مجمع البحرين - ج ١

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ١

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٩٢

مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ ) [ وَلَا مُحْدَثٍ ] (١) ( إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ( فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ) يَعْنِي لَمَّا جَاءَ عَلِيٌّ بَعْدَهُمَا ..

قوله تعالى : ( وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ) [ ٥٣ / ٢٠ ] هي بفتح الميم وتخفيف النون : اسم صنم كان لهذيل وخزاعة بين مكة والمدينة ، وقيل : كان صنما من حجارة في جوف الكعبة ، والهاء فيه للتأنيث.

و « مِنَى » كإلى وقد تكرر ذكرها في الحديث اسم موضع بمكة على فرسخ ، والغالب عليه التذكير فيصرف ، وحده ـ كما جاءت به الرواية ـ من العقبة إلى وادي محسر (٢) ، واختلف في وجه التسمية فَقِيلَ : سُمِّيَ « مِنًى » لِمَا يُمْنَى بِهِ مِنْ الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ ، وَقِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ جَبْرَئِيلَ لَمَّا أَرَادَ مُفَارَقَةَ آدَمَ عليه السلام قَالَ لَهُ : تَمَنَ ، قَالَ : أَتَمَنَّى الْجَنَّةَ. فَسُمِّيَتِ مِنًى لِأُمْنِيَّةِ آدَمَ بِهَا ، وَقِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَى إِبْرَاهِيمَ (ع) فَقَالَ لَهُ : تَمَنَ يَا إِبْرَاهِيمُ ، فَكَانَتْ تُسَمَّى مِنًى فَسَمَّاهَا النَّاسُ مِنًى. وَفِي الْحَدِيثِ : « إِنَّ إِبْرَاهِيمَ (ع) تَمَنَّى هُنَاكَ أَنْ يَجْعَلَ اللهُ مَكَانَ ابْنِهِ كَبْشاً يَأْمُرُهُ بِذَبْحِهِ فِدْيَةً لَهُ ».

و « مَنَى الله الشيء » من باب رمى : قدره ، والاسم المنى كالعصا.

و « تَمَنَّيْتُ كذا » قيل : مأخوذ من الْمَنَى وهو القدر ، لأن صاحبه يقدر حصوله ، والاسم المنية والأمنية ، وجمع الأولى منى مثل غرفة وغرف وجمع الثانية الأماني.

وَقَوْلُهُ (ع) : « أَشْرَفُ الْغِنَى تَرْكُ الْمُنَى ». هو جمع المنية ، وهو ما يتمناه الإنسان ويشتهيه ويقدر حصوله ، وإنما

__________________

(١) هذه الزيادة موجودة في بعض أحاديث السنة والشيعة انظر البرهان ج ٣ ص ٩٩ والدر المنثور ج ٤ ص ٣٦٦.

(٢) انظر الكافي ج ٤ ص ٤٦٠.

٤٠١

كان أشرف لملازمته القناعة المستلزمة لغنى النفس ، وهو أشرف أنواع الغنى.

و « مُنَى الشهوات » ما تقدر الشهوات حصوله.

وفِي الْحَدِيثِ : سُئِلَ عَمَّنِ اشْتَرَى الْأَلْفَ وَدِينَاراً بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ : « لَا بَأْسَ ، إِنَّ أَبِي كَانَ أَجْرَى عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنًى فَكَانَ يَفْعَلُ هَذَا ». وكأن المراد أن أبي قدر لأهل المدينة قدرا متى صنعوه خرجوا فيه عن الربا المحرم.

والْمَنَى : القدر.

و « الْمَنِيَّةُ » على فعيلة : الموت لأنها مقدرة.

والْمَنَا مقصور : الذي يكال به أو يوزن رطلان ، والتثنية « مَنَوَانِ » والجمع « أمْنَاء » مثل سبب وأسباب.

والتَّمَنِّي : السؤال والطلب.

و « الْمَنِيُ » مشدد فعيل بمعنى مفعول ، والتخفيف لغة.

واسْتَمْنَى الرجل : استدعى منيه بأمر غير الجماع حتى دفق.

وجمع المني « مُني » مثل بريد وبرد ، لكن ألزم الإسكان للتخفيف ـ قاله في المصباح.

وفي الفقيه : الذي يخرج من الإحليل أربعة : الْمَنِيُ وهو الماء الغليظ الدافق الذي يوجب الغسل ، والمذي وهو ما يخرج قبل المني ، والوذي يعني بالذال المعجمة وهو ما يخرج بعد المني على أثره ، والودي يعني بالدال المهملة وهو الذي يخرج على أثر البول ليس في شيء من ذلك الغسل ولا الوضوء (١).

( مها )

فِي الْحَدِيثِ : « كَانَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ مَهَاةً بَيْضَاءَ » (٢). يعني درة بيضاء ، وفي القاموس : الْمَهَاةُ بالفتح البلورة وتجمع على مهيات ومهوات.

ومنه حَدِيثُ آدَمَ (ع) : « ونَزَلَ

__________________

(١) انظر من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٣٩.

(٢) الكافي ج ٤ ص ١٨٨.

٤٠٢

جَبْرَئِيلُ بِمَهَاةٍ مِنَ الْجَنَّةِ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِهَا ». والْمَهَا بالفتح جمع مهاة وهي البقرة الوحشية والجمع مهوات.

و « مَهْمَا » كلمة يجازى بها ، وأصلها عند الخليل « ما » ضمت إليها « ما » لغوا وأبدلوا الألف هاء ، واختلف فيها فذهب الجمهور إلى أنها اسم بدليل قوله تعالى : ( مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ ) [ ٧ / ١٣٢ ] فالهاء من « به » عائدة إليها والضمير لا يعود إلا إلى الأسماء ، وقيل : إنها حرف بدليل قول زهير (١).

ومهما تكن عند امرىء من خليقة

وإن خالها تخفى على الناس تعلم

فإنه أعرب « خليقة » اسما ليكن وجعل « من » زائدة ، فتعين خلو الفعل من ضمير يرجع إلى مهما التي هي موقع المبتدإ على تقدير كونها اسما ، وإذا ثبت أن لا موضع لها من الإعراب تعين كونها حرفا. ورد بأن اسم « يكن » مستتر فيها و « من خليقة » تفسير لمهما ، كما أن « من آية » تفسير لها في قوله تعالى : ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ) [ ٢ / ١٠٦ ] ومهما مبتدأ والجملة هو الخبر. ولعله الصواب.

__________________

(١) هو ( زهير بن أبي سلمى ) ـ بضم السين ـ واسمه ( ربيعة بن رباح بن قرة بن الحرث ) ، وينتهي نسبه إلى مضر بن نزار ، الشاعر الجاهلي الشهير ، كان عمر بن الخطاب يقول في وصفه : « شاعر الشعراء » ومن شعره قصيدته الميمية التي مدح بها الحرث بن عرف بن أبي حارثة المري وهرم بن ضمضم المري ، وهي من المعلقات السبع التي تعد من أبلغ الشعر العربي الجاهلي ـ انظر الأغاني ج ٩ ص ١٤٦ ـ ١٥٨.

٤٠٣

باب ما أوله النون

( نا )

قوله تعالى : ( ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ ) [ ٢٨ / ٧٦ ] أي تنهض بها ، قيل : وهو من المقلوب ومعناه ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه ، أي ينهضون بها ، من قولهم : « نَاءَ بحمله » إذا نهض به متثاقلا ، وقيل : معناه ما إن مفاتحه لَتُنِيءُ العصبة ، أي تميلهم بثقلها ، فلما انفتحت التاء دخلت الباء كما قالوا : « هذا يذهب بالبؤس » و « يذهب البؤس » فلا يكون من المقلوب.

قوله تعالى : ( وَنَأى بِجانِبِهِ ) [ ١٧ / ٨٣ ] أي تباعد بناحيته وقربه ، أي تباعد عن ذكر الله ، والنَّأْيُ : البعد يقال : « نَأَيْتُ عنه نأيا » أي بعدت.

قوله تعالى : ( وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) [ ٦ / ٢٦ ] أي يتباعدون ولا يؤمنون به.

والْمَنْأَى : الموضع البعيد.

وَفِي الْخَبَرِ : « مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ». وذلك لأن الشخص يظن أنه مؤمن فيتبعه لأجل ما يثيره من السحر وإحياء الموتى فيصير كافرا وهو لا يدري.

و « النَّيْءُ » مهموز مثل حمل : كل شيء شأنه أن يعالج بطبخ أو شيء.

( نبا )

قوله تعالى : ( عَمَّ يَتَساءَلُونَ. عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ) [ ٧٨ / ١ ـ ٢ ] النَّبَأُ واحد الْأَنْبَاءِ وهي الأخبار. والنَّبَأُ العظيم قيل : هو نبأ القيامة والبعث ، وقيل أمر الرسالة ولوازمها ، وقيل هو القرآن ومعناه الخبر العظيم ، لأنه ينبئ عن التوحيد وتصديق الرسول والخبر عما يجوز وما لا يجوز وعن البعث والنشور ، ومثله ( قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ. أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ )

٤٠٤

[ ٣٨ / ٦٧ ـ ٦٨ ] ، وقيل النَّبَأُ العظيم ما كانوا يختلفون فيه من إثبات الصانع وصفاته والملائكة والرسول والبعث والجنة والنار والرسالة والخلافة.

وَعَنِ الْبَاقِرِ (ع) : « النَّبَأُ الْعَظِيمُ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ».

وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) أَنَّهُ قَالَ : « مَا لِلَّهِ نَبَأٌ أَعْظَمُ مِنِّي ، وَمَا لِلَّهِ آيَةٌ هِيَ أَكْبَرُ مِنِّي ، وَلَقَدْ عُرِضَ فَضْلِي عَلَى الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْسِنَتِهَا فَلَمْ تَقِفْ بِفَضْلِي ».

قوله تعالى : ( لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا ) [ ١٢ / ١٥ ] أي لتجازينهم بفعلهم ، والعرب تقول للرجل إذا توعده : « لَأُنَبِّئَنَّكَ ولأعرفنك ».

قوله تعالى : ( نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ ) [ ١٢ / ٣٦ ] أي خبرنا بتفسيره.

قوله تعالى : ( وَيَسْتَنْبِئُونَكَ ) [ ١٠ / ٥٣ ] أي يستخبرونك.

و « النَّبِيُ » هو الإنسان المخبر عن الله بغير واسطة بشر ، أعم من أن يكون له شريعة كمحمد ص أو ليس له شريعة كيحيى (ع). قيل : سمي نَبِيّاً لأنه أَنْبَأَ من الله تعالى أي أخبر ، فعيل بمعنى مفعل ، وقيل : هو من النُّبُوَّةِ والنَّبَاوَةِ لما ارتفع من الأرض ، والمعنى أنه ارتفع وشرف على سائر الخلق ، فأصله غير الهمز ، وقيل غير ذلك.

وفرق بينه وبين الرسول أن الرسول هو المخبر عن الله بغير واسطة أحد من البشر وله شريعة مبتدأة كآدم (ع) أو ناسخة كمحمد ص ، وبأن النَّبِيَ هو الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك ، والرسول هو الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين ، وبأن الرسول قد يكون من الملائكة بخلاف النبي (١).

وجمع النبي « أنبياء » وهم ـ على ما ورد في الحديث ـ مائة ألف وعشرون ألفا ، والمرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر.

__________________

(١) هذه الفروق مأخوذة من عدة أحاديث ذكرها الكليني في الكافي ج ١ ص ١٧٦.

٤٠٥

وفيه ـ وَقَدْ سُئِلَ ص أَكَانَ آدَمُ نَبِيّاً؟ قَالَ : « نَعَمْ ، كَلَّمَهُ اللهُ وَخَلَقَهُ بِيَدِهِ ».

وأربعة من الأنبياء عرب ، وعد منهم هود وصالح وشعيب.

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع) : « الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ عَلَى أَرْبَعِ طَبَقَاتٍ : فَنَبِيٌ مُنَبَّأٌ فِي نَفْسِهِ لَا يَعْدُو غَيْرَهَا ، وَنَبِيٌ يَرَى فِي النَّوْمِ وَيَسْمَعُ الصَّوْتَ وَلَا يُعَايِنُهُ فِي الْيَقَظَةِ وَلَمْ يُبْعَثْ إِلَى أَحَدٍ وَعَلَيْهِ إِمَامٌ مِثْلُ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى لُوطٍ ، وَنَبِيٌ يَرَى فِي مَنَامِهِ وَيَسْمَعُ الصَّوْتَ وَيُعَايِنُ الْمَلَكَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَى طَائِفَةٍ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا كَيُونُسَ قَالَ اللهُ لِيُونُسَ : ( وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) قَالَ : يَزِيدُونَ ثَلَاثِينَ أَلْفاً وَعَلَيْهِ إِمَامٌ ، وَالَّذِي يَرَى فِي نَوْمِهِ وَيَسْمَعُ الصَّوْتَ وَيُعَايِنُ فِي الْيَقَظَةِ وَهُوَ إِمَامٌ مِثْلُ أَوْلَى الْعَزْمِ ، وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ نَبِيّاً وَلَيْسَ بِإِمَامٍ حَتَّى قَالَ اللهُ : ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ، قالَ : وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ ) فَقَالَ اللهُ : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، مَنْ عَبَدَ صَنَماً أَوْ وَثَناً لَا يَكُونُ إِمَاماً » (١).

والنَّبْأَةُ : الصوت الخفي ، والصيحة : الصوت العالي. ونَبَا السيف ينبو باب قتل نبوا على فعول : كل ورجع من غير قطع. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) : « مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ عَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ ». قيل : هو من الْإِنْبَاءِ ، وهو الإبعاد.

( نتا )

يقال : نَتَأَ الشيء ينتأ بفتحتين نتوءا : خرج من موضعه وارتفع من غير أن يبين. ونَتَأَتِ القرحة : ورمت. ونَتَأَ ثدي الجارية : ارتفع. والفاعل « نَاتِئٌ ».

( نثا )

فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ : « فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا عَلَيْنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ ». أي أظهره وحدثنا به. و « النثا » مقصور مثل الثناء إلا أنه في الخير والشر جميعا والثناء في الخير خاصة. يقال : ما أقبح نثاه

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١٧٤.

٤٠٦

وما أحسنه.

وَفِي صِفَةِ مَجْلِسِ رَسُولِ اللهِ ص : « لَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ » (١). أي لم تكن في مجلسه زلات فتحفظ وتحكى وتشاع ، يقال : نثوت الحديث أنثوه نثوا.

( نجا )

قوله تعالى : ( وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) [ ٧ / ١٤١ ] يقال : « نَجَّاهُ وأَنْجَاهُ » إذا خلصه ، ومنه نَجَا من الهلاك ينجو : إذا خلص منه.

قوله تعالى : ( فَأَنْجَيْناهُ ) يعني به (ع) ( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) [ ٧ / ٦٤ ] قيل : كانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة ، وقيل : كانوا تسعة عشر بنوه سام وحام ويافث وستة ممن كفر به وتعلق.

قوله تعالى : ( وَيَتَناجَوْنَ ) [ ٥٨ / ٨ ] أي يسر بعضهم إلى بعض ، والنَّجْوَى : السر ، ونَجْوَاهُمْ : أسرارهم.

قوله تعالى : ( إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) [ ٥٨ / ١٠ ] أي يزينها لهم ، فكأنها منهم ليغيظ الذين آمنوا.

وَ ( الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ) [ ٥٨ / ٨ ] الْيَهُودُ وَالْمُنَافِقُونَ ، كَانُوا يَتَنَاجَوْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَيَتَغَامَزُونَ بِأَعْيُنِهِمْ ، فَكَانَ ذَلِكَ يُحْزِنُ الْمُؤْمِنِينَ ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللهِ ص عَنْ ذَلِكَ فَعَادُوا لِمِثْلِ فِعْلِهِمْ.

قوله تعالى : ( فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) [ ٥٨ / ١٢ ] أي مناجاتكم. رُوِيَ أَنَّ النَّاسَ أَكْثَرُوا مُنَاجَاةَ رَسُولِ اللهِ ص حَتَّى أَمَلُّوهُ فَأُمِرُوا بِالصَّدَقَةِ قَبْلَ الْمُنَاجَاةِ ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ انْتَهَوْا عَنْ مُنَاجَاتِهِ فَلَمْ يُنَاجِهِ إِلَّا عَلِيٌّ (ع) قَدَّمَ دِينَاراً فَتَصَدَّقَ بِهِ (٢).

قوله تعالى : ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ) [ ١٠ / ٩٢ ] قيل : أي نرفعك على نَجْوَةٍ من الأرض ، أي ارتفاع منها ، وفي

__________________

(١) مكارم الأخلاق ص ١٣.

(٢) انظر البرهان ج ٤ ص ٣٠٩ والدر المنثور ج ٦ ص ١٨٥.

٤٠٧

ذكر البدن دلالة على خروج الروح ، أي ( نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ) لا روح فيه ، ويقال : ( بِبَدَنِكَ ) أي درعك ، والبدن : الدرع ، وقيل نلقيك عريانا.

قوله تعالى : ( وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا ) [ ١٩ / ٥٢ ] أي مناجيا ، وهو مصدر كالصهيل والنهيق يقع على الواحد والجماعة ، كما تقول : رجل عدل ، ومثله قوله تعالى : ( فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ) [ ١٢ / ٨٠ ] أي متناجين.

قوله تعالى : ( وَإِذْ هُمْ نَجْوى ) [ ١٧ / ٤٧ ] أي ذوو نجوى ، والنَّجْوَى اسم يقوم مقام مصدر ، وهو السر ما بين الاثنين والجماعة.

قوله تعالى : ( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ) ـ الآية [ ٥٨ / ٧ ].

قَالَ الصَّادِقُ (ع) : « هُوَ وَاحِدٌ وَأَحَدِيُّ الذَّاتِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ ، وَبِذَاكَ وَصَفَ نَفْسَهُ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ بِالْإِشْرَافِ وَالْإِحَاطَةِ وَالْقُدْرَةِ ، ( لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ ) بِالْإِحَاطَةِ وَالْعِلْمِ لَا بِالذَّاتِ ، [ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ مَحْدُودَةٌ تَحْوِيهَا حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ ] فَإِذَا كَانَ بِالذَّاتِ لَزِمَهَا الْحَوَايَةُ (١) ».

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَمْ يُرَ لِلنَّبِيِّ ص نَجْو » (٢). أي غائط ، يقال : « أَنْجَى » أي أحدث ، ومثله مِنْ عَلَامَاتِ الْإِمَامِ « لَا يُرَى لَهُ نَجْوٌ ».

وَفِي حَدِيثِ أَهْلِ الثَّرْثَارِ : « فَعَمَدُوا إِلَى مُخِّ الْحِنْطَةِ فَجَعَلُوهُ خُبْزاً مِنْجاً جَعَلُوا يُنْجُونَ بِهِ صِبْيَانَهُمْ ». قوله : « مِنْجاً » هو بالميم المكسورة والنون والجيم بعدها ألف : آلة يستنجى بها ، وَقَوْلُهُ : « يُنْجُونَ بِهِ صِبْيَانَهُمْ ». تفسير لذلك.

والنَّجِيُ : المناجي والمخاطب للإنسان والمحدث له ، يقال : ناجاه يناجيه مناجاة فهو مناج ، ومنه الدُّعَاءُ : « اللهُمَ

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١٢٧.

(٢) من لا يحضر ج ١ ص ١٧.

٤٠٨

بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَبِمُوسَى نَجِيِّكَ ».

ونَاجَيْتُهُ : شاورته ، والاسم النَّجْوَى.

وتَنَاجَى القوم : نَاجَى بعضهم بعضا.

وانْتَجَى القوم وتَنَاجَوْا : أي تساروا وَفِي الْحَدِيثِ : « لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ ». أي لا يتساران منفردين عنه فإن ذلك يسوؤه.

وانْتَجَيْتُهُ : إذا خصصته بِمُنَاجَاتِكَ ، والاسم النَّجْوَى أيضا.

وأهل النَّجْوَى : هم أهل البيت ، لأن النبي ص سر إليهم ما لا يسر به إلى أحد غيرهم.

و « النَّجَاةُ » بالهمز وسكون الجيم : الإصابة بالعين ، ومنه الْخَبَرُ : « رُدُّوا نَجَاةَ السَّائِلِ بِاللُّقْمَةِ ». أي ادفعوا شدة نظره إلى طعامكم بها.

والْمَنْجَى : المخلص ، ومنه الدُّعَاءُ : « لَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ ». أي لا مخلص ولا مهرب لأحد إلا إليك.

و « النَّجَاءَ » بالمد ويقصر اسم من نَجَا ، وامرأة نَاجِيَةٌ.

و « نَاجِيَةُ » اسم رجل من رواة الحديث (١) وقبيلة من العرب (٢).

والدابَّة النَّاجِيَةُ : السريعة السير ، من قولهم : « نَجَيْتُ نَجَاءً » بالمدّ : أسرعت وسبقت ، ومنه : « إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْجَدْبِ فَانْجُوا عَلَيْهَا ». أي على الدابَّة.

والفرقة النَّاجِيَةُ : آل محمد ص ومن تبعهم.

وَفِي الْحَدِيثِ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ

__________________

(١) هو أبو حبيب ناجية بن أبي عمارة الصّيداويّ ، كان من رجال الباقر والصّادق (ع) ، إمامي ممدوح. تنقيح المقال ج ٣ ص ٢٦٥.

(٢) اسم لثلاثة من قبائل العرب وهم : بطن من الأشعر بين من القحطانية وهم بنو ناجية بن جماهير بن الأشعر ، وبطن كثير العدد من بني سامة بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك تنسب إليهم محلّة بالبصرة ، وبطن من جعفيّ وهو ناجية بن مالك بن حريم بن جعفيّ. انظر معجم قبائل العرب ص ١١٦٦.

٤٠٩

وَمَا الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ؟ قَالَ : « هُوَ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ».

وقَوْلُهُ : « النَّجَا النَّجَا ». أي انْجُوا بأنفسكم ، هو مصدر منصوب بفعل مضمر ، أي انْجُوا النَّجَا. والنَّجَا : الإسراع. و « الصّدق مَنْجَاةٌ » أي مُنْجٍ من الهلكة.

واسْتَنْجَيْتُ : غسلت موضع النَّجْوِ أو مسحته ، ومنه « الِاسْتِنْجَاءُ » أعني إزالة ما يخرج من النَّجْوِ ، وقد يراد بِالاسْتِنْجَاءِ الوضوء ، يدل عليه قَوْلُهُ (ع) : « يُجْزِيكَ مِنَ الْغُسْلِ وَالِاسْتِنْجَاءِ مَا بَلَّتْ يَمِينُكَ » (١). بقرينة الغسل واليمين ، وليس المراد الِاسْتِنْجَاءُ من الغائط لأنه باليسار ، ولا يكفي فيه إلا ذهاب الأثر لا بدل اليد.

و « الِاسْتِنْجَاءُ » قيل هو من النَّجْوَةِ ، وهو ما ارتفع من الأرض ، كأنه يطلبها ليجلس تحتها.

( نحا )

فِي الْخَبَرِ : « تَنَحَّى فِي بُرْنُسِهِ وَقَامَ اللَّيْلَ فِي حِنْدِسِهِ ». أي تعمد للعبادة وتوجه إليها وصار في نَاحِيَةٍ منهم ، يقال : « تَنَحَّى » أي تحول إلى نَاحِيَةٍ.

وفيه : « تَأْتِنِي أَنْحَاءٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ». أي ضروب منهم ، واحدهم « نَحْو » يعني الملائكة كانوا يزورونه سوى جبرئيل. وقد تكرر في الحديث ذكر النَّاحِيَةِ والنَّوَاحِي والنَّحْوِ والِانْتِحَاءِ.

فَالنَّاحِيَةُ واحدة النَّوَاحِي وهي الجانب ، ومنه نَاحِيَةُ المسجد ونَاحِيَةُ السلطان ، والجمع « النَّوَاحِي » فاعلة بمعنى مفعولة لأنك نَحَوْتَهَا إذا قصدتها ، وقد يعبر عن القائم (ع) ، ومنه قول بعضهم : « كَانَ عَلَيَ لِلنَّاحِيَةِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ ».

و « تَنْحُو نَحْوَ القبر » أي تقصد جهته ومنه « انْحُ القصد من القول ».

نَحْوُ المشرق والمغرب : جهتهما.

و « انْتَحَى في سيره » أي اعتمد على

__________________

(١) الإستبصار ج ١ ص ١٢٢ ، وفيه « ما بللت يدك » بدل « ما بلت يمينك ».

٤١٠

الجانب الأيسر ، ومثله « الِانْتِحَاءُ » ثم صار للاعتماد والميل في كل وجه.

ومنه حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ (ع) : « وبِيَدِهِ مُدْيَةٌ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ ثُمَ انْتَحَى عَلَيْهِ ». أي حال عليه ليذبحه فقلبها جبرئيل عن حلقه.

ونَحَّى الشيءَ : أزاله ، يقال : « نَحَّيْتُهُ فَتَنَحَّى ».

و « نَحِ هذا عني » أي أزله وأبعده عني.

و « النِّحْيُ » بالكسر : زق للسمن ، والجمع « أَنْحَاءٌ » كأحمال. و « ذات الَنِّحْيَيْنِ » امرأة في الجاهلية ، وقصتها مشهورة تضرب بها الأمثال (١).

( نخا )

فِي الْحَدِيثِ : « إِنَّ اللهَ أَذْهَبَ بِالْإِسْلَامِ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ ».

بالفتح فالسكون أي افتخارها وتعظمها ، من قوله : « انْتَخَى علينا فلان » أي افتخر وتعظم ، ومنه الدُّعَاءُ « خَضَعَتْ لَهُ نَخْوَةُ الْمُسْتَكْبِرِ ».

و « النَّانْخَواهُ » دواء معروف عندهم ، ومنه الْحَدِيثُ : « وقَدْ قَالَ : يَصُبُّ عَلَيْهِ الْهَاضُومَ ، قُلْتُ : وَمَا الْهَاضُومُ؟ قَالَ : النَّانْخَواهُ ».

( ندا )

قوله تعالى : ( يَوْمَ التَّنادِ ) [ ٤٠ / ٣٢ ] يعني يوم القيامة ، وهو يوم يُتَنَادَى فيه أهل الجنة وأهل النار ، فأهل الجنة يُنَادُونَ أصحاب النار : ( أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا ) وأهل النار يُنَادُونَ أهل الجنة ( أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ). وقرئ يَوْمَ التَّنادِّ بتشديد الدال ، ومعناه الفرار ، من « نَدَّ البعير » إذا فر ومضى على وجهه.

قوله تعالى : ( وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ ) [ ٣٧ / ٧٥ ] أي بعد ما يئس من إيمان قومه لننصرنه عليهم ، وذلك قوله تعالى : ( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ).

__________________

(١) يقال : « أشغل من ذات النحيين » انظر المثل وقصتها في الفاخر ص ٨٦ والصحاح ( نحى ).

٤١١

قوله تعالى : ( فَلْيَدْعُ نادِيَهُ ) [ ٩٦ / ١٧ ] أي أهل نَادِيهِ ، أي أهل مجلسه وعشيرته فيستغيث بهم.

والنَّادِي والنَّدِيُ : المجلس ، ومنه قوله تعالى : ( وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) [ ١٩ / ٧٣ ]. ومنه الْحَدِيثُ : « الْخَذْفُ فِي النَّادِي مِنْ أَخْلَاقِ قَوْمِ لُوطٍ ». يريد المجلس.

وَفِي الْخَبَرِ : « مَنْ لَقِيَ اللهَ وَلَمْ يَنْتَدِ مِنَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِشَيْءٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ ». أي لم ينله ولم يصب منه.

و « النِّدَاءُ » بالكسر وقد يضم : الصوت ، وقد يعبر به عن الأذان ، ومنه : « سَأَلْتُهُ عَنِ النِّدَاءِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ». و « سَأَلْتُهُ عَنِ النِّدَاءِ وَالتَّثْوِيبِ فِي الْإِقَامَةِ ».

ومنه « لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ ». يعني لو علموا فضله. ونحوه كثير.

ونَادَاهُ مُنَادَاةً : صاح به.

ونَادَيْتُهُ مُنَادَاةً من باب قاتل : دعوته.

و « فلان أَنْدَى صوتا من فلان » أي أرفع منه صوتا ، وقيل أحسن وأعذب ، وقيل أبعد.

و « النَّدَى » بالفتح والقصر : المطر والبلل وما يسقط آخر الليل ، واستعمل لمعان كالجود والكرم وغير ذلك.

ونَدَى : الأرض نَدَاوَتَهَا.

و « أرض نَدِيَةٌ » على فعلة بكسر العين قال الجوهري : ولا يقال : « نَدِيَّةٌ » يعني بالتشديد.

ونَدِيَ الشيء : إذا ابتل ، فهو نَدٍ وزان تعب فهو تَعِبٌ.

وفلان ما نَدَا دما ولا قتل قتلا ، أي ما سفك دما.

وَفِي الدُّعَاءِ : « اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ النَّدَى الْأَعْلَى ». أي اجعلني من الملإ الأعلى من الملائكة. وَرُوِيَ « اجْعَلْنِي فِي النِّدَاءِ الْأَعْلَى ». وأراد نِدَاءَ أهل الجنة ، أعني قولهم : ( أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا ).

والنَّدْوَةُ : الاجتماع للمشورة ، ومنه دار النَّدْوَةِ بمكة التي بناها قصي ، لأنهم يَنْدُونُ فيها ، أي يجتمعون. والنَّادِي :

٤١٢

المجلس ، وجمعه « أَنْدِيَةٌ » ومنه الْحَدِيثُ : « مُتَعَرِّضٌ لِلْمَقَالِ فِي أَنْدِيَةِ الرِّجَالِ ». أي مجالسهم.

( نزا )

فِي الْحَدِيثِ : « يَنْزُو الْمَاءَ فَيَقَعُ عَلَى ثَوْبِي ».

من نَزَا : وثب وطفر ، وبابه قتل. و « نَزَا الذَّكَر على الأنثى نِزَاءً » بالكسر والضم : وثب عليها وركبها. و « نَزَأَ الشيطانُ بينهم » بالهمز : ألقى الشرَّ والإغراء.

( نسا )

قوله تعالى : ( وَما أَنْسانِيهِ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ) [ ١٨ / ٦٣ ] فأن أذكره بدل من الضمير. قال البيضاوي (١) : إنما نسبه إلى الشيطان هضما لنفسه ـ انتهى. وهذا على تقدير كون الفتى اليوشع ، وأما على تقدير كونه عبدا له فلا إشكال. وقوله تعالى : ( نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ) [ ٩ / ٦٧ ] أي تركوا الله فتركهم. قوله تعالى : ( فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ ) يعني الكفار ( فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ ) [ ٦ / ٤٤ ] أي كل نعمة وبركة من السماء والأرض ليرغبوا بذلك في نعيم الآخرة ، وإنما فعلنا ذلك بهم ـ وإن كان الموضع موضع العقوبة والانتقام دون الإكرام والإنعام ـ ليدعوهم ذلك إلى الطاعة ، فإن الدعاء إلى الطاعة يكون تارة بالعنف وتارة باللطف وتشديد العقوبة عليهم بالنقل من النعيم إلى العذاب الأليم ، ( حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا ) من النعيم واشتغلوا بالتلذذ وأظهروا السرور بما أعطوا ولم يروه نعمة من الله حتى يشكروه ( أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ ) ـ الآية.

قوله تعالى : ( وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ )

__________________

(١) هو المفسر الشهير القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد بن علي الفارسي الأشعر صاحب كتاب ( أنوار التنزيل ). كان قاضيا على بيضاء ، توفي بتبريز سنة ٦٨٥. الكنى والألقاب ج ٢ ص ١٠٢.

٤١٣

قال المفسر : أي النهي عن مجالستهم ( فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى ) [ ٦ / ٦٨ ] ويجوز أن يراد وإن أَنْسَاكَ الشيطان قبل التهمة قبح مجالستهم فلا تقعد معهم بعد الذكرى.

قوله تعالى : ( وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) [ ٢ / ٢٣٧ ] قيل : يحتمل أنه من النِّسْيَانِ الذي هو الترك عن تعمد ، أي لا تقصدوا الترك والإهمال ، لا النِّسْيَانِ الذي هو خلاف الذكر.

قوله تعالى : ( نَسْياً مَنْسِيًّا ) [ ١٩ / ٢٣ ] يقال للشيء الحقير الذي إذا ألقي : نُسِيَ ولم يعبأ به ولم يلتفت إليه.

قوله تعالى : ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ ) [ ٩ / ٣٧ ] النَّسِيءُ : تأخر الشيء ، والمراد هنا تأخيرهم تحريم المحرم ، وكانوا في الجاهلية يؤخرون تحريمه ستة ويحرمون غيره مكانه لحاجتهم إلى القتال فيه ، ثم يردونه إلى التحريم في ستة أخرى ، كأنهم يَسْتَنْسِئُونَ ذلك ويستقرضونه ، وهو مصدر كالنذير ، قيل : ولا يجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول ، لأنه لو حمل على ذلك كان معناه : إنما المؤخر زيادة في الكفر ، وليس كذلك بل المراد تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر.

قوله تعالى : ( تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ) [ ٣٤ / ١٤ ] بهمز وغيره أي عصاه ، وهي مفعلة بالكسر فالسكون ، من « نَسَأْتُ البعير » إذا ضربته بِالْمِنْسَأَةِ.

والنَّسْأُ : التأخير ، يقال : « نَسَأْتُ الشيء » إذا أخرته.

و « النُّسَاءُ » بالضم والمد مثله.

وَفِي الْحَدِيثِ : « صِلَةُ الرَّحِمِ تُنْسِئُ فِي الْأَجَلِ » (١). أي تؤخره ، ومثله « صِلَةُ الرَّحِمِ مَثْرَاةٌ لِلْمَالِ وَمَنْسَأَةٌ فِي الْأَجَلِ ». وقيل : هي مظنة لتأخير الأجل وموقع له.

و « أَنْسَأْتُهُ » أي بعته بتأخير ، ومنه

__________________

(١) مشكاة الأنوار ص ١٥٠.

٤١٤

بيع النَّسِيئَةِ ، وهو بيع عين مضمون في الذمة حالا بثمن مؤجل.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) : « انْهَوْا نِسَاءَكُمْ أَنْ يُرْضِعْنَ يَمِيناً وَشِمَالاً فَإِنَّهُنَ يَنْسَيْنَ ». بالياء المثنّاة بعد السين كما في النسخ ، والمعنى غير واضح ، ولو أبدلت الياء المثنّاة بالباء الموحدة ويكون المعنى راجعا إلى النسب لم يكن بعيدا.

و « النِّسْوَةُ » بالضم والكسر اسم لجمع امرأة ، ومثله « النِّسَاءُ » بالكسر والمد و « النِّسْوَانُ » بالكسر أيضا.

ومعنى النِّسَاءِ إنهن أنس للرجال كما جاءت به الرواية.

والنِّسْيَانُ خلاف الذُّكْرِ ، وهو ترك الشيء على ذهول وغفلة ، ويقال للترك على تعمد أيضا ، وبه فسر قوله تعالى : ( وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) ـ تقدم.

ونَسِيتُ ركعة : إذا أهملتها ذهولا.

و « النَّسِيُ » بالياء المشددة : كثير النِّسْيَانِ ، ومنه « كنت ذكورا فصرت نَسِيّاً ». و « رجل نَسْيَانٌ » كسكران : كثير الغفلة.

وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ (ع) وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُنْسَى الشَّيْءَ ثُمَّ يَذْكُرُهُ قَالَ : « مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا عَلَى رَأْسِ فُؤَادِهِ حِقَّةٌ مَفْتُوحَةُ الرَّأْسِ فَإِذَا سَمِعَ الشَّيْءَ وَقَعَ فِيهَا فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُنْسِيَهَا طَبَّقَ عَلَيْهَا وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُذْكِرَهَا فَتَحَهَا ».

و « الْمُنْسِيَةُ » ريح يبعثها الله إلى المؤمن تُنْسِيهِ أهله وماله.

و « النَّسَا » كالحصى : عرق يخرج في الفخذ يقال له « عرق النَّسَا » وهو ألم شديد حادث بالرجل يمتد من حد الورك والألية والساق من الجانب الوحشي وينبسط إلى الكعب. قال بعضهم : والأفصح أن يقال له : « النَّسَا » لا عرق النَّسَا.

( نشا )

قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ ) [ ٦ / ٩٨ ] أي ابتدأكم وخلقكم ، وكل من ابتدأ شيئا فقد أَنْشَأَهُ ، ومثله :

٤١٥

( أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ ) [ ٦ / ١٤١ ] ( وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ ) [ ١٣ / ١٢ ].

والنَّشْءُ والنَّشْأَةُ بإسكان الشين : الخلقة ، ومنه قوله تعالى : ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى ) [ ٥٦ / ٦٢ ] يعني ابتداء الخلق.

و ( النَّشْأَةَ الْأُخْرى ) [ ٥٣ / ٤٧ ] الخلق الثاني للبعث يوم القيامة.

قوله تعالى : ( إِنَ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ) [ ٧٣ / ٦ ] قيل : النفس الناهضة من مضجعها إلى العبادة ، من « نَشَأَ من مكانه » إذا نهض ، قيل المراد قيام الليل ، وقيل العبادة التي تُنْشَأُ بالليل أي تحدث ، قيل المراد ساعات الليل الحادثة واحدة بعد أخرى.

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع) : « هِيَ قِيَامُ الرَّجُلِ عَنْ فِرَاشِهِ لَا يُرِيدُ إِلَّا اللهُ تَعَالَى ». ويتم الكلام في ( وطأ ).

قوله تعالى : ( وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ ) [ ٥٥ / ٢٤ ] يعني السفن اللواتي أُنْشِئْنَ أي ابتدىء بهن في البحر ، وقيل : الْمُنْشَآتُ المرفوعات الشرع ، ومن قرأ الْمُنْشِآتُ بالكسر فمعناه المبتدئات في الجري.

قوله تعالى : ( أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ ) [ ٤٣ / ١٨ ] أي يربى في الحلي يعني النبات.

وَفِي الْحَدِيثِ : « مِنْ عَلَامَةِ الْإِمَامِ طَهَارَةُ الْمَوْلِدِ وَحُسْنُ الْمَنْشَإِ ». كأنه من النَّشْءِ كقفل ، اسم من « نَشَأْتُ في بني كذا » أي ربيت فيهم ، والمراد حسن التربية وتنزيهه عن المعاصي.

وفيه : « إِنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ النَّشْءَ مِنَ الْبَعُوضَةِ ». أي مَنْشَأَهَا وما تَنْشَأُ فيه.

وفيه : « كَيْفَ يَحْتَجِبُ عَنْكَ مَنْ أَرَاكَ قُدْرَتَهُ فِي نَفْسِكَ نَشْئَكَ وَلَمْ تَكُنْ ». فَنَشَأَكَ بدل من قدرته بحسب الظاهر وإن احتمل غيره.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيذِ : « إِذَا أُخِذَ شَارِبُهُ وَقَدِ انْتَشَى ضُرِبَ ثَمَانِينَ ». هو من قولهم : نَشِيَ يَنْشَى نَشْواً ونَشْوَةً مثلثة : سكر ،

٤١٦

كَانْتَشَى وتَنَشَّى.

والْإِنْشَاءُ : أول السكر ومقدماته ، ومنه « رجل نَشْوَانُ » كسكران.

والنَّاشِئُ : الحدث الذي قد جاوز حد الصغر ، ومنه « خير نَاشِئٍ » يقال : نَشَأَ الصبي يَنْشَأُ فهو نَاشِئٌ : إذا كبر وشب ولم يتكامل.

وقوله : « نَشَأَ يتحدثون » يروى بفتح الشين كخادم وخدم ، يريد جماعة أحداثا.

و « النَّشَا » مقصور : ما يعمل من الحنطة ، فارسي معرب (١).

( نصا )

قوله تعالى : ( ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ) [ ١١ / ٥٦ ] أي هو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها ، والأخذ بالنواصي تمثيل.

قوله تعالى : ( فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ ) [ ٥٥ / ٤١ ] قِيلَ : يُجْمَعُ بَيْنَ نَاصِيَتِهِ وَقَدَمِهِ بِسِلْسِلَةٍ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ. وقِيلَ يُسْحَبُونَ تَارَةً بِأَخْذِ النَّوَاصِي وَتَارَةً بِالْأَقْدَامِ.

وَفِي الْحَدِيثِ : « يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِلِحْيَتِهِ وَالْمَرْأَةُ بِنَاصِيَتِهَا ». أي لنذلنه ونقيمه مقام الأذلة ، ففي الأخذ بِالنَّاصِيَةِ إهانة واستخفاف ، وقيل معناه لنغيرن وجهه.

وَفِي الدُّعَاءِ : « خُذْ إِلَى الْخَيْرِ بِنَاصِيَتِي ». أي اصرف قلبي إلى عمل الخيرات ووجهني إلى القيام بوظائف الطاعات كالذي يجذب بشعر مقدم رأسه إلى العمل ، فالكلام استعارة.

والنَّاصِيَةُ : قصاص الشعر فوق الجبهة ، والجمع « النَّوَاصِي ».

وَفِي الدُّعَاءِ : « والنَّوَاصِي كُلُّهَا بِيَدِكَ ». أيضا من باب التمثيل ، أي كل شيء في قبضتك وملكك وتحت قدرتك وسلطانك.

وما روي من أنه (ع) مسح نَاصِيَتَهُ

__________________

(١) تعريب « نشاسته » وهو مادة لزجة مستخرجة من الحنطة ، ويقال له : « نشاستج » و « نشاء ».

٤١٧

يعني مقدم رأسه ، فكيف يستقيم على هذا تقدير النَّاصِيَةِ بربع الرأس ، وكيف يصح إثباته بالاستدلال ، والأمور النقلية لا تثبت إلا بالسماع.

ومن كلامهم : « جر نَاصِيَتَهُ » و « أخذ بِنَاصِيَتِهِ » ومعلوم أنه لا يتقيد.

( نضا )

فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ ص : « أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَمْسٍ لَوْ رَكِبْتُمْ فِيهِنَّ الْمَطِيَّ حَتَّى تَنْضُوهَا لَمْ تَأْتُوا بِمِثْلِهِنَّ ». أي تهزلوها وتذهبوا بلحمها ، يقال : « بعير نِضْو » بالكسر و « دابة نِضْو » للتي هزلتها الأسفار وأذهبت بلحمها ، والجمع « الْأَنْضَاءُ ».

والنِّضْوُ : الثوب الخلق.

وانْتَضَى سيفه : إذا سله.

( نعا )

فِي الْحَدِيثِ : « رَجُلٌ أَتَاهُ نَعْيُ أَبِيهِ ». أي خبر موته ، يقال : « نَعَيْتُ الميت » من باب نفع : إذا أخبرت بموته ، فهو منعي.

ونُعِيَ إليه نفسه : أخبر بموته.

والنَّعِيُ على فعيل مثل الْنَّعْيِ.

والنَّعِيُ أيضا النَّاعِي ، وهو الذي يأتي بخبر الموت.

وتَنَاعَى القوم : إذا نُعُوا قتلاهم ليحرص بعضهم على بعض.

( نغا )

الْمَرْأَةُ تُنَاغِى الصبيَّ : أي تكلمة بما يعجبه ويسره ـ قاله الجوهري.

( نفا )

قوله تعالى : ( أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ) [ ٥ / ٣٣ ] أي يطردوا منها ويدفعوا عنها إلى أرض أخرى ، والنَّفْيُ هو الطرد والدفع ، يقال : نَفَيْتُ الحصى من وجه الأرض فَانْتَفَى ، ثم قيل لكل كلام تدفعه ولا تثبته : نَفَيْتُهُ ، ومنه « نُفِيَ إلى بلدة أخرى » أي دفع إليها.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ الْمَدَائِنِيِّ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ : وَمَا حَدُّ نَفْيِهِ؟ قَالَ : « سَنَةً يُنْفَى مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا إِلَى غَيْرِهَا ، ثُمَّ يُكْتَبُ إِلَى ذَلِكَ الْمِصْرِ بِأَنَّهُ مَنْفِيٌ فَلَا تُؤَاكِلُوهُ وَلَا تُشَارِبُوهُ وَلَا تُنَاكِحُوهُ

٤١٨

حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى غَيْرِهِ فَلْيُكْتَبْ إِلَيْهِمْ أَيْضاً بِمِثْلِ ذَلِكَ فَلَا يَزَالُ هَذِهِ حَالَهُ سَنَةً ، فَإِذَا فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ تَابَ وَهُوَ صَاغِرٌ ».

وفيه : « الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ يُنْفَى خَبَثُهَا ». أي تخرجه عنها ، من نَفَيْتُهُ نَفْياً : أخرجته وفيه : « حِجُّ الْبَيْتِ مَنْفَاةٌ لِلْفَقْرِ (١) ». أي مظنة لدفعه.

ولِلنَّفْيِ طرائق ذكرها في المصباح هي أنه إذا ورد النَّفْيُ على شيء موصوف بصفة فإنه يتسلط على تلك الصفة دون متعلقها نحو « لا رجل قائم » فمعناه لا قيام من رجل ، ومفهومه وجود ذلك الرجل ، ولا يتسلط النَّفْيُ على الذات الموصوفة ، لأن الذات لا تُنْفَى وإنما يُنْفَى متعلقاتها.

قال : ومن هذا الباب قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ) [ ٢٩ / ٤٢ ] فَالْمَنْفِيُ إنما هو صفة محذوفة لأنهم دعوا شيئا محسوسا هو الأصنام ، والتقدير من شيء ينفعهم أو يستحق العبادة ونحو ذلك ، لكن لما انْتَفَتِ الصفة التي هي الثمرة المقصودة وقع النَّفْيُ على الموصوف مجازا كقوله تعالى : ( لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى ) [ ٨٧ / ١٣ ] أي لا يحيا حياة طيبة ، ومنه قول أحد الناس : « لا مال لي » أي لا مال كاف أو لا مال لي يحصل به الغنى ، وكذلك « لا زوجة لي » أي حسنة ونحو ذلك. وهذه الطريقة هي الأكثر في كلامهم ، ولهم طريقة أخرى معروفة وهي نَفْيُ الموصوف فَتَنْتَفِي تلك الصفة بِانْتِفَائِهِ ، فقولهم : « لا رجل قائم » معناه لا رجل موجود فلا قيام منه ، وخرج على هذه الطريقة قوله تعالى : ( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ) [ ٧٤ / ٤٨ ] أي لا شافع فلا شفاعة منه ، وكذا ( بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) [ ١٣ / ٢ ] أي لا عمد فلا رؤية ، وكذا ( لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً ) [ ٢ / ٢٧٣ ] أي لا سؤال فلا إلحاف. قال : وإذا تقدم النفي أول الكلام كان النفي للعموم نحو « ما قام القوم » فلو كان قد قام بعضهم فلا كذب ، لأن نَفْيَ العموم لا يقتضي نفي الخصوص ، ولأن

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٣١.

٤١٩

النَّفْيَ وارد على هيئة الجمع لا على كل فرد فرد. وإذا تأخر حرف النَّفْيِ عن أول الكلام وكان أوله « كل » أو ما في معناه وهو مرفوع بالابتداء نحو « كل القوم لم يقوموا » كان النفي عاما لأنه خبر عن المبتدإ وهو جمع فيجب أن يثبت لكل فرد فرد منه ما يثبت للمبتدإ وإلا لما صح جعله خبرا عنه ، وأما قَوْلُهُ : « كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ». ـ يعني في خبر ذي اليدين ـ فإنما نَفَى الجميع بناء على ظنه أن الصلاة لا تقصر وأنه لم ينس منها شيئا ، فَنَفَى كل واحد من الأمرين بناء على ذلك الظن ، ولما تخلف الظن ولم يكن النفي عاما قَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ : وَقَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ص ، فَتَرَدَّدَ ص فَقَالَ : « أَحَقّاً مَا قَالَ ذُو الْيَدَيْنِ »؟ فَقَالُوا : نَعَمْ. ولو لم يحصل له الظن لقدم حرف النَّفْيِ حتى لا يكون عاما وقال : لم يكن كل ذلك ـ انتهى كلامه. وهو جيد ينبغي مراعاته في ألفاظ الكتاب والسنة.

ومن كلامهم : « هذا يُنَافِي هذا » أي يباينه ولا يجتمع معه ، ومثله قوله : « وهما مُتَنَافِيَانِ ».

( نقا )

فِي الْحَدِيثِ : « رُبَّمَا أَمَرْتُ بِالنِّقْيِ بُلَّتْ بِالزَّيْتِ فَأَتَدَلَّكُ بِهِ ». هو بكسر النون وسكون القاف : المخ من العظام ، والجمع « أَنْقَاءٌ » ، يقال : « أَنْقَتِ الناقة » أي سمنت وصار فيها نَقًي ، وأَنْقَى البعير : إذا وقع في عظامه المخ. والنَّقِيُ أيضا : الدقيق المنخول ، فيحتمل هنا ولعله الأشبه.

و « العجفاء التي لا نِقْيَ فيها » أي المهزولة التي لا نِقْيَ فيها من الهزال.

ونَقِيَ الشيء بالكسر يَنْقَى نَقَاوَةً بالفتح فهو نَقِيُ أي نظيف.

و « النِّقَاءُ » ممدود : النظافة ، وبالقصر : الكثيب من الرمل.

وأَنْقَى فرجَه : نظفه وطهره ، ومثله « يُنْقِي مأثمه ».

والِانْتِقَاءُ : الاختيار.

٤٢٠