشعث والدرن والوسخ مطلقا.

وَفِي الْحَدِيثِ : « التَّفَثُ حُقُوقُ الرَّجُلِ مِنَ الطِّيبِ فَإِذَا قَضَى نُسُكَهُ حَلَّ لَهُ الطِّيبُ ».

قال الجوهري التَّفَثُ في المناسك : ما كان من نحو قص الأظفار والشارب وحلق الرأس والعانة ورمي الجمار ونحر البدن وأشباه ذلك. وتَفِثَ تَفَثاً مثل تعب تعبا.

__________________

(١) بُعاث بالضم وآخره ثاء مثلثة : موضع من نواحي المدينة ، كانت به وقائع بين الأوس والخزرج في الجاهلية ، وحكاه صاحب العين بالمعجمة ، قال السكري هو تصحيف ، وقيل لغتان. مراصد الاطلاع ص ٢٠٦.

٢٣٨

باب ما أوله الثاء

(ثلث)

قوله تعالى : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ) [ ٥ / ٧٣ ] قيل هو رد على النصارى لإثباتهم قدم الأقنوم ـ أعني الأصل ـ وقالوا الأقانيم ثَلَاثَةٌ ، فعبروا عن الذات مع الوجود بأقنوم الأب ، وعن الذات مع العلم بأقنوم الابن ، وعن الذات مع الحياة بأقنوم روح القدس فرد الله عليهم ذلك بقوله : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا ) الآية.

قَوْلُهُ : ( وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ) [ ٩ / ١١٨ ] قِيلَ هُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ خُلِّفُوا عَنْ غَزَاةِ تَبُوكَ ، وَقِيلَ خُلِّفُوا عَنْ قَبُولِ التَّوْبَةِ.

قَالَ الطَّبْرِسِيُّ (ره) : وَفِي قِرَاءَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ (ع) خَالَفُوا (١).

قوله : ( وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً ) [ ٧ / ١٤٢ ] قيل هي شهر ذي القعدة ( وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ ) من ذي الحجة. قوله : ( سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ) [ ١٨ / ٢٢ ] الآية.

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِ كَانَ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ وَأَصْحَابُهُمَا مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ ، فَجَرَى ذِكْرُ أَهْلِ الْكَهْفِ فَقَالَ السَّيِّدُ كَانُوا ( ثَلَاثَةً رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ) وَكَانَ السَّيِّدُ يَعْقُوبِيّاً ، وَقَالَ الْعَاقِبُ كَانُوا خَمْسَةً وَ ( سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ ) ، وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ ( سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) ، فَحَقَّقَ اللهُ قَوْلَ الْمُسْلِمِينَ وَصَدَّقَهُمْ بَعْدَ قَوْلِهِ ( رَجْماً بِالْغَيْبِ ).

قال بعضهم : وهذه تسمى واو الثمانية ، وذلك أن العرب يقول اثنين ثَلَاثَةً أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية ، لأن العقد كان عندهم سبعة كما هو اليوم عندنا عشرة ، ونظيره قوله تعالى : ( التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ

__________________

(١) في تفسير علي بن إبراهيم ص ٢٧٣ : فقال العالم : إنما نزلت وعلى الثلاثة الذين خالفوا لو ( خلّفوا ) لم يكن عليهم عيب.

٢٣٩

الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) وقوله تعالى لأزواج النبي (ص) : ( عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ ) إلى قوله ( وَأَبْكاراً ) وقال بعضهم : هي واو الحكي فكان الله تعالى حكى اختلافهم فتم الكلام عند قوله : ( وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ ) ثم حكى أن ثامنهم كلبهم ، والثامن لا يكون إلا بعد السبع ، فهذا تحقيق قول المسلمين. قوله : ( أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) [٣٥ / ١ ] فَثُلَاثٌ غير منصرف للعدل والصفة ، لأنه عدل من ثَلَاثَةٍ إلى ثُلَاثَ ومَثْلَثَ ، وهو صفة لأنك تقول « مررت بقوم مثنى وثُلَاثَ » كما تقول ( أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) فوصف به. قال الجوهري : وهذا قول سيبويه. قال : وقال غيره إنما لم ينصرف لتكرر العدل فيه في اللفظ والمعنى ، لأنه عدل عن لفظ اثنين إلى لفظ مثنى وثُنَاء. وعن معنى اثنين إلى معنى اثنين اثنين ، لأنك تقول « جاءت الخيل مثنى والمعنى اثنين اثنين » أي جاءوا مزدوجين ، وكذلك جميع معدول العدد.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الْقُرْآنِ » (١).

قيل في توجيه ذلك لأن القرآن العزيز لا يتجاوز ثَلَاثَةَ أقسام وهو الإرشاد إلى معرفة ذات الله تعالى وتقديسه ، أو معرفة صفاته وأسمائه ، أو معرفة أفعاله وسننه في عباده ، ولما اشتملت سورة الإخلاص على أحد هذه الأقسام الثَّلَاثَةِ ـ وهو التقديس ـ وازنها رسول الله (ص) بِثُلُثِ القرآن ، لأن منتهى التقديس أن يكون واحدا في ثَلَاثَةِ أمور لا يكون حاصلا منه من هو من نوعه وشبهه ، ودل عليه قوله ( لَمْ يَلِدْ ) ، ولا يكون هو حاصلا ممن هو نظيره وشبهه ودل عليه قوله ( وَلَمْ يُولَدْ ) ، ولا يكون في درجته من هو مثله وإن لم يكن أصلا ولا فرعا ودل عليه بقوله ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ). ويجمع جميع ذلك قوله ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ). وذكر في المجمع أن القرآن قصص

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٦٢١.

٢٤٠