مجمع البحرين - ج ٢

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٢

(عسب)

فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) : « كُنْتُ لِلْمُؤْمِنِينَ يَعْسُوباً ».

الْيَعْسُوبُ : أمير النحل وكبيرهم وسيدهم ، تضرب به الأمثال لأنه إذا خرج من كوره تبعه النحل بأجمعه ، والمعنى يلوذون بي كما تلوذ النحل بِيَعْسُوبِهَا وهو مقدمها وسيدها. ومثله ما ورد

فِي الْخَبَرِ عَنِ النَّبِيِّ (ص) قَالَ لِعَلِيٍ « أَنْتَ يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الْكُفَّارِ » (١) ،.

ومن هنا قيل لأمير المؤمنين (ع) « أمير النحل ». والْيَعْسُوبُ يقع على طائر نحو الجرادة له أربعة أجنحة لا يرى أبدا يمشي ، وإنما يرى واقفا على رأس عود أو طائرا. و « الْيَعَاسِيبُ » رؤساء القبائل وساداتها. وعَسِيبُ الفحل : أجرة ضرابه ، ومِنْهُ « نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ ».

وعَسِيبُ الفحل : ماؤه فرسا كان أو بعيرا أو غيرهما ، يقال عَسَبَ الفحل الناقة يَعْسِبُهَا عَسْبا ، ولم ينه عنه ، وإنما أراد النهي عن الكراء الذي يؤخذ عليه للجهالة التي فيه من تعيين العمل ، ولأنه قد تلقح وقد لا تلقح ولا بد في الإجارة من تعيينه. وفِيهِ « أَنَّهُ خَرَجَ وَفِي يَدِهِ عَسِيبٌ ».

أي جريدة من النخل ، وهي السعفة مما لا ينبت عليه الخوص.

وَفِي الْحَدِيثِ : « أَحْفَى شَارِبَهُ حَتَّى أَلْصَقَهُ بِالْعَسِيبِ ». وهو منبت الشعر.

(عشب)

« الْعُشْبُ » بالضم فالسكون : الكلاء الرطب في أول الربيع. قال الجوهري : ولا يقال له حشيش حتى يهيج. وعَشِبَ الموضع يَعْشَبُ من باب تعب : نبت عُشْبُهُ ، وعَشَبَتُ الأرض وأَعْشَبَتْ فهي مُعْشِبَةٌ. واعْشَوْشَبَتْ الأرض : كثر عُشْبُهَا.

(عصب)

قوله تعالى : ( وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ) [ ١٢ / ٨ ] هي بضم العين فالسكون : الجماعة من الرجال نحو العشرة ، وقيل

__________________

(١) في نهج البلاغة ج٣ ص ٢٢٩ : « أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكفار ».

١٢١

من العشرة إلى الأربعين ، والجمع « عُصَبٌ » مثل غرفة وغرف ، وليس للعصبة واحد ـ نقلا عن الأخفش. وسميت بذلك أخذا من الشد ، كأنه يشد بعضهم بعضا شد الْأَعْصَابُ ، وهي أطناب المفاصل ، والتقدير في الآية « والحال نحن عُصْبَةٌ » أي جماعة أقوياء ، فنحن أحق بالمحبة من صغيرين لا كفاية فيهما. قوله : ( يَوْمٌ عَصِيبٌ ) [ ١١ / ٧٧ ] أي صعب شديد. قيل ومنه « الْعُصْبَةُ » لالتفات بعضها على بعض.

وَفِي الْحَدِيثِ : « سَأَلْتُهُ عَنْ ثِيَابٍ تُعْمَلُ بِالْبَصْرَةِ عَلَى عَمَلِ الْعَصْبِ الْيَمَانِيِّ ».

هو برد يمنية يُعْصَبُ غزلها ، أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيؤتي موشيا لبقاء ما عُصِبَ منه أبيض. وفي المصباح الْعَصْبُ كفلس : برد يصبغ غزله ثم ينسج ، وحكى عن السهيلي أنه صبغ لا ينبت إلا باليمن. ومثله فِي الْحَدِيثِ : « الْمُعْتَدَّةُ لَا تَلْبَسُ الْمُصَبَّغَةَ إِلَّا ثَوْبَ عَصَبٍ ».

بالإضافة أو التنوين.

وَفِي الدُّعَاءِ « سَجَدَ لَكَ لَحْمِي وَعَصَبِي ».

الْعَصَبُ بفتحتين من أطناب المفاصل ، واحدته « عَصَبَةٌ » والجمع « أَعْصَابٌ » كأسباب. وعَصَّبَ رأسه بِالعِصَابَةِ تَعْصِيباً وتَعَصَّبَ أي شد الْعِصَابَةَ. و « التَّعَصُّبُ » من الْعَصَبِيَّةِ ، وهي المحاماة والمدافعة عمن يلزمك أمره أو تلزمه لغرض ، ومنه حَدِيثُ تَغْسِيلِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ : « إِنَّمَا يَمْنَعُهَا أَهْلَهَا تَعَصُّباً » (١).

وعَصَبَةُ الرجل بالتحريك جمع « عَاصِبٍ » ككفرة جمع كافر ، وهم بنوه وقرابته لأبيه ، والجمع « الْعُصَّابُ » قال الجوهري : وإنما سموا عَصَبَةً لأنهم عَصَبُوا به ، أي أحاطوا به ، فالأب طرف والابن طرف والأخ جانب والعم جانب. ومنه « التَّعْصِيبُ » وهو باطل عندنا على تقدير زيادة السهام ، لعموم آية أولي الأرحام وإجماع أهل البيت (ع) فيرد فاضل الضريبة على البنت والبنات

__________________

(١) الكافي ج٣ ص ١٥٩.

١٢٢

والأخت والأخوات للأب والأم ، وعلى كلالة الأم على تفصيل ذكروه ، وكذا لا عول عندهم وسيأتي ذكره في محله. و « العصبة » بفتح عين وصاد أيضا موضع في المدينة يقرب من قباء (١) ، ومنه حَدِيثُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ « فَنَزَلُوا الْعَصَبَةَ ».

و « الْعَصَائِبُ » جمع عِصَابَةٍ بكسر العين وهم الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها. ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ (ع) » الْأَبْدَالُ بِالشَّامِ وَالنُّجَبَاءُ بِمِصْرَ وَالْعَصَائِبُ بِالْعِرَاقِ ».

أي التجمع للحروب يكون بالعراق. والْعِصَابَةُ أيضا : الجماعة من الناس والخيل والطير ـ قاله الجوهري.

(عضب)

فِي الْحَدِيثِ : « لَا تُضَحِ بِالْعَضْبَاءِ » (٢).

هي بالمد : مكسورة القرن الداخل أو مشقوقة الأذن ـ قاله في المغرب وغيره.

وَالْعَضْبَاءُ : اسْمُ نَاقَةٍ كَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ (ص) ، قِيلَ هُوَ عَلَمٌ لَهَا ، وَقِيلَ كَانَتْ مَشْقُوقَةَ الْأُذُنِ.

وفي كلام الزمخشري : وهو منقول من قولهم ناقة عَضْبَاءُ وهي القصيرة اليد. وفي المصباح عَضِبَتِ الشاة من باب تعب : انكسر قرنها ، وبعضهم يريد الداخل. وعَضِبَتِ الشاة والناقة أيضا : إذا شق أذنها ، وكانت ناقة النبي (ص) تسمى » الْعَضْبَاءَ « لنجابتها لا لشق أذنها ـ انتهى. وعَضُبَ لسانه بالضم عُضُوبَةً : صار عذبا ، أي حديدا في الكلام. والْأَعْضَبُ من الرجال : الزمن الذي لا حراك فيه ، كأن الزمان عضبه ومنعه الحركة.

وَفِي حَدِيثِ الْأُضْحِيَّةِ : « إِذَا سَلِمَتِ الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ سَلِمَتِ الْأُضْحِيَّةُ وَتَمَّتْ ، وَلَوْ كَانَتْ عَضْبَاءَ الْقَرْنِ تَجُرُّ بِرِجْلَيْهَا إِلَى الْمَنْسَكِ ».

يعني موضع الذبح ، والمراد

بِقَوْلِهِ : « تَجُرُّ بِرِجْلَيْهَا إِلَى الْمَنْسَكِ ». أي

__________________

(١) عصبة بوزن همزة : حصن ، وقيل موضع بقباء المعصب. مراصد الاطلاع ص ٩٤٣.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٤٩١.

١٢٣

تكون عرجا أو منكسرة الرجل ، والعموم يشملها.

(عطب)

عَطِبَ الهدي عَطَباً من باب تعب : هلك ، وأَعْطَبْتُهُ بالألف. وعَطِبَ الهدي : هلاكه ، وقد يعبر به عن آفة تعتريه تمنعه من السير. و « العَطَبُ » بفتحتين : موضع العَطَبِ. والْمَعَاطِبُ : المهالك ، واحدها مَعْطِبٌ

(عقب)

قوله تعالى : ( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) [ ٩٠ / ١١ ]

قِيلَ هِيَ عَقَبَةٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.

والِاقْتِحَامُ الدخول في الشيء والمجاوزة له بشدة وصعوبة ، فقوله ( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) أي لم يَقْتَحِمْهَا ولم يجاوزها ، و « لا » مع الماضي بمعنى المستقبل. قال الشيخ أبو علي : وأكثر ما يستعمل هذا اللفظ بتكرير « لا » كما قال تعالى : ( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى ) أي لم يصدق ولم يصل ، وقيل هو على وجه الدعاء عليه بأن لا يَقْتَحِمَ الْعَقَبَةَ ، كما يقال « لا غفر الله له ولا نجا ولا سلم » ، والمعنى لا نجا من الْعَقَبَةِ ولا جاوزها ، وقيل فهلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ، وقيل جعل الله الأعمال الصالحة عَقَبَةً ، وعملها اقْتِحَامٌ لها لما في ذلك من معاندة الشدة ومجاهدة النفس. قوله : ( فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً ) [ ٩ / ٧٧ ] قيل الضمير للبخل ، أي فأورثهم البخل نفاقا متمكنا في قلوبهم ، لأنه كان سببا فيه وداعيا إليه. وقيل الضمير لله ، أي فخذلهم الله حتى نافقوا ومكنوا النفاق في قلوبهم. قوله : ( وَلا يَخافُ عُقْباها ) [ ٩١ / ١٥ ]

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِ : قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ « فَلَا » بِالْفَاءِ ، وَكَذَلِكَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع)

والباقون ( وَلا ) بالواو ، والمعنى ولا يخاف عُقْبَى ما صنع بها لأنه كان مكذبا بصالح ، وقِيلَ مَعْنَاهُ سِوَى أَرْضِهِمْ عَلَيْهِمْ ، ( وَلا يَخافُ عُقْباها ) أَيْ وَلَا يَخَافُ اللهُ مِنْ أَحَدٍ تَبِعَةً فِي إِهْلَاكِهِمْ ـ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ

١٢٤

وَقَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالْجُبَّائِيِ وقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَخَافُ صَالِحٌ عَاقِبَةَ مَا خَوَّفَهُمْ مِنَ الْعُقُوبَاتُ.

لأنه كان على ثقة من نجاته. و ( عاقِبَةُ الدَّارِ ) : هي الْعَاقِبَةُ المحمودة يدل عليه قوله : ( أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ ) والدار : الدنيا. قوله : ( وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ ) [ ٦٠ / ١١ ] الآية. سيأتي القول فيها مفصلة في « هجر « إن شاء الله تعالى. قوله : ( وَإِنْ عاقَبْتُمْ ) [ ١٦ / ١٢٦ ] الآية ، أي إن أردتم مُعَاقَبَةَ غيركم على وجه المجازاة فَعَاقِبُوا بقدر ما عُوقِبْتُمْ به ولا تزيدوا عليه ، وسمي الفعل الأول باسم الثاني للمزاوجة.

قِيلَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ مَثُلُوا بِقَتْلَى أُحُدٍ وَبِحَمْزَةَ وَأَخَذَتْ هِنْدٌ كَبِدَهُ وَجَعَلَتْ تَلُوكُهُ وَجَدَعُوا أَنْفَهُ وَأُذُنَهُ ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : إِنْ مَكَّنَنَا اللهُ مِنْهُمْ لَنَمْثُلَنَّ بِالْأَحْيَاءِ فَضْلاً عَنِ الْأَمْوَاتِ فَنَزَلَتْ.

قوله : ( وَلَمْ يُعَقِّبْ ) [ ٢٧ / ١٠ ] أي لم يعطف ولم ينتظر. قوله : ( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ) [ ١٣ / ١١ ] الآية. الْمُعَقِّبَاتُ : ملائكة والنهار يَتَعَاقَبُونَ ، وهم الحفظة يَعْقُبُ بعضهم بعضا في حفظه ، جمع « مُعَقِّبَةٍ » من عَقَّبَ مبالغة في عَقَبَهُ إذا جاء على عَقِبَهُ ، كأن بعضهم يَعْقُبُ بعضا ، أو لأنهم يَعْقُبُونَ أقواله وأفعاله فيكتبونها ، وقِيلَ هُمْ عَشْرَةُ أَمْلَاكٍ عَلَى كُلِّ آدَمِيٍّ تَحْفَظُهُ مِنْ شَرِّ الْمَهَالِكِ وَالْمَعَاطِبِ.

وقِيلَ هِيَ التَّسْبِيحَاتُ الْأَرْبَعُ.

سمين بذلك لأنهن يعددن مرة بعد أخرى ، يؤيده ما رُوِيَ فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ : « مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً ».

أو لأنهن يَعْقُبْنَ الصلاة. قوله : ( لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ) [ ١٣ / ٤١ ] أي إذا حكم حكما فأمضاه لا يَتَعَقَّبُهُ أحد بتغير ولا نقص ، يقال عَقَبَ الحاكم على حكم من كان قبله : إذا حكم بعد حكمه بغيره. قوله : ( وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا ) [ ٦ / ٧١ ] يقال لكل من لم يظفر بما

١٢٥

يريد : قد رد على عَقِبَيْهِ. قوله : ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) [ ١٩ / ٦ ] هو ابن إسحاق ، وقِيلَ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ مَاتَانَ أَخُو زَكَرِيَّا.

وقِيلَ يَعْقُوبُ هَذَا وَعِمْرَانُ أَبُو مَرْيَمَ أَخَوَانِ مِنْ نَسْلِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ.

وفِي الْكَشَّافِ وَعَنِ اللَّيْثِ أَنَ يَعْقُوبَ النَّبِيَّ (ع) اسْمُهُ إِسْرَائِيلُ ، وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ وُلِدَ مَعَ الْعِيصِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ ، وُلِدَ عِيصٌ قَبْلَهُ وَيَعْقُوبُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ خَرَجَا مَعاً ، فَعِيصٌ أَبُو الرُّومِ وَيَعْقُوبُ أَبُو الْأَسْبَاطِ كُلِّهِمْ ، عُمِّرَ مِائَةَ سَنَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الْمُتَعَقِّبُ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ كَالْمُتَعَقِّبِ عَلَى اللهِ ».

أي الراد عليه والشاك فيه كالراد على الله والشاك فيه ، وَمِثْلُهُ « الْمُتَعَقِّبُ عَلَى عَلِيٍّ عليه السلام فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ كَالْمُتَعَقِّبِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ».

وَفِي حَدِيثِ الْمُسَافِرِ : « مِنْ تَلَا ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ ) الْآيَةَ كَانَ مَعَهُ سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ مِنَ الْمُعَقِّبَاتِ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ ».

يريد ملائكة الليل والنهار ، وإنما أنث لكثرة ذلك. و « التَّعْقِيبُ » تفعيل من الْعَقِبِ. وجاء في عَقِبِ الشهر وعلى عَقِبِهِ : إذا جاء بعد تمامه. والتَّعْقِيبُ في الصلاة : الجلوس بعدها لدعاء أو مسألة ، وعَقَّبَ في صلاته : فعل ذلك.

وَفِي الْحَدِيثِ : « مَنْ عَقَّبَ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ ».

وفِيهِ « إِنْ كُنْتَ عَلَى وُضُوءٍ فَأَنْتَ مُعَقِّبٌ ».

و « الْعَقَبَةُ » بالتحريك مرقى صعب من الجبال ، يجمع على عِقَابٍ كرقبة ورقاب ، ومنه « عَقَبَةٌ كؤدة ».

وَلَيْلَةُ الْعَقَبَةِ : هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي بَايَعَ رَسُولَ اللهِ الْأَنْصَارُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنُّصْرَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ (ص) كَانَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى القَبَائِلِ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ لِيُؤْمِنُوا بِهِ ، فَلَقِيَ رَهْطاً فَأَجَابُوهُ فَجَاءَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ اثْنَا عَشَرَ إِلَى الْمَوْسِمِ فَبَايَعُوهُ عِنْدَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى ، فَخَرَجَ فِي الْعَامِ الْآخَرِ سَبْعُونَ إِلَى الْحَجِّ وَاجْتَمَعُوا عِنْدَ الْعَقَبَةِ وَأَخْرَجُوا مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ نَقِيباً فَبَايَعُوهُ ، وَهِيَ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ.

١٢٦

وعَقَبَةُ المدنيين في مكة لمن جاء على طريق المدينة. وجمرة الْعَقَبَةِ معروفة في منى. و « الْعَقِبُ » بكسر القاف وسكونها الولد وولد الولد ، وأَعْقَابُ الْأَعْقَابِ : أولاد الأولاد. و « الْعَقَبُ » بفتحتين : الأبيض من أطناب المفاصل تعمل منه الأوتار ، وبكسر القاف مؤخر القدم ، والجمع « أَعْقَابٌ ». ومنه « ويل لِلْأَعْقَابِ من النار » وهو ـ إن صح ـ فالمراد به التحرز من رشاش البول. وعَاقِبَةُ كل شيء : آخره. و « لا خير فيما لا عَاقِبَةَ له « يعني من الأعمال الصالحة. وعَوَاقِبُ الأمور : أواخرها. و « صلينا أَعْقَابَ الفريضة « أي بعدها. وخلفت فلانا بِعَقِبِي : أي أقام بعدي. وعَقَبْتُ زيدا ـ من باب قتل ـ جئت بعده ، ومنه سُمِّيَ النَّبِيُّ (ص) « الْعَاقِبَ » لِأَنَّهُ عَقَبَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.

أي جاء بعدهم. ورجع فلان على عَقِبِهِ : أي على طريق عَقِبِهِ ، وهي التي كانت خلفه وجاء منها سريعا. وقَوْلُهُ : « مَا زَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ».

أي راجعين إلى الكفر كأنهم رجعوا إلى ورائهم. و « وطأ على عَقِبِهِ » في معنى اقتدى به واستن بسنته.

وَعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع) إِيَّاكَ وَالرِّئَاسَةَ إِيَّاكَ أَنْ تَطَأَ أَعْقَابَ الرِّجَالِ. قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ أَمَّا الرِّئَاسَةُ فَقَدْ عَرَفْتُهَا وَأَمَّا إِيْطَاءُ أَعْقَابِ الرِّجَالِ فَمَا ثُلُثَا مَا فِي يَدِي إِلَّا مِمَّا وَطِأَتُ مِنْ أَعْقَابِ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ لِي : لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ ، إِيَّاكَ أَنْ تَنْصِبَ رِجَالاً دُونَ الْحُجَّةِ فَتُصَدِّقَهُ فِي كُلِّ مَا قَالَ (١).

و « الْعُقَابُ » بضم العين : الطائر المعروف من الجوارح يؤنث ، وعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ الْعُقَابِ يَقُولُ « الْبُعْدُ عَنِ النَّاسِ رَاحَةٌ »

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٩٨ وفيه » وأمّا أن أطأ أعقاب الرّجال ».

١٢٧

وَرُوِيَ « الْبُعْدُ مِنَ النَّاسِ آنَسُ ».

والْعُقَابُ أيضا : العلم الضخم ، وبه سميت راية كانت لرسول الله. والليل والنهار يَتَعَاقَبَانِ : أي كل منهما يأتي عَقِيبَ صاحبه. و « أَعْقَبَهُ ندما « أورثه. وعَاقَبْتُ اللص مُعَاقَبَةً وعِقَاباً ، والاسم الْعُقُوبَةُ. والْيَعْقُوبُ : ذكر الحجل ، مصروف لأنه عربي لم يتغير وإن كان مزيدا في أوله فليس على وزن الفعل ، والجمع يَعَاقِيبُ ، وقد جاء في الحديث : وأما « يَعْقُوبُ » اسم نبي الله فهو أعجمي لا ينصرف للمعرفة والعجمة. ويَعْقُوبُ بن السكيت من المنتخبين من الشيعة قتله المتوكل على التشيع وكان معلما لولديه المعين والمؤيد (١). و « الْيَعْقُوبِيُ » اسم رجل من رواة الحديث (٢). ويطأ عَقِبَنَا : أي يسلك سبيلنا. وعقب فلان مكان أبيه : خلفه. والنعل الْمُعَقَّبَةُ : المخصَّرة.

وَفِي الْحَدِيثِ : « إِنِّي لَأَكْرَهُ الرَّجُلَ لَا أَرَاهُ مُعَقَّبَ النَّعْلَيْنِ ».

كأنه أراد التي لا عَقِبَ لهما.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) : « سَتَعْقُبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلَاءً ».

أي ستجدون بعد موتي ذلك ، وخلاء أي خالية عن الروح. واعْتَقَبَ الرجل : حبسته ، ومنه « ويَعْتَقِبُونَ الخيل العتاق » أي كرائم الخيل.

(عقرب)

فِي الْحَدِيثِ : « مَنْ تَزَوَّجَ وَالْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ لَمْ يَرَ الْحُسْنَى » (٣).

الْعَقْرَبُ : برج في السماء معروف عند أهل الحساب وسيجيء معرفة نزول القمر فيه في « نزل »

__________________

(١) قتل أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الدروقي (ابن السكيت) في الخامس من رجب سنة ٢٤٤. الكنى والألقاب ج ١ ص٣٠٣.

(٢) ذكر الشيخ أبو علي عدة رواة يعرفون باليعقوبي. انظر رجال أبي علي ص٣٦٨.

(٣) مكارم الأخلاق ص ٢٢٦.

١٢٨

إن شاء الله تعالى. والْعَقْرَبُ : واحدة الْعَقَارِبِ تطلق على الذكر والأنثى ، فإذا أريد تأكيد التذكير قيل « عُقَيْرُبَانُ » بضم العين والراء ويقال للأنثى عَقْرَبَةٌ ، وقيل لا يقال إلا عَقْرَبٌ للذكر والأنثى.

وَفِي الْحَدِيثِ : « مُسِخَ الْعَقْرَبُ وَكَانَ نَمَّاماً ».

وصُدْغ مُعَقْرَبٌ : معطوف محنى.

(عكب)

قوله تعالى : ( إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ) [ ٢٩ / ٤١ ] الْعَنْكَبُوتُ هو الحيوان الناسجة ، والغالب عليها التأنيث ، والجمع « الْعَنَاكِبُ » لأن القاعدة في جمع الخماسي فعالل كما يقال في جمع الفرزدق فرازد على رأي. قال بعض الأفاضل : يكفي الْعَنْكَبُوتَ فخرا وشرفا نسجه على رسول الله (ص) الغار ، والقصة مشهورة مذكورة في محلها

(علب)

في الحديث ذكر الْعِلْبَاءَ بكسر العين والمد ، وهما عصبتان عريضتان صفراوان ممتدان على الظهر والعنق ، والتثنية « عِلْبَاوَانِ » وإن شئت قلت « عِلْبَاءَانِ » لأنهما همزة ملحقة بسرداح. والْعُلْبَةُ : محلب من جلد ، والجمع عُلَبٌ وعِلَابٌ

(عنب)

« عِنَبَةٌ « كقردة : الحبة من الْعِنَبِ ، وهو بناء نادر ، إذ هو من أبنية الجموع غالبا ، وجمعه في القلة عِنَبَاتٌ وفي الكثرة عِنَبٌ وأَعْنَابٌ ، لا يقال ذلك إلا وهو طري فإذا يبس فهو زبيب. والْعِنَبَاءُ بالمد : لغة في الْعِنَبِ ـ قاله الجوهري. و « الْعُنَّابُ » بالضم والتشديد : معروف ، والْعُنَّابَةُ واحدته

(عندلب)

الْعَنْدَلِيبُ : طائر معروف ، يقال له الهزار ، والجمع « عَنَادِلُ » قاله في الصحاح وفي المصباح قيل هو البلبل ، وقيل كالعصفور يصوت ألوانا.

(عيب)

فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ : « وَاسْتُرْ لِي عُيُوبِي ». وهو جمع عَيْبٌ ، وهو كل ما يزيد

١٢٩

أو ينقص على مجرى الطبيعي كزيادة إصبع ونقصانه ، والمراد هنا ما زاد في الدين أو نقص عنه ، يقال :

عَابَ المتاع عَيْباً من باب سار فهو عَائِبٌ ، وعَابَهُ صاحبه فهو مَعِيبٌ. والْمَعَايِبُ : الْعُيُوبُ. و « الْعَيْبَةُ » بالفتح : مستودع الثياب أو مستودع أفضل الثياب. وعَيْبَةُ العلم ـ على الاستعارة ـ ومِنْهُ « الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَةُ عِلْمِي ».

باب ما أوله الغين

(غبب)

فِي الْحَدِيثِ : « الْإِدِّهَانُ غِبّاً » (١).

هو بكسر الغين والباء المشددة يعني في يوم وفي يوم لا يكون ،ومثله « زُرْ غِبّاً تَزْدَدْ حُبّاً ».

ومثله « أَغِبُّوا فِي زِيَارَةِ الْمَرِيضِ ».

والْغِبُ في زيارة القبور في كل أسبوع. والْغِبُ بالكسر أيضا : عاقبة الشيء والْمَغَبَّةُ بالفتح مثله. ومنه الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُ : « يَا مُوسَى مَا ضَرَّكَ مَا زُوِيَ عَنْكَ إِذَا حُمِدَتْ مَغَبَّتُهُ ».

يعني عاقبته. وغَبَ اللحم وأَغَبَ : إذا أنتن. وغَبَ الرجل : إذا جاء زائرا بعد أيام. وغَبَبْتُ عن القوم أَغُبَ من باب قتل غِبّاً بالكسر : إذا أتيتهم يوما بعد يوم ، ومنه « حمى الْغِبِ ». و « غَبَّتِ الماشية » من باب ضرب غَبّاً وغُبُوباً : إذا شربت يوما وظمأت يوما والقديد الْغَابُ : اللحم المنتن اليابس

(غرب)

قوله تعالى : ( أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ ) [ ٥ /٣١ ] قيل الحكمة في أن الله تعالى بعث إلى قابيل لما

__________________

(١) مكارم الأخلاق ص ٥١.

١٣٠

قتل أخاه غُرَاباً ولم يبعث غيره من الطير والوحش لأن القتل كان مُسْتَغْرباً جدا لم يكن معهودا قبل ذلك فناسب بعثته. قوله : ( وَغَرابِيبُ سُودٌ ) [٣٥ / ٢٧ ] قيل هو مقدم ومؤخر ومعناه سود غَرَابِيبُ ، يقال أسود غِرْبِيبٌ أي شديد السواد ، وقيل هي الجبال الطوال السود. قال الجوهري : تقول هذا أسود غِرْبِيبٌ أي شديد السواد ، وإذا قلت غَرَابِيبُ سود تجعل السود بدلا من غَرَابِيبَ ، لأن الأبدال لا تتقدم. قوله : ( وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ ) [ ٢٨ / ٤٤ ] الآية. الجانب الْغَرْبِيُ المكان الواقع في شرق الْغَرْبِ ، وهو المكان الذي وقع فيه ميقات موسى (ع).

وَفِي الْحَدِيثِ : « الزَّكَاةُ نِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى بِالنَّوَاضِحِ وَالْغَرْبِ ».

هو كفلس : الدلو العظيم الذي يتخذ من جلد ثور. و « الْغَرَبُ » كقصب : الماء السائل بين البئر والحوض يقطر من الدلاء. وغَرْبُ اللسان : حدته ، ومنه الْحَدِيثُ ، « امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ « يُرِيدُ التَّكَبُّرَ » وَغَرْبَ لِسَانِكَ ».

وفِيهِ « إِنَّ اللهَ لَيُحِبُ الِاغْتِرَابَ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ ».

أي الذهاب والسعي فيه ، يقال تَغَرَّبَ واغْتَرَبَ أي ذهب إلى بلاد الْغُرْبَةِ. و « الْغُرَبَاءُ « بالضم والمد جمع غَرِيبٍ ، والْغَرِيبُ خلاف القريب. والْغُرْبَةُ : الِاغْتِرَابُ. وغَرُبَ الشخص ـ بالضم غَرَابَةً : بعد عن وطنه ، فهو غَرِيبٌ فعيل بمعنى فاعل. والْغَارِبُ : ما بين السنام والعنق ، وهو الذي يلقى عليه خطام البعير إذا أرسل ليرعى حيث شاء ، ثم استعير للمرأة وجعل كناية عن طلاقها ، ومنه « حبلكِ على غَارِبِكِ » أي اذهبي حيث شئت ليس لك أحد يمنعك ، تشبيها بالبعير الذي يوضع زمامه على ظهره ويطلق ويسرح أين أراد في المرعى. والبلاد الْمُغَرِّبَةُ : الخالية عن المرعى يقال غَرَبَتِ الإبل أي بعدت عن المرعى. والْمُغَرِّبُ : طالب الكلاء.

١٣١

وأَغْرَبَ الرجل : جاء بشيء غَرِيبٍ والْغُرَابُ ـ بالضم ـ واحد الْغِرْبَانِ وجمع القلة أَغْرِبَةٌ. و « الْغُرَابُ الأعصم » قيل هو الأبيض البطن ، وقيل الأعصم الأبيض الجناحين ، وقيل الأبيض الرجلين وهو عزيز الوجود. وفي كلام العرب « أعز من الْغُرَابِ الأعصم ».

وَفِي الْخَبَرِ » مَثَلُ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ فِي النِّسَاءِ كَمَثَلِ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ فِي مِائَةِ غُرَابٍ. قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ (ص) وَمَا الْغُرَابُ الْأَعْصَمُ؟ قَالَ : الَّذِي أَحَدُ رِجْلَيْهِ بَيْضَاءُ ».

وغُرَابُ البين نوعان : أحدهما غُرَابٌ صغير معروف باللون والضعف ، وأما الآخر فإنه ينزل الدور ويقع في موضع إقامة الناس إذا ارتحلوا ، وإنما قيل لكل غُرَابٍ غُرَابُ البين لأنها تسقط في منازلهم إذا ساروا عنها وبانوا ، فلما كان هذا الْغُرَابُ لا يوجد إلا عند مباينتهم عن منازلهم اشتقوا له هذا الاسم من البينونة. وعن المقدسي في كشف الأسرار في صفة غُرَابِ البين : هو غُرَابٌ أسود ينوح نوح الحزين المصاب وينعق بين الخلان والأحباب ، إن رأى شملا مجتمعا أخبر بشتاته وإن شاهد ربعا عامرا بشر بخرابه ودرس عرصاته ، يعرف النازل والساكن بخراب الدور والمساكن ، ويحذر الآكل غصة المأكل ، ويبشر الراحل بقرب المراحل ، ينعق بصوت فيه تحزين كما يصوت المعلن بالتأذين. والْغَرْبُ والْمَغْرِبُ بمعنى. وصلاة الْمَغْرِبِ : معروفة. وغَرَبَتِ الشمس غُرُوباً : بعدت وتوارت في مغيبها. ومُغَيْرُبَانُ الشمس : وقت مغيبها ، مصغر على غير مكبره.

(غصب)

تكرر ذكر الْغَصْبُ في الحديث ، وهو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير ظلما وعدوانا ، يقال غَصَبَهُ من باب ضرب فهو غَاصِبٌ ، والجمع غُصَّابٌ ككافر وكفار ، وغَصَبَهُ منه وغَصَبَهُ عليه بمعنى ، والشيء غَصْبٌ ومَغْصُوبٌ.

١٣٢

(غضب)

قوله تعالى : ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) [ ١ / ٧ ] قيل ( الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) اليهود ( وَلَا الضَّالِّينَ ) النصارى. قوله : ( وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى ) [ ٢٠ / ٨١ ] غَضَبُ الله تعالى عقابه وإرادة الانتقام من العصاة ، فإنه يفعل بالكفار ما يفعل الملك إذا غَضِبَ على من تحت يده.

وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) وَقَدْ قَالَ لَهُ : قَوْلُهُ تَعَالَى ( وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى ) مَا ذَلِكَ الْغَضَبُ؟ فَقَالَ : هُوَ الْعِقَابُ يَا عَمْرُو ، إِنَّهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ قَدْ زَالَ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ فَقَدْ وَصَفَهُ صِفَةَ الْمَخْلُوقِينَ.

قوله : ( مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ ) [ ٥ / ٦٠ ] قيل الْغَضَبُ أشد من اللعنة فخص باليهود لأنهم أشد عداوة لأهل الحق. قوله : ( إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ) [ ٢١ / ٨٧ ] أي مُغَاضِباً لقومه ، لأنه دعاهم مدة إلى الإيمان فلم يؤمنوا.

وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ : « سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي ».

الْغَضَبُ قسمان : غضب الله وهو سخطه على من عصاه ومعاقبته له ، وغضب المخلوقين فمنه محمود وهو ما كان في جانب الدين والحق والمذموم ما كان في خلافه ، والسبق هنا باعتبار التعلق ، أي تعلق الرحمة سابق على تعلق الْغَضَبُ ، لأن الرحمة غير متوقفة على عمل سابق ، بخلاف الْغَضَبُ فإنه يتوقف على سابقة عمل ، والْغَضَبُ والرحمة ليسا من صفات الذات بل فعلان له تعالى ، وجاز تقديم بعض الأفعال على بعض.

وَفِي حَدِيثِ الْبَاقِرِ (ع) : « إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ النَّارَ ... إِلَى أَنْ قَالَ : وَخَلَقَ الرَّحْمَةَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْغَضَبَ ».

والْغَضَبُ من غير الله تعالى هو عبارة عن غليان دم القلب لإرادة الانتقام ، وهو من الأخلاق المذمومة.

وَفِي الْخَبَرِ « الْغَضَبُ شُعْلَةً مِنْ نَارٍ تُلْقِي صَاحِبَهَا فِي النَّارِ ».

وذلك لأنه يحمل صاحبه على الدخول في الآثام. وغَضِبَ عليه غَضَباً فهو غَضْبَانٌ

١٣٣

وامرأة غَضْبَى ، وفي لغة غَضْبَانَةٌ ، وقوم غَضْبَى وغُضَابَى مثل سكرى وسكارى ، وغُضَابٌ كعطاش.

(غلب)

قوله تعالى : ( حَدائِقَ غُلْباً ) [ ٨٠ /٣٠ ] يعني ملتفة الشجر ، أو غلاظ أعناق النخل. والْغُلْبُ : الغلاظ ، يقال شجرة غُلْباً أي غليظة ، والحديقة : البستان المحفوظ ، وجمعه « الحدائق ».

قَوْلُهُ : ( غُلِبَتِ الرُّومُ ) [٣٠ / ٢ ] أَيْ حِينَ احْتَرَبَتْ مَعَ الْفُرْسِ بَيْنَ أَذْرُعَاتٍ وَبُصْرَى ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ مَكَّةَ فَشَقَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ فَارِساً مَجُوسٌ وَالرُّومُ أَهْلُ كِتَابٍ ، وَفَرِحَ الْمُشْرِكُونَ وَقَالُوا أَنْتُمْ وَالنَّصَارَى أَهْلُ كِتَابٍ وَنَحْنُ وَفَارِسُ لَا كِتَابَ لَنَا وَقَدْ ظَهَرَ إِخْوَانُنَا عَلَى إِخْوَانِكُمْ وَلَنَظْهَرَنَّ نَحْنُ عَلَيْكُمْ ، فَنَزَلَتْ ( وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ).

وَفِي الدُّعَاءِ : « وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الرِّجَالِ ».

والمراد بها تسلطهم واستيلاؤهم هرجا ومرجا ، وذلك كَغَلَبَةِ العوام ، ويقال غَلَبَهُ غَلْباً من باب ضرب وغَلَباً بالتحريك أيضا ، والاسم الْغَلَبُ بفتحتين. قال الجوهري : وهو من مصادر المضموم العين مثل الطلب. و « الْغَلَّابُ » من أسمائه تعالى ، أي القهار يحكم بمر القضاء كمن يحكم لنفسه لا يقصر. وتَغَلَّبَ على كذا : استولى عليه قهرا ، ومنه الْحَدِيثُ « كُلَّمَا غَلَبَ اللهُ فَهُوَ أَوْلَى بِالْعُذْرِ ».

و « تَغْلِبُ » بكسر اللام : أبو قبيلة ، والنسبة إليه تَغْلَبِيٌ بفتح اللام استيحاشا لتوالي الكسرتين مع ياء النسبة.

وَبَنُو تَغْلِبَ : قَوْمٌ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ طَالَبَهُمْ عُمَرُ بِالْجِزْيَةِ فَأَبَوْا فَصُولِحُوا عَلَى أَنْ يُعْطُوا الصَّدَقَةَ مُضَاعَفَةً فَرَضُوا ، وَالْمُصَالِحُ قِيلَ كُرْدُوسٌ التَّغْلَبِيُّ وَقِيلَ ابْنُهُ دَاوُدُ.

(غيب)

قوله تعالى : ( وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ ) [ ١٢ / ١٠ ] بفتح الغين أي في قعره ، سمي به لِغَيْبُوبَتِهِ عن أعين الناظرين وكل شيء غَيَّبَ عنك شيئا فهو غَيَابَةٌ. قوله : ( حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ ) [ ٤ /٣٤ ]

١٣٤

أي لِغَيْبِ أزواجهن ، أي حافظات لما يكون بينهن وبين أزواجهن في الخلوات من الأسرار ( بِما حَفِظَ اللهُ ) أي بما حفظهن الله حين أوصى لهن الأزواج وأوجب لهن عليهم المهر والنفقة ، فالباء للمقابلة والجزاء. قوله : ( يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) [ ٢ /٣ ] يعني يؤمنون بالله تعالى لأنه لا يرى ، وقيل إنه بما غَابَ من أمر الآخرة وإن كان محصلا في القلوب. قوله : ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) [ ١١ / ١٢٣ ] أي علم غَيْبِهَا قوله : ( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) [ ٧٢ / ٢٦ ]

عَنِ الْبَاقِرِ (ع) قَالَ : « إِنَّ اللهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَا غَابَ عَنْ خَلْقِهِ فِيمَا يَقْدِرُ مِنْ شَيْءٍ وَيَقْضِيهِ فِي عِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ ، وَقَبْلَ أَنْ يُفْضِيَهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ فَذَلِكَ عِلْمٌ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ إِلَيْهِ فِيهِ الْمَشِيَّةُ ، فَيَقْضِيهِ إِذَا أَرَادَ وَيَبْدُو لَهُ فِيهِ فَلَا يُمْضِيهِ ، وَأَمَّا الْعِلْمُ الَّذِي يُقَدِّرُهُ اللهُ تَعَالَى وَيُمْضِيهِ وَيَقْضِيهِ فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللهِ (ص) ثُمَّ إِلَيْنَا » (١).

وَعَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (ع) : خَمْسَةُ أَشْيَاءَ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ : ( عِلْمُ السَّاعَةِ ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ).

قوله : ( عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) [ ٦ / ٧٣ ] أي المعدوم والموجود ، وقيل ما غَابَ عن الخلق وما شاهدوه والسر والعلانية.

وَعَنِ الْبَاقِرِ (ع) : « مَا لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ ».

قوله : ( وَما مِنْ غائِبَةٍ ) [ ٢٧ / ٧٥ ] أي ما من شيء شديد الْغَيْبُوبَةِ والخفاء ( فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) قوله : ( عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) [ ٥ / ١٠٩ ] هو جمع غَيْبٍ ، وهو ما غَابَ عنك. قوله : ( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) [ ٤٩ / ١٢ ] يقال اغْتَابَهُ اغْتِيَاباً : إذا وقع فيه ، والاسم : « الْغِيبَةُ » بالكسر ، وهو أن يتكلم خلف إنسان مستور بما

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٢٥٦.

١٣٥

يغمه لو سمعه ، فإن كان صدقا سمي غِيبَةً وإن كان كذبا سمي بهتانا ، وتصديق ذلك

مَا رُوِيَ عَنْهُ (ص) أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : هَلْ تَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ فَقَالُوا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ : ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ : إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ (١).

إذا عرفت هذا فاعلم أنه لا ريب في اختصاص تحريم الْغِيبَةِ بمن يعتقد الحق ، فإن أدلة الحكم غير متناولة لأهل الضلال كتابا ولا سنة ، بل في بعض الأخبار تصريح بسبهم والوقيعة فيهم ، كما

رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ (ص) : « إِذَا رَأَيْتُمْ أَهْلَ الرَّيْبِ وَالْبِدَعِ مِنْ بَعْدِي فَأَظْهِرُوا الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ وَأَكْثِرُوا مِنْ سَبِّهِمْ وَالْقَوْلَ فِيهِمْ وَالْوَقِيعَةَ ، وَبَاهِتُوهُمْ كَيْلَا يَطْمَعُوا فِي الْفَسَادِ فِي الْإِسْلَامِ وَيَحْذَرَهُمُ النَّاسُ وَلَا يَتَعَلَّمُونَ مِنْ بِدَعِهِمْ ، يَكْتُبِ اللهُ لَكُمُ الْحَسَنَاتِ وَيَرْفَعْ لَكُمْ بِهِ الدَّرَجَاتِ فِي الْآخِرَةِ » (٢).

بل ظاهر جملة من الأخبار اختصاص التحريم بمن يعتقد الحق ويتصف بصفات مخصوصة ، كالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان واجتناب الكبائر ونحو ذلك من الصفات المخصوصة المذكورة في محالها ، التي إذا حصلت في المكلف حرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه ، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس ، فأما من لم يتصف بذلك فلم يقم دليل على تحريم غيبته ، ويؤيد ما ذكرناه ما

رُوِيَ فِي الْكَافِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ : مَنْ عَامَلَ النَّاسَ فَلَمْ يَظْلِمْهُمْ وَحَدَّثَهُمْ فَلَمْ يَكْذِبْهُمْ وَوَعَدَهُمْ فَلَمْ يُخْلِفْهُمْ كَانَ مِمَّنْ حَرُمَتْ غِيبَتُهُ وَكَمَلَتْ مُرُؤَتُهُ وَظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ وَوَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ.

وبما ذكرناه يظهر أن المنع من غِيبَةِ الفاسق المصر ـ كما يميل إليه كلام بعض من تأخر ـ ليس بالوجه ، لأن دلالة الأدلة على اختصاص الحكم بغيره أظهر من أن يبين. وما ورد من تحريم الْغِيبَةِ على العموم كلها من طرق أهل

__________________

(١) كشف الريبة ص ٢٠.

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٦٣.

١٣٦

الخلاف لمن تدبر ذلك. وحيث تحرم الْغِيبَةُ يدخل فيها أمور ذكر بعضها بعض علمائنا : كنقصان يتعلق في البدن كالعمش والعور ، وفي النسب كفاسق الأب وخسيس النسب ، وفي الخلق كأن يقول سيىء الخلق بخيل ، وبالفعل المتعلق بالدين كسارق كذاب وبالدنيا كقليل الأدب متهاون بالناس ، وبالثوب كقولك واسع الكم طويل الذيل ... إلى أن قال : إن ذلك لا يكون مقصورا على التلفظ به بل التعريض به والإشارة كذلك ، وكذا الإيماء والغمز وكلما يفهم منه المقصود داخل في الْغِيبَةِ مساو للتصريح في المعنى. قال : ومن ذلك ما

رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : دَخَلَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ فَلَمَّا وَلَّتْ أَوْمَأْتُ بِيَدِي ، أَيْ قَصِيرَةٌ. فَقَالَ (ص) : اغْتَبْتِيهَا.

ولا بأس بملاحظة ما ذكر ولو من باب الأولوية. ونقل الاتفاق على جواز الْغِيبَةِ في مواضع : كالشهادة ، والنهي عن المنكر ، وشهادة ونصح المستشير ، وجرح الشاهد والراوي ، وتفضيل بعض العلماء والصناع على بعض ، وغِيبَةِ المتظاهر بالفسق الغير المستنكف ، وذكر المشتهر بوصف متميز له كالأعرج والأعور لا على سبيل الاحتقار والذم ، وذكره عند من يعرفه بذلك بشرط عدم سماع غيره ، والتنبيه على الخطإ في المسائل العلمية بقصد أن لا يتبعه أحد فيها (١).

وَفِي الْحَدِيثِ : « مَنْ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ خَلْفِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ مِمَّا عَرَفَهُ النَّاسُ لَمْ يَغْتَبْهُ » (٢).

المراد بِقَوْلِهِ « مِنْ خَلْفِهِ ». يعني رجلا غَائِباً ليس بحاضر. قَوْلُهُ « مِمَّا عَرَفَهُ النَّاسُ ».

كالحدة والعجلة ونحو ذلك مما اشتهر فيه بين الناس. وغَابَ القمر غِيَاباً وغَيْبُوبَةً ، وتَغَيَّبَ أيضا : أي غرب وتوارى.

وَفِي الْحَدِيثِ : « حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى غَابَ قُرْصُهَا ». فحتى الثانية على ما ذكر بيان للسابقة إزالة لتوهم التجوز.

__________________

(١) هذا الكلام مختصر لما جاء في كتاب كشف الريبة للشهيد الثاني. انظر تفصيله ص ٤١ ـ ٤٥.

(٢) الكافي ج ٢ ص٣٥٨.

١٣٧

والغائب : خلاف الحاضر ، والجمع غُيَّبٌ وغُيَّابٌ مثل ركع وكفار. والْغَابَةُ : الأجمة من القصب. والْغَابَةُ : الأجمة ذات الشجر المتكاثف لأنها تُغَيِّبُ ما فيها ، والجمع غَابَاتٌ. و « غَيَابَةُ الوادي » بالفتح : قعره تقول « وقعنا في غَيْبَةٍ وغَيَابَةٍ » أي هبطة من الأرض.

باب ما أوله القاف

(قبب)

فِي الْحَدِيثِ : « كَانَ إِذَا أَحْرَمَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) أَمَرَ بِقَلْعِ الْقُبَّةِ وَالْحَاجِبَيْنِ » (١).

الْقُبَّةُ بالضم والتشديد : البناء من شعر ونحوه ، والجمع قُبَبٌ وقِبَابٌ مثل برم وبرام ، والمراد بها هاهنا قُبَّةُ الهودج ، وبالحاجبين السترين المغطى بهما. ومنه « قُبَّةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ ».

أي معموله منهما أو مكللة بهما. وقَبَ الثمر يَقِبُ ـ بالكسر ـ يبس. والْأَقَبُ : الضامر البطن ، والمرأة الْقَبَّاءُ : الخميصة البطن.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) « كَانَتْ دِرْعُهُ صَدْراً لَا قَبَ لَهَا ».

أي لا ظهر لها.

وَفِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ (ص) : « يَا عَلِيُّ الْعَيْشُ فِي ثَلَاثَةٍ : دَارٍ قَوْرَاءَ ، وَجَارِيَةٍ حَسْنَاءَ ، وَفَرَسٍ قَبَّاءَ » (٢).

أي ضامرة البطن. قال الصدوق في الفقيه : سمعت رجلا من أهل الكوفة يقول : الفرس الْقَبَّاءُ الضامر البطن ، يقال فرس أَقَبُ وقَبَّاءُ ، لأن الفرس تذكر وتؤنث ، ويقال للأنثى قَبَّاءُ لا غير. وأنشد قول ذي الرمة (٣).

تَنَصَّبَتْ حَوْلَه يوما تُراقِبُهُ

صُحْرٌ سَمَاحِيجُ في أَحْشَائِها قَبَبٌ

ثم قال : الصحر جمع أصحر ، وهو

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص٣٥١.

(٢) من لا يحضر ج ٤ ص ٢٦١.

(٣) البيت الشاهد من قصيدة طويلة تزيد على ١٢٠ بيت ، وهي من الملحمات في

١٣٨

الذي يضرب لونه إلى الحمرة ، وبهذا اللون يكون في الحمار الوحشي ، والسماحيج الطوال واحدة سمحج. والْقَبَبُ الضمر ـ انتهى (١).

وَفِي الْحَدِيثِ : « هَلَاكُ الْمَرْءِ فِي ثَلَاثٍ قَبْقَبِهِ وَذَبْذَبِهِ وَلَقْلَقِهِ ».

الْقَبْقَبُ : البطن ، من الْقَبْقَبَةِ وهو صوت يسمع من البطن ، فكأنها حكاية ذلك الصوت ، والمراد بذبذبه ذكره ، وبلقلقه لسانه.

(قتب)

فِي حَدِيثِ الْمَرْأَةِ مَعَ زَوْجِهَا : « وَلَا تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ » (٢).

الْقَتَبُ بالتحريك : رحل البعير صغير على قدر السنام ، وجمعه « أَقْتَابٌ » كأسباب. والْقُتَيْبِيُ من رواة الحديث نسبة لعبد الله ، ويقال عبد الله بن نهيك (٣)

(قرب)

قوله تعالى : ( وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ) [٣٤ / ٥١ ] أي من تحت أقدامهم. قوله : ( يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ) [ ٥٠ / ٤١ ] أي من المحشر لأنه لا يبعد نداؤه من أحد. قوله : ( ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ) [ ٤ / ١٧ ] أي قبل حضور الموت. قوله : ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ) [ ٩٦ / ١٩ ] أي ( وَاسْجُدْ ) لله تعالى ( وَاقْتَرِبْ ) من ثوابه ، وقيل معناه يا محمد (ص) لِتَقْرَبَ منه ، فإن أَقْرَبَ ما يكون العبد من الله تعالى إذا سجد له ، وقيل ( وَاسْجُدْ ) أي وصل لله ( وَاقْتَرِبْ ) من الله ، وقيل

__________________

جمهرة أشعار العرب ، وفي البيت الشاهد وهم وخلط ، فإنه مركب من بيتين بينهما أربعة أبيات على ما في الجمهرة ، وهما :

سألتُ حبيبى الوصلَ منه دُعابَةً

وأعْلَمُ أنَّ الوصل ليس يكونُ

فمَاسَ دلالاً وابتهاجاً وقال لى

برفقٍ مجيباً (ما سألتَ يَهُونُ)

(١) من لا يحضر ج ٤ ص ٢٦١.

(٢) مكارم الأخلاق ص ٢٤٥.

(٣) في رجال أبي علي ص٣٦٥ : « القتيبي علي بن محمد بن قتيبة ».

١٣٩

( وَاسْجُدْ ) لقراءة هذه السورة ، والسجود هنا فريضة وهو من العزائم. و ( قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ ) [ ٩ / ٩٩ ] المعنى أن ما ينفقه سبب لحصول الْقُرُبَاتِ وصلوات الرسول ، لأنه كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم كَقَوْلِهِ « اللهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى ».

لما أتاه أبو أوفى بصدقة ، فلما كان ما ينفق سببا لذلك قيل يتخذ ما ينفق قُرُبَاتٍ وصلوات ( أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ ) شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقده ـ كذا قال الشيخ أبو علي. قوله : ( وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى ) [ ٤ /٣٦ ] أي الذي قَرِيبُ جواره ، وقيل الذي له مع الجوار قُرْبٌ واتصال بنسب أو دين. قوله : ( ذا مَقْرَبَةٍ ) [ ٩٠ / ١٥ ] أي قَرَابَةٍ. قوله : ( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) [ ٧ / ٥٦ ] ولم يقل قَرِيبَةٌ لأنه أراد بالرحمة الإحسان ، ولأن ما لا يكون تأنيثه حقيقيا جاز تذكيره. وعن الفراء : إذا كان الْقَرِيبُ بمعنى المسافة يذكر ويؤنث. و « ذِي الْقُرْبى » في آية الخمس بنو هاشم وبنو المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل ، لِقَوْلِهِ (ع) : « إِنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ مَا فَارَقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ ، وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ».

وشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. قوله : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) [ ١٧ / ٢٦ ] وقوله : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ) [ ١٦ / ٩٠ ] قيل المراد بذي الْقُرْبَى في هذا وأمثاله قَرَابَةُ الرسول وإعطاء حقه وأوجب له من الخمس وغيره. قوله : ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ ) [ ٢١ / ٩٧ ] أي تَقَارَبَ. قوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ) أي لا تأكلا منها ، والمعنى لا تَقْرَبَاهَا بالأكل ، وهو نهي تنزيه عندنا لا نهي تحريم ، وكانا بالتناول منها تاركين نفلا وفضلا ( فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ ) أي

١٤٠