مجمع البحرين - ج ١

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ١

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٩٢

يستفهم به ويجازى فيمن يعقل وفيمن لا يعقل (١) قال الجوهري : وهو معرفة للإضافة ، وقد يتعجب به.

قال الفراء : « أيُ » يعمل فيه ما بعده ولا يعمل فيه ما قبله كقوله تعالى : ( لِنَعْلَمَ أَيُ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى ) فرفع.

وإذا ناديت اسما فيه الألف واللام أدخلت بينه وبين حرف النداء « أيُّهَا » فتقول : « يا أيها الرجل » و « يا أيتها المرأة » فأيُ اسم مبهم مفرد معرفة بالنداء مبني على الضم ، و « ها » حرف تنبيه ، وهي عوض مما كانت « أي » تضاف إليه ، وترفع الرجل لأنه صفة « أي ».

قال في المغني : وقد تزاد « ما » على « أي » مثل : « أيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ ».

وقد تكون « أيُ » خبرا بمعنى « كم » للعدد كقوله تعالى : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ ) و ( كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ ) أصله « أي » دخلت الكاف عليها فصارت بمعنى « كم » التي للتكثير ... انتهى.

وفِي الْحَدِيثِ : « وأَيُّ شَيْءٍ الدُّنْيَا ». ولعل « أي » للاستفهام الذي يراد به النفي لقصد التحقير ، كقولك لمن ادعى إكرامك : « أي يوم أكرمتني ».

و « إيَّا » بكسر الهمزة والتشديد ، قال الجوهري : هو اسم مبهم ويتصل به جميع المضمرات المتصلة للنصب نحو « إياي » و « إياك » و « إياه » و « إيانا » وجعلت الياء والكاف والهاء والنون بيانا عن المقصود ، ليعلم المخاطب من الغائب ، ولا موضع لها من الإعراب ، فهي كالكاف في « ذلك » قال : وقد تكون للتحذير تقول : « إيَّاكَ والأسد » وهو بدل من فعل ، كأنك قلت : « باعد ».

قال : وأما « أيَا » مخففة فهي من حروف النداء ، ينادى بها القريب والبعيد و « أي » مثال « كي » ينادى بها القريب دون البعيد ، وهي أيضا كلمة تتقدم التفسير تقول : « أيْ كذا » كما أن « أي »

__________________

(١) يذكر أي الاستفهامية في « فهم » أيضا ـ ز.

٤١

بالكسر تتقدم القسم ، ومعناها « بلى » تقول : « إي وربي إي والله ».

وفي المغني : إذا وقعت « أي » للتفسير بعد « تقول » وقبل فعل مسند للضمير حكي الضمير ، أي أتيت به على الحكاية نحو « تقول استكتمته الحديث أي سألته كتمانه » يقال ذلك بضم التاء ، ولو جئت بإذا مكان أي فتحت ، فقلت : « إذا سألته » لأن إذا ظرف لتقول ، وقد نظم بعضهم ذلك فقال :

إذا كنيت بأي فعلا تفسره

فضم تاءك فيه ضم معترف

وإن تكن بإذا يوما تفسره

ففتحة التاء أمر غير مختلف

باب ما أوله الباء

( با )

قال الجوهري : الباء من حروف الشفة بنيت على الكسر لاستحالة الابتداء بالموقوف.

وقال غيره : الباء المفردة لمعان :

الإلصاق (١).

والتعدية (٢).

والاستعانة (٣).

والسببية كقوله تعالى : ( إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ ).

والمصاحبة كقوله تعالى : ( اهْبِطْ بِسَلامٍ ).

والظرفية كقوله : ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ ). والبدل نحو قول الشاعر :

فليت لي بهم قوما إذا ركبوا

شنوا الإغارة فرسانا وركبانا

__________________

(١) وهو حقيقي ومجازي ، فالحقيقي نحو « أمسكت بزيد » والمجازي نحو « مررت بزيد ».

(٢) نحو قوله تعالى : ( ذهب الله بنورهم ).

(٣) نحو « كتبت بالقلم ».

٤٢

والمقابلة (١).

والمجاوزة ـ كعن ـ كقوله تعالى : ( فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً ) وقوله : ( يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ) وقوله : ( يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ ) وقيل : الباء هنا للحال ، أي وعليها الغمام ، كما تقول : « ركب الأمير بسلاحه » أي وعليه سلاحه والاستعلاء ـ كعلى ـ كقوله تعالى : ( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ ) أي على قنطار.

والقسم (٢).

والغاية كقوله تعالى : ( وَقَدْ أَحْسَنَ بِي ) أي إلي.

والتوكيد ـ وهي الزائدة ـ كقوله تعالى ( وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً ). وللدلالة على التكرير والدوام « كأخذت بالخطام ».

وفي المغني : اختلف النحويون في الباء من قوله : ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ) فقيل : للمصاحبة و « الحمد » مضاف إلى المفعول أي سبحه حامدا ، أي نزهه عما لا يليق به وأثبت له ما يليق به ، وقيل : للاستعانة و « الحمد » مضاف إلى الفاعل ، أي سبحه بما حمد به نفسه.

قال : واختلف أيضا في « سبحانك اللهم وبحمدك » فقيل : جملة واحدة ، والواو زائدة ، وقيل : جملتان والواو عاطفة ومتعلق الباء محذوف ، ثم قال : وتكون الباء للتبعيض ـ أثبت ذلك الأصمعي والفارسي والثعلبي وابن مالك ، قيل والكوفيون وجعلوا منه قوله تعالى : ( عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ ) قيل : ومنه قوله تعالى : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) انتهىز

ومجيئها للتبعيض وكونها في الآية له مما لا شك فيه ، كما عليه الإمامية ونطق به الخبر الصحيح عن زرارة عن الباقر (ع) (٣) ويتم الكلام في بعض إن شاء الله تعالى (٤)

__________________

(١) نحو قوله تعالى : ( ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون ).

(٢) نحو « بالله لأصادقنك ».

(٣) انظر الكافي ٣ / ٣٠.

(٤) تقدم في « أبا » كلام في الباء ، وسيأتي في « سبح » بعض كلام فيها ، وفي « بسم » شيء في باب البسملة ـ ز.

٤٣

( بأبأ )

رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ : « أَنَّ النَّبِيَّ (ص) بَأْبَأَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ » وكَذَا عَلِيٌّ.

وذلك من « بَأْبَأْتُ الصَّبِيَّ » إذا قلت له : « بأبي أنت وأمي » أي أنت مفدى بهما أو فديتك بهما.

( بدأ )

قوله تعالى : ( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )(١) هو من بدأت الشيء : فعلته ابتداء ، ويقال : « بديت بالشيء » بكسر الدال : بدأت به ، فلما خففت الهمزة كسرت الدال وانقلبت ياء.

قوله : ( فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ ) أي بتفتيشها ( قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ) بنيامين لنفي التهمة.

قوله تعالى : ( بادِيَ الرَّأْيِ ) أي في أول رأي رآه وابتدائه.

و ( بادِيَ الرَّأْيِ ) ـ غير مهموز ـ من البدو والظهور ، أي في ظاهر الرأي والنظر.

قيل : وكلهم قرأ بغير همزة غير أبي عمرو.

قوله : ( بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما ) أي ظهرت لهما عوراتهما ، وظهرت لكل واحد منهما عورة صاحبه ( وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ) قال المفسر : وهذا إنما كان لأن المصلحة اقتضت إخراجهما من الجنة وإهباطهما إلى الأرض لا على وجه العقوبة فإن الأنبياء لا يستحقون العقوبة.

قَوْلُهُ : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها ) هِيَ الثِّيَابُ وَالْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَخِضَابُ الْكَفِّ وَالسِّوَارُ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (ره) : وَالزِّينَةُ ثَلَاثٌ : زِينَةٌ لِلنَّاسِ وَزِينَةٌ لِلْمَحْرَمِ وَزِينَةٌ لِلزَّوْجِ ، فَأَمَّا زِينَةُ النَّاسِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ، وَأَمَّا زِينَةُ الْمَحْرَمِ فَمَوْضِعُ الْقِلَادَةِ فَمَا فَوْقَهَا وَالدُّمْلُجُ فَمَا دُونَهُ وَالْخَلْخَالُ وَمَا أَسْفَلَ مِنْهُ ، وَأَمَّا زِينَةُ الزَّوْجِ فَالْجَسَدُ كُلُّهُ (٢).

قوله : ( وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ ) قال الشيخ أبو علي (ره) : الحي إما أن يبدأ فعلا أو يعيده ، فإذا هلك لم يكن منه إبداء ولا إعادة ، فجعلوا قولهم « لا يبدىء

__________________

(١) سيأتي في « دخن » أول ما خلق الله تعالى ـ ز.

(٢) تفسير علي بن إبراهيم ٢ / ١١٠.

٤٤

ولا يعيد » مثلا للهلاك ، والمعنى جاء الحق وهلك الباطل.

و « أبْدَى الشيءَ » أظهره.

ومنه سميت البادية لظهورها.

والبدو ـ على فعول ـ : الظهور ، ومنه الْحَدِيثُ : « نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا ». أي قبل ظهوره ، وهو أن يحمر البسر أو يصفر.

قوله : ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) أي الذي من أهل البدو.

والبدو ـ كفلس ـ : خلاف الحضر.

قوله : ( بادُونَ فِي الْأَعْرابِ ) : خارجون إلى البدو ، وأراد البداوة أي الخروج إلى البادية ، وتفتح باؤها وتكسر وفِي الْحَدِيثِ : « أَتَى أَهْلُ الْبَادِيَةِ رَسُولَ اللهِ ». أي جماعة من الأعراب سكان البادية.

والبَدَوِيُ : نسبة إلى البادية على غير القياس.

وفِي الْخَبَرِ : « كَرِهَ شَهَادَةَ الْبَدَوِيِ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ ». قيل : لما فيه من الجفاء في الدين والجهالة بأحكام الشرع ، ولأنهم في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها.

و « فلان ذو بداوة » أي لا يزال يبدو له رأي جديد.

ومنه « بدا له في الأمر » إذا ظهر له استصواب شيء غير الأول.

والاسم منه البداء ـ كسلام ـ وهو بهذا المعنى مستحيل على الله تعالى ، كما جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ (ع) : « بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَبْدُ لَهُ مِنْ جَهْلٍ ».

وقَوْلُهُ (ع) : « مَا بَدَا لِلَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا كَانَ فِي عِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ ».

وقد تكثرت الأحاديث من الفريقين في البداء ، مثل : « مَا عُظِّمَ اللهُ بِمِثْلِ الْبَدَاءِ » (٢). وقَوْلُهُ : « مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيّاً حَتَّى يُقِرَّ لَهُ بِالْبَدَاءِ ». أي يقر له بقضاء مجدد في كل يوم بحسب مصالح العباد لم يكن ظاهرا عندهم ، وكان الإقرار عليهم بذلك للرد على من زعم أنه تعالى فرغ من الأمر ، وهم اليهود ، لأنهم يقولون :

__________________

(١) الكافي ١ / ١٤٦.

(٢) الكافي ٨ / ١٦٥.

٤٥

« إن الله عالم في الأزل بمقتضيات الأشياء فقدر كل شيء على وفق علمه ».

وفِي الْخَبَرِ : « الْأَقْرَعُ وَالْأَبْرَصُ وَالْأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ». أي قضى بذلك ، وهو معنى البداء هاهنا لأن القضاء سابق.

ومثله فِي الْيَهُودِ : « بَدَا لِلَّهِ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ». أي ظهر له إرادة وقضاء مجدد بذلك عند المخلوقين.

وفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع) : « مَا بَدَا لِلَّهِ فِي شَيْءٍ كَمَا بَدَا لَهُ فِي إِسْمَاعِيلَ ابْنِي ». يعني ما ظهر له سبحانه أمر في شيء كما ظهر له في إسماعيل ابني ، إذ اخترمه قبلي ليعلم أنه ليس بإمام بعدي ـ كذا قرره الصدوق (ره).

وفِي حَدِيثِ الْعَالِمِ (ع) : « الْمُبْرَمُ مِنَ الْمَفْعُولَاتِ ذَوَاتِ الْأَجْسَامِ الْمُدْرَكَاتِ بِالْحَوَاسِّ مِنْ ذَوِي لَوْنٍ وَرِيحٍ وَوَزْنٍ وَكَيْلٍ ، وَمَا دَبَّ وَدَرَجَ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ وَطَيْرٍ وَسِبَاعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ فَلِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ الْبَدَاءُ مِمَّا لَا عَيْنَ لَهُ ، فَإِذَا وَقَعَ الْعَيْنُ الْمَفْهُومُ الْمُدْرَكُ فَلَا بَدَاءَ وَ ( اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) ». وفيه من توضيح معنى البداء ما لا يخفى (١).

وقال الشيخ في العدة : وأما الْبَدَاءُ فحقيقته في اللغة : الظهور ، ولذلك يقال : « بَدَا لنا سور المدينة » و « بدا لنا وجه الرأي » قال تعالى : ( وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا ) ، ( وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا ) ويراد بذلك كله : ظهر.

وقد يستعمل ذلك في العلم بالشيء بعد أن لم يكن حاصلا ، وكذلك في الظن ، فأما

__________________

(١) قد ثبت في الأحاديث الصحاح أن لله علما مكنونا يكون منه البداء وله علم مبذول يكون فيه البداء ، وهو المكتوب في اللوح ، وهو المراد من « المبرم من المفعولات » وقد ظهر أن في القول بالبداء انقطاعا للعبد إلى الله في كل حال ، وفيه وقوف للعبد في مقام العبودية ، ولذا ما عظم الله بشيء مثل البداء كما ذكره. وقد صححنا الحديث على الكافي كتاب التوحيد باب البداء ـ ن.

٤٦

إذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز إطلاقه عليه ومنه ما لا يجوز ، فأما ما يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه ، ويكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع ، وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين (ع) من الأخبار المتضمنة لأضافة البداء إلى الله تعالى ، دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد أن لم يكن ، ويكون وجه إطلاق ذلك عليه والتشبيه هو : أنه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهرا ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلا وأطلق على ذلك لفظ البداء. قال : وذكر سيدنا المرتضى ـ قدس روحه ـ وجها آخر في ذلك ، وهو أن قال : يمكن حمل ذلك على حقيقته ، بأن يقال : « بَدَا لله » بمعنى أنه ظهر له من الأمر ما لم يكن ظاهرا له ، وبدا له من النهي ما لم يكن ظاهرا له ، لأن قبل وجود الأمر والنهي لا يكونان ظاهرين مدركين ، وإنما يعلم أنه يأمر أو ينهى في المستقبل ، فأما كونه آمرا وناهيا فلا يصح أن يعلمه إلا إذا وجد الأمر والنهي ، وجرى ذلك مجرى أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ ) بأن تحمله على أن المراد به : حتى نعلم جهادكم موجودا ، لأن قبل وجود الجهاد لا يعلم الجهاد موجودا ، وإنما يعلم كذلك بعد حصوله ، فكذلك القول في البداء (١) ثم قال : وهذا وجه حسن جدا.

و « ابتداء بدء الأمور بيده » ـ بمفتوحة ثم ساكنة وهمزة ـ أي ابتداء أوائل الأمور بقدرته.

والبَدِيُ ـ بالتشديد ـ : الأول ، ومنه : « الحمد لله بَدِيّاً ».

وقولهم : « أفعل ذلك بَدِيّاً » أي أول كل شيء.

والبَدِيُ : البئر التي حفرت في الإسلام وليست بعادية.

ومنه : « حريم البئر البَدِيّ خمسة

__________________

(١) يذكر في « سلط » حديثا في البداء ـ ز.

٤٧

وعشرون ذراعا ».

( بذا )

فِي الْحَدِيثِ : « إِنَّ اللهَ حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ فَحَّاشٍ بَذِيٍ » (١). الْبَذِيُ ـ على فعيل ـ : السفيه ، من قولهم : « بَذَا على القوم يَبْذُو بَذَاءً » بالفتح والمد : سفه عليهم وأفحش في منطقه ، وإن كان صادقا فيه ، ولعلهما في الحديث واحد مفسر بالآخر.

قيل : وربما كان التحريم زمانا طويلا لا تحريما مؤبدا ، والمراد بالجنة جنة خاصة معدة لغير الفحاش ، وإلا فظاهره مشكل وفِي الْخَبَرِ : « الْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ ». يعني الفحش من القول.

وقد جاء أَبْذَى يُبْذِي بالألف ، وبَذِيَ يَبْذُو من بابي تعب وقرب.

( برأ )

قوله تعالى : ( هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ ) قيل : الخَالِق المقدِّر لما يُوجِده ، والبَارِئُ : المميِّز بعضهم عن بعض بالأشكال المختلفة ، والمُصَوِّر : الممثّل. ويتم الكلام في خلق إن شاء الله تعالى.

والبَارِئُ (٢) : اسم من أسمائه تعالى ، وفسّر بالذي خلق الخلق من غير مثال. قيل : ولهذه اللفظة من الاختصاص بخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات ، وقلما تستعمل في غير الحيوان ، فيقال : « بَرَأَ الله النَّسَمَة وخلق السموات والأرض ».

قوله : ( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها ) الضمير في نَبْرَأَها للنفس أو المصيبة ، والمراد بالمصيبة في الأرض مثل القحط ونقص الثمار ، وفي الأنفس مثل الأمراض والثَّكْل بالأولاد ، والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ ثم بين تعالى وجه الحكم في ذلك بقوله : ( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) أي ( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ ) من نعيم الدنيا ، ( وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) الله عزوجل ، يعني إذا علمتم أن كل شيء مقدر مكتوب قلّ حزنكم على الفائت

__________________

(١) تحف العقول ص ٤٤.

(٢) يذكر « الباري » في « خلق » أيضا ـ ز.

٤٨

وفرحكم على الآتي ، وكذا إذا علمتم أن شيئا منها لا يبقى لم تهتمّوا لأجله واهتَمَمْتُم لأمور الآخرة التي تدوم ولا تبيد.

قوله : ( إنا برءاء منكم ومما تعبدون ) ـ بالضم ـ أي بريئون ، وقرئ « بَرَاءٌ » بالفتح وزن « سلام » (١).

قوله : ( بَراءَةٌ مِنَ اللهِ ) أي هذه الآيات براءة و « من » لابتداء الغاية. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ (ره) : أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) حِينَ نَزَلَتْ بَرَاءَةُ دَفَعَهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْهُ وَدَفَعَهَا إِلَى عَلِيٍّ (ع) وإن اختلفوا في تفصيله (٢).

قوله تعالى : ( أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) أي هم خير الخلق ، من « بَرَأَ الله الخلق » أي خلقهم ، فتركت همزتها ، ومنهم من يجعلها من « البرء [ البرى ] » وهو التراب لخلق آدم منه. قال الشيخ أبو علي (ره) : قرأ نافع وذَكْوان الْبَرِيئَةَ مهموزا والباقون بغير همز ، والمعنى : أولئك هم خير الخليقة ، قال : ورُوِيَ مَرْفُوعاً إِلَى يَزِيدَ بْنِ شَرَاحِيلَ الْأَنْصَارِيِّ كَاتِبِ عَلِيٍّ (ع) قَالَ : « سَمِعْتُ عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَالَ : قُبِضَ رَسُولُ اللهِ (ص) وَأَنَا مُسْنِدُهُ إِلَى صَدْرِي فَقَالَ : يَا عَلِيُّ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) وَهُمْ شِيعَتُكَ وَمَوْعِدِي وَمَوْعِدُكَ الْحَوْضُ إِذَا اجْتَمَعَتِ الْأُمَمُ لِلْحِسَابِ ، يُدْعَوْنَ غُرّاً مُحَجَّلِينَ ». وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) قَالَ : « نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ (ع) وَأَهْلِ بَيْتِهِ ».

قوله : ( وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ) الآية. قال الشيخ أبو علي (ره) : ثم تواضع لله ـ يعني يوسف ـ وبين أن ما به من الأمانة إنما هو بتوفيق الله وعصمته ( وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ) من الزلل لأنَ ( النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) أراد الجنس ( إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي ) إلا البعض الذي رحمه ربي بالعصمة. وقيل : من كلام امرأة العزيز ،

__________________

(١) وهذا لا يثنى ولا يجمع ، لأنه في الأصل مصدر مثل « سمع سماعا » بخلاف ما إذا قلت : « أنا بريء منه » فإنه يثنى ويجمع ، كما يأتي تفصيله ـ م.

(٢) انظر البرهان ٢ / ١٠٠ ، والدر المنثور ٣ / ٢٠٩.

٤٩

أي ذلك قلت ليعلم يوسف أني لم أكذب عليه في حال الغيبة وصدقت فيما سئلت عنه ، ( وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ) مع ذلك من الخيانة ، فإني خنته حين فرقته وسجنته ، تريد الاعتذار مما كان.

وفِي الْحَدِيثِ : « مَنْ نَامَ عَلَى سَطْحٍ غَيْرِ مُحَجَّرٍ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ». ومعناه : أن لكل أحد من الله عهدا بالحفظ والكلاءة ، فإذا ألقى بيده إلى التهلكة أو فعل ما حرم أو خالف ما أمر به خذلته ذمة الله.

وفِيهِ : « مَنْ يُطِيقُكَ وَأَنْتَ تُبَارِي الرِّيحَ ». أي تسابقه ، من قولهم : « فلان يُبَارِي الريح سماحة » أي يسابقه فيها ، أو من المعارضة من قولهم : « فلان يُبَارِي فلانا » إذا صنع كصنعه ليعجزه.

وفِي الْخَبَرِ : « نُهِيَ عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ ». أي يفعلهما ليعجز أحدهما الآخر ، وإنما كرهه لما فيه من المباهات والرياء.

و « بَرَأْتُ من المرض أَبْرَأُ بَرَاءً » بالفتح ، ويقال : « بَرِئْتُ » بالكسر « بُرَءاً » بالضم ، و « وأَبْرَأَهُ الله من المرض ».

و « بَرِئَ فلان من دينه » من باب تعب : سقط عنه طلبه.

و « بَرِئَ فلان من فلان » إذا تَبَرَّأَ منه و « الله منه بَرِيءٌ » أي مُتَبَرِّئٌ ، وهو من باب الوعيد.

وإذا قلت : « أنا بَرِيءٌ منه » قلت في الجمع : « نحن منه بُرَآءُ » مثل فقيه وفقهاء ، و « بِرَاءٌ » مثل كريم وكرام ، و « أَبْرَاءٌ » مثل شريف وأشراف ، و « أَبْرِيَاءٌ » مثل نصيب وأنصباء ، و « بَرِيئُونَ » ـ كذا قاله الجوهري.

و « أنا منه بَرَاءٌ » أي بَرِيءٌ عن مساواته في الحكم وأن أقاس به ، ولم يرد بَرَاءَةَ الإيمان والولاية.

وفِي حَدِيثِ الطِّبِّ وَالتَّطَيُّرِ : « فَلْيَطْلُبْ مِنْ وَلِيِّهِ الْبَرَاءَ ». كأنه يريد الْبَرَاءَةَ من الضمان عند عروض التلف.

و « أَبْرَأُ إلى الله أن يكون لي منكم خليل » أي أمتنع.

و « اسْتَبْرَأْتُ الشيء » طلبت آخره

٥٠

لقطع الشبهة عنه.

ومنه « اسْتِبْرَاءُ الخبر ».

والِاسْتِبْرَاءُ من البول (١) : أن يستفرغ بقيته وينقي موضعه ومجراه حتى يُبَرِّئَهُمَا منه ، ومن الحيض : هو طلب نقاوة الرحم من الدم ، وكيفيته ـ على ما ذكر في الفقيه ـ هو أن تلصق المرأة بطنها بالحائط وترفع رجلها اليسرى ـ كما ترى الكلب إذا بال ـ وتدخل قطنة فإن خرج الدم فهو حيض. ومن الجلل : هو ربط الجلال وحبسه عن أكل النجاسات مدة مقدرة من الشرع ، وفي كمية القدر خلاف ، ومحصله ـ على ما ذكره بعض المحققين ـ : اسْتِبْرَاءُ الناقة بأربعين يوما ، والبقرة بعشرين ـ وقيل بثلاثين ـ والشاة بعشرة والبطة وشبهها بخمسة ـ وفي الفقيه بثلاثة أيام وروي ستة أيام ـ ، والدجاجة وشبهها بثلاثة أيام ، والسمك ، بيوم وليلة ، وما عدا هذه المذكورات بما يزيل حكم الجلل ، ومرجعه إلى العرف.

و « اسْتَبْرَأَ لدينه وعرضه » أي طلب الَبْرَاءَ لأجل دينه من الذم الشرعي ومن الإثم ولعرضه من الطعن فيه.

و « بَارَى الرجل امرأته » إذا فارقها.

والْمُبَارَاةُ : أن تقول المرأة لزوجها : « لك ما عليك واتركني » (٢) فيتركها. إلا أنه يقول لها : « إن ارتجعت في شيء فأنا أملك ببضعك » إلى غير ذلك من الشروط المذكورة في محالها.

والْبَرَى : التراب ، ومِنْهُ « اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَدَدَ الثَّرَى وَالْبَرَى ».

والْبَرَاءُ : ـ بالمد والتخفيف ـ يقال لابن معرور الذي هو من النقباء ليلة العقبة ، ولابن عازب الذي نُقِلَ أَنَّهُ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ (ص) ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسَةَ أَحَادِيثَ ، وَأَنَّهُ حَضَرَ مَقْتَلَ الْحُسَيْنِ (ع) وَلَمْ يَنْصُرْهُ ، وَكَانَ يُطِيلُ الْحَسْرَةَ وَالنَّدَمَ عَلَى ذَلِكَ. ولابن مالك أخو أنس بن مالك الذي

__________________

(١) يذكر في « نتر » كيفية الاستبراء من البول ، وفي « سوق » حديثا فيه ـ ز.

(٢) وقد صححنا الحديث على ما في الوسائل الباب الثامن من أبواب الخلع والمباراة ـ ن.

٥١

شهد أحُدا والخندق.

والْبُرَةُ ـ بالضم وخفّة الراء ـ : الحلقة التي توضع في أنف البعير ، وهي الخزامة ، وربما كانت من شعر (١).

وفِي الْحَدِيثِ : « كَانَتْ بُرَةُ رَسُولِ اللهِ (ص) مِنْ فِضَّةٍ » (٢).

ونهي عن بَرْيِ النبل في المساجد ، أي نحته وعمله فيها.

يقال : « بَرَيْتُ النبل والقلم بَرْياً » من باب رمى ، و « بَرَوْتُهُ » لغة ، واسم الفعل الْبِرَايَةُ بالكسر.

والْبَارِيَّةُ الحصير الخشن ، وهو المعروف في الاستعمال ، وقال المطرزي : الْبَارِيّ الحصير ، ويقال له بالفارسية : الْبُورِيَا (٣).

( بزا )

فِي حَدِيثِ أَبِي طَالِبٍ يُعَاتِبُ قُرَيْشاً فِي أَمْرِ النَّبِيِّ (ص) :

كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ يُبْزَى مُحَمَّدٌ

وَلَمَّا نُطَاعِنُ دُونَهُ وَنُنَاضِلُ.

يُبْزَى : أي يُقهَر ، والمعنى : لا يُبْزَى ، بحذف « لا » أي لا يقهر ولم نقاتل عنه وندافع.

والْبَازِي ـ وزان القاضي ـ واحد الْبُزَاةُ التي تصيد ، ويجمع أيضا على « أَبْوَازٍ » و « بِيزَانٍ » مثل أبواب ونيران.

وفي حياة الحيوان : أفصح اللغات الْبَازِي مخففة ، والثانية « بَاز » والثالثة « بَازِيّ » بتشديد الياء ، ويقال في التثنية : « بَازِيَانِ » وفي الجمع « بُزَاةٌ ».

ويقال لِلْبُزَاةِ والشواهين وغيرها مما يصيد « صقورة » وكنيته أبو الأشعث وأبو بهلول وأبو لاحق ، وهو من أشد الحيوان تكبرا وأضيقها خلقا. قال القزويني في عجائب المخلوقات : قالوا : إنه لا يكون إلا أنثى وذكرها من نوع آخر من الحدأة والشواهين ، ولهذا اختلفت

__________________

(١) يذكر البرة في « خشش » أيضا ـ ز.

(٢) يذكر في « جفس » البرة من الأوصياء ـ ز.

(٣) يذكر الباري والبوريا في « بور » أيضا ـ ز.

٥٢

أشكالها ... انتهى. وعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ : الْبَازِيُ يَقُولُ : « سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ ».

( بطا )

قوله تعالى : ( وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ ) من التَّبْطِئَةِ ، وهو التأخر عن الأمر.

والْمُبَطِّئُونَ : المنافقون ، تثاقلوا وتخلفوا عن الجهاد ، من « بَطَّأَ » بمعنى « أَبْطَأَ ».

ومنه الْخَبَرَ : « مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يَنْفَعْهُ نَسَبُهُ ». أي من أخره عمله السيء وتفريطه في العمل الصالح لم ينفعه في الآخرة شرف النسب.

قال الجوهري : اللام الأولى في الآية للتأكيد ، والثانية جواب ، لأن القسم جملة توصل بأخرى وهي المقسم عليه لتوكيد الثانية بالأولى ، ويربطون بين الجملتين بحروف يسميها النحويون جواب القسم.

و « أَبْطَأَ الرجل » تأخر مجيئه.

ويقال : « بَطُؤَ مجيئه بُطْأً » من باب قرب فهو بَطيءٌ على فعيل.

وفي الصحاح : بَطُؤَ مجيئك وأَبْطَأْتَ ، ولا يقال أَبْطَيْتَ.

وفي القاموس : بَطُؤَ ككرم بُطْأً بالضم ، وبِطَاءً ككتاب ، وأَبْطَأَ : ضد أسرع.

وبَامْطِي بن شرجيل السامري : رجل عالم ، أعلم الناس باليهودية.

والْبَاطِيَةُ : الإناء ، قال الجوهري : وأظنه معربا (١).

( بغا )

قوله تعالى : : المرأة الفاجرة ، يقال : « بَغَتِ المرأة تَبْغِي بِغَاءً » ـ بالكسر والمد ـ فجرت ، فهي بَغِيٌ ، والجمع « الْبَغَايَا » ، وهو وصف يختص بالمرأة الفاجرة ولا يقال للرجل بَغِيّ (٢).

و « الْبِغَاءُ » ـ بالكسر والمد ـ الزنا. « وبَغَيْتُ الشيء أَبْغِيهِ بُغْياً » طلبته ، وابْتَغَيْتُهُ مثله ، والاسم : الْبُغَاءُ ـ بالضم ـ كغراب.

قال تعالى : ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ )

__________________

(١) الظاهر أنه معرب « بادية » ، وهي الإناء بالفارسية.

(٢) يذكر في « عنق » أول بغي على وجه الأرض ، وفي « خبر » حديثا في البغي ـ ز.

٥٣

أي يطلبون.

و ( بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ ) أي طلبا أن ينزل الله.

قوله : ( وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ ) قيل : هو نفي ويراد به النهي ، مثل « لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا ». ومراده لا ينفقون شيئا ( إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ ) ، أي طلب وجه الله ، وفيه نهي عن الرياء وطلب السمعة بالإنفاق ، وأمر بالإخلاص لما في الكلام من النفي والإثبات.

قوله : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ) قيل : هو في محل النصب مفعول له ، والمفعول محذوف : أي أحل لكم ما وراء ذلكم لأن تطلبوا النساء.

قوله : ( غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) أن لا يَبْغِي الميتة ولا يطلبها وهو يجد غيرها ، ولا عاد يعدو شبعه.

قوله : ( وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ ) أي رزقه أو علمه ، ووَرَدَ أَنَّهُ عِيَادَةُ مَرِيضٍ وَحُضُورُ جَنَازَةٍ وَزِيَارَةُ أَخٍ. قوله : ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) الوسيلة فعيلة من قولهم : « توسلت إليه » أي تقربت ، والضمير راجع إلى الله تعالى ، أي اطلبوا التقرب إلى الله تعالى بأعمالكم.

قوله : ( إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ) أي فسادكم على أنفسكم.

والْبَغْيُ : الفساد ، وأصل الْبَغْيِ : الحسد ثم سمي الظالم بَغِيّاً ، لأن الحاسد ظالم.

ومنه قوله تعالى : ( فَبَغى عَلَيْهِمْ ) أي ترفع وجاوز المقدار.

وقوله تعالى : ( وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ ) فِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (ره) : هُوَ رَسُولُ اللهِ (ص) لَمَّا أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ وَهَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى الْغَارِ ، فَطَلَبُوهُ لِيَقْتُلُوهُ ، فَعَاقَبَهُمُ اللهُ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَقُتِلَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَالْوَلِيدُ وَأَبُو جَهْلٍ وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرُهُمْ ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ (ص) طَلَبَ بِدِمَائِهِمْ ، فَقُتِلَ الْحُسَيْنُ (ع) وَآلُ مُحَمَّدٍ بَغْياً وَعُدْوَاناً وَظُلْماً ، وَهُوَ قَوْلُ يَزِيدَ :

٥٤

لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا

وَقْعَةَ الْخَزْرَجِ مَعَ وَقْعِ الْأَسَلِ

إِلَى قَوْلِهِ :

قَدْ قَتَلْنَا الْقَوْمَ مِنْ سَادَاتِهِمْ

وَعَدَلْنَاهُ بِبَدْرٍ فَاعْتَدَلَ (١)

فَقَوْلُهُ : ( وَمَنْ عاقَبَ ) يَعْنِي رَسُولَ اللهِ (ص) ( بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَ بُغِيَ عَلَيْهِ ) يَعْنِي بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ (ع) بَغْياً وَظُلْماً وَعُدْوَاناً ( لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ ) يَعْنِي بِالْقَائِمِ مِنْ وُلْدِهِ.

قوله : ( وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً ) أي ما يتأتى للرحمن اتخاذ الولد ، ولا يصلح له ذلك.

يقال : « ما يَنْبَغِي لك أن تفعل كذا » أي ما يصلح لك ذلك.

وفي المصباح : حكي عن الكسائي أنه سمع من العرب : « وما يَنْبَغِي أن يكون كذا » أي ما يستقيم وما يحسن ، قال : « ويَنْبَغِي أن يكون كذا » معناه يندب ندبا مؤكدا لا يحسن تركه ، ثم قال : واستعمال ماضيه مهجور ، وقيل : عدوا « ينبغي » من الأفعال التي لا تتصرف ولا يقال « انبغى » قال : وقيل في وجهه أن ينبغي مطاوع « بغى » ولا يستعمل انفعل إلا إذا كان فيه علاج وانفعال ، وهو لا علاج فيه ، وأجازه بعضهم ... انتهى.

وفِي الْحَدِيثِ : « أَلَا وَإِنَّ اللهَ يُحِبُ بُغَاةَ الْعِلْمِ (٢) ». بضم موحده ، أي طلبته ، جمع « بَاغٍ » بمعنى طالب والجمع « بُغْيَانٌ » كراع ورعيان يقال : بَغَيْتُ الشيء بغاء وبغية إذا طلبته قال الحاجبي : الصفة من نحو « جاهل » على « جهل » و « جهال » غالبا و « فسقة » كثيرا وعلى قضاة. و « الْبُغَاةُ » أيضا جمع « بَاغٍ » وهم الخارجون على إمام معصوم ـ كما في الجمل وصفين ـ سموا بذلك لقوله تعالى : ( فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ ) « والفئة الْبَاغِيَةُ » الخارجة عن طاعة الإمام من « الْبَغْيِ » الذي هو مجاوزة الحد.

ومنه حَدِيثُ عَمَّارٍ : « تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ ».

وفِيهِ : « إِيَّاكَ أَنْ يُسْمَعَ مِنْكَ كَلِمَةُ بَغْيٍ ». أي ظلم وفساد.

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم ٢ / ٧٦.

(٢) الكافي ١ / ٣١.

٥٥

و « بَغَى على الناس » ظلم واعتدى ، فه و « باغ ».

و « بَغَى » سعى في الفساد.

قيل : ومنه « الفئة الْبَاغِيَةُ » لأنها عدلت عن القصد.

و « الْبِغْيَةُ » ـ بالكسر مثل الجلسة ـ الحال التي تبغيها.

و « الْبُغْيَةُ » ـ بضم الموحدة ـ الحاجة نفسها.

عن الأصمعي : « وبَغَى ضالته » طلبها ، وكل طلبة « بُغَاءٌ » ـ بالضم ـ و « بُغَايَةٌ » أيضا ـ قاله الجوهري.

وفِي الْحَدِيثِ فِي رَجُلٍ أَعَارَ جَارِيَةً « لَمْ يَبْغِهَا غَائِلَةً ». أي لا يقصد اغتيالها ، فقضى أن لا يغرمها.

و « ابْغِنِي كذا » ـ بهمزة الوصل ـ اطلب لي ، وبهمزة القطع أعني على الطلب قاله في الدر.

( بقا )

قوله تعالى : ( فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ ) أي من بقية ، أو من بقاء مصدر كالعافية.

قوله : ( وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) أي أكثر بقاء.

قوله : ( وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ ) قِيلَ : هِيَ الْأَعْمَالُ يَبْقَى ثَوَابُهَا ، وَقِيلَ : الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَقِيلَ : « سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ».

وعن بعض المفسرين من الخاصة والعامة في قوله تعالى : ( الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) : المراد بها أعمال الخير ، فإن ثمرتها تَبْقَى أبد الآبدين ، فهي بَاقِيَاتٌ ، ومعنى كونها خيرا أملا أن فاعلها ينال بها في الآخرة ما كان يأمل بها في الدنيا.

وما جاء فِي الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِهِ : « هُنَّ مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ ». فمعناه ـ على ما ذكر ـ : أن تلك الكلمات من جملة ما ذكره الله سبحانه في القرآن المجيد وعبر عنه بِالْبَاقِيَاتِ الصالحات وجعل ثوابه وأمله خيرا من المال والبنين.

قوله : ( بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ ) أي ما أبْقَى

٥٦

الله لكم من الحلال ولم يحرمه عليكم ، فيه مقنع ورضى فذلك خير لكم.

قوله : ( وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ ) أي في التابوت مما تكسر من الألواح التي كتب الله لموسى ، وعصا موسى وثيابه ، وعمامة هارون.

ويقال : ( بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ) رُضَاض قَطْعِ الألواح.

قوله : ( أُولُوا بَقِيَّةٍ ) أي أولوا تمييز وطاعة ، يقال : « فلان بَقِيَّةٌ » أي فضل مما يمدح به.

والْبَقِيَّةُ : الرحمة ، ومنه حَدِيثُ وَصْفِهِمْ (ع) : « أَنْتُمْ بَقِيَّةُ اللهِ فِي عِبَادِهِ ». أي رحمة الله التي من الله بها على عباده.

وجمع الْبَقِيَّةِ « بَقَايَا » و « بَقِيَّاتٌ » مثل عطية وعطايا وعطيات.

وفِي حَدِيثِ النَّارِ : « لَا تُبْقِي عَلَى مَنْ تَضَرَّعَ إِلَيْهَا ». أي لا ترحمه ، من أَبْقَيْتُ عليه إِبْقَاءً : إذا رحمته وأشفقت عليه.

والاسم الْبُقْيَا.

وبَقِيَ الشيء يَبْقَى ـ من باب تعب ـ دام وثبت.

ويتعدى بالألف فيقال : « أَبْقَيْتُهُ ».

والاسم : « الْبَقْوَى » بالفتح مع الواو و « الْبُقْيَا » بالضم مع الياء.

قال في المصباح : ومثله الفتوى والفتيا والثنوى والثنيا ، قال : وطي تبدل الكسرة فتحة فتقلب الياء ألفا ، وكذلك كل فعل ثلاثي مثل بَقِيَ ونسي وفتي ... انتهى.

و « بَقِيَ من الدين كذا » فضل وتأخر و « تَبَقَّى » مثله.

والاسم : الْبَقِيَّةُ.

وفِي حَدِيثِ مَلَكِ الْمَوْتِ لِبَنِي آدَمَ : « إِنَّ لَنَا فِيكُمْ بَقِيَّةً ». يريد ما يبقى من الشيء ويفضل.

« ولأربع بَقِينَ من كذا » أي بقيت منه ، وكذا « خلون » أي خلون منه.

وفِي الْحَدِيثِ : « مَا مِنْ نَبِيٍّ وَلَا وَصِيٍ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى يُرْفَعَ بِرُوحِهِ وَعَظْمِهِ وَلَحْمِهِ إِلَى السَّمَاءِ ».

٥٧

وفيه تأويل (١).

و « الْبَاقِي » من صفاته تعالى ، وهو من لا ينتهي تقدير وجوده في الاستقبال إلى آخر ينتهي إليه.

( بكا )

قوله تعالى : بُكِيًّا هو جمع « بَاكٍ » وأصله « بُكُوي » على فعول ، فأدغمت الواو في الياء.

ويقال : « الْبَكِيّ » على فعيل : الكثير البكاء ، و « الْبُكِيُ » على فعول جمع « بَاكٍ ».

قوله : ( فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَيَبْكِي عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ مُصَلَّاهُ وَبَابُ ارْتِفَاعِ عَمَلِهِ. وقيل : معناه أهل السماء ، فحذف ، وقيل : العرب تقول إذا هلك العظيم فيها : « بَكَتْ عليه السماء وكسفت لموته الشمس ».

وفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ لِلْحَسَنِ (ع) : « وابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ ». قال بعض أهل التحقيق : وهذا لا يستقيم على ظاهره على قواعد الإمامية القائلين بالعصمة ، وقد ورد مثله كثيرا في الأدعية المروية عن أئمتنا (ع) وقد رَوَى فِي الْكَافِي فِي بَابِ الِاسْتِغْفَارِ عَنِ الصَّادِقِ (ع) : أَنَّ « رَسُولَ اللهِ (ص) كَانَ يَتُوبُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً » (٢). وأمثال ذلك من طريق الخاصة والعامة كثير ، ثم قال : وأحسن ما تضمحل به الشبهة ما أفاده الفاضل الجليل بهاء الدين علي بن عيسى الإربلي في كتاب كشف الغمة ، قال : إن الأنبياء والأئمة (ع) تكون أوقاتهم مستغرقة بذكر الله تعالى ،

__________________

(١) وإلا لورد عليه أن نوحا نقل عظام آدم (ع) من سرنديب إلى النجف ، وموسى نقل عظام يوسف من مصر إلى بيت المقدس ، ونقل رأس الحسين (ع) من كربلا إلى الشام إلى النجف ، والتأويل فيه : أنها ترفع ثم ترجع إلى الأرض لحكمة اقتضت ذلك ، ولما فيه من قطع طمع الأعداء والمنافقين الذين يسبقونهم في قبورهم ، فإذا علموا ذلك انقطع الطلب وكفوا عن ذلك ـ م.

(٢) الكافي ٢ / ٤٣٨.

٥٨

وقلوبهم مشغولة ، وخواطرهم متعلقة بالملأ الأعلى ، وهم أبدا في المراقبة كما قَالَ (ع) : « اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَرَهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ». فهم أبدا متوجهون إليه ومقبلون بكليتهم عليه ، فمتى انحطوا عن تلك المرتبة العلية والمنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل والمشرب والتفرغ إلى النكاح وغيره من المباحات عدوه ذنبا واعتقدوه خطيئة فاستغفروا منه ، ألا ترى إلى بعض عبيد أبناء الدنيا لو قعد يأكل ويشرب وينكح وهو يعلم أنه بمرأى من سيده ومالكه يعده ذنبا ، فما ظنك بسيد السادات ومالك الملاك ، وإلى هذا أشار بِقَوْلِهِ (ع) : « إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ بِالنَّهَارِ سَبْعِينَ مَرَّةً » (١). وقَوْلِهِ : « حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ » .. انتهى.

ويجيء في « غين » إن شاء الله تعالى ما يتم به الكلام.

وبَكَى يَبْكِي بُكًى وبُكَاءً ـ بالقصر والمد ـ قيل : القصر مع خروج الدموع ، والمد على إرادة الصوت (٢).

قال في المصباح : وقد جمع الشاعر بين المعنيين ، فقال :

بَكَتْ عيني وحق لها بُكَاهَا

وما يغني الْبُكَاءُ ولا العويل

وقد تكرر ذكر الْبُكُاءِ في الحديث ، والمبطل منه للصلاة (٣) يحتمل معنيين ، وقصر البعض تحريمه على الممدود لمكان الاستصحاب في صحة الصلاة ، وإطلاق

__________________

(١) يأتي في « غين » حديث مشابه لما ذكره هنا مع تفسيره ـ ن.

(٢) يذكر في « عذب » شيئا في البكاء على الميت ، وفي « عشر » البكاء على الحسين (ع) ، وفي « وله » البكاء لله تعالى ، وفي « غنا » البكاء عند قراءة القرآن ـ ز.

(٣) وهو ما كان للدنيا كذهاب مال أو فقد محبوب ، وأما ما كان للآخرة كبكى ـ بالقصر ـ أو بكاء ـ بالمد ـ من خشية الله تعالى أو ذكر الجنة والنار فهو أفضل الأعمال ، كما نطقت به الأخبار عنهم (ع) ـ وم.

٥٩

النص يأباه (١).

و « تَبَاكَى الرجل » : تكلف البكاء.

ومِنْهُ : « إِنْ لَمْ تَجِدُوا الْبُكَاءَ فَتَبَاكُوا ». وقيل : معناه لا تكلفوا الْبُكَاءَ.

و « بَكَيْتُهُ » و « بَكَيْتُ عليه » و « بَكَيْتُ له » و « بَكَّيْتُهُ » ـ بالتشديد ـ و « بَكَتِ السماء » إذا أمطرت ، ومنه « بَكَتِ السحابة ».

( بلا )

قوله تعالى : ( إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ) أراد به الاختبار والامتحان ، يقال : « بَلَاهُ يَبْلُوهُ ». إذا اختبره وامتحنه.

وبَلَاهُ بالخير أو الشر يَبْلُوهُ بَلْواً ، وأَبْلَاهُ ـ بالألف ـ وابْتَلَاهُ بمعنى : امتحنه.

والاسم : الْبَلَاءُ (٢) مثل سلام.

والْبَلْوَى والْبَلِيَّةُ مثله.

ويقال الْبَلَاءُ على ثلاثة أوجه : نعمة ، واختبار ، ومكروه.

قَوْلُهُ : ( لَتُبْلَوُنَ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ) يُرِيدُ تَوْطِينَ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ (ع)

قوله : ( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ) أي اختبره بما تعبده به من السنن ، وقِيلَ : هِيَ عَشْرُ خِصَالٍ خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ ، وَهِيَ : الْفَرْقُ وَالسِّوَاكُ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَقَصُّ الشَّارِبِ ، وَخَمْسَةٌ فِي الْبَدَنِ : الْخِتَانُ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَالِاسْتِنْجَاءُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ. قوله : ( فَأَتَمَّهُنَ ) أي عمل بهن ولم يدع منهن شيئا.

والْبَلَاءُ يكون حسنا وسيئا ، وأصله المحنة.

__________________

(١) لا يخفى بأن النصوص الواردة بأن البكاء على الميت يفسد الصلاة لا ندري أهو على الممدود أم على المقصور ، فإن جعلناها لمطلق البكاء ناسب قول الوالد المصورة : « وإطلاق النص يأباه ، وإن فرقنا بينهما كان في العبارة المذكورة مساهلة ، وفي لفظ الحديث إجمال ، فيشكل التعلق به في إثبات حكم مخالف للأصل ، خصوصا وقد اشتمل على عدة من الضعفاء ـ وم.

(٢) يذكر في « جهد » شيئا في البلاء ، وكذا في « وجد » و « حطط » و « سخف » و « مثل » و « وكل » ـ ز.

٦٠