مجمع البحرين - ج ١

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ١

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٩٢

واستكبارا.

قوله تعالى : ( وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا ) [ ٤ / ١٣٥ ] قيل : هو من « لَوَيْتُ فلانا حقه لَيّاً » إذا دفعته به ، وقرئ وإن تَلُوا أراد قمتم بالأمر ، من قولك : « وليت الأمر ».

وَفِي الْخَبَرِ : « لَيُ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ ». اللَّيُ : المطل ، يقال : « لَوَاهُ بدينه » من باب رمى : مطله. والواجد : الغني الذي يجد ما يقضي به دينه ، وأراد بعرضه لومه ، وبعقوبته حبسه.

وَفِي حَدِيثِ هِشَامٍ : « لَا تَكَادُ تَقَعُ تَلْوِي رِجْلَيْكَ إِذَا هَمَمْتَ طِرْتَ » (١). أي كلما أردت أن تقع ارتفعت. وأَلْوَى شدقه : أماله وأعرض به ، ومثله أَلْوَى برأسه ولَوَاهُ : إذا أماله من جانب إلى جانب.

وَفِي الْحَدِيثِ : « إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ يَصِيرُ إِلَى مَنْ يُلْوَى لَهُ الْحَنَكُ ». أي يمال له الحنك بذل ، ويراد به القائم (ع) من آل محمد (ص).

و « لَاوَى » أحد أولاد يعقوب ، وهو القائل لإخوته : ( أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ ) [ ١٢ / ٨٠ ].

والْتَوَى وتَلَوَّى بمعنى.

و « صريع يَتَلَوَّى » أي يتقلب من ظهر إلى بطن ، لأن الِالْتِوَاءَ والتَّلَوِّي الاضطراب عند الجزع والضرر.

و « اللِّوَايَةُ » العلم الكبير ، واللِّوَاءُ دون ذلك ، والعرب تضع اللواء موضع الشهرة ، ومنه قَوْلُهُ (ص) : « لِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي ». يريد انفراده بالحمد يوم القيامة وشهرته به على رءوس الخلائق.

و « اللَّاءُونَ » جمع الذي من غير لفظه بمعنى الذين ، و « اللَّائِي » بإثبات الياء في كل حال من حالات الإعراب يستوي فيه الرجال والنساء ..

و « لَو » على ما قرره ابن هشام تكون على أوجه :

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١٧٣.

٣٨١

( أحدها ) لَوْ المستعملة في نحو « لَوْ جاءني لأكرمته » ، وهذه تفيد ثلاثة أمور : الشرطية أعني عقد السببية والمسببية بين الجملتين بعدها ، الثاني تقييد الشرطية بالزمن الماضي ، الثالث الامتناع ، وقد اختلف في إفادتها له فقيل لا تفيده بوجه وإنما تفيد التعليق في الماضي ، وقيل تفيد امتناع الشرط وامتناع الجواب جميعا ، وقيل تفيد امتناع الشرط خاصة ولا دلالة على امتناع الجواب ولا على ثبوته ولكنه إن كان مساويا للشرط في العموم كما في قولك : « إن كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا » لزم انتفاؤه ، لأنه يلزم من انتفاء السبب المساوي انتفاء مسببه وإن كان أعم كما في قولك : « لَوْ كانت الشمس طالعة كان الضوء موجودا » فلا يلزم انتفاؤه ، وإنما يلزم انتفاء القدر المساوي منه للشرط ، وهذا قول المحققين.

( الثاني ) من أقسام لَوْ أن تكون حرف شرط في المستقبل إلا أنها لا تجزم كقوله تعالى : ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ ) [ ٤ / ٩ ] أي وليخش الذين إن شارفوا أن يتركوا ، وإنما نزلنا الترك بمشارفة الترك لأن الخطاب للأوصياء وإنما يتوجه إليهم قبل الترك لأنهم بعده أموات ، ومثله ( لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ) [ ٢٦ / ٢٠١ ] أي حين يشارفون رؤيته ويقاربونها لا بعده ( فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ). وحكي عن بعضهم إنكار لَوْ للتعليق في المستقبل ، وأن إنكار ذلك قول أكثر المحققين.

( الثالث ) أن تكون حرفا مصدريا بمنزلة « أن » إلا أنها لا تنصب ، وأكثر وقوع هذه بعد ود ويود ، وأكثرهم لا يثبت لَوْ مصدرية ويقول في قوله تعالى : ( يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ ) [ ٢ / ٩٦ ] أنها شرطية وإن مفعول ( يَوَدُّ ) وجواب ( لَوْ ) محذوفان ، والتقدير : يود أحدهم التعمير لَوْ يعمر ألف سنة لسره ذلك ، وفيه تكلف.

( الرابع ) أن تكون للتمني نحو « لَوْ

٣٨٢

يأتيني فيحدثني » قيل : ومنه ( فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً ) [ ٢٦ / ١٠٢ ] أي فليت لنا كرة.

( الخامس ) أن تكون للعرض نحو « لَوْ تنزل عندنا فتصيب خيرا ». قيل : وتكون للتقليل نحو « تَصَدَّقُوا وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْتَرِقٍ ». وعن بعض المحققين في معنى قَوْلِهِ : « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ». أي ولو كان الاتقاء بشق تمرة ، فحذف كان مع اسمها. قال : وهذه الواو واو الحال عند صاحب الكشاف ، واعتراضية عند بعض النحاة ، وعاطفة عند بعض فإنهم قالوا في قَوْلِهِ (ص) : « اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ » (١). إن التقدير اطلبوا العلم لو لم يكن بالصين ولو كان بالصين.

وَفِي الْخَبَرَ : « الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ ». قيل : لَوْ هنا بمعنى عسى ، والتقدير : التمس صداقا فإن لم تجد ما يكون كذلك فعساك تجد خاتما من حديد ، فهو لبيان أدنى ما يلتمس وما ينتفع به.

وما ذكره ابن هشام في هذا المقام أن قال : لهجت الطلبة بالسؤال عن قوله تعالى : ( وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا ) [ ٨ / ٢٣ ] ينتج لو علم الله فيهم خيرا لتولوا ، وهذا مستحيل ، ثم أجاب بثلاثة أجوبة اثنان يرجعان إلى نفي كونه قياسا ، والثالث على تقديره بتقدير : ولَوْ علم الله فيهم خيرا وقتا ما لتولوا بعد ذلك.

و « لَوْ لا » هي مركبة من معنى أن ولَوْ ، وذلك أن لو لا تمنع الثاني من أجل وجود الأول ، تقول : « لَوْ لا زيد لهلكنا » أي امتنع وقوع الهلاك من أجل وجود زيد.

وَفِي الْخَبَرِ : « لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ » (٢). والتقدير : لو لا مخافة أن أشق لأمرتهم ، أو إيجاب وإلا لانعكس معناها ، إذا الممتنع المشقة والموجود الأمر ، والاسم الواقع بعدها مرفوع بالابتداء ، وقيل هو فاعل لفعل محذوف ، وقيل هو مرفوع

__________________

(١) مشكاة الأنوار ص ١٢٤.

(٢) من لا يحضر ج ١ ص ٣٤.

٣٨٣

بلو لا أصالة ، وقيل بها لنيابتها عن الفعل ، وهي إذا لم يحتج إلى جواب فمعناها إما التحضيض أو العرض فيختص بالمضارع أو ما في تأويله نحو قوله تعالى : ( لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ ) [ ٢٧ / ٤٦ ] ( لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) [ ٤ / ٧٧ ] وفرق بينهما أن التحضيض طلب بإزعاج والعرض طلب بلين وتأدب ، أو التوبيخ والتنديم فتختص بالماضي نحو ( لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ) [ ٢٤ / ١٣ ] و ( فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً ) [ ٤٦ / ٢٨ ] ومنه ( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ) [ ٢٤ / ١٦ ] إلا أن الفعل أخر ، ( فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا ) [ ٦ / ٤٣ ] ( فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ. وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ. فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ. تَرْجِعُونَها ) [ ٥٦ / ٨٣ ـ ٨٧ ]. قال ابن هشام : المعنى : فهلا ترجعون الروح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين ، وحالتكم أنكم تشاهدون ذلك [ ونحن أقرب إلى المحتضر منكم بعلمنا أو بالملائكة ولكنكم لا تشاهدون ذلك ] (١) ولو لا الثانية تكرار للأولى ، أو الاستفهام نحو ( لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ) [ ٦ / ٨ ].

( لها )

قوله تعالى : ( لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) [ ٢١ / ٣ ] أي ساهية مشغولة بالباطل عن الحق وتذكره.

قوله تعالى : ( لَهْوَ الْحَدِيثِ ) [ ٣١ / ٦ ] أي باطله وما يلهي عن ذكر الله قيل : والإضافة بمعنى « من » لأن اللهو يكون من الحديث وغيره.

قوله تعالى : ( لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً ) [ ٢١ / ١٧ ] قيل الولد وقيل المرأة.

قوله تعالى : ( أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ ) [ ١٠٢ / ١ ] أي أشغلكم التفاخر والتباهي في كثرة المال عن الآخرة.

قوله تعالى : ( لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا

__________________

(١) الزيادة من مغني اللبيب ( لو لا ).

٣٨٤

بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ) [ ٢٤ / ٣٧ ] أي لا تشغلهم.

قوله تعالى : ( فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) [ ٨٠ / ١٠ ] أي تتشاغل وتتغافل ، محذوف منه إحدى التائين من قولهم : « تَلَهَّيْتُ عن الشيء » و « لَهَيْتُ عنه وتركته ».

وَفِي الْحَدِيثِ : « يُحَرِّكُ الرَّجُلُ لِسَانَهُ فِي لَهَوَاتِهِ ». هي بالتحريك جمع « لَهَاتٍ » كحصاة وهي سقف الفم ، وقيل : هي اللحمة الحمراء المتعلقة في أصل الحنك ، وتجمع أيضا على « لَهًى » كحصى.

و « اللُّهْوَةُ » بالضم : ما يلقيه الطاحن في فم الرحى بيده.

و « لَهِيتُ عن الشيء » بالكسر : إذا سلوت عنه وتركت ذكره وأضربت عنه. و « هم لُهَاءُ مائة » مثل زهاء مائة.

وَفِي دُعَاءِ الْخَلْوَةِ : « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي أَذَاهُ [ وَأَبْقَى فِيَّ قُوَّتَهُ ] يَا لَهَا نِعْمَةً » ثَلَاثاً (١). قيل : إن اللام في يا لها نعمة للاختصاص دخلت هنا للتعجب ، والضمير يرجع إلى النعمة المذكورة سابقا ، أو إلى ما دل عليه المقام من النعمة ، ونصب نعمة على التمييز نحو « جاءني زيد فيا له رجلا » ولفظ « ثلاثا » قيد لهذه الجملة الأخيرة أو لمجموع الدعاء.

باب ما أوله الميم

( ما )

قوله تعالى : ( ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ ) [ ١٨ / ٢٥ ] المائة من العدد أصلها مأي كحمل حذفت لام الكلمة وعوض عنها الهاء ، وإذا جمعت بالواو قلت : « مئون » بكسر الميم ، وبعضهم يضمها وجوزوا مآت ومئين ، ويقال : « ثلاثمائة » بالتوحيد ، وهو الصواب ، وبه نزل القرآن الكريم ، قال الله تعالى : ( ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ ) بالتوحيد ، ولذا نقل عن البعض أنه قال : وأما مِئَاتٌ ومِئِينَ فهو عند أصحابنا شاذّ.

و « مَا » تكون اسمية وحرفية ،

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١٧.

٣٨٥

والاسمية تكون موصولة نحو قوله تعالى : ( ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ ) [ ١٦ / ٩٦ ].

وتامة نحو « غسلته غسلا نِعِمَّا » أي نعم الغسل.

وناقصة موصوفة ويقدر بشيء نحو « مررت بِمَا معجب لك » أي بشيء معجب لك.

واستفهامية ومعناها أي شيء نحو ( وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى ) [ ٢٠ / ١٧ ].

وشرطية نحو ( وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ ) [ ٢ / ١٩٧ ].

والحرفية تكون نافية نحو ( وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ ) [ ٢ / ٢٧٢ ].

ومصدرية نحو ( عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ) [ ٩ / ١٢٨ ] و ( ما دُمْتُ حَيًّا ) [ ١٩ / ٣١ ].

وزائدة نحو ( فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ) [ ٣ / ١٥٩ ].

وكافة عن عمل النصب والرفع كقوله تعالى : ( إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ ) [ ٤ / ١٧١ ] وكافة عن عمل الجر ، وهي المتصلة برب والكاف والباء ومن ، وكذا الواقعة بعد بين وبعد ، وأمثلتها كثيرة.

وتكون للتعجب نحو « مَا أحسن زيدا ».

وتجيء محذوفة الألف إذا ضممت إليها حرفا نحو « بم » و « لم » و ( عَمَّ يَتَساءَلُونَ ) [ ٧٨ / ١ ].

وكثيرا ما يقال : « فمه » كان المعنى فما ذا تريد ، فيكون استزادة في الكلام.

( محا )

قوله تعالى : ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) [ ١٣ / ٣٩ ] قيل فيه : يَمْحُو ما تكتبه الحفظة ما يشاء ويثبت ما يشاء ، وقيل : ينسخ من الأمر والنهي ما يشاء ويبقي ما يشاء ، وقيل : يَمْحُو ما يشاء من ذنوب المؤمنين ويثبت ذنوب من يريد عقابه عدلا ، وقيل : يَمْحُو بالتوبة جميع الذنوب ويثبت بدل الذنوب حسنات كما قال تعالى : ( فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ) ، وقيل : يَمْحُو من القرون

٣٨٦

ما يشاء ويثبت ما يشاء منها لقوله تعالى : ( أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ ). وقيل : يَمْحُو من تقدير الآجال أو الأرزاق والسعادة والشقاوة وسائر الأمور التي تدخل تحت تقديره ما يشاء ويثبت مكانه شيئا آخر. قال بعض المتأخرين : وهذا هو الحق وبه تظافرت الأخبار.

قوله تعالى : ( فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ ) [ ١٧ / ١٢ ] أي جعلنا الليل محوا لضوء النهار مظلما ، أو ( فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ ) التي هي القمر حيث لم نخلق له شعاعا كشعاع الشمس.

وَفِي الْخَبَرِ : « أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَالْمَاحِي ». أي يمحو الله بي الكفر وآثاره.

والْمَحْوُ : الإزالة ، يقال : « مَحَوْتُهُ مَحْواً » من باب قتل ، و « مَحَيْتُهُ مَحْياً » من باب نفع : إذا أزلته.

وانْمَحَى الشيء : ذهب أثره.

( مدا )

فِي الْحَدِيثِ : « الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ » (١). أي قدره ونهايته ، أي يغفر له مغفرة طويلة عريضة ، على طريق المبالغة ، ومثله ما رُوِيَ : « يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ (٢) ». وقيل : مد ومَدَى تمثيل لسعة المغفرة ، ومعناه : لو قدر ما بين أقصاه وما بين مقام المؤذن ذنوب تملأ تلك المسافة لغفرت له.

و « الْمَدَى » بفتحتين : الغاية والنهاية ومنه الْحَدِيثُ : « مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَلَمْ يَتْرُكْ وَقَدْ بَلَغَ الْمَدَى » (٣). ومنه « مَدَى جرائد النخلة » ، ومنه حَدِيثُ الْبَاقِرِ (ع) مَعَ زَيْدٍ بْنِ عَلِيٍ : « لَا تَتَعَاطَ زَوَالَ مُلْكٍ لَمْ يَنْقُصْ أَكْلُهُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ مَدَاهُ ». أي آخره.

و « الْمُدَى » بالقصر والضم جمع مدْيَةٍ مثلثة الميم ، وهي الشفرة ، سميت بذلك لأنها تقطع مدى حياة الحيوان ، وسميت سكينا لأنه تسكن حركته ، وتجمع أيضا على « مُدْيَاتٍ » كغرفات بالسكون والفتح.

وتَمَادَى في الذنوب : إذا لج وداوم

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٣٠٧.

(٢) من لا يحضر ج ١ ص ١٨٥.

(٣) الإستبصار ج ٤ ص ١٢٠.

٣٨٧

وتوسع فيها ، ومثله : تَمَادَى في الجهل وتَمَادَى في غيه.

( مذا )

فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) : « كَانَ رَجُلاً مَذَّاءً » (١).

يقال : « مَذَى الرجل يَمْذِي » من باب ضرب « فهو مَذَّاءٌ » على فعال أي كثير المذي ، وأَمْذَى بالألف مثله.

والْمَذْيُ : هو الماء الرقيق الخارج عند الملاعبة والتقبيل والنظر بلا دفع وفتور ، وهو في النساء أكثر ، وَكَذَا فِي الْحَدِيثِ : « الْمَذْيُ مَا يَخْرُجُ قَبْلَ الْمَنِيِّ ».

قيل : وفيه لغات : سكون الذال وكسرها مع التثقيل ، والكسر مع التخفيف ، وأشهر لغاته فتح فسكون ثم كسر ذال وشدة ياء.

وعن الأموي : المذي والودي والمني مشددات.

وفِيهِ : « لَيْسَ فِي الْمَذْيِ وُضُوءٌ » (٢).

( مرا )

قوله تعالى : ( أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى ) [ ٥٣ / ١٢ ] أي تجادلونه والْمُمَارَاةُ : المجادلة ، ومنه قوله تعالى : ( فَلا تُمارِ فِيهِمْ ) [ ١٨ / ٢٢ ] أي لا تجادل في أمر أصحاب الكهف ( إِلَّا مِراءً ظاهِراً ) بحجة ودلالة تقص عليهم ما أوحى الله إليك ، وهو قوله تعالى : ( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ). قيل : وقرئ أَفَتُمْرُونَهُ عَلى ما يَرى من « مراه حقه » إذا جحده.

والتَّمَارِي في الشيء والِامْتِرَاءُ : الشك فيه ، ومنه قوله تعالى : ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى ) [ ٥٣ / ٥٥ ] أي بأي نعم ربك تشكك أيها الإنسان.

قوله تعالى : ( فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ ) [ ١١ / ١٠٩ ] أي في شك ، وقرىء بضم الميم.

قوله تعالى : ( فَلا تَكُونَنَّ مِنَ

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١٧.

(٢) الإستبصار ج ١ ص ٩٣.

٣٨٨

الْمُمْتَرِينَ ) [ ٢ / ١٤٧ ] قيل : هو خطاب لغيره ، أي لا تكن أيها الإنسان وأيها السامع من الممترين. وقيل : الخطاب له (ص) والمراد الزيادة في شرح صدره ويقينه وطمأنينة قلبه وتسكينه ، كقوله تعالى : ( فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ).

والْمَرْوُ : حجارة بيضاء براقة تقدح منها النار ، الواحد منها مروة ، ومنها سميت « الْمَرْوَةُ » بمكة ، قال تعالى : ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) [ ٢ / ١٥٨ ] وقد مر في « صفا » وجه آخر.

قوله تعالى : ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ) [ ٤ / ١٧٦ ] الِامْرُؤُ والْمَرْءُ أيضا بفتح الميم : الرجل ، فإن لم تأت بالألف واللام قلت : « امرؤ » و « امرءان » ، والجمع رجال من غير لفظه ، وأنثى « امرأة » بهمزة وصل ، وفي لغة « مرأة » كتمرة. قال في المصباح : ويجوز نقل حركة هذه الهمزة إلى الراء فتحذف الهمزة.

قوله تعالى : ( إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً ) [ ٢٧ / ٢٣ ] هي بلقيس بنت ملك اليمن كلها ملكة سبإ ابنة الهدهاد من ملوك حمير ، وهي التي قص الله قصتها مع سليمان بن داود. ونُقِلَ أَنَّهُ كَانَ أُولُو مَشُورَتِهَا أَلْفَ قَيْلٍ تَحْتَ كُلِّ قَيْلٍ أَلْفُ مُقَاتِلٍ. وبلقيس اسمان جعلا واحدا كحضرموت والسبب في ذلك أنها لما ملكت الملك بعد أبيها قال بعض حمير لبعض : ما سيرة هذه الملكة من سيرة أبيها؟ فقالوا : بلقيس ، أي بالقياس ، فسميت بلقيس وَلَمَّا وَفَدَتْ عَلَى سُلَيْمَانَ قَالَ لَهَا : لَا بُدَّ لِكُلِ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ زَوْجٌ ، فَقَالَتْ : إِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَذَا تُبَّعُ الْأَصْغَرُ ، فَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ أَصْبَغَ وَأَنُوفَ وَشَمْسُ الصُّغْرَى أُمُّ تُبَّعٍ الْأَقْرَنَ وَهُوَ ذُو الْقَرْنَيْنِ. وَقِيلَ : إِنَّ سُلَيْمَانَ (ع) تَزَوَّجَهَا. وليس ببعيد.

وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ (١) هِيَ آسِيَةُ بِنْتُ

__________________

(١) المذكورة في قوله تعالى : ( وضرب الله مثلا للّذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنّة ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظّالمين ) التّحريم : ١١.

٣٨٩

مُزَاحِمٍ آمَنَتْ حِينَ سَمِعَتْ بِتَلَقُّفِ عَصَا مُوسَى الْإِفْكَ ، فَعَذَّبَهَا فِرْعَوْنُ فَأَوْتَدَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا بِأَرْبَعَةِ أَوْتَادٍ وَاسْتَقْبَلَ بِهَا الشَّمْسَ وَأَضْجَعَهَا عَلَى ظَهْرِهَا فَوَضَعَ رَحًى عَلَى صَدْرِهَا فَمَاتَتْ. رُوِيَ أَنَّهَا لَمَّا قَالَتْ : ( رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ) أُرِيَتْ بَيْتَهَا فِي الْجَنَّةِ يُبْنَى (١).

وَفِي الْحَدِيثِ : « الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ ». قيل : إنما سماه كفرا لأنه من عمل الكفار ، أو لأنه يفضي بصاحبه إلى الكفر إذا عاند صاحبه الذي يماريه على الحق ، لأنه لا بد أن يكون أحد الرجلين محقا والآخر مبطلا ، ومن جعل كتاب الله سناد باطله فقد كفر ، مع احتمال أن يراد بالمراء الشك ، ومن المعلوم أن الشك فيه كفر. وفِيهِ : « مِنْ تَعَلَّمَ عِلْماً لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ وَيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُقْبِلَ بِوُجُوهِ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ ». ومعناه ظاهر.

وَفِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ : السُّفَهَاءُ قُضَاةُ مُخَالِفِينَا وَالْعُلَمَاءُ عُلَمَاءُ آلِ مُحَمَّدٍ (ص). ومَعْنَى لِيُقْبِلَ بِوُجُوهِ النَّاسِ إِلَيْهِ قَالَ : يَعْنِي وَاللهِ بِذَلِكَ ادِّعَاءَ الْإِمَامَةِ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ (٢) وَبِهَذَا الْمَعْنَى رَوَى عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ صَالِحٍ الْهَرَوِيُّ عَنِ الرِّضَا (ع)

وفِيهِ أَيْضاً : « دَعِ الْمُمَارَاةَ ». أي دع المجادلة فيما فيه المرية والشك فإنها تئول إلى العداوة والبغضاء ، ولذا قَالَ (ع) : « اتْرُكِ الْمِرَاءَ وَلَوْ كُنْتَ مُحِقّاً » (٣).

__________________

(١) البرهان ج ٤ ص ٣٥٨.

(٢) راجع الحديث وشرحه في معاني الأخبار ص ١٨٠ فإنه يختلف كثيرا عما في هذا الكتاب.

(٣) في الكافي ج ٢ ص ٣٠٠ » وترك المراء وإن كان محقا ».

٣٩٠

و « الْمُرِّيُ » كالدري : إدام كالكامخ ومنه الْحَدِيثُ : « سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُرِّيِ وَالْكَامَخِ فَقَالَ : حَلَالٌ ».

و « مرو » بالفتح : بلدة من بلاد خراسان ، والنسبة إليها « مَرْوَزِيّ » على غير قياس ، و « ثوب مَرْوِيٌ » على القياس.

« ومَرُؤَ » الإنسان فهو مريء مثل قرب فهو قريب ، أي صار ذا مروءة ». قال الجوهري : وقد تشد فيقال : « مُرُوَّةٌ » ، وهي ـ كما قيل ـ آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات ، وقد يتحقق بمجانبة ما يؤذن بخسة النفس من المباحات كالأكل في الأسواق حيث يمتهن فاعله. وفي الدروس : الْمُرُوَّةُ تنزيه النفس عن الدناءة التي لا تليق بأمثاله كالسخرية وكشف العورة التي يتأكد استحباب سترها في الصلاة والأكل في الأسواق غالبا ولبس الفقيه لباس الجندي بحيث يسخر منه.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الْمُرُوءَةُ ـ وَاللهِ ـ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ خِوَانَهُ بِفِنَاءِ دَارِهِ » ثُمَّ قَالَ : « والْمُرُوءَةُ مُرُوءَتَانِ : مُرُوءَةٌ فِي الْحَضَرِ وَهِيَ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ وَلُزُومُ الْمَسَاجِدِ وَالْمَشْيُ مَعَ الْإِخْوَانِ فِي الْحَوَائِجِ وَالنِّعْمَةُ تُرَى عَلَى الْخَادِمِ فَإِنَّهَا تَسُرُّ الصَّدِيقَ وَتَكْبِتُ الْعَدُوَّ ، وَأَمَّا فِي السَّفَرِ فَكَثْرَةُ الزَّادِ وَطِيبُهُ وَبَذْلُهُ لِمَنْ كَانَ مَعَكَ وَكِتْمَانُكَ عَلَى الْقَوْمِ أَمْرَهُمْ بَعْدَ مُفَارَقَتِكَ إِيَّاهُمْ وَكَثْرَةُ الْمِزَاحِ فِي غَيْرِ مَا يُسْخِطُ اللهَ تَعَالَى » (١).

و « الْمِرْآةُ » بالكسر : التي ينظر فيها والجمع مَرَاءٍ مثل جوار ، ومنه الْحَدِيثُ : « فَاشْتَرَيْتُ مَرَاءً عُتَقَاءَ ». جمع عتيق وهو الخيار من كل شيء.

ومرُؤَ الطعام ـ مثلثة الراء مراء فهو مريء : أي صار لذيذا ، ومنه فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ : « اسْقِنَا غَيْثاً مَرِيئاً ».

و « أَمْرَأَنِي الطعام » بالألف : إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عليها طيبا.

__________________

(١) معاني الأخبار ص ٢٥٨ باختلاف في بعض الألفاظ.

٣٩١

قال الفراء : « هنأني ومرأني » بغير ألف ، فإذا أفردها قالوا : « أمرأني » ومنهم من يقول : « مرأني » و « أمرأني » لغتان.

وَفِي وَصْفِ السَّحَابِ : « تَمْرِيهِ الْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضِيبِهِ وَدُفَعَ شَآبِيبِهِ تَمْرِيَةً ». أي تستخرج ماءه. ودرة اللبن : كثرته وسيلانه. والأهاضيب جمع هضاب جمع هضب ، وهو حلبات القطر.

والْمَارِيُ : الحبال الذي يفتل الخيوط ، ومنه شعر تأبط شرا :

كأنها خيوطة مَارِيٍ تغار وتفتل

أي تفتل وتغار ، يقال : « حبل شديد الغارة » أي شديد الفتل.

و « مَارِيَةُ » بالتحتانية الخفيفة القبطية جارية رسول الله (ص) أم إبراهيم ابن النبي (ص).

و « مَارِي » بخفة الياء في قول نوح : « يا ماري أتقن » على ما في النسخ قيل : هو بالسريانية يا رب أصلح (١) ومَرْوَانُ بن محمد آخر ملوك بني أمية.

وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أُخِذَ يَوْمَ الْجَمَلِ أَسِيراً فَاسْتَشْفَعَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ (ع) إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَكَلَّمَاهُ فِيهِ فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَقَالا لَهُ : يُبَايِعُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ : « أَوَلَمْ يُبَايِعْنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ! لَا حَاجَةَ لِي فِي مُبَايَعَتِهِ إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ ، لَوْ بَايَعَنِي بِيَدِهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ ، أَمَا إِنَّ لَهُ امْرَةً كَلَعْقَةِ الْكَلْبِ أَنْفَهُ ، وَهُوَ أَبُو الْأَكْبُشِ الْأَرْبَعَةِ ، وَسَتَلْقَى الْأُمَّةُ مِنْهُ وَمِنْ وُلْدِهِ مَوْتاً أَحْمَرَ (٢) ».

( مزا )

« الْمَزِيَّةُ » على فعيلة : الفضيلة ، قيل : ولا يبنى منه فعل.

( مسا )

قوله تعالى : ( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) [ ٣٠ / ١٧ ] أي اذكروا الله في هذين الوقتين.

و « الْمَسَاءُ » هو خلاف الصباح ، وقيل هو ما بين الظهر إلى الغروب ، والْإِمْسَاءُ : نقيض الإصباح.

و « أَمْسَيْنَا وأَمْسَى الملك لله » أي

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١٢٤.

(٢) نهج البلاغة ج ١ ص ١٢٠.

٣٩٢

دخلنا في المساء وصرنا نحن وجميع الملك لله.

وَفِي الدُّعَاءِ : « الْحَمْدُ لِلَّهِ مُمْسَانَا وَمُصْبَحَنَا ». مثل بالله نصبح وبالله نمسي.

و « مَسَّاهُ الله بالخير » دعاء له ، مثل صبحه الله بالخير.

وَفِي الْحَدِيثِ : « أَصْحَابُ أَبِي الْخَطَّابِ يُمَسُّونَ بِالْمَغْرِبِ ». أي يؤخرونها حتى تشتبك النجوم.

( مشا )

قوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ ) [ ٦٧ / ٢٢ ] يقال لكل سائر : « مَاشٍ » له قوائم أو لم يكن ، ومنه قوله تعالى : ( فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ ) [ ٢٤ / ٤٥ ].

قوله تعالى : ( وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا ) [ ٣٨ / ٦ ] قيل : هو دعاء لهم بالنحاء ، من قولهم : مَشَى الرجل وأَمْشَى إذا كثرت ماشيته.

وَفِي حَدِيثٍ : إِنَّ إِسْمَاعِيلَ أَتَى إِسْحَاقَ فَقَالَ لَهُ : أَلَمْ تَرِثْ مِنْ أَبِينَا مَالاً وَقَدْ أَثْرَيْتَ وَأَمْشَيْتَ فَأَفِئْ عَلَيَّ مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ ، فَقَالَ : أَلَمْ تَرْضَ أَنِّي لَمْ أَسْتَعْبِدْكَ حَتَّى تَجِيئَنِي فَتَسْأَلَنِي الْمَالَ ». قَوْلُهُ : « أَثْرَيْتَ وَأَمْشَيْتَ ». أي كثر مالك وكثرت ماشيتك ، وَقَوْلُهُ : « لَمْ أَسْتَعْبِدْكَ ». أي لم أتخذك عبدا. قِيلَ : كَانُوا يَسْتَعْبِدُونَ أَوْلَادَ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْإِمَاءِ ، وَكَانَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ أَمَةً وَهِيَ هَاجَرُ وَأُمُّ إِسْحَاقَ حُرَّةً وَهِيَ سَارَةُ.

و « مَشَى الرجل مَشْياً » إذا كان على رجليه سريعا كان أو بطيئا ، فهو مَاشٍ ، والجمع مُشَاةٌ. و « رجل مَشَّاءٌ » بالتشديد للمبالغة والتكثير ، ومِنْهُ « بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلُمَاتِ إِلَى الْمَسَاجِدِ ». ـ الحديث.

وَفِي حَدِيثٍ : « مَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَ مَاشِياً فَأَعْيَا؟ قَالَ : يَمْشِي مَا رَكِبَ وَيَرْكَبُ مَا مَشَى ». أي يمضي لوجهه ثم يعود من قابل فيركب إلى موضع عجز فيه عن المشي ثم يمشي من ذلك الموضع كلما ركب.

وفِيهِ : « لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ ». قيل : لأنه يشق عليه المشي بهذه الحالة ،

٣٩٣

لأن وضع القدمين منه على الخف إنما يكون للتوقي من أذى يصيبه وحجر يصدمه فيكون وضعه للقدم الأخرى على خلاف ذلك فيختلف بذلك مشيه ، وربما تصور من إحدى رجليه أقصر من الأخرى ، ولا خفاء لقبح منظره واستبشاعه عند الناظرين.

وفِيهِ : « امْشِ بِدَائِكَ مَا مَشَى بِكَ (١) ». أي ما دام المرض لا يبهضك فلا تنفعل عنه ، لأن في التجلد معاونة للطبيعة على دفعه ، ومن الأمراض ما يتحلل بالحركات البدنية.

وفِيهِ : « خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمُ الْمَشِيُ ». و « دَوَاءُ الْمِرَّةِ الْمَشِيُ ». « المرة » بكسر الميم والتشديد : الأخلاط الأربعة. و « الْمَشِيُ » بفتح الميم والشين المعجمة المكسورة والياء المشددة على فعيل ، و « الْمَشُو » بتشديد الواو على فعول : الدواء المسهل ، منه شريت مشيا ومشوا وقيل : سمي بذلك لأنه يحمل صاحبه على المشي والتردد إلى الخلاء.

و « الْمَاشِيَةُ » واحدة المواشي ، وهي الإبل والغنم عند الأكثر من أهل اللغة وبعضهم عد البقر من الماشية وإن كان الأكثر في غيره ، ومنه « كلب الماشية ».

ومنه « إِذَا أُمْسِكَتِ الزَّكَاةُ هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ ». ومَشَى الأمر وتَمَشَّى : إذا استمر. ومَشَى بالنميمة : سعى فيها.

( مضا )

مَضَى في الأمر مُضِيّاً : ذهب ، ومثله مَضَى في الأمر مَضَاءً بالفتح والمد.

ومَضَيْتُ على الأمر مُضِيّاً : داومته ، و « مَضَيْتُ عليه مُضُوّاً » مثله.

وأَمْضَيْتُ الأمر : أنفذته ، وفلان لم يُمْضِ أمري أي لم ينفذ.

و « الْمَاضِي » في الحديث يطلق تارة ويراد به علي الهادي (ع) وتارة على الحسن بن علي (ع) ، والفرق بالقرائن ومنه الْمَاضِي الأخير.

( مطا )

قوله تعالى : ( ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ) [ ٧٥ / ٣٣ ] قيل : هو من

__________________

(١) نهج البلاغة ٣ / ١٥٦.

٣٩٤

التَّمَطِّي ، وهو التبختر ومد اليدين في المشي ، وقيل : التَّمَطِّي مأخوذ من قولهم : « جاء الْمُطَيْطِيُ » بالتصغير والقصر وهي مشية يتبختر فيها الإنسان ، والأصل « يتمطط » فقلبت إحدى الطائين ياء قال التفتازاني : وأصل يتمطى « يتمطو » ومصدره التمطي من « المطو » وهو المد ، قلبت الواو ياء والضمة كسرة.

و « الْمَطَا » وزان عسى : الظهر ، والجمع أمطاء ، ومنه قيل للبعير « مَطِيَّةٌ » فعيلة بمعنى مفعولة ، لأنه يركب مطاه ذكرا كان أو أنثى وتجمع على مطي ومطايا. والْمَطَايِطُ : الماء المختلط بالطين.

( معا )

قوله تعالى : ( فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ ) [ ٤٧ / ١٥ ] أي مصارينهم ، جمع « مِعًى » بالكسر والقصر ، وهو المصران ، وألفه ياء ، والتذكير أكثر من التأنيث ، والقصر أشهر من المد.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ ». قال الجوهري : وهو المثل ، لأن المؤمن لا يأكل إلا من الحلال ويتوقى الحرام والشبهة ، والكافر لا يبالي ما أكل وكيف أكل ـ انتهى.

ويريد بالمثل المثل لا الحقيقة ـ أعني كثرة الأكل ـ والمراد أن المؤمن لزهده في الدنيا لا يتناول منها إلا القليل والكافر لاتساعه فيها وعدم قناعته لا يبالي من أين تناول وأكل ، وقيل : هو تحضيض وتحام عن ما يجره الشبع من القسوة وطاعة الشهوة ، وقيل لأن المؤمن يسمي فلا يشركه شيطان بخلاف الكافر ، وقيل هو خاص في معين كان يأكل كثيرا فأسلم فقل أكله. وعن أهل الطب : لكل إنسان سبعة أَمْعَاءٍ : المعدة ، وثلاثة متصلة بها رقاق ، ثم ثلاث غلاظ ، والمؤمن لاقتصاره وتسميته يكتفي بملء أحدها بخلاف الكافر.

وأما بيان المعى وماهيته فقد ذكر بعض العارفين أن الْمِعَى سم من جواهر المعدة مجوف ليس بواسع التجويف له شظايا

٣٩٥

بالطول والعرض ، والوارب ينزل فيه ما انهضم في المعدة من الغذاء ، وفي مروره عطفات كثيرة ، وإليه من الكبد جداول كثيرة ضيقة ، وإنما خلق من جواهر المعدة ليتم فيه هضم ما قصرت المعدة عن هضمه ، وإنما لم يخلق واسع التجويف ليكون اشتماله على ما ينفذ فيه زمانا طويلا فيتمكن من تغيير الغذاء ، وأما طوله فليمص الثالث ما فات الثاني وهكذا إلى آخرها فلا يبقى مع الفضول شيء من الغذاء ، وأما الشظايا الموضوعة بالطول تجذب الغذاء والموضوعة بالعرض تدفعها والموضوعة بالوارب لإمساكها. قال : والْأَمْعَاءُ جميعها ستة : ثلاثة منها دقاق وهي العليا ، والثلاثة غلاظ وهي السفلى ـ انتهى.

( مكا )

قوله تعالى : ( وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً ) [ ٨ / ٣٥ ] الْمُكَاءُ مخفف ممدود مضموم الأول : الصفير ، من « مَكَا يَمْكُو » إذا صفر ، ويقال : الْمُكَاءُ صفير كصفير الْمُكَّاءِ بالتشديد والمد ، وهو طائر بالحجاز له صفير كانوا يصفقون ويصفرون ليشغلوا النبي (ص) والمسلمين عن الصلاة.

ومِيكَائِيلُ : اسم ملك من ملائكة الله يقال : « مِيكَا » اسم أضيف إلى « إيل » و « مِيكَائِينُ » بالنون لغة ، ويقال : مِيكَالُ.

( ملا )

قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي ) [ ١٢ / ٤٣ ] وقوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ ) [ ٢ / ٢٤٦ ] ونحو ذلك. وقيل : « الْمَلَأُ » الجماعة من الناس الذين يملئون العين والقلب هيئة ، وقيل : هم أشراف الناس ورؤساؤهم الذين يرجع إلى قولهم ، وقيل : إنما قيل لهم ذلك لأنهم ملأى بالرأي والغنا ، ومنه قَوْلُهُ : « أُولَئِكَ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ ». وجمعه « أملاء » مثل سبب وأسباب.

والْمَلَأُ الأعلى : الملائكة المقربون

٣٩٦

الساكنون في الأعلى ، كما أن الْمَلَأَ الأسفل : الإنس والجن الساكنون في الأرض.

قوله تعالى : ( مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً ) [ ٣ / ٩١ ] أي مقدار ما يملأها. قوله تعالى : ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) [ ٥٠ / ٣٠ ] قال الشيخ المفيد (ره) : يجل الله عن خطاب النار وهي مما لا تعقل ولا تتكلم ، وإنما أخبر عن سعتها فإنها لا تضيق عمن يحلها من المعاقبين ، ومثله كثير من مذهب اللغة مثل قولهم : « امْتَلَأَ الحوض وقال : قطني حسبك مني قد ملأت بطني » والحوض لم يقل « قطني » لكنه لما امتلأ بالماء عبر عنه بأنه قال حسبي ، ومن المجازات كلامهم : « وقالت له العينان سمعا وطاعة » والعينان لم تقل ذلك بل أراد منها البكاء فكانت كما أراد من غير تعذر عليه ، ومن ذلك قولهم : « شكا إلي جملي طول السرى » والجمل لا يتكلم لكنه لما ظهر منه النصب والوصب بطول السرى عبر عن ذلك بالشكوى ـ انتهى كلامه (ره). وقد تقدم له مثل ذلك في « أتى ».

قوله تعالى : ( وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) [ ١٩ / ٤٦ ] أي حينا طويلا ، ومثله « فلبث مَلِيّاً » أي مدة طويلة لا حد لها.

قوله تعالى : ( إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ) [ ٣ / ١٧٨ ] إنما هو من « أَمْلَيْتُ له في غيه ». و « أَمْلَى الله له » أمهله وطوله.

قوله تعالى : ( وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ ) [ ٢ / ٢٨٢ ] وقوله تعالى : ( تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) [ ٢٥ / ٥ ] كلاهما من « أَمْلَلْتُ الكتاب على الكاتب إملالا » ألقيته عليه ، و « أمليت عليه إملاء » ، ومنه قَوْلُهُ : « صَحِيفَةٌ هِيَ إِمْلَاءُ رَسُولِ اللهِ ص ». أي قوله الذي ألقاه على غيره.

ومِنْهُ « أُمْلُوا عَلَى حَفَظَتِكُمْ خَيْراً ». بقطع الهمزة.

وَفِي الْحَدِيثِ : « أَحْسِنُوا إِمْلَاءَكُمْ »

٣٩٧

أي أخلاقكم.

و « عشت في مُلَاءَةٍ من الدهر » بالحركات الثلاث ، أي حينا وبرهة. و « الْمُلَاءُ » بالضم والمد جمع « مُلَاءَة » كذلك : كل ثوب لين رقيق ، ومنه قوله : « فلان لبس العباء وترك الملاء ». ومنه « جللهم بملاءة ».

وملأت الإناء ملأ ـ من باب نفع نفعا فامتلأ.

و « مِلْءُ الشيء » بالكسر : ما يملأه والجمع أَمْلَاءٌ كأحمال.

وكوز مَلْآنٌ ماء على فعلان ، ودلو مَلْآ على فعلى.

وَفِي الْوُضُوءِ : « لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثِ أَكُفٍ مِلَاءٍ مَاءً » (١). فَمِلَاءٌ بالكسر جمع ملأى مثل عطاش وعطشى ، وهكذا جمع كل ما له مذكر على فعلان كعطشان وملآن.

وفِيهِ : « الْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ». هو تمثيل لكثرة العدد لأن الكلام لا يشغل المكان ، أي لو قدر الحمد أجساما لبلغت من كثرتها أن تملأهما ، وقيل : هو تفخيم لشأن كلمة الحمد أو شأن أجرها وثوابها.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ (ره) : « لَنَا كَلِمَةٌ تَمْلَأُ الْفَمَ ». أي إنها عظيمة كأن الفم مليء بها ، ولعلها كلمة الشهادة.

ومثله « امْلَئُوا أَفْوَاهَكُمْ مِنَ الْقُرْآنِ ».

وَفِي الْخَبَرِ : « التَّسْبِيحُ نِصْفُ الْمِيزَانِ وَالْحَمْدُ يَمْلَؤُهُ ». قيل : إما أن يراد التسوية بينهما بأن كل واحد يأخذ نصف الميزان ، أو ترجيح الحمد بأنه ضعفه لأنه وحده يملأه لأن الحمد المطلق إنما يستحقه من هو منزه عن النقائص التي هي مدلول التسبيح.

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ». أي لا يزال حريصا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره.

وَفِي حَدِيثٍ : « طَالِبُ ثَمَنِ الْكَلْبِ امْلَأْ كَفَّهُ تُرَاباً ». قيل : هو على الحقيقة ، وقيل هو كناية عن الحرمان.

__________________

(١) من لا يحضر ج ١ ص ٢٤.

٣٩٨

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) : « مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَلَا مَلَأْتُ عَلَيْهِ ». أي ما ساعدت ولا عاونت.

( منا )

قوله تعالى : ( أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ ) [ ٥٦ / ٥٨ ] أي تدفقون في الأرحام من المني ، وهو الماء الغليظ الذي يكون منه الولد.

قوله تعالى : ( مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى ) [ ٥٣ / ٤٦ ] قيل أي تدفق في الرحم ، وقيل من المني ، يقال : « أَمْنَى الرجل يُمْنِى » إذا أنزل المني.

قوله تعالى : ( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) [ ٤ / ٣٣ ] قيل : المعنى لما بين الله تعالى حكم المواريث وفضل بعضها على بعض في ذلك ذكر تحريم التَّمَنِّي الذي هو سبب التباغض فقال : ( وَلا تَتَمَنَّوْا ) ـ الآية. والتَّمَنِّي هو قول القائل لما لم يكن. « ليته كان كذا » و « ليته لم يكن كذا » لما كان. قال الشيخ أبو علي : وقال أبو هاشم في بعض كلامه : التَّمَنِّي معنى في القلب ومن قال بذلك قال ليس هو من قبيل الشهوة ولا من قبيل الإرادة ، لأن الإرادة لا تتعلق إلا بما يصح حدوثه ، والشهوة لا تتعلق بما مضى ، والإرادة والتَّمَنِّي قد يتعلقان بما مضى. وأهل اللغة ذكروا التَّمَنِّي في أقسام الكلام ـ انتهى.

قوله تعالى : ( وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ ) [ ٤ / ١١٩ ] أي الأماني الباطلة من طول الأعمار وبلوغ الآمال.

قوله تعالى : ( فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ) [ ٢ / ٩٤ ] قال المفسرون : لأنه من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها وتَمَنَّى سرعة الوصول إلى النعيم والتخلص من الدار ذات الشوائب ، كما روي عن المبشرين بالجنة ، وَكَانَ عَلِيٌّ (ع) يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي غِلَالَةٍ فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ : مَا هَذَا زِيُّ الْمُحَارِبِينَ؟! فَقَالَ : يَا بُنَيَّ لَا يُبَالِي أَبُوكَ عَلَى الْمَوْتِ سَقَطَ أَمْ سَقَطَ الْمَوْتُ عَلَيْهِ.

قوله تعالى : ( إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ

٣٩٩

فِي أُمْنِيَّتِهِ ) [ ٢٢ / ٥٢ ] أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته ما يوهم أنه من جملة الوحي فيرفع الله ما ألقاه بمحكم كتابه ، وقيل : إنما ألقى ذلك بعض الكفار فأضيف إلى الشيطان ، وإنما سميت التلاوة أمنية لأن القارئ إذا قرأ فانتهى إلى آية رحمة تَمَنَّى أن يرحمه وإذا انتهى إلى آية عذاب تَمَنَّى أن يوقاه ودعا الله بذلك.

وَفِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (١) : الْعَامَّةُ رَوَوْا أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَقَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقُرَيْشٌ يَسْتَمِعُونَ لِقِرَاءَتِهِ ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ) أَجْرَى إِبْلِيسُ عَلَى لِسَانِهِ « فَإِنَّهَا الْغَرَانِيقُ الْعُلَى. وَشَفَاعَتُهُنَّ لَتُرْتَجَى » فَفَرِحَتْ قُرَيْشٌ وَسَجَدُوا وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْقَوْمِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ ـ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ـ فَأَخَذَ كَفّاً مِنْ حَصَى فَسَجَدَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَاعِدٌ ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ : قَدْ أَقَرَّ مُحَمَّدٌ بِشَفَاعَةِ اللَّاتِ وَالْعُزَّى. قَالَ : فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ لَهُ : قَرَأْتَ مَا لَمْ أَنْزِلْ بِهِ عَلَيْكَ (٢) .. قَالَ : وَأَمَّا الْخَاصَّةُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) : إِنَّ رَسُولَ اللهِ أَصَابَهُ خَصَاصَةٌ فَجَاءَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ : هَلْ عِنْدَكَ مِنْ طَعَامٍ؟ فَقَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ ، وَذَبَحَ لَهُ عَنَاقاً وَشَوَاهُ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ تَمَنَّى رَسُولُ اللهِ (ص) أَنْ يَكُونَ مَعَهُ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (ع) فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ بَعْدَهُمَا ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ

__________________

(١) انظر التّفسير ص ٤٤١.

(٢) ذكر السّيوطيّ أحاديث كثيرة بهذا المضمون في كتابه الدّرّ المنثور ج ٤ ص ٣٦٦ ـ ٣٦٨.

٤٠٠