مجمع البحرين - ج ٢

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٢

هو على أربعة أوجه : كافيا ، وعالما ، ومقتدرا ، ومُحَاسِباً. قوله : ( كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) [ ١٧ / ١٤ ] أي رقيبا ، أي كفى بك لنفسك مُحَاسِباً.

وَفِي الْحَدِيثِ : « مَنْ صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً ».

أي طلبا لوجه الله وثوابه. ومثله « مَنْ أَذَّنَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً ».

أي تصديقا بوعده واحْتِسَاباً بالأجر والثواب بالصبر على المأمور به ، يقال : « احْتَسَبَ فلان علمه طلبا لوجه الله وثوابه ». ومنه « الحِسْبَة » بالكسر وهي الأجر ، والجمع الحِسَب. و « احْتَسَبَ ولده » معناه اعتد أجر مصابه فيما يدخر ـ قاله في المُغْرِب. والْحِسْبَةُ : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واختلف في وجوبها عينا أو كفاية. والاحْتِسَابُ في الأعمال الصالحة وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم أو الصبر وباستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه الموسوم فيها طلبا للثواب المرجو فيها. والحَسِيبُ : الذي يفعل الأفعال الحسنة بماله وغير ماله. و « الحَسِيبُ » من أسمائه تعالى وهو الكافي ، فعيل بمعنى مفعول ، من أَحْسَبَنِي الشيءُ : كفاني. وحَسِيبُهُ الله أي انتقم الله منه. و « الحَسْبُ » بسكون السين : الكفاية ، ومنه الْحَدِيثُ : « إِذَا مَسَّ جِلْدَكَ الْمَاءُ فَحَسْبُكَ » (١).

أي كفاك عن الدلك. ومثله فِي حَدِيثِ عَلَامَاتِ الْمَيِّتِ « أَيَّ ذَلِكَ رَأَيْتَ فَحَسْبُكَ » (٢).

أي يكفيك علامة ودلالة على الموت. ومِثْلُهُ « بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ».

أي يكفيك و « حَسْبُكَ دِرْهَمٌ « أي كافيك. والحَسَبُ بفتحتين : الشرف بالآباء وما يعد من مفاخرهم ، وهو مصدر » حَسُبَ » بالضم ككرم ، ومِنْهُ « مَنْ قَصُرَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يَنْفَعْهُ حَسَبُهُ ».

__________________

(١) الكافي ج٣ ص ٢٢.

(٢) من لا يحضر ج ١ ص ٨١.

٤١

وحَسَبُ المرء : دينه.

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَا حَسَبَ أَبْلَغُ مِنَ الْأَدَبِ ».

وفِيهِ « الْمُؤْمِنُ يُبْتَلَى عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ».

أي قدر دينه من القوة والضعف. والحَسَبُ : النسب ، يقال : « كيف حَسَبُهُ فيكم « أي نسبه ، ومنه حَدِيثُ الْمَرْأَةِ : « لَا تَرِثُ مِنَ الرِّبَاعِ شَيْئاً « يَعْنِي الدَّارَ » لِأَنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ حَسَبٌ تَرِثُ بِهِ وَإِنَّمَا هِيَ دَخِيلٌ عَلَيْهِمْ ».

وحَسُبْتُ المال حَسْباً من باب قتل : أحصيته عدا.

وَفِي حَدِيثِ تَسْبِيحِ فَاطِمَةَ (ع) : « مَنْ سَبَقَتْ أَصَابِعُهُ لِسَانَهُ حُسِبَ لَهُ ».

أي من نطق لسانه (الله أكبر) مرة واحدة وأخذت أصابعه حبتين من السبحة أو ثلاثة حُسِب له تكبيرتان أو ثلاثة ، وهكذا التسبيح والتحميد. وحِسَابُ الجمل يأتي إن شاء الله تعالى. و « حَسِبْتُ زيدا قائما « من باب تعب في لغة جميع العرب إلا بني كنانة فيما نقل عنهم أنهم يكسرون المضارع مع كسر الماضي. وحَاسَبْتُهُ من الحِسَابِ والْمُحَاسَبَةِ. و « حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا ».

فسرت المُحَاسَبَةُ بأن ينسب الإنسان المكلف طاعاته إلى معاصيه ليعلم أيها أكثر ، فإن فضلت طاعاته نسب قدر الفاضل إلى نعم الله عليه التي هي وجوده والحكم المودعة في خلقه والفوائد التي أظهرها الله عليه في قواه ودقائق الصنع التي أوجدها في نفسه التي هي تدرك العلوم والمعقولات ، فإذا نسب فضل طاعته إلى هذه النعم التي لا تحصى كما قال تعالى : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها ) ووازنها وقف على تقصيره وتحققه ، فإن ساوت طاعاته ومعاصيه تحقق أنه قام بشيء من وظائف العبودية وكان تقصيره أظهر. وينبغي أن يتبع المُحَاسَبَة المراقبة ، وهي أن يحفظ ظاهره وباطنه لئلا يصدر عنه شيء يبطل حسناته التي عملها ، وذلك أن يلاحظ أحوال نفسه دائما لئلا يقدم على معصية.

٤٢

وحَسَبْتُهُ صالحا أَحْسَبُهُ ـ بالفتح ـ : ظننته ، وشذ أَحْسِبُهُ بالكسر. قال الجوهري : كل فعل كان ماضيه مكسورا فإن مستقبله يأتي مفتوح العين إلا أربعة أحرف جاءت نوادر « حَسِبَ يَحْسِبُ » و « يَسَر يَيْسِرُ » و « يَئِسَ يَيْئَسُ » و « نَعَمَ يَنْعَمُ » فإنها جاءت من السالم بالكسر والفتح ، ومما جاء ماضيه ومستقبله جميعا بالكسر ومق يمق وورث يرث ونحو ذلك.

وَفِي الدُّعَاءِ « اللهُمَّ ارْزُقْنِي مِنْ حَيْثُ أَحْتَسِبُ وَمِنْ حَيْثُ لَا أَحْتَسِبُ ».

أي من حيث أظن ومن حيث لا أظن.

(حصب)

قوله تعالى : ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) [ ٢١ / ٩٨ ] أي وقودها ، ويقال حطب جهنم بلغة الحبشة ، وقرئ حضب جهنم بالضاد المعجمة ، وعن الفراء : أن « الحضب « في لغة أهل اليمن الحطب وكل ما هيجت به النار وأوقدتها. قوله : ( فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً ) [ ٢٩ / ٤٠ ] الآية. الحَاصِبُ لقوم لوط ، وهي ريح عاصف فيها حَصْبَاءُ ، والصيحة لمدين وثمود ، والخسف لقارون ، والغرق لقوم نوح وفرعون. والحَصْبَاءُ : صغار الحصى ، وفِي حَدِيثِ قَوْمِ لُوطٍ : « فَأَوْحَى اللهُ إِلَى السَّمَاءِ أَنْ احْصِبِيهِمْ ».

أي ارميهم بالحَصْبَاءِ ، وواحدها « حَصَبَةُ » كقصبة.

وَفِي الْحَدِيثِ : « فَرَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ ».

هو بضم الميم وتشديد الصاد موضع الجمار عند أهل اللغة ، والمراد به هنا كما نص عليه بعض شراح الحديث الأبطح ، إذ المُحَصَّبُ يصح أن يقال لكل موضع كثيرة حَصْبَاؤُهُ ، والأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، وهذا الموضع تارة يسمى بالأبطح وأخرى بِالْمُحَصَّبِ ، أوله عند منقطع الشعب من وادي منى وآخره متصل بالمقبرة التي تسمى عند أهل مكة بالمعلى ، وليس المراد بِالمُحَصَّبِ موضع الجمار بمنى ، وذلك لأن السُّنَّة يوم النفر من منى أن ينفر بعد رمي الجمار وأول وقته بعد الزوال وليس له أن يلبث حتى يُمْسِي ، وقد صلى به النبيُّ ص المغرب

٤٣

والعشاء الآخرة وقد رقد به رقدة ، فعلمنا أن المراد من المُحَصَّب ما ذكرناه. و « التَّحْصِيبُ » المستحب هو النزول في مسجد المَحْصَبَةِ والاستلقاء فيه ، وهو في الأبطح ، وهذا الفعل مستحب تأسيا بالنبي (ص) ، وليس لهذا المسجد أثر في هذا الزمان ، فتتأدى السنة بالنزول في الأبطح قليلا ثم يدخل البيوت من غير أن ينام بالأبطح. و « ليلة الحَصْبَة » بالفتح بعد أيام التشريق ، وهو صريح بأن يوم الحَصْبَة هو يوم الرابع عشر لا يوم النفر ، يؤيده

مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مُتَمَتِّعٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَدْيٌ؟ فَأَجَابَ : « يَصُومُ أَيَّامَ مِنًى ، فَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ صَامَ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْحَصْبَةِ وَيَوْمَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ ».

وفي الحديث أمر بِتَحْصِيبِ المسجد ، وهو أن يلقى فيه الحَصْبَاءُ ، يقال : « حَصَبْتُ المسجد وغيره » بسطته بالحَصْبَاءِ ، وحَصَّبْتُهُ بالتشديد مبالغة ، فهو مُحَصَّبٌ بالفتح اسم مفعول. وحَصَبْتُهُ حَصْباً من باب ضرب : رميته بالحَصْبَاءِ ، وفي لغة من باب قتل. والحَصْبَةُ بالفتح فالسكون والتحريك لغة : بثر يخرج في الجسد. وحَصِبَ جلده بالكسر : إذا أصابته الْحَصْبَةُ.

(حطب)

قوله : ( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ) [ ١١١ / ٤ ] قيل هي النميمة ، يقال حَطَبَ فلان بفلان سعى به ، وقيل الحطب نفسه. قال الشيخ أبو علي في قوله ( حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ) : قرأ عاصم ( حَمَّالَةَ ) بالنصب والباقون بالرفع ، فمن رفع جعله وصفا لامرأته ، ومن نصب فعلى الذم لها. وامرأته هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان ، و ( حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ) لأنها كانت تشوك الشوك فتطرحه في طريق رسول الله (ص) إذا خرج إلى الصلاة ليعقره. وحَطَبْتُ حَطَباً من باب ضرب : جمعته ، واحْتَطَبْتُ مثله ، ومنه الدُّعَاءُ « عَائِذٌ مِمَّا احْتَطَبْتُ عَلَى ظَهْرِي ».

أي مما جمعت واكتسبت من الذنوب على ظهري. و « الحَطَّابَةُ » بالتشديد : الذين يَحْتَطِبُونَ الْحَطَبَ.

٤٤

(حقب)

قوله تعالى : ( لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً ) [ ٧٨ / ٢٣ ] هو جمع » حُقُبٍ « بضمتين مثل قفل وأقفال ، أي ماكثين فيها زمانا كثيرا. وفيه أقوال :

قِيلَ مَعْنَاهُ أَحْقاباً لَا انْقِطَاعَ لَهَا كُلَّمَا مَضَى حُقُبٌ جَاءَ بَعْدَهُ حُقُبٌ آخَرُ ، وَالحُقُبُ ثَمَانُونَ سَنَةً مِنْ سِنِي الْآخِرَةِ (١).

وقِيلَ الْأَحْقَابُ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ حُقُباً كُلُ حُقُبٍ سَبْعُونَ خَرِيفاً كُلُّ خَرِيفٍ سَبْعَمُائَةِ سَنَةٍ كُلُّ سَنَةٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْماً كُلُّ يَوْمٍ أَلْفُ سَنَةً.

قوله تعالى : ( أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ) [ ١٨ / ٦٠ ] أي أبلغ إلى أن أمضي زمانا أتيقن معه فوات المجمع.

رُوِيَ أَنَّ مُوسَى (ع) خَطَبَ النَّاسَ بَعْدَ هَلَاكِ الْقِبْطِ وَدُخُولِهِ مِصْرَ خُطْبَةً بَلِيغَةً ، فَأُعْجِبَ فِيهَا ، فَقِيلَ لَهُ هَلْ تَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْكَ؟ فَقَالَ : لَا. فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ : بَلْ أَعْلَمُ مِنْكَ عِنْدَنَا الْخَضِرُ ، وَهُوَ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَكَانَ الْخَضِرُ فِي أَيَّامِ فِرِيدُونَ ، وَكَانَ عَلَى مُقَدِّمَةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ الْأَكْبَرِ ، وَبَقِيَ إِلَى أَيَّامِ مُوسَى (ع) (٢).

و « الحَقَب » بالتحريك قيل حبل يشد به رجل البعير إلى بطنه كيلا يتقدم إلى كاهله ، وهو غير الخِزام ، والجمع « أَحْقَابٌ ». وحَقِبَ بولُ البعير حَقَباً من باب تعب : إذا احتبس. ورجل حَاقِبٌ : أعجله خروج البول ، وقيل الحَاقِبُ الذي احتاج إلى الخلاء للبول فلم يبرز حتى حضر غائطه ، وقيل هو الذي احتبس غائطه.

وَفِي الْخَبَرِ : « لَا صَلَاةَ لِحَاقِنٍ وَلَا حَاقِبٍ » (٣).

وفسر الحاقن بالذي حبس بوله كَالْحَاقِبِ للغائط. وحَقِبَ العام : إذا احتبس وتأخر مطره. والحَقِيبَةُ : الرفادة التي تجعل في مؤخر القتب ، والجمع « حِقَابٌ ».

__________________

(١) جاء في معاني الأخبار ص ٢٢١ حديث عن الإمام الصادق (ع) ، وفيه : و ( الحقبة ) ثمانون سنة ، والسنة ثلاثمائة وستون يوما ، واليوم ( كألف سنة ممّا تعدّون ).

(٢) تفسير علي بن إبراهيم ص٣٩٨.

(٣) معاني الأخبار ص ٢٣٧.

٤٥

و « رجل نُفُجُ الْحَقِيبَةِ » بضم النون والفاء : رابي العجز نأتيه. و « حَقَائِبُ البئر « أعجازها ، ومنه الْحَدِيثُ » سَائِقَانِ بِحَقَائِبِ الْبِئْرِ ».

و « احْتَقَبَ فلان الاسم » اكتسبه. واسماعيل بن حَقْبَةَ من رواة الحديث (١)

(حلب)

فِي الْخَبَرِ « جَلَسَ جُلُوسَ الْحَلِبِ ».

وهو الجلوس على الركبة لِيَحْلِبَ الشاة ، وأراد به جلوس المتواضعين.

وَفِي حَدِيثِ وَصْفِ الْإِسْلَامِ : « يَسِيرُ الْمِضْمَارِ جَامِعُ الْحُلْبَةِ سَرِيعُ السَّبْقَةِ أَلِيمُ النَّقِمَةَ ».

استعار لفظ الْحُلْبَةِ للقيامة والسبقة للجنة ، وذلك لأن الدنيا مضماره وهي يسيرة والقيامة حُلْبَتُهُ وهي مجمعة ، والجنة سبقته والنار نقمته.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : « كَرِيمُ الْمِضْمَارِ رَفِيعُ الْغَايَةِ شَرِيفُ الْفُرْسَانِ ».

فيكون استعار لفظ المضمار للدين باعتبار أن النفوس تضمر فيه للسباق إلى حضرة الله تعالى ، وظاهر كرم ذلك المضمار وشرفه وغايته الوصول إلى حضرة الربوبية ولا أرفع منها مرتبة ، وقَوْلُهُ : « شَرِيفُ الْفُرْسَانِ ».

لأن فرسانه المؤمنون والصديقون. و « الحَلْبة » بالتسكين : خيل تجمع للسباق ومن كل أوب لا يخرج من إصطبل واحد. وفي الحديث يسمي الذي يلي السابق في الحَلْبَةِ مصلي. و « حَلْبَة الناقة » من باب قتل ، و « ناقة حَلُوبٌ » وزان رسول أي ذات لبن يُحْلَبُ. قال في المصباح : فإن جعلتها اسما أتيت بالهاء فقلت « هذه حَلُوبَةُ فلان ». و « المَحْلَبُ » بفتح الميم : موضع الحَلْبِ ، وبكسرها الوعاء يُحْلَبُ فيه. والحَلِيبُ : اللبن الحديث العهد بِالْحَلْبِ. و « الْحُلُبَةُ » بضم الحاء مع ضم اللام وسكونها : حب يؤكل منه ، ومنه الْحَدِيثُ

__________________

(١) هو إسماعيل بن عبد الرّحمن أو عبد الله حقيبة وقيل جفينة ، ولم نجد من يضبط اسمه واسم أبيه كما جاء في الكتاب ، كان صالحا قليل الرّواية. رجال الكشّيّ ص ٢٩٣.

٤٦

« لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْحُلُبَةِ لَاشْتَرَوْهَا بِوَزْنِهَا ذَهَباً » (١).

و « حَلَبُ » بفتحتين : بلدة بالشام (٢). و « الحِلِبْلَابُ » بالكسر : النبت الذي تسميه العامة اللبلاب.

(حوب)

قوله تعالى : ( حُوباً كَبِيراً ) [ ٤ / ٢ ] أي إثما كبيرا ، والْحُوبُ بالضم الإثم وبالفتح المصدر. و « حَابَ حَوْباً « من باب قال : اكتسب الإثم. والحَوْبَةُ : الخطيئة ، وهي في الأصل مصدر » حُبْتُ بكذا « أي أثمت.

وَفِي الدُّعَاءِ « رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي وَاغْسِلْ حَوْبَتِي ».

أي إثمي. وفِيهِ « اللهُمَّ اغْفِرْ لَنَا حَوْبَنَا ».

أي إثمنا. وتفتح الحاء وتضم ، وقيل الفتح لغة الحجاز والضم لغة تميم. والحَوْبَةُ : الحاجة ، ومنه « إِلَيْكَ أَرْفَعُ حَوْبَتِي ».

والحَوْبَةُ : الحزن. والحَوْبَةُ : كل حرمة تضيع من ذي الرحم. و « الحَوْأَبُ » ككوكب : الواسع من الأودية ، ومنزل بين مكة والبصرة (٣)، وهو الذي نزلت فيه عائشة لما جاءت إلى البصرة في وقعة الجمل ، ومنه حَدِيثُ نِسَاءِ النَّبِيِّ (ص) : « أَيَّتُكُنَّ تَنْبَحُهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ » (٤).

وفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع) : « أَوَّلُ شَهَادَةٍ بِالزُّورِ فِي الْإِسْلَامِ شَهَادَةُ سَبْعِينَ رَجُلاً حِينَ انْتَهَوْا إِلَى مَاءِ الْحَوْأَبِ فَنَبَحَتْهُمْ كِلَابُهَا ، فَأَرَادَتْ صَاحِبَتُهُمُ الرُّجُوعَ وَقَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (ص) يَقُولُ :

__________________

(١) في مكارم الأخلاق ص ٢١٣ » لو تعلم أمّتي ما لها في الحُلُبَة لتداووا بها ولو بوزنها ذهبا ».

(٢) قيل : كان حلب وحمّص وبرذعة إخوة من عمليق فبنى كلّ واحد منهم مدينة سمّيت به. مراصد الاطّلاع ص ٤١٧.

(٣) الحوأب موقع في طريق البصرة محاذي البقرة. مراصد الاطّلاع ص ٤٣٣.

(٤) سفينة البحار ج ١ ص ١٩٨.

٤٧

إِنَّ إِحْدَاكُنَّ تَنْبَحُهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ فِي التَّوَجُّهِ إِلَى قِتَالِ وَصِيِّي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، فَشَهِدَ عِنْدَهَا سَبْعُونَ رَجُلاً أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَاءِ الْحَوْأَبِ ، فَكَانَتْ أَوَّلَ شَهَادَةٍ شُهِدَ بِهَا فِي الْإِسْلَامِ بِالزُّورِ » (١).

باب ما أوله الخاء

(خبب)

فِي الْحَدِيثِ : « لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خَبٌ خَدَّاعٌ ».

« الخَبُ » بالفتح والتشديد غير مهموز : الخداع ، ومعناه الذي يفسد الناس بالخِدَاع ويمكر ويحتال في الأمر ، يقال « فلان خَبٌ ضَبٌّ » إذا كان فاسدا مفسدا مراوغا ، و « رجل خَبٌ وامرأة خَبَّةٌ » ، وقد تكسر فاؤه ، وأما المصدر فبالكسر لا غير ـ قاله في النهاية. وفي المصباح » الخِبُ » بالكسر : الخداع ، وفعله من خَبَ خَبّاً من باب قتل قتلا. و « رجل خِبٌ » تسمية بالمصدر. قال بعض الشارحين : ومعنى لا يدخلها مع الداخلين من غير بأس بل يصاب منه بالعذاب ويمحص حتى يذهب منه آثار تلك الخصال ، هذا هو السبيل في أمثال هذه الأحاديث ، واقتصار الشارع في مثل هذه المواطن على القول المجمل تحذيرا للمكلفين عما فيه المنقصة في الدين بأبلغ ما يكون من الزجر ، والراسخون في العلم يردونه إلى الصواب. و « خَبَّابُ » بالخاء المعجمة والباءين الموحدتين بينهما ألف » ابْنُ الأَرَتِّ « بالألف والراء المهملة والتاء الفوقانية المشددة ، مات قبل الفتنة ،

تَرَحَّمَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ (ع) فَقَالَ : يَرْحَمُ اللهُ خَبَّاباً وَلَقَدْ أَسْلَمَ رَاغِباً وَهَاجَرَ طَائِعاً وَعَاشَ مُجَاهِداً.

و « الأَرَتُّ » من في كلامه رَتَّةٌ ، وهي عجمة

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه٣ / ٤٤.

٤٨

لا تغير الكلام (١). و « الخَبَبُ » ضرب من العدو ، يقال « خَبَبَ في الأمر خَبَباً « من باب طلب : أسرع فيه ، ومنه » بعير يَخُبُ » أي يسرع في مشيته. و « خَبِيبٌ » اسم رجل (٢). و « الخُبَيْبَانِ » عبد الله بن الزبير وابنه.

(خرب)

قوله تعالى : ( يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ) [ ٥٩ / ٢ ] قرئ مخففا ومشددا لفشو الفعل أو للمبالغة ، يقال : « خَرِبَ المنزل فهو خَرِبٌ ». و « دار خَرِبَةٌ « بكسر الراء ، وهي التي باد أهلها. والخَرَابُ : ضد العمارة. و « الخَرَبُ » بفتح الخاء والراء المهملة والباء الموحدة : ذكر الحبارى ، والجمع خِرَابٌ وأَخْرَابٌ ـ قاله في حياة الحيوان. و « الخُرُّوبُ » بالضم والتشديد : نبت معروف ، و « الخُرْنُوبُ » بالنون لغة فيه.

(خشب)

قوله تعالى : ( خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) [ ٦٣ / ٤ ] بضمتين وتسكن شينه ، جمع » خَشَبٍ » وهو وصف للمنافقين ،

كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ رَجُلاً جَسِيماً فَصِيحاً صَبِيحاً وَقَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فِي مِثْلِ صِفَتِهِ ، وَكَانُوا يَحْضُرُونَ مَجْلِسَ رَسُولِ اللهِ (ص) فَيَسْتَنِدُونَ فِيهِ ، فَشَبَّههم اللهُ فِي عَدَمِ الِانْتِفَاعِ

__________________

(١) انظر تفصيل ترجمته في سفينة البحار ج ١ ص٣٧٢.

(٢) هو خبيب بن عديّ بن مالك الأوسيّ ، صحابي شهد بدرا مع رسول الله (ص) بعثه النّبيّ لتعليم القرآن والشّرائع فغدر به وأسر وبيع بمكّة ، فبقي أسيرا إلى أن أجمعوا على قتله فصلب حيّا ، فبعث النّبيّ الزّبير والمقداد إلى مكّة ليأتيا بجثته ، فذهبا وسرقا الجثة ولكن قريشا لحقت بهما فطرحا جثّة خبيب فابتلعتها الأرض فسمّي لذلك » بليع الأرض ». سفينة البحار ج ١ ص٣٧٢.

٤٩

بِحُضُورِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ هَيَاكِلُهُمْ مُعْجَبَةً وَأَلْسِنَتُهُمْ ذَلِيقَةً بِالْخُشُبِ الْمُسْتَنَدَةِ إِلَى الْحَائِطِ وَالْأَصْنَامِ الْمَنْحُوتَةِ مِنَ الْخَشَبِ.

وَفِي الْحَدِيثِ « ذُو خُشُبٍ » هُوَ بضمتين وَادٍ عَنِ الْمَدِينَةِ مَسِيرَةَ يَوْمٍ.

وفِي الْحَدِيثِ هُوَ وَادٍ عَلَى ثَمَانِيَةِ فَرَاسِخَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مِيلاً ، وَفِي الْمُغْرِبِ هُوَ جَبَلُ نفج.

وفِي الْخَبَرِ « لَا تَزُولُ مَكَّةُ حَتَّى يَزُولَ أَخْشَبَاهَا ».

هما جبلا مكة أبو قبيس ونور ، سميا بذلك لصلابتهما. و « الأَخْشَبُ » الحبل الخشن الغليظ ومنه يقال « رجل أَخْشَبُ » إذا كان صلب العظام عاري اللحم.

(خصب)

فِي الْحَدِيثِ : « لَا يُخْصِبُ خِوَانٌ لَا مِلْحَ فِيهِ ».

الخِصْبُ بالكسر كحمل : النماء والبركة ، وهو خلاف جدب ، يقال : « أَخْصَبُ المكان فهو مُخْصِبٌ » ، وفي لغة خَصِبَ يَخْصَبُ من باب تعب فهو خَصِيبٌ ، وعليه يحمل

الْحَدِيثُ » وَأَخْصَبَ اللهُ الْمَوْضِعَ ».

إذا زاد عشبه وكلأه. والمرعى الْخَصِبُ كثير العشب ، ومنه الْحَدِيثُ : « إِذَا سَافَرْتُمْ بِأَرْضِ الْخِصْبِ » بِكَسْرِ الْخَاءِ » فَكَذَا ».

(خضب)

فِي الْحَدِيثِ « رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) يَخْتَضِبُ بِالْحِنَّاءِ » (١).

الخِضَابُ المراد خَضَبَ شعر اللحية ، أما خَضْبُ اليد للرجال فلم نظفر بما يدل على استحبابه ، وقد مر البحث في ذلك مستوفى في » حنا ». وخَضَبَ يَخْضِبُ من باب ضرب. والخَضْبُ : القاني الشديد الحمرة. وكف خَضِيبٌ أي مَخْضُوبٌ. و « المِخْضَبَةُ » بالكسر : شبه المركن ، وهي الإجابة التي يغسل فيها الثياب ، ومِنْهُ » أَجْلِسُونِي فِي مِخْضَبٍ فَاغْسِلُونِي ».

وخَضَبَ دمعة الحصى : أي بلها ، من طريق الاستعارة والمبالغة في البكاء.

(خطب)

قوله تعالى : ( وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ

__________________

(١) مكارم الأخلاق ص ٨٩.

٥٠

وَفَصْلَ الْخِطابِ ) [٣٨ / ٢٠ ] الخِطَابُ هو توجه الكلام نحو الغير للإفهام ، وقد ينقل إلى الكلام الموجه. و « فصل الخِطَابِ » هو الفصل بين اثنين.

وَعَنِ الرِّضَا (ع) قَالَ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) : أُوتِينَا ( فَصْلَ الْخِطابِ ) ، فَهَلْ فَصْلُ الْخِطَابِ إِلَّا مَعْرِفَةُ اللُّغَاتِ؟ ».

قوله : ( لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً ) [ ٧٨ / ٣٧ ] الضمير في ( لا يَمْلِكُونَ ) لأهل السماوات والأرض ، أي لا يملكون أن يسألوا إلا فيما أذن لهم فيه ، كقوله : ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى ) و ( لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ). قوله : ( فَما خَطْبُكُمْ ) [ ١٥ / ٥٧ ] أي فما شأنكم الذي بعثتم له ، ومثله و ( ما خَطْبُكُما ) [ ٢٨ / ٢٣ ] و ( خَطْبُكُنَ ) [ ١٢ / ٥١ ]. والخَطْبُ : الأمر الذي يقع فيه المُخَاطَبَةُ والشأن والحال.

وَفِي الْحَدِيثِ : « خَطِيبُ وَفْدِ الْمُؤْمِنِينَ ».

خَطِيبُ القوم : كبيرهم الذي يُخَاطِبُ السلطان ويكلمه في حوائجهم ، والوفد المراد به الجماعة. والْخَطْبُ والْمُخَاطَبَةُ والتَّخَاطُبُ : المراجعة في الكلام ، ومنه الخُطْبَة ضما وكسرا ، لكن الخُطْبَة بالضم تختص بالموعظة والكلام المَخْطُوبُ به ، ولذا يعدى بنفسه فيقال : « خَطَبَنَا رسول الله (ص) » أي وعظنا ، وبالكسر خِطْبَةُ النساء ، وهي من الرجل والِاخْتِطَابُ من المرأة ، يقال : « خَطَبَ المرأةَ إلى القوم » إذا تكلم أن يتزوج منهم ، فهو خَاطِبٌ. وخَطَّابٌ مبالغة. و « الخُطْبَةُ » بالضم فعلة بمعنى مفعول كنسخة بمعنى منسوخ وغرفة من ماء بمعنى مغروف ، والجمع خُطَبٌ. وخَطُبَ بالضم خَطَابَةً بالفتح : صار خَطِيباً ، وكان يقال لشعيب « خَطِيبُ الأنبياء » لحسن مراجعته قومه ، وكانوا أهل بخس للمكيال والميزان.

وَفِي الْحَدِيثِ : « خَطَبَنَا ذَاتَ يَوْمٍ ». ضمَّن (ع) خَطَبَنَا معنى وعظنا ، فعداه

٥١

تعديته. و « الأَخْطَبُ » لازم بمعنى النطق بِالْخُطْبَةِ ، واليوم الذي أبهمه (ع) في قوله « ذات يوم » قد بينه في بعض الروايات أنه كان آخر جمعة من شعبان. و « هذا خَطْبٌ يسير « أي أمر يسير ، والجمع » خُطُوبٌ ». و « هذا خَطْبٌ جليل » أي أمر عظيم. وجل الْخَطْبُ : عظم الأمر والشأن. و « الخَطَّابِيَّةُ » طائفة منسوبة إلى الخَطَّابِ محمد بن وهب الأسدي الأجدع (١) وكانوا يدينون بشهادة الزور على من خالفهم وخادعتهم لمخالفتهم له في العقيدة إذا حلف على صدق دعواه.

وَفِي الْحَدِيثِ : « سَأَلَهُ رَجُلٌ : أُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ؟ فَقَالَ : خَطَّابِيَّةٌ » (٢).

أي سنة سنها أبو الخطاب محمد بن المقلاص المكنى بأبي زينب. وأم الخَطَّابِ : كانت أمة للزبير بن عبد المطلب فسطى بها نفيل فأحبلها.

(خلب)

فِي حَدِيثِ وَصْفِ الْمُؤْمِنِ : « لَيْسَ تَبَاعُدُهُ تَكَبُّراً وَلَا عَظَمَةً وَلَا دُنُوُّهُ خَدِيعَةً وَلَا خِلَابَةً ».

هي بكسر الخاء وخفة اللام : الخديعة باللسان بالقول اللطيف ، يقال » خَلَبَهُ يَخْلُبُه « من باب قتل وضرب : خدعه ، والاسم « الخِلَابَة » بالكسر ، والفاعل » خَلُوبٌ « كرسول : كثير الخِداع ، والْخُلْبَةُ كغرفة : الليفة ، ومِنْهُ » كَانَ لَهُ (ص) وِسَادَةٌ حَشْوُهَا خُلَّبٌ ».

__________________

(١) رئيس الخطابية هو محمد بن مقلاص أبي زينب الأسدي الكوفي الأجدع الزراد المذكور فيما بعد ، وكنيته أبو الخطاب أو أبو إسماعيل أو أبو الظبيان ، وكتب التراجم مملوءة بلعنه والبراءة منه ، قتله عيسى بن موسى صاحب المنصور بسبخة الكوفة هكذا مذكور في كتب الرجال والتراجم ـ راجع فرق الشيعة ص ٤٢ ورجال الكشي ص ٢٤٦ ـ ٢٦٠.

(٢) رجال الكشي ص ٢٤٧ وفيه » حتى تستبين النجوم » ومثله في الاستبصار ج ١ ص ٢٩٢.

٥٢

و « البرق الخُلَّبُ » بضم الخاء وتشديد اللام المفتوحة : الذي لا غيث فيه ، كأنه خادع ، ومنه دُعَاءُ الِاسْتِسْقَاءِ « اللهُمَّ سُقْيَا غَيْرَ خُلَّبٍ بَرْقُهَا ».

والْخُلَّبُ أيضا : السحاب يومض برقه حتى يرجى مطره ثم يَخْلُبُ وينقشع و « مِخْلَبُ الطائر » بكسر الميم وفتح اللام بمنزلة الظفر للإنسان.

(خنب)

أحمد بن عبد الله بن مهران المعروف بابن خَانِبَةَ بالخاء والنون بعد الألف والباء الموحدة رجل من رواة الحديث (١)

(خنرب)

فِي الْخَبَرِ : « إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ شَكَا إِلَيْهِ الْوَسْوَسَةَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ (ص) إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي يُلَبِّسُهَا عَلَيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : ذَلِكَ الشَّيْطَانُ يُقَالُ لَهُ خِنْرَبٌ ، فَإِذَا أَحْسَسْتَ بِهِ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ. قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي » (٢).

قال بعض الأفاضل : « خنرب » بخاء معجمة تفتح وتكسر ونون ساكنة وراء مفتوحة وباء موحدة.

(خوب)

فِي الدُّعَاءِ : « نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْخُوبَةِ ».

أي الفقر ، يقال خَابَ يَخُوبُ خَوْبَةً : إذا ذهب ما عندهم.

(خيب)

« الْخَائِبُونَ » هم الذين فاتهم الظفر بالمطلوب. والْخَيْبَةُ : الحرمان والخسران ، يقال : خَابَ يَخِيبُ وخَابَ يَخُوبُ ومنه الدُّعَاءُ « أَعُوذُ بِكَ مِنْ خَيْبَةِ الْمُنْقَلَبِ ».

و « خَيَّبَهُ الله » بالتشديد : جعله خَائِباً خاسرا.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) : « مَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ بِالْفَلَاحِ الْأَخْيَبِ » (٣).

أي بالسهم الْخَائِبِ الذي لا نصيب له من قداح الميسر ، وهي ثلاثة المنيح والسفيح والوغد.

__________________

(١) انظر ترجمته في الكنى والألقاب ج ١ ص ٢٦٥.

(٢) سفينة البحار ج ٢ ص ٦٥٤.

(٣) نهج البلاغة ج ١ ص ٧٠.

٥٣

باب ما أوله الدال

(داب)

قوله تعالى : ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ) [٣ / ١١ ] الدَّأْبُ بسكون همزة وقد تفتح : العادة والشأن ، وأصله « من دَأَبَ في العمل « إذا جد وتعب ، فقوله : ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ) أي عادتهم الذين دَأَبُوا فيها ، أي داموا عليها. قوله : ( سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً ) [ ١٢ / ٤٧ ] أي جدا في الزراعة ومتابعة أي تَدْأَبُونَ دَأْباً. والدَّأْبُ : الملازمة للشيء. قوله : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ ) [ ١٤ /٣٣ ] أي يَدْأَبَانِ في سيرهما لا يفتران في منافع الخلق وإصلاح ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات ـ كذا ذكره الشيخ أبو علي.

وَفِي الْحَدِيثِ : « صَلَاةُ اللَّيْلِ دَأْبُ الصَّالِحِينَ ».

أي عادتهم وشأنهم ، ومنه « كان دَأْبِي ودَأْبُهُمْ كذا ». والدَّأْبُ : الجد في العمل ، ومنه حَدِيثُ الْهِلَالُ » الدَّائِبُ السَّرِيعُ ».

ومنه قَوْلُهُ (ع) : « فَرُبَ دَائِبٍ مُضَيِّعٌ ».

يعني أن العامل قد يَدْأَبُ في عمله لله لكنه يكون مضيعا لجهله بكيفية إيقاعه وإتيانه به على الوجه المرضي. وفِي وَصْفِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع) » الدَّائِبِ.

المجتهد في العبادات » لما

رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ لَيْلَةٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ.

والدَّائِبَانِ : الليل والنهار.

(دبب)

قوله تعالى : ( أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ) [ ٢٧ / ٨٢ ]

رُوِيَ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَتُخْبِرُ الْمُؤْمِنَ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَالْكَافِرَ بِأَنَّهُ كَافِرٌ.

وَفِي الْخَبَرِ عَنْهُ (ص) : « دَابَّةُ الْأَرْضِ طُولُهَا سِتُّونَ ذِرَاعاً لَا يُدْرِكُهَا طَالِبٌ وَلَا يَفُوتُهَا هَارِبٌ ، فَتَسِمُ الْمُؤْمِنَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَتَسِمُ الْكَافِرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، حَتَّى

٥٤

يُقَالَ : يَا مُؤْمِنُ يَا كَافِرٌ ».

و ( تُكَلِّمُهُمْ ) قيل ببطلان الأديان.

وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ انْتَهَى رَسُولُ اللهِ (ص) إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ قَدْ جَمَعَ رَمْلاً وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَيْهِ ، فَحَرَّكَهُ بِرِجْلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ : « قُمْ يَا دَابَّةَ اللهِ « فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : أَيُسَمِّي بَعْضُنَا بَعْضاً بِهَذَا الِاسْمِ؟ فَقَالَ : لَا وَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا لَهُ خَاصَّةً ، هُوَ الدَّابَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ فِي كِتَابِهِ : ( وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ ) ـ الْآيَةَ. ثُمَّ قَالَ (ص) : « إِذَا كَانَ آخِرُ الزَّمَانِ أَخْرَجَكَ اللهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَمَعَكَ مِيسَمٌ تَسِمُ بِهِ أَعْدَاءَكَ ».

قوله : ( وَاللهُ خَلَقَ كُلَ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ ) [ ٢٤ / ٤٥ ] أي خلق كل حيوان مميزا كان أو غير مميز. قال في المصباح : فأما تخصيص الفرس والبغل بِالدَّابَّةِ عند الإطلاق فعرف طار ، وتطلق الدابة على الذكر والأنثى وكل ماش على الأرض ، حتى الطير لأنه يَدِبُ برجليه في بعض حالاته. وجمع الدَّابَّةِ « دَوَابُ » بفتح وتشديد إلا أنه غلب فيما يركب ، وهو المعنى اللغوي الخاص. قوله : ( ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ) [٣٤ / ١٤ ] يريد الأرضة ، وهي التي تأكل الخشب.

وَفِي حَدِيثِ الْآبِقِ : « يُعَلَّقُ فِي رَقَبَةِ دَابَّةٍ ».

قد مر ذكره في رأى. و « دَبَ الشيخ « من باب ضرب : مشى مشيا رويدا ، ومثله » دَبَ الصبي » ، وقولهم : « أكذب ممن دَبَ ودرج » أي الأحياء والأموات. ودَبَ ذلك في عروقه : سرى. ودَبَ الجيش دَبِيباً : سار سيرا لينا ، ومنه « دَبِيبُ النمل ».

وَ « دَبَ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ » : (١).

يريد الحسد. و « الدَّبَّةُ » بفتح المهملة وتشديد الموحدة : وعاء يوضع فيه الدهن ونحوه و « دَبَّةُ شبيب » اسم كتاب نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى ، وشبيب رجل كان بقم له دَبَّةٌ ذات بيوت

__________________

(١) معاني الأخبار ص٣٦٧.

٥٥

يعطى منها ما يطلب من دهن ، فشبهوا هذا الكتاب بها. و « الدُّبُ » بضم المهملة وتشديد الموحدة : حيوان خبيث يعد من السباع ، والأنثى » دُبَّةٌ » ، والجمع « دِبَبَةٌ » كعنبة. والدَّبْدَبَةُ : ضرب من الصوت.

(درب)

الدُّرْبَةُ : العادة والجرأة ، يقال : دَرِبَ الرجل دَرَباً فهو دَرِبٌ من باب تعب ، وقد يقال « دَارِبٌ » في اسم الفاعل. والدَّرْبُ معروف وأصله المدخل بين جبلين ، والجمع « دُرُوبٌ » كفلس وفلوس.

(دعب)

فِي الْحَدِيثِ : « مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَفِيهِ دُعَابَةٌ » (١).

هي بضم الدال : المزاح.

وَفِي الْحَدِيثِ : « قُلْتُ : وَمَا الدُّعَابَةُ؟ قَالَ : الْمِزَاحُ » (٢).

وما يستملح. ومثله « كَانَ فِيهِ (ص) دُعَابَةٌ ».

ومثله فِي حَدِيثِ جَابِرٍ : « فَهَلَّا بِكْراً تُدَاعِبُهَا وَتُدَاعِبُكَ ».

كله من قولهم : دَعَبَ يَدْعَبُ مثل مزح يمزح وزنا ومعنى وفي لغة من باب تعب. ودَاعَبَهُ مُدَاعَبَةً : أي مازحه ممازحة وَفِي الْحَدِيثِ : « إِنَّ اللهَ يُحِبُ الْمُدَاعِبَ فِي الْجِمَاعِ بِلَا رَفَثٍ » (٣).

أي الممازح في الجماع بلا فحش. وفِيهِ : « كَانَ رَسُولُ اللهِ (ص) يُدَاعِبُ الرَّجُلَ يُرِيدُ أَنْ يَسُرَّهُ » (٤).

(دلب)

« الدُّولَابُ » واحد الدَّوَالِيبِ فارسي معرب ـ قاله الجوهري. وقال غيره : و « الدُّولَابُ » بالفتح : المنجنون التي تديرها الدابة.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٦٦٣.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٦٦٣.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٦٦٣.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٦٦٣.

٥٦

باب ما أوله الذال

(ذاب)

قوله تعالى : ( فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ) [ ١٢ / ١٧ ] هو حيوان معروف ، يهمز ولا يهمز ، وجمعه القليل « أَذْؤُبٌ » والكثير « ذُؤْبَانٌ ». وفِي الْحَدِيثِ : « مُسِخَ الذِّئْبُ وَكَانَ أَعْرَابِيّاً دَيُّوثاً ».

وفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) مَعَ الْخَوَارِجِ : « ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذَائِبٌ [ ضَعِيفٌ ] ( كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ )(١).

مُتَذَائِبٌ : أي مضطرب ، من قولهم » تَذَاءَبَتِ الريح « إذا اضطرب هبوبها ، ومنه سمي الذِّئْبُ ذِئْباً لاضطراب مشيته. و « الذُّؤْبَةُ » بالضم : الظفر من الشعر إذا كانت مرسلة ، فإذا كانت ملفوفة فهي عقيصة ، والجمع « الذَّوَائِبُ » قال الجوهري : وكان في الأصل « ذَآئِبَ » لأن الألف التي في ذُؤَابَةٍ كالألف التي في رسالة حقها أن تبدل منها همزة في الجمع ، لكنهم استثقلوا أن يقع ألف الجمع بين الهمزتين فأبدلوا من الأولى واوا. و « الغلام المُذَأَّبُ » الذي له ذُؤَابَةٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الشَّيْبُ فِي الذَّوَائِبِ شَجَاعَةٌ ».

و « الْمِذْأَبَةُ » من كل شيء : أعلاه ، ومنه « ذُؤَابَةُ العرش » و « ذُؤَابَةُ الجبل » ثم استعير للعز والشرف ، فيقال « لست من ذَوَائِبِ قريش » أي لست من أشرافهم وذوي أقدارهم. والذُّؤَابَةُ : طرف العمامة والسوط.

وَفِي الْحَدِيثِ : « كَانَ أَبِي يُطَوِّلُ ذَوَائِبَ نَعْلَيْهِ ».

أي أطرافها.

(ذبب)

قوله تعالى : ( لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً ) [ ٢٢ / ٧٣ ] الذُّبَابُ كغراب معروف ، وجمعه في الكثرة « ذِبَابٌ » بالكسر وفي

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ ص ٨٦.

٥٧

القلة « أَذِبَّةٌ » بكسر الذال ، والواحدة » ذُبَابَةٌ » ، ولا تقل ذبانة ، وأصله من الذَّبِ وهو الطرد.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) فِي أَمْرِ الْخِلَافَةِ : « لَوْ كَانَ لِي نَحْواً مِنْ ثَلَاثِينَ رَجُلاً لَأَزَلْتُ ابْنَ آكِلَةِ الذِّبَّانَ ».

يعني به الأول. قوله : ( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ ) [ ٤ / ١٤٣ ] أي مضطربين المضطرب الذي لا يبقى على حال ، وهذا وصف المنافقين المترددين بين الطائفتين من المؤمنين والمشركين تبعا لهواه وميلا لما يتبعه من شهوات ، كالشاة الغائرة المترددة بين الثلثين. يقال : « ذَبْذَبَهُ » أي تركه حيرانا مترددا.

وَفِي الْحَدِيثِ : « تَزَوَّجْ وَإِلَّا فَأَنْتَ مِنَ الْمُذَبَذَبِينَ ».

أي من المطرودين عن المؤمنين لأنك لم تعتد بهم ، وعن الرهبان لأنك تركت طريقتهم. وفِيهِ « إِذَا أَتَى ذُبَاباً « قَصَّرَ.

و « ذُبَابٌ » جبل قرب المدينة على نحو من بريد (١). والذَّبْذَبُ : الذكر ، سمي بذلك لأنه يَتَذَبْذَبُ ، أي يتردد ويتحرك ، ومنه الْحَدِيثُ : « مَنْ وُقِيَ شَرَّ ذَبْذَبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ».

والذَّبُ : المنع ، ومنه » ذَبَ عن حريمه ذَبّاً « من باب قتل : حمى ودفع.

وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ : « كَانَ عَلَيْهِ بُرْدَةٌ لَهَا ذَبَاذِبُ ».

أي أهداب وأطراف ، واحدها « ذِبْذِبٌ » بالكسر ، سميت بذلك لأنها تتحرك على لابسها إذا مشى. والْمُذَبَّبُ : العجل بالسير ، ومنه « ذَبَبَ حتى دلكت أبراح »

(ذرب)

فِي الْحَدِيثِ : « أَلْبَانُ الْإِبِلِ وَأَبْوَالُهَا شِفَاءٌ لِلذَّرَبِ ».

هو بالتحريك : الداء الذي يعرض للمعدة فلا يهضم الطعام ويفسد فيها فلا تمسكه ، يقال « ذَرِبَتْ معدته » من باب تعب : فسدت. و « الذِّرْبُ » بالكسر : داء يكون في الكبد ، ومنه « شَكَوْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (ع) ذِرْباً وَجَدْتُهُ ».

وذَرِبَ السيف : صار حديدا ماضيا.

__________________

(١) الذباب بكسر أوله وباءين : جبل بالمدينة. مراصد الاطلاع ص ٥٨٣.

٥٨

ولسان ذَرِبٌ : أي فصيح ، ولسان ذَرِبٌ أيضا : فاحش ، وامرأة ذَرِبَةٌ ، أي بذية.

(ذعلب)

« ذِعْلَبٌ » بكسر الذال وفتح اللام : اسم رجل من أصحاب أمير المؤمنين (ع) : ذو لسان فصيح بليغ في الخطب شجاع القلب ، وهو الذي

قَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ : رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ : وَيْلَكَ يَا ذِعْلَبُ مَا كُنْتُ أَعْبُدُ رَبّاً لَمْ أَرَهُ (١).

(ذنب)

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ ) [ ٥٥ /٣٩ ] قَالَ : مِنْكُمْ ، يَعْنِي مِنَ الشِّيعَةِ ( إِنْسٌ وَلا جَانٌ ) قَالَ : مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَتَبَرَّأَ مِنْ أَعْدَائِهِ وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ ثُمَّ دَخَلَ فِي الذُّنُوبِ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ عَلَيْهَا فِي الْبَرْزَخِ ، وَيَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ يُسْأَلُ عَنْهُ (٢).

قوله : ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) [ ٤٨ / ٢ ] قيل معناه يغفر الله لك ما تقدم من ذَنْبِ أمتك وما تأخر بشفاعتك ، وحسنت الإضافة إليه للاتصال بينه وبينهم ، يؤيده ما رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ (ع) » وَاللهِ مَا كَانَ لَهُ ذَنْبٌ وَلَكِنَّ اللهِ ضَمِنَ لَهُ أَنْ يَغْفِرَ ذُنُوبَ شِيعَتِهِ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ ».

وقيل إن الذَّنْبَ مصدر ، والمصدر يجوز إضافته إلى الفاعل والمفعول والمراد ما تقدم من ذَنْبِهِمْ إليك وإخراجك من مكة وما تأخر من صدك عن المسجد الحرام ، والمراد بالمغفرة على هذا إزالة أحكام المشركين ونسخها عنه ، وهذا وجه نقل عن السيد المرتضى. وفِي حَدِيثِ الرِّضَا (ع) وَقَدْ سَأَلَهُ الْمَأْمُونُ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ )؟ فَقَالَ الرِّضَا (ع) : لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عِنْدَ مُشْرِكِي مَكَّةَ أَعْظَمَ ذَنْباً مِنْ رَسُولِ اللهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَنَماً ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ (ص) بِالدَّعْوَةِ إِلَى كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ كَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَعَظُمَ قَالُوا ( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً

__________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٤٧٤.

(٢) تفسير عليّ بن إبراهيم ص ٦٦٠.

٥٩

إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ. ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ ) فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ مَكَّةَ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) عِنْدَ مُشْرِكِي مَكَّةَ بِدُعَائِكَ إِلَى التَّوْحِيدِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ.

قوله : ( فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ ) [ ٥١ / ٥٩ ] هو بفتح الذال كرسول ، أي نصيب من العذاب مثل نصيب أصحابهم ونظرائهم من القرون المهلكة. و « ذَنُوبٌ » في الأصل : الدلو العظيم ، لا يقال لها ذَنُوبٌ إلا وفيها ماء ، وكانوا يستقون فيها لكل واحد ذَنُوبٌ ، فجعل الذَّنُوبُ النصيب. ومنه حَدِيثُ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ : « ثُمَّ أَمَرَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُرِيقَ عَلَيْهِ ».

قوله : ( فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا ) فسرت بالكبائر ( وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا ) [٣ / ١٩٣ ] فسرت بالصغائر ، أي اجعلها مكفرة عنا بتوفيقك لاجتناب الكبائر.

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ».

قيل لم يرد هذا الحديث مورد تسلية المنهمكين في الذُّنُوبِ وتهوين أمرها على النفوس وقلة الاحتفال منهم بمواقعتها على ما يتوهمه أهل الغرة بالله ، فإن الأنبياء إنما بعثوا ليردعوا الناس عن الذُّنُوبِ واسترسال أنفسهم فيها ، بل ورد مورد البيان لعفو الله عن الْمُذْنِبِينَ وحسن التجاوز عنهم ليعظموا الرغبة في التوبة والاستغفار ، والمعنى المراد من الحديث : هو أن الله تعالى كما أحب أن يحسن إلى المحسن أحب أن يتجاوز عن المسيء. والذَّنْبُ : الإثم ، والجمع « ذُنُوبٌ » بضم الذال. وفِيهِ : « مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ ، وَمَنْ وَقَفَ بِالْمَشْعَرِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ ».

ونحو ذلك ، ولعل الوجه في تكرر ذكر الخروج من الذُّنُوبِ كما قيل تأكيد البعد عنها والتنصل عن تبعاتها ، أو لأنه يحصل بأداء كل نسك من تلك

٦٠