مجمع البحرين - ج ٢

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٢

باب ما أوله الألف

(أحح)

أَحَ الرجلُ يَؤُحُ أَحّاً : أي سعل.

(أرح)

« أَرِيحَا » كزليخا وكربلا : اسم قرية الغور قريبا من القدس (١).

باب ما أوله الباء

(بجح)

الْبَجَحُ : الفرح ، يقال بَجِحَ بالشيء بالكسر ، وبالفتح لغة ضعيفة. وبَجَّحْتُهُ فَتَبَجَّحَ : أي فرحته ففرح

وَفِي حَدِيثِ أَهْلِ الْجَنَّةِ « فِي خَيْرَاتِهَا يَبْتَجِحُونَ » وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ « يَتَبَحْبَحُونَ ».

بحاءين مهملتين بينهما باء موحدة ، كأنه من التَّبَحْبُحُ وهو التمكن في الحلول والمقام.

(بحح)

« الْبَحَحُ » بالحاءين المهملتين غلظ الصوت ، ومنه « الْبُحَّةُ » بالضم ، يقال بَحَ يَبُحُ بُحُوحاً ، فإن كان من داء فهو الْبَحَاحِ. وبُحِحْتُ بالكسر أَبُحُ بَحّاً. ورجل أَبَحُ : بَيِّنُ البَحَحِ إذا كان ذلك فيه خلقة وامرأة بحة في صوتها. ومنه حَدِيثُ التَّلْبِيَةِ « مَا بَلَغْنَا الرَّوْحَاءَ حَتَّى بَحَّتْ أَصْوَاتُنَا ».

(بحبح)

فِي الْحَدِيثِ « فَغَزَاهُمْ فِي بُحْبُوحَةِ قَرَارِهِمْ ».

البُحْبُوحَة ـ بضم الباءين الموحّدتين وبالحاءين المهملتين ـ : وسط الشيء ، ومنه « بُحْبُوحَةُ الجنّة » ، والمعنى غزاهم في وسط مستقرهم ومكانهم الذي

__________________

(١) في معجم البلدان ج ١ ص ١٦٥. أريحا بالفتح ثم الكسر وياء ساكنه والحاء مهمله والقصر ، وقد رواه بعضهم بالخاء المعجمة ....

٣٤١

يسكنونه ، يقال بَحْبَحَ الرجل : إذا تمكّن وتوسط المنزل والمقام.

(برح)

قوله تعالى : ( فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ ) [ ١٨ / ٦٠ ] أي لن أفارق مصر ، يقال ما بَرِحَ من مكانه أي لم يفارقه. قوله : ( لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ) [ ١٨ / ٦٠ ] أي لا أزال أسير ، فحذف الخبر لدلالة حاله وهو السفر. و « بَرَاحِ » بالفتح مثل قطام : اسم للشمس وأنشد قُطْرُبُ :

هذا مقام قدمي رباح

ذبب حتى دلكت بَرَاحِ

من روى بفتح الباء جعله اسما مبنيا على فعالِ كقطامِ وحذامِ ، ومن يروي بِرَاحٍ بكسر الباء أراد باء الجر والراح جمع راح وهي الكف ، لأنهم كانوا يضعون راحاتهم على عيونهم ينظرون هل غربت الشمس أو زالت. وبَرِحَ الظبي بالفتح بُرُوحاً : إذا ولاك مياسره يمر من ميامنك إلى مياسرك. والعرب تتطير بِالْبَارِحِ وتتفأل بِالسَّانِحِ ، لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف ـ كذا ذكره الجوهري ، ويتم الكلام في سنح إن شاء الله. والْبَارِحُ : الريح الحارة. والْبَارِحَةُ : أقرب ليلة مضت. قال في المصباح : والعرب تقول قبل الزوال « فعلنا الليلة كذا « لقربها من وقت الكلام ، وتقول بعد الزوال « فعلنا الْبَارِحَةَ ». و « الْبَرَحُ » بالفتح فالسكون الشدة ، تقول منه بَرْحاً. والتَّبْرِيحُ : المشقة والشدة. و « ضَرْبٌ مُبْرِحٌ » بكسر الراء : أي شاق. و « الْبَرَاحُ » بالفتح : المتسع من الأرض لا زرع فيه ولا شجر. والْبَرَاحُ مصدر قولك « بَرِحَ الشيء من مكانه » من باب تعب « بَرَاحاً » أي زال عنه وصار في الْبَرَاحِ. وبَرِيحَةٌ بالباء الموحدة والراء والحاء المهملتين بينهما ياء مثناة : اسم رجل.

٣٤٢

(بطح)

فِي الْحَدِيثِ « أَنَّهُ (ص) صَلَّى بِالْأَبْطَحِ ».

يعني مسيل وادي مكة ، وهو مسيل واسع فيه دقاق الحصى أوله عند منقطع الشعب بين وادي منى وآخره متصل بالمقبرة التي تسمى بالمعلى عند أهل مكة ، ويجمع على الْأَبَاطِحِ والْبِطَاحُ بالكسر على غير القياس. والْبَطْحَاءُ مثل الْأَبْطَحِ ، ومنه « بَطْحَاءُ مكة ».

وَفِي الْفَقِيهِ : سُمِّيَ الْأَبْطَحُ أَبْطَحَ لِأَنَّ آدَمَ (ع) أُمِرَ أَنْ يَنْبَطِحَ فِي بَطْحَاءِ جَمْعٍ فَانْبَطَحَ حَتَّى انْفَجَرَ الْفَجْرُ.

و « بَطَّحَ المسجد » بالتشديد : ألقى فيه الْبَطْحَاءَ ، وهو دُقاق الحصى. والْبَطْحَاءُ : الأرض المستوية. وبَطَحَهُ بَطْحاً من باب نفع : ألقاه على وجهه فَانْبَطَحَ. وبَطَحْتُهُ بَطْحاً : بسطته.

(بلح)

« الْبَلَحُ » بالتحريك قيل البسر لأن أول التمر طلع ثم خلال ثم بَلْحٌ ثم بسر ثم رطب ثم تمر ، الواحدة بَلْحَةٌ.

(بوح)

الْمُبَاحُ : خلاف المحظور ، مأخوذ من بَاحَةِ الدار وسعتها ، فكونه مُبَاحاً معناه موسع فيه. ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ (ع) مَعَ مُعَاوِيَةَ « لَا أَزَالُ بِبَاحَتِكَ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا ».

أي مُبَاحٌ لك. والْبَاحَاتُ جمع بَاحَةٍ وهي العرصة ومنه قَوْلُ عَلِيٍّ (ع) فِي قَوْمِهِ « إِنَّكُمْ لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ ».

وبَاحَ بِسِرِّهِ : أظهره. وأَبُوحُ بحاجتي : أي أظهرها. واسْتَبَاحُوهُمْ : استأصلوهم ، ومنه حَدِيثُ الدُّعَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ « لَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِمْ عَدُوّاً مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ ».

أي مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم. ويَسْتَبِيحَ ذراريَّهُمْ : أي يسبيهم وينهبهم ، أي يجعلهم له مُبَاحاً لا تبعة عليه فيهم. و « الْبِيَاحُ » بكسر الباء : ضرب من السمك. قال الجوهري : وربما فتح وشدد.

٣٤٣

باب ما أوله التاء

(ترح)

فِي الْحَدِيثِ « مَا مِنْ فَرْحَةِ إِلَّا وَيَتْبَعُهَا تَرْحَةٌ ».

التَّرْحَةُ المرة من التَّرَحِ بالتحريك الذي ضد الفرح وهو الهلاك والانقطاع أيضا. وفي المصباح تَرِحَ تَرَحاً فهو تَرِحٌ مثل تعب تعبا فهو تعب : إذا حزن ، ويتعدى بالهمزة. و « تَارَحُ » كآدم أبو إبراهيم (ع) ـ قاله في القاموس.

(تفح)

التُّفَّاحُ كرمان فاكهة معروفة ، الواحدة تُفَّاحَةٌ ، وهو عربي.

(تيح)

مِنْ كَلَامِ الْحَقِّ تَعَالَى فِي حَدِيثِ الْإِمَامَةِ « أُتِيحَتْ بَعْدَ مُوسَى (ع) فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ حِنْدِسٌ ».

أي قدرت له وأنزلت به ، من أَتَاحَ الله له الشيء : قدره له وأنزله به ، ويقال تَاحَ له الشيء وأُتِيحَ له الشيء من باب سار : قدر له ويسر ، ومِنْهُ « أَتَاحَ اللهُ لَهُ الْمَالَ ».

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) بَعْدَ وَفَاةِ فاطمة عليها السلام « كَمَدٌ مُتِيحٌ وَهَمٌّ مُهَيِّجٌ ».

الكمد : الحزن المكتوم ، والْمُتِيحُ : المعترض ، من قولهم « فرس مُتِيحٌ » إذا اعترض في مشيته نشاطا. و « هَمٌّ مُهَيِّجٌ ».

أي هائج.

باب ما أوله الجيم

(جحجح)

الْجَحْجَاحُ : السيّد ، وجمعه الْجَحَاجِيحُ

(جدح)

الْمِجْدَحُ : ما يُجْدَحُ به ، وهو خشبة مجنحة الرأس لها ثلاث شعب.

٣٤٤

(جرح)

قوله تعالى : ( وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ ) [ ٦ / ٦٠ ] أي كسبتم. قوله : ( مِنَ الْجَوارِحِ ) [ ٥ / ٤ ] أي الكواسب ، أي الصوائد من السباع والطير ، سميت بذلك لأنها كواسب بأنفسها يقال جَرَحَ : إذا اكتسب. وجَوَارِحُ الإنسان : أعضاؤه التي يكتسب بها كيديه ورجليه. والِاجْتِرَاحُ : الاكتساب.

وَفِي الْخَبَرِ « جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ ».

أي هَدَر. والجَرْح هاهنا بالفتح على المصدر لا غير ، وأما الْجُرْحُ بالضم فهو الاسم. وجَرَحَهُ جَرْحاً والْجِرَاحُ بالكسر جمع جِرَاحَةٍ بالكسر أيضا. ويقال رجل جَرِيحٌ وامرأة جَرِيحٌ ورجال جَرْحَى ونسوة جَرْحَى. واسْتَجْرَحَتِ الأحاديث : فسدت وقل صحاحها ، من جُرِحَ الشاهد : إذا طعن فيه.

(جلح)

فِي الْحَدِيثِ « إِنِّي لَأَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ أَرَى جَبْهَتَهُ جَلْحَاءَ لَيْسَ فِيهَا أَثَرُ السُّجُودِ.

الْجَلْحَاءُ : الملساء. والأرض الْجَلْحَاءُ : التي لا نبات فيها. و « الْجَلَحُ » بالتحريك : فوق النزع وهو انحسار الشعر عن جانبي الرأس أوله النزع ثم الْجَلَحُ ثم الصلع. وقد جَلِحَ الرجل جَلَحاً من باب تعب فهو أَجْلَحُ ، واسم ذلك الموضع « جَلَحَةٌ » كقصبة. والمرأة جَلْحَاءُ ، والجمع جُلْحٌ مثل أحمر وحمراء وحمر. وشاة جَلْحَاءُ : لا قرن لها.

(جمح)

قوله تعالى : ( لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ) [ ٩ / ٥٧ ] أي يسرعون ، من جَمَحَ : أي أسرع ، يقال جَمَحَ في أثره أي أسرع إسراعا لا يرده شيء. ومنه فرس جَمُوحٌ : للذي إذا ذهب في عدوه لم يرده شيء.

٣٤٥

ويقال يَجْمَحُونَ أي يميلون ، ومنه « دابة جَمُوحٌ » بالفتح : للتي تميل في أحد شقيها. والْجَمُوحُ من الرجال : الذي يركب هواه فلا يمكن رده. و « صفوان بن أمية الْجُمَحِيُ » قد مرّ ذكره (١).

(جنح)

قوله تعالى : ( جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) [٣٥ / ١ ]

فِي الْخَبَرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ : إِنَّ لِكُلِّ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَمَنْ حَوْلَهُ أَرْبَعَةَ أَجْنِحَةٍ : أَمَّا جَنَاحَانِ فَعَلَى وَجْهِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْعَرْشِ فَيَصْعَقَ ، وَأَمَّا جَنَاحَانِ فَيَطِيرُ بِهِمَا.

وَعَنِ الصَّادِقِ (ع) خَلَقَ اللهُ الْمَلَائِكَةَ مُخْتَلِفَةً ، وَقَدْ رَأَى رَسُولُ اللهِ (ص) جَبْرَئِيلَ وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ ... قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (٢).

قوله : ( وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ) [ ٢٨ /٣٢ ] وقوله ( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ ) [ ٢٠ / ٢٢ ] الْجَنَاحُ ما بين أسفل العضد إلى الإبط ، ويد الإنسان بمنزلة جَنَاحِ الطائر ، وإذا أدخل الإنسان يده اليمنى تحت عضده اليسرى فقد ضم جَنَاحَهُ إليه. والْجُنَاحُ : الإثم لميله عن طريق الحق ، ومنه قوله تعالى : ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ ) [ ٢ / ١٥٨ ] أي لا إثم عليه ، وإنما قال ( فَلا جُناحَ ) لأن المسلمين كانوا في بدء الإسلام يرون أنَّ فيه جُنَاحاً بسبب ما حكي أن إسافا ونائلة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين ووضعا على الصفا والمروة للاعتبار ، فلما طال الزمان توهم أن الطواف كان تعظيما للصنمين ، فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام فتحرج المسلمون من السعي بينهما ، فرفع الله ذلك الحرج (٣).

__________________

(١) انظر الجزء الأول من هذا الكتاب ص ٢٦٥.

(٢) تفسير علي بن إبراهيم ص ٥٤٣.

(٣) انظر مجمع البيان ج ١ ص ٢٤٠.

٣٤٦

قوله : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها ) [ ٨ / ٦١ ] أي إن أمالوا للصلح فمل معهم ، يقال جَنَحَ إلى الشيء يَجْنَحُ بفتحتين وجَنَحَ جُنُوحاً من باب قعد مبالغة : مال إليه.

وَفِي الْحَدِيثِ « كَانَ مُجَّنِّحاً فِي سُجُودِهِ ».

بتشديد النون أي رافعا مرفقيه عن الأرض حال السجود جاعلا يديه كَالْجَنَاحَيْنِ. وفِيهِ « إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ » ١).

قيل أي لتكون وطاء له إذا مشى ، وقيل هو بمعنى التواضع تعظيما لحقه ، وقيل أراد بوضع الْأَجْنِحَةِ نزولهم إلى مجالس العلم وترك الطيران ، وقيل أراد إظلالهم بها. و « الْجَنَاحُ » اسم فرس لرسول الله وجَنَاحَا الطائر بمنزلة اليدين من الإنسان ، سميا بذلك لميلهما في شقيه ، من الْجُنُوحِ وهو الميل.

وَ « ذُو الْجَنَاحَيْنِ » لَقَبُ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ لَقَّبَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ (ص) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا قُطِعَتْ يَدَاهُ يَوْمَ مُؤْتَةَ ـ كغُرْفَة ـ جَعَلَ اللهُ لَهُ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا ، قَالَ لَهُ (ص) : رَأَيْتُ جَعْفَراً يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ.

والْجَوَانِحُ : الأضلاع مما يلي الصدر ، واحدها « جَانِحَةٌ » سمي بذلك لاعوجاجها ومنه حَدِيثُ الْكَافِرِ » فَتَضِيقُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ حَتَّى تَلْتَقِيَ جَوَانِحُهُ ».

وَفِي الْخَبَرِ « إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ فَأَكِنُّوا صِبْيَانَكُمْ ».

يقال « جُنْحُ الليل » بضم الجيم وكسرها : لأوله ، وقيل قطعة منه إلى النصف ، وقيل جُنْحُ الليل ظلامه واختلاطه. وقد جَنَحَ الليلُ بفتحات : إذا أقبل ظلامه.

(جوح)

الْجَائِحَةُ : الآفة التي تهلك الثمار وتستأصلها. وكل مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة جَائِحَةٌ ، يقال جَاحَتِ الآفة المال تَجُوحُهُ جَوْحاً من باب قال : أهلكته. وتَجِيحُهُ جِيَاحَةً لغة فهي جَائِحَةٌ والجمع الْجَوَائِحُ. وأَجَاحَهُ بالألف لغة

__________________

(١) الكافي ج ١ ص٣٤.

٣٤٧

والْجَوْحُ : الاستيصال. وجَاحَ الله ماله وأَجَاحَهُ بمعنى أهلكه بِالْجَائِحَةِ. وجَاحَهُمُ يَجُوحُهُمْ : إذا غشيهم بِالْجَوَائِحِ. والْجَائِحَةُ : التي تركب هواها ولا يمكن ردها. والْجَاحُ : ضرب من الشوك ، الواحدة جَاحَةٌ ، ولعل منه

قَوْلُهُ (ع) « وَلَقَدْ هَوَّنَ عَلَيَّ وَجْدِي وَشَفَا جَاحَ صَدْرِي ».

و « جيحون » هو على ما قيل نهر وراء خراسان عند بلخ ، ويخرج من شرفها من إقليم بناحية بلاد الترك ويجري غربا ويمر ببلاد خراسان ثم يخرج ببلاد خوارزم ويجاوزها حتى ينصبُّ في بحيرتها.

وَفِي الْحَدِيثِ « جَيْحَانُ أَحَدُ الْأَنْهُرِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي خَرَقَهَا جَبْرَئِيلُ بِإِبْهَامِهِ ».

قيل هو نهر يخرج من حدود الروم ويمتد إلى قرب حدود الشام ثم يمر بإقليم يسمى سيسي ثم يصب في البحر.

وَفِي الْحَدِيثِ « جَيْحَانُ هُوَ نَهَرُ بَلْخٍ ».

باب ما أوله الدال

(دبح)

فِي الْخَبَرِ « نَهَى أَنْ يُدَبِّحَ الرَّجُلُ فِي الرُّكُوعِ كَمَا يُدَبِّحُ الْحِمَارُ ».

أي يبسط ظهره ويطأطىء رأسه ، من قولهم « دَبَّحَ الرجل » بالباء الموحدة المشددة والحاء المهملة تَدْبِيحاً فعل ذلك ، قيل ومن أعجم الدال فقد صحف.

(دحح)

دَحَحْتُ الشيء في الأرض : إذا دسسته فيها.

(دحدح)

فِي صِفَةِ أَبْرَهَةَ « كَانَ دَحْدَاحاً ».

الدَّحْدَاحُ : القصير السمين.

٣٤٨

(دلح)

سحابةٌ دَلُوحٌ : أي كثيرة الماء.

(دوح)

فِي الْحَدِيثِ « قُطِعَ دَوْحَةٌ مِنَ الْحَرَمِ فَأَمَرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ ».

الدَّوْحَةُ : الشجرة العظيمة من أي شجر كان ، والجمع دَوْحٌ مثل تمرة وتمر. وغَدَقٌ دَوَّاحٌ : أي عظيم شديد العلو وإبراهيم بن سليمان بن أبي دَاحَةَ من رواة الحديث ، ودَاحَةُ أمه ، وقيل جارية لأمه (١).

باب ما أوله الذال

(ذبح)

قوله تعالى : ( وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) [٣٧ / ١٠٧ ] الفداء : جعل الشيء مكان الشيء لدفع الضرر عنه ، قيل وصف بالعظيم لضخامة جثته. والذِّبْحُ بالكسر : ما يُذْبَحُ من الحيوان ، أو معناه أنا جعلنا الذِّبْحَ بدلا عنه كالأسير يفدى.

وَفِي الْحَدِيثِ « يَعْنِي بِكَبْشٍ أَمْلَحَ يَمْشِي فِي سَوَادٍ وَيَأْكُلُ فِي سَوَادٍ وَيَبُولُ فِي سَوَادٍ قَرْنٌ فَحْلٌ » (٢).

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ « الذِّبْحُ الْعَظِيمُ الْحُسَيْنُ عليه السلام » (٣).

واختلف في الذَّبِيحِ فقيل هو إسحاق ، والأظهر من الرواية أنه إسماعيل ، ويعضده قَوْلُهُ (ص) « أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ » (٤).

وقوله تعالى بعد إيراد قصة الذِّبْحِ :

__________________

(١) وقع اختلاف في اسم أبيه فقيل سليمان وقيل سالم ، كان وجه أصحابنا البصريين في الفقه والكلام والأدب والشعر ، والجاحظ يحكي عنه ، وذكر أنه روى عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، وصنف كتبا. منتهى المقال ص ٢١.

(٢) البرهان ج ٤ ص ٢٩.

(٣) البرهان ج ٤ ص٣٠.

(٤) تفسير علي بن إبراهيم ص ٥٥٩.

٣٤٩

( وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ ).

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع) « كَانَ الذَّبِيحُ إِسْمَاعِيلَ لَكِنَّ إِسْحَاقَ لَمَّا وُلِدَ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ هُوَ الذَّبِيحَ لِيَنَالَ دَرَجَةَ إِسْمَاعِيلَ فَسَمَّاهُ اللهُ ذَبِيحاً بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ لِتَمَنِّيهِ لِذَلِكَ » (١).

وَعَنِ الْبَاقِرِ (ع) « أَرَادَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حَمَلَتْ أُمُّ رَسُولِ اللهِ (ص) عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى ، فَلَمْ يَزَلْ مَضْرَبَهُمْ يَتَوَارَثُونَهُ كَابِراً عَنْ كَابِرٍ حَتَّى كَانَ آخِرَ مَنِ ارْتَحَلَ مِنْهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام فِي شَيْءٍ كَانَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي أُمَيَّةَ ، فَارْتَحَلَ فَضَرَبَ بِالْعَرِينِ » (٢).

والذَّبِيحُ : الْمَذْبُوحُ ، والذَّبِيحَةُ مثله ، والهاء لغلبة الاسم.

وَقَوْلُهُ (ص) « أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ ».

كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَدْ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يَحْفِرُ زَمْزَمَ وَنَعَتَ لَهُ مَوْضِعَهَا ، فَقَامَ يَحْفِرُ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ إِلَّا الْحَارِثُ ، فَنَذَرَ لَئِنْ وُلِدَ لَهُ عَشْرَةٌ ثُمَّ بَلَغُوا لَيَنْحَرَنَّ أَحَدَهُمْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، فَلَمَّا تَمُّوا عَشْرَةً أَخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ فَأَطَاعُوهُ وَكَتَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ اسْمَهُ فِي قِدْحٍ فَخَرَجَ عَلَى عَبْدِ اللهِ ، فَأَخَذَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الشَّفْرَةَ لِنَحْرِهِ فَقَامَتْ قُرَيْشٌ مِنْ أَنْدِيَتِهَا وَقَالُوا : لَا تَفْعَلْ حَتَّى تَنْظُرَ فِيهِ ، فَانْطَلَقَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ : قَرِّبُوا عَشْرَةً مِنَ الْإِبِلِ ثُمَّ اضْرِبُوا عَلَيْهَا وَعَلَى الْقِدَاحِ فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى صَاحِبِكُمْ فَزِيدُوا مِنَ الْإِبِلِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّكُمْ ، فَقَرَّبُوا عَشْرَةً فَخَرَجَتْ عَلَى عَبْدِ اللهِ ، ثُمَّ زَادُوا عَشْرَةً فَخَرَجَتْ عَلَى عَبْدِ اللهِ ، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى صَارَتْ مِائَةً فَخَرَجَتِ الْقِدَاحُ عَلَى الْإِبِلِ فَنُحِرَتْ ، ثُمَّ تُرِكَتْ لَا يُصَدُّ عَنْهَا إِنْسَانٌ وَلَا سَبُعٌ.

فلذلك قَالَ (ص) أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ.

وَفِي الْخَبَرِ « مَنْ وُلِّيَ قَاضِياً فَقَدْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ سِكِّينٍ ».

قيل معناه التحذير من طلب القضاء ، والذِّبْحُ مجاز عن الهلاك. وقَوْلُهُ « بِغَيْرِ سِكِّينٍ ».

إعلام بأنه أراد إهلاك دينه لا بدنه أو مبالغة ، فإن الذِّبْحَ بالسكين راحة وخلاص من الألم وبغيره تعذيب ، فضرب به المثل ليكون أشد في التوقي منه.

__________________

(١) البرهان ج ٤ ص٣١.

(٢) المصدر السابق ج ٤ ص ٢٩.

٣٥٠

وفِيهِ « نَهَى عَنْ ذِبَاحِ الْجِنِّ ».

كانوا إذا اشتروا دارا وبنوا بنيانا ذَبَحُوا ذَبِيحَةً مخافة أن تصيبهم الجن فأبطله النبي (ص) و « الذَّبْحُ » بالفتح : الشق. والذَّبْحُ مصدر قولك ذَبَحْتُ الحيوان فهو ذَبِيحٌ ومَذْبُوحٌ. و « الْمِذْبَحُ » بالكسر : السكين الذي يُذْبَحُ به ، والْمَذْبَحُ بالفتح الحلقوم. ومَذْبَحُ الكنيسة كمحراب المسجد والجمع الْمَذَابِحُ ، سميت بذلك للقرابين ، ومنه الْحَدِيثُ « كَانَ عَلِيٌّ (ع) إِذَا رَأَى الْمَحَارِيبَ فِي الْمَسَاجِدِ كَسَّرَهَا وَيَقُولُ كَأَنَّهَا مَذَابِحُ الْيَهُودِ ».

والْمَذْبَحُ : شق في الأرض. و « الذُّبَحَةُ » كهمزة وعنبة ـ : وجع في الحلق من الدم ، وقيل قرحة تظهر فيه فينسد معها وينقطع النفس ، ومنه حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ حِينَ أَخَذَ يَعْرِضُ عَمَّهُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (ع) عِنْدَ هَارُونَ « فَرَمَاهُ اللهُ بِالذُّبَحَةِ ».

باب ما أوله الراء

(ربح)

قوله تعالى : ( فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ ) [ ٢ / ١٦ ] أي فما رَبِحُوا في تجارتهم ، يقال رَبِحَ في تجارته من باب تعب رِبْحاً ورَبَاحاً مثل سلام ، ويسند الفعل إلى التجارة مجازا فيقال ( فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ ). والرِّبْحُ بالكسر والرَّبَحُ بالتحريك : اسم ما رَبِحَهُ الإنسان ، وكذلك الرَّبَاحُ بالفتح. ورَبَاحٌ في

قَوْلِهِ « هَذَا فِي مَقَامِ قَدَمَيْ رَبَاحٍ ».

اسم ساقٍ للإبل. روي أنه من عتقاء علي عليه السلام  والرَّبَاحُ دويبة كالسنور. [ والرَّبَاحُ أيضا بلد (١)] يجلب منه الكافور ـ قاله الجوهري. و « أُمُ رَبَاحٍ » بكسر الراء والتخفيف

__________________

(١) كذا في الصحاح للجوهري.

٣٥١

طائر أغبر أحمر الجناحين والظهر يأكل العنب ـ قاله في حياة الحيوان (١). ومال رَابِحٌ : أي ذو رِبْحٍ. وبيع الْمُرَابَحَةِ : هو البيع برأس المال مع زيادة.

(رجح)

فِي حَدِيثِ زَوَاجِ عَائِشَةَ « كَانَتْ عَلَى أُرْجُوحَةٍ ».

هي أفعولة بضم الهمزة ، وروي مَرْجُوحَةٌ وهي حبل يشد طرفاه في موضع مثال ثم يركبه الإنسان ويحرك وهو فيه. والْأُرْجُوحَةُ أيضا والْمَرْجُوحَةُ بفتح الميم لغة : مثال يلعب به الصبيان ، وهو أن يوضع وسط خشبة على تل ويقعد غلامان على طرفها ، والجمع أَرَاجِيحُ ومَرَاجِيحُ. ورَجَحَ الشيء يَرْجَحُ بفتحتين ، ورَجَحَ رُجُوحاً من باب قعد لغة : إذا ثقلت كفته بالموزون.

(ردح)

فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) « إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أُمُوراً مُتَمَاحِلَةً رُدُحاً ».

قال في النهاية الْمُتَمَاحِلَةُ : المتطاولة ، والرُّدُحُ : الثقيلة العظيمة ، واحدها رِدَاحٌ ، يعني الفتن. ورُوِيَ « أَنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ فِتَناً مُرْدِحَةً ».

أي ثقيلة مغطية للقلوب ، من أَرْدَحْتُ البيت : إذا سترته.

(رزح)

يقال رَزَحَ البعير رَزْحاً ورَزَاحاً : هزل هزالا شديدا فهو رَازِحٌ ، ومنه « لا سهم لِلرَّازِحِ » يعني الهالك هزالا. وفي المجمل رَزَحَ البعير : أعيا.

(رشح)

فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع) « احْفِرُوا لِي حَتَّى تَبْلُغَ الرَّشْحَ ».

يعني عرق الأرض ونداوتها. والرَّشْحُ : العرق. ورَشَحَ جبينه كمنع يَرْشَحُ رُشُوحاً : إذا عرق ، فهو رَاشِحٌ ، سمي بذلك لأنه يخرج شيئا فشيئا كما يَرْشَحُ الإناء المتخلخل الأجزاء.

وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ « حَتَّى يَبْلُغَ الرَّشْحُ آذَانَهُمْ ». أي العرق.

__________________

(١) حياة الحيوان ج ١ ص٣٧١.

٣٥٢

وَفِي الْحَدِيثِ « رَشْحُ الْجَبِينَيْنِ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَوْتِ ».

وَفِي حَدِيثِ أَهْلِ الْجَنَّةِ « رَشْحُهُمُ الْمِسْكُ ».

أي عرقهم كالمسك في طيب الرائحة.

(رمح)

الرُّمْحُ معروف ، وهو بالضم ، وجمعه رِمَاحٌ بالكسر ، والجمع أَرْمَاحٌ بالألف. و « رَمَحَهُ البغل » من باب نفع : إذا ضربه برجله.

(روح)

قوله تعالى : ( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) [ ٥٦ / ٨٩ ] الرَّوْحُ بفتح أوله : الرَّاحَةُ والِاسْتِرَاحَةُ والحياة الدائمة ، وبضمه الرحمة لأنها كَالرُّوحِ للمرحوم ، وقد قرئ بالوجهين. قوله تعالى ( فَرَوْحٌ )

وَرُوِيَ قِرَاءَةُ الضَّمِ فِي الْكَشَّافِ عَنِ الرَّسُولِ (١) وَرَوَاهَا فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ عَنِ الْبَاقِرِ عليه السلام (٢) وَفَسَّرَ الرَّيْحَانَ في الآية بالرزق الطيب ، ونقل الطبرسي عن بعضهم أنه قال الرَّيْحَانُ المشموم يؤتى به عند الموت من الجنة فيشمه فيقول أنا عملك الصالح.

وَرَوَى فِي الْكَافِي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام فَيَقُولُ أَنَا رَأْيُكَ الْحَسَنُ الَّذِي كُنْتَ تَعْمَلُهُ.

قال بعض العارفين : وهو صريح في تجسم الاعتقاد كالأعمال في تلك النشأة ، وهو كما قال ، وقد مر البحث فيه في رأى.

وَعَنِ الصَّادِقِ (ع) أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ وَلَايَتِنَا وَأَهْلِ عَدَاوَتِنَا ، ( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ ) يَعْنِي فِي قَبْرِهِ ( وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ ( وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ ) يَعْنِي فِي قَبْرِ ( وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ (٣).

و « الرَّوْحُ » بالفتح : الرحمة ، قال الله تعالى ( إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ ) [ ١٢ / ٨٧ ] أي من رحمته. قوله : ( وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) [ ٨ / ٤٦ ] الخطاب

__________________

(١) الكشاف ج٣ ص ١٩٩.

(٢) مجمع البيان ج ٤ ص ٢٢٧.

(٣) البرهان ج ٤ ص ٢٨٥.

٣٥٣

للمجاهدين في القتال. قال المفسر : أي لا تنازعوا في لقاء العدو ولا تختلفوا فيما بينكم فتجنبوا عن عدوكم وتضعفوا عن قتالهم ، و ( تَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) أي تذهب صولتكم وقوتكم ونصرتكم ودولتكم. والرِّيحُ هنا كناية عن نفاذ الأمر وجريانه على المراد ، تقول العرب « هبت رِيحُ فلان » إذا جرى أمره على ما يريد. وركدت رِيحُهُ : إذا دبر أمره (١). قوله : ( وَرُوحٌ مِنْهُ ) [ ٤ / ١٧١ ] يعني عيسى (ع) أي رُوحٌ مخلوق منه ، وإضافتها إليه للتشريف كناقة الله.

وَعَنِ الْبَاقِرِ (ع) فِي قَوْلِهِ ( وَرُوحٌ مِنْهُ ) قَالَ : رُوحٌ مَخْلُوقَةٌ خَلَقَهَا اللهُ فِي آدَمَ وَعِيسَى (٢) ،.

وكأن المعنى خلقها فيهما من غير جري العادة وخلقها في غيرهما يجري العادة ، ففيها زيادة اختصاص. ومثله قوله في آدم (ع) ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) وفِي الْحَدِيثِ عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) قَالَ : إِنَ الرُّوحَ مُتَحَرِّكَةٌ كَالرِّيحِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ رُوحاً لِأَنَّهُ اشْتُقَّ اسْمُهُ مِنَ الرِّيحِ ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ عَلَى لَفْظِ الرِّيحِ لِأَنَ الرُّوحَ مُجَانِسٌ لِلرِّيحِ ، وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ اصْطَفَاهُ عَلَى سَائِرِ الْأَرْوَاحِ كَمَا قَالَ : « لِبَيْتٍ مِنَ الْبُيُوتِ بَيْتِي » وَقَالَ « لِرَسُولٍ مِنَ الرُّسُلِ خَلِيلِي » وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ مُحْدَثٌ.

ـ انتهى (٣). قال بعض الأفاضل قوله « الرُّوحُ متحركة كَالرِّيحِ » إنما يصح في الجسم البخاري الذي يتكون من لطافة الأخلاط وبخاريتها لا في الرُّوحِ المجرد. قوله : ( نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ) [ ١٦ / ١٠٢ ] قال المفسر : يعني به جبرئيل ، أضيف إلى القدس ـ وهو الطهر ـ كقولهم « حاتم الجود » و « زيد الخير » ، والمراد الرُّوحُ المقدس وحاتم الجواد.

__________________

(١) مجمع البيان ج ٢ ص ٥٤٨.

(٢) نقل هذا المعنى في البرهان ج ١ ص ٤٢٨ عن الصادق عليه السلام

(٣) البرهان ج ٢ ص٣٤١.

٣٥٤

قوله تعالى : ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) [ ٤٢ / ٥٢ ] الآية.

رَوَى ثِقَةُ الْإِسْلَامِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى : ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ) قَالَ : خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ ، كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ يُخْبِرُهُ وَيُسَدِّدُهُ ، وَهُوَ مَعَ الْأَئِمَّةِ عليه السلام مِنْ بَعْدِهِ (١).

قوله تعالى : ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) [ ١٧ / ٨٥ ] قيل : يعني الرُّوحَ الذي به الحياة ( مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) أي مما استأثر به وأنتم لا تعلمونه. وقيل غير ذلك كما سيأتي إن شاء الله. والرُّوحُ في قوله تعالى : ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا ) [ ٧٨ /٣٨ ] على ما ذكره بعض المفسرين : ملك عظيم من ملائكة الله تعالى ، له ألف وجه في كل وجه ألف لسان يسبح الله تعالى بسبعين ألف لغة ، لو سمعوه أهل الأرض لخرجت أرواحهم ، لو سلط على السماوات والأرض لابتلعهما من أحد شفتيه ، وإذا ذكر الله تعالى خرج من فيه قطع من النور كأمثال الجبال العظام ، موضع قدميه مسيرة سبعة آلاف سنة ، له ألف جناح يقوم وحده يوم القيامة والملائكة وحدهم وهو قوله تعالى ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا ). قوله : ( فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا ) يعني جبرئيل ( فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا ) [ ١٩ / ١٧ ]

فنفخ فِي جَيْبِهَا فَحَمَلَتْ بِعِيسَى (ع) بِاللَّيْلِ فَوَضَعَتْهُ بِالْغَدَاةِ وَكَانَ حَمْلُهَا تِسْعَ سَاعَاتٍ.

قوله : ( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) [ ٥٨ / ٢٢ ]

قِيلَ هُوَ الْإِيمَانُ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُمْ عليه السلام (٢)

وقيل الهدى. قوله : ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ )

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٢٧٣.

(٢) ذكر هذا المعنى في حديث عن الباقر عليه السلام وفي حديث آخر عن الصادق عليه السلام  انظر البرهان ج ٤ ص٣١١.

٣٥٥

[ ٤٠ / ١٥ ] أي الوحي ، وقيل القرآن ، وقيل ما يحيا به الخلق ، أي يهتدون به فيكون حياة. قوله : ( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) [ ١٦ / ٢ ] أي بالرحمة والوحي عن أمره. والرِّيحُ : الرَّائِحَةُ ، ومنه قوله تعالى حكاية عن يعقوب (ع) ( إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ) [ ١٢ / ٩٤ ] أي رَائِحَتَهُ.

وَعَنِ الصَّادِقِ (ع) فِي قَوْلِهِ : ( إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ) قَالَ : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام لَمَّا أُوقِدَتْ لَهُ النَّارُ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِثَوْبٍ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ وَأَلْبَسَهُ إِيَّاهُ فَلَمْ يَضُرَّهُ مَعَهُ حَرٌّ وَلَا بَرْدٌ ، فَلَمَّا حَضَرَ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْتُ جَعَلَهُ فِي تَمِيمَةٍ وَعَلَّقَهُ عَلَى إِسْحَاقَ ، وَعَلَّقَهُ إِسْحَاقُ عَلَى يَعْقُوبَ ، فَلَمَّا وُلِدَ يُوسُفُ عَلَّقَهُ عَلَيْهِ ، فَكَانَ فِي عَضُدِهِ حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ ، فَلَمَّا أَخْرَجَهُ يُوسُفُ بِمِصْرَ مِنَ التَّمِيمَةِ وَجَدَ يَعْقُوبُ رِيحَهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : ( إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ )(١).

قوله : ( حِينَ تُرِيحُونَ ) [ ١٦ / ٦ ] أي حين تردون الإبل عشية إلى مَرَاحِهَا. والرَّوَاحُ : نقيض الصباح ، وهو اسم للوقت من زوال الشمس إلى الليل.

وَفِي الْخَبَرِ « مَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَلَهُ كَذَا ».

أي من ذهب.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فِي رَوْضَةٍ كَهَيْئَةِ الْأَجْسَادِ فِي الْجَنَّةِ ».

وَفِي آخَرَ « أَنَ الْأَرْوَاحَ فِي صِفَةِ الْأَجْسَادِ فِي شَجَرَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ تَتَسَاءَلُ وَتَتَعَارَفُ ».

وَفِي آخَرَ « فِي حُجُرَاتٍ فِي الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَامِهَا وَيَشْرَبُونَ مِنْ شَرَابِهَا ».

وَفِي آخَرَ » إِذَا قَبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ صَيَّرَ تِلْكَ الرُّوحَ فِي قَالَبٍ كَقَالَبِهِ فِي الدُّنْيَا فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ ، فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمُ الْقَادِمُ عَرَفُوهُ بِتِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا ».

قال بعض الأفاضل : قد يتوهم أن القول بتعلق الْأَرْوَاحِ بعد مفارقة أبدانها العنصرية بأشباح أخر ـ كما دلت عليه الأخبار ـ قول بالتناسخ ، وهذا توهم سخيف ، لأن

__________________

(١) البرهان ج ٢ ص ٢٦٩.

٣٥٦

التناسخ الذي أطبق المسلمون على بطلانه هو تعلق الْأَرْوَاحِ بعد خراب أجسامها بأجسام أخر في هذا العالم مترددة في الأجسام العنصرية ، وأما القول بتعلقها في عالم آخر بأبدان مثالية مدة البرزخ إلى أن تقوم قيامتها الكبرى فتعود إلى أبدانها الأولية فليس من التناسخ في شيء ـ انتهى. ويتم الكلام في نسخ إن شاء الله تعالى.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صُورَةِ أَبْدَانِهِمْ لَوْ رَأَيْتَهُ لَقُلْتَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ ».

قال بعض المتبحرين : المراد بِالرُّوحِ هنا ما يشير الإنسان بقوله « أنا » أعني النفس الناطقة المستعدة للبيان وفهم الخطاب ، ولا تفنى بفناء الجسد وإنه جوهر لا عرض ، وهي المعني في القرآن والحديث ، وقد تحير العقلاء في حقيقتها واعترف كثير منهم بالعجز عن معرفتها ، حتى قال بعض الأعلام : إِنَ قَوْلَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام « مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ ».

معناه أنه كما لا يمكن التوصل إلى معرفة النفس لا يمكن التوصل إلى معرفة الرب ، وقوله تعالى : ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) مما يعضد ذلك ، وقوله تعالى : ( بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) المراد هذه الْأَرْوَاحِ ... إلى أن قال : والذي عليه المحققون من أنها غير داخلة في البدن بالجزئية والحلول بل هي منزهة عن صفات الجسمية متعلقة بالجسم تعلق التدبير والتصرف فقط ، وهو مختار أعاظم الحكماء الإلهيين وأكابر المتصوفة والإشراقيين ، وعليه استقر رأي أكثر المتكلمين من الإمامية كالشيخ المفيد وبني نوبخت والمحقق نصير الدين الطوسي والعلامة جمال الدين ، ومن الأشاعرة الراغب الأصفهاني وأبي حامد الغزالي والفخر الرازي ، وهو المذهب المنصور الذي أشارت إليه الكتب السماوية وانطوت عليه الأنبياء النبوية وعضدته الدلائل العقلية وأيدته الأمارات الحدسية والمكاشفات الذوقية إلى أن قال : (تنبيه) قد يستفاد من أحاديث الْأَرْوَاحِ بعد مفارقة الأجساد مثل أنهم ـ يعني الأموات ـ يجلسون حلقا على صور أبدانهم العنصرية يتحدثون ويتنعمون بالأكل والشرب وإنهم ربما يكونون في

٣٥٧

الهواء بين الأرض والسماء يتعارفون في الجو ويتلاقون ، وأمثال ذلك الدلالة على نفي الجسمية في الأشباح وإثبات بعض لوازمها في عالم البرزخ ، ومن هنا قال بعض الأفاضل : المنقول في الكافي وغيره عن أمير المؤمنين (ع) والأئمة من أولاده عليه السلام يعطي أن تلك الأشباح ليست في كثافة الماديات ولا في لطافة المجردات ، بل هي ذات جهتين وواسطة بين العالمين ـ انتهى كلامه ، وهو حسن جيد يؤيده ما

رُوِيَ عَنْهُ (ع) مِنْ أَنَّ « الْأَرْوَاحَ إِذَا فَارَقَتِ الْأَبْدَانُ تَكُونُ كَالْأَحْلَامِ الَّتِي تُرَى فِي الْمَنَامِ ، فَهِيَ إِلَى عِقَابٍ أَوْ ثَوَابٍ حَتَّى تُبْعَثَ ».

وللغزالي كلام في كتاب الأربعين يليق ذكره هنا ، وهو أن الروح هي نفسك وحقيقتك ، وهي أخفى الأشياء عليك ، وأعني بنفسك رُوحَكَ التي هي خاصة الإنسان المضافة إلى الله تعالى بقوله : ( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) وقوله : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) دون الرُّوحِ الجسماني اللطيف الذي هو حامل قوة الحس والحركة التي تنبعث من القلب وتنتشر في جملة البدن في تجويف العروق الضوارب ، فيفيض منها نور حس البصر على العين ونور السمع على الأذن ، وكذلك سائر القوى والحركات والحواس كما يفيض من السراج نور على حيطان البيت إذا أدير في جوانبه ، فإن هذه الرُّوحَ تتشارك البهائم فيها وتنمحق بالموت ، لأنه بخار اعتدل نضجه عند اعتدال المزاج الأخلاط ، فإذا انحل المزاج بطل كما يبطل النور الفائض من السراج عند انطفاء السراج بانقطاع الدهن عنه أو بالنفخ فيه ، وانقطاع الغذاء عن الحيوان يفسد هذه الرُّوحَ ، لأن الغذاء له كالدهن للسراج والقتل له كالنفخ في السراج ، وهذه الرُّوحُ هي التي يتصرف في تقويمها وتعديلها علم الطب ، ولا تحمل هذه الرُّوحُ المعرفة والأمانة ، بل الحامل للأمانة الرُّوحُ الخاصة للإنسان ، ونعني بالأمانة تقلد عهدة التكليف ، بأن تعرض لخطر الثواب والعقاب بالطاعة والمعصية ، وهذه الرُّوحُ لا تفنى ولا تموت بل تبقى بعد الموت إما

٣٥٨

في نعيم وسعادة أو في جحيم وشقاوة ، فإنه محل المعرفة والتراب لا يأكل محل المعرفة والإيمان أصلا ، وقد نطقت به الأخبار وشهدت له شواهد الاستبصار ، ولم يأذن الشارع في تحقيق صفته ... إلى أن قال : وهذه الرُّوحُ لا تفنى ولا تموت ، بل يتبدل بالموت حالها فقط ولا يتبدل منزلها ، والقبر في حقها إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ، إذ لم يكن لها مع البدن علاقة سوى استعمالها للبدن واقتناصها أوائل المعرفة بواسطة شبكة الحواس ، فالبدن آلتها ومركبها وشبكتها ، وبطلان الآلة والشبكة والمركب لا يوجد بطلان الصائد. نعم إن بطلت الشبكة بعد الفراغ من الصيد فبطلانه غنيمة ، إذ يتخلص من حمله وثقله ولذلك

قَالَ عليه السلام « تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ الْمَوْتُ ».

وإن بطلت الشبكة قبل الصيد عظم فيه الحسرة والندامة والألم ، ولذلك يقول المقصر ( رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا ) بل من كان ألف الشبكة وأحبها وتعلق قلبه بحسن صورتها وصنعتها وما يتعلق بسببها كان له من العذاب ضعفين : أحدهما حسرة فوات الصيد الذي لا يقتنص إلا بشبكة البدن ، والثاني زوال الشبكة مع تعلق القلب بها وألفه بها. وهذا مبدأ من مبادىء معرفة عذاب القبر ـ انتهى. وسيجيء في نفس زيادة بحث إن شاء الله تعالى.

وَفِي الْحَدِيثِ » الْأَرْوَاحُ خَمْسَةٌ : رُوحُ الْقُدُسِ ، وَرُوحُ الْإِيمَانِ ، وَرُوحُ الْقُوَّةِ ، وَرُوحُ الشَّهْوَةِ وَرُوحُ الْبَدَنِ. فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْخَمْسَةُ الْأَرْوَاحِ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ السَّابِقُونَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَجْتَمِعُ فِيهِمْ أَرْبَعَةُ أَرْوَاحٍ وَهُمْ مِمَّنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْتَمِعُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْوَاحٍ وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُمْ ».

وسيأتي تفصيل ذلك وتوضيحه في سبق إن شاء الله تعالى. وفِيهِ « إِذَا زَنَى الزَّانِي فَارَقَهُ رُوحُ الْإِيمَانِ » (١).

أي نوره وهداه وكماله الذي هو بمنزلة الرُّوحِ من الجسد ، فالمراد

__________________

(١) من لا يحضر ج ٤ ص ١٤.

٣٥٩

حينئذ من مفارقة رُوحِ الإيمان نفي الكمال لا الحقيقة ، فقوله (ع) مثل قوله تعالى : ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) إذ النهي في الإنفاق من الخبيث ـ على ما ذكروه ـ نهي كمال لا نهي حقيقة ، أي الأكمل في إنفاقكم أن تقصدوا إلى الطيب لا الخبيث ، يؤيده ما

رُوِيَ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (ع) فِي قَوْلِ رَسُولِ اللهِ (ص) « إِذَا زَنَا الزَّانِي فَارَقَهُ رُوحُ الْإِيمَانِ » قَالَ هُوَ قَوْلُهُ : ( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) ذَلِكَ الَّذِي يُفَارِقُهُ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ « قُلْتُ : هَلْ يَبْقَى مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ مَّا أَوْ قَدِ انْخَلَعَ مِنْهُ أَجْمَعُ؟ قَالَ : لَا بَلْ يَبْقَى ، فَإِذَا قَامَ عَادَ إِلَيْهِ رُوحُ الْإِيمَانِ » (١).

وعلى هذا يحمل قَوْلُهُ عليه السلام « مَنْ أَفْطَرَ يَوْماً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَرَجَ مِنْهُ رُوحُ الْإِيمَانِ » أي فارقه ما يكمل به الإيمان.

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع) « أَنَّ اللهَ خَلَقَ أَجْسَادَنَا مِنْ عِلِّيِّينَ ، وَخَلَقَ أَرْوَاحَنَا مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ ، وَخَلَقَ أَرْوَاحَ شِيعَتِنَا مِنْ عِلِّيِّينَ وَخَلَقَ أَجْسَادَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْقَرَابَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَقُلُوبُهُمْ تَحِنُّ إِلَيْنَا » (٢).

وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ « يَا مُحَمَّدُ إِنِّي خَلَقْتُكَ وَعَلِيّاً نُوراً » يَعْنِي رُوحاً » بِلَا بَدَنٍ ثُمَّ جَمَعْتُ رُوحَيْكُمَا فَجَعَلْتُهُمَا وَاحِدَةً ».

قال بعض الأفاضل : من المعلوم أن جعل المجردتين واحدة تمتنع وكذا قسمة المجرد ، فينبغي حمل الرُّوحِ هنا على آلة جسمانية نورانية منزهة عن الكثافة البدنية ـ انتهى.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ بِأَلْفَيْ عَامٍ ».

قال الشيخ محمد بن محمد بن النعمان : هو من أخبار الآحاد وقد روته الخاصة ، وليس هو مع ذلك مما يقطع على الله بصحته ، وإنما نقل لحسن الظن به ، فإن ثبت فالمعنى فيه أن الله تعالى قدر الْأَرْوَاحَ في علمه

__________________

(١) من لا يحضر ج ٤ ص ١٤.

(٢) الكافي ج ١ ص٣٨٩ ، وفيه » أن الله خلقنا من عليين ».

٣٦٠