مجمع البحرين - ج ١

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ١

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٩٢

ومنه قوله تعالى : ( فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً ) [ ٥ / ١٣ ] وقرئ قسية بدون ألف فعيل بمعنى فاعل مثل شاهد وشهيد وعالم وعليم.

وَقَوْلُهُ : « وكَثْرَةُ الْكَلَامِ قَسْوَةٌ ». أي سبب القسوة.

وَفِي الْحَدِيثِ : « ثَلَاثٌ يُقْسِينَ الْقَلْبَ » وعَدَّ مِنْهَا إِتْيَانَ بَابِ السُّلْطَانِ.

( قصا )

قوله تعالى : ( مَكاناً قَصِيًّا ) [ ١٩ / ٢٢ ] أي بعيدا عن الأهل.

و « الْقُصْوَى » تأنيث الأقصى : البعيدة.

والمسجد الْأَقْصَى : الأبعد ، وهو بيت المقدس ، لأنه لم يكن وراءه مسجد وبعيد عن المسجد الحرام.

وَفِي الْحَدِيثِ : « ثُمَّ رَكِبَ الْقُصْوَى ». بضم القاف والقصر : هي ناقة لرسول الله ص ، سميت بذلك لسبقها كأن عندها أقصى السير وغاية الجري ، والْقُصْوَى من النوق : التي قطع أذنها ، ولم تكن ناقة رسول الله قصوى وإنما كان هذا لقبالها. وقيل : كانت مقطوعة الأذن (١).

وقَصَا المكان قُصُوّاً من باب قعد : بعد ، فهو قَاصٍ.

وبلاد قَاصِيَةٌ بعيدة.

والشاة الْقَاصِيَةُ : المنفردة عن القطيع البعيدة عنه.

و « الشيطان ذئب الإنسان يأخذ الْقَاصِيَةَ والشاذة » أي يتسلط على الخارج من الجماعة.

والناحية الْقُصْوَى : البعيدة. قيل : وهذه لغة أهل العالية ، و « الْقُصْيَا » بالياء لغة نجد.

و « الأداني والْأَقَاصِي » الأقارب والأباعد.

واسْتَقْصَى فلان المسألة : بلغ النهاية.

و « قُصَيٌ » مصغرا : اسم رجل ،

__________________

(١) في الصحاح ( قصا ) : وكان لرسول الله (ص) ناقة تسمى قصواء ولم تكن مقطوعة الأذن. وهكذا ورد اسم الناقة بالمد في أساس البلاغة والنهاية وفي الكافي أيضا ٨ / ٣٣٢ في حديث.

٣٤١

والنسبة إليه قُصَوِيٌ بحذف إحدى اليائين وبقلب الأخرى ألفا ثم تقلب واوا ، كما في عدوي وأموي.

و « قُصَيُ بن كلاب » هو الذي أخرج خزاعة من الحرم وولي البيت وغلب عليه.

( قضا )

قوله تعالى : ( ثُمَ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ) [ ١٠ / ٧١ ] قيل : معناه امضوا إلى ما في أنفسكم من إهلاكي ونحوه من سائر الشرور ولا تؤخرون.

قوله تعالى : ( فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ) [ ٢٠ / ٧٢ ] أي امض ما أنت ممض.

قوله تعالى : ( ثُمَ قَضى أَجَلاً ) [ ٦ / ٢ ] أي حتم وأتم.

قوله تعالى : ( وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ ) [ ١٧ / ٤ ] أي أعلمناهم إعلاما قطعيا ، ومثله ( وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ ) [ ١٥ / ٦٦ ].

قوله تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ ) [ ١٠ / ٩٣ ] أي يحكم ويفصل.

قوله تعالى : ( قَضى أَمْراً ) [ ٤٠ / ٦٨ ] أي أحكمه.

قوله تعالى : ( وَقَضى رَبُّكَ ) [ ١٧ / ٢٣ ] أي أمر أمرا مقطوعا به أو حكم بذلك.

قوله تعالى : ( فَقَضاهُنَ سَبْعَ سَماواتٍ ) [ ٤١ / ١٢ ] أي خلقهن وصنعهن.

قوله تعالى : ( فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ ) [ ٤ / ١٠٣ ] المراد بِالْقَضَاءِ هنا فعل الشيء والإتيان به ، أي إذا أتيتم بالصلاة فاذكروا الله ، وهو أمر بالمداومة على الذكر في جميع الأحوال ، كما جاء فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ : « يَا مُوسَى اذْكُرْنِي فَإِنَّ ذِكْرِي حَسَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ». وقيل في الكلام إضمار أي فإذا أردتم الإتيان بالصلاة فأتوا بها على حسب أحوالكم في الإمكان بحسب ضعف الخوف وشدته ، ( قِياماً ) أي مسائفين ومقارعين ( وَقُعُوداً ) أي مرامين ( وَعَلى جُنُوبِكُمْ ) مثخنين بالجراح. ويؤيد هذا أنها في معرض ذكر صلاة الخوف.

قوله تعالى : ( لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ ) [ ٤٣ / ٧٧ ] أي ليقض الموت علينا ،

٣٤٢

من ( فَقَضى عَلَيْهِ ) إذا أماته ، ومثله ( لا يُقْضى عَلَيْهِمْ ) [ ٣٥ / ٣٦ ].

قوله تعالى : ( فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ ) [ ٢٨ / ١٥ ] أي قتله مكانه.

قوله تعالى : ( وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ ) [ ٦ / ٨ ] قال المفسر : أخبر الله سبحانه عن الكفار أنهم قالوا : هلا نزل عليه ـ أي على محمد ـ ملك الموت والقتل نشاهده فنصدقه ، ثم أخبر عن عظيم عنادهم فقال : لو أنزلنا ملكا على ما اقترحوه لما آمنوا به واقتضت الحكمة استيصالهم وأن لا ننظرهم ولا نمهلهم قوله تعالى : ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) [ ٢٠ / ١١٤ ] أي ينتهي إليك بيانه.

قوله تعالى : ( وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ ) [ ١٤ / ٢٢ ] أي أحكم وفرغ منه ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.

قوله تعالى : ( يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ) [ ٦٩ / ٢٧ ] أي القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها ولم ألق ما لقيت.

قوله تعالى : ( كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ ) [ ٨٠ / ٢٣ ] أي لا يقضي أحد ما أمر به بعد تطاول الزمان.

قوله تعالى : ( فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ ) [ ٢ / ٢٠٠ ] أي أديتموها.

والْقَضَاءُ لمعان :

( أحدها ) الإتيان بالشيء كما في الآية المتقدمة.

( الثاني ) فعل العبادة ذات الوقت المحدود المعين بالشخص خارجا عنه.

( الثالث ) فعل العبادة استدراكا لما وقع مخالفا لبعض الأوضاع المعتبرة ، ويسمى هذا إعادة.

وَفِي الْحَدِيثِ : « قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ». أي حكم بهما.

و « الْقَاضِي » الحاكم ، واسْتُقْضِىَ فلان أي صُيّر قاضيا.

وَفِي حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ مُكَرَّمٍ الْجَمَّالِ (١) :

__________________

(١) هو أبو خديجة ويقال أبو سلمة سالم بن مكرم بن عبد الله الكناسيّ صاحب الغنم مولى بني أسد ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (ع) قال الطّوسيّ ضعيف وقال النّجاشيّ ثقة ثقة. الفهرست للطوسي ص ١٠٥ ورجال النّجاشيّ ص ١٤٢.

٣٤٣

« إِيَّاكُمْ أَنْ يُحَاكِمَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إِلَى أَهْلِ الْجَوْرِ ، وَلَكِنِ انْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ يَعْلَمُ شَيْئاً مِنْ قَضَائِنَا فَاجْعَلُوهُ بَيْنَكُمْ ، فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ قَاضِياً فَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ » (١). قال بعض الأفاضل : يعلم من هذا الحديث تحريم التحاكم إلى أهل الجور ووجوب التحاكم إلى الفقيه لأنه منصوب الإمام والتجزي في الاجتهاد والدلالة على ذكورية القاضي وإيمانه المستفادين من قوله : رجل منكم وجعله نائبا عنه ـ انتهى. وحينئذ فَالْقَاضِي كما قيل هو الحاكم بين الخصوم ، وهو يغاير المفتي والمجتهد ، وذلك لأن القاضي سمي قَاضِياً وحاكما باعتبار إلزامه وحكمه على الأفراد الشخصية بالأحكام الشخصية ، كالحكم على شخص بثبوت حق لشخص آخر ، وأما لا بهذا الاعتبار بل بمجرد الإخبار والإعلام فإنه يسمى مفتيا ، كما أنه باعتبار مجرد الاستدلال يسمى مجتهدا.

وقَضَيْتُ حاجتي : حكمت عليها وفرغت منها.

وقَضَيْتُ الدين : أديته.

وقَضَى دينه وتَقَاضَاهُ بمعنى.

وَفِي حَدِيثِ الرِّضَا (ع) مَعَ أَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ : « ولَقَدْ قَضَيْتُ عَنْهُ أَلْفَ دِينَارٍ بَعْدَ أَنِ انْتَفَى عَلَى طَلَاقِ نِسَائِهِ وَعِتْقِ مَمَالِيكِهِ ».

وقال بعض الشارحين : لقد قضيت عنه أي عن الذي عن إبراهيم كأنه عباس أخوهما ألف دينار إلى آخره ، وكأنه قصده من الطلاق والعتق عدم تعرض الغرماء لبيوت نسائه وعتق مماليكه و « سم قَاضٍ » أي قاتل.

واقْتَضَيْتُ منه حقي : أخذته.

وَفِي الْحَدِيثِ : أَتَى رَجُلٌ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) يَقْتَضِيهِ بِدَيْنٍ. أي يطلبه منه و « الأمر يَقْتَضِي الوجوب » أي يدل

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٤١٢.

٣٤٤

عليه.

وقَاضَيْتُهُ على مال : صالحته عليه.

و « أعوذ بك من سوء الْقَضَاءِ » يعني المقضي ، إذ حكم الله من حيث هو حكمه كله حسن لا سوء فيه.

و « الْقَضَاءُ » قال الجوهري : أصله قضاي لأنه من قضيت ، إلا أن الياء لما جاءت بعد الألف همزت ، والجمع الأقضية والقضية مثله ، والجمع قضايا على فعالى وأصله فعائل ـ انتهى.

و « القضاء المقرون بالقدر » وقيل : المراد به الخلق نحو ( فَقَضاهُنَ سَبْعَ سَماواتٍ ) وبالقدر التقدير ، فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر لأن أحدهما كالأساس وهو القدر والآخر بمنزلة البناء وهو القضاء ، ويؤيده قَوْلُهُ (ع) : « الْقَضَاءُ الْإِبْرَامُ وَإِقَامَةُ الْعَيْنِ ». وَقَوْلُهُ (ع) : « وإِذَا قَضَى أَمْضَى وَهُوَ الَّذِي لَا مَرَدَّ لَهُ ». وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) مَعَ الشَّيْخِ الَّذِي سَأَلَهُ عَنِ الْمَسِيرِ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ حَيْثُ قَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنَا عَنْ مَسِيرِنَا إِلَى أَهْلِ الشَّامِ أَبِقَضَاءٍ مِنَ اللهِ وَقَدَرٍ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (ع) : « يَا شَيْخُ مَا عَلَوْتُمْ تَلْعَةً وَلَا هَبَطْتُمْ بَطْنَ وَادٍ إِلَّا بِقَضَاءٍ مِنَ اللهِ وَقَدَرٍ » فَقَالَ الشَّيْخُ : عِنْدَ اللهِ أَحْتَسِبُ عَنَائِي ، فَقَالَ عَلِيٌّ (ع) : « وتَظُنُّ أَنَّهُ كَانَ قَضَاءً حَتْماً وَقَدَراً لَازِماً إِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالزَّجْرُ مِنَ اللهِ وَسَقَطَ مَعْنَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، فَلَمْ تَكُنْ لَائِمَةٌ لِلْمُذْنِبِ وَلَا مَحْمَدَةٌ لِلْمُحْسِنِ ، تِلْكَ مَقَالَةُ إِخْوَانِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَخُصَمَاءِ الرَّحْمَنِ ، وَقَدَرِيَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ » (١). قال بعض الأفاضل : قَوْلُهُ « تِلْكَ مَقَالَةُ إِخْوَانِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ». إشارة إلى الأشاعرة قَوْلُهُ « وقَدَرِيَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ». إشارة إلى المعتزلة كما صرح به في الروايات ويتم البحث في قدر إن شاء الله تعالى.

وَفِيهِ عَنْ عَلِيٍّ (ع) : « الْأَعْمَالُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ فَرَائِضُ وَفَضَائِلُ وَمَعَاصِي ، فَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَبِأَمْرِ اللهِ وَرِضَى اللهِ وَبِقَضَاءِ اللهِ

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١٥٥.

٣٤٥

وَتَقْدِيرِهِ وَمَشِيَّتِهِ وَعِلْمِهِ تَعَالَى ، وَأَمَّا الْفَضَائِلُ فَلَيْسَ بِأَمْرِ اللهِ وَلَكِنْ بِرِضَى اللهِ وَبِقَضَاءِ اللهِ وَبِمَشِيَّةِ اللهِ وَبِعِلْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا الْمَعَاصِي فَلَيْسَتْ بِأَمْرِ اللهِ وَلَكِنْ بِقَضَاءِ اللهِ وَمَشِيَّتِهِ وَبِعِلْمِهِ ثُمَّ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا ». قال الشيخ الصدوق : قَوْلُهُ « الْمَعَاصِي بِقَضَاءِ اللهِ ». معناه نهي الله لأن حكمه على عباده الانتهاء عنها ، ومعنى قَوْلِهِ « بِقَدَرِ اللهِ ». أي بعلم الله بمبلغها وتقديرها مقدارها ومعنى قَوْلِهِ « وبِمَشِيَّتِهِ ». فإنه تعالى شاء أن لا يمنع العاصي من المعاصي إلا بالزجر والقول والنهي والتحذير دون الجبر والمنع بالقوة والدفع بالقدرة.

وَفِي حَدِيثِ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ (١) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) عَنِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ؟ قَالَ : « هُمَا خَلْقَانِ مِنْ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى وَاللهُ ( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ ) ». كأنه جواب إقناعي ، وربما أشعر بأن السؤال عن معرفة كنهه وحقيقته غير لائق لبعد معرفة ذلك عن عقول المكلفين.

وَفِي حَدِيثِ حُمْرَانَ (٢) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (ع) : أَرَأَيْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ قِيَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليه السلام وَخُرُوجِهِمْ وَقِيَامِهِمْ بِدِينِ اللهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَمَا أُصِيبُوا مِنْ قَتْلِ الطَّوَاغِيتِ إِيَّاهُمْ وَالظَّفَرِ بِهِمْ حَتَّى قُتِلُوا وَغُلِبُوا؟ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) : « يَا حُمْرَانُ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ قَدْ كَانَ قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَضَاهُ وَأَمْضَاهُ وَحَتَمَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ ثُمَّ أَجْرَاهُ ، فَبِتَقَدُّمِ عِلْمٍ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ (ص) قَامَ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ

__________________

(١) هو أبو عليّ جميل بن درّاج بن عبد الله النّخعيّ الثّقة ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (ع) ، عمّي في آخر عمره ومات في أيّام الرّضا (ع). رجال النّجاشيّ ص ٩٨.

(٢) هو أبو الحسن وقيل أبو حمزة حمران بن أعين الشّيبانيّ التابعي أخو زرارة ، كان يختصّ ببعض الأئمّة ويتولّى له الأمر ، قال له أبو جعفر (ع) : أنت من شيعتنا في الدّنيا والآخرة. تنقيح المقال ج ٢ ص ٣٧٠.

٣٤٦

وَالْحُسَيْنُ عليهم السلام ، وَبِعِلْمٍ صَمَتَ مَنْ صَمَتَ مِنَّا ، وَلَوْ أَنَّهُمْ يَا حُمْرَانُ حَيْثُ نَزَلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ مِنْ أَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِظْهَارِ الطَّوَاغِيتِ عَلَيْهِمْ سَأَلُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُمْ ذَلِكَ وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فِي طَلَبِ إِزَالَةِ مُلْكِ الطَّوَاغِيتِ وَذَهَابِ مُلْكِهِمْ إِذاً لَأَجَابَهُمْ وَدَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ ، ثُمَّ كَانَ انْقِضَاءُ مُدَّةِ الطَّوَاغِيتِ وَذَهَابُ مُلْكِهِمْ أَسْرَعَ مِنْ سِلْكٍ مَنْظُومٍ انْقَطَعَ فَتَبَدَّدَ ، وَمَا كَانَ ذَلِكَ الَّذِي أَصَابَهُمْ يَا حُمْرَانُ لِذَنْبٍ اقْتَرَفُوهُ وَلَا لِعُقُوبَةِ مَعْصِيَةٍ خَالَفُوا اللهَ فِيهَا ، وَلَكِنْ لِمَنَازِلَ وَكَرَامَةٍ مِنَ اللهِ أَرَادَ أَنْ يَبْلُغُوهَا فَلَا تَذْهَبْ بِكَ الْمَذَاهِبُ فِيهِمْ » (١).

و « تَقَضَّى البازي » أي انقض ، وأصله تقضض فلما كثرت الضادات أبدلت إحداهن ياء.

( قطا )

فِي الْحَدِيثِ : « الْعَبَاءَةُ الْقَطَوَانِيَّةُ ». بالتحريك وهي عباءة بيضاء قصيرة الخمل ، نسبة إلى قَطَوَان موضع بالكوفة ، منه الأكسية الْقَطَوَانِيَّةُ.

وفيه « الْقَطَاةُ » بالفتح والقصر واحده الْقَطَا ، وهو ضرب من الحمام ذوات أطواق يشبه الفاختة والقماري.

وفي المثل « أهدى من الْقَطَا » قيل : إنه يطلب الماء مسيرة عشرة أيام وأكثر من فراخها من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فترجع ، ولا تخطئ صادرة ولا واردة.

وفِي الْحَدِيثِ : « مَنْ بَنَى مَسْجِداً كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ فَكَذَا » (٢). يريد المبالغة في الصغر لا الحقيقة. والْقَطَا ثلاثة أضرب : كدري وجوني وغطاط ، فالكدري الغبر الألوان الرقش الظهور والبطون الصفر الحلوق وهو ألطف من الجوني ـ قاله الجوهري (٣).

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٢٤.

(٢) من لا يحضر ج ١ ص ١٥٢.

(٣) انظر الصحاح ( كدر ).

٣٤٧

( قعا )

فِي الْحَدِيثِ نَهَى عَنِ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (١). وهو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين ـ قاله الجوهري ، وهذا تفسير الفقهاء ، فأما أهل اللغة فَالْإِقْعَاءُ عندهم أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويتساند إلى ظهره ، من « أَقْعَى الكلب » إذا جلس على استه مفترشا رجليه وناصبا ساقيه ـ انتهى. ونقل في الذكرى عن بعض الأصحاب أنه عبارة عن أن يقعد على عقبيه ويجعل يديه على الأرض ، وهذا لا يوافق ما ذكره ابن الأثير في تفسيره حيث قال : الْإِقْعَاءُ في الصلاة أن يلصق الرجل أليتيه إلى الأرض وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب ـ انتهى

وَفِي الْخَبَرِ : « أَكَلَ مُقْعِياً ». أي كان يجلس عند الأكل على وركيه مستوفرا غير متمكن ولا مستكثر من الأكل ليرد الجوعة ويشتغل بمهماته.

وَفِي خَبَرِ النَّبِيذِ : هَكَذَا يُؤْخَذُ التَّمْرُ فَيُنَقَّى وَيُلْقَى عَلَيْهِ الْقَعْوَةُ. بالقاف والعين المهملة قَالَ : وَمَا الْقَعْوَةُ؟ قَالَ : « الدَّاذِيُ » بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ بَعْدَ أَلِفٍ قَالَ : وَمَا الدَّاذِيُّ؟ قَالَ : حَبٌّ يُؤْتَى بِهِ مِنَ الْبَصْرَةِ فَيُلْقَى فِي هَذَا النَّبِيذِ ، وَفِي خَبَرٍ آخَرَ فَقَالَ : مَا الدَّاذِيُّ؟ فَقَالَ : ثُفْلُ التَّمْرِ (٢).

( قفا )

قوله تعالى : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) [ ١٧ / ٣٦ ] أي لا تتبع ما لا تعلم ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ ) ـ الآية.

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ (٣) : « يُسْأَلُ السَّمْعُ عَمَّا سَمِعَ وَالْبَصَرُ عَمَّا نَظَرَ وَالْفُؤَادُ

__________________

(١) في الكافي ج ٣ ص ٣٣٦ عن أبي عبد الله (ع) : لاتقع بين السجدتين إقعاء.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٤١٦.

(٣) هو أبو الجارود زياد بن المنذر الكوفيّ ، انظر ترجمته في الكنى والألقاب ج ١ ص ٣٢ ، والحديث موجود في تفسير عليّ بن إبراهيم ص ٣٨٢ بلا نسبته إلى أبي الجارود.

٣٤٨

عَمَّا اعْتَقَدَ ».

وَفِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ (ص) « لَا تَزُولُ قَدَمُ عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ اللهِ حَتَّى يَسْأَلَهُ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ : عُمُرِكَ فِيمَا أَفْنَيْتَهُ ، وَجَسَدِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَهُ ، وَمَالِكَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ وَأَيْنَ وَضَعْتَهُ ، وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ » (١).

قوله تعالى : ( قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا ) [ ٥٧ / ٢٧ ] أي أتبعنا ، وأصله « من القفا » تقول : قَفَوْتُ أثره قَفْواً من باب قال : تبعته ، وقَفَّيْتُ على أثره بفلان بالتشديد : أتبعته إياه ، ومنه « الكلام الْمُقَفَّى » و « قَوَافِي الشعر ».

واقْتَفَاهُ أي اختاره واقتفى أثره.

وَفِي الْخَبَرِ : « فَلَمَّا قَفَّى الرَّجُل » بِالتَّشْدِيدِ قَالَ : « إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ ». والمراد به إن صح أبو جهل لما مر من تسميتهم العم أبا.

و « الْقَفَا » مقصور : مؤخر العنق يذكر ويؤنث ، والجمع « قفي » على فعول ، وفي الكثرة على أقفاء وأقفية.

وَفِي الْخَبَرِ : « يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ ». وفسرت الْقَافِيَةُ بالقفاء أو مؤخر الرأس أو وسطه ، والمراد تثقيله في النوم وإطالته ، فكأنه قد شد عليه شدا وعقده ثلاثا.

( قلى )

قوله تعالى : ( ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى ) [ ٩٣ / ٣ ] أي ما تركك وما بغضك ، من قَلَيْتُهُ أَقْلِيهِ قِلًى : إذا بغضته.

ومنه « قَالِينَ » أي مبغضين.

وَفِي الْحَدِيثِ : « اخْبُرْ تَقْلِهِ » (٢). من الْقِلَى بالكسر والقصر ، أو الْقَلَاءِ بالفتح والمد : البغض ، أي لا تغتر بظاهر من تراه

__________________

(١) انظر التفسير ص ٣٨٢.

(٢) في النهاية ٤ / ١٠٥ : وفي حديث أبي الدرداء » وجدت الناس أخبر تقله ». وانظر نهج البلاغة ٣ / ٢٥٧.

٣٤٩

فإنك إذا اختبرته بغضته ، والهاء فيه للسكت.

ومثله قَوْلُهُ : « جَرِّبِ النَّاسَ فَإِنَّكَ إِذَا جَرَّبْتَهُمْ قَلَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَهُمْ لِمَا يَظْهَرُ لَكَ مِنْ مَوَاطِنِ سَرَائِرِهِمْ ». لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر ، أي من جربهم وخبرهم أبغضهم وتركهم.

وقَلَيْتُ اللحم قَلْياً وقَلَوْتُهُ قَلْواً من بابي ضرب وقتل ، وهو الإنضاج في الْمِقْلَى.

والْمِقْلَاةُ والْمِقْلَى بالكسر والقصر : الذي يقلى عليه اللحم وغيره.

( قما )

« الْقَمَاءُ » ممدود : الحقارة والذل ، ومنه الْحَدِيثُ : « دُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ ».

وَحَدِيثُ أَبِي الْحَسَنِ (ع) وَقَدْ رَكِبَ بَغْلَةً « تَطَأْطَأَتْ عَنْ سَوَاءِ الْخَيْلِ وَتَجَاوَزَتْ قُمُوءَ الْعَيْرِ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا ».

( قنا )

قوله تعالى : ( أَغْنى وَأَقْنى ) [ ٥٣ / ٤٨ ] أي جعل لهم قنية أي أصل مال.

قوله تعالى : قِنْوانٌ [ ٦ / ٩٩ ] هو جمع « قنو » وهي عذوق النخل ، وقِنْوَانٌ لفظ مشترك بين التثنية والجمع ، ويجمع على أَقْنَاءٍ أيضا.

وفي الحديث ذكر الْقَنَاةُ ، وهي كالحصاة واحدة الْقَنَى كالحصى ، وهي الآبار التي تحفر في أرض متتابعة ليستخرج ماؤها ويسبح على الأرض ، ويجمع أيضا على قَنَوَاتٍ ، وقُنِيٌ على فعول ، وقِنَاءٌ مثل جبال.

ومنه الْحَدِيثُ : « فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْقُنِيُ الْعَشْرُ ».

وكذلك الْقَنَاةُ واحدة الْقَنَا بالقصر وهي الرمح تجمع على هذه الجموع.

و « قَنَّيْتُ القنا » بالتشديد احتفرتها.

والْقَنَاةُ : واد بالمدينة ، يقال : « فيه وادي قناة » وهو غير منصرف.

وأحمر قَانٍ : شديد الحمرة ، ومثله : « لحية قَانِيَةٌ ».

و « أَقْنَى الرجل بالحناء » أي حمر لحيته بها خضابا ، ومنه قنى الرجل لحيته بالخضاب تقنية.

و « المرأة الْمُقَنِّيَةُ » قيل : الماشطة التي

٣٥٠

تتولى خضاب النساء وخدمتهن.

وَفِي الْحَدِيثِ : « يَا أُمَّ عَطِيَّةَ إِذَا قَنَّيْتِ الْجَارِيَةَ فَلَا تَغْسِلِي وَجْهَهَا بِالْخَزَفِ ».

وقَنَوْتُ الغنم وغيرها قُنْوَةً وقِنْوَةً بالضم والكسر ، وقَنَيْتُ أيضا قُنْيَةً وقِنْيَةً بالضم والكسر : إذا أقنيتها لنفسك لا للتجارة.

ومال قُنْيَانٌ وقِنْيَانٌ بالضم والكسر : ما يتخذ قنية.

وقَنَوْتُ الشيء أَقْنُوهُ قَنْواً من باب قتل وقِنْوَةً بالكسر : جمعته.

واقْتِنَاءُ المال : جمعه.

وقَنِيتُ الحياء بالكسر قُنْيَاناً بالضم ، أي لزمته.

ومنه قول عنترة (١) :

فأقني حياءك لا أبا لك واعلمي

أني امرؤ سأموت أن لم أقتل

و أَقْنَاهُ الله : أعطاه الله.

وأَقْنَاهُ أيضا : أرضاه.

والْقَنَا بالقصر : احديداب في وسط الأنف ، وقيل : الْقَنَا في الأنف طوله ورقة أرنبته مع حدب في وسطه ، ومنه « رجل أَقْنَى الأنف ».

ومنه الْخَبَرُ : « كَانَ (ص) أَقْنَى الْعِرْنِينِ » (٢).

( قوا )

قوله تعالى : ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ) [ ٥٣ / ٥ ] هو بالضم جمع قوة مثل غرفة وغرف ، والمراد به جبرئيل.

قوله تعالى : ( فَخُذْها بِقُوَّةٍ ) [ ٧ / ١٤٥ ] أي بعزيمة وجد واجتهاد.

قوله تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) [ ٨ / ٦٠ ] أي من سلاح وعدة وخيل ، وروي أنه الرمي.

قوله تعالى : ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ

__________________

(١) هو ( عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قواد بن مخزوم بن ربيعة ) انظر ترجمته وإخباره في الأغاني ج ٧ ص ١٤٧ ـ ١٥٣ ، والبيت في ديوانه ص ١٢٠.

(٢) مكارم الأخلاق ص ١٠.

٣٥١

الْقَوِيُ الْأَمِينُ ) [ ٢٨ / ٢٦ ] وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهَا : يَا بُنَيَّةُ هَذَا قَوِيٌ قَدْ عَرَفْتِيهِ بِرَفْعِ الصَّخْرَةِ وَالْأَمِينُ مِنْ أَيْنَ عَرَفْتِيهِ؟ قَالَتْ : يَا أَبَتِ إِنِّي مَشَيْتُ قُدَّامَهُ فَقَالَ : امْشِي مِنْ خَلْفِي فَإِنْ ضَلَلْتُ فَأَرْشِدِينِي إِلَى الطَّرِيقِ فَإِنَّا قَوْمٌ لَا نَنْظُرُ فِي أَدْبَارِ النِّسَاءِ (١).

قوله تعالى : ( مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ ) [ ٥٦ / ٧٣ ] أي للمسافرين سموا بذلك لنزولهم الْقَوَاءُ أي القفر ، ويقال : « الْمُقْوِينَ » الذين لا زاد لهم.

و ( الْقَوِيُ ) من أسمائه تعالى ، ومعناه الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال بخلاف المخلوق المربوب.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُ خَيْرٌ مِنَ الضَّعِيفِ ». الْقَوِيُ الذي قوى في إيمانه ، بأن يكون له قوة وعزيمة وقريحة في أمور الآخرة ليكون أكثر جهادا أو صبرا على الأذى والمشاق في الله وأرغب في العبادات.

وقَوِيَ على الأمر : أطاقه ، وبه قُوَّةٌ أي طاقة. وقَوِيَ يَقْوَى فهو قَوِيٌ ، والجمع قوًى ، وجمع قَوِيٍ أَقْوِيَاءُ ، والاسم الْقُوَّةُ.

والْقُوَى العقلية ـ على ما نقل أهل العرفان ـ أربعة :

( منها ) القوة التي يفارق فيها البهائم ، وهي القوة الغريزية التي يستعد بها الإنسان لإدراك العلوم النظرية ، فكما أن الحياة تهيىء الجسم للحركات الاختيارية والإدراكات الحسية فكذا القوة الغريزية تهيىء الإنسان للعلوم النظرية والصناعات الفكرية.

و ( منها ) قوة بها تعرف عواقب الأمور فتقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة وتتحمل المكروه العاجل لسلامة الآجل فإذا حصلت هذه القوى سمي صاحبها عاقلا من حيث إن إقدامه بحسب ما يقتضيه النظر في العواقب لا بحكم الشهوة العاجلة والْقُوَّةُ الأولى بالطبع والأخيرة بالاكتساب وإلى ذلك أَشَارَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بِقَوْلِهِ

__________________

(١) تفسير عليّ بن إبراهيم ص ٤٨٧.

٣٥٢

« رَأَيْتُ الْعَقْلَ عَقْلَيْنِ فَمَطْبُوعٌ وَمَسْمُوعٌ فَلَا يَنْفَعُ مَسْمُوعٌ إِذَا لَمْ يَكُ مَطْبُوعٌ كَمَا لَا تَنْفَعُ الشَّمْسُ وَضَوْءُ الْعَيْنِ مَمْنُوعٌ ».

و ( منها ) قوتان أخراوتان : إحداهما ما يحصل بها العلم بأن الاثنين أكثر من الواحد ، والشخص الواحد لا يكون في مكانين ، فيقال لها التصورات والتصديقات الحاصلة للنفس الفطرية. والأخرى التي يحصل بها العلوم المستفادة من التجارب بمجاري الأحوال ، فمن اتصف بها يقال إنه عاقل في العادة ، والأولى منهما حاصلة بالطبع والأخرى بالاكتساب كالأولتين كما قرر في محله. وسيجيء مزيد بحث في هذا المقام في نفس إن شاء الله.

وأَقْوَتِ الدار : خلت ، وقَوِيَتْ مثله.

وَفِي الدُّعَاءِ : « إِنَّ مَعَادِنَ إِحْسَانِكَ لَا تَقْوَى ». أي لا تخلو ، يريد به الإعطاء والإفضال.

وَفِي الْخَبَرِ : إِنَّا قَدْ قَوِينَا فَأَعْطِنَا مِنَ الْغَنِيمَةِ ». أي قد نفدت أزوادنا وجعنا ولم يكن عندنا شيء نقتات به.

و « الْقَوَاءُ » بالفتح والمد : الفقر ، و « بات الْقَوَاءَ » أي بات جائعا.

والْإِقْوَاءُ في الشعر : اختلاف حركات الروي فبعضه مرفوع وبعضه منصوب ومجرور.

والْقِيُ بالكسر والتشديد من القوى وهي الأرض القفر الخالية.

ومنه مَا فِي حَدِيثِ زَيْنَبَ الْعَطَّارَةِ : « هَذِهِ الْأَرْضُ بِمَنْ عَلَيْهَا كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ قِيٍ ».

( قها )

الْقَهْقَهَةُ جاءت في الحديث (١) يقال : قَهَ « قَهّاً » من باب ضرب : ضحك وقال في ضحكه : « قه » بالسكون ، فإذا كرر قيل قَهْقَهَ « قَهْقَهَةً » كدحرج دحرجة.

و « الْقَهَاةُ » اسم بلد ومنه الثوب

__________________

(١) في الكافي ج ٣ ص ٣٦٤ عن سماعة قال : سألته عن الضحك هل يبطل الصلاة؟ قال : أما التبسم فلا يقطع الصلاة وأما القهقهة فهي تقطع الصلاة.

٣٥٣

الْقَهَوِيُ والجراب الْقَهَوِيُ. والْقَهْوَةُ : الخمر. قال الجوهري : سميت بذلك لأنها تُقْهِي ، أي تذهب بشهوة الطعام.

( قيا )

فِي الْحَدِيثِ : « الرَّاجِعُ فِي هِبَتِهِ كَالرَّاجِعِ فِي قَيْئِهِ » (١).

الْقَيْءُ بالفتح والهمز : ما يخرج من الفم من الغذاء بعد ما يدخل في الجوف ، يقال : قَاءَ يَقِيءُ قَيْئاً من باب باع : إذا خرج منه ما أكله ، وتَقَيَّأَ : تكلف الْقَيْءَ.

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَيْسَ فِي الْقَيْءِ وُضُوءٌ » (٢).

وفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ : مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَقَيَّأَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.

باب ما أوله الكاف

الكاف المفردة جاءت لمعان :

للتشبيه وهو كثير.

والتعليل كقوله تعالى : ( وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ ) [ ٢٨ / ٨٢ ] ( كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً ) [ ٢ / ١٥١ ] أي لأجل إرسالي فيكم رسولا منكم ـ قاله الأخفش ( وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ ) [ ٢ / ١٩٨ ].

والاستعلاء ذكره الأخفش والكوفيون مستشهدا بقول بعضهم وقد قيل له : كيف أصبحت؟ فقال : كَخَيْرٍ ، أي على خير ، وقيل : المعنى بخير ولم يثبت ، وقيل للتشبيه على حذف مضاف أي كصاحب خير ، وقوله : « كن كَمَا أنت » على أن المعنى على ما أنت عليه.

وللنحويين هنا أعاريب :

( أحدها ) أن ما موصولة وأنت مبتدأ حذف خبره.

( الثاني ) أنها موصولة وأنت خبر حذف

__________________

(١) الاستبصار ج ٤ ص ١٠٩ وفيه « من رجع » بدل « الراجع ».

(٢) الإستبصار ج ١ ص ٨٣.

٣٥٤

مبتدؤه ، أي كالذي هو أنت ، وقد قيل بذلك في قوله تعالى : ( اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ) [ ٧ / ١٣٨ ] أي كالذي هو لهم آلهة.

( الثالث ) أن ما زائدة ملغاة والكاف جارة كما في قوله :

وننصر مولانا ونعلم أنه

كما الناس مجروم عليه وجارم

 و « أنت » ضمير مرفوع أنيب عن المجرور.

( الرابع ) ما كافة وأنت مبتدأ حذف خبره ، أي عليه أو كائن.

( الخامس ) ما كافة أيضا وأنت فاعل والأصل كما كنت.

وقد تكون الكاف للتوكيد ، وهي الزائدة نحو ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) [ ٤٢ / ١١ ] قاله الأكثرون ، إذ لو لم تقدر زائدة صار المعنى ليس مثل مثله شيء فيلزم المحال ، وهو إثبات المثل.

تنبيه

كثيرا ما تقع « كما » بعد الجملة صفة في المعنى ، فتكون نعتا لمصدر أو حالا من اسم مذكور ويحتملهما كما في قوله تعالى : ( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) [ ٢١ / ١٠٤ ] فإن قدرته نعتا لمصدر فهو إما معمول لـ ( نُعِيدُهُ ) أي نعيد أول خلق إعادة مثل ما بدأناه أو لنطوي أي نفعل هذا الفعل العظيم كفعلنا هذا الفعل ، وإن قدرته حالا فذو الحال مفعول ( نُعِيدُهُ ) أي نعيده مماثلا للذي بدأناه.

تتميم

الْكَافُ الغير الجارة نوعان : ضمير منصوب أو مجرور نحو ( ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ ) [ ٩٣ / ٣ ] وحرف معنى لا محل له ومعناه الخطاب ، وهي اللاحقة لاسم الإشارة نحو ذلك وتلك ، والضمير المنفصل المنصوب في قولهم إياك وإياكما ونحوهما ، ولبعض أسماء الأفعال نحو حيهلك ورويدك ، وأ رأيتك بمعنى أخبرني نحو ( أَرَأَيْتَكَ

٣٥٥

هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ ) [ ١٧ / ٦٢ ] فالتاء فاعل لكونها المطابقة للمسند إليه ـ كذا ذكره بعض النحويين.

( كأكأ )

« تَكَأْكَئُوا عليه » عكفوا عليه مزدحمين من التَّكَأْكُؤُ وهو التجمع.

( كبا )

فِي الْخَبَرِ : « لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ تَجْمَعُ الْأَكْبَاءَ فِي دُورِهَا ». وهو جمع كِبَا بالكسر والقصر : الكناسة.

وفِيهِ : « خَلَقَ اللهُ الْأَرْضَ السُّفْلَى مِنَ الزَّبَدِ الْجُفَاءِ وَالْمَاءِ الْكُبَاءِ » (١). أي العالي العظيم.

وكَبَا لوجهه يَكْبُو كَبْواً : سقط ، فهو كَابٍ وكَبَوْتُ الكوز وغيرها : إذا صب ما فيه

( كدا )

قوله تعالى : ( أَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى ) [ ٥٣ / ٣٤ ] أي قطع عطيته ويئس من خيره ، مأخوذ من « كُدْيَةِ الركية » وهو أن يحفر الحافر فيبلغ الكدية وهي الصلابة من حجر أو غيره فلا يعمل معموله شيئا فييأس.

ومنه الْحَدِيثُ : « لَمَّا حَفَرَ مَرَّ بِكُدْيَةٍ ».

والجمع كُدَى مثل مدية ومدى. قال في المصباح : وبالجمع سمي موضع بأسفل مكة ، وقيل : فيه ثنية كدى فأضيف إليه للتخصيص ويكتب بالياء ويجوز بالألف اعتبارا باللفظ ، وكذا بالفتح والمد ، والثنية العليا بأعلى مكة عند المقبرة ولا ينصرف للعلمية والتأنيث ، وتسمى تلك الناحية المعلى بالقرب من الثنية السفلى موضع يقال له « كُدَيٌ » مصغرا وهو على طريق الحاج من مكة إلى اليمن ـ كذا قيل.

وَفِي الْخَبَرِ : « دَخَلَ ـ يَعْنِي رَسُولَ اللهِ ص عَامَ الْفَتْحِ مَكَّةَ مِنْ كَدَاء وَدَخَلَ فِي الْعُمْرَةِ مِنْ كُدًى ». وقد روي بالشك فيهما أي في الدخول والخروج.

وَفِي الدُّعَاءِ : « وأَكْدَى الطَّلَبُ ». أي تعسر وتعذر وانقطع.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ص.

٣٥٦

وَفِي حَدِيثِ وَصْفِ الْإِنْسَانِ : « إِنْ قِيلَ أَثْرَى قِيلَ أَكْدَى ». يعني لا تصفو له الدنيا بل يختلط همه بسروره وغناه بفقره ومن كلامهم : « أَكْدَى الرجل » إذا قل خيره.

وأَكْدَى أي قطع العطاء ، وأَكْدَيْتُ الرجل عن الشيء : رددته عنه.

وأرض كَادِئَةٌ بالهمز : بطيئة الإنبات

( كذا )

كناية عن مقدار الشيء وعدته ، فينصب ما بعده على التمييز يقال : اشترى كذا وكذا عبدا ، ويكون كناية عن أشياء يقال : فعلت كذا وقلت كذا. والأصل « ذا » ثم دخل عليه كاف التشبيه بعد زوال معنى الإشارة والتشبيه وجعل كناية عن ما يراد به وهو معرفة.

قال ابن هشام : ويرد كذا على ثلاثة أوجه :

( أحدها ) أن تكون كلمتين باقيتين على أصلهما وهما كاف التشبيه وذا الإشارة ، تقول رأيت زيدا فاضلا ورأيت عمرا كذا.

( الثاني ) أن تكون كلمة واحدة مركبة من كلمتين يكنى بها عن غير عدد كما جاء فِي الْحَدِيثِ أَنْ يُقَالَ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَتَذْكُرُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا.

( الثالث ) أن تكون كلمة واحدة مركبة مكنى بها عن العدد ، فتوافق كائن في أربعة أمور : التركيب ، والبناء ، والإبهام ، والافتقار في التمييز. وتخالفها في ثلاثة : ( أحدها ) أنها ليس لها صدر الكلام ( الثاني ) أن مميزها واجب النصب فلا يجوز جره بمن اتفاقا ولا بالإضافة خلافا للكوفيين ، ولهذا قال فقهاؤهم إنه يلزم بقول القائل له عندي كَذَا درهم مائة وبقوله كَذَا دراهم ثلاثة وبقوله كَذَا وكَذَا درهما أحد عشر وبقوله كَذَا درهما عشرون وبقوله كَذَا وكَذَا درهما أحد وعشرون حملا على نظائرهن من العدد الصريح ( الثالث ) لا تستعمل غالبا إلا معطوفا عليها.

٣٥٧

( كري )

فِي الْحَدِيثِ : « أَرْبَعَةُ لَا يُقَصِّرُونَ : الْمُكَارِيّ ، وَالْكَرِيُ » (١). الْمُكَارِيّ بضم الميم من باب قاتل : فاعل المكاراة وهو من يكري دوابه ، والجمع مكارون والْكَرِيّ بالفتح على فعيل المكتري فعيل بمعنى مفتعل وإن جاء لمكري الدواب أيضا كما يقتضيه ظاهر العطف وإصالة عدم الترادف. قال ابن إدريس في سرائره : الْكَرِيّ من الأضداد ، ونقل عن الأنباري في كتاب الأضداد يكون بمعنى المكاري ويكون بمعنى المكتري ـ انتهى ، وقد جاء في المصباح وغيره بهذا المعنى.

والْكِرْوَةُ والْكِرَاءُ بالكسر : أجرة المستأجر ، وهو مصدر في الأصل.

وفي كلامهم : أعط الْكَرِيَ كِرْوَتَهُ أي كراه وأجرته.

وَفِي الْحَدِيثِ : « يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْبِسَ الْفُسَّاقَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْجُهَّالَ مِنَ الْأَطِبَّاءِ وَالْمَفَالِيسَ مِنَ الْأَكْرِيَاءِ ». كأنه يعني الذين يدافعون ما عليهم من الحقوق.

وأَكْرَيْتُ الدار فهي مكراة واسْتَكْرَيْتُ وتَكَارَيْتُ بمعنى.

ومنه حَدِيثُ الْبِئْرِ الْمُتَغَيِّرَةِ بِالنَّجَاسَةِ : « يَتَكَارَى عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ ».

وكَرَيْتُ النهر كَرْياً من باب ضرب ورمى : حفرت فيه حفرة جديدة.

وكَرَيْتُ الأرض وكَرَوْتُهَا : إذا حفرتها ومنه الْحَدِيثُ : « كَرَى جَبْرَئِيلُ خَمْسَةَ أَنْهَارٍ وَلِسَانُ الْمَاءِ يَتْبَعُهُ الْفُرَاتُ وَدِجْلَةُ وَنِيلُ مِصْرَ وَمِهْرَانُ وَنَهْرُ بَلْخٍ ».

و « الكروان » بفتح الكاف والراء : طائر طويل الرجلين أغبر يشبه البطة له صوت حسن لا ينام الليل ، سمي بضده من الكرى ، والأنثى كَرَوَانَةٌ ، وجمعه كِرْوَانٌ كقنوان.

« الْكُرَةُ » بالضم التي يلعب بها الصبيان مع الصولجان ، واللام محذوفة عوض عنها الهاء ، قيل أفصح من الأكرة والجمع كُرَاتٌ.

__________________

(١) الإستبصار ج ١ ص ٢٣٢.

٣٥٨

ومنه قول بعضهم :

دنياك ميدان وأنت بظهرها

كرة وأسباب القضاء صوالج

( كسا )

أهل الْكِسَاءِ هم الخمسة الأشباح الذين نزلت فيهم آية التطهير.

و « الْكِسَاءُ » بالكسر والمد واحد الأكسية أصله « كساو » لأنه من كسوت يقال : كسوته ثوبا فاكتسى.

و « الْكُسْوَةُ » بالضم والكسر : اللباس والجمع كُسًى كمدى.

( كظا )

« كِظَا » بكسر الكاف بئر إلى جنبها بئر في بطن الوادي.

ومنه الْخَبَرُ : « أَتَى النَّبِيُّ (ص) كِظَاءَ قَوْمٍ بِالطَّائِفِ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ ».

( كفا )

قوله تعالى : ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) [ ١١٢ / ٤ ] أي نظيرا ومساويا ، من قولهم : « تَكَافَأَ القوم » إذا تساووا وتماثلوا. قال الشيخ أبو علي : قرأ نافع وحمزة وخلف « كف آ » ساكنة الفاء ومهموزة ، وقرأ حفص ( كُفُوَاً ) مضمومة الفاء مفتوحة الواو ، وقرأ الباقون « كُفُؤاً » بالهمزة وضم الفاء.

قوله تعالى : ( أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ ) [ ٣٩ / ٣٦ ] أي بمغن عبده ، من قولهم : كفى الشيء يكفي كفاية إذا حصل به الاستغناء عن غيره.

ومثله ( وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ ) [ ٣٣ / ٢٥ ] أي أغناهم عنه.

ومنه « اكتفيت بالشيء » أي استغنيت به.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ». أي تتساوى في الديات والقصاص من « التَّكَافُؤ » وهو الاستواء ، وكان أهل الجاهلية لا يرون دم الوضيع بواء لدم الشريف ، فإذا قتل الوضيع الشريف قتلوا العدد الكثير حتى جاء الإسلام وأخبرهم النبي ص بذلك.

والْأَكْفَاءُ : الأمثال ، ومنه قَوْلُهُ (ع) « بِحَضْرَةِ الْأَكْفَاءِ ».

٣٥٩

وَفِي وَصْفِهِ (ص) : « كَانَ إِذَا مَشَى تَكَفَّى تَكَفِّياً (١) ». أي تمايل إلى قدام ، هكذا روي غير مهموز والأصل الهمز ، وبعضهم يرويه مهموزا ، وقيل معناه يتمايل يمينا وشمالا ، وخطأه الأزهري بناء على أن معنى التَّكْفِيَةِ الميل إلى سنن ممشاة كما دل عليه قوله فيما بعد : « كأنما ينحط من صبب » ولأن التمايل يمينا وشمالا من الخيلاء وهو مما لا يليق بحاله.

و « الْكَفَاءَةُ » بالفتح والمد : تساوي الزوجين في الإسلام والإيمان ، وقيل : يعتبر مع ذلك يسار الزوج بالنفقة قوة وفعلا ، وقيل بالإسلام ، والأول أشهر عند فقهاء الإمامية.

وكَفَأْتُ الإناء وأَكْفَأْتُهُ : إذا كببته وإذا أملته.

ومنه حَدِيثُ`الْهِرَّةِ : « كَانَ يُكْفِئُ لَهَا الْإِنَاءَ لِتَشْرَبَ مِنْهُ بِسُهُولَةٍ ».

وَفِي حَدِيثِ الْوُضُوءِ : فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ بِالْمَاءِ فَأْكَفَأَهُ بِيَدِهِ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى. أي قلبه عليها.

ومنه : « أَكْفِئُوا الْآنِيَةَ حَتَّى لَا يَدِبَّ عَلَيْهَا دَبِيبٌ ».

وانْكَفَأَتْ بهم السفينة : انقلبت.

وَفِي حَدِيثِ الْغَيْبَةِ : « ولَتُكْفَؤُنَ كَمَا تُكْفَأُ السَّفِينَةُ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ (٢) ».

وكَافَأْتُهُ على ما كان منه مُكَافَأَةً وكِفَاءً : جازيته ، ويقال : كافيته بالياء ، ومنهما « المكافاة بين الناس ».

وَفِي وَصْفِهِ (ع) : « لَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ ».

أي ممن صح إسلامه حين يقع ثناؤه عليه ، وأما من استشعر نفاقا وضعفا في ديانته ألقى ثناءه عليه ولم يحفل به واسْتَكْفَأْتُ به فلانا إبله فَأَكْفَأْنِيهَا ، أي أعطاني لبنها ، والاسم الْكُفَاءَةُ بالضم والفتح.

وكَفَاهُ مؤنته كِفَايَةً أي لم يحوجه إليها.

و « كَفْيُكَ » بتسكين الفاء أي حسبك

( كلا )

قوله تعالى : ( قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ ) [ ٢١ / ٤٢ ] أي من يحفظكم منه من كَلَأَهُ يَكْلَؤُهُ مهموز

__________________

(١) مكارم الأخلاق ص ٢١.

(٢) الكافي ١ / ٣٣٦ ، وفيه « السفن ».

٣٦٠