مجمع البحرين - ج ١

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ١

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٩٢

عن المعصية ، والإنابة وهي الرجوع إلى الله تعالى والإقبال عليه ، والإخلاص وهو أن جميع ما يفعله السالك ويقول يكون تقربا إلى الله تعالى وحده لا يشوبه شيء ، والزهد في الدنيا ، وإيثار الفقر وليس المراد به عدم المال بل عدم الرغبة في القينات الدنيوية ، والرياضة ، والحزن على ما فات ، والخوف على ما لم يأت ، والرجاء ، والصبر ، والشكر ، ونحو ذلك من الكمالات.

قوله تعالى : ( لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) [ ٢٢ / ١٣ ] أي لبئس الناصر ولبئس الصاحب.

قوله تعالى : ( فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ ) [ ٦٦ / ٤ ] أي وَلِيُّهُ والْمُتَوَلِّي حفظه ونصرته بذاته ، وجبرئيل الذي هو رأس الكروبيين ، وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (ع). هَكَذَا رُوِيَ عَنْ طَرِيقِ الْمُخَالِفِ وَالْمُؤَالِفِ (١).

قوله تعالى : ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ) [ ٤ / ٣٣ ] الْمَوَالِي هم الوارث ، والتقدير وجعلنا لكل إنسان مَوَالِيَ يرثونه مما ترك ، ومن للتعدية ، والضمير في ( تَرَكَ ) للإنسان الميت ، أي يرثونه مما ترك ، ( الْوالِدانِ ) خبر مبتدإ محذوف أي هم الوالدان ، و ( الْأَقْرَبُونَ ) الأقرب فالأقرب.

قوله تعالى : ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) [ ٤٧ / ١١ ] أي وَلِيُّهُمْ والقائم بأمورهم ، وكل من وَلِيَ عليك فهو مَوْلَاكَ.

قوله تعالى : ( بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ ) [ ٣ / ١٥٠ ] أي ناصركم ووَلِيُّكُمْ فأطيعوه.

قوله تعالى : ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) [ ٥٧ / ١٥ ] أي هي أولى

__________________

(١) انظر تفسير علي بن إبراهيم ص ٦٧٨ وذكر السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٤٣ أحاديث فسرت ( صالح المؤمنين ) بالأنبياء ، وأبي بكر وعمر ، وعمر خاصة ، وعلي خاصة.

٤٦١

بكم ، أو عاقبتكم.

قوله تعالى : ( وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) [ ٤٧ / ١١ ] أي لا وَلِيَ ولا نصير لهم.

وفي الحديث نهي عن بيع الْوَلَاءِ ، كانت العرب تبيع الْوَلَاءِ وتهبه فنهي عنه.

و « الْوَلَاءُ » بفتح الواو والمد : حق إرث المعتق ، أو ورثته من المعتق ، وأصله القرب والدنو ، والمراد هنا قرب أحد الشخصين فصاعدا إلى آخر على وجه يوجب الإرث بغير نسب ولا زوجية ، وأقسامه ثلاثة : العتق ، وضامن الجريرة ، والإمام. وتمام الكلام في المسألة يطلب من محله.

وفيه : « الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ » (١) وَرُوِيَ « كَلُحْمَةِ الثَّوْبِ ». قيل في النسب بالضم وفي الثوب بالضم والفتح ، وقيل بالفتح وحده ، وقيل فيهما بالفتح ، ومعناه المخالطة في الْوَلَاءِ وإنها تجري النسب في الميراث كما تخالط اللحمة سدى الثوب حتى تصير كالشىء الواحد لما بينهما من المداخلة الشديدة.

وفيه : « الزَّكَاةُ لِأَهْلِ الْوَلَايَةِ » (٢). وفسرت بالذين يَتَوَلَّوْنَ الأئمة الاثني عشر (ع).

وفيه : « بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ ». منها الْوَلَايَةُ. « الْوَلَايَةُ » بالفتح : محبة أهل البيت وأتباعهم في الدين وامتثال أوامرهم ونواهيهم ، والتأسي بهم في الأعمال والأخلاق ، وأما معرفة حقهم واعتقاد الإمامة فيهم فذلك من أصول الدين لا من الفروع العملية.

و ( الْوَلِيُ ) من أسمائه تعالى ، وهو الناصر ينصر عباده المؤمنين ، وقيل الْمُتَوَلِّي لأمور العالم والخلائق القائم بها ، وأصل الكلمة من الْوَلْيِ وهو القرب ، يقال : « تباعد بعد وَلْيٍ أي بعد قرب. و « الْوَالِي » أيضا من أسمائه تعالى ، وهو المالك للأشياء الْمُتَوَلِّي

__________________

(١) الإستبصار ج ٤ ص ٢٤.

(٢) الكافي ج ٣ ص ٥٤٥.

٤٦٢

أمرها المتصرف فيها.

و « الْوَلَايَةُ » تشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع فيها ذلك لم يطلق عليها اسم الْوَالِي.

وَفِي الْحَدِيثِ : « مَنْ تَرَكَ الْحَجَّ كَانَ عَلَى الْوَالِي جَبْرُهُ » (١). أراد به الحاكم المتأمر عليهم.

وأَلَى أَلْياً مثل أتى أتيا : إذا حلف ، فهو مَوْلًى.

وآلَى يُولِي إِيلَاءً : إذا حلف مطلقا ، وشرعا هو الحلف على ترك وطي الزوجة الدائمة المدخول بها أبدا أو مطلقا ، والفرق بين الْإِيلَاءِ واليمين أن الْإِيلَاءَ لا بد وأن يكون فيه ضرر على الزوجة ولا ينعقد بدونه فيكون يمينا ، وينعقد في كل موضع ينعقد فيه اليمين.

وآلَى من نسائه : حلف أن لا يدخل عليهن ، وعداه بمن حملا على معنى الامتناع.

والْوُلَاةُ جمع وَلِيٍ ، وهو من يُوَالِي الإنسان وينضم إليه ويكون من جملته وأتباعه والناصرين له.

ووَالَى بين الشيئين : تابع.

ويَتَوَالَى عليه الشهران : تتابع.

واسْتَوْلَى عليه الشيء : بلغ الغاية.

والتَّوْلِيَةُ في البيع : هو أن يشتري الشيء ويُوَلِّيَهُ غيره برأس ماله.

و « أَوْلَى أن يزيد على كذا » أي قارب أن يزيد عليه.

و « فلان أَوْلَى بكذا » أي أحرى به وأجدر.

ويقال : هو الْأَوْلَى وهم الْأَوَالِي والْأَوَّلُونَ مثل الأعلى والأعالي والأعلون.

وتقول في المرأة : هي الْوُلْيَا وهما الْوُلْيَيَانِ وهن الْوُلْيُ ، وإن شئت قلت : الْوُلْيَيَاتُ مثل الكبرى والكبريات ـ قاله في المصباح.

__________________

(١) في من لا يحضر ج ٢ ص ٢٥٩ والكافي ج ٤ ص ٢٧٢ : لو أن الناس تركوا الحج لكان على ( الْوَالِي ) أن يجبرهم.

٤٦٣

والْوَلِيُ : ضد العدو ، والْأَوْلِيَاءُ : ضد الأعداء.

وَفِي الدُّعَاءِ : « اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَوْلِيَائِنَا » وأَصْدِقَائِنَا.

و « كُلْ مِمَّا يَلِيكَ » أي مما يقاربك.

وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عَنِ النَّبِيِّ (ص) : « مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌ مَوْلَاهُ » (١). قيل في معناه : أي من أحبني وتَوَلَّانِي فليحبه ولِيَتَوَلَّهُ ، وقيل أراد وَلَاءَ الإسلام كقوله تعالى : ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) وَقَوْلُ عُمَرَ : « أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ».

وفي معاني الأخبار : « الْمَوْلَى في اللغة يحتمل أن يكون مالك الرق كما يملك الْمَوْلَى عبده وله أن يبيعه أو يهبه ، ويحتمل أن يكون المعتق من الرق ، ويحتمل أن يكون الْمَوْلَى المعتق ، وهذه الأوجه الثلاثة مشهورة عند الخاصة والعامة ، فهي ساقطة في قول النبي (ص) لأنه لا يجوز أن يكون عنى بِقَوْلِهِ : « مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌ مَوْلَاهُ ». واحدة منها لأنه لا يملك بيع المسلمين ولا عتقهم من رق العبودية ولا أعتقوه (ع) ، ويحتمل أيضا أن يكون الْمَوْلَى ابن العم ، قال الشاعر (٢) :

مهلا بني عمنا مهلا مَوَالِينَا

لم تظهرون لنا ما كان مدفونا

ويحتمل أن يكون الْمَوْلَى العاقبة ، قال الله عزوجل : ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي عاقبتكم وما يئول بكم الحال إليه ، ويحتمل أن يكون الْمَوْلَى لما يَلِي الشيء مثل خلفه وقدامه ، قال الشاعر (٣) :

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه

__________________

(١) هذا الحديث مذكور في الكافي ج ١ ص ٢٨٧ وج ٤ ص ٥٦٦ ومن لا يحضر ج ٢ ص ٣٣٥.

(٢) لسان العرب ( ولي ) وفيه : امشوا رويدا كما كنتم تكونونا بدلا عن الشطر الثاني في البيت.

(٣) لسان العرب ( ولي.

٤٦٤

مَوْلَى المخافة خلفها وأمامها

ولم نجد أيضا شيئا من هذه الأوجه يجوز أن يكون النبي (ص) عناه بِقَوْلِهِ : « فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌ مَوْلَاهُ ». لأنه لا يجوز أن يقول : من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه ، لأن ذلك معروف ومعلوم وتكريره على المسلمين عبث وبلا فائدة ، وليس يجوز أن يعني به عاقبة أمرهم ولا خلف ولا قدام لأنه لا معنى له ولا فائدة. ووجدنا اللغة تجيز أن يقول الرجل : « فلان مولاي » إذا كان مالك طاعته ، فكان هذا هو المعنى الذي عناه النبي (ص) بِقَوْلِهِ : « فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌ مَوْلَاهُ » (١).

( وما )

فِي الْحَدِيثِ : « أَوْمَأَ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ » (٢). أي أشار ، من قولهم : « أَوْمَأْتُ إليه » أي أشرت ، ولا تقل : « أَوْمَيْتُ » ، ويقال : « ومَأْتُ وَمَأً » بالتحريك ، و « ومْأً » بالسكون لغة.

( ونا )

قوله تعالى : ( وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي ) [ ٢٠ / ٤٢ ] أي لا تفتروا عن ذكري وتنسيان ، ويراد بالذكر الرسالة. والْوَنْيُ : الفتور والتقصير. يقال : وَنَيْتُ في الأمر أَنًي وَنَى ووَنْياً أي ضعفت ، فأنا وَانٍ.

وتَوَانَى في الأمر : ترفق وتمهل فيه ولم يعجل ، والاسم « الْأَنَاةُ » بالفتح ، ومنه قوله :

مساميح الفعال ذوو أَنَاةٍ

مراجيح وأوجههم وضاء

أي أصحاب تمكث فيه وحلم.

و « الله تعالى حليم ذو أَنَاةٍ » أي لم يعجل على أهل المعاصي بالعقوبة.

وَفِي الْحَدِيثِ : « فَتَأَنَّهْ ». بهاء السكت. ويمكن تنزيله على الحذف والإيصال ، أي تَأَنَ فيه ولا تعجل.

__________________

(١) انظر معاني الأخبار ص ٦٨.

(٢) من لا يحضر ج ١ ص ٢٣٦.

٤٦٥

( وها )

قوله تعالى : ( فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ ) [ ٦٩ / ١٦ ] أي ضعيفة جدا ، من قولهم للسقاء إذا انفتق خرزه : « قد وَهَى يَهِي » والمعنى أنها واهية مسترخية ساقطة القوة بانتقاض بنيتها بعد أن كانت مستمسكة محكمة.

وَفِي الْحَدِيثِ : « الْمُؤْمِنُ وَاهٍ رَاقِعٌ ». أي مذنب تائب ، قالوا : هي المذنب الذي يذنب فيصير بمنزلة السقاء الْوَاهِي الذي لا يمسك الماء شبه الزال الخاطىء به ، والراقع الذي يتوب فيرقع ما وَهَى بالتوبة ، ويُرْوَى « مُوهٍ راقع ».

وفيه : « الْفَأْرَةُ تُوهِي السِّقَاءَ ». أي تخرقه.

وفيه : « نَتْفُ الْإِبْطِ [ يُضْعِفُ الْمَنْكِبَيْنِ ] يُوهِي وَيُضْعِفُ الْبَصَرَ » (١). كأن المعنى يُوهِي المنكبين ويضعف البصر.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) مَعَ الرِّجْلَيْنِ : « واهاً لَهُمَا فَقَدْ نَبَذَا الْكِتَابِ جُمْلَتَهُ ». قيل : معنى هذه الكلمة التهلف وقد توضع موضع الإعجاب بالشيء ، يقال : « واهاً له ».

وقد ترد بمعنى التوجع يقال فيه : « آهاً » ، ومنه قَوْلُهُ : « إِنْ يَكُنْ خَيْراً فَوَاهاً وَاهاً وَإِنْ يَكُنْ شَرّاً فَوَاهاً وَاهاً ».

وَفِي الْحَدِيثِ : « آهاً أَبَا حَفْصٍ ». هي كلمة تأسّف ، وانتصابها على إجرائها مجرى المصادر ، كأنه قال : « تأسف أسفا » وأصل الهمز واو.

( ويا )

قوله تعالى : ( وَيْكَأَنَ اللهَ ) [ ٢٨ / ٨٢ ] قيل : وَيْ كلمة تعجب وكأن للتشبيه ، يقال : « ويْكَ » و « ويْ لعبد الله » قال الجوهري : وقد تدخل « ويْ » على كأن المخففة والمثقلة. وعن قطرب أن « ويْ » كلمة تفجع و « كَأَنَّ » حرف تشبيه ، وعن

__________________

(١) مكارم الأخلاق ص ٦٥.

٤٦٦

الخليل « ويك » كلمة و « أن » كلمة أخرى ، وعن الفراء : سقط ابن الأعرابي في الركية ، فقال : ويكأنه ما أخطأ الركية ، فجعلها كلمة موصولة.

باب ما أوله الهاء

الهاء المفردة

حرف من حروف المعجم ، وهي من حروف الزيادات ، فتزاد في الوقف لبيان الحركة نحو « لِمَهْ » و ( سُلْطانِيَهْ ) و ( مالِيَهْ ) و « ثُمَّهْ » و « مَهْ » يعني ثم ما ذا.

قال بعض المفسرين في ( كِتابِيَهْ ) [ ٦٩ / ١٩ ] و ( مالِيَهْ ) [ ٦٩ / ٢٨ ] : حق الهاء أن تسقط في الوصل وقد استحق الوقف إيثارا لثبات الهاء آت في المصحف.

قال الجوهري : وتزاد في كلام العرب للفرق بين الفاعل والفاعلة مثل ضارب وضاربة ، والمذكر والمؤنث في الجنس مثل امرىء وامرأة ، وبين الواحد والجمع نحو بقرة وبقر ، ولتأنيث اللفظة وإن لم تكن تحتها حقيقة تأنيث نحو قربة وغرفة ، وللمبالغة نحو علامة ونسابة وهذا مدح وهلباجة وفقاقة وهذا ذم. قال : وما كان منه مدحا يذهبون بتأنيثه إلى تأنيث الغاية والنهاية والداهية ، وما كان ذما يذهبون به إلى تأنيث البهيمة ، وما كان واحدا من جنس يقع على الذكر والأنثى نحو بطة وحية. قال : وتدخل على الجمع لثلاثة أوجه : ( أحدها ) أن تدل على النسب نحو المهالبة. ( والثاني ) أن تدل على العجمة نحو

٤٦٧

كيالجة (١) ( والثالث ) أن تكون عوضا من حرف محذوف نحو المرازنة والزنادقة والعبادلة ، وهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ، وقد تكون الهاء عوضا من الواو الذاهبة من فاء الفعل نحو « عدة وصفة » وقد تكون عوضا من الواو والياء الذاهبة من عين الفعل نحو « ثبة الحوض » أصله من ثاب الماء يثوب ثوبا ، وقولهم : « أقام إقامة » وأصله إقواما. وقد تكون عوضا من الياء الذاهبة من لام الفعل نحو « برة » ـ انتهى (٢).

وقد تكون كناية عن الغائب والغائبة نحو ضربه وضربها.

( ها )

قوله تعالى : ( هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) [ ٦٩ / ١٩ ] أي خذوا كتابي وانظروا ما فيه لتقفوا على نجاتي وفوزي ، يقال للرجل : « ها » أي خذ ، وللاثنين « هاؤما » وللرجال « هاؤم ».

ومن العرب من يقول : « هاك » للواحد و « هاكما » للاثنين و « هاكم » للجماعة.

وَفِي الْخَبَرِ : « لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا هَا وَهَا » (٣). قال الهروي : اختلف في تفسيره ، وظاهر معناه أن يقول كل واحد من البيعين : « ها » فيعطيه ما في يده. وقيل معناه هاك وهات ، أي خذ وأعط ، وهو مثل. « إلا يدا

__________________

(١) العبارة في الصحاح هكذا : « والثاني تدل على العجمة نحو الموازجة والجواربة ، وربما لم تدخل فيها الهاء كقولهم : كيالج ».

(٢) منقول من الصحاح ( ها ) باختصار وتصرف.

(٣) انظر الحديث وشرحه في النهاية ( ها ).

٤٦٨

بيد » (١).

وقال غيره : « ها » هنا صوت يصوت به فيفهم معنى خذ ، وكرر اللفظ اعتبارا بحال المتقابضين للجنسين ، وهو قوله : « يدا بيد ».

وفيه أربع لغات : هَا بالقصر ، وهَاءَ بفتح الهمزة ، وهَاءِ بكسرها ، وهَأْ بسكون الألف.

وَفِي الْحَدِيثِ : « هَأْهَأْ ». قيل : هو كناية عن التأوه.

وفيه : « يَنْتَحِبُ الشَّيْخُ بِنَشِيجٍ ». أي بصوت « هَا هَا هَا » (٢).

وَفِي حَدِيثِ تَعْدَادِ الْأَئِمَّةِ : « ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثُمَ هَهْ ». قال رجل : سألت أهل العربية عن تفسير « هَهْ » فقال : هَهْ بلغه بني فلان أنا.

و « هَا » حرف تنبيه ، تقول : هَا أنتم هؤلاء ، تجمع بين التنبيهين للتوكيد ، وهو غير مفارق لأي ، تقول : يا أَيُّهَا الرجل. وقد يكون جوابا للنداء يمد ويقصر ، وقد يكون زجرا للإبل ، وهو مبني على الكسر إذا مددت ، وقد يقصر وقد ورد في الرواية كذلك. ويكون مقصورة للتقريب فتقول : « هَا أنا ذا ». وإن قيل لك : أين فلان؟ قلت إذا كان قريبا : هَا هو ذا ، وإن كان بعيدا : هَا هو ذاك.

وَفِي الدُّعَاءِ « هَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ ».

( هبا )

قوله تعالى : ( وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ) [ ٢٥ / ٢٣ ] قال الشيخ أبو علي : ليس هنا قدوم ولكن شبه حالهم وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم وقرء ضيف وإغاثة ملهوف وغيرها من المكارم بحال قوم عصوا ملكهم فقدم إلى أشيائهم وأملاكهم فأبطلها ولم يترك لها أثر » والْهَبَاءُ : « ما يخرج من الكوة

__________________

(١) وردت هذه الجملة في حديث عن أمير المؤمنين (ع) ومذكورة في الإستبصار ج ٣ ص ٩٣.

(٢) الكافي ج ٨ ص ٧٧.

٤٦٩

مع ضوء الشمس شبيه الغبار ، و ( مَنْثُوراً ) صفة للهباء. وفيما صح عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ : « يَبْعَثُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَوْماً بَيْنَ أَيْدِيهِمْ نُوراً كَالْقَبَاطِيِّ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : كُنْ ( هَباءً مَنْثُوراً ) » ثُمَّ قَالَ : « يَا أَبَا حَمْزَةَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَلَكِنْ إِذَا عُرِضَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْحَرَامِ أَخَذُوهُ وَإِذَا ذُكِرَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ فَضْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْكَرُوهُ » (١).

( هجا )

الْهِجَاءُ : خلاف المدح.

وهَجَا القوم : ذكر معايبهم.

والمرأة تَهْجُو زوجها : أي تذم صحبته.

و « الْهِجَاءُ » ككساء : تقطيع اللفظ بحروفها (٢).

قال الشيخ أبو علي : جميع الحروف التي تُتَهَجَّى بها عند المحققين أسماء مسمياتها حروف الْهِجَاءِ التي يتركب منها الكلام ، وحكمها أن تكون موقوفة كأسماء الأعداد ، يقال : ألف لام ميم كما يقال : واحد اثنان ثلاثة ، وإذا وليتها العوامل عربت فتقول : هذا ألف وكتبت لاما ونظرت إلى ميم ـ انتهى.

وَفِي الْحَدِيثِ : « إِذَا أَفْنَى اللهُ الْأَشْيَاءَ أَفْنَى الصُّورَةَ وَالْهِجَاءَ وَالتَّقْطِيعَ ».

وفيه : جَاءَ يَهُودِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ (ص) [ وَعِنْدَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) ] فَقَالَ لَهُ : مَا الْفَائِدَةُ فِي حُرُوفِ الْهِجَاءِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (ص) لِعَلِيٍّ (ع) : أَجِبْهُ [ وَقَالَ : اللهُ وَفِّقْهُ وَسَدِّدْهُ ] ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (ع) : مَا مِنْ حَرْفٍ إِلَّا وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا الْأَلْفُ فَاللهُ الَّذِي ( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) ، وَأَمَّا الْبَاءُ فَبَاقٍ بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ ، وَأَمَّا التَّاءُ فَالتَّوَّابُ يَقْبَلُ

__________________

(١) البرهان ج ٣ ص ١٥٨.

(٢) قال في الصّحاح ( هجا ) : وهجوت الحروف هجوا وهجاء ، وهجيتها تهجية ، وتهجيت كلّه بمعنى.

٤٧٠

التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ ، وَأَمَّا الثَّاءُ فَالثَّابِتُ الْكَائِنُ ( يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ) ، وَأَمَّا الْجِيمُ فَجَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ ، وَأَمَّا الْحَاءُ فَحَقٌّ حَيٌّ حَلِيمٌ ، وَأَمَّا الْخَاءُ فَخَبِيرٌ بِمَا يَعْمَلُ الْعِبَادُ ، وَأَمَّا الدَّالُ فَدَيَّانُ يَوْمِ الدِّينِ ، وَأَمَّا الذَّالُ فَـ ( ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ) ، وَأَمَّا الرَّاءُ فَرَءُوفٌ بِعِبَادِهِ ، وَأَمَّا الزَّايُ فَزَيْنُ الْمَعْبُودِينَ ، وَأَمَّا السِّينُ فَالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، وَأَمَّا الشَّيْنُ فَالشَّاكِرُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَمَّا الصَّادُ فَصَادِقٌ وَعْدُهُ وَوَعِيدُهُ ، وَأَمَّا الضَّادُ فَالضَّارُّ النَّافِعُ ، وَأَمَّا الطَّاءُ فَالطَّاهِرُ الْمُطَهَّرُ ، وَأَمَّا الظَّاءُ فَالظَّاهِرُ الْمُظْهِرُ لِآيَاتِهِ ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَعَالِمٌ بِعِبَادِهِ ، وَأَمَّا الْغَيْنُ فَغِيَاثُ الْمُسْتَغِيثِينَ ، وَأَمَّا الْفَاءُ فَفَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ، وَأَمَّا الْقَافُ فَقَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ ، وَأَمَّا الْكَافُ فَالْكَافِي الَّذِي ( لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) [ وَ ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) ] وَأَمَّا اللَّامُ فَـ ( لَطِيفٌ بِعِبادِهِ ) ، وَأَمَّا الْمِيمُ فَمَالِكُ الْمُلْكِ ، وَأَمَّا النُّونُ فَـ ( نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) مِنْ نُورِ عَرْشِهِ ، وَأَمَّا الْوَاوُ فَوَاحِدٌ صَمَدٌ ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) ، وَأَمَّا الْهَاءُ فَهَادٍ لِخَلْقِهِ ، وَأَمَّا اللَّا فَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ ( لا شَرِيكَ لَهُ ) ، وَأَمَّا الْيَاءُ فَيَدُ اللهِ بَاسِطَةٌ عَلَى خَلْقِهِ (١).

و « هذا على هِجَا هذا » أي عَلَى شِكْلِهِ.

( هد )

قوله تعالى : ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) [ ١ / ٦ ] أي ادللنا عليه وثبتنا عليه.

وَعَنِ الصَّادِقِ (ع) : « أَرْشِدْنَا لِلُزُومِ الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي إِلَى مَحَبَّتِكَ وَالْمُبَلِّغِ إِلَى جَنَّتِكَ وَالْمَانِعِ مِنْ أَنْ نَتَّبِعَ أَهْوَاءَنَا فَنَعْطَبَ أَوْ نَأْخُذَ بِآرَائِنَا فَنَهْلِكَ » (٢).

قوله تعالى : ( وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ) [ ٣٢ / ١٣ ] أي على

__________________

(١) معاني الأخبار ص ٤٤ والزيادات التي بين قوسين منه.

(٢) البرهان ج ١ ص ٥١ ، وفيه « والمبلغ دينك » بدل « والمبلغ إلى جنتك ».

٤٧١

طريق القصر والإجبار لا على طريق التكليف والاختيار.

قوله تعالى : ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى ) [ ٢٠ / ١٢٣ ] أراد بالهدى الكتاب والشريعة. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ضَمِنَ اللهُ تَعَالَى لِمَنْ تَبِعَ الْقُرْآنَ لَا يَضِلُّ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ. ثم تلا الآية.

قوله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [ ٤٢ / ٥٢ ] ومعناه الدلالة ، ومثله ( فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ ) [ ٣٧ / ٢٣ ] ، وقوله : ( قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ ) [ ١٠ / ٣٥ ] وقوله : ( إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) [ ١٧ / ٩ ] وقوله : ( إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى ) [ ٩٢ / ١٢ ] وقوله : ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً ) [ ٢٠ / ١٠ ] وقوله : ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ ) [ ٩ / ١١٥ ] كل ذلك بمعنى الدلالة ، وكذا قوله : ( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) [ ٩٠ / ١٠ ] لأن الآية واردة في معرض الامتنان ، ولا يمن بالإيصال إلى طريق الشر ، ومثله ( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) [ ٧٦ / ٣ ] أَيْ عَرَّفْنَاهُ إِمَّا آخِذٌ وَإِمَّا تَارِكُ ـ كَذَا رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام (١). قال بعض الأفاضل : وبهذا يظهر ضعف التفصيل بأن الْهِدَايَةَ إن تعدت إلى المفعول الثاني بنفسها كانت بمعنى الدلالة الموصلة إلى المطلوب ، وإن تعدت باللام أو إلى كانت بمعنى الدلالة على ما يوصل.

قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ) [ ٧ / ١٠٠ ] قال الشيخ أبو علي : المعنى : أولم يَهْدِ للذين يخلفون من خلا قبلهم في ديارهم ويرثونهم أرضهم هذا الشأن وهو أنا لو أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا من قبلهم وأهلكناهم كما أهلكنا أولئك. وقرئ أولم

__________________

(١) البرهان ج ٤ ص ٤١٩.

٤٧٢

نَهْدِ بالنون وعلى ذلك فيكون ( أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ ) منصوب الموضع ، بمعنى أولم نبين لهم هذا الشأن ، ولذلك عديت الْهِدَايَةُ باللام لأنه بمعنى التبيين.

قوله تعالى : ( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) [ ٢ / ٢ ] فإن قيل : لم قال ( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) والمتقون مُهْتَدُونَ؟ قلنا : هو مثل قولك للعزيز المكرم : « أعزك الله وأكرمك » تريد طلب الزيادة إلى ما هو ثابت فيه واستدامته كقوله : ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) [ ١ / ٦ ].

قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ ) [ ٣٢ / ٢٦ ] أي أولم يبين لهم.

قوله تعالى : ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) [ ٢١ / ٧٣ ] أي يَهْدُونَ إلى شرائعنا ، ويقال : يدعون إلى الإسلام.

قوله تعالى : ( أَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ ) [ ١٢ / ٥٢ ] أي لا يمضيه ولا ينفذه ، ويقال : لا يصلحه.

قوله تعالى : ( فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) [ ٦ / ٩٠ ] يريد بطريقتهم في الإيمان بالله وتوحيده وعدله ، دون الشرائع فإنها يتطرق إليها النسخ أو بتبليغ الرسالة ، والهاء للوقف.

قوله تعالى : ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ ) [ ٤١ / ١٧ ] أي عرفناهم وبينا لهم الحق ودعوناهم إليه ( فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) وهم يعرفون.

والْهُدَى الرشاد والدلالة والبيان ، يذكر ويؤنث.

والْهُدَى هُدَيَانِ : هُدَى دلالة فالخلق به مَهْدِيُّونَ ، وهو الذي تقدر عليه الرسل ، قال تعالى : ( إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) فأثبت له الْهُدَى الذي معناه الدلالة والدعوة والبينة. وتفرد هو تعالى بِالْهُدَى الذي معناه التوفيق والتأييد كما قال تعالى : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) وقال : ( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) وقال : ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) وقال : ( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ. سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ

٤٧٣

بالَهُمْ ).

قوله تعالى : ( حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) [ ٢ / ١٩٦ ] الْهَدْيُ والْهَدِيُ على فعيل لغتان ، وهو ما يُهْدَى إلى بيت الله الحرام من بدنة أو غيرها ، الواحدة « هَدْيَةٌ » و « هَدِيَّةٌ ».

قوله تعالى : ( وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ ) [ ٢٧ / ٣٥ ] قِيلَ : بَعَثَتْ حِقَّةً وَفِيهَا جَوْهَرَةٌ عَظِيمَةٌ وَقَالَتْ لِلرَّسُولِ : قُلْ لَهُ : يَثْقُبُ هَذِهِ الْجَوْهَرَةَ بِلَا حَدِيدَةٍ وَلَا نَارٍ ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ بِذَلِكَ ، فَأَمَرَ سُلَيْمَانُ بَعْضَ جُنُودِهِ مِنَ الدِّيدَانِ فَأَخَذَ خَيْطاً فِي فِيهِ ثُمَّ ثَقَبَهَا وَأَخْرَجَ الْخَيْطَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ (١). وعَنِ الزَّمَخْشَرِيِ : أَنَّهَا بَعَثَتْ إِلَى النَّبِيِّ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ (ع) خَمْسَمِائَةِ غُلَامٍ عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الْجَوَارِي وَحَلَّاهُنَّ وَخَمْسَمِائَةِ جَارِيَةٍ عَلَى زِيِّ الْغِلْمَانِ وَكُلُّهُمْ عَلَى سُرُوجِ الذَّهَبِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَأَلْفَ لَبِنَةٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَاجاً مُكَلَّلاً بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَحِقّاً فِيهِ دُرَّةٌ سَمِينَةٌ وَجَزِعَةٌ مُعْوَجَّةُ الثَّقْبِ ، وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِهَا وَهُمَا مُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو وَأَخُرْدَارَ وَهُمَا ذَوَا عَقْلٍ وَقَالَتْ : إِنْ كَانَ نَبِيّاً مَيَّزَ بَيْنَ الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي وَثَقَبَ الدُّرَّةَ ثَقْباً مُسْتَوِياً وَسَلَكَ فِي الْخَرَزَةِ خَيْطاً ، ثُمَّ قَالَتْ لِلْمُنْذِرِ : إِنْ نَظَرَ إِلَيْكَ نَظَرَ غَضْبَانٍ فَهُوَ مَلِكٌ فَلَا يَهُولَنَّكَ أَمْرُهُ وَإِنْ رَأَيْتَهُ بَشّاً لَطِيفاً فَهُوَ نَبِيٌّ ، فَأَعْلَمَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ (ع) بِذَلِكَ فَأَمَرَ الْجِنَّ فَضَرَبُوا لَبِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَفَرَشُوهَا فِي مَيْدَانٍ طُولُهُ سَبْعَةُ فَرَاسِخَ وَأَخْطَئُوا مَكَانَ أَلْفِ لَبِنَةٍ ، فَلَمَّا وَصَلَا إِلَيْهِ مَيَّزَ الْغِلْمَانَ مِنَ الْجَوَارِي وَثَقَبَ الْجَذَعَةَ وَسَلَكَ فِي ثَقْبِهَا خَيْطاً وَفَرَشَ اللَّبِنَ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ الَّتِي تَرَكُوهَا خَالِيَةً كَأَنَّ تِلْكَ اللَّبِنَةَ سُرِقَتْ مِنْ ذَلِكَ اللَّبِنِ وَقَدْ تَلَقَّاهُ بِاللُّطْفِ وَالْبَشَاشَةِ (٢).

__________________

(١) انظر البرهان ج ٣ ص ١٩٨.

(٢) هذه القصة مذكورة عن ابن عباس انظر قصص الأنبياء للجزائري ص ٥٢٩.

٤٧٤

وَفِي الدُّعَاءِ : « اللهُمَ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ». أي اجعل لي نصيبا وافرا من الِاهْتِدَاءِ معدودة في زمرة الْمُهْتَدِينَ من الأنبياء والأولياء.

وَفِيهِ : « اللهُمَ اهْدِنِي مِنْ عِنْدِكَ ». قيل : يمكن أن يراد بِالْهِدَايَةِ هنا الدلالة الموصلة إلى المطلوب وهو الفوز بالجنة ومحو آثار العلائق الجسمانية وقصر العقل على عبادة الرحمن واكتساب الجنان.

و « الْهَادِي » من أسمائه تعالى ، وهو الذي بصر عباده وعرفهم طريق معرفته حتى أقروا بربوبيته ، وهَدَى كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في بقائه ودوام وجوده.

و « الْهَادِي » الدليل ، ومنه قوله تعالى : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) [ ١٣ / ٧ ].

و « الْهَادِي » علي بن محمد الجواد (١).

والْهَادِي : العنق ، سمي بذلك لأنه يَهْدِي الجسد.

وهَوَادِي الخيل : أوائلها.

وَفِي الدُّعَاءِ : « وأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّرْكِ وَهَوَادِيهِ ». أي أوائله وهَوَادِيهِ.

و « أَهْدَيْتُ له » و « أَهْدَيْتُ إليه » من الْهَدِيَّةِ واحدة الْهَدَايَا.

و « الْهِدَاءُ » بالكسر مصدر قولك : هُدِيَتِ العروس إلى بعلها هِدَاءً فهي مهداة ، وقد هُدِيَتْ إليه.

والتَّهَادِي : أن يُهْدِيَ بعضهم إلى بعض ، ومنه الْحَدِيثُ : « تَهَادَوْا تَحَابُّوا » (٢).

وكَانَ النَّبِيُّ (ص) يَسْتَهْدِي مَاءَ زَمْزَمَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ. أي يستدعي أن يهدى إليه ذلك.

والْمَهْدِيُ : من هَدَاهُ الله إلى الحق.

و « الْمَهْدِيُ » اسْمٌ لِلْقَائِمِ مِنْ آلِ

__________________

(١) ولد (ع) بصريا بمدينة الرّسول (ص) للنّصف من ذي الحجّة سنة ٢١٢ وتوفّي بسرّ من رأى في رجب سنة ٢٥٤. انظر ترجمته في الإرشاد للمفيد ص ٣٠٧.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٤٤.

٤٧٥

مُحَمَّدٍ (ع) الَّذِي بَشَّرَ (ص) بِمَجِيئِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً الَّذِي يَجْتَمِعُ مَعَ عِيسَى (ع) بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ يَمْلِكُ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ وَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ ، وهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ بنِ عَلِيٍ الْهَادِي بن محمد الجواد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زوج البتول وابن عم الرسول ، أقر بظهوره المخالف والمؤالف وتواترت الأخبار بذلك (١) اللهم عجل فرجه وأرنا فلجه واجعلنا من أتباعه وأنصاره.

والْمَهْدِيُ ولد المنصور من خلفاء العباسية (٢).

وَفِي الدُّعَاءِ : « واجْعَلْهُ هَادِياً مَهْدِيّاً ». قيل : فيه تقديم وتأخير لأنه لا يكون هَادِياً حتى يَهْتَدِيَ.

وَفِي الْخَبَرِ : « خَرَجَ مِنْ مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ يُهَادي بَيْنَ رَجُلَيْنِ ». أي يمشي بينهما معتمدا عليهما من ضعفه وتمايله.

و « الْهَدْيُ » كتمر : الهيئة والسيرة والطريقة ، ومنه قولهم : هَدَى هَدْيَ فلانٍ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) : « كُنْتُ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللهِ (ص) هَدْياً ». ومثله : « ورَغِبُوا عَنْ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ ».

و « فلان حسن السمت والْهَدْيُ » كأنه يشير بالسمت إلى ما يرى على الإنسان من الخشوع والتواضع لله ، وبِالْهَدْيِ ما يتحلى به من السكينة والوقار وإلى ما يسلكه من المذهب المرضي.

وَفِي الْخَبَرِ : « الْهَدْيُ وَالسَّمْتُ الصَّالِحُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءاً مِنْ

__________________

(١) انظر ما يتعلّق بالمهديّ المنتظر الكافي ج ١ ص ٣٢٨ ـ ٣٤٣.

(٢) هو أبو عبد الله محمّد بن المنصور ، ثالث الخلفاء العبّاسيّين ، ولد بأيذج سنة ٢٢٧ ، وقيل سنة ٢٢٦ وتوفّي سنة ٢٦٧. انظر ترجمته في تاريخ الخلفاء للسّيوطيّ ص ٢٧١ ـ ٢٧٩.

٤٧٦

النُّبُوَّةِ ».

( هذا )

هَذَى في منطقه يَهْذِي ويَهْذُو هَذْواً وهَذَيَاناً : إذا تكلم بكلام لا ربط له.

والْهَذَيَانُ للمريض مستلزم لشدة الوجع.

( هرا )

« الْهَرَاةُ » بالفتح : مدينة مشهورة بخراسان ، والنسبة إليها « هَرَوِيٌ » ، ومنه مُعَاذٌ الْهَرَّاءُ لأنه كان يبيع الثياب الْهَرَوِيَّةِ والجراب الْهَرَوِيُ ونحوه.

و « هَرَأْتُ اللحمَ » إذا جدت إنضاجه فَتَهَرَّى حتى سقط إنضاجه ، فهو « هَرِيٌ ».

( هزا )

قوله تعالى : ( لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً ) [ ٢ / ٢٣١ ] أي بالإعراض والتهاون عن العمل بما فيها ، من قولهم لمن لم يجد في الأمر : « أنت هَازِئٌ ». قيل : كان الرجل في الجاهلية يطلق أو يعتق أو ينكح ثم يقول : « كنت لاعبا » فأنزل الله تعالى : ( لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً ).

والْهَزْءُ والْهُزْؤُ (١) : السخرية والاستخفاف ، يعدى بالباء فيقال : هَزَأْتُ به واسْتَهْزَأْتُ به سخرت ، ويقال : هَزَأْتُ منه أيضا.

قوله تعالى : ( اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) [ ٢ / ١٥ ] قال الزمخشري : فإن قلت : لا يجوز الاستهزاء على الله تعالى لأنه متعال عن القبيح والسخرية من باب العيب والجهل ، ألا ترى إلى قوله : ( أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) فما معنى اسْتِهْزَائِهِ بهم؟ قلت : معناه إنزال الهوان والحقارة بهم ، لأن الْمُسْتَهِزئَ غرضه الذي يرميه هو طلب الخفة والزراية ممن يَهْزَأُ به وإدخال الهوان والحقارة عليه ، والاشتقاق شاهد لذلك (٢).

وَفِي حَدِيثِ عَمَّارٍ : « فَقَالَ لَهُ

__________________

(١) بسكون الزّاي في الأوّل وضمّها في الثّاني.

(٢) الكشّاف ج ١ ص ٥١.

٤٧٧

رَسُولُ اللهِ (ص) وَهُوَ يَهْزَأُ بِهِ ». قيل : أراد به نوعا من المؤانسه والمطايبة في الكلام لشدة الألفة بينهما لا تحقيقه ، لأنه لا يليق منه (ص) ذلك ولو قدر صدوره عنه (ص) بالنسبة إلى بعض الأفراد بعد صدوره منه إلى عمار الذي هو من أعيان الصحابة ، فتعين أنه نوع من المزاح ، ولا قصور فيه بغير باطل كيف وقد رُوِيَ عَنْهُ (ص) : « أَمْزَحُ وَلَا أَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ ».

وحَدِيثُ « لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ » مشهور.

( هفا )

فِي الدُّعَاءِ : « اللهُمَّ ارْحَمِ الْهَفْوَةَ ». هي بفتح وإسكان الفاء : الزلة يقال : هَفَا يَهْفُو هَفْوَةً.

وهَفَا الشيء في الهواء : إذا ذهب كالصوفة ونحوها.

وهَفَوَاتُ اللسان : سقطاته.

والْهَفْوُ : الجوع.

و « رجل هَافٍ » أي جائع.

( هما )

« هَمَى الدمع والماء يَهْمِي » من باب رمى هَمْيا وهَمَيَاناً : سال.

والْهَمَا : انصباب الدمع ونحوه متتابعا.

( هنا )

قوله تعالى : ( هَنِيئاً مَرِيئاً ) [ ٤ / ٤ ] أي طيبا سائغا ، يقال : « هَنَأَنِي ومرأني » فإذا أفردت قلت : « أمرأني » بالألف.

وهَنُؤَ الطعام يَهْنَؤُ هَنَاءَةً أي صار هَنِيئاً ، وكذلك هَنِئَ بالكسر مثل فقه وفقه ـ نقلا عن الأخفش قال : وهَنَأَنِي الطعام يَهْنِئُنِي ويَهْنَأُنِي ولا نظير له في المهموز هَنَاءً وهَنْأَ ، وتقول : « هَنَأْتُ الطعام » أي تَهَنَّأْتُ به.

وكل أمر يأتيك بغير تعب فهو هَنِيْءٌ ، ومنه « أعطني الفرج الْهَنِيْءُ ».

والْهَنِيْءُ : اللذيذ الذي لا آفة فيه ، والمريء : السهل المأمون الغائلة.

وَقَوْلُهُ (ع) : « لَكَ الْمَهْنَأُ وَعَلَيْهِ

٤٧٨

الْوِزْرُ » أي يكون أكلك له هَنِيئاً لا تؤخذ به ووزره على من كسبه.

والْتَهْنِئَةُ خلاف التعزية.

وهَنَّأْتُهُ بالولادة تَهْنِئَةً. وهَنَأْتُ الرجل : إذا أعطيته : والاسم « الْهَنِيْءُ » بالكسر.

و « هَانِئٌ » اسم رجل (١).

وأم هَانِئٍ بنت أبي طالب (٢).

وَفِي حَدِيثِ الْمَيِّتِ : « يُوضَعُ دُونَ قَبْرِهِ هُنَيْئَةً لِيَأْخُذَ أُهْبَتَهُ لِأَنَّ لِلْقَبْرِ هَيْبَةً.

و « هُنَيَّةً » بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء المثناة التحتانية : الزمان اليسير : ومنه « مكثت هُنَيَّةً » ، وفي بعض النسخ « هُنَيْهَةً » بثلاث هاءات ، وهو أيضا صحيح فصيح ، وأما هُنَيْئَةٌ فغير صواب ـ قاله في القاموس.

و « هن » كأخ كلمة كناية عن اسم الجنس ، ومعناه شيء ، والأنثى « هنة ».

وَقَوْلُهُ (ع) فِي أَمْرِ الْخِلَافَةِ : « فَصَغَا

__________________

(١) هو ( هَانِئُ ) بن عروة المراديّ المذحجي ، كان شيخ مراد وزعيمها يركب في أربعة آلاف دارع وثمانية آلاف راجل ، كان من أشراف أهل الكوفة وأعيان الشّيعة ، وكان له من العمر يوم استشهد تسع وثمانين ، أضاف مسلم بن عقيل وذبّ عنه وتحمل من الأذى في جنبه ما لا يتحمله أحد لغير الله سبحانه ، ودافع عن مسلم دفاعا صارما حتّى قتله ابن زياد لذلك. انظر ترجمته في تنقيح المقال ج ٣ ص ٢٨٩.

(٢) واسمها فاختة أو فاطمة أو هند والأوّل أشهر ، كانت زوج هبيرة بن عمرو عائذ المخزوميّ ، خطبها النّبيّ (ص) فقالت : « والله إنّي كنت لأحبّك في الجاهليّة فكيف في الإسلام ، ولكنّي امرأة مصبية فأكره أن يؤذوك » فقال : « خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد ». انظر الإصابة ج ٤ ص ٤٧٩.

٤٧٩

رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَمَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَهَنٍ » (١). قيل : الذي صغا هو سعد لأنه كان منحرفا عنه وتخلف عن أخيه بعد قتل عثمان ، والذي مال إلى صهره هو عبد الرحمن وكانت بينه وبين عثمان مصاهرة (٢) ، وَقَوْلُهُ : « مَعَ هَنٍ وَهَنٍ ». يريد أن ميله لم يكن لمجرد المصاهرة بل لأسباب أخر كنفاسته عليه أو حسد له فكني بهن وهن عنها.

وَفِي الْخَبَرِ : « الْقَيِّمُ عَلَى إِبِلِ الْأَيْتَامِ إِذْ لَاطَ حَوْضَهَا وَطَلَبَ ضَالَّتَهَا وَهَنَا جَرَبَهَا فَلَهُ أَنْ يُصِيبَ مِنْ لَبَنِهَا ». يقال : « هَنَأْتُ البعير أَهْنَأُهُ » إذا طلبته بِالْهِنَّاءِ وهو القطران ، ولاط حوضها : طينه.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ (ص) : « سَتَكُونُ هَنَاةٌ وَهَنَاةٌ فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَمْشِي إِلَى آلِ مُحَمَّدٍ لِيُفَرِّقَ جَمَاعَتَهُمْ فَاقْتُلُوهُ ». أي شرور وفساد ، من قولهم : « في فلان هَنَاةٌ » أي خصال شر ، ولا يقال في الخير ، وواحده « هَنْئَةٌ » ، وقد تجمع على « هَنَوَاتٍ » ، وقيل : « هَنَةٌ » تأنيث هَنٍ كناية عن كل اسم جنس.

و « يا هَنَتَا » أي هذه ، وكذا « يا هَنَا ».

وأما « هُنَا » و « هَاهُنَا » فللإشارة إلى مكان قريب ، و « هُنَاكَ » و « هُنَالِكَ » للبعيد واللام زائدة والكاف للخطاب ، قال تعالى : ( هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ) [ ١٠ / ٣٠ ] أي في ذلك الوقت ، وهو من أسماء المواضع وتستعمل في أسماء الأزمنة.

ويقال في النداء خاصة : « يا هَنَاهْ » بزيادة هاء في آخره تصير تاء في الوصل ، والمعنى يا فلان.

( هوا )

قوله تعالى : ( وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ ) [ ١٤ / ٤٣ ] أي خالية ، وقيل جوف لا عقول فيها ، وقيل متخرقة لا تعي شيئا

__________________

(١) من الخطبة الشقشقية.

(٢) هذا القول للقطب الراوندي ذكره ابن أبي الحديد في شرحه ج ١ ص ٣٦.

٤٨٠