مجمع البحرين - ج ١

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ١

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٩٢

و « ظَمِئَ » من باب فرح : عطش ، والاسم منه « الظِّمِءُ » بالكسر.

وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ : « واسْتَظْمَأْنَا لِصَوَارِخِ الْقَوْدِ ». أي ظمئنا ، من ظمئ ظمأ مثل عطش عطشا وزنا ومعنى ، والقود : الخيل.

وظَمْآنُ وظَمْأَى مثل عطشان وعطشى للذكر والأنثى ، والجمع « ظِمَاءٌ » مثل سهام.

وَفِي حَدِيثِ الْإِفْطَارِ مِنَ الصَّوْمِ : « ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ ». الظَّمَأُ بكسر الظاء وسكون الميم والهمزة أو بفتحهما وهو العطش ، والمعنى ذهب العطش وزالت يبوسة العروق التي حصلت من شدة العطش وبقي الأجر.

و « عين ظَمْيَاءُ » رقيقة الجفن ، و « ساق ظَمْيَاءُ » قليلة اللحم.

باب ما أوله العين

( عبا )

قوله تعالى : ( قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ ) [ ٢٥ / ٧٧ ] قيل : أي ما يبالي بكم ربي ولا يعتد بكم لو لا دعاؤكم ، أي عبادتكم ، من قولهم : « ما عَبَأْتُ بفلان » أي ما باليت. وقيل : لو لا دعاؤكم إياه إذا مسكم الضر رغبة إليه وخضوعا ، وفيه دلالة على أن الدعاء من الله بمكان. وقيل : معناه ما يصنع بكم ربي لو لا دعاؤه إياكم للإسلام.

وَفِي الْحَدِيثِ : « مَا يُعْبَأُ بِمَنْ يَؤُمُّ هَذَا الْبَيْتِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ ». أي لا يعتد به ولا يبالي.

و « أَعْبَاءُ الرسالة » أثقالها جمع عِبْءٍ » وهو الحمل الثقيل وما يحمله من الكفار.

وعَبَأْتُ المتاع عَبْأً : إذا هيأت.

وعَبَّيْتُ الجيش : رتبتهم في مواضعهم وهيأتهم للحرب. ومِنْهُ : « بَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَصْحَابِهِ يُعَبِّيهِمْ لِلْحَرْبِ ». أي يهيأهم ويرتبهم.

٢٨١

و « الْعَبَاءَةُ » بالمد و « الْعَبَايَةُ » بالياء : ضرب من الأكسية ، والجمع الْعَبَاءَاتُ والْعَبَاءُ بحذف الهاء.

وَفِي الْخَبَرِ : « كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللهِ مِنْ عَبَاهُ ». قيل : الهاء من عباه يجوز أن يكون راجعا إليه ويجوز أن يكون تاء من أصل الكلمة.

( عتا )

قوله تعالى : عَتَوْا عُتُوًّا [ ٢٥ / ٢١] أي تكبروا وتجبروا.

قوله تعالى : ( وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ) [ ١٩ / ٨ ] بضم المهملة وكسرها أي يبسا في المفاصل. يقال : عَتَا الشيخ يَعْتُو عُتُوّاً وعُتِيّاً » كبر وولى فهو عَاتٍ ، والجمع عُتُيٌ ، يقال : رجل عَاتٍ وقوم عُتِيٌ ، والأصل « عتو » ثم أبدلوا إحدى الضمتين كسرة فانقلبت الواو ياء فقالوا « عتيا » ثم اتبعوا الكسرة الكسرة فقالوا « عتيا ».

( عثا )

قوله تعالى : ( وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) [ ٢ / ٦٠ ] أي لا تفسدوا من عَثَا في الأرض يَعْثُو : أفسد ، ومثله عَثِيَ بالكسر يَعْثَى من باب قال وتعب.

( عجا )

فِي الْحَدِيثِ : « الْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ ». قيل هي ضرب من أجود التمر يضرب إلى السواد من غرس النبي (ص) بالمدينة ، ونخلها يسمى « اللينة » قيل : أراد بذلك مشاركتها ثمار الجنة في بعض ما جعل فيها من الشفاء والبركة بدعائه (ص) ، ولم يرد ثمار الجنة نفسها للاستحالة التي شاهدناها فيها كاستحالة غيرها من الأطعمة ، ولخلوها عن النعوت والصفات الواردة في صفات الجنة.

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع) : « إِنَّ نَخْلَةَ مَرْيَمَ (ع) إِنَّمَا كَانَتْ عَجْوَةً وَنَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَمَا نَبَتَ مِنْ أَصْلِهَا كَانَ عَجْوَةً وَمَا كَانَ مِنْ لُقَاطٍ فَهُوَ لَوْنٌ وَهُوَ جِنْسٌ مِنَ التَّمْرِ رَدِيءٌ. قال بعض الأفاضل : هذا الكلام خرج مخرج المثل من الإمام (ع) فهو يخبر عن نفسه أنه ولد رسول الله (ص)

٢٨٢

وعلم رسول الله عندهم ، فما جاء من عندهم فهو صواب وما جاء من عند غيرهم فهو لقاط

( عدا )

قوله تعالى : ( لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ ) [ ٤ / ١٥٤ ] قال الشيخ أبو علي : قرأ أهل المدينة لا تَعْدُّوا فِي السَّبْتِ بتسكين العين وتشديد الدال ، وروي عن نافع لَا تَعَدُّوا بفتح العين وتشديد الدال ، والباقون ( لا تَعْدُوا ) خفيفة. ثم ذكر الحجة فقال : من قرأ لَا تَعْدُّوا أدغم التاء في الدال لتقاربهما. ثم قال : قال أبو علي : وكثير من النحويين ينكرون الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني منهما مدغما ولا يكون الأول حرف لين نحو دابة ويقولون : إن المد يصير عوضا عن الحركة قال ومن قرأ لَا تَعَدُّوا فإن الأصل لا تعتدوا فسكن التاء لتدغم في الدال ونقل حركتها إلى العين الساكن قبلها فصار تعدوا ، ومن قرأ ( لا تَعْدُوا ) فهو لا تفعلوا مثل قوله : ( إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ) [ ٧ / ١٦٣ ] وحجة الأولين قوله تعالى : ( اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ) انتهى [ ٢ / ٦٥ ].

قوله تعالى : ( يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ) أي يتجاوزون ما أمروا به.

قوله تعالى : ( فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً ) أي اعتداء وظلما.

قوله تعالى : ( فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) [ ٢ / ١٩٣ ] أي تعد وظلم.

قوله تعالى : ( فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) [ ٢٣ / ٧ ] أي هم الكاملون المتناهون في الظلم.

قوله تعالى : ( وَلا عادٍ ) [ ٢ / ١٧٣ ] أي لا يعدوا شبعه أو غير متعد ما حد له.

قوله تعالى : ( وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ) [ ١٠٠ / ١ ] قيل : يريد الخيل. والضبح : صوت أنفاس الخيل ، ألم تر إلى الفرس إذا عدا يقول : أح أح. قِيلَ : إِنَّهَا سُرِّيَّةٌ كَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ (ص) إِلَى بَنِي كِنَانَةَ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ خَبَرُهَا فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ بِخَبَرِهَا فِي ( وَالْعادِياتِ ). وَذُكِرَ أَنَّ عَلِيّاً (ع) كَانَ يَقُولُ : « الْعَادِيَاتُ هِيَ الْإِبِلُ تَذْهَبُ إِلَى

٢٨٣

وَقْعَةِ بَدْرٍ » (١).

قوله تعالى : ( إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ ) [ ٦٤ / ١٤ ] أي سببا إلى معاصي الله ، يستوي فيه الواحد وغيره.

قوله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) [ ٥ / ٩١ ] الْعَدَاوَةُ : تباعد القلوب والنيات. قال المفسر : يريد الشيطان إيقاع العداوة بينكم بالإغواء ، فإنكم إذا سكرتم زالت عقولكم وأقدمتم على المقابح ، وإذا قامر الرجل في ماله وأهله فيقمر يبقى حزينا سليبا فيكسبه ذلك العداوة والبغضاء.

قوله تعالى : ( إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ ) [ ٢٠ / ١١٧ ] قيل في سبب عَدَاوَةِ إبليس لآدم : الحسد بما أكرمه الله تعالى من إسجاد الملائكة له وتعليمه ما لم يعلموا وإسكانه الجنة. وقيل : السبب تباين أصليهما ولذلك أثر قوي في العداوة.

قوله تعالى : ( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ ) [ ٢ / ٩٧ ] قِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ الَّذِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ (ص) : إِنَّ لَنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَصْدِقَاءَ وَأَعْدَاءَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (ص) « مَنْ صَدِيقُكُمْ وَمَنْ عَدُوُّكُمْ »؟ فَقَالُوا : جَبْرَئِيلُ عَدُوُّنَا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْعَذَابِ ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْكَ مِيكَائِيلَ لَآمَنَّا بِكَ فَإِنَّ مِيكَائِيلَ صَدِيقُنَا ، وَجَبْرَئِيلَ مَلَكُ الْفَظَاظَةِ وَالْعَذَابِ وَمِيكَائِيلَ مَلَكُ الرَّحْمَةِ ، فَأَنْزَلَ اللهُ ( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا ) .. الآية.

قوله تعالى : ( بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا ) [ ٨ / ٤٢ ] هي بكسر العين وضمها وقرئ بهما في السبعة : شاطئ الوادي ، والدنيا والقصوى تأنيث الأدنى والأقصى ، فالدنيا التي تلي المدينة والقصوى التي تلي مكة.

قوله تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ) [ ٢ / ١٩٤ ] قيل : هو أمر إباحة لا ندب.

قوله تعالى : ( وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ )

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٣٨٣.

٢٨٤

[ ١٨ / ٢٨ ] أي لا تتجاوزهم إلى غيرهم.

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ » (١). أي لا يتعدى الأمراض من شخص إلى آخر ، ولا طيرة أي لا يتشاءم بالشيء إذا لم يوافق الحال ، فَالْعَدْوَى اسم من الإعداء كالدعوى والتقوى من الإدعاء والإتقاء. يقال : أَعْدَاهُ الداء يُعْدِيهِ إِعْدَاءً وهو أن يصيبه مثل ما يصاحب الداء ، وذلك أن يكون ببعير جرب مثلا فيتقى مخالطته بإبل أخرى حذرا أن يتعدى ما به من الجرب إليها فيصيبها ما أصابه وقد أبطله الإسلام ، لأنهم كانوا يظنون أن المرض بنفسه يتعدى ، فأعلمهم (ص) أنه ليس كذلك وإنما الله هو الذي يمرض وينزل الداء. ولهذا قال فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ : « فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ » (٢). أي من أين صار فيه الجرب. وما روي من قَوْلِهِ (ص) : « فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ » (٣). ونهيه عن دخول بلد يكون فيه الوباء ، وقَوْلِهِ : « لَا يُورَدُ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ ». فيمكن توجيهه بأن مداناة ذلك من أسباب العلة فليتقه اتقاءه من الجدار المائل والسفينة المعيوبة. وسيأتي الكلام في الطيرة إن شاء الله تعالى.

والْعَدُوُّ ضد الولي ، والجمع « أَعْدَاءٌ » وهو وصف لكنه ضارع الاسم ، يقال : « عدو بين العداوة والمعاداة » والأنثى « عدوة »

وَفِي حَدِيثِ مَسْأَلَةِ الْقَبْرِ : « وإِذَا كَانَ ـ يَعْنِي الْمَيِّتَ عَدُوَّ اللهِ ». الظاهر أن المراد بِالْعَدُوِّ هنا ما يشتمل الكافر والفاسق المتمادي بالفسق.

و « عِدَا » بالكسر والقصر جمع كالأعداء ، قالوا : ولا نظير له في النعوت لأن فعل وزان عنب يختص بالأسماء ولم يأت منه في الصفات إلا قوم عدى وضم العين لغة مثل سوى وسوى وطرى وطرى.

__________________

(١) ، (٢) الكافي ج ٨ ص ١٩٦.

(٣) في التاج ج ٣ ص ١٩٧ : وفر من المجذوم كما تفر من الأسد.

٢٨٥

وعَدَا يَعْدُو عليه عَدْواً وعُدُوّاً مثل فلس وفلوس وعدوانا وعداء بالفتح والمد : ظلم وتجاوز الحد وهو عاد والجمع عادون مثل قاض وقاضون. و « الْمُعْتَدُونَ » أصحاب العدوان والظلم.

والْمُعْتَدِي في الزكاة الذي هو كمانعها هو أن يعطيها غير مستحقها أو يأخذ أكثر من الفريضة أو يختار جيد المال.

و « السبع الْعَادِي » الظالم الذي يقصد الناس والمواشي بالقتل والجرح.

ومنه « مَا ذِئْبَانِ عَادِيَانِ ».ـ الحديث.

و « رفعت عنك عَادِيَةَ فلان » أي ظلمه وشره.

وَفِي الْحَدِيثِ : « مَنْ دَفَعَ عَنْ قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَادِيَةَ مَاءٍ أَوْ نَارٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ». كأنها من الظلم والعدوان

وَمِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ (ع) لِمُعَاوِيَةَ : « فَعَدَوْتَ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ » (١). يحتمل أن يكون من العَدْوِ وهو الجري ومن العُدْوَانِ وتأويل القرآن كقوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى ) [ ٢ / ١٧٨ ] وتأويله لذلك بإدخال نفسه فيه وطلب القصاص لعثمان ، وإنما دخل بالتأويل لأن الخطاب خاص بمن قتل وقتل ومعاوية بمعزل عن ذلك إذ لم يكن ولي دم فتأول الآية بالعموم ليدخل فيها.

و « عَوَادِي الدهر » عوائقه.

وعَدَوْتُهُ عن الأمر : صرفته عنه.

و « عَدْوَانُ » قبيلة (٢).

وعَدِيٌ كغني : قبيلة من قريش ، رهط عمر بن الخطاب ، وهو عدي بن كعب بن لؤي بن غالب ، والنسبة عَدَوِيٌ.

ومنه قولهم : « اجتمع الْعَدَوِيُ والتيمي » يريد عمر وأبا بكر.

وَعَدِيُ بْنُ حَاتِمٍ مَعْرُوفٌ ، نُقِلَ أَنَّهُ قَدِمَ

__________________

(١) في نهج البلاغة ج ٣ ص ١٢٣ : فعدوت على الدّنيا بتأويل القرآن.

(٢) بطن من قيس بن عيلان من العدنانية ... كانت منازلهم الطّائف من أرض نجد. معجم قبائل العرب ص ٧٦٢.

٢٨٦

إِلَى النَّبِيِّ (ص) فَأَكْرَمَهُ وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِي الْبَيْتِ غَيْرُ خَصَفَةٍ وَوِسَادَةِ أَدَمٍ فَطَرَحَهَا لَهُ (١).

و « عَدَا » حرف يستثني به مع « ما » وبغيرها ، تقول : جاءني القوم ما عدا زيدا وجاءونى عدا زيدا تنصب ما بعدها بها والفاعل مضمر فيها ـ قاله الجوهري.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ مَعَ الزُّبَيْرِ وَقَدْ بَعَثَ يَلْتَمِسُ مِنْهُ أَنْ يُبَايِعَهُ بَعْدَ نَكْثِهِ الْبَيْعَةَ الْأُولَى حَيْثُ قَالَ : فَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ : « عَرَفْتَنِي بِالْحِجَازِ وَأَنْكَرْتَنِي بِالْعِرَاقِ فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا » (٢). قيل : هو أول من سمع منه هذه اللفظة ـ أعني فما عدا مما بدا ـ وهو مثل لمن يفعل فعلا باختياره ثم يرجع عنه وينكره ، والمعنى فما جاوز بك عن بيعتي مما بدا وظهر لك من الأمور. وقيل : المعنى فما صرفك ومنعك عما كان بدا منك من طاعتي وبيعتي والْعَادِي : القديم.

والبئر الْعَادِيَةُ : القديمة كأنها نسبة إلى عَادٍ قوم هود ، وكل قديم ينسبونه إلى عَادٍ وإن لم يدركهم.

واسْتَعْدَيْتُ الأمير فأعداني : أي طلبت منه النصرة فأعانني ونصرني ، والاسم « الْعَدْوَى » بالفتح ، ولك أن تقول : « استغثت به فأغاثني » ومنه الْحَدِيثُ : « جَاءَتِ امْرَأَةٌ اسْتَعْدَتْ عَلَى أَعْرَابِيٍّ ». أي ذهبت به إلى القاضي للاستعداء أعني طلب التقوية والنصرة.

وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ : « أَتَتْهُ امْرَأَةٌ مُسْتَعْدِيَةً عَلَى الرِّيحِ ». أي تطلب نصرته عليها حيث إنها مسخرة له.

ومِنْهُ « امْرَأَةٌ أَتَتْ عَلِيّاً فَاسْتَعْدَتْهُ عَلَى أَخِيهَا ». وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ (ع) :

__________________

(١) كان نصرانيّا أسلم سنة ٩ أو ١٠ ه‍ ، وكان جوادا شريفا في قومه معظّما عندهم وعند غيرهم ، وكان رسول الله (ص) يكرمه إذا دخل عليه تنقيح المقال ج ٢ ص ٢٥٠ ، وانظر خبر طرح النّبيّ له الوسادة في الكافي ٢ / ٦٥٩.

(٢) نهج البلاغة ج ١ ص ٧٣.

٢٨٧

« فَاسْتَعْدَتْهَا قُرَيْشٌ ».

( عذا )

الْعِذْيُ بكسر العين كحمل ، وفتحها لغة : النبات والزرع ما لا يشرب إلا من السماء ، يقال : عَذِيَ يَعْذَى من باب تعب فهو عَذٍ وعَذِيٌ على فعيل. وعن الأصمعي الْعِذْيُ ما تسقيه السماء والبعل ما شرب من عروقه من غير سقي ولا سماء. و « أرض عَذِيَةٌ » مثل خربة.

( عرا )

قوله تعالى : ( فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ ) [ ٣٧ / ١٤٥ ] الْعَرَاءُ بالمد : فضاء لا يتوارى فيه شجر أو غيره ، ويقال : الْعَرَاءُ وجه الأرض.

قوله تعالى : ( اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ ) [ ١١ / ٥٤ ] أي قصدك بجنون ، من عَرَاهُ يَعْرُوهُ : إذا أصابه ، ويقال : اعْتَرَتْهُمُ الحمية : غشيتهم.

قوله تعالى : ( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ) [ ٣١ / ٢٢ ] أي بالعقد الوثيق. قال الشيخ أبو علي : أي ومن يخلص دينه لله ويقصد في أفعاله التقرب إليه وهو محسن فيها فيفعلها على موجب العلم ومقتضى الشرع. وقيل : إن إسلام الوجه الانقياد إلى الله في أوامره ونواهيه ، وذلك يتضمن العلم والعمل ، ( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ) أي فقد تعلق بالعروة الوثيقة التي لا يخشى انفصامها ، والوثقى تأنيث الأوثق. قال الزمخشري : وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتى يتصوره السامع كأنه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده والتيقن به.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى الْإِيمَانُ » (١).

وَفِي آخِرَ : « التَّسْلِيمُ لِأَهْلِ الْبَيْتِ (ع) ». والْعُرَى جمع عروة كمدية ومدى.

وَقَوْلُهُ : « ذَلِكَ أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ ». على التشبيه بالعروة التي يستمسك بها ويستوثق.

__________________

(١) البرهان ج ١ ص ٢٤٣.

٢٨٨

وفِيهِ : « عُرَى الْإِيمَانِ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَأَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللهِ ».

وفِيهِ « لَا تُشَدُّ الْعُرَى إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةٍ ».

هي جمع عروة يريد عرى الأحمال والرواحل و « عُرْوَةُ الكوز » معروفة.

وعَرَاهُ يَعْرُوهُ : إذا غشيه طالبا معروفه كاعتراه.

وتَعْتَرِيهِمُ السكينة : تحل بهم ، ومثله تَعْتَرِينِي قراقر في بطني.

وعَرَتْنِي الحاجة : شملتني.

وفِيهِ « كَانَتْ فَدَكٌ لَحُقُوقُ رَسُولِ اللهِ الَّتِي تَعْرُوهُ ». أي تغشاه.

وعري الرجل عن ثيابه يعرى من باب تعب عريا وعرية فهو عار وعريان ، ويعدى بالهمزة والتضعيف فيقال : عريته من ثيابه وأعريته منها.

واعْرَوْرَيْتُ الفرس : ركبته عريانا ، يقال « فرس عري » بضم مهملة وسكون راء وقيل بكسر راء وتشديد ياء ، ولا يقال : رجل عري ولكن عريان.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) : « اللهَ اللهَ فِي الْأَيْتَامِ فَلَا تُعَرَّ أَفْوَاهُهُمْ » (١). بالبناء للمجهول أي لا تفتح أفواههم بسوء.

وَفِي وَصْفِهِ (ص) : « عَارِي الثَّدْيَيْنِ » (٢). أي لم يكن عليهما شعر.

والْعَرِيَّةُ : النخلة يعريها صاحبها غيره ليأكل ثمرتها فَيَعْرُوهَا أي يأتيها ، من قولهم : « عَرَوْتُ الرجل أَعْرُوهُ » إذا أتيته أو من قولهم : « أنا عِرْوٌ من هذا الأمر » أي خلو منه ، سميت بذلك لأنها استثنيت من جملة النخيل الذي نهى عنها ، وهي فعيلة بمعنى مفعولة ، ودخلت الهاء لأنه ذهب بها مذهب الأسماء كالنطيحة والأكيلة فإذا جيء بها مع النخلة حذفت الهاء ، وقيل : « نخلة عري » كما يقال : « امرأة قتيل » والجمع العرايا.

ومنه الْحَدِيثُ إِنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا بَعْدَ

__________________

(١) في الكافي : لا يغيّروا أفواههم.

(٢) مكارم الأخلاق ص ١٠.

٢٨٩

بَعْدَ نَهْيِهِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ بِجَوَازِ بَيْعِهَا.

( عزا )

قوله تعالى : ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ ) [ ٧٠ / ٣٧ ] أي جماعات متفرقة فرقة فرقة جمع عزة وأصلها عزوة ، كَانَ كُلُّ فِرْقَةٍ تُعْزَى إِلَى غَيْرِ مَنْ تُعْزَى إِلَيْهِ الْأُخْرَى ، وَكَانُوا يُحْدِقُونَ بِالنَّبِيِّ (ص) يَسْتَمِعُونَ كَلَامَهُ وَيَسْتَهْزِءُونَ وَيَقُولُونَ : إِنْ دَخَلَ هَؤُلَاءِ الْجَنَّةَ كَمَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ دَخَلْنَاهَا قَبْلَهُمْ.

وَفِي الْحَدِيثِ : « إِنَّ فِي اللهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ فَتَعَزَّوْا بِعَزَاءِ اللهِ ». الْعَزَاءُ ممدود : الصبر يقال : عَزِيَ يَعْزَى من باب تعب : صبر على ما نابه ، وأراد بِالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الله التصبر والتسلي عند المصيبة ، وشعاره أن يقول : ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) كما أمر الله تعالى ، ومعنى بِعَزَاءِ الله بتعزية الله إياه فأقام الاسم مقام المصدر.

ومِنْهُ : « مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ اللهِ تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَاتٍ » (١).

وفِيهِ « مَنْ عَزَّى مُصَاباً فَكَذَا ». أي حمله على العزاء وهو الصبر بقوله : عظم الله أجرك ونحو ذلك.

و « التَّعْزِيَةُ » تفعلة من العزاء. وعَزَّيْتُهُ تَعْزِيَةً قلت له : أحسن الله عَزَاكَ أي رزقك الله الصبر الحسن.

وفِيهِ : « التَّعْزِيَةُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ بِأَنْ يَرَاكَ صَاحِبُ الْمُصِيبَةِ » (٢).

وفِيهِ : « رَأَيْتُ أَبِي يُعَزِّي قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ » (٣).

وفِيهِ « رَأَيْتُ عَزَاءً حَسَناً ». أي تصبّرا جميلا وعَزَاهُ إليه : أسنده إليه

( عسا )

قوله تعالى : ( عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ )

__________________

(١) مشكاة الأنوار ص ٢٤٢.

(٢) في من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١١٠ : كفاك من التعزية بأن يراك صاحب المصيبة.

(٣) في التهذيب ج ١ ص ٤٦٣ عن هشام بن الحكم قال : رأيت موسى بن جعفر عليه السلام يعزي قبل الدفن وبعده.

٢٩٠

الآية [ ٦٦ / ٥ ] عَسَى من أفعال المقاربة والطمع. قيل : وهي من الله إيجاب إلا هذه الآية. يقال : عَسَيْتُ أن أفعل ذاك وعَسِيتُ بالكسر ، وبهما قرئ قوله تعالى ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ ) الآية [ ٢٢ / ٤٧ ]. قال الهشامي (١) : « عَسَى » فعل مطلقا لا حرف مطلقا خلافا لابن سراج وتغلب ولا حين تتصل بالضمير المنصوب نحو « عَسَاكَ » خلافا لسيبويه ، ومعناه الترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه ، وقد اجتمعا في قوله تعالى : ( وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) [ ٢ / ٢١٦ ] ثم قال : وتستعمل على أوجه ( أحدها ) أن يقال : « عَسَى زيد أن يقوم » واختلف في إعرابه على أقوال : أحدها وهو قول الجمهور أنه مثل « كاد زيد يقوم » واستشكل بأن الخبر في تأويل المصدر والمخبر عنه ذات ولا يكون الحدث عين الذات. ثم أجاب بأمور : منها أنه على تقدير مضاف نحو « عَسَى أمر زيد القيام » ـ إلى أن قال : ( الاستعمال الثاني ) أن تستند إلى « أن » والفعل فتكون فعلا تاما ، وعن ابن مالك أنها ناقصة أبدا ولكن سدت « أن » وصلتها مسد الجزءين كما في ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا ) [ ٢٩ / ٢ ] إذ لم يقل أحد أن حسب خرجت في ذلك عن أصلها.

( الاستعمال الثالث والرابع والخامس ) أن يأتي بعدها المضارع المجرد أو المقرون بالسين أو الاسم المفرد نحو « عَسَى زيد يقوم » و « عَسَى زيد سيقوم » و « عَسَى زيد قائما » ... وعسى فيهن فعل ناقص بلا إشكال.

( الاستعمال السادس ) أن يقال : عَسَاكَ وعَسَايَ وعَسَاهُ ، وفيه ثلاثة مذاهب :

( أحدها ) أنها أجريت مجرى لعل في نصب الاسم ورفع الخبر ـ قاله سيبويه.

( الثاني ) أنها باقية على عملها عمل كان ولكن أستعير ضمير النصب مكان

__________________

(١) يريد ابن هشام. انظر تفصيل البحث في مغني اللبيب ( عسى ).

٢٩١

ضمير الرفع ـ قاله الأخفش.

( الثالث ) أنها باقية على إعمالها عمل كان ولكن قلب الكلام فجعل المخبر عنه خبرا وبالعكس ـ قاله المبرد.

( الاستعمال السابع ) « عَسَى زيد قائم » [ حكاه ثعلب ] ويتخرج على هذا أنها ناقصة وأن اسمها ضمير الشأن والجملة الاسمية الخبر ـ انتهى.

وَفِي حَدِيثِ الدُّنْيَا : « وكَمْ عَسَى الْمُجْرِي إِلَى الْغَايَةِ أَنْ يَجْرِيَ إِلَيْهَا حَتَّى يَبْلُغَهَا ». وسيأتي معناه في سفر إن شاء الله تعالى.

( عشا )

قوله تعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ ) [ ٤٣ / ٣٦ ] أي يظلم بصره عنه كأن عليه غشاوة ، يقال : عَشَوْتُ إلى النار أَعْشُو إليها فأنا عَاشٍ : إذا استدللت عليها ببصر ضعيف ، وقيل : معنى ( يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ ) أن يعرض عنه ، ومن قرأ يَعْشَ بفتح الشين فمعناه يعم عنه.

قوله تعالى : ( لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) [ ١٩ / ٦٢ ] قال الشيخ علي بن إبراهيم : ذلك في جنات الدنيا قبل القيامة ، والدليل على ذلك قوله تعالى : ( بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) فالبكرة والعشي لا تكون في الآخرة في جنات الخلد وإنما يكون الغداة والعشي في جنات الدنيا التي تنتقل أرواح المؤمنين إليها وتطلع فيها الشمس والقمر (١).

قوله تعالى : ( بِالْعَشِيِ وَالْإِبْكارِ ) [ ٣ / ٤١ ] الْعَشِيُ بفتح العين وتشديد الياء : من بعد زوال الشمس إلى غروبها ، وصلاة الْعَشِيِ صلاة الظهر والعصر إلى ذهاب صدر الليل (٢) وفي المغرب ـ نقلا عنه ـ الْعَشِيُ ما بين زوال الشمس إلى غروبها ، والمشهور أنه آخر النهار. وفي القاموس : الْعَشِيُ والْعَشِيَّةُ : آخر

__________________

(١) انظر تفسير علي بن إبراهيم ص ٤١٢.

(٢) في غريب القرآن للطريحي : وصلاةالعشاء : صلاة الظهر والعصر ، أو الغروب إلى ذهاب صدر الليل.

٢٩٢

النهار. وفي الصحاح : الْعَشِيُ والْعَشِيَّةُ من صلاة المغرب إلى العتمة ، والْعِشَاءُ بالكسر والمد مثله ، والْعِشَاءَانِ المغرب والعتمة ، وزعم قوم أن الْعِشَاءَ من زوال الشمس إلى طلوع الفجر.

و « الْعَشْوَةُ » قيل : هي من أول الليل إلى ربعه.

وَفِي الْخَبَرِ : « احْمَدُوا اللهَ الَّذِي رَفَعَ عَنْكُمُ الْعَشْوَةَ ». يريد ظلمة الكفر.

و « الْعشْوَةُ » بتثليث العين الأمر الملتبس وأن يركب الشخص أمرا بجهالة لا يعرف وجهه ، من « عَشْوَةِ الليل » ظلمته والجمع « عَشَوَاتٌ » بالتحريك. ومنه قَوْلُهُ (ع) : « خَبَّاطُ عَشَوَاتٍ ». أي يخبط في الظلام والأمر الملتبس فيتحير.

ومنه حَدِيثُ : « الْعَالِمُ كَشَّافُ عَشَوَاتٍ ». أي أمور مظلمة لا يهتدي إليها.

و « الْعَشْوَاءُ » الناقة التي في بصرها ضعف تخبط بيديها إذا مشت لا تتوقى شيئا ومنه قولهم : « يخبط خبط عَشْوَاءٍ ».

وركب فلان الْعَشْوَاءَ : إذا خبط أمره على غير بصيرة.

و « الْعَشَا » مقصورة مصدر الْأَعْشَى ، وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار. و « الْأَعْشَى » شاعر بليغ.

وقولهم : « نزلنا عُشَيْشَتَهُ » يريدون عشيته فأبدلوا من الياء الوسطى شيئا.

( عصا )

قوله تعالى : ( وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ ) [ ٢ / ٦٠ ] قيل : كان عَصَا موسى طولها عشرة أذرع على طوله من آس الجنة لها شعبتان تتقدان في الظلمة. وَعَنِ الْبَاقِرِ (ع) « كَانَتْ عَصَا مُوسَى لآِدَمَ فَصَارَتْ إِلَى شُعَيْبٍ (ع) ثُمَّ صَارَتْ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَإِنَّهَا لَعِنْدَنَا وَإِنَّهَا لَتَنْطِقُ إِذَا اسْتُنْطِقَتْ ... وَتَصْنَعُ مَا تُؤْمَرُ بِهِ » (١). وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍ : « أَوَّلُ شَجَرَةٍ غُرِسَتْ فِي الْأَرْضِ الْعَوْسَجَةُ وَمِنْهَا عَصَا مُوسَى ».

قوله تعالى : ( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى )

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٣٢.

٢٩٣

[ ٢٠ / ١٢١ ] أي حرم من الثواب الذي كان يستحقه على فعل المأمور به ، أو حرم مما كان يطمع فيه بأكل الشجرة من الخلود في الجنة.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ (١) عَنِ الرِّضَا (ع) وَقَدْ سَأَلَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ أَتَقُولُ بِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ : نَعَمْ. قَالَ : فَمَا تَعْمَلُ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى : ( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ) وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي يُوسُفَ : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها ) وَفِي قَوْلِهِ فِي دَاوُدَ (ع) : ( وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ ) وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ (ص) ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ )؟ فَقَالَ الرِّضَا (ع) : « ويْحَكَ يَا عَلِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلَا تَنْسُبْ أَنْبِيَاءَ اللهِ إِلَى الْفَوَاحِشِ وَلَا تَتَأَوَّلْ كِتَابَ اللهِ بِرَأْيِكَ ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : ( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) أَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي آدَمَ (ع) ( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ) فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ حُجَّةً فِي أَرْضِهِ وَخَلِيفَةً فِي بِلَادِهِ وَلَمْ يَخْلُقْهُ لِلْجَنَّةِ ، وَكَانَتِ الْمَعْصِيَةُ مِنْ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ لَا فِي الْأَرْضِ وَعِصْمَتُهُ تَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِي الْأَرْضِ لِيَتِمَّ مَقَادِيرُ أَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلَمَّا أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ وَجُعِلَ حُجَّةً وَخَلِيفَةً عُصِمَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) إِنَّمَا ظَنَّ بِمَعْنَى اسْتَيْقَنَ أَنَّ اللهَ لَنْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ، أَلَا تَسْمَعُ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى : ( وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) أَيْ ضَيَّقَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ اللهَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَكَانَ قَدْ كَفَرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي يُوسُفَ (ع) : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها ) فَإِنَّهَا هَمَّتْ بِالْمَعْصِيَةِ وَهَمَّ يُوسُفُ بِقَتْلِهَا إِنْ أَجْبَرَتْهُ لِعِظَمِ مَا تَدَاخَلَهُ ، فَصَرَفَ اللهُ تَعَالَى

__________________

(١) انظر ترجمته في تنقيح المقال ج ٢ ص ٣٠٣.

٢٩٤

عَنْهُ قَتْلَهَا وَالْفَاحِشَةَ ، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى ( كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ ) يَعْنِي الْقَتْلَ وَالزِّنَا. وَأَمَّا دَاوُدُ (ع) ... إِنَّمَا ظَنَّ أَنْ مَا خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلْقاً هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ فَبَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ الْمَلَكَيْنِ فَتَسَوَّرَا الْمِحْرَابَ فَقَالا لَهُ : ( خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ ) فَعَجَّلَ دَاوُدُ (ع) عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَالَ ( لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ ) وَلَمْ يَسْأَلِ الْمُدَّعِيَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُقْبِلْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَقُولَ لَهُ مَا تَقُولُ ، فَكَانَ هَذَا خَطِيئَةَ رَسْمِ الْحُكْمِ لَا مَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ. أَلَا تَسْمَعُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : ( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ... وَأَمَّا مُحَمَّدٌ (ص) وَقَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) فَإِنَّ اللهِ عَرَّفَ نَبِيَّهُ (ص) أَسْمَاءَ أَزْوَاجِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَأَسْمَاءَ أَزْوَاجِهِ فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّهُنَّ أُمَّهَ٧تُ الْمُؤْمِنِينَ وَإِحْدَى مِنْ سَمَّى لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ تَحْتَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَأَخْفَى (ص) اسْمَهَا فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِ لِكَيْلَا يَقُولَ أَحَدٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةٍ فِي بَيْتِ رَجُلٍ إِنَّهَا إِحْدَى أَزْوَاجِهِ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَخَشِيَ قَوْلَ الْمُنَافِقِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى ( وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) يَعْنِي فِي نَفْسِكَ ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى مَا تَوَلَّى تَزْوِيجَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا تَزْوِيجَ حَوَّا مِنْ آدَمَ وَزَيْنَبَ مِنْ رَسُولِ اللهِ وَفَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ » قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ أَنَا تَائِبٌ إِلَى اللهِ مِنْ أَنْ أَنْطِقَ فِي أَنْبِيَاءِ اللهِ عليه السلام بَعْدَ يَوْمِي هَذَا إِلَّا بِمَا ذَكَرْتَهُ (١).

وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ عَلَى مَا رَوَاهُ الزَّمَخْشَرِيُ : « لَأُدْخِلُ الْجَنَّةَ مَنْ أَطَاعَ عَلِيّاً وَإِنْ عَصَانِي وَأُدِخْلُ النَّارَ مَنْ عَصَاهُ وَإِنْ

__________________

(١) عيون أخبار الرّضا ص ١٠٧.

٢٩٥

أَطَاعَنِي ». قال : وهذا رمز حسن ، وذلك أن حب علي (ع) هو الإيمان الكامل والإيمان الكامل لا تضر معه السيئات. قَوْلُهُ : « وإِنْ عَصَانِي ». فإني أغفر له إكراما وأدخله الجنة بإيمانه ، فله الجنة بالإيمان وله بحب علي العفو والغفران. وقَوْلُهُ : « وأُدْخِلُ النَّارَ مَنْ عَصَاهُ وَإِنْ أَطَاعَنِي ». وذلك لأنه إن لم يوال عليا فلا إيمان له وطاعته هناك مجاز لا حقيقة ، لأن طاعة الحقيقة هي المضاف إليها سائر الأعمال ، فمن أحب عليا فقد أطاع الله ومن أطاع الله نجا فمن أحب عليا نجا ، فعلم أن حب علي هو الإيمان وبغضه كفر ، وليس يوم القيامة إلا محب ومبغض ، فمحبه لا سيئة له ولا حساب عليه ومن لا حساب عليه فالجنة داره ، ومبغضه لا إيمان له ومن لا إيمان له لا ينظر الله إليه بعين رحمته ، وطاعته عين المعصية وهو في النار ، فعدو علي هالك وإن جاء بحسنات العباد ومحبه ناج ولو كان في الذنوب غارقا إلى شحمتي أذنيه وأين الذنوب مع الإيمان المنير أم أين من السيئات مع وجود الإكسير؟ فمبغضه من العذاب لا يقال ومحبه لا يوقف ولا يقال فطوبى لأوليائه وسحقا لأعدائه وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) : « وإِنِّي لَصَاحِبُ الْعَصَا وَالْمِيسَمِ ». كأنه أراد بذلك عصا موسى (ع) وخاتم سليمان بن داود (ع).

وَفِي الْخَبَرِ : « لَا تَرْفَعْ عَصَاكَ عَنْ أَهْلِكَ ». أي لا تدع تأديبهم وجمعهم على طاعة الله ومنعهم من الفساد ولم يرد الضرب بالعصا ولكن جعله مثلا كما يقال : « شق الْعَصَا » أي فارق الجماعة ولم يرد الشق حقيقة.

وعَصَى العبد مولاه عَصْياً من باب رمى ومَعْصِيَةً فهو عَاصٍ والجمع عُصَاةٌ. والْعِصْيَانُ الاسم.

والْعَاصِي : العرق الذي لا يرقأ.

والْعَصَا مقصور مؤنث والتثنية عَصَوَانِ والجمع عِصِيٌ وعُصِيٌ وهو فعول وإنما كسرت العين لما بعدها وأَعْصٍ أيضا مثل زمن وأزمن ـ قاله الجوهري.

وأصل « عَصَا » عَصَوَ قلبت وحذفت

٢٩٦

لالتقاء الساكنين بين الألف والتنوين ، لأن المنقلبة عن الواو تكتب ألفا فرقا بينها وبين المنقلبة عن الياء.

وَفِي الْحَدِيثِ : « تَعَصُّوا فَإِنَّهَا مِنْ سُنَنِ [ إِخْوَانِي ] النَّبِيِّينَ (١) ». أي لا تتركوا حمل العصا.

( عضا )

قوله تعالى : ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) [ ١٥ / ٩١ ] هو على ما قيل جمع « عضة » بالكسر ونقصانها الواو والهاء من عَضَوْتُهُ : فرقته ، لأن المشركين فرقوا أقاويلهم فيه فجعلوه كذبا وسحرا وكهانة وشعرا. وقيل : أصله « عضهة » لأن الْعِضَةَ والْعِضِينَ في لغة قريش السحر وهم يقولون للساحر : عَاضِهٌ.

و « الْعُضْو » كل عظم وافر من الجسم وضم العين أشهر من كسرها ـ قاله في المصباح.

( عطا )

قوله تعالى : ( فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ ) [ ٥٤ / ٢٩ ] قِيلَ : هُوَ قدادُ بْنُ سَالِفٍ أَوْ أَحْمَرُ ثَمُودَ ( فَتَعاطى فَعَقَرَ ) فَاجْتَرَأَ عَلَى تَعَاطِي الْأَمْرِ الْعَظِيمِ غَيْرَ مُبَالٍ بِهِ فَأَحْدَثَ الْعَقْرَ بِالنَّاقَةِ ، أَوْ فَتَعَاطَى السَّيْفَ فَعَقَرَهَا. وَقِيلَ : فَتَعاطى قَامَ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَضَرَبَهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَا تَتَعَاطَ زَوَالَ مُلْكٍ لَمْ تَنْقَضِ أَيَّامُهُ ». من التَّعَاطِي وهو التناول والجرأة على الشيء والتنازع في الأخذ ، يقال : « تَعَاطَى الشيء » أي تناوله ، وفلان يَتَعَاطَى كذا أي يخوض فيه.

و « الْعَطِيَّةُ » ما تعطيه والجمع الْعَطَايَا ، ويقال : « أعطيته فما أخذوا طعمته فما أكل وسقيته فما شرب » قيل : ففي ذلك يصير الفاعل قابلا لأن يفعل ولا يشترط وقوع الفعل ، ولذا يقال : « قعدته فقعد وأقعدته فلم يقعد ».

وبيع الْمُعَاطَاةِ هو إعطاء كل من المتبايعين ما يريده من المال عوضا عما يأخذه من الآخر من غير عقد ، وفي المشهور أنه ليس بيعا بل يباح بالمعاطاة التصرف ، ويجوز الرجوع مع بقاء العين.

وأَعْطَاهُ مالا : ناوله ، والاسم منه

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٧٦.

٢٩٧

« الْعَطَاءُ » بالمد وأصل عطاء عطاو لأن العرب تهمز الواو والياء بعد الألف لأن الهمزة أحمل للحركة منهما ـ كذا قيل وأصل أعطى أعطو قلب الألف فيه وفي نظائره ياء لما تقرر من أنه كلما وقعت الواو رابعة فصاعدا ولم يكن ما قبلها مضموم قلبت ياء تخفيفا ، وقولهم : « ما أَعْطَاهُ للمال » نظير ما أولاه للمعروف قال الجوهري : وهو شاذ لا يطرد لأن التعجب لا يدخل على أفعل وإنما يجوز ما سمع من العرب ولا يقاس عليه.

وَفِي دُعَاءِ الْوُضُوءِ : « والْخُلْدَ فِي الْجِنَانِ بِيَسَارِي » (١). وقد ذكر في معناه وجوه : ( منها ) أن يقال في الشيء الذي حصله الإنسان من غير مشقة وتعب : فعله بيساره ، والمراد هنا طلب الخلود في الجنة من غير أن يتقدمه عذاب النار وأهوال القيامة.

و ( منها ) أن الباء في بيساري للسببية ويكون المعنى أعطني الخلود في الجنان بسبب غسل يساري ، وعلى هذا فالباء في قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ : « أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي ». كذلك.

و ( منها ) المراد بالخلد في الجنان على حذف مضاف فالباء على حالها ظرفية.

و ( منها ) أن المراد باليسار ليس ما يقابل اليمين بل ما يقابل الإعسار ، والمراد يساري بالطاعات أو المراد الخلد في الجنان بكثرة طاعاتي ، فالباء للسببية ، وحينئذ يكون في الكلام إيهام التناسب وهو الجمع بين شيئين متناسبين بلفظين لهما معنيان متناسبان ، كما في قوله تعالى : ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ ) [ ٥٥ / ٥ ـ ٦ ] فإن المراد بالنجم ما ينجم من الأرض أي يظهر ولا ساق له كالبقول والشجر ما له ساق ، فالنجم بهذا المعنى وإن لم يكن مناسبا للشمس والقمر لكنه بمعنى الكواكب يناسبها.

( عظا )

« الْعَظَاءُ » ممدود : دويبة أكبر من

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٥٣.

٢٩٨

الوزغة ، الواحدة عَظَاءَةُ وعَظَايَةُ ، وجمع الأولى عَظَاءٌ والثانية عَظَايَاتٌ.

( عفا )

قوله تعالى : ( عَفَوْنا عَنْكُمْ ) [ ٢ / ٥٢ ] أي محونا عنكم ذنوبكم.

قوله تعالى : ( عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ) [ ٩ / ٤٣ ] قال الشيخ أبو علي : وهذا من لطيف المعاتبة تبدأ بالعفو قبل العتاب ويجوز العتاب فيما غيره منه أولى لا سيما الأنبياء ، ولا يصح ما قاله جار الله : إن عفا الله كناية عن الجناية ، حاشا سيد الأنبياء من أن ينسب إليه الجناية.

قوله تعالى : ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ ) [ ٢ / ١٧٨ ] هو كما قيل من الْعَفْوِ ، كأنه قيل : ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ ) عن جناية ( مِنْ ) جهة ( أَخِيهِ ) يعني ولي الدم ( شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) ، أي فالأمر اتباع ، والمراد وصية الْعَافِي بأن يطالب بالدية بالمعروف والْمَعْفُوِّ عنه بأن يؤديها إليه بإحسان.

قوله تعالى : ( حَتَّى عَفَوْا ) [ ٧ / ٩٥ ] أي كثروا عددا في أنفسهم وأموالهم ، يقال : « عَفَا النبات » إذا كثر ( وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ ) يريد بطرتهم النعمة فقالوا : هذه عادة الدهر تعاقب في الناس بين الضراء والسراء و ( قَدْ مَسَّ آباءَنَا ) نحو ذلك ، فلم ينتقلوا عما كانوا عليه.

قوله تعالى : ( خُذِ الْعَفْوَ ) [ ٧ / ١٩٩ ] أي الميسور من أخلاق الناس ولا تستقص عليهم.

قوله تعالى : ( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) [ ٢ / ٢١٩ ] رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ (ع) : « الْعَفْوُ هُوَ الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا إِقْتَارٍ » (١). وَعَنِ الْبَاقِرِ (ع) : « مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِ السَّنَةِ » (٢) قَالَ : « ونُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الزَّكَاةِ ». وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : « مَا فَضَلَ عَنِ الْأَهْلِ

__________________

(١) مجمع البيان ج ١ ص ٣١٦.

(٢) البرهان ج ١ ص ٢١٢.

٢٩٩

وَالْعِيَالِ » (١). وقيل : أفضل المال وأطيبه وقرئ الْعَفْوُ بالرفع على أنه خبر أي الذي ينفقونه هو العفو ، وبالنصب على المفعولية أي أنفقوا العفو.

وَفِي الدُّعَاءِ : « أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ ». فَالْعَفْوُ هو التجاوز عن الذنوب ومحوها ، والْعَافِيَةُ دفاع الله الانتقام والبلايا عن العبد ، وهي اسم من عافاه الله وأعفاه وضع موضع المصدر ، ومثله ( ناشِئَةَ اللَّيْلِ ) بمعنى نشؤ الليل ، والخاتمة بمعنى الختم و ( لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ) بمعنى الكذب ، والْمُعَافَاةُ أن يعافيك الله عن الناس ويعافيهم عنك ، أي يغنيك عنهم ويغنيهم عنك ويصرف أذاهم عنك وأذاك عنهم.

وَفِي الْحَدِيثِ : « كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلَّا مَنْ عَافَيْتُهُ ». وفيه دلالة على أن الذنب مرض.

و « الْعَفَاءُ » الدروس والهلاك.

وعَفَتِ الدار : غطاها التراب فاندرست وعَفَا على قبره محا أثره. ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ (ع) : « إِنَّهُ دَفَنَ فَاطِمَةَ (ع) سِرّاً وَعَفَا عَلَى قَبْرِهَا ».

و « الْعَفَاءُ » بالفتح والمد : التراب ومنه قول بعضهم : « إذا دخلت بيتي فأكلت رغيفا وشربت عليه ماء فعلى الدنيا العفاء » (٢) ومثله قَوْلُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) فِي ابْنِهِ الْمَقْتُولِ : « عَلَى الدُّنْيَا بَعْدَكَ الْعَفَاءُ » (٣).

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) : « وعَفَا عَنْ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ تَجَلُّدِي » (٤). أي درس وانمحى.

وَفِي الْحَدِيثِ : « وأَعْفُوا اللِّحَى » (٥). هو بقطع الهمزة ، أي وفروها ، وقيل :

__________________

(١) مجمع البيان ج ١ ص ٣١٦.

(٢) قائل هذا الكلام هو صفوان بن محرز كما في الصحاح.

(٣) المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ٢٢٢.

(٤) في المناقب لابن شهرآشوب : ورق فيها تجلدي.

(٥) معاني الأخبار ص ٢٩١.

٣٠٠