مجمع البحرين - ج ١

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ١

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٩٢

باب ما أوله الراء

( رأى )

قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ ) [ ٢ / ٢٤٣ ] يقال : « ألم تَرَ إلى كذا » تاؤه مفتوحة أبدا ، وهي كلمة تقولها عند التعجب من الشيء وعند تنبيه المخاطب ، كقوله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ ) ـ الآية ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ) [ ٣ / ٢٣ ] ألم تعجب من فعلهم ولم ينبه شأنهم إليك.

قوله : ( قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ) ـ الآية [ ٤١ / ٢٩ ]. قَالَ الْعَالِمُ : « مِنَ الْجِنِّ الَّذِي دَلَّ عَلَى قَتْلِ رَسُولِ اللهِ (ص) فِي دَارِ النَّدْوَةِ وَأَضَلَّ النَّاسَ بِالْمَعَاصِي وَجَاءَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ (ص) إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَبَايَعَهُ ، وَمِنَ الْإِنْسِ فُلَانٌ ( نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ )(١).

قوله تعالى : ( أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ ) [ ٦ / ٤٠ ] قال المفسر : أمر الله تعالى نبيه بمحاجة الكفار ، فقال : ( قُلْ ) يا محمد لهؤلاء الكفار : ( أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ ) في الدنيا كما نزل بالأمم قبلكم ، مثل عاد وثمود ( أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ ) أي القيامة ( أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ ) لكشف ذلك عنكم ، يعني تدعون هذه الأوثان التي تعلمون أنها لا تضر ولا تنفع ، أو تدعون الله الذي هو خالقكم ومالككم يكشف ذلك عنكم ( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) في أن هذه الأوثان آلهة.

قوله تعالى : ( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا ) [ ١٩ / ٧٧ ] قال الشيخ

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم ص ٥٩٢.

١٦١

أبو علي (ره) : استعملوا « أرَأَيْتَ » في معنى أخبر ، والفاء جاءت للتعقيب ، فكأنه قال : أخبر أيضا بقصة هذا الكافر عقيب حديث أولئك. وهو ابن وائل ، كان لخباب بن الأرت عليه دين فتقضاه ، قال : لا والله حتى تكفر بمحمد ، فقال : لا والله لا أكفر بمحمد حيا ولا ميتا ولا حين أبعث ، فقال : فإني مبعوث فإذا بعثت سيكون لي مال وولد سأعطيك (١).

قوله تعالى : ( أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ ) [ ١٧ / ٦٢ ] أي أخبرني عن حاله.

قوله تعالى : ( وَأَرِنا مَناسِكَنا ) [ ٢ / ١٢٨ ] أي عرفنا.

وتكون « الرُّؤْيَا » بمعنى العلم ، كقوله تعالى : لَأَرَيْناكَهُمْ [ ٤٧ / ٣٠ ] ، وقوله تعالى : ( فَهُوَ يَرى ) [ ٥٣ / ٣٥ ].

قوله تعالى : ( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) [ ١٧ / ٦٠ ] قيل : هي الرُّؤْيَةُ المذكورة من الإسراء إلى بيت المقدس والمعراج ، والفتنة : الامتحان وشدة التكليف ، ليعرض المصدق بذلك الجزيل الثواب والمكذب الأليم العقاب. وقيل : الرُّؤْيَا هي التي رَآهَا بالمدينة حين صده المشركون ، وإنما كانت فتنة لما دخل على المسلمين من الشبهة والشك لما تراخى الدخول إلى مكة حتى العام القابل. قيل : هي رُؤْيَا في منامه أن قرودا تصعد منبره وتنزل.

قوله تعالى : ( لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ ) [ ٤٨ / ٢٧ ] قَالَ الْمُفَسِّرُ : رَأَى ـ أَيْ رَسُولُ اللهِ ـ فِي الْمَنَامِ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ فَفَرِحُوا ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ قَالَ الْمُنَافِقُونَ : مَا حَلَقْنَا وَلَا قَصَّرْنَا وَلَا دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، فَنَزَلَتْ أَخْبَرَهُمُ اللهُ أَنَّ مَنَامَكَ

__________________

(١) انظر تفصيل القصّة في البرهان ج ٣ ص ٢١.

١٦٢

حَقٌّ وَصِدْقٌ ، وَأَكَّدَ الدُّخُولَ بِالْقَسَمِ.

قوله تعالى : ( وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ) [ ٨١ / ٢٣ ] يعني رَأَى محمد (ص) جبرئيل في صورته الحقيقية التي جبل عليها في الأفق المبين ، أي في أفق الشمس وقد ملأ الأفق. قيل : ما رَآهُ أحد من الأنبياء في صورته الحقيقية غير محمد (ص) ، رَآهُ مرتين : مرة في الأرض ، ومرة في السماء.

قوله تعالى : ( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) [ ٥٣ / ١١ ] أي ما كذب فؤاد محمد (ص) ما رَآهُ ببصره من صورة جبرئيل (ع) ، أي ما قال فؤاده لما رَآهُ : لم أعرفك ، ولو كان كذلك لكان كاذبا لأنه عرفه.

قوله تعالى : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ) [ ٥٣ / ١٣ ـ ١٤ ] أي ولقد رَأَى (ص) جبرئيل نزلة أخرى ، أي مرة أخرى ( عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى )(١).

وَفِي حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ (٢) عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا (ع) قَالَ : قَالَ لِي : « يَا أَحْمَدُ مَا الْخِلَافُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَصْحَابِ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فِي التَّوْحِيدِ »؟ فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ قُلْنَا نَحْنُ بِالصُّورَةِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) رَأَى رَبَّهُ فِي صُورَةِ شَابٍّ ، وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ بِالنَّفْيِ لِلْجِسْمِ ، فَقَالَ : « يَا أَحْمَدُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَبَلَغَ ( عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ) خُرِقَ لَهُ فِي الْحُجُبِ مِثْلُ سُمِّ الْإِبْرَةِ فَرَأَى مِنْ نُورِ الْعَظَمَةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرَى وَأَرَدْتُمْ أَنْتُمُ التَّشْبِيهَ ، دَعْ هَذَا يَا أَحْمَدُ لَا يَنْفَتِحُ عَلَيْكَ مِنْهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ » (٣).

قوله تعالى : ( قالَ رَبِ أَرِنِي أَنْظُرْ

__________________

(١) انظر تفصيل رؤية النبي (ص) لجبرئيل في البرهان ج ٤ ص ٢٥١.

(٢) هو أبو جعفر أو أبو علي أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي الكوفي ، لقي الرضا وأبا جعفر (ع) وكان عظيم المنزلة عندهما ، توفي سنة ٢٢١ ه‍. معالم العلماء ص ٩ ، تنقيح المقال ج ١ ص ٧٧.

(٣) البرهان ١ / ٣٨.

١٦٣

إِلَيْكَ ) [ ٧ / ١٤٣ ] أَوْرَدَ عَلَيْهِ : كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلِيمُ اللهِ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُرَى حَتَّى يَسْأَلَهُ هَذَا السُّؤَالَ؟ وَأَجَابَ عَنْهُ الرِّضَا (ع) : « أَنَّ كَلِيمَ اللهِ عَلِمَ أَنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يُرَى بِالْأَبْصَارِ ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَلَّمَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَرَّبَهُ نَجِيّاً رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى كَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ وَنَاجَاهُ ، فَقَالُوا : ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ) حَتَّى نَسْمَعَ كَلَامَهُ كَمَا سَمِعْتَهُ ، وَكَانَ الْقَوْمُ سَبْعَمِائَةِ أَلْفٍ ، فَاخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ أَلْفاً ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعَةَ آلَافٍ ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعَمِائَةٍ ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِ رَبِّهِ ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ إِلَى طُورِ سَيْنَاءَ فَأَقَامَهُمْ فِي سَفْحِ جَبَلٍ وَصَعِدَ مُوسَى إِلَى الطُّورِ وَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُكَلِّمَهُ وَيُسْمِعَهُمْ كَلَامَهُ ، وَكَلَّمَهُ اللهُ تَعَالَى وَسَمِعُوا كَلَامَهُ مِنْ فَوْقُ وَأَسْفَلَ وَيَمِينٍ وَشِمَالٍ وَوَرَاءَ وَأَمَامَ ، لِأَنَّ اللهَ أَحْدَثَهُ فِي الشَّجَرَةِ ثُمَّ جَعَلَهُ مُنْبَعِثاً مِنْهَا حَتَّى سَمِعُوهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ ، فَقَالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّ هَذَا الَّذِي سَمِعْنَاهُ كَلَامُ اللهِ ( حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً ) ، فَلَمَّا قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ الْعَظِيمَ وَاسْتَكْبَرُوا وَعَتَوْا بَعَثَ اللهُ عَلَيْهِمْ صَاعِقَةً ( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) فَمَاتُوا ، فَقَالَ مُوسَى : يَا رَبِّ مَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَيْهِمْ وَقَالُوا : إِنَّكَ ذَهَبْتَ بِهِمْ وَقَتَلْتَهُمْ لِأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ صَادِقاً فِيمَا ادَّعَيْتَ مِنْ مُنَاجَاتِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاكَ؟ فَأَحْيَاهُمُ اللهُ وَبَعَثَهُمْ مَعَهُ ، فَقَالُوا : إِنَّكَ لَوْ سَأَلْتَ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُرِيَكَ لِتَنْظُرَ إِلَيْهِ لَأَجَابَكَ فَتُخْبِرُنَا كَيْفَ هُوَ وَنَعْرِفُهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ ، فَقَالَ مُوسَى : يَا قَوْمِ إِنَّ اللهَ لَا يُرَى بِالْأَبْصَارِ وَلَا كَيْفِيَّةَ لَهُ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِآيَاتِهِ وَيُعْلَمُ بِأَعْلَامِهِ ، فَقَالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَسْأَلَهُ ، فَقَالَ مُوسَى : يَا رَبِّ إِنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ مَقَالَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِصَلَاحِهِمْ ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ : يَا مُوسَى سَلْنِي مَا سَأَلُوكَ فَلَنْ آخُذَكَ بِجَهْلِهِمْ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ مُوسَى : ( رَبِ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ

١٦٤

اسْتَقَرَّ مَكانَهُ )(١).

قوله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [ ٩٩ / ٧ ـ ٨ ] قال الشيخ أبو علي (ره) : في بعض الروايات عن الكسائي خَيْراً يُرَهُ بضم الياء فيهما ، وهو رواية أبان عن عاصم ، وقراءة علي (ع) والباقون بفتح الياء في الموضعين (٢) والمعنى : من يعمل وزن ذرة من الخير يَرَ ثوابه وجزاءه ، ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) أي يرى ما يستحق من العقاب. قال : ويمكن أن يستدل بهذا على بطلان الإحباط ـ إلى أن قال ـ وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : مَعْنَاهُ : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً ) وَهُوَ كَافِرٌ يَرَ ثَوَابَهُ فِي الدُّنْيَا فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوُلْدِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ ، ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) وَهُوَ مُؤْمِنٌ يَرَى عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوُلْدِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ شَرٌّ. ثم قال : وقَالَ مُقَاتِلٌ : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي كِتَابِهِ فَيَفْرَحُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ يَعْمَلُ الشَّرَّ يَرَاهُ فِي كِتَابِهِ فَيَسُوءُهُ ذَلِكَ. قَالَ : وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَسْتَقِلُّ أَنْ يُعْطِيَ الْيَسِيرَ ، وَيَقُولُ : إِنَّمَا نُؤْجَرُ عَلَى مَا نُعْطِي وَنَحْنُ نُحِبُّهُ وَلَيْسَ الْيَسِيرُ مِمَّا نُحِبُّ ، وَيَتَهَاوَنُ بِالذَّنْبِ الْيَسِيرِ وَيَقُولُ : إِنَّمَا وَعَدَ اللهُ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ يُرَغِّبُهُمْ فِي الْقَلِيلِ مِنَ الْخَيْرِ وَيُحَذِّرُهُمْ مِنَ الْيَسِيرَ مِنَ الشَّرِّ. انتهى.

قال بعض المحققين في هذه الآية وفي قوله تعالى : ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ ) [ ٩٩ / ٦ ] وفي قوله تعالى : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ

__________________

(١) البرهان ج ٢ ص ٣٣.

(٢) المراد من « فيهما » و « الموضعين » هو قوله تعالى : ( خيرا يره ) و ( شرّا يره ).

١٦٥

لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ) [ ٣ / ٣٠ ] : دلالة على تجسم الأعمال في النشأة الأخرى ، وقد ورد في بعض الأخبار تجسم الاعتقادات أيضا ، فالأعمال الصالحة والاعتقادات الصحيحة تظهر صورا نورانية مستحسنة توجب لصاحبها كمال السرور والابتهاج ، والأعمال السيئة والاعتقادات الباطلة تظهر صورا ظلمانية مستقبحة توجب غاية الحزن والتألم ، كما قال جماعة من المفسرين عند هذه الآيات ـ انتهى.

ويؤيده ما رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ : « إِذَا بَعَثَ اللهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ قَبْرِهِ خَرَجَ مَعَهُ مِثَالٌ يَقْدُمُهُ أَمَامَهُ ـ يَعْنِي صُورَةً لِأَنَّ الْمِثَالَ الصُّورَةُ ـ كُلَّمَا رَأَى الْمُؤْمِنُ هَوْلاً مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ لَهُ الْمِثَالُ : لَا تَفْزَعْ وَلَا تَحْزَنْ وَأَبْشِرْ بِالسُّرُورِ وَالْكَرَامَةِ مِنَ اللهِ تَعَالَى ، حَتَّى يَقِفَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعَالَى فَيُحَاسِبُهُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَأْمُرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمِثَالُ أَمَامَهُ ـ إِلَى قَوْلِهِ (ع) ـ فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ : أَنَا السُّرُورُ الَّذِي كُنْتَ أَدْخَلْتَهُ عَلَى أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا » (١).

قوله تعالى : ( لَتَرَوُنَ الْجَحِيمَ ) [ ١٠٢ / ٦ ] قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ (ره) : قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَتُرَوُنَ بِضَمِّ التَّاءُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ (ع) ، والباقون لَتَرَوُنَ بفتح التاء.

وقد تكرر في الكتاب والسنة ( أَرَأَيْتَكَ ) و ( أَرَأَيْتَكُمْ ) » وهي كلمة تقال عند الاستخبار والتعجب ، يعني أخبروني وأخبروني ، وتاؤها مفتوحة أبدا ، و « كم » فيها لا محل له من الإعراب ، لأنك تقول : « أرَأَيْتَكَ زيدا ما شأنه ، فلو جعلت للكاف محلا لكنت كأنك تقول : « أرَأَيْتَ نفسك زيدا ما شأنه » وذلك فاسد ، ولو جعلت الكاف مفعولا ـ كما قاله الكوفيون ـ للزم أن يصح الاقتصار على المنسوب في المثال المذكور ، لأنه المفعول الثاني على ذلك التقدير ، ولكن الفائدة لا تتم عنده ،

__________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١١٧.

١٦٦

فلا يجوز الاقتصار عليه. وأما ( أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ ) [ ١٧ / ٦٢ ] فالمفعول الثاني محذوف ، أي كرمته علي وأنا خير منه لعديت الفعل إلى ثلاث مفاعيل ، وللزم أن تقول : « أرَأَيْتُمُوكُمْ » بل الفعل معلق عن العمل للاستفهام ، أو المفعول محذوف تقديره : أرَأَيْتَكُمْ آلهتكم تنفعكم إذ تدعونها.

قوله تعالى : ( يُراؤُنَ النَّاسَ ) [ ٤ / ١٤٢ ] قال الشيخ أبو علي (ره) : قرئ في الشواذ « يَرْءُونَ » مثل « يَدْعُونَ » والقراءة المشهورة ( يُراؤُنَ ) مثل « يراعون » قال ابن جني (١) : « يَرْءُونَ » ومعناه يبصرون الناس ويحملون على أن يَرَوْهُمْ يتعاطون ، وهذا أقوى من ( يُراؤُنَ ) بالمد على يفاعلون ، لأن معناه يتعرضون لأن يَرَوْهُمْ.

قوله تعالى : ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) [ ٩ / ١٠٥ ].

رُوِيَ عَنْهُمْ (ع) : « تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى رَسُولِ اللهِ (ص) كُلَّ صَبَاحٍ ـ أَبْرَارُهَا وَفُجَّارُهَا ـ فَاحْذَرُوهَا » (٢). والمؤمنون هم الأئمة ـ عليهم السلام ـ (٣).

وفِي الْحَدِيثِ : « سُرُّوا رَسُولَ اللهِ

__________________

(١) هو أبو الفتح عثمان بن جنّيّ ـ معرّب كني ـ النّحويّ المعروف الّذي يتردّد اسمه في كثير من كتب النّحو والأدب ، كان يقرأ النّحو بجامع الموصل فمرّ به أبو عليّ الفارسيّ فسأله عن مسألة في التّصريف فقصّر فيها فقال أبو عليّ : زببت قبل أن تحصرم فلزمه من يومئذ مدّة أربعين سنة واعتنى بالتصريف ، ولمّا مات أبو عليّ تصدر ابن جنّيّ مكانه ببغداد ، وكان المتنبي يقول فيه : هذا رجل لا يعرف قدره كثير من النّاس ، وكان من شيوخ الشّريف الرّضيّ ، وكان أبوه مملوكا روميا لسليمان بن فهد الأزري الموصليّ ، ولد قبل سنة ٣٣٠ ومات في سنة ٣٩٢ ه‍ الكنى والألقاب ج ١ ص ٢٤١ بغية الوعاة ص ٣٢٢ ، معجم الأدباء ج ١٢ ص ٨١ ـ ١١٥.

(٢) الكافي ج ١ ص ٢١٩.

(٣) الكافي ج ١ ص ٢١٩.

١٦٧

وَلَا تَسُوءُوهُ » (١). لأنه إذا رَأَى معصية ساءه.

قوله تعالى : أَثاثاً وَرِيًّا [ ١٩ / ٧٤ ] بغير همز ، يجوز أن يكون من « الري » أي منظرهم مريوء من النعمة ، و ( أَثاثاً وَرِءْياً ) ـ بهمزة قبل الياء ـ : ما رَأَيْتَ عليه بشارة وهيئة ، وإن شئت قلت : المنظر الحسن ، وَزِيًّا بالزاي المعجمة ـ يعني هيئة ومنظرا. قيل : وقرئت بهذه الثلاثة أوجه.

وفِي الْخَبَرِ : « إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِناً ». بفتح الهمزة أي أعلمه ، وبضمها أي أظنه.

و « الرُّؤْيَا » ـ بالضم والقصر ومنع الصرف ـ : ما يرى في المنام.

وفِي الْخَبَرِ : « مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي ». يعني إن رُؤْيَتَهُ (ص) ليست أضغاث أحلام ولا تخيلات شيطان ، والرُّؤْيَةُ بخلق الله لا يشترط فيها مواجهة ولا مقابلة إن قيل الجزاء هو الشرط ، أجيب بإرادة لازمه ، أي فليستبشر فإنه رَآنِي.

وفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (ع) قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ أَبِيهِ (ع) : أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) قَالَ : « مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي ، وَلَا فِي صُورَةِ أَحَدٍ مِنْ أَوْصِيَائِي ، وَلَا فِي صُورَةِ أَحَدٍ مِنْ شِيعَتِهِمْ ، وَأَنَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ » (٢).

وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْحَدِيثِ « الصَّالِحَةَ ». ووصفها بها لأن غير الصالحة تسمى الحلم (٣).

وفِيهِ : « رَأْيُ الْمُؤْمِنِ وَرُؤْيَاهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عَلَى سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ » (٤). قيل : المراد بالأول ما يخلق

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٢١٩.

(٢) جامع الأخبار ص.

(٣) أشار في « جزا » إلى حديث في الرؤيا الصالحة ، ويذكر في « بشر » و « أول » شيئا فيها ـ ز.

(٤) الكافي ج ٨ ص ٩٠.

١٦٨

الله في قلبه من الصور العلمية في حال اليقظة ، ومن الثاني ما يخلق الله في قلبه حال النوم ، وكأن المراد من « في آخر الزمان » زمان ظهور الصاحب (ع) ، فإنه وقع التصريح في بعض الأخبار بأن في زمان ظهوره يجمع الله قلوب المؤمنين على الصواب. وقيل : ولفظة « على » نهجية ، أي على هذا النهج ، يعني يكون مثل الوحي موافقين للواقع.

وفِيهِ : « الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ وَالْكَاذِبَةُ مَخْرَجُهُمَا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ » يَعْنِي الْقَلْبَ ، فَالرُّؤْيَا الْكَاذِبَةُ الْمُخْتَلِقَةُ هِيَ الَّتِي يَرَاهَا الرَّجُلُ فِي أَوَّلِ لَيْلِهِ فِي سُلْطَانِ الْمَرَدَةِ الْفَسَقَةِ ، وَإِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ وَهِيَ كَاذِبَةٌ لَا خَيْرَ فِيهَا ، وَأَمَّا الصَّادِقَةُ فَيَرَاهَا بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ مِنَ اللَّيْلِ مَعَ حُلُولِ الْمَلَائِكَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ السَّحَرِ ، وَهِيَ صَادِقَةٌ لَا تَخْتَلِفُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُباً أَوْ يَنَامَ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ وَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ تَعَالَى ، فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ وَتُبْطِئُ عَلَى صَاحِبِهَا (١).

وفِي الْخَبَرِ عَنْهُ (ص) أَنَّهُ قَالَ : « الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ : رُؤْيَا بُشْرَى مِنَ اللهِ ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٍ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَالَّذِي يُحَدِّثُ بِهِ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِه ِ » (٢).

وفِي خَبَرٍ آخَرَ عَنْهُ (ع) أَنَّهُ قَالَ : « الرُّؤْيَا عَلَى رَجُلٍ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ ، فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ ». قال بعض الشارحين : وجه الجمع بين هذين الخبرين أنه عبر عن مطلق الرُّؤْيَا بكونها كالطائر الذي لا قرار له ولا ثبات له حتى يحصل تعبيرها فإذا حصل طارت كالطائر الذي أصيب بالضربة أو الرمية فوقع بعد طيرانه ، وأما الرُّؤْيَا الحقيقية التي يعبر عنها بأنها بشرى من الله فهي ما تشاهده النفس المطمئنة من الروحانيات والعالم العلوي ، وتلك الرُّؤْيَا واقعة عبرت أم لم تعبر ، لأن ما في ذلك

__________________

(١) هذا الحديث وشرحه المذكور في الكتاب من رواية عن أبي بصير عن الصادق (ع) مذكور في الكافي ج ٨ ص ٩١.

(٢) البحار ج ١٤ ص ٤٤١.

١٦٩

العالم كله حقيقي لا يتغير ، وأما الرُّؤْيَا التي هي تحزين من الشيطان فهي ما تشاهده النفس عند استيلاء القوة الشهوية أو الغضبية ، فإن ذلك مما يحصل به الأمور الشريرة باعتبار الشخص في الأمور الواقعة في العالم الجسماني باعتبار حصوله عن هذه النفس الشيطانية ، وكذا ما يَرَاهُ الإنسان من الأمور المرتسمة في نفسه من القوة المتخيلة والمتوهمة ، لأنها صور لا حقائق لها ، وهاتان المرتبتان تقعان مع التعبير بحسب ما يعبران ـ انتهى. وسيأتي في « حلم » مزيد كلام في الأحلام.

وفِي الْحَدِيثِ : « يُعْطِي الزَّكَاةَ عَلَى مَا يَرَى ». أي على ما يعرف من أهل الاستحقاق وغيرهم.

وقد تكرر فيه : « فما تَرَى » ومعناه قريب من معنى « ما تقول » والمراد الاستخبار.

و « فلان يَرَى رَأْيَ الخوارج » يذهب مذهبهم.

وفِي الْحَدِيثِ : « لَمْ يَقُلْ (ع) بِرَأْيٍ وَلَا قِيَاسٍ ». قيل في معناه : الرَّأْيُ التفكر في مبادئ الأمور والنظر في عواقبها وعلم ما يئول إليه من الخطإ والصواب ، أي لم يقل (ع) بمقتضى العقل ولا بالقياس. وقيل : الرَّأْيُ أعم لتناوله مثل الاستحسان.

وجمع الرأي « أَرَآءٌ » ، و « رُئِيٌ ».

« آرَاءُ » أيضا مقلوب.

و « ارْتَأَى » أي طلب الرأي والتدبير.

و « أصحاب الرَّأْيِ » عند الفقهاء هم أصحاب القياس والتأويل كأصحاب أبي حنيفة (١) وأبي الحسن

__________________

(١) أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه ، أحد أئمة المذاهب الأربعة عند السنة ، كان يقول بالرأي والاستحسان ، وكان ضعيف الحديث لم يخرج له أصحاب الصحاح شيئا عنه ، ونقل في زهده وتقواه أشياء كثيرة ربما لا نتمكن من قبول كل ذلك ، ولد سنة ٨٠ وتوفي سنة ١٥٠ ه‍ ، ودفن ببغداد في مقبرة خيزران

١٧٠

الأشعري (١) ، وهم الذين قالوا : نحن بعد ما قبض رسول الله (ص) يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رَأْيُ الناس. قَالَ الْعَلَّامَةُ الدِّمْيَرِيُّ ـ نَقْلاً عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ الرَّأْيِ ـ : رَوَى نُوحٌ الْجَامِعُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ : مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص) فَعَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ ، وَمَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ اخْتَرْنَاهُ ، وَمَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُمْ رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالٌ. وعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ : عَلِمْنَا هَذَا رَأْيٌ ، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ ، فَمَنْ جَاءَ بِأَحْسَنَ مِنْهُ قَبِلْنَاهُ. انتهى (٢) ، وهو باطل مردود.

__________________

الكنى والألقاب ج ١ ص ٥١ ـ ٥٤ وج ٢ ص ٤٠٣ ، وفيات الأعيان ج ٥ ص ٣٩ ـ ٤٧ ، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج ١ ص ٢٨٧ ـ ٣٤٦. وللإمام الصادق (ع) مع أبي حنيفة مناظرة مهمة حول الرأي والقياس ذكرها الدميري في كتاب حياة الحيوان ج ٢ ص ١٠٣ فراجع.

(١) أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة عامر بن أبي موسى الأشعري ، إليه تنسب الطائفة الأشعرية ، كان معتزليا ثم عدل وقال في جامع البصرة : من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي ، أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن وأن الله لا تراه الأبصار وأن أفعال الشر أنا أفعلها ، وأنا تائب مقلع معتقد للرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم وقبائحهم ... ولد سنة ٢٦٠ أو ٢٧٠ وتوفي سنة ٢٢٤ أو ٣٢٩ أو ٣٣٠ أو ٣٣٤ ودفن ببغداد وطمس قبره خوفا من أن تنبش قبره الحنابلة لأنهم كانوا يعتقدون كفره ويبيحون دمه. الكنى والألقاب ج ١ ص ٤٥ ، وفيات الأعيان ج ٢ ص ٤٠٢ ، وانظر تفاصيل أقواله ومعتقداته في الملل والنحل ج ١ ص ١٢٦.

(٢) في الملل والنحل ج ١ ص ٣٦٨ نقل أن أبا حنيفة قال : « علمنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه ، فمن قدر على غير ذلك فله ما رأى ولنا ما رأيناه.

١٧١

وفِي خَبَرِ مُعَاذٍ فِي قَوْلِهِ : « أَجْتَهِدُ رَأْيِي » ـ إن صح ـ فالمراد به رد القضية التي تعرض للحكم من طريق القياس أو غيره إلى الكتاب والسنة ، ولم يرد الرَّأْيَ الذي يَرَاهُ من قبل نفسه من غير حمل على كتاب وسنة ، وعلى هذا يحمل قَوْلُهُ (ع) : « مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ ». أي قال فيه قولا غير مستفاد من كتاب ولا سنة ولا من دليل يعتمد عليه بل قال بِرَأْيِهِ حسب ما يقتضيه عقله ويذهب إليه وهمه بالظن والتخمين ، ومن خاض في كتاب الله بمثل ذلك فبالحري أن يكون قوله مهجورا وسعيه مبتورا (١).

و « التَّرَائِي » تفاعل من الرُّؤْيَةِ ، يقال : « تَرَاءَى القوم » إذا رَأَى بعضهم بعضا ، و « تَرَاءَى لي الشيء » ظهر لي حتى رَأَيْتُهُ ، و « تَرَاءَيْنَا الهلال » تكلفنا النظر إلى جهته لِنَرَاهُ ، و « تَرَاءَى لي الشيء من الجن » ظهر.

و « فلان له رَئِيٌ من الجن » ـ بتشديد الياء على فعيل أو فعول ـ لأنه يَتَرَاءَى لمتبوعه ، أو هو من « الرَّأْيِ » يقال : « فلان رَئِيُ قومه » إذا كان صاحب رأيهم والْمِرْآةُ التي ينظر فيها ، وجمعها « مَرَاءٍ » كجوار ومناص ، والكثير « مَرَايَا ».

و « فلان بِمَرْأىً مني ومسمع » أي حيث أَرَاهُ وأسمع قوله.

و « سَامِرَّاء » المدينة التي بناها المعتصم ودفن فيها علي الهادي (ع) والحسن العسكري (ع). وفيها لغات : « سُرَّ من رأى » و « سَرَّ من رأى » ـ بفتح السين وضمها ـ و « ساء من رأى » [ و « سامرا » ] قاله الجوهري عن أحمد بن يحيى وابن الأنباري (٢).

و « رَأَيْتُهُ عالما » يستعمل بمعنى العلم

__________________

(١) يذكر في « هوا » و « رمس » و « قبس » و « جرثم » و « اجن » و « جفا » شيئا في الرأى ـ ز.

(٢) ويقال لها أيضا « سامرا » بتخفيف الراء و « سر من راء » و « سر من

١٧٢

والظن ، فيعدى إلى مفعولين.

و « رَأَيْتُ زيدا » أبصرته ، ويعدى إلى مفعول واحد ، لأن أفعال الحواس إنما تتعدى إلى واحد ، فإن رَأَيْتَهُ هيئة نصبتها على الحال وقلت : « رَأَيْتُهُ قائما ».

وتقول : « رَأَى يَرَى » والقياس « يَرْأَى » ـ كينعى ـ لكن العرب أجمعت على حذف الهمزة من مضارعه فقالوا : يَرَى يَرَيَانِ يَرَوْنَ ـ إلخ. واسم الفاعل منه رَاءٍ كرام. وإذا أمرت بنيت الأمر على الأصل فقلت : « ارْءَ » كارع ، وعلى تقدير الحذف رِ كق ، ويلزمه الهاء في الوقف.

وبناء أفعل من « رَأَى » مخالف لأخواته ، تقول : « أَرْأَى » كأعطى « يُرْئِي » كيعطي نقلت وحذفت « إِرَاءَةً » في المصدر والأصل « إِرْآياً » على وزن إفعالا قلبت الياء همزة لوقوعها بعد ألف زائدة فصار « إِرَآءً » ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء وحذفت ـ كما في الفعل ـ وعوضت تاء التأنيث عن الهمزة كما عوضت عن الواو في « إقامة » فقيل : « إِرَاءَةً » ـ كذا ذكره المحقق التفتازاني.

( ربا )

قوله تعالى : ( اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ) [ ٢٢ / ٥ ] أي انتفخت ، و « اهتزت النبات » ـ بالهمز ـ : ارتفعت.

قوله تعالى : ( هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ ) [ ١٦ / ٩٢ ] أي أكثر عددا ، ومنه سمي « الرِّبَا » أي إذا كان بينكم وبين أمة عقد أو حلف نقضتم ذلك وجعلتم مكانهم أمة هي أكثر عددا ، و « الرِّبَا »

__________________

را » و « سامرة » وهي المدينة التي أنشأها المعتصم العباسي بين بغداد وتكريت سنة ٢٢٠ ه‍ ليسكن فيها الأتراك من عبيده الذين كانوا يركبون الدواب في طرقات بغداد فيصدمون الناس يمينا وشمالا ، ثم جعلها عاصمة له ، قيل كان اسمها قديما « ساميرا ». مراصد الاطلاع ص ٦٨٤ و٧٠٩ ، البلدان ص ٢٢ ـ ٣٥ ، معجم ما استعجم ج ٧٣٤.

١٧٣

الكثرة.

قوله تعالى : ( زَبَداً رابِياً ) [ ١٣ / ١٧ ] أي طافيا فوق الماء.

قوله تعالى : ( أَخْذَةً رابِيَةً ) [ ٦٩ / ١٠ ] أي شديدة زائدة في الشدة على الأخذات كما زادت قبائحهم في القبح قوله تعالى : ( رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ ) [ ٢٣ / ٥٠ ] قيل : هي دمشق و « الرّبْوَةُ » مثلثة الراء الارتفاع من الأرض و ( ذاتِ قَرارٍ ) يستقر فيها الماء للعمارة ، ( وَمَعِينٍ ) ماء ظاهر جار. وَفِي الْحَدِيثِ : « الرَّبْوَةُ نَجَفُ الْكُوفَةِ. والْمَعِينُ : الفرات » (١)

قوله تعالى : ( وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا ) [ ٣٠ / ٣٩ ] أي من أعطى يبتغي أفضل من ذلك فلا أجر له عند الله فيه.

و « الرِّبَا » الفضل والزيادة ، وهو مقصور على الأشهر ، وتثنيته « رَبَوَانِ » على الأصل ، و « رِبَيَانِ » على التخفيف ، والنسبة إليه « رَبَوِيٌ ».

و « أَرْبَى الرجل » دخل في الرِّبَا.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الرِّبَا رِبَوَانِ ـ أَوْ رِبَاءَانِ رِباً يُؤْكَلُ وَرِباً لَا يُؤْكَلُ ، فَأَمَّا الَّذِي يُؤْكَلُ فَهُوَ هَدِيَّتُكَ إِلَى رَجُلٍ تُرِيدُ الثَّوَابَ أَفْضَلَ مِنْهَا ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ ) ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يُؤْكَلُ فَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ أَكْثَرَ مِنْهَا ، فَهَذَا الرِّبَا الَّذِي نَهَى اللهُ عَنْهُ فَقَالَ : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )(٢).

وفِيهِ : « إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ ». أي الربا الذي عرف في النقدين والمطعوم أو المكيل والموزون ثابت في النسيئة والحصر للمبالغة.

وفِي الْخَبَرِ : « الصَّدَقَةُ تَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ ». أي يعظم أجرها أو جثتها حتى

__________________

(١) البرهان ج ٣ ص ١١٣.

(٢) هذا الحديث مذكور في الكافي ج ٥ ص ١٤٥ باختلاف يسير.

١٧٤

تثقل في الميزان ، وأراد بالكف كف السائل ، أضيف إلى الرحمن إضافة ملك.

وفِيهِ : « الْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ ». أي أرفعها.

وفِيهِ : « قَوَائِمُ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ (ص) رَبَتْ فِي الْجَنَّةِ » (١). أي نشأت. وفِي بَعْضِ النُّسَخِ « رُتَبٌ ». بتقديم المثناة على الموحدة ، وكأن المراد : درجات في الجنة يعلو عليها كما كان يعلو على المنبر.

و « رَبَوْتُ في بني فلان ».

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع) : « دِرْهَمُ رِباً أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ سَبْعِينَ زَنْيَةً بِذَاتِ مَحْرَمٍ فِي بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ » (٢). وفيه من المبالغة في التحريم ما لا يخفى (٣).

و « رَبَّيْتُهُ تربية » غذيته ، وهو لكل ما ينمي كالولد والزرع.

وَفِي الْخَبَرِ : « مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَرَجُلٍ ذَهَبَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ ». أي يحفظهم من عدوهم ، والاسم « الرَّبِيئَةُ » وهو العين الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو ، ولا يكون إلا على جبل أو شرف.

و « الزنجبيل الْمُرَبَّى » معروف.

( رثا )

« رَثَى له » أي رق له ورحمه ، و « رَثَيْتُ له » ترحمت وترفقت.

وَفِي الْأَثَر « رَثَى النَّبِيُّ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ ». وهو من « رَثَيْتُ الميت » ـ من باب رمى « مَرْثِيَّةً ».

و « رَثَوْتُهُ » أيضا إذا بكيته وعددت محاسنه ، وكذلك إذا نظمت فيه شعرا.

وفي الدر : « التَّرَثِّي » هو أن يندب

__________________

(١) في الكافي ج ٤ ص ٥٥٤ في حديث عن النبي (ص) : « وقوائم منبري ربت في الجنة ».

(٢) في الكافي ج ٥ ص ١٤٤ والتهذيب ج ٢ ص ١٢٢ عن الصادق (ع) : « درهم ربا أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم ».

(٣) يذكر الربا في « هنا » و « زيد » و « كبر » و « مسس » و » وكس » و « محق » و « أكل » و « رسل » ـ ز.

١٧٥

الميت ، فيقال : « وا فلاناه ».

( رجا )

قوله تعالى : ( وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها ) [ ٦٩ / ١٧ ] أي جوانبها ونواحيها ، واحدها « رجا » مقصور كسبب وأسباب ، يعني أن السماء تتشقق وهي مسكن الملائكة فيفيضون إلى أطرافها وحافاتها.

قوله تعالى : ( ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً ) [ ٧١ / ١٣ ] أي لا تخافون عظمة الله ، من « الرجاء » بمعنى الخوف قال الشاعر :

لعمرك ما أرجو إذا مت مسلما

على أي جنب كان في الله مصرعي

قوله تعالى : ( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ) [ ٣٣ / ٥١ ] يقال : « ـ بهمز وغير همز ـ بمعنى تؤخر ، و ( تُؤْوِي ) ـ بضم ـ يعني تترك مضاجعة من تشاء منهن وتطلق من تشاء وتمسك من تشاء ، ولا تقسم لأيتهن شئت. وكان (ص) يقسم بين أزواجه فأبيح له ترك ذلك.

قوله تعالى : ( أَرْجِهْ وَأَخاهُ ) [ ٧ / ١١١ ] أي احبسه وأخر أمره ولا تعجل بقتله.

قوله تعالى : ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ ) [ ٩ / ١٠٦ ] أي مؤخرون حتى ينزل الله فيهم ما يريد.

قال الجوهري : ومنه سميت « الْمُرْجِئَةُ » مثال المرجعة ، يقال : « رجل مُرْجِئٌ » مثال مرجع ، والنسبة إليه « مُرْجِئِيٌ » مثال مرجعي ، هذا إذا همزت فإذا لم تهمز قلت : « رجل مُرْجٍ » مثال معط ، و « هم الْمُرْجِيَّةُ » بالتشديد (١).

وفي القاموس : [ وإذا لم تهمز فـ ] « رجل مُرْجِيٌ » بالتشديد ، وإذا همزت فـ « رجل مُرْجِئٌ » [ كمرجع لا « مرج » كمعط ] ، ووهم الجوهري ، وهم « الْمُرْجِئَةُ » بالهمز و « الْمُرْجِيَةُ » بالياء

__________________

(١) انظر الصحاح للجوهري ( رجا ).

١٧٦

مخففة (١).

وقد اختلف في الْمُرْجِئَةِ فقيل : هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، سموا مُرْجِئَةً لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم عن المعاصي ، أي أخره عنهم. وعن ابن قتيبة أنه قال : هم الذين يقولون الإيمان قولا بلا عمل ، لأنهم يقدمون القول ويؤخرون العمل. وقال بعض أهل المعرفة بالملل : إن الْمُرْجِئَةَ هم الفرقة الجبرية الذين يقولون : إن العبد لا فعل له ، وإضافة الفعل إليه بمنزلة إضافته إلى المجازات ، كجرى النهر ودارت الرحا ، وإنما سميت المجبرة مُرْجِئَةً لأنهم يؤخرون أمر الله ويرتكبون الكبائر. وفي المغرب ـ نقلا عنه ـ : سموا بذلك لِإِرْجَائِهِمْ حكم أهل الكبائر إلى يوم القيامة (٢).

وَفِي الْحَدِيثِ : « مُرْجِئٌ يَقُولُ : مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَصُمْ وَلَمْ يَغْتَسِلْ مِنْ جَنَابَةٍ وَهَدَمَ الْكَعْبَةَ وَنَكَحَ أُمَّهُ فَهُوَ عَلَى إِيمَانِ جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ » (٣).

وَفِي الْحَدِيثِ خِطَاباً لِلشِّيعَةِ : « أَنْتُمْ أَشَدُّ تَقْلِيداً أَمِ الْمُرْجِئَةُ » (٤). قيل : أراد بهم ما عدا الشيعة من العامة ، اختاروا من عند أنفسهم رجلا بعد رسول الله وجعلوه رئيسا ، ولم يقولوا بعصمته عن الخطإ ، وأوجبوا طاعته في كل ما يقول ، ومع ذلك قلدوه في كل ما قال ، وأنتم نصبتم رجلا ـ يعني عليا (ع) ـ واعتقدتم عصمته عن الخطإ ومع ذلك خالفتموه في

__________________

(١) القاموس ( أرجأ ) والزيادات من القاموس وليست في نسخ المجمع.

(٢) يذكر المرجئة في « صنف » أيضا ـ ز وانظر تفصيل عقائد المرجئة في الملل والنحل ج ١ ص ٢٢٢ ، وفرق الشيعة ص ٢٦ ، التبصير في الدين ص ٥٩ ، الفرق بين الفرق ص ١٩.

(٣) بحار الأنوار ج ١١ ص ٢١٦ ، والكافي ج ١ ص ٤٠٤.

(٤) الكافي ج ١ ص ٥٣.

١٧٧

كثير من الأمور ، وسماهم مُرْجِئَةً لأنهم زعموا أن الله تعالى أخر نصب الإمام ليكون نصبه باختيار الأمة بعد النبي (ص).

وَفِي الْحَدِيثِ : « الْقُرْآنُ يُخَاصِمُ بِهِ الْمُرْجِئُ وَالْقَدَرِيُّ وَالزِّنْدِيقُ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِهِ ». وفسر الْمُرْجِئُ بالأشعري ، والْقَدَرِيُ بالمعتزلي.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ : ذَكَرْتُ الْمُرْجِئَةَ وَالْقَدَرِيَّةَ وَالْحَرُورِيَّةَ ، فَقَالَ (ع) : « لَعَنَ اللهُ تِلْكَ الْمِلَلَ الْكَافِرَةَ الْمُشْرِكَةَ الَّتِي لَا يَعْبُدُونَ اللهَ عَلَى شَيْءٍ ».

وَفِي حَدِيثِ الْمُشْتَبِهِ أَمْرُهُ : « فَأَرْجِهْ حَتَّى تَلْقَى إِمَامَكَ » (١). أي أخره واحبس أمره ، من « الْإِرْجَاءِ » وهو التأخير. قال بعض الأفاضل من نقلة الحديث : في هذا الحديث وما وافقه دلالة على وجوب التوقف عند تعادل الحديثين المتناقضين ، وفي بعض الأخبار التوسعة في التخيير من باب التسليم ، وقد جمع بعض فقهائنا بين الكل بحمل التخيير على واقعة لا تعلق لها في حقوق الناس ، كالوضوء والصلوة ونحوها ، والتوقف في واقعة لها تعلق بحقوقهم ـ انتهى ، وهو جيد.

وفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) : « يَدَّعِي [ بِزَعْمِهِ ] أَنَّهُ يَرْجُو اللهَ ، كَذَبَ وَالْعَظِيمِ ، مَا بَالُهُ لَا يَتَبَيَّنُ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِه ِ » (٢).

وفيه ذم من يرجو الله بلا عمل ، فهو كالمدعي للرجاء ، وكل من رجا عرف رجاؤه في عمله.

وفِي الْحَدِيثِ : « أَرْجُو مَا بَيْنِي وَمَا بَيْنَ اللهِ ». أي أتوقع.

و « الرَّجَاءُ » من الأمل ممدود ـ قاله الجوهري (٣).

ومنه الْحَدِيثُ : « أَعُوذُ بِكَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تَقْطَعُ الرَّجَاءَ ». وهي فسرها (ع) باليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والثقة بغير الله ، والتكذيب

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٦٨.

(٢) نهج البلاغة ج ٢ ص ٧١.

(٣) يذكر في « عنف » رجاء العاقل ـ ز.

١٧٨

بوعده.

وَفِي حَدِيثِ خَيْمَةِ آدَمَ (ع) الَّتِي هَبَطَ بِهَا جَبْرَئِيلُ : « أَطْنَابُهَا مِنْ ظَفَائِرِ الْأُرْجُوَانِ ».

هو بضم همز وجيم : اللون الأحمر شديد الحمرة ، قيل : هو معرب ، وقيل : الكلمة عربية والألف والنون زائدتان. قال الجوهري : ويقال أيضا : شجر له نور أحمر أحسن ما يكون ، وكل لون يشبهه فهو أُرْجُوَانِيٌ ـ انتهى.

وفيه نهى عن ميثرة الأرجوان ، وستذكر في بابها إن شاء الله تعالى.

( رحا )

فِي الْحَدِيثِ : « أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ سَادَةُ الْمُرْسَلِينَ وَالنَّبِيِّينَ ، عَلَيْهِمْ دَارَتِ الرَّحَى » (١). أي السماوات ، أو هي مع الأرض.

وفِي الْخَبَرِ : « تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ ». دوران الرَّحَى قيل : هو كناية عن الحرب والقتال ، شبهها بِالرَّحَى الدائرة التي تطحن الحب ، لما يكون فيها من تلف الأرواح وهلاك الأنفس.

و « دارت عليه رَحَى الموت » إذا نزل به.

وفِي وَصْفِ السَّحَابِ : « كَيْفَ تَرَوْنَ رَحَاهَا ». أي استدارتها ، أو ما استدار منها. وعن ابن الأعرابي : « رَحَاهَا » وسطها ومعظمها.

و « الرَّحَى » القطعة من الأرض تستدير وترفع ما حولها. و « الرَّحَى » معروفة مؤنثة مقصورة ، والأصل فيها ـ على ما قالوه رَحَيَ قلبت ألفا وحذفت لالتقاء الساكنين بين الألف والتنوين ، والمنقلبة عن الياء تكتب بصورة الياء فرقا بينها وبين المنقلبة عن الواو ، وتقول في تصريفها : « رحى رحيان » ، وكل من مد قال : « رحاء ورحيان وأرحية » جعلها منقلبة عن

__________________

(١) في الوافي ج ٢ ص ١٨ عن الصادق (ع) : « سادة النبيين والمرسلين هم خمسة وهم أولو العزم من الرسل وعليهم دارت الرحى ... ».

١٧٩

الواو (١).

قال الجوهر ـ ولا أدري ما حجته ـ : و « أرحية الماء » من عمل الشياطين وكذا الحمامات والنورة.

( رخا )

قوله تعالى : ( رُخاءً حَيْثُ أَصابَ ) [ ٣٨ / ٣٦ ] الرُّخَاءُ ـ بالضم ـ : الريح اللينة ، أي رخوة لينة حيث أراد ، يقال : « أصاب الله لك خيرا » أي أراد الله بك خيرا. نقل أن الريح كانت مطيعة لسليمان بن داود إذا أراد أن تعصف عصفت وإذا أراد أن تُرْخِيَ أَرْخَتْ ، وهو معنى قول الله تعالى : ( رُخاءً حَيْثُ أَصابَ )(٢).

وفِي الْحَدِيثِ : « اذْكُرِ اللهَ فِي الرَّخَاءِ يَذْكُرْكَ فِي الشِّدَّةِ ».

وفِيهِ : « الْمُؤْمِنُ شَكُورٌ عِنْدَ الرَّخَاءِ ». وأراد بالرخاء سعة العيش ولينه ويقابله الشدة ، يقال : « زيد رَخِيُ البال » أي في نعمة وخصب.

ومِنْهُ « رَاخِ الْإِخْوَانَ فِي اللهِ ». بالخاء المعجمة من « الْمُرَاخَاةِ » وهي ضد التشدد.

ومِنْهُ : « لَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا فَإِنَّهُ أَرْخَى لِبَالِهَا وَأَدْوَمُ لِحُسْنِهَا وَجَمَالِهَا ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ لَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ ».

و « أَرْخَى الشيء بين كتفيه » سدله وأرسله (٣).

و « أَرْخَيْتُ الستر وغيره » أرسلته.

و « شيء رِخْو » ـ بكسر الراء وفتحها ـ : أي هش.

و « فرس رِخْوَةٌ » ـ بالكسر ـ أي سهلة.

و « رَخِيَ الشيء » و « رَخُو » من باب تعب وقرب « رَخَاوَةً » بالفتح.

__________________

(١) يذكر في « مجل » حديث طحن الزهراء (ع) بالرحى ـ ز.

(٢) انظر تفصيل إطاعة الريح لسليمان في الدر المنثور ج ٥ ص ٣١٤.

(٣) يذكر في « عفا » حديث « أرخوا اللحى » ـ ز.

١٨٠