مجمع البحرين - المقدمة

مجمع البحرين - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٩٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

أما بعد :

فإن من دواعى السرور أن أعود ـ بعد أعوام طويلة ـ إلى كتاب « مجمع البحرين ومطلع النيرين » لمؤلفه الفقيه المفسّر الأديب اللغوى الشيخ فخر الدين الطريحى النجفى المتوفى سنة ١٠٨٧ ه‍.

لقد فكرت أبان عملى فى التأليف وتحقيق الكتب وتصحيحها ، أن أخدم الكتاب والسنّة بطبع هذا الكتاب وإخراجه إخراجا يليق به ، ووجدت الفكرة محبذة عند الإخوان العلماء وطلاب العلوم الدينية والمشتغلين بالقرآن الكريم والسنة الطاهرة.

أن الكتب المؤلفة فى المفردات اللغوية وغريب القرآن وغريب الحديث كثيرة جدا ، وقد سار مؤلفوها في ترتيب المواد وعرضها على أساليب شتى حسب أغراضهم العلمية أو أذواقهم الشخصية ، وفيها كتب تحتل المكانة الكبيرة من الأهمية في دسومة المادة ودقة النظم وجمال العرض ، كا يوجد فيها كتب ضحلة لا تستحق العناية.

ويمتاز « مجمع البحرين » بجمع المواد اللغوية ذات الأهمية إلى جانب الألفاظ الغريبة المستعملة في الكتاب والسنة الطاهرة المروية من طريق أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ، فهو كتاب لغة وكتاب غريب القرآن وكتاب غريب الحديث فى وقت واحد. بالإضافة إلى أنه يلمح إلى أسماء بعض الأنبياء والمحدثين والعلماء والملوك والشخصيات التاريخية الكبيرة والمواد غير اللغوية والتفسير وشرح الحديث والعقائد ، فهو دائرة معارف صغيرة تعين الطالب على التعرف بكثير من الموضوعات المتعلقة بالشيعة الأمامية.

١

فإذن من الضرورى أن يخرج الكتاب بحلة جديدة تناسب التقدم الطباعي فى العصر الحديث ، إذ كان فى طبعاته الحجرية السابقة مشوهاً لا يميز الكلام بعضه عن بعض ويفوت على القارئ الكريم كثير من الفوائد إذا لم يقع فى تصحيفات وتحريفات يبدل الموضوع بشىء بعيد عن المقصود.

كانت الخطوة الأولى للعمل في الكتاب الحصول على نسخ مخطوطة منه تعين على تصحيحه وتحقيقه ، وطال الفحص عن نسخة يطمئن إليها القلب ، ولكن عدت صفر اليدين آسفا على التراث الإسلامي الضائع أو الواقع تحت تصرف أناس جشعين لا يعرفون قيمة للعلم والثقافة.

أنبئت أن في حيازة بعض من ينتمي إلى آل الطريحى نسخة من الكتاب بخط المؤلف ، فتكرر الالتقاء به في بيته للاستفادة من تلك النسخة والمقابلة عليها ، ومع اعترافه بأنه يملك هكذا نسخة إلا أنه لم يأذن لي حتى مشاهدتها فكيف بالاستفادة منها.

وقيل لي إن فلانا الباحث يشتغل فى الكتاب ، فاتصلت به ورجوته أن يرينى نماذج من عمله ، فلم أفهم منه شيئا إلا ادعاء أنه رتّب الكتاب فى اثنتى عشرة ألف بطاقة وحقّقها تحقيقا علميّا يفوق عمل كل المحققين والعلماء و ...

أودّ أن أسرد للقارئ الكريم القصة الطويلة التالية ، لكى يعرف بعض ما مني به العلم والكتب العلمية نتيجة للجهل والبعد عن الروح العلمية والدينية :

حدثنى أحد العلماء أنه رأى نسخة مصححة من كتاب « مجمع البحرين » عند فلان الهاوى للمخطوطات ، وكنت أعرف صاحب النسخة أنه بخيل لا يكاد أحد يرى مكتبته ، فذهبت إلى بيته كزائر مستفسر عن صحّته. وبعد أن تحدث طويلا عما يملك من النفائس والنوادر والفخر بوجودها فى ضمن مكتبته ، طلبت إليه أن يرينى مكتبته ويطلعنى على عدد من المخطوطات التى يملكها. وبعد إلحاح شديد أحابنى إلى ذلك مشترطا علي أن لا أمدّ يدى إلى الكتب ، بل أقف عند باب الغرفة حتى يأتي هو بما يحب إراءته.

٢

ذهبنا معا إلى الطابق الأعلى من البيت وأوقفني عند باب غرفة المكتبة وجعل يأتي بكتاب بعد كتاب وجعلت أتصفّحها بعجل علنى أجد بغيتي. كانت الكتب بحالة مزرية ، مبعترة على الأرض والرفوف ، علاها الغبار والتراب وأفسدت الأرضة جملة بها ، ورأيته يطأ عليها ذاهبا وعاتدا كأن لم يكن كتاب تحت رجليه.

أبصرت مخطوطا على الأرض كان له نصيب وافر من السحق ، فرجوته أن يأتينى به ، فلما فتحته وجدته الكتاب الذى أتيت من أجله إلى صاحبنا البخيل ، وقرأت سطورا من أوائله فإذا هو خلو من الأغلاط التي كنت أحفظها من النسخ المطبوعة ، ورأيت وقفية على الورقة الأولى مفادها أنه وقف على طلاب النجف الأشرف.

وضعت الكتاب على رفّ من الرفوف ، وعدت أدراجى إلى غرفة الاستقبال ، وانتهت زيارة المكتبة مع كل الأسف ...

ذكرت لهذا الإنسان عملي في الكتاب وأنني سأقوم بطبعه ونشره واودّ أن أستعين في التصحيح بنسخته ، فأبى أن يعيرني النسخة. أعلنت عن استعدادى بوضع مبلغ كبير تحت تصرفه كرهن حتى أعيد الكتاب سالما كما أخذته ، فأصر في الاباء والامتناع. طلبت منه أن يسمح لي بالمجىء إلى بيته ومقابلة الكتاب بمحضره ، ولكن اشتدّ إباؤه. وأخيرا قلت له إن الكتاب وقف على طلبة العلم وأنا من الطلبة وأحسن أنواع الاستفادة هو العمل الذى أقوم به ولا يجوز حبس الكتاب في هذه الفرصة العلمية ، فكان الجواب النفي البات.

خرجت من البيت مترحما على الواقف المسكين ولاعنا الحابس اللئيم ...

* * *

اتجهت إلى أسلوب آخر فى التصحيح وإخراج الكتاب ، وهو :

عرض المواد على كتب اللغة المهمة ، وتخريج كل الآيات وبعض الأحاديث ،

٣

والتعليق على طائفة من أسماء الأعلام الذين تذكر أسماؤهم فى المتن ، وشرح أسماء البلدان والامكنة إذا كانت تحتاج إلى شرح وتوضيح.

هذا الأسلوب لم يفد كل الإفادة في تقويم ما كان محرفا مصحفا ، ولكنه على كل حال خطوة لم نتمكن المزيد عليها آنذاك ، وطبع الكتاب فى ستة أجزاء بشكل حببه إلى العلماء والمعنيين إلى حد ما.

* * *

نفد الكتاب فى وقت قصير ، وتكرر الطلب بإعادة طبعه ونشره ، وكنت أرجئ ذلك إلى فرصة أتمكن فيها من تجديد النظر فيه وزيادة تصحيح وتنقيح.

واليوم ـ إذ أبعث هذا الأثر من جديد ـ ألفت الأنظار إلى أننى قمت بمقابلة المواد بالأصول اللغوية على كتب اللغة وأعربت الآيات الكريمة وضبطت الألفاظ التى يلتبس على القارئ ضبطها وزدت فى مواضع من الكتاب التعليق والشرح وقومت كثيرا مما صحف فى الطبعة السابقة.

قم ـ ١ ربيع الثانى ١٣٩٥ هـ

السيد احمد الحسينى

ترجمة المؤلف

آل الطريحى :

من الأسر العلمية العريقة فى النجف الأشرف الأسرة الشهيرة المعروفة ب « آل الطريحى » ، يقال إنهم نزحوا إلى النجف في منتصف القرن السادس الهجرى ، وكانت لهم في بعض الفترات سدانة المشهد العلوى والولاية العامة بتلك المدينة.

وتنسب هذه الأسرة إلى الشيخ طريح بن خفاجى ، ويذكر فى سبب تسميته بهذا الاسم : إن خفاجى قد أسقطت زوجته سبع مرات متوالية ، ولما حملت بالشيخ طريح

٤

نذر والده خفاجى إذا رزقه الله ولدا بعد تلك الإسقاط يسميه « طريحا » ولما ولدته سماه أبوه بهذا الاسم وفاءا بنذره ، فاشتهرت الأسرة بالانتساب إليه.

وقد نبغ من هذه الأسرة فريق كبير من العلماء والشعراء والأدباء والمؤلفين ، ولهم آثار جليلة تذكرنا بجهودهم في مختلف الأدوار التاريخية ، ولا يزال فيهم بعض الأدباء والمؤلفين الذين لهم نشاطات علمية ومؤلفات تدلّ على دأبهم في الأعمال الثقافية ومشاركتهم الفعالة فى انماء غرس العلم ونشره.

قال الشيخ محبوبه في كتابه « ماضى النجف وحاضرها » ٢ / ٤٢٧ :

« خدمت العلم والدين أعواما كثيرة وقرونا عدة ، لم يزل ذكرها باقيا ببقاء الأبد يخلدها ما لها من مساع ومؤلفات مشهورة منشورة ، لم يبق قطر من الأقطار ولا صُقْع من الأصقاع إلا ولها فيه شىء يذكر ، وهي من خيرة نتاج كلية النجف وأطيبها غرسا .. ولها الشأن والاعتبار لتقدمها في الهجرة ولكثرة النابغين فيها من فحول العلماء ، وقد مرّ على نشوئها أكثر من أربعة قرون لم يزل العلم مزدهراً برجالها .. وترجع بنسبها إلى بنى مسلم وهم احدى فصائل بني أسد القبيلة الشيعية الكبيرة الفراتية ».

وقال فى ص ٤٢٩ :

« وآل طريح يرجعون بنسبهم إلى البطل المحامى حبيب بن مظاهر الأسدى ، ورجوع نسبهم إلى حبيب أمر مستفيض مشهور ».

وقال الاب انستاس مارى الكرملى في مجلة لغة العرب المجلد السادس الجزء العاشر ص ١٤٣ :

« آل طريح بيت علم وفضل وأدب وتقى في النجف ، ومن أقدم أسرها وأشهرها وأعرقها في المجد والسؤدد ، إذا عد رجال العلم والإصلاح حتى الآن لا يعرف بيت فى النجف أعرق منه في المجد والفضل والشرف ، ينتهي نسب هذه الطائفة إلى حبيب

٥

ابن مظاهر الأسدى ، استشهد مع الإمام الحسين عليه‌السلام في واقعة كربلاء المشؤمة ، وسموا بجدهم طريح النجفي .. ».

نسب المؤلف :

العالم اللغوى الفقيه المحدث الشيخ فخر الدين بن محمد علي بن احمد بن علي بن أحمد بن طريح بن خفاجي بن فياض بن حيمة ( حميمة ) بن خميس بن جمعة بن سليمان بن داود بن جابر بن يعقوب الطريحى المسلمي العزيزى الأسدى الرماحي.

ويوجد عند المترجمين لأسرة الطريحى بعض الاختلاف فى سرد هذا النسب نلفت القارئ الكريم إلى ذلك للتشبت من شأنه في كتب التراجم والسير والأنساب.

« الطريحى » نسبة إلى الشيخ طريح بن خفاجى جد الأسرة.

و « المسلمي » نسبة إلى بني مسلم أحدى فصائل بني أسد لا تزال منازلهم حول الحلة.

و « العزيزى » نسبة الى آل عزيز أحد أفخاذ بنى مسلم.

و « الأسدى » نسبة إلى أسد بن ربيعة بن نزار ، وهو أبو قبيلة من ربيعة.

و « الرماحي » نسبة إلى مدينة الرماحية من مدن الفرات في ربوع خزاعة بالشامية على مقربة من النجف الأشرف اندرست في طغيان الفرات سنة ١١١٢ ه‍ وعفي أثرها.

مولده ونشأته العلمية :

ولد في النجف الأشرف سنة ٩٧٩ ه‍.

ونشأ نشأته العلمية في إحضان والده الكريم وعمه الشيخ محمد حسين الطريحى ، وأكب على العلم والدراسة عندهما حتى حصل على المراتب الجليلة من العلم والفضيلة

٦

والصفات النفسية العالية والملكات الشريفة الممتازة.

ليس لدينا تفاصيل دقيقة عن سيره العلمى وكيفية دراسته وقطعه الاشواط الثقافية ، ولكن يستكشف من آثاره الكثيرة المتعددة الجوانب أنه كان من المشتغلين المجدين الذين لا يضيعون فرصة العمر ، بل يقتبسون نور العلم فى حلّهم وترحالهم ويستضيئون من شعاع الثقافة فى كل الأحوال وعند كل فرصة.

فلو قرأت كتابه « غريب القرآن » وجدته مفسّرا محيطا بعلوم القرآن الكريم ، وإذا أمعنت النظر فى كتابه « غريب الحديث » رأيته محدثا متفننا فى الأحاديث المروية عن النبى وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام ، وإذا دققت الفكر فى كتابه « الضياء اللامع » و « شفاء السائل » و « الفخرية الكبرى » وغيرها رأيته فقيها متضلعا في أبواب الفقه ، وإذا طالعت كتابه « إيضاح الأحباب » وجدت تبحّره في العلوم الرياضية ، وهكذا إذا قرأت كتابيه « تمييز المعطوفات من الرجال » و « جامع المقال » وجدته رجاليا خبيرا بالتراجم وأحوال السابقين من الرواة والمحدثين ، أما إذا قرأت كتابه « مجمع البحرين » فإنك ترى العجب من اطلاع المترجم له وتضلعه في الفنون الإسلامية والعلوم المتداولة في عصره.

الزاهد الورع :

يكاد يتفق أرباب المعاجم في نعت شيخنا الطريحى ـ قدس‌سره ـ بالزهد والورع وشدة التمسك بالدين وتطبيق الأوامر الشرعية على نفسه وإعراضه عن الزخارف والبهارج الظاهرية وتحليه بالمكارم والأخلاق الفاضلة.

يقول عنه المولى عبد الله أفندى في كتابه المخطوط « رياض العلماء » :

« وكان رضي‌الله‌عنه أعبد أهل زمانه وأورعهم ، ومن تقواه أنه ما كان يلبس

٧

الثياب التي خيطت بالابريسم ، وكان يخيط ثيابه بالقطن ».

ووصفه المحدث الشيخ الحر العاملى فى كتابه « أمل الامل » بقوله :

« إنه فاضل زاهد ورع عابد فقيه شاعر جليل القدر ».

وذكره الشيخ حسن البلاغي النجفى في كتابه « تنقيح المقال » بأنه :

« كان أديبا فقيها محدثا عظيم الشأن جليل القدر رفيع المنزلة ، أورع أهل زمانه وأعبدهم وأتقاهم ».

وقال المحدث الجليل الشيخ عباس القمي في كتابه « الكنى والألقاب » :

« العالم الفاضل المحدث الورع الزاهد العابد الفقيه الشاعر الجليل .. كان أعبد أهل زمانه وأورعهم ».

إلى غير ذلك من الأقوال والكلمات التى تنم عن مكانته العالية في الروع والتقوى.

أسأتذته وشيوخه :

كانت أكثر تلمذته ودراسته على والده الشيخ محمد على الطريحى ، ويروى عنه أيضا بالإجازة.

كما تتلمذ على عمّه الشيخ محمد حسين الطريحى ، ويروى عنه بالإجازة.

ويروى عن الشيخ محمد بن جابر بن عباس النجفى عن والده عن الشيخ عبد النبى الجزائرى عن السيد محمد العاملي صاحب « المدارك ».

ويروى عن السيد الامين شرف الدين على الشولستاني عن الميرزا محمد الرجالى عن الشيخ ابراهيم الميسي عن والده نور الدين علي بن عبد العالي العاملي الميسى.

ويروى عن الشيخ محمود بن حسام الجزائرى عن الشيخ بهاء الدين العاملي.

٨