مجمع البحرين - ج ١

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ١

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٩٢

وكل متخرق فهو هَوَاءٌ.

قوله تعالى : ( وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى ) [ ٢٠ / ٨١ ] أي هلك ، وأصله أن يسقط من جبل كما قيل : « هَوَى من رأس مرقته » وهي الموضع المشرف ، أو سقط سقوطا لا نهوض بعده.

قوله تعالى : ( وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ ) [ ٦ / ١١٩ ] أي باتباع أهوائهم.

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ ) [ ٢٨ / ٥٠ ] يَعْنِي اتَّخَذَ دِينَهُ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى ـ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام (١).

قوله تعالى : ( وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى ) [ ٥٣ / ٥٣ ] قِيلَ : أَهْوَى بِهَا جَبْرَئِيلُ. ، أي ألقاها في هُوَّةٍ بضم هاء وتشديده أو مفتوحة وهي الوهدة العميقة ، وقِيلَ : رَفَعَهَا إِلَى السَّمَاءِ عَلَى جَنَاحِ جَبْرَئِيلَ (ع) ثُمَ أَهْوَاهَا إِلَى الْأَرْضِ. من هَوَى يَهْوِي : سقط من علو إلى سفل. والْهَوَى في السير : المضي فيه.

قوله تعالى : ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) [ ١٤ / ٣٧ ] أي تحن إلى ذلك الموضع فيكون في هذا أنس لذريته ، وقيل : معناه تنزل وتهبط إليهم لأن مكة في غور. قال المفسر : وأما قوله : ( تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) بفتح الواو فهو من هَوَيْتُ الشيء أَهْوَاهُ : إذا أحببته ، وإنما جاز تعديته بإلى لأن معنى هَوَيْتُ الشيء : ملت إليه ، فكأنه قال تميل إليهم ، وهو محمول على المعنى ، ومثله قوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) [ ٢ / ١٨٧ ] وإنما قال : ( أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ ) لأنه لو لا ذلك لازدحمت عليه فارس والروم ولحجت اليهود والنصارى والمجوس.

قوله تعالى : ( أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ ) [ ٢٢ / ٣١ ] أي عصفت به حتى هوت

__________________

(١) انظر البرهان ج ٣ ص ٢٢٩.

٤٨١

به في المطارح البعيدة.

قوله تعالى : ( كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ ) [ ٦ / ٧١ ] أي كالذي ذهبت به مردة الجن والغيلان في المهامة ، والِاسْتِهْوَاءُ استفعال من « هَوَى في الأرض » ذهب ، كأن المعنى طلبت هواه. قال المفسر : قرأ حمزة اسْتَهْوَاهُ بالألف من قولهم : « هَوَى من حالق » إذا تردى منه ، ويشبه به الذي زل عن الطريق المستقيم ، يقال : هَوَى وأَهْوَى غيره وهَوَيْتُهُ واسْتَهْوَيْتُهُ بمعنى ، ( اسْتَهْوَتْهُ ) في موضع نصب صفة لمصدر محذوف تقديره : أتدعون من دون الله مثل دعاء الذي اسْتَهْوَتْهُ الشيطان في الأرض حيران.

قوله تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ) [ ١٠١ / ٩ ] قيل « هَاوِيَةٌ » من أسماء جهنم وكأنها النار العميقة يَهْوِي أهل النار فيها مَهْوًى بعيدا ، أي فمأواه النار ، يقال للمأوى « أم » على التشبيه لأن الأم مأوى الولد ، وقيل : أم رأسه هَاوِيَةٌ في قعر جهنم لأنه يطرح فيها منكوسا.

وهَوَى النفس : ما تحبه وتميل إليه ، يقال : هَوِيَ بالكسر يَهْوَى هَوًى أي أحب ، ومنه قوله تعالى : ( تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ) [ ٢ / ٨٧ ].

وقوله تعالى : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ) [ ٤٥ / ٢٣ ] أي ما تميل إليه نفسه.

والْهَوَى مصدر هَوَاهُ : إذا أحبه واشتهاه ، ثم سمي الْمَهْوَي المشتهَى محمودا أو مذموما ثم غلب على غير المحمود ، وقيل : « فلان اتبع هَوَاهُ » إذا أريد به ذمه ، سمي بذلك لأنه يَهْوِي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الآخرة إلى الْهَاوِيَة.

« الْهَوَاءُ » ممدود : ما بين السماء والأرض ، والجمع أَهْوِيَةٌ ، وكل خال هَوَاءٌ ـ قاله الجوهري وغيره.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الْهَوَاءُ جِسْمٌ رَقِيقٌ

٤٨٢

تتكيف عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بِقَدْرِهِ ».

وأما « الْهَوَى » بالقصر من « هَوَى النفس » فجمعه أهواء ، والعمل به باطل شرعا ، وعليه

الْحَدِيثُ : « لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ بِهَوًى وَلَا رَأْيٍ وَلَا مَقَايِيسَ ».

قيل : العمل بِالْهَوَى طريقة من تقدم ، والعمل بالرأي طريقة من أخذ بالاجتهاد الذي لا يرجع إلى كتاب ولا سنة ، والعمل بالمقاييس العمل بالرأي أيضا ، فهو من عطف الخاص على العام.

ومنه : « الرَّجُلُ يَكُونُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ الْحَرُورِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ » ـ الحديث.

ومثله « أَهْوَاءٌ متشتتة » وإنما قال بلفظ الجمع تنبيها على أن لكل واحد من هؤلاء القوم هَوًى غير هَوَى الآخر. قال : هوى كل واحد لا يتناهى فيسلك كل منهم فجا غير فج الآخر ، ولا تتناهى حيرتهم وضلالتهم أبدا ، ولا تنفق كلمتهم.

وَفِي حَدِيثِ إِدْرَاكِ الْقَلْبِ : « وأَمَّا الْقَلْبُ فَإِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الْهَوَاءِ ». قيل : المراد من الْهَوَاءِ عالم الأجسام ، أي الْهَوَاءِ وما في حكمه من جهة الجسمية ، والمراد أن القلب متمكن من إدراك الأجسام ولا يتمكن من إدراك ما ليس بجسم ولا جسماني ، وتمكنه من إدراك عالم الأجسام على وجه التخييل والتمثيل.

وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِعَاذَةِ : « وأَعُوذُ بِكَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تُظْلِمُ الْهَوَاءَ ». وهي كما جاءت به الرواية السحر والكهانة والإيمان بالنجوم والتكذيب بالقدر وعقوق الوالدين.

وقولهم : « هَوَى هَوَى » أي هلك هلك ، ومنه : « كَمْ مِنْ دَنِفٍ نَجَا وَصَحِيحٍ قَدْ هَوَى ». أي مات وهلك.

وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ : « إِنَّمَا أَتَقَبَّلُ مِنَ الْعَبْدِ هَوَاهُ وَهِمَّتَهُ ». فسر الْهَوَى والهمّة بالنية وأن يكتب له ثواب الأعمال بنياته.

٤٨٣

و « أَهْوَى بيده إليه » أي مدها نحوه وأمالها إليه ، ومنه « أَهْوَيْتُ إلى الحِجْر » أي مددت إليه يدي ، و « أملتها » نحوه.

ويقال : أَهْوَى يده وبيده إلى الشيء ليأخذه.

وقوله : « يَهْوِي بها أبعد ما بين المشرق والمغرب » أبعد صفة مصدر ، أي هُوِيّاً ، أي سقوطا بعيد المبدإ والمنتهي.

وَفِي الْحَدِيثِ : « كَانَ يَهْوِي بِالتَّكْبِيرِ ». بفتح أوله وكسر ثالثه ، أي يحط ويسقط إلى أسفل ، ومنه « كَانَ يُكَبِّرُ ثُمَ يَهْوِي ».

والْمَهْوَي والْمَهْوَاةُ ما بين الجبلين ونحو ذلك.

و « تَهَاوَى القوم من الْمَهْوَاةِ » إذا سقط بعضهم في أثر بعض.

( هيا )

فِي الْحَدِيثِ : « الْخِضَابُ وَالتَّهْيِئَةُ مِمَّا يَزِيدُ اللهُ بِهِ فِي عِفَّةِ النِّسَاءِ وَلَقَدْ تَرَكَ النِّسَاءُ الْعِفَّةَ بِتَرْكِ أَزْوَاجِهِنَ التَّهْيِئَةَ » (١). المراد من التَّهْيِئَةِ إصلاح الرجل بدنه من إزالة الشعر والوسخ ووضع الطيب ونحو ذلك ، فإن الزوجة إذا رأت ذلك قصرت الطرف على زوجها فتعففت ، ولا يخشى عليها ترك العفة والإلحاق بالفواحش.

وأما قَوْلُهُ : « والتَّهْيِئَةُ وَضِدُّهَا الْبَغْيُ ». أراد بها هنا إطاعة من وجبت طاعته.

وتَهَيَّأْتُ للشيء : استعددت وأخذت له أهبة ، ومنه « تَهَيَّأَ للإحرام » ونحوه.

و « أمرت بِتَهْيِئَةِ الميت » أي بتجهيزه.

وَفِي الدُّعَاءِ : « اللهُمَّ مَنْ تَهَيَّأَ وَتَعَبَّأَ وَأَعَدَّ وَاسْتَعَدَّ ». قيل : كلهن نظائر ، فهي كالألفاظ المترادفة.

وهَيَّأْتُ الشيء : أصلحته ، ومنه « هَيَّأَ لحيته بين اللحيين » أي أصلحها

__________________

(١) جاء حديث بهذا المعنى في مكارم الأخلاق ص ٨٨.

٤٨٤

وجعلها متوسطة بين القصيرة والطويلة.

والْهَيْئَةُ : صورة الشيء وحالته الظاهرة ، ومنه « فلان حسن الْهَيْئَةِ » أي الشكل والصورة.

وَفِي حَدِيثِ أَوْلَادِ الْمُدَبَّرِ : « هُمْ مُدَبَّرُونَ كَهَيْئَةِ أَبِيهِمْ » (١). أي كحاله.

وفيه : « أما قول الرجل : يا هَيَاهْ ويا هَنَاهْ فإنما ذلك لطلب الاسم ولا أرى به بأسا ». قوله : « يا هَيَاهْ ويا هَنَاهْ » الأولى بالياء المثناة التحتانية ، والثانية بالنون.

وتَهَايَا القوم تَهَايَؤُ : إذا جعلوا لكل واحد هَيْئَةً معلومة ، والمراد النوبة.

وهايأته مُهَايَأَةً ، وقد تبدل للتخفيف فيقال : هَايَيْتُهُ مُهَايَاةً.

والْمُهَايَاةُ في كسب العبد أنهما يقسمان الزمان بحسب ما يتفقان عليه ويكون كسبه في كل وقت لمن ظهر له بالقسمة.

وعلم الْهَيْئَةِ معروف وهي بلا براهين ، والْهَيْئَةُ المبرهنة يعبر عنها بالمجسطي ، والبراهين الخالية عن الْهَيْئَةِ تسمى « أقليدس » ، ومثل لذلك بفقه الشافعية وفقه الحنفية وأصول الفقه ، فالأول فقه بلا علل ، والثاني فقه مع علل ، والثالث علل بلا فقه.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٨٥.

٤٨٥

باب ما أوله الياء

( يدا )

قوله تعالى : ( يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) [ ٤٨ / ١٠ ] قيل : أي يَدُ رسول الله تعلو أَيْدِيهِمْ إذ هو منزه عن صفات الأجسام ، وقيل ( فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) أي في الوفاء ، وقيل في الثواب ، وقيل ( يَدُ اللهِ ) في المنة عليهم ( فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) في الطاعة.

قوله تعالى : ( وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ ) [ ٥١ / ٤٧ ] أي بقوة ، كقوله : ( أُولِي الْأَيْدِي ) [ ٣٨ / ٤٥ ] بغير ياء ، أي القوة.

قوله تعالى : ( لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ ) [ ٣٨ / ٧٥ ] أي توليت خلقه بنفسي من غير واسطة ، ولما كان الإنسان يباشر أكثر أعماله بيديه غلب العمل بِالْيَدَيْنِ على سائر الأعمال التي بغيرها حتى قالوا في عمل القلب : « هذا بما عملت يَدَاكَ ».

وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا (ع) عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ ( ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ )؟ قَالَ (ع) : يَعْنِي بِقُدْرَتِي (١) وَقُوَّتِي. والتثنية للعناية فإن من اهتم بإكمال شيء باشره بيديه ، وبه يندفع أن يقال : إن إبليس أيضا مخلوق بقدرة الله تعالى إذ ليس له عناية ما لآدم (ع).

قَالَ الصَّدُوقُ : وَسَمِعْتُ بَعْضَ مَشَايِخِ الشِّيعَةِ يَذْكُرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْأَئِمَّةَ كَانُوا يَقِفُونَ عَلَى قَوْلِهِ : ( ما مَنَعَكَ أَنْ

__________________

(١) هذا الحديث إلى هنا مذكور في البرهان ج ٤ ص ٦٤.

٤٨٦

تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ ) ثُمَّ يَبْتَدِءُونَ بِقَوْلِهِ : ( بِيَدَيَ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ). قال : وهذا مثل قول القائل : بسيفي تقاتلني وبرمحي تطاعنني ، كأنه تعالى يقول : بنعمتي تقويت على الاستكبار والعصيان.

قوله تعالى : ( عَنْ يَدٍ ) [ ٩ / ٢٩ ] أعني مقدرة منكم عليهم وسلطان ، من قولهم : « يَدُكَ علي مبسوطة » أي قدرتك وسلطانك ، وقيل ( عَنْ يَدٍ ) عن قهر وذلة ، وقيل إنعام عليهم بذلك لأن أخذ الجزية منهم أنفسهم عليهم نعمة عليهم.

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ) [ ٤ / ٧٧ ] أَيْ أَلْسِنَتَكُمْ ـ كَذَا عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام (١).

قوله تعالى : ( وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ) [ ٥ / ٦٤ ] أي ممسكة عن الاتساع علينا ، كما قال : ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ ) [ ١٧ / ٢٩ ] أي لا تمسكها عن الإنفاق ، وقوله : ( غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ) أي غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ في جهنم ، أي شدت إلى أعقابهم ، وقوله : ( بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ ) رد عليهم ، أي ليس الأمر على ما وصفوه بل هو جواد ، وليس لذكر الْيَدِ هنا معنى غير إفادة معنى الجود ، وإنما قال : يَداهُ على التثنية مبالغة في معنى الجود والإنعام ، لأن ذلك أبلغ فيه من أن يقول : « بل يَدُهُ مبسوطة ». قال المفسر : ويمكن أن يراد ب « الْيَدِ » النعمة ، وتثنية النعمة لأنه أراد نعم الدنيا ونعم الآخرة.

قوله تعالى : ( لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَ وَأَرْجُلِهِنَ ) [ ٦٠ / ١٢ ] أي ولدا تحمله من غير زوجها ، وكنى بما بين يديها ورجليها عن الولد لأن فرجها بين الرجلين وبطنها الذي تحمله فيه بين اليدين.

قوله تعالى : ( فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ ) [ ١٤ / ٩ ] قيل أي عَضُّوا

__________________

(١) البرهان ج ١ ص ٣٩٤.

٤٨٧

على أطراف أصابعهم ، كما في قوله تعالى : ( وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ) [ ٣ / ١١٩ ] وقيل ( فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ ) كذبوا الرسل وردوا عليهم ما قالوا.

قوله تعالى : ( وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ) [ ٧ / ١٤٩ ] أي ندموا.

قوله تعالى : ( وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ ) [ ٧ / ١٠٨ ] أي نورانية غلب شعاعها شعاع الشمس ، وكان موسى (ع) آدم فيما يروى.

والْيَدُ في الكتاب والسنة جاءت لمعان : للسلطان ، والطاعة ، والجماعة ، والأكل يقال : « ضع يَدَكَ » أي كل ، والندم والغيظ يقال : « رددت يَدَهُ في فيه » إذا أغضبته ، والعصيان يقال : « فلان خرج يَدُهُ » و « نازعا يَدَهُ » أي عاصيا ، والاجتماع ومنه قَوْلُهُ (ص) فِي الْمُسْلِمِينَ : « هُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ». يعني هم مجتمعون على أعدائهم لا يسعهم التخاذل بل يعاون بعضهم بعضا على جميع الأديان والملل كأنه جعل أيديهم يدا واحدة وفعلهم فعلا واحدا ، والابتداء يقال : « أعطاني عن ظهر يَدٍ » أي ابتداء ، والطريق يقال : « أخذهم يَدُ البحر » يريد طريق الساحل.

ويقال للقوم إذا تفرقوا وتمزقوا : « صاروا أَيْدِيَ سَبَا » و « أَيَادِيَ سَبَا » وهما اسمان جعلا اسما واحدا (١).

ويقال : « طَوِيلُ الْيَدِ » و « طويل الباع » لمن كان سخيا جوادا ، ويقال في ضده : « قصير الْيَدِ » و « قصير الباع ».

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ (ص) لِنِسَائِهِ : « أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقاً بِي أَطْوَلُكُنَّ يَداً ». أي أسخاكن.

والْيَدُ : الملك ، يقال : « هذا الشيء في يَدَيَ » أي في ملكي.

والْيَدُ : الحفظ والوقاية ، ومنه الْحَدِيثُ : « يَدُ اللهِ عَلَى الْفُسْطَاطِ ». أي على أهل

__________________

(١) راجع ص ٢١٢ من هذا الكتاب حول هاتين الكلمتين.

٤٨٨

الفسطاط ، كأنهم خصوا بوقاية الله تعالى وحسن دفاعه.

والْيَدُ : الاستسلام ، ومنه قَوْلُهُ : « وهَذِهِ يَدِي لَكَ ». أي استسلمت لك ، كما يقال في خلافه : « نَزَعَ يَدَهُ من الطاعة ».

وَفِي الدُّعَاءِ : « لَا تَجْعَلَ لِلْفَاجِرِ عَلَيَ يَداً وَلَا مِنْهُ ». يريد باليد هنا النعمة لأن النعمة من شأنها أن تصدر منها ، ومنه حَدِيثُ أَهْلِ الْبَيْتِ (ع) : « نَحْنُ يَدُ اللهِ الْبَاسِطَةُ عَلَى عِبَادِهِ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ ».

والْيَدُ : المِنَّةُ والْحَقُّ ، ومنه حَدِيثُ النَّبِيِّ (ص) : « مَنْ صَنَعَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِي يَداً ». أي أوصل معروفا.

والْيَدُ : الجارحة المعروفة ، وهي من المنكب إلى أطراف الأصابع ـ قاله في المغرب وغيره ، ولامه محذوف ، والأصل « يَدَيٌ » بفتح الدال وقيل بسكونها ، وجمعها « أَيْدٍ » و « يُدِيٌ » مثل فلس وفلوس ، وفي الكثرة « أَيَادِي » ، وقد شاع استعمال الْأَيَادِي في النعم والْأَيْدِي في الأعضاء ، وعن الأخفش قد يعكس ، وفي شرح المفتاح : أن الْأَيَادِي حقيقة عرفية في النعم وإن كانت في الأصل مجازا فيها.

وَفِي الْحَدِيثِ : « مَا مِنْ صَلَاةٍ يَحْضُرُ وَقْتُهَا إِلَّا نَادَى مَلَكٌ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ : قُومُوا إِلَى نِيرَانِكُمُ الَّتِي أَوْقَدْتُمُوهَا عَلَى ظُهُورِكُمْ فَأَطْفِئُوهَا بِصَلَاتِكُمْ » (١). يريد بين جهة الناس من اليمين والشمال ، ويريد بالنيران الذنوب لكونها سببا لها ، لقولهم : « جلست بين يَدَيْهِ ».

قال في الكشاف : حقيقة قول القائل : « جلست بين يَدَيْ فلان » أن يجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه ، فسميت الجهتان يَدَيْنِ لكونهما على سمت الْيَدَيْنِ مع القرب منهما توسعا ـ انتهى.

قوله : « بين يَدَيِ الساعة أهوالا » أي قدامها.

__________________

(١) التهذيب ج ٢ ص ٢٣٨ ومضى في هذا الكتاب ص ٢٧٦.

٤٨٩

و « ذُو الْيَدَيْنِ » رجل من الصحابة ، وهو أبو محمد عمير بن عبد عمر واسمه الخرباق (١) بكسر المعجمة وإسكان الراء المهملة وبالموحدة ، السلمي ، نقل عنه المخالف والمؤالف (٢) ، وهو الذي قَالَ لِلنَّبِيِّ (ص) : أَقَصَّرْتَ الصَّلَاةَ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ (٣). قيل : وإنما قيل له ذو الْيَدَيْنِ لطول فيهما ، وقيل لأنه كان يعمل بيديه جميعا ، وربما قالوا له « ذو الشمالين » (٤) وكأنهم أشاروا بذلك إلى ضعفهما. وقد اختلف الناس في حديثه ، فمنهم من ذهب إلى أن ذلك كان قبل نسخ الكلام في الصلاة ، واستدل على ذلك بإجماع الأمة على أن الإمام إذا سها لم يكن لخلفه أن يكلمه بل يسبح له بتعليم النبي (ص) بالتسبيح على أن الكلام منسوخ فيها. قال : ومما يدل على أنه كان قبل نسخ الكلام أَنَّ الْقَوْمَ تَكَلَّمُوا فَقَالُوا : « صَدَقَ يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ ». مع علمهم بأنه في الصلاة ، ويؤيده ما رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَالَ : كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ : ( وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ ) فَأَمَرَنَا بِالسُّكُوتِ.

__________________

(١) في الكنى والألقاب ج ٢ ص ٢٣٨ : أن اسمه عمير أو عمر وقد استشهد في بدر.

(٢) انظر تفصيل ترجمته في تنقيح المقال ج ١ ص ٣٩٧ والإصابة ج ١ ص ٤٧٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٢٣٣.

(٤) نص المامقاني في تنقيح المقال ج ١ ص ٣٩٧ بعدم اتحادهما بقوله : فاشتبه الصدوق في الفقيه فنسبه إلى ذي الشمالين بزعم اتحاده مع ذي اليدين وهو سهو عظيم صدر منه ... إن ذا اليدين هو الخرباق الأسلمي مات في زمان معاوية وذو الشمالين هو أبو محمد عمير بن عبد عمر الخزاعي حليف بني زهرة قتل يوم بدر.

٤٩٠

ومنهم من استبعد ذلك بناء على أن نسخ الكلام في الصلاة كان بمكة فلا موضع له هاهنا ، وادعي أن رسول الله (ص) كان عنده أنه أكمل صلاته فتكلم على أنه خارج عن الصلاة.

هذا ما ظفرنا به من كلام القوم ، وأما نحن معاشر الإمامية فمن أصحابنا من صحح الحديث مبالغا في تصحيحه لكنه أثبت تجويز السهو على النبي (ص) هنا مبالغا فيه ، ومنهم وهم الأكثرون أطبقوا على إنكاره وعدم صحته استنادا إلى الأدلة العقلية بعدم تجويز مثله على المعصوم ولو قيل بصحة الحديث المذكور لاشتهار نقله بين الفريقين ، وورد الخبر الصحيح بثبوته منقولا عن الأئمة ، وإمكان تأويله بوروده قبل نسخ الكلام كما وردت به الرواية عن زيد بن أرقم ، وتخصيص عدم جواز السهو بما ليس مما نحن فيه خصوصا إن تمت الدعوى بالفرق بين سهو النبي (ص) وغيره لم يكن بعيدا.

و « ذو الْيُدَيَّةِ » بالتشديد هو ذو الثدية المقتول بنهروان (١).

ويقال في البيع : « يَداً بِيَدٍ » (٢) قيل : هي في هذا الموضع من الأسماء الجارية مجرى المصادر المنصوبة بإضمار فعل ، كأنه قال : فقابل يَداً بِيَدٍ ، ويتقابضان يَداً بِيَدٍ ، والمراد النقد الحاضر.

__________________

(١) مر ذكره مفصلا في هذا الكتاب ص ٧٢.

(٢) الإستبصار ج ٣ ص ٩٣.

٤٩١

فهرس الكتاب

٣

بين يدي الكتاب

٢٥٩

باب ما أوله الصاد

٩

مقدمة الكتاب

٢٦٩

باب ما أوله الضاد

١١

كتاب الألف

٢٧٣

باب ما أوله الطاء

١٣

باب الألف المفردة

٢٨٠

باب ما أوله الظاء

١٥

باب ما أوله الهمزة

٢٨١

باب ما أوله العين

٤٢

باب ما أوله الباء

٣١٢

باب ما أوله الغين

٦٩

باب ما أوله التاء

٣٢٣

باب ما أوله الفاء

٧٢

باب ما أوله الثاء

٣٣٥

باب ما أوله القاف

٨٠

باب ما أوله الجيم

٣٥٤

باب ما أوله الكاف

٩٤

باب ما أوله الحاء

٣٦٥

باب ما أوله اللام

١١٨

باب ما أوله الخاء

٣٨٥

باب ما أوله الميم

١٣٣

باب ما أوله الدال

٤٠٤

باب ما أوله النون

١٥٢

باب ما أوله الذال

٤٢٧

باب ما أوله الواو

١٦١

باب ما أوله الراء

٤٦٧

باب ما أوله الهاء

٢٠٠

باب ما أوله الزاي

٤٨٦

باب ما أوله الياء

٢١١

باب ما أوله السين

٤٩٢

استدراكات

٢٤١

باب ما أوله الشين

٤٩٢