مجمع البحرين - ج ٢

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٢

باب ما أوله الذال

(ذيت)

« ذَيْتَ وذَيْتَ » مثل كيت وكيت : هو من ألفاظ الكنايات.

باب ما أوله الراء

(رتت)

الْأَرَتُ بالألف والراء المهملة والتاء المثناة الفوقانية المشددة : من في كلامه رَتَّةٌ ، وهي عجمة لا تعيب الكلام ، ومنه خباب بن الْأَرَتِ الذي ترحم عليه علي (ع) بعد موته.

(رفت)

قوله تعالى : ( أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً ) [ ١٧ / ٤٩ ] أي فُتات. والفُتات : الحطام وما تناثر من كل شيء.

باب ما أوله الزاي

(زفت)

فِي الْحَدِيثِ : « نَهَى عَنِ المُزَفَّتِ » (١).

وقد مر تفسيره في « دبا » والزِّفْتُ كالقير ، وقيل هو نوع منه

__________________

(١) معاني الأخبار ص ٢٢٤ ، وانظر ج ١ ص ١٣٣ من هذا الكتاب.

٢٠١

وجرة مُزَفَّتَةٌ ، أي مطلية بِالزِّفْتِ.

(زيت)

قوله تعالى : ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) [ ٩٥ / ١ ] الزَّيْتُونُ تمر معروف ، الواحدة « زَيْتُونَةٌ ». والزَّيْتُ : دهنة معروفة. وزَاتَهُ يَزِيتُهُ : إذا دهنه بِالزَّيْتِ ، ويتم الكلام في تين إن شاء الله تعالى

باب ما أوله السين

(سبت)

قوله تعالى : ( وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً ) [ ٧٨ / ٩ ] قيل معناه جعلنا نومكم راحة لأبدانكم ، وقيل جعلنا نومكم قطعا لأعمالكم وتصرفكم ، وقيل معناه ( جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً ) ليس بموت على الحقيقة ولا مخرج عن الإدراك والحياة. و « السُّبَاتُ » كغراب : النوم. والسَّبْتُ : قيام اليهود بأمر سَبْتِهَا. قال تعالى : ( وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ ) [ ٧ / ١٦٣ ] يَسْبِتُونَ ـ بالفتح ـ : يفعلون سَبْتَهُمْ ، أي يقيمون على الراحة وترك العمل ويُسْبِتُونَ ـ بضم أوله ـ : يدخلون في السَّبْتِ ، ومنه « أَسْبَتَ اليهود ». وقوله : ( إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ) [ ١٦ / ١٢٤ ] أي وبال السَّبْتِ ، وهو المسخ على الذين اختلفوا فيه وأحلوا الصيد فيه تارة وحرموه أخرى.

وَفِي التَّفْسِيرِ : رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ بَصَرُهُ وَهُوَ يَبْكِي ، قُلْتُ : مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ : هَذِهِ الْآيَةُ ( وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ) [ ٧ / ١٦٤ ] الْآيَةِ. قَالَ : أَتَعْرِفُ أَيْلَةَ؟ قَالَ : قَرْيَةٌ كَانَ بِهَا أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ فَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ صَيْدُ الْحِيتَانِ يَوْمَ السَّبْتِ ، فَكَانَتِ الْحِيتَانُ تَأْتِيهِمْ فِي يَوْمِ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً بِيضاً سِمَاناً ، فَإِذَا كَانَ غَيْرُ يَوْمِ السَّبْتِ

٢٠٢

لَا يَجِدُونَهَا وَلَا يُدْرِكُونَهَا إِلَّا بِمَشَقَّةٍ ، ثُمَّ إِنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ أَخْرَجَ حُوتاً يَوْمَ السَّبْتِ فَرَبَطَهُ إِلَى وَتِدٍ فِي السَّاحِلِ وَتَرَكَهُ فِي الْمَاءِ حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ أَخَذَهُ وَأَكَلَهُ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ أَهْلُ بَيْتِ مِنْهُمْ فَأَخَذُوا وَشَوَوْا ، فَوَجَدَ جِيرَانُهُمْ رَائِحَةَ الشِّوَاءِ فَفَعَلُوا كَفِعْلِهِمْ وَكَثُرَ ذَلِكَ فِيهِمْ وَافْتَرَقُوا فِرَقاً ، فِرْقَةٌ أَكَلَتْ وَفِرْقَةٌ نَهَتْ وَفِرْقَةٌ قَالَتْ : ( لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ ) الْآيَةِ ، فَقَالَتِ الْفِرْقَةُ الَّتِي نَهَتْ : إِنَّا نُحَذِّرُكُمْ غَضَبَ اللهِ وَعِقَابَهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ وَاللهِ مَا نُسَاكِنُكُمْ فِي مَكَانٍ أَنْتُمْ فِيهِ ، وَخَرَجُوا مِنَ السُّورِ ثُمَّ غَدَوْا عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ فَضَرَبُوا بَابَ السُّورِ فَلَمْ يُجِبْهُمْ أَحَدٌ ، فَتَسَوَّرَ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ السُّورَ فَقَالَ : وَاللهِ قِرَدَةٌ لَهَا أَذْنَابٌ تَتَعَاوَى ، فَنَزَلَ فَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ فَعَرَفَتِ الْقِرَدَةُ أَنْسَابَهَا مِنَ الْإِنْسِ وَلَمْ تَعْرِفِ الْإِنْسُ أَنْسَابَهَا مِنَ الْقِرَدَةِ ، فَيَأْتِي الْقِرْدُ إِلَى نَسِيبِهِ وَقَرِيبِهِ فَيَحْتَكُّ بِهِ وَيَلْصَقُ إِلَيْهِ فَيَقُولُ الْإِنْسِيُّ : أَنْتَ فُلَانٌ؟ فَيُشِيرَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ وَيَبْكِي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَاسْمَعْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى : ( وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) إِلَى أَنْ قَالَ : فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ مُنْكَرٍ فَلَمْ نَنْهَ عَنْهُ.

وَفِي حَدِيثِ آدَمَ : « فَأَلْقَى عَلَيْهِ السُّبَاتَ ».

بالضم : أي النوم الثقيل ، وأصله الراحة ، يقال منه سَبَتَ يَسْبُتُ من باب قتل. وسُبِتَ بالبناء للمفعول : غشي عليه. والسَّبْتُ : الدهر. والسَّبْتُ : ثلاثون سنة. ومنه قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ أُمِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ « اصْبِرِي سَبْتاً أُبَشِّرْكِ بِمِثْلِهِ ».

وكان بين علي (ع) والنبي (ص) ثلاثون سنة. و « يوم السَّبْتِ » سمي به لأن الله تعالى خلق العالم في ستة أيام آخرها الجمعة ، فسمي يوم السابع يوم السبت لانقطاع العمل والأيام عنده. والسَّبْتَةُ : هو ثوب أبيض ، ومنه حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ : « رَبَطَتْ حَقْوَيْهَا بِسَبْتَةٍ وَسَدَلَتْ طَرَفَيْهَا خَلْفَهَا تَجُرُّهُ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِحَفْصَةَ : انْظُرِي مَا تَجُرُّ خَلْفَهَا كَأَنَّهُ لِسَانُ كَلْبٍ ».

٢٠٣

(ستت)

قوله تعالى : ( فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) [ ٧ / ٥٤ ] أي أنشأ السماوات والأرض وأوجدهما في سِتَّةِ أيام ، أي مقدار سِتَّةِ أيام من أيام الدنيا ، لأن إنشاء الشيء بعد الشيء على ترتيب أدل على كون فاعله عالما حكيما يدبره على مقتضى الحكمة ، ولأنه أراد تعليم خلقه التثبيت في الأمور والتأني. ويتم الكلام في خلق إن شاء الله. قال الجوهري : يقال سِتَّةُ رجال وسِتُ نسوة ، وأصله سدس ، فأبدل من إحدى السينين تاء وأدغم فيه الدال. وحكى عن ابن السكيت أنه قال : تقول عندي سِتَّةُ رجال ونسوة ، أي عندي ثلاثة من هؤلاء ، وثلاث من هؤلاء وإن شئت قلت عندي سِتَّةُ رجال ونسوة ، أي عندي سِتَّةٌ من هؤلاء وعندي نسوة ، وكذلك كل عدد احتمل أن ينفرد منه جمعان مثل السِّتِ والسبع وما فوقهما فلك فيه الوجهان ، وأما إذا كان عدد لا يحتمل أن ينفرد منه جمعان مثل الخمس والأربع والثلاث فالرفع لا غير ، يقول عندي خمسة رجال ونسوة ولا يكون الخفض ـ انتهى.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مِقْدَارِ غَيْبَةِ الْإِمَامِ (ع)؟ فَقَالَ : « سِتَّةُ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ سِتُّ سِنِينَ ».

ولم يتضح الأمر في ذلك كله والله أعلم

(سحت)

قوله تعالى : ( وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ) [ ٥ / ٦٢ ] هو بضمتين وإسكان الثاني تخفيف : كل ما لا يحل كسبه ، واشتقاقه من « السُّحْتُ : وهو الاستيصال ، يقال سَحَتُّهُ وأَسْحَتُّهُ أي استأصله ، ويسمى الحرام به لأنه يعقب عذاب الاستيصال. وقيل لأنه لا بركة فيه ، وقيل إنه يُسْحِتُ مروءة الإنسان.

وَعَنْ عَلِيٍّ (ع) هُوَ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ ، وَثَمَنُ الْخَمْرِ ، وَثَمَنُ الْمَيْتَةِ ، وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَالِاسْتِعْمَالُ فِي الْمَعْصِيَةِ (١).

وَعَنِ الصَّادِقِ (ع) : « السُّحْتُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ ... فَأَمَّا الرِّشَاءُ فِي الْحُكْمِ

__________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٦٠٤.

٢٠٤

فَهُوَ الْكُفْرُ بِاللهِ » (١).

قوله : ( فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ ) [ ٢٠ / ٦١ ] أي يهلككم ويستأصلكم.

(سكت)

قوله تعالى : ( وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ ) [ ٧ / ١٥٤ ] أي سكن ، من قولهم سَكَتَ سَكْتاً وسُكُوتاً : صمت وسكن. و « السَّكْتَةُ « بالفتح : داء ، وتَعْتَرِيهُمُ السَّكْتَةُ.

أي المرض فلم يتكلموا. و « السُّكْتَةُ « كغرفة : ما يُسْكِتُ الصبي. و « السِّكِّيتُ » على فعيل بالتشديد : الدائم السُّكُوتُ. و « ابن السِّكِّيتُ » اسمه يعقوب بن إسحاق ثقة عند أهل الرجال (٢).

(سلت)

فِي الْحَدِيثِ : « سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْبَيْضَاءِ ـ أَعْنِي الْحِنْطَةَ بِالسَّلْتِ فَكَرِهَهُ ».

السُّلْتُ بالضم فالسكون : ضرب من الشعير لا قشر فيه كأنه الحنطة تكون في الحجاز ، وعن الأزهري أنه قال : هو كالحنطة في ملاسته وكالشعير في طبعه وبرودته. » سلت الله أقدامه « في الدعاء عليه : أي قطعها.

وَفِي حَدِيثٍ الْحُسَيْنِ (ع) « وَكَانَ (ص) يَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَيُسْلِتُ خَشْمَهُ ».

أي يمسح مخاطه عن أنفه.

وَفِي الْخَبَرِ « أَنَّهُ لَعَنَ السَّلْتَاءَ وَالْمَرْهَاءَ ».

السَّلْتَاءُ : هي من لا تختضب من النساء كأنها سَلَتَتْ الخضاب من يدها ، والمرهاء : من لا كحل في عينها.

(سمت)

فِي الْحَدِيثِ : « الْزَمُوا سَمْتَ آلِ مُحَمَّدٍ (ص) ». أي طريقتهم

__________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٦٠٤.

(٢) كان ابن السكيت من عظماء الشيعة ويعد من خواص الإمامين التقيين ، وكان حامل لواء علم العربية والأدب والشعر واللغة والنحو ، وله تصانيف كثيرة مفيدة منها تهذيب الألفاظ وكتاب إصلاح المنطق قتله المتوكل في خامس رجب سنة ٢٤٤. الكنى والألقاب ج ١ ص٣٠٣.

٢٠٥

والسَّمْتُ : عبارة عن الحالة التي يكون عليها الإنسان من السكينة والوقار وحسن السيرة والطريقة واستقامة المنظر والهيئة ـ قاله في النهاية. ومِنْهُ « السَّمْتُ الصَّالِحُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ ».

ويقال فلان حسن السَّمْتِ والهدي : أي حسن المذهب في الأمور كلها.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ : « قَالَ رَسُولُ اللهِ : لِلْمُسْلِمِ ثَلَاثُونَ حَقّاً « وَعَدَّ مِنْهَا تَسْمِيتَ الْعَاطِسِ.

أعني الدعاء له. قال الجوهري : التَّسْمِيتُ بالسين المهملة وبالشين المعجمة أيضا : الدعاء للعاطس ، مثل « يرحمك الله ». وقال تغلب نقلا عنه : والاختيار بالسين لأنه مأخوذ من السَّمْتِ والقصد ، وقال أبو عبيدة بالشين المعجمة.

وَفِي الْحَدِيثِ : « أَنَّ أَحَدُكُمْ لَيَدَعُ تَسْمِيتَ أَخِيهِ إِذَا عَطَسَ فَيُطَالِبُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقْضَى لَهُ عَلَيْهِ » (١).

وفِيهِ : « يَجُوزُ لِلْمُصَلِّي تَسْمِيتُ الْعَاطِسِ وَأَنْ يَحْمَدَ اللهَ إِذَا عَطَسَ لِأَنَّهُ مُنَاجَاةٌ لِلرَّبِّ ».

ودعاء السِّمَاتِ هو الدعاء المشهور المروي عن أبي عمرو العمري بفتح العين المكنى بأبي عمرو السمان من أصحاب الجواد (ع) ، وهو ثقة جليل من وكلاء العسكري عليه السلام (٢). و « السِّمَاتُ » بكسر السين جمع السِّمَةِ ، وهي العلامة ، كأن عليه علامات الإجابة ، ويسمى أيضا دعاء الشبور وسيأتي معناه إن شاء الله تعالى.

(سنت)

أَسْنَتَ القوم : أجدبوا. والْمُسْنِتُونَ : الذين أصابتهم شدة السَّنَة وهو القحط والجدب ، من أَسْنَتَ فهو مُسْنِتٌ : إذا أجدب.

__________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٦٥٤.

(٢) اسم أبي عمرو عثمان بن سعيد. انظر رجال أبي علي ص ٢٠٠.

٢٠٦

باب ما أوله الشين

(شتت)

قوله تعالى : ( فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى ) [ ٢٠ / ٥٣ ] أي مختلف الألوان والطعوم. قوله : ( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) [ ٩٢ / ٤ ] أي إن عملكم مختلف ، فإن سعي المؤمنين يخالف سعي الكافرين. قوله : ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً ) [ ٩٩ / ٦ ] أي متفرقين في عمل صالح أو طالح وخير أو شر ، من قولهم شَتَ الأمر شَتّاً من باب ضرب وشَتَاتاً : إذا تفرق ، الاسم الشَّتَاتُ. و « قوم شَتَّى » على فعلى : متفرقون. و « شَتَّانَ ما عمرو وأخوه » أي بعد ما بينهما. قال الجوهري : قال الأصمعي : لا يقال شَتَّانَ ما بينهما وقول الشاعر

« وشَتَّانَ ما بين اليزيدين في الندى »

ليس بحجة إنما هو مولد ، والحجة قول الأعشى أعشى قيس :

شَتَّانَ ما يومي على كورها

ويوم حيان أخي جابر

أنت هي وهو الأفصح ، وبه استشهد علي (ع) في خطبة الشقشقية (١). وحيان وجابر ابنا السمين بن عمرو من بني حنيفة ، وكان حيان صاحب الحصن باليمامة سيدا مطاعا يصله كسرى في كل سنة ، وكان في نعمة ورفاهية ، وكان الأعشى ينادمه ، وأراد ما أبعد ما بين يومي على كور المطية أدأب وأنصب في الهواجر ويومي منادما لحيان أخي جابر وادعا في نعمة وخفض. وروي أن حيانا عاب الأعشى في تعريفه بأخيه ، واعتذر بأن القافية جرته إلى ذلك فلم يقبل عذره. وغرض الإمام (ع) من البيت تشبيه حاله بحال القائل ، والفرق بين أيامه مع رسول الله وحاله مع العزة وقرب المنزلة

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ ص ٢٦.

٢٠٧

والحصول على العلوم ومكارم الأخلاق ، وأيامه مع القوم وحاله مع المتاعب والمشاق ومقاسات المحن.

(شمت)

قوله تعالى : ( فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ ) [ ٧ / ١٥٠ ] أي لا تسرهم بي وتفرحهم ، والشَّمَاتَةُ : السرور بمكاره الأعداء ، يقال شَمِتَ بالكسر يَشْمَتُ : إذا فرح بمصيبته والاسم « الشَّمَاتَةُ » بالفتح. ومِنْهُ « أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ ».

و « الشُّمَاتُ » بضم الشين وتشديد الميم جمع شَامِتٍ.

وَفِي الْخَبَرِ « أَمَرَ رَسُولُ اللهِ (ص) بِتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ».

بالشين المعجمة أو السين المهملة ، وهو الدعاء له بالخير والبركة قيل والمعجمة أعلاهما ، واشتقاقه من الشَّوَامِتِ وهي القوائم ، كأنه دعاء للعاطس بالثبات على طاعة الله ، وقيل معناه أبعدك الله عن الشَّمَاتَةِ وجنبك ما يُتَشَمَّتُ به عليك.

باب ما أوله الصاد

(صلت)

فِي صِفَتِهِ (ص) « كَانَ أَصْلَتَ الْجَبِينِ ».

أي واسعه ، وقيل الْأَصْلَتُ الأملس ، وقيل البارز ، ويقال سيف أَصْلَتُ : صقيل. وأَصْلَتَ سيفَه : جرده من غمده ، فهو « مِصْلَتٌ » بكسر الميم : إذا كان ماضيا في الأمور ، وكذلك صَلْتٌ ومِصْلَاتٌ. و « الصُّلْتُ » بالضم : السكين الكبير. و « الصَّلْتُ » اسم رجل ـ قاله الجوهري.

(صمت)

فِي الْحَدِيثِ : « الْزَمِ الصَّمْتَ تَسْلَمْ » (١).

أي من آفات اللسان والمعاصي وهي كثيرة جدا ، فإنه ما من موجود ومعدوم وخالق ومخلوق ومعلوم وموهوم إلا ويتناوله اللسان ويتعرض له بنفي

__________________

(١) سفينة البحار ج ٢ ص ٥٠.

٢٠٨

وإثبات ، وهذه الخاصة لم توجد في بقية الأعضاء. والمال الصَّامِتُ : الذهب والفضة ، وهو خلاف الناطق وهو الحيوان. وأكثر ما يطلق الصَّامِتُ على الجماد والناطق على الحيوان. ومنه قول الفقهاء « الزكاة في الناطق والصَّامِتِ » ، وقولهم : « ما له صَامِتٌ ولا ناطق » أي ليس له شيء. وصَمَتَ يَصْمُتُ صَمْتاً وصُمُوتاً من باب قتل : سكت ، فهو صَامِتٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَا صَمْتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ ».

أي لا فضيلة له ولا هو مشروع ، يدل عليه قَوْلُهُ عليه السلام : « صَمْتُ الصَّوْمِ حَرَامٌ ».

وشيء مُصْمَتٌ : لا جوف له. وباب مُصْمَتٌ : قد أبهم إغلاقه.

(صوت)

قوله تعالى : ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) [ ١٧ / ٦٤ ] أي بوسوستك ، والصَّوْتُ الوسوسة. قوله : ( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) [٣١ / ١٩ ] قال العطسة القبيحة ، والصَّوْتُ في العرب جرس الكلام وهو مذكر. وأما قولهم : « هذه الصَّوْتُ ، فمؤول بالصيحة. والصَّائِتُ : الصائح ، وقد صَاتَ الشيء يَصُوتُ صَوْتاً ، وكذلك صَوَّتَ تَصْوِيتاً. ورَجُلٌ صَيِّتٌ : شديد الصَّوْتِ عاليه وأصله صَيْوِتٌ ، وصَائِتٌ بمعناه. ومثله « مؤذن صَيِّتٌ ».

وَفِي الْحَدِيثِ : « مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ صِيتٌ فِي السَّمَاءِ ».

هو بالكسر : ذكر وشهرة وعرفان ، ويكون في الخير والشر. والصَّوْتُ الضعيف : الذي لا يسمع إلا من قريب لكنه لم يبلغ حد الهمس ، وهو الصَّوْتُ الخفي حتى كأنه لم يخرج من فضاء الفم. و « الصِّيتُ » بالكسر : الذكر الجميل ينشر في الناس دون القبيح ـ قاله الجوهري.

٢٠٩

باب ما أوله الطاء

(طست)

فِي حَدِيثِ الْوُضُوءِ : « فَدَعَا بِطَسْتٍ » (١).

هو بفتح طاء وسكون مهملة إناء معروف ، وقد جاء بكسر الطاء ، وقد تعجم السين ، وأنكره بعضهم ، وقد نقل فيه التذكير والتأنيث ، وعن الزجاج التأنيث أكثر كلام العرب ، وعن السجستاني هي عجمية معربة ، وفي المغرب نقلا عنه الطَّسْتُ مؤنثة وهي أعجمية والطَّسُ تعريبها وعن ابن قتيبة أصلها طس بتشديد السين فأبدل. ويجمع الطس على « طِسَاس » مثل سهم وسهام. ومنه حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ : « وَاخْتَلَفَ إِلَيْهِ مِيكَائِيلُ بِثَلَاثِ طِسَاسٍ مِنْ زَمْزَمَ ».

ويجمع أيضا على « طُسُوسٍ » باعتبار الأصل ، وعلى « طُسُوتٍ » باعتبار اللفظ.

(طلت)

طَالُوت اسم أعجمي كجالوت وداود وفيه سببان التعريف والعجمة ، والنبوة كانت في سبط لاوي بن يعقوب ، والملك كان في سبط هود ، ولم يكن طالوت من أحد السبطين ولكن ( اللهَ اصْطَفاهُ ) ـ أي اختاره ـ وهو أعلم بالمصالح ، وزاده الله ( بَسْطَةً ) ـ أي سعة وامتدادا ـ ( فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ) ، وكان أعلم بني إسرائيل في وقته وأتمّهم جسما وأشجعهم ، وفِي كُتُبِ السِّيَرِ كَانَ طَالُوتُ أَيَّاباً. أي سَقَّاء.

__________________

(١) الكافي ج٣ ص ٢٦.

٢١٠

باب ما أوله العين

(عنت)

قوله تعالى : ( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) [ ٤ / ٢٥ ] الْعَنَتَ بالتحريك الوقوع في الإثم. والْعَنَتُ : الفجور والزنا. والْعَنَتُ : الهلاك ، وأصله المشقة والصعوبة. والْعَنَتُ : الوقوع في أمر شاق. والْعَنَتُ : الخطأ ، وهو مصدر من باب تعب. قوله : ( وَدُّوا ما عَنِتُّمْ ) [٣ / ١١٨ ] أي تمنوا عَنَتَكُمْ. قوله تعالى : ( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ ) [ ٢ / ٢٢٠ ] أي لأهلككم ، ويجوز أن يكون المعنى لشدد عليكم وتعبدكم بما يصعب عليكم أداؤه كما فعل بمن كان قبلكم.

وَفِي الْحَدِيثِ : « أَنَّ مَلَكاً مِنْ مَلَائِكَةِ اللهِ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ فَعَنِتَ عَلَيْهِ ».

أو نحو ذلك. وفِيهِ : « لَا تَسْأَلْ تَعَنُّتاً ».

التَّعَنُّتُ : طلب الْعَنَتُ ، وهو الأمر الشاق ، أي لا تسأل لغير الوجه الذي ينبغي طلب العلم له كالمغالبة والمجادلة. والْعَنَتُ أيضا : الضرر والفساد.

باب ما أوله الغين

(غتت)

فِي الْحَدِيثِ. « أَنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً غَتَّهُ بِالْبَلَاءِ غَتّاً ».

أي غمسه فيه غمسا متتابعا ، ويقال غَتَّهُ بالماء أي غطه. ولعل ذلك لمن علم منه الصبر ، فإن من لا صبر له لا يحبه الله وكان البلاء عليه عذابا.

(غفت)

فِي الْحَدِيثِ : « وَصَفَ لَهُ الْمُتَطَبِّبُونَ الْغَافَت ».

هو بالغين المعجمة ثم الفاء بعد الألف ثم التاء المثناة الفوقانية ـ على ما

٢١١

هو المعروف من النسخ ـ : دواء معروف بين الأطباء وسمعنا من بعضهم أنه « الغافث » بالثاء المثلثة ولعله الصواب. وفي القانون نقلا عنه : أن الْغَافِتَ من الحشائش الشائكة له ورق كورق الشهدانج ، أو ورق النيطالقون وهو المستعمل أو عصارته.

باب ما أوله الفاء

(فتت)

« الْفُتَاتُ » بالضم : ما انْفَتَ من الشيء. وفُتَاتُ الشيء : ما تكسر منه. وفَتَ الشيء : أي كسره ، فهو مَفْتُوتٌ وفَتِيتٌ. وفَتَ الرجل الخبز فَتّاً ـ من باب قتل : ـ كسره بالأصابع. وفَتَ الدم بيده : أي فَتَّتَهُ وكسره.

(فخت)

« الْفَاخِتَةُ » واحدة الْفَوَاخِتِ من ذوات الأطواق ـ قاله الجوهري.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الْفَاخِتَةُ طَيْرٌ مَشْئُومٌ » ١).

قيل الْفَاخِتَةُ اسم فاعل من فَخَتَ : إذا مشى مشية فيها تبختر وتمايل. وفي حياة الحيوان الْفَاخِتَةُ بفتح الفاء وكسر الخاء المعجمة وبالثاء المثلثة في آخره ، زعموا أن الحيات تهرب من صوتها ، ويحكى أن الحيات كثرت في أرض فشكوا ذلك إلى بعض الحكماء فأمر بنقل الفواخت إليها فانقطعت عنها

وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَ الْفَاخِتَةَ تَقُولُ : « يَا لَيْتَ هَذَا الْخَلْقَ لَمْ يُخْلَقُوا ، أَوْ لَيْتَهُمْ إِذْ خُلِقُوا عَلِمُوا لِمَا ذَا خُلِقُوا ، وَلَيْتَهُمْ إِذْ عَلِمُوا لِمَا ذَا خُلِقُوا عَمِلُوا ».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٥٥١.

٢١٢

(فرت)

قوله تعالى : ( وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً ) [ ٧٧ / ٢٧ ] أي عذبا ، ويقال أعذب العذوبة. و « الْفُرَاتُ » اسم نهر الكوفة. والْفُرَاتَانِ : الْفُرَاتُ ودِجْلَة. وفي المصباح : الْفُرَاتُ نهر عظيم مشهور يخرج من حدود الروم ثم يمر بأطراف الشام ثم بالكوفة [ ثم بالحلة ] ثم يلتقي مع دجلة في البطائح ويصيران نهرا واحدا ، ثم يصب عند عبادان في بحر فارس ، [ والْفُرَاتُ : الماء العذب ، يقال فرت الماء فَرُوتَةٌ وزان سهل سهولة : إذا عذب ] ، ولا يجمع إلا نادرا على فِرْتَانٍ مثل غربان ـ انتهى. وفُرَاتُ بن إبراهيم له تفسير عظيم الشأن ، وهو من جملة الرواة الذين يروي عنهم علي بن إبراهيم.

(فلت)

مِنْ كَلَامِ عُمَرَ : « كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَقَى اللهِ شَرَّهَا ».

الْفَلْتَةُ : وقوع الأمر من غير تدبر ولا روية. والْفَلْتَةُ : كل شيء يفعله الإنسان فجأة من غير تدبر ولا روية.

وَفِي الْحَدِيثِ : « شِيعَتُنَا يَنْطِقُونَ بِنُورِ اللهِ ، وَمَنْ يُخَالِفُونَهُمْ يَنْطِقُونَ بِتَفَلُّتٍ ».

أي من غير فكر ولا تدبر. والتَّفَلُّتُ والْإِفْلَاتُ والِانْفِلَاتُ : التخلص ، يقال أَفْلَتَ الطائر وغيره إِفْلَاتاً : تخلص. وفَلَتَ الطائر فَلْتاً من باب ضرب لغة. والْفَلَتَاتُ : الزلات ، جمع « فَلْتَةٍ » وهي الزلة.

وَفِي الْحَدِيثِ : « قَلَّ مَنْ يُفْلِتُ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ ».

أي يتخلص منها. وانْفَلَتَ : خرج بسرعة.

(فوت)

قوله تعالى : ( ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ) [ ٦٧ /٣ ] أي اضطراب واختلاف ، وأصله من الْفَوْتِ ، وهو أن يفوت الشيء فيقع في الخلل.

وَفِي الْحَدِيثِ : « أَتَخَوَّفُ مِنَ الْفَوْتِ

٢١٣

قُلْتُ : وَمَا الْفَوْتُ؟ قَالَ : الْمَوْتُ ».

والْفَوْتُ : الْفَوَاتُ. ومنه الدُّعَاءُ « إِنَّمَا يَعْجَلُ مَنْ يَخَافُ الْفَوْتَ ».

أي الْفَوَاتَ. وموت الْفَوَاتِ : موت الفجأة ، ومِنْهُ « مَرَّ بِحَائِطِ فَأَسْرَعَ فَقَالَ : أَخَافُ مَوْتَ الْفَوَاتِ ».

والْفَوْتُ : الْفَائِتُ ، ومِنْهُ « يَا جَامِعَ كُلِ فَوْتٍ ».

أي كل فَائِتٍ. وفَاتَ الأمر فَوْتاً وفَوَاتاً : أي فَاتَ وقت فعله. ومِنْهُ « فَاتَتِ الصَّلَاةُ ».

إذا خرج وقت فعلها ولم تفعل. فَاتَنِي فلان بكذا : سبقني. وتَفَاوَتَ الشيئان تَفَاوَتَا ـ بحركات الواو والضم أكثر ـ : تباعد ما بينهما.

باب ما أوله القاف

(قتت)

فِي الْحَدِيثِ « الْجَنَّةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْقَتَّاتِ ».

والمراد به النمام المزور ، من قَتَ الحديث : نمه وأشاعه بين الناس. ومِنْهُ « يَقُتُ الْأَحَادِيثَ ».

أي ينمها. وفِيهِ : « مَنْ بَلَّغَ بَعْضَ النَّاسِ مَا سَمِعَ مِنْ بَعْضٍ آخَرَ مِنْهُمْ فَهُوَ الْقَتَّاتُ ، فَلَا يَنْبَغِي سَمَاعُ بَلَاغَاتِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبْلِيغُ ذَلِكَ ».

وقيل النمام هو الذي يكون مع القوم يتحدثون فينم عليهم ، والْقَتَّاتُ هو الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون فينم حديثهم.

وَقَوْلُهُ (ع) : « الْجَنَّةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْقَتَّاتِينَ الْمَشَّائِينَ بِالنَّمِيمَةِ » (١).

هو بمنزلة التأكيد للعبارة الأولى. والْقَتَّاتُ أيضا : بائع الْقَتِ ـ بفتح قاف مشددة فوقانية ـ وهي الرطب من علف الدواب ويابسه ، وعن الأزهري الْقَتُ : حب بري لا ينبته الآدمي ، فإن

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص٣٦٩.

٢١٤

كان عام قحط وفقد أهل البادية ما يقتاتونه به من لبن وتمر ونحوه دقوه وطبخوه واجتزوا به على ما فيه من الخشونة

(قنت)

قوله تعالى : ( وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ ) [ ٢ / ٢٣٨ ] أي داعين في قُنُوتِكُمْ ، وقيل مطيعين ، وقيل مقرين بالعبودية. ومثله قوله : ( كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ ) [ ٢ / ١١٦ ] قوله تعالى في مريم : ( وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ ) [ ٦٦ / ١٢ ] أي من المطيعين لله الدائمين على طاعته ، ولم يقل « من الْقَانِتَاتِ » لتغليب المذكر على المؤنث ، أو إشارة إلى أنها بلغت من الكمال ما قد صارت من الرجال الْقَانِتِينَ. قوله : ( اقْنُتِي لِرَبِّكِ ) [٣ / ٤٣ ] أي اعبديه أو صلى. قوله : ( وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَ ) [٣٣ /٣١ ] أي من يقم على الطاعة.

قَوْلُهُ : ( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ) [٣٩ / ٩ ] أَيْ مُصَلٍّ سَاعَاتِ اللَّيْلِ ، قِيلَ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ (ع).

. قوله : ( قانِتاتٌ ) [ ٤ /٣٤ ] أي قائمات بحقوق أزواجهن. وقد جاءت الْقُنُوتُ للصمت والسكوت كما

رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ « كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ : ( وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ ) أَيْ ساكتين فَأَمْسَكْنَا عَنِ الْكَلَامِ ».

(قوت)

قوله تعالى : ( وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها ) [ ٤١ / ١٠ ] أي أرزاقها ، جمع « قُوتٍ » بالضم : وهو ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام. وعن ابن فارس والأزهري الْقُوتُ : ما يؤكل ليمسك الرمق. وقَاتَهُ يَقُوتُهُ قُوتاً من باب قال : أعطاه قُوتاً. واقْتَاتَ بِالْقُوتِ : أكله. قوله : ( وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً ) [ ٤ / ٨٥ ] قيل الْمُقِيتُ المقتدر المعطي أَقْوَاتَ الخلائق ، من أَقَاتَهُ : أعطاه قُوتَهُ ، وهي لغة في قَاتَهُ. و « الْمُقِيتُ » من أسمائه تعالى ، وهو المقتدر والحافظ والشاهد.

وَفِي الْحَدِيثِ « اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً ».

أي بقدر ما يمسك به الرمق من المطعم ، يعني كفاية من غير إسراف.

٢١٥

وَفِي الْخَبَرِ « كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ».

أراد من تلزمه نفقته. ورُوِيَ « يُقِيتُ ». على اللغة الأخرى.

باب ما أوله الكاف

(كبت)

قوله تعالى : ( أَوْ يَكْبِتَهُمْ ) [٣ / ١٢٧ ] أي يخزيهم بالخيبة مما أملوا من الظفر بكم وليغيظهم بالهزيمة ( فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ ) ، وقيل يصرعهم لوجوههم. قوله كُبِتُوا [ ٥٨ / ٥ ] أي أهلكوا ، وقيل أذلوا وأخزوا ، ويقال كَبَتَ الله العدو ـ من باب ضرب ـ : أهانه وأذله.

(كنعت)

فِي الْحَدِيثِ « لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْكَنْعَتِ » (١).

هو بالنون بعدها العين المهملة : ضرب من السمك له فلس ضعيف يحتك بالرمل فيذهب عنه ثم يعود ، ويقال « الكنعد » بالدال المهملة.

(كفت)

قوله تعالى : ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً ) [ ٧٧ / ٢٥ ] أي أوعية ، واحدها كَفْتٌ ، ثم قال : ( أَحْياءً وَأَمْواتاً ) أي منها ما ينبت ومنها ما لا ينبت ، ويقال كِفاتاً مضما تَكْفُتُ أهلها ، أي تضمهم أحياءا على ظهرها وأمواتا في بطنها ، يقال كَفَتَ الشيء في الوعاء : إذا ضمه فيه.

وَفِي الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ : ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً ) قَالَ : دَفَنَ الشَّعْرَ وَالظُّفُرَ ».

وكانوا يسمون بَقِيع الغرقد كَفْتَةً لأنها مقبرة تضمّ الموتى ، من الْكِفَاتِ ـ بالكسر ـ الذي يَكْفُتُ فيه الشيء ، أي يضمه (٢).

(كمت)

فِي الْحَدِيثِ ذَكَرَ « الْكُمَيْتَ الْأَقْرَحَ ».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢١٩.

(٢) الكفتة بالفتح ثم السكون وتاء مثناة من فوق : اسم بقيع الغرقد ، وهو مقبرة المدينة ، لأنهاتكفت الموتى ، أي تحرزهم. مراصد الاطلاع ص ١١٦٩.

٢١٦

الْكُمَيْتُ من الخيل : الفرس الأحمر ، يستوي فيه المذكر والمؤنث ، والمصدر الْكَمْتَةُ ، وهي حمرة يدخلها قنوء ، وعن الخليل وقد سأله سيبويه عن الْكُمَيْتِ قال : إنما صغر لأنه بين السواد والحمرة لم يخلص واحد منهما ، فأرادوا بالتصغير أنه منهما قريب ، والفرق بين الكميت والأشقر بالعرف والذنب ، فإن كانا أسودين فَكُمَيْتٌ وإن كانا أحمرين فأشقر.

وَ « الْكُمَيْتُ » اسْمُ شَاعِرٍ كَانَ فِي حَضْرَةِ الصَّادِقِ عليه السلام (١) ، وَمِنْ شِعْرِهِ بِحَضْرَتِهِ :

أَخْلَصَ اللهُ لِي هَوَايَ فِيمَا

أُغْرِقُ نَزْعاً وَلَا تَطِيشُ سِهَامِي

فَقَالَ لَهُ الصَّادِقُ (ع) لَا تَقُلْ هَكَذَا قُلْ

« فَقَدْ أُغْرِقَ نَزْعاً وَلَا تَطِيشُ سِهَامِي ».

وَمِنْ شِعْرِهِ فِي حَضْرَةِ الْبَاقِرِ (ع)

إِنَّ الْمُصِرَّيْنِ عَلَى ذَنْبَيْهِمَا

وَالْمُخْفِيَا الْفِتْنَةِ فِي قَلْبَيْهِمَا

وَالْخَالِعَا الْعُقْدَةِ مِنْ عُنُقَيْهِمَا

وَالْحَامِلَا الْوِزْرِ عَلَى ظَهْرَيْهِمَا

كَالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ فِي مِثْلَيْهِمَا

فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى رُوحَيْهِمَا

فَضَحِكَ الْبَاقِرُ (ع).

(كيت)

« كيت وكيت » كناية عن الأمر يقال كان من الأمر كيت وكيت بالفتح والكسر ، والتاء فيها هاء في الأصل ، وهي وذيت لا يستعملان إلا مكررتين ـ قاله الزمخشري. وفي الصحاح أهل العربية قالوا أصلها « كَيَّتَ » بالتشديد ، والتاء فيها بدل من إحدى الياءين ، والهاء التي في الأصل محذوفة ، وقد تضم التاء وتكسر.

__________________

(١) هو أبو المستهل الكميت بن زيد الأسدي ، شاعر أهل البيت المدافع عنهم ، له الهاشميات في حق الأئمة عليه السلام  أعيان الشيعة ج ٤٣ ص ١٥٨.

٢١٧

باب ما أوله اللام

(لتت)

قوله تعالى : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ) [ ٥٣ / ١٩ ]

قِيلَ كَانَ رَجُلٌ يَلُتُ السَّوِيقَ عِنْدَ الْأَصْنَامِ.

أي يخلطه ، فخفف وجعل اسما للصنم ، وقيل هي تاء التأنيث (١). و « اللَّاتُ » و « العزى » و « مناة » أسماء أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها ، فَاللَّاتُ لثقيف ، وقيل لقريش ، والعزى لغطفان ، ومناة لهذيل وخزاعة. و « اللَّتُ » بالمثناة الفوقانية المشددة هو إلزاق الشيء بالشيء وخلط بعضه في بعض ، يقال لَتَتُ السويق بالزيت : إذا حسيته به وخلطت بعضه في بعض ، وبابه قتل. و « دقيق مَلْتُوتٌ بالزيت » أي مخلوط به.

(لفت)

قوله تعالى : ( لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا ) [ ١٠ / ٧٨ ] أي تصرفنا عنها ، من قولهم لَفَتَ وجهه لَفْتاً من باب ضرب : صرفه إلى ذات اليمين أو الشمال ولَفَتَهُ عن رأيه : صرفه عنه. قوله : ( وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ) [ ١١ / ٨١ ] قال المفسر : أي إلى ما وراءه في المدينة ، أو هو كناية عن مواصلة السير وترك التوقف ، لأن من يَلْتَفِتُ لا بد له من أدنى وقفة. وقوله : ( إِلَّا امْرَأَتَكَ ) قرىء بنصب ( امْرَأَتَكَ ) ورفعه ، فمن نصب قدر الاستثناء من ( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ) ، ومن رفع قدره من ( وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ). قال ابن هشام : ورد بالتزامه تناقض القراءتين ، فإن المرأة تكون

__________________

(١) قد أدرج المصنف لفظة » اللات » في كتابه غريب القرآن في مادة » ليت » كما أنه أدرجها بعضهم في مادة » لوت ».

٢١٨

مُسْرَى بها على قراءة الرفع وغير مُسْرَى بها على قراءة النصب. ثم قال : وفيه نظر ، لأن إخراجها من جملة النهي لا يدل على أنها مسرى بها وعلى أنها معه.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا تَبِعَتْهُمُ وَأَنَّهَا الْتَفَتَتْ فَرَأَتِ الْعَذَابَ فَصَاحَتْ فَأَصَابَهَا حَجَرٌ فَقَتَلَهَا.

واللَّفْتُ : الليُّ ، والِالْتِفَاتُ : الانصراف والْتَفَتَ إليَ الْتِفَاتاً : انصرف بوجهه نحوي. والتَّلَفُّتُ أكثر منه.

وَفِي وَصْفِهِ (ص) : « فَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعاً » (١).

يعني لم يكن يلوي عنقه يمنة ويسرة ناظرا إلى شيء وإنما يفعل ذلك الطاش الخفيف ، ولكن يقبل جميعا ويدبر جميعا.

وَفِي الْخَبَرِ : « إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ ثُمَ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ ».

أي حدَّث الرجل عندك حديثا ثم غاب صار حديثه أمانة عندك فلا يجوز إضاعتها والخيانة فيها بإفشائها. واللَّفُوتُ : المرأة ذات الولد ، ومنه الْخَبَرُ : « لَا تَتَزَوَّجَنَ لَفُوتاً ».

(ليت)

قوله تعالى : ( لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً ) [ ٤٩ / ١٤ ] أي لا ينقصكم ، يقال لَاتَ يَلِيتُ ، ولا يَأْلِتْكُمْ من ألت يألت لغتان ، يقال « ما أَلَاتَهُ من عمله شيئا « أي ما نقصه. ومنه الدُّعَاءُ » الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُلَاتُ وَلَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْأَصْوَاتُ ».

وهو من لَاتَ يَلِيتُ : إذا نقص ، أي لا ينقص ولا يحبس عنه الدعاء. قوله : ( وَلاتَ حِينَ مَناصٍ ) [٣٨ /٣ ] قال ابن هشام : اختلف فيها على أمرين في حقيقتها ، وفي ذلك ثلاثة مذاهب : « أحدها » ـ أنه كلمة واحدة فعل ماض ، ثم اختلف هؤلاء على قولين : أحدهما أنها في الأصل بمعنى نقص من لات في قوله تعالى : ( لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً ) فإنه يقال لَاتَ يَلِيتُ بمعنى نقص ، ثم استعملت للنفي. الثاني : أن

__________________

(١) مكارم الأخلاق ص ١٠.

٢١٩

أصلها ليس بكسر الياء ، فقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وأبدلت السين تاءا. « المذهب الثاني « ـ أنها كلمتان لا النافية والتاء لتأنيث اللفظ كما في ثمت ، وإنما وجب تحريكها لالتقاء الساكنين ـ قاله الجمهور « الثالث » ـ إنها كلمة وبعض كلمة ، وذلك لأنها لا النافية والتاء زائدة في أول الحين الثاني وفي عملها ثلاثة مذاهب : « أحدها « أنها لا تعمل شيئا ، فإن وليها مرفوع فمبتدأ حذف خبره ، أو منصوب فمعمول بفعل محذوف ، ذهب إليه الأخفش ، والتقدير عنده في الآية لا أرى حين مناص ، وعلى قراءة الرفع ولات حين مناص كائن لهم. » الثاني « ـ أنها تعمل عمل إن ، فتنصب الاسم وترفع الخبر. » والثالث « ـ أنها تعمل عمل ليس وهو قول الجمهور. وعلى كل قول فلا يذكر بعدها إلا أحد المعمولين ، والغالب أن يكون المحذوف المرفوع. واختلف في معمولها : فالفراء على أنها لا تعمل إلا في لفظ » حِينٍ « وهو ظاهر. قال سيبويه والفارسي ومن وافقه تعمل في الحين وفي مرادفه ... إلى أن قال : وقرىء ولات حينِ مناص بخفض حين ، فزعم الفراء أن » لَاتَ » تستعمل حرفا جارا لا سيما الزمان خاصة ـ انتهى.

وَفِي الْحَدِيثِ : « إِذَا طَابَ لِيتُ الْمَرْأَةِ طَابَ عَرْفُهَا ».

واللِّيتُ بالكسر : صفحة العنق ـ قاله الجوهري وغيره. وهما لِيتَان. و « لَيْتَ » كلمة تمن ، قال الجوهري وهي حرف تنصب الاسم وترفع الخبر مثل كان وأخواتها ، لأنها شابهت الأفعال بقوة ألفاظها واتصال أكثر المضمرات بها وبمعانيها ، تقول لَيْتَ زيدا ذاهب ، ثم قال : وأما قول الشاعر :

يا لَيْتَ أيام الصبا رواجعَا

فإنما أراد يا لَيْتَ أيام الصبا لنا رواجعَ نصبه على الحال. قال : وحكى النحويون أن بعض العرب يستعملها بمنزلة وجدت فيعديها إلى مفعولين ويجريها مجرى الأفعال ، فتقول لَيْتَ زيدا شاخصا ، فيكون البيت على طريقة هذه اللغة.

٢٢٠