مجمع البحرين - ج ١

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ١

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٩٢

( زبا )

« الزُّبْيَةُ » مثل مدية : حفرة تحفر للأسد والصيد يغطى رأسها بما يسترها ليقع فيها ، وإنما تحفر في مكان عال لئلا يبلغ السيل ، والجمع « زُبىً » مثل مدى ، ومنه المثل « قد بلغ السيل الزُّبَى » (١).

وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ (٢) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ : « قَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي أَرْبَعَةِ نَفَرٍ اطَّلَعُوا فِي زُبْيَةِ الْأَسَدِ فَخَرَّ أَحَدُهُمْ فَاسْتَمْسَكَ بِالثَّانِي فَاسْتَمْسَكَ الثَّانِي بِالثَّالِثِ وَاسْتَمْسَكَ الثَّالِثُ بِالرَّابِعِ ، فَقَضَى بِالْأَوَّلِ فَرِيسَةَ الْأَسَدِ وَغَرَّمَ أَهْلَهُ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِأَهْلِ الثَّانِي ، وَغَرَّمَ الثَّانِيَ لِأَهْلِ الثَّالِثِ ثُلُثَيِ الدِّيَةِ ، وَغَرَّمَ الثَّالِثَ لِأَهْلِ الرَّابِعِ الدِّيَةَ كَامِلَةً (٣). وبه عمل أكثر فقهائنا ، ويتوجه عليه أنه مخالف للأصول ووجه بتوجيهين : ( أحدهما ) أن الأول لم يقتله أحد والثاني قتله الأول وقتل هو الثالث والرابع ، فسقطت الدية أثلاثا فاستحق كل واحد منهم بحسب ما جني عليه ، فالثاني قتله واحد وهو قتل اثنين فلذلك استحق الثلث ، والثالث قتله اثنان وقتل هو واحدا فاستحق لذلك ثلثين ، والرابع قتله ثلاثة فاستحق الدية كاملة. ( الثاني ) أن دية الرابع إنما هي على الثلاثة بالسوية لاشتراكهم جميعا في سببية قتله ، وإنما نسبها إلى الثالث لأن الثاني استحق على الأول ثلث الدية فيضيف إليه ثلثا آخر

__________________

(١) في لسان العرب ( زبى ) : وكتب عثمان إلى علي رضي‌الله‌عنه لما حوصر : « أما بعد ، فقد بلغ السيل الزبى وجاوز .... وفي معاني الأخبار ص ٣٥٨ : « فقد جاوز الماء الزبى ... ».

(٢) هو أبو عبد الله محمد بن قيس البجلي الكوفي ، كان من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) ، وله كتاب القضايا. رجال النجاشي ص ٢٤٧.

(٣) التهذيب ج ٢ ص ٤٥٦.

٢٠١

ويدفعه إلى الثالث فيضيف إلى ذلك ثلثا آخر ويدفعه إلى الرابع.

وردهما بعض المحققين بأن الأول تعليل بموضع النزاع إذ لا يلزم من قتله لغيره سقوط شيء من ديته عن قاتله ، وبأن الثاني مع مخالفته للظاهر لا يتم في الأخيرين لاستلزام كون دية الثالث على الأولين ودية الثاني على الأول إذ لا مدخل لقتله بعده في إسقاط حقه ـ كما مر. قال : إلا أن يفرض كون الواقع عليه سببا في افتراس الأسد له فيقرب إلا أنه خلاف الظاهر ـ انتهى. وهو كما قال.

وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيّاً (ع) قَضَى لِلْأَوَّلِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ وَلِلثَّانِي بِالثُّلُثِ ، وَلِلثَّالِثِ بِالنِّصْفِ وَلِلرَّابِعِ بِالدِّيَةِ تَمَاماً (١). ووجهت بكون البئر حفرت عدوانا والافتراس مستند إلى الازدحام المانع من التخلص ، فالأول مات بسبب الوقوع في البئر ووقوع الثلاثة فوقه إلا أنه بسببه وهو ثلاثة أرباع السبب فيبقى الربع على الحافر ، والثاني مات بسبب جذب الأول وهو ثلث السبب ووقوع الباقين فوقه وهو ثلثاه ووقوعهما عليه من فعله فيبقى له نصف ، والرابع موته بسبب جذب الثالث فله كمال الدية.

ويرد عليه ـ مع ما فيه من التكلف ـ أن الجناية إما عمد أو شبهه وكلاهما يمنع تعلق العاقلة به ، على أن في الرواية « فازدحم الناس عليها ينظرون إلى الأسد » وذلك ينافي ضمان حافر البئر.

هذا ، وقد ذهب بعض علمائنا إلى ضمان كل واحد دية من أمسكه أجمع ، لاستقلاله بإتلافه. وللبحث فيه مجال.

( زجا )

قوله تعالى : ( وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ ) [ ١٢ / ٨٨ ] أي يسيرة قليلة ، من قولك : « فلان يُزْجِي العيش » أي يقتنع بالقليل ويكتفي به.

قوله تعالى : ( يُزْجِي سَحاباً ) [ ٢٤ / ٤٣ ] أي يسوق.

__________________

(١) التهذيب ج ٢ ص ٤٥٦.

٢٠٢

قوله تعالى : ( يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ ) [ ١٧ / ٦٦ ] أي يسير لكم الفلك ويجريه في البحر.

( زرا )

قوله تعالى : ( تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ ) من « ازْدَرَاهُ » و « ازْدَرَى به » إذا احتقره.

و « الِازْدِرَاءُ » افتعال من « زَرَى عليه » إذا عاب عليه فعله ، والمعنى : استرذلتموهم لفقرهم.

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ ». أي لا تحتقروها ، من « الِازْدِرَاءِ » الاحتقار والعيب ، يقال : « ازْدَرَيْتُهُ » إذا عبته واحتقرته ، وأصل « ازْدَرَيْتُ » ازتريت فهو افتعلت قلبت التاء دالا لأجل الزاي.

و « زَرَى عليه زَرْياً » من باب رمى و « زِرَايَةً » بالكسر : عابه واستهزأ به.

( زكا )

قوله تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ) [ ٩١ / ٩ ] الضمير للنفس ، و « التَّزْكِيَةُ » التطهير من الأخلاق الذميمة الناشئة من شر البطن والكلام والغضب والحسد والبخل وحب الجاه وحب الدنيا والكبر والعجب ، ولكل هذه المذكورات علاج في المطولات. وفي الغريب : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ) أي ظفر من طهر نفسه بالعمل الصالح.

قوله تعالى : ( ما زَكى مِنْكُمْ ) [ ٢٤ / ٢١ ] أي ما طهر.

قوله تعالى : ( وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ) [ ١٩ / ٣١ ] أي الطهارة ، وقيل : زكاة الرءوس لأن كل الناس ليس لهم أموال وإنما الفطرة على الفقير والغني والصغير والكبير.

قوله تعالى : ( وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) [ ٩ / ١٠٣ ] أي تطهرهم بها.

قوله تعالى : ( أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً ) [ ١٨ / ٧٤ ] أي طاهرة لم تجن ما يوجب قتلها ، وقرىء ( زَكِيَّةً ) وزاكية فالزاكية : نفس لم تذنب قط ، والزكية : أذنبت ثم غفر لها.

قوله تعالى : ( ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ )

٢٠٣

[ ٢ / ٢٣٢ ] أي أنمى لكم وأعظم بركة ، وإلا لكان تأكيدا والتأسيس خير منه.

قوله تعالى : ( يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ) [ ٤ / ٤٩ ] أي يمدحونها ويزعمون أنهم أزكياء ، يقال : « زكى نفسه » أي مدحها وأثنى عليها.

قوله تعالى : ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) [ ٥٣ / ٣٢ ] أي لا تعظموها ولا تمدحوها بما ليس لها فإني أعلم بها. وَعَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ (١) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى )؟ قَالَ : « هُوَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ : صَلَّيْتُ الْبَارِحَةَ وَصُمْتُ أَمْسِ وَنَحْوَ هَذَا » ثُمَّ قَالَ (ع) : « إِنَّ قَوْماً كَانُوا يُصْبِحُونَ فَيَقُولُونَ : صَلَّيْنَا الْبَارِحَةَ وَصُمْنَا أَمْسِ فَقَالَ عَلِيٌّ (ع) : لَكِنِّي أَنَامُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَلَوْ أَجِدُ شَيْئاً بَيْنَهُمَا لَنِمْتُهُ » (٢).

قوله تعالى : ( وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ) [ ٨٠ / ٧ ] أي أن لا يسلم فيتطهر من الشرك.

قوله تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) [ ٨٧ / ١٤ ـ ١٥ ] قيل : تَزَكَّى أي أدى زَكَاةَ الفطرة ( فَصَلَّى ) صلاة العيد ، وبه جاءت الرواية عنهم ـ عليه السلام (٣).

قوله تعالى : ( أَزْكى طَعاماً )

__________________

(١) هو أبو محمد جميل بن دراج وجه الطائفة ثقة ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (ع). رجال النجاشي ص ٩٨.

(٢) البرهان ج ٤ ص ٢٥٤.

(٣) تفسير علي بن إبراهيم ص ٧٢١ ، وفي الدر المنثور ج ٦ ص ٣٤٠ : عن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه ( قد أفلح من تزكّى ) قال : أعطى صدقة الفطرة قبل أن يخرج إلى العيد ( وذكر اسم ربّه فصلّى ) قال : خرج إلى العيد فصلى.

٢٠٤

[ ١٨ / ١٩ ] أي أطيب وأحل.

قوله تعالى : ( غُلاماً زَكِيًّا ) [ ١٩ / ١٩ ] أي طاهرا من الذنوب ، وقيل : تاما في أفعال الخير.

وقد تكرر ذكر « الزَّكَاةِ » في الكتاب والسنة ، وهي إما مصدر « زَكَا » إذا نمى لأنها تستجلب البركة في المال وتنميه وتفيد النفس فضيلة الكرم ، وإما مصدر « زَكَا » إذا طهر لأنها تطهر المال من الخبث والنفس البخيلة من البخل.

وفي الشرع : صدقة مقدرة بأصل الشرع ابتداء ثبت في المال أو في الذمة للطهارة لهما ، فَزَكَاةُ المال طهر للمال وزَكَاةُ الفطرة طهر للأبدان (١).

__________________

(١) ذكر في « ثفا » و « حما » حديثا في الزكاة ، ويذكر في « سنا » و « عرا » و « قفا » و « مشى » و « ولا » و « جلب » و « ربب » و « غرب » و « قضب » و « ثيب » و « بيت » و « مرح » و « روح » شيئا فيها ، ويذكر في « مسخ » و « مسح » و « ذود » زكاة الإبل ، ويذكر في « رصد » السؤال عنها ، وفي « تبر » زكاة الذهب ، وفي « جفر » زكاة النخيل ، وفي « جهر » زكاة الجوهر ، وفي « خضر » زكاة الخضروات وفي « عفر » و « عور » زكاة النخل ، وفي « فطر » قسمتها ، وفي « قرر » مانعها ، وفي « كسر » زكاة الكسور ، وفي « نفر » زكاة الذهب والفضة ، وفي « أزز » و « جبس » و « حوش » مانع الزكاة ، وفي « قلص » زكاة الناقة ، وفي « وقص » شيئا منها ، وفي « فرض » و « فضض » و « دفع » و « وقع » و « وضع » حديثا فيها ، ويذكر في « ظلف » زكاة ذوات الظلف ، وفي « رقق » زكاة الرقيق ، وفي « شنق » و « صدق » شيئا فيها ، وفي « طوق » مانع الزكاة ، وفي « ورق » زكاة الدرهم ، وفي « وشق » زكاة الحنطة والشعير ، وفي « سبك » و « فرسك » و « حرك » زكاة الذهب ،

٢٠٥

قوله تعالى : ( فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً ) [ ١٨ / ٨١ ] أي إسلاما ، وقيل صلاحا ( وَأَقْرَبَ رُحْماً ) أي رحمة لوالديه. وَفِي الْحَدِيثِ : « أَبْدَلَهُمَا اللهُ تَعَالَى ابْنَةً فَوُلِدَ مِنْهَا سَبْعُونَ نَبِيّاً » (١).

و « زَكَّى عمله » أي طهره ووقره.

و « زَكَا الزرع يَزْكُ و » من باب قعد « زَكَاءً » بالمد : إذا نما.

و « صلاة زَاكِيَةٌ » تامة مباركة.

و « زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا » (٢). أي طهارتها من النجاسة كالبول ، بأن يجف ويذهب أثره.

و « زَكَاةُ الوضوء أن تقول كذا » أي بركته وفضله.

و « هذا الأمر لا يَزْكُو بفلان » أي لا يليق به.

و « النفس الزَّكِيَّةُ » محمد بن عبد الله بن الحسن ، وسيأتي ذكره.

و « الزَّكِيُ » عند الإطلاق هو الحسن بن علي (ع).

( زنا )

قوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ) [ ١٧ / ٣٢ ] هو بالقصر والمد : وطء المرأة حراما من دون عقد ، وعند فقهائنا هو إيلاج فرج البالغ العاقل في فرج امرأة

__________________

وفي « سبل » مصرفها ، وفي « عمل » زكاة العوامل ، وفي « مول » و « دعم » شيئا فيها ، وفي « سوم » و « غرم » زكاة الغنم ، وفي « ألف » و « همم » و « غرم » مصرفها ، وفي « ندم » منعها ، وفي « لعن » و « معن » زكاة الجسد ، وذكر في « اتى » و « حلي » زكاة الحلي ، وفي « دلا » ما سقيت الدوالي ، وفي « روى » مصرف الزكاة ، ويذكر في « سما » حديثا في منعها ، وفي « قيا » زكاة الشاة ـ ز.

(١) البرهان ج ٢ ص ٤٧٨.

(٢) مضى في ص ١٥٩ بلفظ ذكاة بدل زكاة.

٢٠٦

محرمة من غير عقد ولا ملك ولا شبهة قدر الحشفة عالما مختارا.

و « الزَّانِي » فاعل الزنا ، والجمع « الزُّنَاةُ » كالقضاة.

وفِي الْحَدِيثِ : « لَا يَزْنِي الزَّانِي [ حِينَ يَزْنِي ] وَهُوَ مُؤْمِنٌ » (١). وفي معناه وجوه :

أحدها ـ أن يحمل على نفي الفضيلة عنه حيث اتصف منها بما لا يشبه أوصاف المؤمنين ولا يليق بهم.

وثانيها ـ أن يقال : لفظه خبر ومعناه نهي ، وقَدْ رُوِيَ « لَا يَزْنِ ». على صيغة النهي بحذف الياء.

الثالث ـ أن يقال : وهو مؤمن من عذاب الله ، أي ذو أمن من عذابه.

الرابع ـ أن يقال : وهو مصدق بما جاء فيه من النهي والوعيد.

الخامس ـ أن يصرف إلى المستحل. وفيه توجيه آخر هو أنه وعيد يقصد به الردع ، كما في قَوْلِهِ : « لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ ». و « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ يَدِهِ وَلِسَانِهِ ». وقيل في معناه أيضا : هو أن الهوى ليطفي الإيمان ، فصاحب الهوى لا يرى إلا هواه ولا ينظر إيمانه الناهي له عن ارتكاب الفاحشة ، فكأن الإيمان في تلك الحالة قد انعدم ، وفيه وجه آخر وهو الحمل على المقاربة والمشارفة ، بمعنى أن الزَّانِيَ حال حصوله في حالة مقاربة لحال الكفر مشارفة له ، فأطلق عليه الاسم مجازا.

وَفِي الْحَدِيثِ : « إِذَا زَنَا الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا أَقْلَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ » (٢). ولعل المراد روح الإيمان وكماله ونوره ولم يرد الحقيقة ، ويجيىء إن شاء الله تعالى مزيد كلام في هذا المقام في « روح ».

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ١٤.

(٢) في من لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ١٤ : إذا زنا الزاني خرج منه روح الإيمان فإن استغفر عاد إليه.

٢٠٧

وَفِي الْخَبَرِ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ زَنَاءٌ. ـ بالفتح والمد كجبان ـ أي حاقن بوله ، و « الزَّنَاءُ » في الأصل الضيق ثم استعير للحاقن لأنه يضيق ببوله.

وَفِي الْخَبَرِ : « لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ زَانِئٍ ». وهو الحاقن أيضا.

وَفِي الْحَدِيثِ : « دِرْهَمٌ فِي رِباً أَشَدُّ عِنْدَ اللهِ مِنْ سَبْعِينَ زَنْيَةً » (١). ـ بالفتح ـ وهو المرة من الزِّنَا ، وأجاز البعض الكسر.

و « الزَّنْيَةُ » بالفتح والكسر : آخر ولد الرجل.

ويقال للولد من الزنا : « وهو لِزَنْيَةٍ » ، وقيل : الفتح في الزَّنْيَةِ والرشدة أفصح ، وولد الرشدة ما كان عن نكاح صحيح.

( زوا )

فِي الْحَدِيثِ : « إِنَّ الْمَسْجِدَ لَيَنْزَوِي مِنَ النُّخَامَةِ كَمَا تَنْزَوِي الْجِلْدَةُ مِنَ النَّارِ ». أي ينضم وينقبض ، وقيل : المراد أهل المسجد وهم الملائكة.

وَفِي حَدِيثِ الْمُؤْمِنِ : « وإِنِّي لَأَبْتَلِيهِ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَزْوِي عَنْهُ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ ». أي أضم وأقبض.

ومثله : « مَا زَوَى اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا خَيْرٌ مِمَّا عَجَّلَ لَهُ فِيهَا ». أي ضم وقبض ، أو ما نحى من الخير والفضل ، وتصديق ذلك أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ : يَا رَبِّ إِنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا تَنَافَسُوا فِي دُنْيَاهُمْ فَنَكَحُوا النِّسَاءَ وَلَبِسُوا الثِّيَابَ اللَّيِّنَةَ وَأَكَلُوا الطَّعَامَ وَسَكَنُوا الدُّورَ وَرَكِبُوا الْمَشْهُورَ مِنَ الدَّوَابِّ فَأَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُمْ ، فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَلِكُلِّ عَبْدٍ مِنْكُمْ مِثْلُ مَا أَعْطَيْتُ أَهْلَ الدُّنْيَا مُنْذُ كَانَتِ الدُّنْيَا إِلَى أَنِ انْقَضَتْ سَبْعُونَ ضِعْفاً.

وَفِي الدُّعَاءِ : « اللهُمَّ مَا زَوَيْتَ عَنِّي مَا أُحِبُّ اجْعَلْهُ فَرَاغاً لِي فِيمَا تُحِبُّ ». يعني اجعل ما نحيته عني من محابي عونا على شغلي بمحابك ، وذلك لأن الفراغ خلاف الشغل ، فإذا زوى عنه الدنيا ليتفرغ

__________________

(١) في الكافي ج ٥ ص ١٤٤ : درهم ربا أشد من سبعين زنية.

٢٠٨

بمحاب ربه كان ذلك الفراغ عونا على الاشتغال بطاعة الله تعالى.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ (ص) : « إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا ». أي جعلها لي ، من « زَوَيْتُهُ أَزْوِيهِ زَوْياً » يريد تقريب البعيد منها حتى يطلع عليه اطلاعه على القريب منها.

ومثله « أَعْطَانِي رَبِّي اثْنَتَيْنِ وَزَوَى عَنِّي وَاحِدَةً ». أي ضم وقبض.

وَفِي الدُّعَاءِ : « وازْوِ لَنَا الْبَعِيدَ ». أي اجمعه واطوه.

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزْوِيَ الْإِمَامَةَ عَنِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ (١) ». أي يقبضها عنه.

و « زَوَيْتُهُ أَزْوِيهِ » أخفيته.

و « زَوَيْتُ المال عن صاحبه » مثله.

و « زَاوِيَةُ البيت » اسم فاعل من ذلك ، لأنها جمعت قطرا منه ، والجمع « زَوَايَا ».

وَفِي الْحَدِيثِ : « صَلِّ فِي زَوَايَا الْبَيْتِ ». يريد الكعبة المشرفة ، وبالصلاة فيها صلاة النافلة دون المكتوبة ، لورود النهي عن ذلك.

و « الزِّيُ » بالكسر : الهيئة ، وأصله « زَوَيَ ». ومنه قولهم : « زِيُ المسلم مخالف لِزِيِ الكافر ». قال في المصباح : وقولهم : « زَيَّيْتُهُ بكذا » إذا جعلت له زِيّاً ، والقياس « زَوَيْتُهُ » لأنه من بنات الواو ولكنهم حملوه على لفظ « الزي » تخفيفا ـ انتهى.

و « الزاي » حرف يمد ويقصر ولا يكتب إلا بياء بعد الألف ـ قاله الجوهري.

( زها )

في الحديث نهى عن بيع الثمار حتى تَزْهُوَ (٢) أي تصفر أو تحمر كما فسرته الرواية.

__________________

(١) الكافي ١ / ٢٧٨.

(٢) في الكافي ج ٦ ص ١٧٦ في حديث عن علي بن أبي حمزة : « وسألته عن رجل اشترى بستانا فيه نخل ليس فيه غير بسر أخضر ، فقال : لا حتى يزهو ، قلت : وما الزهو؟ قال : حتى يتلون ».

٢٠٩

قال بعضهم : « زَهَا النخل يَزْهُ و » ظهرت ثمرته ، و « أَزْهَى يُزْهِي » احمر واصفر ، ومنهم من أنكر « يَزْهُو » ومنهم من أنكر « يُزْهِي ». وفي الصحاح : « زَهَا النخل زَهْواً » و « أَزْهَى » أيضا لغة حكاه أبو زيد ولم يعرفها الأصمعي ، قال : و « الزَّهْ و » البسر الملون ، وأهل الحجاز يقولون : « الزُّهْو » بالضم ـ انتهى.

وعن بعضهم : إنما يسمى « زَهْواً » إذا أخلص لون البسر في الحمرة والصفرة.

و « الزَّهْو » الكبر والفخر ، ومنه حَدِيثُ الشِّيعَةِ : « لَوْ لَا يَدْخُلُ النَّاسَ زَهْوٌ لَسَلَّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ قُبُلاً ». أي فخر وكبر واستعظام.

ومثله : « لَوْ لَا أَنْ يَتَعَاظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ أَوْ يَدْخُلَهُمْ زَهْوٌ لَسَلَّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ قُبُلاً ».

و « الزَّهْو » الباطل والكذب.

و « الزَّهْو » المنظر الحسن.

و « زُهَاءُ » في العدد وزان غراب ، يقال : « لهم زُهَاءُ ألف » أي قدر ألف ، كأنه من زَهَوْتُ القوم إذا حزرتهم.

قال بعض الأفاضل : إذا قلت : أوصيت له أو له علي زُهَاءَ ألف فمعناه مقدار الألف وفاقا لأهل اللغة وبعض النحاة. وقال بعض الفقهاء : إنه أكثر الشيء حتى يستحق في مثالنا خمسمائة وحبة ، ولا شاهد له.

و « تَزْهُو مناكبهم » تهتز من قولهم : « زَهَتِ الريح الشجر » إذا هزته.

٢١٠

باب ما أوله السين

السين المفردة

وهي حرف يختص بالمضارع وتخليصه للاستقبال وينزل منه منزلة الجزء ولهذا لم يعمل فيه مع اختصاصه به ، وليس مقتطعا من سوف خلافا للكوفيين ، ولا مدة الاستقبال معه أضيق منها مع سوف خلافا للبصريين ، وزعم بعضهم أنها للاستمرار لا للاستقبال واستدل عليها بقوله تعالى : ( سَتَجِدُونَ آخَرِينَ ) ، ( سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ ) فجاءت السين إعلاما بالاستمرار لا بالاستقبال. قال ابن هشام : هذا الذي قاله لا يعرفه النحويون ، ثم حكى عن الزمخشري أنه قال : فإن قلت : أي فائدة في الإخبار بقولهم قبل وقوعه؟ قلت : فائدته أن المفاجأة للمكروه أشد والعلم به قبل وقوعه أبعد عن الاضطراب إذا وقع ـ انتهى.

وتسمى هذه السِّينُ حرف توسع ، وذلك لأنها تقلب المضارع من الزمن الضيق وهو الحال إلى الزمن الموسع وهو الاستقبال.

( سبا )

قوله تعالى : ( لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ ) [ ٣٤ / ١٥ ] قَالَ (ع) : « إِنَّ بَحْراً كَانَ مِنَ الْيَمَنِ وَكَانَ سُلَيْمَانُ أَمَرَ جُنُودَهُ أَنْ يُجْرُوا لَهُمْ خَلِيجاً مِنَ الْبَحْرِ الْعَذْبِ إِلَى بِلَادِ الْهِنْدِ فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَعَقَدُوا لَهُ عُقْدَةً عَظِيمَةً مِنَ الصَّخْرِ [ وَالْكِلْسِ ] (١) حَتَّى يُفِيضَ عَلَى بِلَادِهِمْ وَجَعَلُوا لِلْخَلِيجِ

__________________

(١) الكلس ـ بكسر الكاف وسكون اللّام ـ : الصّاروج يبنى به.

٢١١

مَجَارِيَ فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُرْسِلُوا مِنْهُ الْمَاءَ أَرْسَلُوهُ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ ، وَكَانَتْ لَهُمْ ( جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ ) مِنْ مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فِيهَا ثَمَرٌ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا الشَّمْسُ مِنِ الْتِفَافِهَا ، فَلَمَّا عَمِلُوا بِالْمَعَاصِي وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَنَهَاهُمُ الصَّالِحُونَ فَلَمْ يَنْتَهُوا بَعَثَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ السَّدِّ الْجُرَذَ ـ وَهِيَ الْفَأْرَةُ الْكَبِيرَةُ ـ فَكَانَتْ تَقْتَلِعُ الصَّخْرَةَ الَّتِي لَا يَسْتَقِلُّهَا الرِّجَالُ وَتَرْمِي بِهَا ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْهُمْ هَرَبُوا وَتَرَكُوا الْبِلَادَ ، فَمَا زَالَ الْجُرَذُ يَقْلَعُ الْحَجَرَ حَتَّى خَرَّبُوا ذَلِكَ السَّدَّ ، فَلَمْ يَشْعُرُوا حَتَّى غَشِيَهُمُ السَّيْلُ وَخَرَّبَ بِلَادَهُمْ وَقَلَعَ أَشْجَارَهُمْ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ) أَيِ الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ ( وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ) ـ الْآيَةَ (١). وقرئ « سَبَأً » بالهمز منونا وغير منون على منع الصرف ، و « سَبَا » بالألف ، فمن جعله اسما للقبيلة لم يصرفه ومن جعله اسما للحي أو للأب الأكبر صرفه.

و « سَبَأٌ » أبو عرب اليمن كلها ، وهو سَبَأُ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، ثم سميت مدينة مأرب المسماة بمازن سَبَأ ، وهي قرب اليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال. ويقال : إن سَبَأَ مدينة بلقيس باليمن ، وهي ملكة سَبَإٍ.

وقولهم : « ذهبوا أيدي سَبَا » و « أيادي سَبَا » (٢) مثل متفرقين ، وهما اسمان جعلا واحدا كمعديكرب.

و « سَبَأُ » قبيلة من أولاد سَبَإِ بن يشجب المتقدم ذكره ، وهذه القبيلة كانت بمازن وقصتهم في تفرقهم مشهورة

__________________

(١) البرهان ج ٣ ص ٣٤٦.

(٢) في مجمع الأمثال ج ١ ص ٢٧٨ : « ذهبوا أيدي سبا » و « تفرقوا أيدي سبا ».

٢١٢

يضرب فيها المثل (١).

وَفِي وَصْفِهِ (ع) : « لَمْ يَسْتَحِلَ السِّبَاءَ ». هو بالكسر والمد : الخمر.

و « السِّبَاءُ » أيضا ـ والقصر لغة ـ الاسم من « سَبَيْتُ العدو سَبْياً » من باب رمى : أسرته.

و « السَّبْيُ » ما يُسْبَى ، وهو أخذ الناس عبيدا وإماء.

و « السَّبِيَّةُ » المرأة المنهوبة ، والجمع « سَبَايَا » كعطية وعطايا.

و « سَبَاهُ الله سَبْياً » إذا غربه وأبعده.

وَفِي الْخَبَرِ : « تِسْعَهُ أَعْشَارِ الْبَرَكَةِ فِي التِّجَارَةِ وَعُشْرٌ فِي السَّابِيَاءِ ». وفسر بالنتاج.

( سجا )

قوله تعالى : ( وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ) [ ٩٣ / ٢ ] أي إذا سكن واستوت ظلمته ، ومنه : بحر سَاجٍ.

وَفِي الدُّعَاءِ : « لَا يُوَارِيكَ لَيْلٌ سَاجٍ ». أي لا يستر عنك ، و « سَاجٍ » اسم فاعل من سَجَيَ بمعنى ركد واستقر ، والمراد ليل راكد ظلامه مستقر قد بلغ غايته.

وَفِي الْحَدِيثِ : « إِذَا مَاتَ لِأَحَدِكُمْ مَيِّتٌ فَسَجُّوهُ » (٢). أي غطوه « تجاه القبلة » أي تلقاها. يقال : « سَجَّيْتُ الميت » بالتثقيل إذا غطيته بثوب ونحوه ، وتَسْجِيَةً الميت : تغطيته.

وفي وصف الريح مع الماء « ترد أوله على آخره وسَاجِيهِ على مائره » أي ساكنه على متحركه.

و « السَّجِيَّةُ » كعطية : الغريزة والطبيعة التي جبل عليها الإنسان.

وَفِي وَصْفِهِ (ع) : « خُلُقُهُ سَجِيَّةٌ ». أي طبيعة من غير تكلف.

وَمِثْلُهُ فِي وَصْفِهِمْ (ع) : « سَجِيَّتُكُمُ

__________________

(١) في تاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٠٥ : واسم سبأ عبد شمس فلمّا أكثروا الغزو والسّبي سمّي سبأ.

(٢) الكافي ج ٣ ص ١٢٧.

٢١٣

الْكَرَمُ » (١).

( سحا )

فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ : « فَخَرَجُوا فِي مَسَاحِيِّهِمْ ». وهي جمع مِسْحَاةٍ من السحو : الكشف والإزالة. قال الجوهري : « المِسْحَاةُ » كالمجرفة إلا أنها من حديد.

وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى لِأَخِيهِ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (ع) : « مَا أَعْرَفَنِي بِلِسَانِكَ وَلَيْسَ لِمِسْحَاتِكَ عِنْدِي طِينٌ ». هو مثل أو خارج مخرجه لكل من لم يسمع كلام غيره ولم يصغ لنصيحته (٢).

و « التَّمْسِيحُ » القول الحسن ممن يخدعك به ـ قاله في القاموس.

و « السِّحَاءُ » بالكسر والمد : شجرة صغيرة مثل الكف لها شوك وزهرة حمراء في بياض ، تسمى زهرتها « البهرمة » إذا أكلته النحل طاب عسلها وحلا.

و « السَّحَا » الخفاش ، الواحدة « سَحَاةٌ » مفتوحتان مقصورتان ـ قاله الجوهري.

و « سَحَيْتُهُ أسْحَاهُ » إذا قشرته.

( سخا )

فِي الْحَدِيثِ : « مِمَّا سَخَى بِنَفْسِي كَذَا ». أي مما أرضاني كذا.

و « السَّخَاءُ » بالمد : الجود والكرم (٣) قال في المصباح : وفي الفعل ثلاث لغات :

__________________

(١) من زيارة الجامعة الكبيرة.

(٢) الوافي ج ٢ ص ٨٨. ويظهر من هذه الرواية أن العباس بن الإمام موسى بن جعفر القائل لهذا القول لم يكن شخصا موثوقا عند الرواة ولا تقبل شهادته عند القضاة لأن إبراهيم بن محمد يقول فيها : بصراحة نعرفك بالكذب صغيرا وكبيرا ، وكان أبوك أعرف بك لو كان فيك خير وإن كان أبوك لعارفا بك في الظاهر والباطن وما كان ليأمنك على تمرتين. وقال له عمه إسحاق بن جعفر : إنك لسفيه ضعيف أحمق.

(٣) يذكر في « يدا » و « سمح » و « شرد » حديثا في السخاء ، وفي « سم » و « كرم » شيئا فيه ز.

٢١٤

سَخَا وسَخَتْ نفسه من باب علا ، والثانية سَخِيَ يَسْخَى من باب تعب ، والثالثة سَخُوَ يَسْخُو من باب قرب سَخَاوَةً فهو سَخِيٌ ـ انتهى.

وَفِي الْحَدِيثِ : « السَّخَاءُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً وَأَمَّا مَا كَانَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَحَيَاءٌ وَتَذَمُّمٌ (١) ». قال بعض الشارحين : « السَّخَاءُ » ملكة بذل المال لمستحقه بقدر ما ينبغي ابتداء ، و « التذمم » الاستنكاف مما يقع من السائل.

وفِيهِ : « الْمُسَخِيَةُ رِيحٌ يَبْعَثُهَا اللهُ إِلَى الْمُؤْمِنِ تُسَخِّي نَفْسَهُ عَنِ الدُّنْيَا حَتَّى يَخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى ». كأنه من سَخَوْتُ نفسي عن الشيء : تركته.

و « سَخُوَ الرجل » صار سَخِيّاً. و « فلان يَتَسَخَّى على أصحابه » أي يتكلف السَّخَاءَ.

و « السَّخْوَاءُ » الأرض السهلة الواسعة ، والجمع « السَّخَاوِي » مثل الصحاري ـ قاله الجوهري.

( سدا )

قوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ) [ ٧٥ / ٣٦ ] أي مهملا غير مكلف لا يحاسب ولا يعذب ولا يسأل عن شيء.

ومنه قَوْلُهُ (ع) : « ولَمْ يَتْرُكْ جَوَارِحَكَ سُدًى ».

وَفِي الْحَدِيثِ : « مَنْ أَسْدَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ » (٢). أي من أعطاكم معروفا فكافئوه. قال في النهاية : أَسْدَى وأولى وأعطى بمعنى ـ انتهى.

و « السَّدَى » من الثوب كحصى ، و « السَّتَا » لغة فيه : خلاف اللحمة ، وهو مما يمد طويلا في النسج ، و « السَّدَاةُ » مثله ، وهما « سَدَيَانِ » والجمع « أَسْدِيَةٌ ».

و « السَّادِي » السادس ، وقع الإبدال من السين.

__________________

(١) نهج البلاغة ٣ / ١٦٤.

(٢) في تحف العقول ص ٤٩ : « من أتى إليكم معروفا فكافئوه ».

٢١٥

( سرا )

قوله تعالى : ( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ) [ ١١ / ٨١ ] أي سر بهم ليلا ، يقال : « سَرَى بهم ليلا » و « أَسْرَى ».

قوله تعالى : ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) [ ١٧ / ١ ] المعنى على ما قِيلَ : أَنَّهُ أَسْرَى بِهِ فِي لَيْلَةٍ مِنْ جُمْلَةِ اللَّيَالِي مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ مَسِيرَةَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، وَقَدْ عُرِجَ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَبَلَغَ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ وَبَلَغَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى. وقيل : الإِسْرَاءُ إلى السماوات في المنام لا بجسده ، والحق الأول كما عليه الجمهور ، وأحاديث البراق مشهورة (١) قوله تعالى : ( وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ ) [ ٨٩ / ٤ ] قيل : المعنى إذا يمضي وسار وذهب.

قوله تعالى : ( تَحْتَكِ سَرِيًّا ) [ ١٩ / ٢٤ ] قيل السَّرِيُ الشريف الرفيع ، يعني عيسى (ع). ومنه قَوْلُهُ (ع) : « يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ السَّرِيِ أَنْ يَحْمِلَ الشَّيْءَ الدَّنِيءَ ». وجمعه « سَرَاةٌ » بالفتح على غير القياس. وقيل : سَرِيًّا أي نهرا تشربين منه وتطهرين فيه.

ومنه قَوْلُهُ (ص) : « مَثَلُ الصَّلَاةِ فِيكُمْ كَمَثَلِ السَّرِيِ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَ يَغْتَسِلُ مِنْهُ خَمْسَ مَرَّاتٍ ».

وفِي الْحَدِيثِ : « فَبَعَثَ سُرِّيَّةً ». هي بفتح سين ، فعيلة بمعنى فاعلة : القطعة من الجيش من خمس أنفس إلى ثلاثمائة وأربعمائة ، توجه مقدم الجيش إلى العدو ، والجمع « سَرَايَا » و « سَرَايَاتٌ » مثل عطية وعطايا وعطايات. قيل : سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم ، أو من الشيء السَّرِيِ : النفيس. وقيل : سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية. قال في النهاية : وليس بالوجه لأن لام

__________________

(١) تقدم في « أبا » شيئا في ليلة الإسراء ، ويذكر في « سجد » و « برق » شيئا في إسرائه (ص) ـ ز.

٢١٦

« السر » راء وهذه ياء (١).

ومنه الدُّعَاءُ : « اللهُمَّ انْصُرْ جُيُوشَ الْمُسْلِمِينَ وَسَرَايَاهُمْ وَمُرَابِطِيهِمْ ».

و « سَرَيْنَا سَرْيَةً واحدة » الاسم « السُّرْيَةُ » بالضم ، و « السِّرَايَةُ سُرَى » الليل وهو مصدر.

و « سَرَيْتُ الليل » و « سَرَيْتُ فيه سَرْياً » إذا قطعته بالسير. و « أَسْرَيْتُ » لغة حجازية ، ويستعملان متعديان بالباء إلى مفعول فيقال : « سَرَيْتُ بزيد » ، و « سَرَيْنَا سرية من الليل ». و « سُرْيَة » والجمع « سُرًى » مثل مُدْيَة ومُدًى.

وعن أبي زيد : « السُّرَى » أول الليل ووسطه وآخره ، وقد استعملت العرب سَرَى في المعاني تشبيها لها بالأجسام مجازا ، قال تعالى : ( وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ ).

و « سَرَى فيه السم » إذا تعدى أثره إليه.

و « سَرَى عليه الهم » إذا أتاه ليلا.

و « سَرَى همه » ذهب.

و « سَرَى الجرح إلى النفس » دام ألمه حتى حدث منه الموت.

و « سَرَى العتق » بمعنى التعدية.

و « اللغة السُّرْيَانِيَّةُ » لغة القس والجاثليق (٢).

وَفِي الْخَبَرِ : « لَيْسَ لِلنِّسَاءِ سَرَوَاتُ الطَّرِيقِ (٣) ». أي ظهر الطريق ووسطه ، ولكنهن يمشين في الجوانب.

و « السَّرْو » شجر معروف ، الواحدة « السروة ».

( سطا )

قوله تعالى : ( يَكادُونَ يَسْطُونَ ) [ ٢٢ / ٧٢ ] أي يتداولونهم بالمكروه ويبطشون بهم من شدة الغيظ.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ (ص) مَعَ قُرَيْشٍ : « أَمَا لَيَسْطُنَ بِكُمْ سَطْوَةً يَتَحَدَّثُ بِهَا أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ». يقال : « سَطَا عليه وبه يَسْطُو سَطْواً وسَطْوَةً » قهره وأذله ،

__________________

(١) يذكر في « بعث » السرية أيضا ـ ز.

(٢) يذكر في « جثق » و « قسس » اللغة السريانية أيضا ـ ز.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٥١٨.

٢١٧

وهو البطش بشدة ، والجمع « سطوات ».

وَفِي الْخَبَرِ : « لَا بَأْسَ أَنْ يَسْطُوَ الرَّجُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ تَجِدِ امْرَأَةً تُعَالِجُهَا وَخِيفَ عَلَيْهَا ». يعني إذا نشب ولدها في بطنها ميتا فله مع عدم القابلة أن يدخل يده ويستخرج الولد.

وَفِي الدُّعَاءِ : « نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ سَطَوَاتِ اللَّيْلِ ». يعني الأخذ بالمعاصي.

( سعا )

قوله تعالى : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ) [ ٥٣ / ٣٩ ] أي إلا ما عمل. قال المفسر : وأما ما جاء في الأخبار من الصدقة عن الميت والحج عنه والصلاة فإن ذلك وإن كان سعي غيره فكأنه سعي نفسه ، لكونه قائما مقامه وتابعا له ، فهو بحكم الشريعة كالوكيل النائب عنه.

قوله تعالى : ( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) [ ٦٢ / ٩ ] أي بادروا بالنية والجد ، ولم يرد العدو والإسراع في المشي ، والسعي يكون عدوا ومشيا وقصدا وعملا ، ويكون تصرفا بالصلاح والفساد. والأصل فيه المشي السريع لكنه يستعمل لما ذكر وللأخذ في الأمر.

قوله تعالى : ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ ) [ ٥٧ / ١٢ ] قال الشيخ أبو علي (ره) : ( يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ) لأنهم أوتوا صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين ، فجعل النور في الجهتين شعارا لهم وآية لسعادتهم وفلاحهم ، فإذا ذهب بهم إلى الجنة ومروا على الصراط يَسْعَوْنَ سَعْيَ ذلك النور لِسَعْيِهِمْ ، ويقول لهم الذين يتلقونهم : ( بُشْراكُمُ الْيَوْمَ ) ـ الآية. قوله تعالى : ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ) [ ٣٧ / ١٠٢ ] أي الحد الذي يقدر فيه على السعي ، وكان إذ ذاك ابن ثلاثة عشر سنة.

وَفِي الْحَدِيثِ : « ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ » سُئِلَ الصَّادِقُ (ع) عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ : « لَوْ أَنَّ جَيْشاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَاصَرُوا قَوْماً مِنَ الْمُشْرِكِينَ

٢١٨

فَأَشْرَفَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ : أَعْطُونِي الْأَمَانَ حَتَّى أَلْقَى صَاحِبَكُمْ وَأُنَاظِرَهُ ، فَأَعْطَاهُ أَدْنَاهُمُ الْأَمَانَ وَجَبَ عَلَى أَفْضَلِهِمُ الْوَفَاءُ بِهِ » (١).

و « سَعَى به إلى الوالي » وشى به (٢).

وكل من ولي شيئا على قوم فهو ساع عليهم. قيل : وأكثر ما يقال ذلك في ولاة الصدقة وهم السعاة ، يقال : « سَعَى الرجل على الصدقة يَسْعَى سَعْياً » عمل في أخذها من أربابها.

و « سَعَى إلى الصلاة » ذهب إليها على أي وجه كان.

و « اسْتَسْعَيْتُهُ في قيمته » طلبت منه ، والفاعل « سَاعٍ ».

وفِيهِ : « إِذَا عُتِقَ الْعَبْدُ اسْتُسْعِيَ » وهُوَ أَنْ يَسْعَى فِي فَكَاكِ مَا بَقِيَ مِنْ رِقِّهِ.

و « السِّعَايَةُ » بكسر السين : العمل ، ومنه سُعَاةُ الصدقات.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) فِي الدُّنْيَا : « مَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ ». أي سابقها ، وهي مفاعلة من السعي.

ومن أمثال العرب : « رب سَاعٍ لقاعد » قيل : أول من قال ذلك نابغة الذبياني (٣) ومن قصته أنه وفد إلى النعمان

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٠.

(٢) يذكر في « فرج » و « قلع » و « محل » شيئا في السعاة بالناس إلى السلطان ـ ز.

(٣) هو ( أبو أمامة زياد بن معاوية الذبياني ) الشاعر الجاهلي الذي قيل في شعره : إنه أحسن الناس ديباجة شعر وأكثرهم رونق كلام وأجزلهم بيتا ، كان يفد على النعمان بن المنذر وكان خاصا به وجمع من عطاياه ثروة كاملة ، لقب ( بالنابغة ) لنبوغه في الشعر وهو كبير بعد أن امتنع عليه وهو صغير ، عمر طويلا ومات قبيل البعثة ، ومن شعره قصيدته الرائية التي هي إحدى المعلقات السبع. الشعر والشعراء ص ٢٠ ، الكنى والألقاب ج ٣ ص ١٩٧ جواهر الأدب ج ٢ ص ٣٩.

٢١٩

بن المنذر وفد من العرب فيهم رجل من عبس فمات عنده ، فلما حبا النعمان الوفد بعث إلى أهل الميت بمثل حباء الوفود ، فبلغ النابغة ذلك فقال : « رب سَاعٍ لقاعد » (١).

( سفا )

فِي حَدِيثِ أَصْحَابِ الْفِيلِ : « جَاءَهُمْ طَيْرٌ سَافٌ مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ رُءُوسُهَا كَأَمْثَالِ رُءُوسِ السِّبَاعِ » (٢). أي مسرع ، من « سَفَا يَسْفُ و » أسرع في المشي وفي الطيران.

و « السَّافِي » كالرامي : الريح التي تَسْفِي التراب وتذروه ، والسَّافِيَاتُ مثله. يقال : « سَفَتِ الريح التراب » بالتخفيف « تَسْفِيهِ سَفْياً » إذا ذرته ، ومنه « قَبْرٌ سَفَى عَلَيْهِ السَّافِي » (٣).

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَمْ يُوضَعِ التَّقْصِيرُ عَلَى الْبَغْلَةِ السَّفْوَاءِ وَالدَّابَّةِ النَّاجِيَةِ (٤) ». أراد بِالسَّفْوَاءِ الخفيفة السريعة ، وبالدابة الناجية مثله.

( سقا )

قوله تعالى : ( ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها ) [ ٩١ / ١٣ ] أي شربها ، ونصب ( ناقَةَ ) بفعل مقدر. قوله تعالى : ( وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ ) [ ٢ / ٦٠ ] أي دعا لهم بِالسُّقْيَا.

قوله تعالى : ( جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ) [ ١٢ / ٧٠ ] السِّقَايَةُ ـ بالكسر ـ : مشربة يُسْقَى بها وهو الصواع ، قيل : كان يُسْقَى بها الملك ثم جعلت صواعا يكال به ، وكانت من فضة مموهة بالذهب ، وقيل : كانت من ذهب مرصع بالجواهر.

و « السِّقَايَةُ » موضع يتخذ لِسَقْيِ الناس (٥).

ومنه قوله تعالى : ( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ ) [ ٩ / ١٩ ] أي أهل سقاية

__________________

(١) مجمع الأمثال ج ١ ص ٣١١.

(٢) البرهان ج ٤ ص ٥٠٨.

(٣) الكافي ٣ / ٢٦٠.

(٤) من لا يحضر ١ / ٢٨٠.

(٥) يذكر في « كبد » و « حرر » شيئا في سقي العطشان ـ ز.

٢٢٠