مجمع البحرين - ج ١

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ١

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٩٢

باب ما أوله الشين

( شآ )

قد جاء في الحديث مما استشهد به من قول الشاعر (١) :

حتى شَآهَا كليل موهنا عمل

باتت طرابا وبات الليل لم ينم (٢)

وقيل في شرحه : « شَآهَا » أي سبقها ، والضمير للاتن الوحشية من قولهم : « شَأَوْتُ القوم شَأْواً » إذا سبقتهم ، و « الكليل » الذي أعيا من شدة العمل يقال : « كللت من الشيء أكل كلالة » أي عييت ، وكذلك البعير ، والمراد به هنا البرق الضعيف ، و « موهنا » ظرف معمول الكليل وهو الساعة من الليل. وفي الصحاح : الوهن نحو من نصف الليل والموهن مثله ، قال الأصمعي : هو حين يدبر الليل. و « عمل » بكسر الميم على فعل : الدائب العمل ، يقال : رجل عمل أي مطبوع على العمل ، ولا فرق بين عمل وعامل ، و « الإبل الطراب » التي تسرع إلى أوطانها (٣) والمعنى : أن البرق الذي سبق الحمر الوحشية أكل الساعات من الليل يداومه فباتت الحمر طرابا من ضوئه والليل بات ولم ينم من عمل البرق ، وإكلاله إياه من قبيل المجاز كما يقال : « أتعبت يومك » و « أسهرت ليلتك ».

قال بعض الأفاضل : الخليل وسيبويه وجمهور النحاة على أن فعيلا يعمل عمل

__________________

(١) لسان العرب ( شأى ). وقد استشهد به على أن يكون « شأى » بمعنى طرب وشاق.

(٢) استشهد به في التهذيب ١ / ٢١٥.

(٣) قال في الصحاح : و « إبل طوارب » تنزع إلى أوطانها.

٢٤١

فعله وقليل أنه لا يعمل ، واستشهد على إعماله بقول الشاعر : « حتى شَآهَا ... » ـ البيت. ثم قال : فإن قيل : فكليل غير متعد لأنه من كل إذا أعيا ، ولا يقال : « كل زيد عمرا » وحينئذ لا حجة فيه! قلنا : لا نسلمه بل كليل بمعنى مكل كأنه أكل حمر الوحش ، أي أتعبها وأعياها بالمشي إلى جهته ولذلك وصفه بأنه لم ينم يعني البرق ، كأليم بمعنى مؤلم وسميع بمعنى مسمع ، فيكون بمعنى متعبها ، ولا يقال : إن فعيلا لا يأتي إلا من فعل ـ بضم العين ـ وهو للغرائز ، كشرف فهو شريف وكرم فهو كريم ، ولا يكون إلا لازما فلا يصح لأن يكون عاملا. لأنا نقول : قد بينا أن فعيلا يأتي لغير الغرائز ، ومنه قوله : « زيد رحيم عمرا » وقوله : (١) :

إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له

أكيلا فإني لست آكله وحدي

فأكيل بمعنى آكل.

( شتا )

فِي الْحَدِيثِ : « الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ » (٢). الشِّتَاءُ ـ ممدودا ـ : أحد الفصول الأربعة من السنة ، وهو في حساب المنجمين أحد وتسعون يوما وثمن ، وهو النصف من تشرين الثاني وكانون الأول وكانون الثاني ونصف شباط ، ودخوله عند حلول الشمس رأس الجدي ، قيل : هو جمع « شتوة » مثل كلبة وكلاب ـ نقلا عن ابن فارس والخليل والفراء. ويقال : إنه مفرد علم على الفعل ولهذا جمع على « أَشْتِيَةٍ ».

ويقال : « شَتَوْنَا بمكان كذا شَتْواً » من باب قتل : أقمنا به شتاء.

و « أَشْتَيْنَا » بالألف : دخلنا في الشتاء.

و « شَتَى القوم » من باب قال « فهو شَاةٍ » : إذا اشتد برده.

و « هذا الشيء يَشْتِينِي » أي يكفيني

__________________

(١) البيت من مقطوعة لحاتم الطائي. انظر الأغاني ج ١٢ ص ١٥٠.

(٢) الوسائل ، الباب السادس من أبواب الصوم المندوب.

٢٤٢

لشتائي ـ كذا في المصباح.

( شجا )

فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) فِي أَمْرِ الْخِلَافَةِ : « فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذًى وَفِي الْحَلْقِ شَجاً » (١). القذى : ما يقع في العين فيؤذيها كالغبار ونحوه ، والشَّجَى ما ينبت في الحلق من عظم ونحوه فيغص به ، وهما على ما قيل كنايتان عن النقمة ومرارة الصبر والتألم من الغبن.

وَفِي الْخَبَرِ : « كَانَ لِلنَّبِيِّ (ص) فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ : الشّجَاءُ » (٢). بمد ، وفسر بواسع الخطو.

و « شَجِيَ الرجل يَشْجَى شَجىً » من باب تعب : حزن ، فهو شج بالنقص. وربما قيل على قلة « شَجِيٌ » بالتثقيل كما قيل : حزن وحزين. قال في المصباح : ويتعدى بالحركة فيقال : شَجَا لهم يَشْجُو شَجْواً من باب قتل : إذا حزنته ـ انتهى.

ومن أمثال العرب : « ويل لِلشَّجِيِ من الخلي » (٣) والمراد بالخلي الذي ليس به حزن فهو يعذل الشجي ويلومه فيؤذيه.

و « الشَّجِي » بكسر الجيم وسكون الياء على ما قيل منزل بطريق مكة.

( شدا )

« الشَّادِي » الذي يشدو شيئا من الأدب ، أي يأخذ طرفا منه.

و « شَدَوْتُ » إذا أنشدت بيتا أو بيتين تمد به صوتك كالغناء ، ويقال للمغني : « الشَّادِي » ـ كذا في الصحاح.

__________________

(١) من خطبته (ع) المعروفة بالشقشقية.

(٢) لم نعثر على من يذكر للنبي فرسا باسم « شجاء » ، بل قال في النهاية ج ٢ ص ٢٠٧ : كان للنبي (ص) فرس يقال له « الشحاء » ، هكذا روي بالمد وفسر بأنه واسع الخطو.

(٣) مجمع الأمثال ج ٢ ص ٣٣٠.

٢٤٣

( شذا )

« الشَّذَا » الأذى والشر.

( شرا )

قوله تعالى : ( شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) [ ٢ / ١٠٢ ] أي باعوا به أنفسهم ، ومثله ( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ ) [ ١٢ / ٢٠ ] أي باعوه.

قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) [ ٢ / ٢٠٧ ] أي يبيعها.

قوله تعالى : ( فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ ) [ ٤ / ٧٤ ] أي يبيعونها.

قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ ) ـ الآية [ ٩ / ١١١ ] نزلت في الأئمة خاصة ، ويدل على ذلك أن الله مدحهم وحلاهم ووصفهم بصفة لا تجوز في غيرهم فقال : ( التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ ) [ ٩ / ١١٢ ] ومن المعلوم أنه لا يقوم بذلك كله صغيره وكبيره ودقيقه وجليله إلا هم ـ عليه السلام ـ ولا يجوز أن يكون بهذه الصفة غيرهم.

قوله تعالى : ( اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى ) [ ٢ / ١٦ ] أي بدلوا ، وأصله « اشتريوا ».

قوله تعالى : ( لَمَنِ اشْتَراهُ ) [ ٢ / ١٠٢ ] أي استبدلوا ما تتلو الشياطين بكتاب الله.

وَفِي حَدِيثِ مَاءِ الْوُضُوءِ : « ومَا يَشْتَرِي بِذَلِكَ مَالٌ كَثِيرٌ » (١). قيل : لفظ « ما يشتري » يقرأ بالبناء للفاعل والمفعول ، والمراد أن الماء المشترى للوضوء مال كثير لما يترتب عليه من الثواب العظيم ، وربما يقرأ « ماء » بالمد والرفع. اللفظي ، والأظهر كونها موصولة أو موصوفة ـ انتهى.

وهذا على ما في بعض النسخ ، وفي بعضها ـ وهو كثير ـ « يسرني » وفي بعضها « يسوؤني » والمعنى واضح.

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٧٤.

٢٤٤

وفيه ذكر « الشُّرَاةِ » (١) جمع شَارٍ كقضاة جمع قاض ، وهم الخوارج الذين خرجوا عن طاعة الإمام ، وإنما لزمهم هذا اللقب لأنهم زعموا أنهم شَرَوْا دنياهم بالآخرة أي باعوا ، أو شَرَوْا أنفسهم بالجنة لأنهم فارقوا أئمة الجور.

و « الشَّرَاةُ » بالفتح : اسم جبل دون عسفان (٢).

و « شراء » يمد ويقصر وهو الأشهر ، يقال : « شَرَيْتُ الشيء أَشْرِيهِ شِرًى وشِرَاءً » إذا بعته وإذا اشتريته أيضا ، وهو من الأضداد ، وإنما ساغ أن يكون الشِّرَاءُ من الأضداد لأن المتبايعين تبايعا الثمن والمثمن ، فكل من العوضين مبيع من جانب ومشتري من جانب.

و « شَرَيْتُ الجارية شِرًى فهي شَرِيَّةٌ » فعيلة بمعنى مفعولة ، و « عبد شَرِيٌ » وجوزوا « مُشْرَيَةً ومُشْرىً » ، والفاعل « شَارٍ » مثل قاض.

و « الشِّرَا » يجمع على أَشْرِيَةٍ وإن شذّ ، ومنه الْحَدِيثُ : « كُلَّمَا صَغُرَ مِنْ أُمُورِكَ كِلْهُ إِلَى غَيْرِكَ فَقِيلَ : ضَرْبُ أَيِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ : « ضَرْبُ أشْرِيَةِ الْعَقَارِ وَمَا أَشْبَهَهَا ». وشَرْوَى الشيءِ مثلُه.

و « الشَّرْيَةُ » النخلة تنبت من النواة.

و « اسْتَشْرَى » إذا لجّ في الأمر.

و « الشَّرَى » كحصى : خراج صغار لها لذع شديد ، ومنه « شَرِيَ جِلْدُه ».

و « أَشْرَاءُ الحرم » نواحيه.

و « الْمُشْتَرِي » نجم ظاهر معروف.

( شطا )

قوله تعالى : ( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ) [ ٤٨ / ٢٩ ] المراد السنبل وفراخ الزرع ، عن ابن الأعرابي من « أَشْطَأَ الزرع » بالألف « فهو مُشْطِئٌ » إذا فرخ ، والجمع « أَشْطَاء ». قيل : هذا مثل ضرب الله عزوجل للنبي (ص)

__________________

(١) في الوافي ٢ / ١٧٠ عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : صلى بنا علي عليه السلام ببراثا بعد رجوعه من قتال الشراة ....

(٢) الشراة جبل شامخ مرتفع من دون عسفان تأويه القرود ... وبه عقبة تذهب إلى ناحية الحجاز لمن سلك عسفان. مراصد الاطلاع « الشراة ».

٢٤٥

إذ خرج وحده ثم قواه الله بأصحابه.

قوله تعالى : ( شاطِئِ الْوادِ ) [ ٢٨ / ٣٠ ] أي شطه وجانبه.

و « شَطَا » بغير همز (١) : قرية بناحية مصر تنسب إليها الثياب الشَّطَوِيَّةِ ومنه حَدِيثُ أَبِي الْحَسَنِ (ع) : « إِنِّي كَفَّنْتُ أَبِي فِي ثَوْبَيْنِ شَطَوِيَّيْنِ » (٢).

( شظا )

فِي الْخَبَرِ : « إِنَّ اللهَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ لِإِبْلِيسَ نَسْلاً وَزَوْجَةً أَلْقَى عَلَيْهِ الْغَضَبَ فَطَارَتْ مِنْهُ شَظِيَّةٌ مِنْ نَارٍ فَخَلَقَ مِنْهَا امْرَأَتَهُ » (٣). قال الجوهري : « الشَّظِيَّةُ » الفلقة من العصا ونحوها ، والجمع « شَظَايَا ».

( شعا )

قال الجوهري : « غارة شَعْوَاءُ » أي متفرقة.

وشِعْيَا بن راموسى ، قيل : بعثه الله إلى قوم فقتلوه فأهلكهم الله (٤).

( شغا )

« السن الشَّاغِيَةُ » هي الزائدة على الإسنان ، وهي التي يخالف نبتها نبته.

و « الشَّغْوَاءُ » بفتح الشين وسكون الغين المعجمة وبالمد : العقاب ، سمي بذلك لفضل منقارها الأعلى على الأسفل ـ قاله الجوهري وغيره.

( شفا )

قوله تعالى : ( عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ ) [ ٩ / ١٠٩ ] هو بالقصر وفتح الشين

__________________

(١) وقيل : شطاة ... قال الحسن بن محمد المهلي : على ثلاثة أميال من دمياط على ضفة البحر الملح مدينة تعرف بشطا ، وبها وبدمياط يعمل الثوب الرفيع الذي يبلغ الثوب منه ألف درهم ولا ذهب فيه. معجم البلدان ( شطا ).

(٢) الوافي ج ١٣ ص ٥٧.

(٣) البحار ج ١٤ ص ٦٤١.

(٤) انظر قصة شعيا في البحار ج ٥ ص ٣٧١.

٢٤٦

وزان نوى : طرفه وجانبه ، يقال : « شفا جرف » و « شفا بئر » و « شفا واد » و « شفا قبر » وما أشبهها ويراد بها ذلك ، فقوله : ( عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ ) أي طرف موضع تجرفه السيول ، أي أكلت ما تحته. و « هار » مقلوب من هائر ، كقولهم : « شاك السلاح » و « شائك السلاح » كما يأتي في بابه.

ومثله قوله تعالى : ( كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ ) [ ٣ / ١٠٣ ] أي طرفها.

قوله تعالى : ( فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ ) [ ١٦ / ٦٩ ] الضمير للشراب لأنه من جملة الأشفية والأدوية المشهورة ، وتنكيره إما لتعظيم الشفاء الذي فيه أو لأن فيه بعض الشفاء. وقيل : الضمير للقرآن لما فيه من شفاء بعض الأدوية.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ (ع) : « ولَوْ لَا مَا سَبَقَنِي إِلَيْهِ ابْنُ الْخَطَّابِ مَا زَنَى مِنَ النَّاسِ إِلَّا شَفىً » (١). أي إلا قليل ، من قوله : « غابت الشمس إلا شَفىً » أي إلا قليل من ضوئها لم يغب المراد بما سبقه من تحريم المتعة فإنه هو الذي حرمها بعد رسول الله (ص) ولم تكن محرمة في زمانه (ص) ولا في زمان الأول من الخلفاء. ومثله حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ : « مَا كَانَتِ الْمُتْعَةُ إِلَّا رَحْمَةً رَحِمَ اللهُ بِهَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، فَلَوْ لَا نَهْيُهُ مَا احْتَاجَ إِلَى الزِّنَى إِلَّا شَفىً ».

و « أَشْفَى على الشيء » بالألف : أشرف ، ومنه أَشْفَى على طلاق نسائه وأشفى المريض على الموت. قيل : ولا يكاد يأتي شفا إلا في الشر.

وَفِي الْخَبَرِ : « لَا تَنْظُرُوا إِلَى صَلَاةِ أَحَدٍ وَصِيَامِهِ وَلَكِنِ انْظُرُوا إِلَى وَرَعِهِ إِذَا أَشْفَى ». أي أشرف على الدنيا.

و « شَفَى الله المريض يَشْفِيهِ » من باب رمى « شفاء » و « أشفيت بالعدو » و « تشفيت به » من ذلك. قال في المصباح : لأن الغضب الكامن كالداء فإذا زال ما يطلبه الإنسان من عدوه فكأنه

__________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ٥٣.

٢٤٧

برئ من الداء.

و « ما شَفَيْتَنِي فيما أردت » ما بلغتني مرادي وغرضي.

و « اسْتَشْفَى الرجل » طلب الشفاء. ومنه اسْتَشْفَيْتُ من التربة الحسينية.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ ». قيل : المراد من كل داء من الرطوبة والبرودة والبلغم لأنها حارة يابسة.

وفِيهِ : « عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءِ مِنَ الْعَسَلِ وَالْقُرْآنِ ». جعل الشفاء حقيقيا وغير حقيقي.

و « شُفَيَّةُ » بالضم والتصغير : بئر بمكة.

وكتاب الشافي للسيد المرتضى في نقض المغني لعبد الجبار ، وأبو الحسن البصري (١) كتب نقض الشَّافِي. وبخط الشهيد (ره) أن السيد المرتضى أمر سلارا بنقض نقض الشافي فنقضه.

( شقا )

قوله تعالى : ( إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها ) [ ٩١ / ١٢ ] قيل : هو قداد بن سافل عاقر ناقة رسول الله.

قوله تعالى : ( وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِ شَقِيًّا ) [ ١٩ / ٤ ] أي لم تشقني بالرد والخيبة.

قوله تعالى : ( غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا ) [ ٢٣ / ١٠٦ ] بالكسر أي شَقَاوَتُنَا ، والفتح لغة.

قوله تعالى : ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى ) [ ٢٠ / ١٢٣ ] قيل : أي في معيشته.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) : « وإِنَ أَشْقَاهَا الَّذِي يَخْضِبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ ». أي لحيته من رأسه ، أي أشقى اليوم أو أشقى الثلاثة الذين تعاهدوا على قتل ثلاثة منهم ابن ملجم لعنه الله.

و « الشَّقِيُ » ضد السعيد ، وشَقِيَ يَشْقَى ضد سعد فهو شَقِيٌ ، و « أَشْقَاهُ الله »

__________________

(١) يريد به أبا الحسن الأشعري إمام الأشاعرة.

٢٤٨

بالألف فهو شقي.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الشَّقِيُ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ » (١). أي من قدر الله عليه في أصل خلقته أن يكون شَقِيّاً فهو الشَّقِيُ حقيقة لا من عرض له بعد ذلك ، وهو إشارة إلى شقاء الآخرة لا شقاء الدنيا. والأوضح في معناه ما قيل هو أن الشَّقِيَ حق الشقي من علم الله أنه سَيَشْقَى في فعله من اختياره الكفر والمعصية في بطن أمه فكأنه في بطن أمه علم الله ذلك منه والمعلوم لا يتغير ، لأن العلم يتعلق بالمعلوم على ما هو عليه والمعلوم لا يتبع العلم ، فإذا كان زيد أسود في علم الله فعلم الله لا يصيره أسود. وفي تسميته في بطن أمه شَقِيّاً نوع مبالغة ، أي سيصير كذلك لا محالة كقوله تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) أي إنك ستموت. وقيل : أراد بالأم جهنم كما في قوله تعالى : ( فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ) أي الشقي كل الشقي من شقي في نار جهنم وهي شقاوة لا شقاوة مثلها.

وفيه عَنِ الصَّادِقِ (ع) وَقَدْ سُئِلَ : مِنْ أَيْنَ لَحِقَ الشَّقَاءُ أَهْلَ الْمَعْصِيَةِ حَتَّى حَكَمَ اللهُ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ بِالْعَذَابِ عَلَى عَمَلِهِمْ؟ فَقَالَ : « حُكْمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَقُومُ لَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ بِحَقِّهِ ، فَلَمَّا حَكَمَ بِذَلِكَ وَهَبَ لِأَهْلِ مَحَبَّتِهِ الْقُوَّةَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَوَضَعَ عَنْهُمْ ثِقْلَ الْعَمَلِ [ بِحَقِيقَةِ مَا هُمْ أَهْلُهُ ] ، وَوَهَبَ لِأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ الْقُوَّةَ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ لِسَبْقِ عِلْمِهِ فِيهِمْ وَمَنَعَهُمْ إِطَاقَةَ الْقَبُولِ مِنْهُ ، فَوَافَقُوا مَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَأْتُوا حَالاً تُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِهِ ، لِأَنَّ عِلْمَهُ أَوْلَى بِحَقِيقَةِ التَّصْدِيقِ ، وَهُوَ مَعْنَى شَاءَ مَا شَاءَ وَهُوَ سِرُّهُ » (٢). قال بعض الأفاضل من شراح الحديث : قَوْلُهُ (ع) : « فَلَمَّا حَكَمَ بِذَلِكَ وَهَبَ .. إلخ » المراد حكمه تعالى في التكليف الأول يوم الميثاق قبل تعلق الأرواح بالأبدان حيث ظهرت ذلك يوم الطاعة والمعصية فقال جل وعز مشيرا إلى من ظهرت ذلك اليوم منه الطاعة : « هَؤُلَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي »

__________________

(١) الكافي ج ٨ ص ٨١.

(٢) الكافي ج ١ ص ١٥٣.

٢٤٩

ومشيرا إلى من ظهرت ذلك اليوم منه المعصية : « هَؤُلَاءِ إِلَى النَّارِ وَلَا أُبَالِي ». فلما علم تعالى أن أفعال الأرواح بعد تعلقها بالأبدان موافقة في يوم الميثاق مهد لكل روح شروطا تناسب ما في طبعه من السعادة والشَّقَاوَةِ. ثم قال : قَوْلُهُ (ع) : « ومَنَعَهُمْ إِطَاقَةَ الْقَبُولِ ». معناه أنه لم يشأ ولم يقدر قبولهم ، ومن المعلوم أن المشية والتقدير شرطان في وجود الحوادث. ثُمَّ قَالَ : « ولَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَأْتُوا .. إلخ » معناه ـ والله أعلم ـ أنه لم يقدروا على قلب حقائقهم بأن يجعلوا أرواحهم من جنس أرواح السعداء ، وهو معنى قَوْلِهِ (ع) : « ولَا يَسْتَطِيعُ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ هَؤُلَاءِ ». ثم قال : وَقَوْلُهُ (ع) : « لِأَنَّ عِلْمَهُ أَوْلَى بِحَقِيقَةِ التَّصْدِيقِ ». تعليل لِقَوْلِهِ : « فَوَافَقُوا مَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ ».

ثم بين (ره) قاعدة تناسب المقام فقال : الجمادات إذا خليت وأنفسها كانت في أمكنة مخصوصة تناسب طباعها ، وكذلك الأرواح إذا خليت وإرادتها اختارت الطاعة أو المعصية بمقتضى طباعها.

وفِيهِ : « هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ ». أي لا يخيب عن كرامتهم فَيَشْقَى. وقيل : إن صحبتهم مؤثرة في الجليس ، فإذا لم يكن له نصيب مما أصابهم كان محروما فَيَشْقَى.

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع) : « إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ أَشَقِيٌ الرَّجُلُ أَمْ سَعِيدٌ فَانْظُرْ سَيْبَهُ وَمَعْرُوفَهُ إِلَى مَنْ يَضَعُهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ إِلَى خَيْرٍ ، وَإِنْ كَانَ يَضَعُهُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ ».

وفِيهِ : « بَيْنَ الْمَرْءِ وَالْحِكْمَةِ نِعْمَةُ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلُ شَقِيٌ بَيْنَهُمَا ». أي بين نفسه والحكمة ، أي ليس بسعيد ـ كذا وجدناه في النسخ كلها. وقال بعض علمائنا المتأخرين : ولا يزال يختلج في البال أن هنا سهوا من قلم الناسخ صوابه والجاهل شفا عنهما ، وزان « نوى » ، وشفا كل شيء طرفه ، والمعنى : صاحب الجهل في

٢٥٠

طرف عنهما ـ انتهى. وهو كما ترى.

وَفِي الدُّعَاءِ : « أَعُوذُ بِكَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تُورِثُ الشَّقَاءَ ». بالفتح والمد وفسر بالشدة والعسر. قيل : وهو ينقسم إلى دنيوي هو في المعاش من النفس والمال والأهل ، وأخروي هو في المعاد.

قال الجوهري : الشَّقَاءُ والشَّقَاوَةُ بالفتح نقيض السعادة ، وقرأ قتادة شِقَاوَتُنَا بالكسر وهي لغة ، وإنما جاء بالواو لأنه بني على التأنيث في أول أحواله ، وكذلك النهاية ، فلم تكن الواو والياء حرفي إعراب ولو بني على التذكير لكان مهموزا كعظاءة وعباءة وصلاءة ، وهذا أعل قبل دخول الهاء يقال : « شَقِيَ الرجل » انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها ، ثم تقول : « يَشْقِيَانِ » فيكونان كالماضي ـ انتهى.

( شكا )

قوله تعالى : ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ ) [ ٢٤ / ٣٥ ] الْمِشْكَاةُ كوة غير نافذة فيها يوضع المصباح ، واستعيرت لصدره (ص) وشبه اللطيفة القدسية في صدره بالمصباح ، فقوله : ( كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ) أي كمصباح في زجاجة في مِشْكَاةٍ. ويتم الكلام في النور إن شاء الله تعالى.

و « الشَّكْوَى » و « الشِّكَايَةُ » المرض. و « دخلت عليه في شَكْوَاهُ » أي في مرضه (١).

و « الشَّكْوَى المذمومة » هي ما جاءت به الرواية عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ : « إِنَّمَا الشَّكْوَى أَنْ يَقُولَ : لَقَدِ ابْتُلِيتُ بِمَا لَمْ يُبْتَلَ بِهِ أَحَدٌ ، وَيَقُولَ : لَقَدْ أَصَابَنِي مَا لَمْ يُصِبْ أَحَداً ، وَلَيْسَ الشَّكْوَى أَنْ يَقُولَ : سَهِرْتُ الْبَارِحَةَ وَحُمِمْتُ الْيَوْمَ وَنَحْوَ هَذَا » (٢).

واشْتَكَى عضو من أعضائه وتَشَكَّى بمعنى.

وشَكَوْتُهُ شَكْوىً من باب قتل وشِكَايَةً ،

__________________

(١) يذكر في « قسم » حديثا في الشكوى ـ ز.

(٢) الوافي ج ١٣ ص ٣٢.

٢٥١

وشَكِيَّةً وشَكَاةً : إذا أخبرت عنه بسوء فعله ، والاسم الشَّكْوَى.

و « الْمُشْتَكَى » الشِّكَايَةُ ، ومنه الْخَبَرُ : « شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ (ص) مِنْ حَرِّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يُشْكِنَا ». من أَشْكَيْتُهُ : أزلت شَكْوَاهُ ، فالهمزة للسلب مثل « أعريته » أي أزلت عريته.

و « اشْتَكَتْ أم سلمة عينها » أي وجعها.

و « الشَّكْوَةُ » وعاء كالركوة والقربة الصغيرة ، يتخذ للبر ، والجمع « شُكىً »

( شلا )

فِي الْحَدِيثِ : « جَعَلَ لَكُمْ أَشْلَاءً ». أي أعضاء ، جمع « شِلْو » بالكسر ، وهو العضو من أعضاء اللحم وزان أحمال وحمل و « أَشْلَيْتُ الكلب وغيره إِشْلَاءً » دعوته. و « أَشْلَيْتُهُ على الصيد » مثل أغريته وزنا ومعنى ـ كذا ذكر جماعة من أهل اللغة. ونقل عن ابن السكيت منع أَشْلَيْتُهُ على الصيد بمعنى أغريته ، وإنما يقال : « أوسدت الكلب بالصيد وآسدته » إذا أغريته به ، ولا يقال : « أَشْلَيْتُهُ » إنما الْإِشْلَاءُ الدعاء. وعن تغلب أنه قال : وقول الناس : « أَشْلَيْتُ الكلب على الصيد » خطأ.

( شنا )

قوله تعالى : ( شَنَآنُ قَوْمٍ ) [ ٥ / ٢ ] محركة أي بغضاء قوم ، وبسكون النون : بغض قوم ، وقرئ بهما مع شذوذهما : أما شذوذ التحريك فمن جهة المعنى ، لأن فعلان من بناء ما كان معناه الحركة والاضطراب كالضربان والخفقان ، وأما التسكين فلأنه لم يجئ شيء من المصادر عليه.

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَا أَبَ لِشَانِئِيكَ ». أي لمبغضيك.

و « الله شَانِئٌ لأعماله » أي باغض لها.

و « شَنَأَ المقام بمكة » أي كرهه.

وشَنَأَ شَنَأً وشُنْأً وشِنْأً وشَنَآناً بالتحريك وشَنْآناً كله بمعنى البغض. وشَنِئْتُهُ أَشْنَؤُهُ من باب تعب مثله.

( شوا )

قوله تعالى : ( نَزَّاعَةً لِلشَّوى ) [ ٧٠ / ١٦ ]

٢٥٢

بالفتح جمع « شُوَاءٍ » بالضم وهي جلدة الرأس. وقيل : الآخر من اليد والرجل وغيرهما. و « النزع » القطع. و « الشِّوَاءُ » ككتاب بمعنى مَشْوِيٍ ، من « شَوَيْتُ اللحم شيا ».

و « أَشْوَيْتُ القوم » أطعمتهم شِوَاءً.

( شها )

قوله تعالى : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ ) [ ٣ / ١٤ ] الشَّهَوَاتُ بالتحريك جمع شَهْوَةٍ وهي اشتياق النفس إلى الشيء (١).

وَفِي الْحَدِيثِ : « جَهَنَّمُ مَحْفُوفَةٌ بِاللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ ». ومعناه : من أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار. نعوذ بالله منها.

وَفِي الْخَبَرِ : « أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّيَاءُ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ ». قيل : هي حب اطلاع الناس على العمل.

و « شيء شَهِيٌ » مثل لذيذ وزنا ومعنى.

واشْتَهَيْتُ الشيء وشَهَوْتُهُ من باب تعب وعلا مثل اشْتَهَيْتُهُ.

قال في المصباح : و « تَشَهَّى » اقترح شَهْوَةً بعد شَهْوَةٍ.

و « شَهِيتُ الشَّيْءَ » ـ بالكسر شهوة : إذا اشْتَهَيْتَهُ.

( شيأ )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ) [ ١٩ / ٦٨ ] أَيْ لَا مُقَدَّراً وَلَا مُكَوَّناً ، قَالَهُ الصَّادِقُ عليه السلام (٢). قِيلَ : وَمَعْنَاهُ : لَا مُقَدَّراً فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَلَا مُكَوَّناً مَخْلُوقاً فِي الْأَرْضِ. ومنه يعلم تجدد إرادته تعالى وتقديره ، وهي معنى البداء في حقه تعالى.

قوله تعالى : ( عَلى كُلِ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [ ٢ / ٢٠ ] الشَّيْءُ ما صح أن يعلم ويخبر عنه. قال المفسر : وهو أعم العام يجري

__________________

(١) يذكر في « معد » و « أنس » و « حفف » شيئا في الشهوات ، وفي « صلصل » منشأها ، وفي « عون » كسرها ـ ز.

(٢) البرهان ج ٣ ص ١٩.

٢٥٣

على الجسم والعرض والقديم ، تقول : « شَيْءٌ لا كَالْأَشْيَاءِ » أي معلوم لا كسائر المعلومات ، وعلى المعدوم والمحال. قال : إن قلت : كيف قيل : ( عَلى كُلِ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وفي الأشياء ما لا تعلق به لقادر كالمستحيل وفعل قادر آخر؟ قلت : مشروط في حد القادر أن لا يكون الفعل مستحيلا ، فالمستحيل مستثنى في نفسه عند ذكر القادر على الأشياء كلها ، فكأنه قال : على كل شيء مستقيم قدير.

قوله تعالى : ( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) [ ١٠ / ٩٩ ] رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ (ع) أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ (ص) : لَوْ أَكْرَهْتَ يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنَ النَّاسِ كَثُرَ عَدَدُنَا وَقَوِينَا عَلَى عَدُوِّنَا! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (ص) : « مَا كُنْتُ لِأَلْقَى اللهَ بِبِدْعَةٍ لَمْ يُحْدِثْ لِي فِيهَا » فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ : يَا مُحَمَّدُ ( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ) عَلَى سَبِيلِ الْإِلْجَاءِ وَالِاضْطِرَارِ فِي الدُّنْيَا كَمَا يُؤْمِنُونَ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ وَرُؤْيَةِ الْبَأْسِ فِي الْآخِرَةِ ، وَلَوْ فَعَلْتُ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقُّوا مِنِّي ثَوَاباً وَلَا مَدْحاً ، لَكِنِّي أُرِيدُ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْمِنُوا مُخْتَارِينَ غَيْرَ مُضْطَرِّينَ لِيَسْتَحِقُّوا مِنِّي الزُّلْفَى وَالْكَرَامَةَ وَدَوَامَ الْخُلُودِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ (١).

قوله تعالى : ( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ) [ ٥ / ٤٨ ] قال المفسر : أي لو شَاءَ لجعلكم على ملة واحدة ولكن جعلكم على شرائع مختلفة ليمتحنكم فيما آتاكم ، أي فيما فرض عليكم وشرع لكم. وقيل : فيما أعطاكم من النبيين والكتاب.

قوله تعالى : ( لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) [ ٥ / ١٠١ ] رُوِيَ فِي مَعْنَاهُ : أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللهِ (ص) : يَا رَسُولَ اللهِ أَفِي كُلِّ عَامٍ كُتِبَ الْحَجُّ عَلَيْنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ ثَلَاثاً ، فَقَالَ : « ويْحَكَ وَمَا يُؤْمِنُكَ أَنْ أَقُولَ

__________________

(١) البرهان ج ٢ ص ٢٠٤.

٢٥٤

نَعَمْ ، وَاللهِ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَ وَلَوْ وَجَبَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ لَكَفَرْتُمْ ، وَإِنَّمَا يَهْلِكُ مَنْ هَلَكَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأَتَوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ » (١) وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْ هَذِهِ التَّكَالِيفِ الصَّعْبَةِ فِي زَمَانِ الْوَحْيِ تُبْدَ لَكُمْ تِلْكَ التَّكَالِيفُ الَّتِي تَسُؤْكُمْ وَتُؤْمَرُوا بِحَمْلِهَا ». ـ كذا نقله الشيخ أبو علي (ره).

و « أَشْيَاءُ » جمع شَيْءٍ غير منصرف ، واختلف في تعليله اختلافا كثيرا ، قال في المصباح : والأقرب ما حكي عن الخليل بأن أصله « شيئاء » على وزن حمراء ، فاستثقل وجود الهمزتين في آخره فنقلوا الأولى إلى أول الكلمة فقالوا : « أشياء » والْمَشِيئَةُ : الإرادة ، من « شَاءَ زيد يَشَاءُ » من باب نال : أراده.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ الصَّادِقِ (ع) : « لَا يَكُونُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ إِلَّا بِخِصَالٍ سَبْعٍ : بِمَشِيئَةٍ ، وَإِرَادَةٍ ، وَقَدَرٍ ، وَقَضَاءٍ ، وَإِذْنٍ ، وَكِتَابٍ ، وَأَجَلٍ » (٢). قال بعض أفاضل العلماء : الْمَشِيئَةُ والإرادة والقدر والقضاء كلها بمعنى النقش في اللوح المحفوظ وهي من صفات الفعل لا الذات ، والتفاوت بينها تفضيل كل لاحق على سابقه. ثم قال : توقف أفعال العباد على تلك الأمور السبعة إما بالذات أو بجعل الله تعالى ، وتحقيق المقام أن تحرك القوى البدنية بأمر النفس الناطقة المخصوصة المتعلقة به ليس من مقتضيات الطبيعة فيكون بجعل جاعل ، وهو أن يجعل الله بدنا مخصوصا مسخرا لنفس مخصوصة بأن قال كن متحركا بأمرها ، ثم جعل ذلك موقوفا على الأمور السبعة ـ انتهى.

__________________

(١) ذكر الحديث إلى هنا باختلاف يسير الطبرسي في مجمع البيان ج ٢ ص ٢٥٠ وجاء في الدر المنثور ج ٢ ص ٣٣٥ أحاديث بهذا المضمون ،.

(٢) جاء هذا الحديث في الكافي ج ١ ص ١٤٩ والخصال ج ٢ ص ١٢٠ باختلاف يسير.

٢٥٥

وَعَنِ الرِّضَا (ع) : « أَنَّ الْإِبْدَاعَ وَالْمَشِيئَةَ وَالْإِرَادَةَ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَالْأَسْمَاءُ ثَلَاثَةٌ ».

وَعَنِ الْبَاقِرِ (ع) : « لَا يَكُونُ شَيْءٌ إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَأَرَادَ وَقَدَّرَ وَقَضَى » سُئِلَ : مَا مَعْنَى شَاءَ؟ قَالَ : « ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ » سُئِلَ : مَا مَعْنَى قَدَّرَ؟ قَالَ : « تَقْدِيرُ الشَّيْءِ مِنْ طُولِهِ وَعَرْضِهِ » سُئِلَ : مَا مَعْنَى قَضَى؟ قَالَ : « إِذَا قَضَى أَمْضَى ، فَذَلِكَ الَّذِي لَا مَرَدَّ لَهُ » (١). وعلى هذا فيكون معنى القضاء هو النقش الحتمي في اللوح المحفوظ.

وفيه : « خَلَقَ اللهُ الْمَشِيئَةَ بِنَفْسِهَا ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ بِالْمَشِيئَةِ » (٢). قيل في معناه : أن الأئمة (ع) تارة يطلقون الْمَشِيئَةَ والإرادة على معنى واحد ، وتارة على معنيين مختلفين ، والمراد بهذه العبارة أن الله تعالى خلق اللوح المحفوظ ونقوشها من غير سبب آخر من لوح ونقش آخر وخلق سائر الْأَشْيَاءَ بسببهما ، وهذا مناسب لِقَوْلِهِ (ع) : « أَبَى اللهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابِهَا ».

وفِيهِ : « أَمَرَ اللهُ وَلَمْ يَشَأْ وَشَاءَ وَلَمْ يَأْمُرْ : أَمَرَ إِبْلِيسَ أَنْ يَسْجُدَ لِآدَمَ وَشَاءَ أَنْ لَا يَسْجُدُ وَلَوْ شَاءَ لَسَجَدَ ، وَنَهَى آدَمَ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ وَشَاءَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَلَوْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَأْكُلْ » (٣). ومنه يعلم أن جميع الكائنات مطابقة لعلمه السابق في الممكنات وهو لا يؤثر في المعلوم كما سبق فلا إشكال.

وفِيهِ : « إِنَّ لِلَّهِ إِرَادَتَيْنِ وَمَشِيئَتَيْنِ : إِرَادَةَ حَتْمٍ وَإِرَادَةَ عَزْمٍ ، يَنْهَى وَهُوَ يَشَاءُ وَيَأْمُرُ وَهُوَ لَا يَشَاءُ ، نَهَى آدَمَ (ع) وَزَوْجَتَهُ أَنْ يَأْكُلَا مِنَ الشَّجَرَةِ وَشَاءَ أَنْ يَأْكُلَا وَلَوْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَأْكُلَا لَمَا غَلَبَتْ

__________________

(١) ذكر هذا الحديث في الكافي ج ١ ص ١٥٠ عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع).

(٢) الكافي ج ١ ص ١١٠.

(٣) الكافي ج ١ ص ١٥٠.

٢٥٦

شَهْوَتُهُمَا مَشِيئَةَ اللهِ تَعَالَى ، وَأَمَرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ إِسْحَاقَ وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَذْبَحَهُ وَلَوْ شَاءَ لَمَا غَلَبَتْ مَشِيئَةُ إِبْرَاهِيمَ مَشِيئَتَهُ » (١).

وفِيهِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ عِلْمِ اللهِ وَمَشِيئَتِهِ هُمَا مُخْتَلِفَانِ أَمْ مُتَّفِقَانِ؟ فَقَالَ (ع) : « الْعِلْمُ لَيْسَ هُوَ الْمَشِيئَةَ ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ سَأَفْعَلُ كَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى وَلَا تَقُولُ إِنْ عَلِمَ اللهُ تَعَالَى ، فَقَوْلُكَ إِنْ شَاءَ اللهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ فَإِذَا شَاءَ كَانَ الَّذِي شَاءَ كَمَا شَاءَ وَعِلْمُ اللهِ تَعَالَى السَّابِقُ لِلْمَشِيئَةِ » (٢) وَلَمْ تَجِدْ أَحَداً إِلَّا وَلِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ حُجَّةٌ وَلِلَّهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ ، وَلَا أَقُولُ إِنَّهُمْ مَا شَاءُوا صَنَعُوا » ثُمَّ قَالَ : « إِنَّ اللهَ يَهْدِي وَيُضِلُّ ». قال بعض الأفاضل : في هذا الكلام ـ أعني قوله : لا أقول ما شَاءُوا صنعوا ـ نفي لما أعتقده المعتزلة من أن العباد ما شاءوا صنعوا ، يعني أنهم مستقلون بِمَشِيئَتِهِمْ وقدرتهم ولا توقف لها على مَشِيئَةِ الله تعالى وإرادته وقضائه ، وهذا يخرج الله عن سلطانه.

وَفِي حَدِيثِ يُونُسَ : لَا يَكُونُ إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَأَرَادَ وَقَدَّرَ وَقَضَى. فَقَالَ الرِّضَا (ع) : « يَا يُونُسُ لَيْسَ هَكَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَأَرَادَ وَقَدَّرَ وَقَضَى » (٣). قيل : فيه إنكار كلام يونس لأجل إدخال باء السببية على المشيئة وغيرها المستلزمة لمسببها لا من أجل توقف أفعال العباد عليها توقف الشرط على المشروط.

وَفِي حَدِيثٍ أَيْضاً : « لَا يَكُونُ إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَأَرَادَ وَقَدَّرَ وَقَضَى ، يَا يُونُسُ تَعْلَمُ مَا الْمَشِيئَةُ »؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ : « هِيَ الذِّكْرُ الْأَوَّلُ ، فَتَعْلَمُ مَا الْإِرَادَةُ »؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ : « هِيَ الْعَزِيمَةُ عَلَى مَا يَشَاءُ ، فَتَعْلَمُ مَا الْقَدَرُ »؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ : « هِيَ الْهَنْدَسَةُ وَوَضْعُ الْحُدُودِ مِنَ الْبَقَاءِ وَالْفَنَاءِ » ثُمَّ قَالَ : « والْقَضَاءُ هُوَ الْإِبْرَامُ وَإِقَامَةُ الْعَيْنِ » (٤). قال بعض الأفاضل : كأن

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١٥٠.

(٢) الكافي ج ١ ١١٣.

(٣) هذان الحديثان هما حديث واحد مذكور في الكافي ج ١ ص ١٥٨ ،.

(٤) هذان الحديثان هما حديث واحد مذكور في الكافي ج ١ ص ١٥٨ ،.

٢٥٧

المراد من الذكر الأول والعزيمة والقدر والقضاء النقوش الثابتة في اللوح المحفوظ ، ومن تفسير القدر بالهندسة تقديرات الْأَشْيَاءِ من طولها وعرضها ، والهندسة عند أهل اللسان هي تقدير مجاري القنى حيث تحفر.

والشَّيْءُ في اللغة عبارة عن كل موجود إما حسا كالأجسام وإما حكما كالأقوال ، نحو : « قلت شَيْئاً ».

وَفِي حَدِيثِ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَيْءٌ : « أَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلَّهِ : إِنَّهُ شَيْءٌ؟ قَالَ : نَعَمْ ، يُخْرِجُهُ مِنَ الْحَدَّيْنِ : حَدِّ التَّعْطِيلِ ، وَحَدِّ التَّشْبِيهِ » (١). والمعنى لا تقل إنه لا شَيْءَ ولا تقل إنه شَيْءٌ كَالْأَشْيَاءِ التي تدرك بالعقول ، بل إنه شَيْءٌ موجود لا يشابه شَيْئاً من الماهيات المدركة ولا شَيْئاً من الممكنات.

وَفِي حَدِيثِ وَصْفِهِ تَعَالَى : « لَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ وَلَا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ ». قيل في معناه : إنه (ع) نفى بِقَوْلِهِ : « لَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ ». جميع حجج السنوية وشبههم ، لأن أكثر ما يعتمدونه في حدوث العالم أن يقولوا : لا يخلو من أن يكون الخالق خلق الْأَشْيَاءَ من شَيْءٍ أو من لا شَيْءَ ، فقولهم من شيء خطأ وقولهم من لا شيء مناقضة وإحالة لأن من توجب شيئا ولا شيء ينفيه ، فأخرج (ع) هذه اللفظة فَقَالَ : « لَا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ ». فنفى من إذ كانت توجب شيئا ونفى الشيء إذ كان كل شيء مخلوقا محدثا لا من أصل أحدثه الخالق ، كما قالت الثنوية : إنه خلق من أصل قديم فلا يكون تدبيرا إلا باحتذاء مثال.

و « إن شَاءَ الله » تكرر في الحديث بعد إعطاء الحكم كقوله فِي حَدِيثِ الْوَصِيَّةِ : « لَا يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يُخَالِفَا الْمَيِّتَ وَأَنْ يَعْمَلَا حَسَبَ مَا أَمَرَهُمَا إِنْ شَاءَ اللهُ ». وَقَوْلُهُ (ع) : « وإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ». ونحو ذلك. فقيل : معناه إذ شَاءَ الله. وقيل : « إن » شرطية والمعنى : لاحقون في الموافاة على الإيمان وقيل : هو التبري والتفويض ،

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٨٢.

٢٥٨

ومنه قوله تعالى : ( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ ) [ ٤٨ / ٢٧ ] ويحتمل أن يريد لتدخلن جميعا إن شَاءَ الله ولم يمت منكم أحد. وقيل هو على التأديب كقوله تعالى : ( وَلا تَقُولَنَ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ) [ ١٨ / ٢٣ ] ويحتمل إرادة التبرك بذكر الله أو بمعنى « قد » ـ والله أعلم.

باب ما أوله الصاد

( صبا )

قوله تعالى : ( وَالصَّابِئِينَ ) [ ٢ / ٦٢ ] بالهمز وقرأ نافع بالتخفيف ، هو من « صَبَأَ فلان » خرج من دينه إلى دين آخر ، و « صَبَأَتِ النجوم » خرجت من مطالعها. قيل : أصل دينهم دين نوح (ع) فمالوا عنه. وقيل : الصَّابِئُونَ لقب لقب به طائفة من الكفار يقال إنها تعبد الكواكب في الباطن ، وتنسب إليه النصرانية ، يدعون على أنهم على دين صَابِئِ بن شيث بن آدم (ع). وفي الصحاح : الصَّابِئُونَ جنس من الكفار. وفي القاموس : الصَّابِئُونَ يزعمون أنهم على دين نوح وقبلتهم من مهب الشمال عند منتصف النهار. وفي الكشاف : هم قوم عدلوا عن اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة. وعَنْ قَتَادَةَ : الْأَدْيَانُ سِتَّةٌ خَمْسَةٌ لِلشَّيْطَانِ وَوَاحِدٌ لِلرَّحْمَنِ : الصَّابِئُونَ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَيُصَلُّونَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَيَقْرَءُونَ الزَّبُورَ ، وَالْمَجُوسُ يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ ، وَالْيَهُودُ ، وَالنَّصَارَى (١).

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع) : « سُمِّيَ الصَّابِئُونَ لِأَنَّهُمْ صَبَوْا إِلَى تَعْطِيلِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالشَّرَائِعِ ، وَقَالُوا : كُلَّمَا جَاءُوا بِهِ بَاطِلٌ ، فَجَحَدُوا تَوْحِيدَ اللهِ وَنُبُوَّةَ الْأَنْبِيَاءِ وَرِسَالَةَ الْمُرْسَلِينَ وَوَصِيَّةَ الْأَوْصِيَاءِ ، فَهُمْ

__________________

(١) انظر تفصيل معتقدات الصابئة في الملل والنّحل ج ٢ ص ١٠٨ ـ ٢٣٠.

٢٥٩

بِلَا شَرِيعَةٍ وَلَا كِتَابٍ وَلَا رَسُولٍ ».

قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ ) [ ٥ / ٦٩ ] قال المفسر : قال سيبويه والخليل وجميع البصريين : إن قوله ( وَالصَّابِئُونَ ) محمول على التأخير ومحمول على الابتداء ، والمعنى : أن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله ... إلخ والصَّابِئُونَ والنصارى كذلك أيضا.

قوله تعالى : ( وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) [ ١٩ / ١٢ ] أي الحكمة والنبوة وهو ابن ثلاث سنين.

قوله تعالى : ( أَصْبُ إِلَيْهِنَ ) [ ١٢ / ٣٣ ] أي أميل إليهن.

و « الصَّبِيُ » الصغير وهو من الواو. وفي القاموس : من لم يفطم بعد. وفي الصحاح : الغلام. والجمع صِبْيَةٌ بالكسر والصِّبْيَانُ.

و « الصِّبَا » مقصور مكسور : الصغر. وصَبَا صَبْواً مثل قعد قعودا وصَبْوَةً مثل شهوة : مال.

و « الصَّبِيَّةُ » على فعيلة : الجارية ، والجمع « الصَّبَايَا » مثل المطية والمطايا. و « بنت تسع سنين لا تُسْتَصْبَى إلا أن يكون في عقلها ضعف » أي لا تعد في الصبايا.

و « أم الصِّبْيَانِ » ريح تعرض لهم.

و « الإمرة الصِّبْيَانِيَّةُ » القوية الشديدة ، ومنه « خَالِطُوهُمْ بِالْبَرَّانِيَّةِ وَخَالِفُوهُمْ بِالْجَوَّانِيَّةِ إِذَا كَانَتِ الْإِمْرَةُ صِبْيَانِيَّةً ».

وَفِي الْحَدِيثِ : « مَنْ كَانَ عِنْدَهُ صَبِيٌ فَلْيَتَصَابَ ». أي يجعل نفسه مثله وينزلها منزلته.

و « الصَّبَا » كعصا : ريح تهب من مطلع الشمس ، وهي أحد الأرياح الأربع. وقيل : الصَّبَا التي تجيء من ظهرك إذا استقبلت القبلة ، و « الدَّبُورُ » عكسها. والعرب تزعم أن الدَّبُورَ تزعج السحاب وتشخصه في الهواء ثم تسوقه ، فإذا علا كشفت عنه واستقبلته الصبا فوزعت بعضه على بعض حتى يصير كسفا واحدا ، والْجَنُوبُ تلحق روادفه به وتمده ، والشَّمَالُ

٢٦٠