تفسير الثمرات اليانعة - ج ٣

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]

تفسير الثمرات اليانعة - ج ٣

المؤلف:

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

الأول : ما يؤخذ من أهل الحرب ، وذلك من الأموال والنفوس ، وذلك غنيمة وفاقا ، فأما الأموال فلا فرق بين المنقول وغيره ، وعليه قوله تعالى في سورة الأحزاب : (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) وعلى هذا فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر الكفار الذين غزاهم ، وافتتح بلادهم من أهل الطائف ، وخيبر وغيرهما.

وأما النفوس فلا خلاف أن نفوس الكفار العجم مغنومة ، صغارهم وكبارهم ، ذكورهم وإناثهم ، ودليل ذلك في سورة التوبة : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ) وهذا يدخل فيه العجم والعرب ، والذكور والإناث ، والصغير والكبير ، لكن خرج البالغ من الذكور من كفار العرب الذين لا كتاب لهم ، لقوله تعالى في سورة التوبة : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) الآية.

ولا خلاف أن العهد كان بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون مشركي العجم ، وقد سبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذراري بني المصطلق وأصاب جويرية واتّطأها ، ويدخل في الغنيمة سلب المقتول ، ويجب فيه الخمس ، وهذا قول أبي حنيفة ، ومالك ، والثوري ، لعموم الآية.

وعند الشافعي ، والليث ، والأوزاعي : أنه يستحقه القاتل ، ولا خمس عليه لقوله عليه‌السلام : «من قتل قتيلا فله سلبه» ويقول : لا خمس فيه ، ويجعل ذلك مخصصا من العموم ، فإن قال الإمام : ذلك استحقه القاتل ، وعليه الخمس عندنا ، وأحد قولي الشافعي ، وقوله الأخير ، وأصحاب أبي حنيفة : لا خمس عليه.

حجتنا دخول ذلك في عموم الآية ، وهم يقولون : خصه الخبر.

وأما ما أصابه المسلمون من الطعام والعلف فقد قال القاسم عليه‌السلام : إنه يسهل فيه ، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه ، والشافعي ، ومالك ، والثوري ، والليث ، فيستحقه الآخذ ، ولا خمس فيه ، إذا كان له سهم ، أو

٣٤١

رضخ كمعالجي الجرحى ، دون التجار ، والوجه حديث ابن عمر : أن جيشا غنموا في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طعاما وعسلا فلم يؤخذ منهم الخمس.

وروي أن عبد الله بن المغفل أخذ جراب شحم يوم خيبر ، وقال : لا أعطي منه أحدا ، فتبسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينكر عليه.

وعن عبد الله بن أبي أوفى : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر يأخذ أحدنا الطعام من الغنيمة فيأكل منه قدر حاجته ، وهذا مروي عن ابن عمر من الصحابة ، وعن إبراهيم ، والحسن ، من التابعين.

قال عامة الفقهاء : فإن أخرج من ذلك شيئا إلى دار الإسلام كان غنيمة ، وهو قول أصحابنا.

وقال الأوزاعي : يكون له ، ولا يعاوض فيه ، فإن باعه رد الثمن إلى المغنم (١) ، ولا ينقض البيع ، وعلل ذلك بأنه إذا رد إلى المغنم بيع أيضا ، والتعليل خفي.

وأما ما أخذ على وجه التلصص من دار الحرب بأن يدخل الدار بغير أمان ، فإن كان بإذن الإمام وله منعه فذلك غنيمة (٢) فيه الخمس ، وإن كان لا بإذن الإمام فالمذهب أنه لا خمس فيه (٣) ، ذكره محمد بن عبد الله ، وهو قول أبي حنيفة ؛ لأنه لم يؤخذ على وجه يكون فيه إعزاز للدين.

وقال الشافعي ، والثوري : فيه الخمس ، وأهل المذهب شبهوا ذلك بالمباحات.

وأما ما عرف من مال المسلمين في الغنيمة فهو لصاحبه من غير تخميس ، وهذا قول الأكثر ، لكن يسلم قيمته إن وجده بعد القسمة.

__________________

(١) في الأزهار (إلا مأكولا له ولدابته ، لم يعتض منه ، ولا تعدى كفايتهما أيام الحرب ، فمذهبنا في هذا الحكم كقول الأوزاعي.

(٢) قوي : ومثله في الكواكب ، والبيان ، والصعيتري ، والمصابيح. وقوي.

(٣) وعليه الأزهار حيث قال : ولغير المستأمن أخذ ما ظفر به ، ولا خمس عليه.

٣٤٢

وفي النهاية عن الزهري ، وعمرو بن دينار ، ورواية عن علي عليه‌السلام : هو غنيمة ، وفيه الخمس.

وأما لو قال الإمام لرجل : احتل في قتل فلان ولك كذا ، فعليه الوفاء بذلك ، كما إذا قال : من قتل قتيلا فله سلبه ، وكذا لو قال : من أخذ شيئا فهو له صح ذلك ، ولزم الوفاء به عندنا ، وأبي حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والأوزاعي ، قالوا : ولا خمس عليه.

وأما عندنا فيحمل أنه كالسلب إذا جعله الإمام للقاتل (١) ، وللشافعي قولان :

أحدهما : صحة ذلك. والثاني : أن الإمام ليس له ذلك ، وإن قال : له ؛ لم يستحقه الآخذ ، وكره مالك أن يقول له ذلك.

حجتنا أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك يوم بدر ، ولأن في هذا تحريضا على القتال ، فهذا ما يؤخذ من أهل الحرب حال المحاربة.

ومن الغنائم ما يؤخذ من أهل الذمة من الجزية والخراج ، ومال الصلح والمعاملة ، وما يأتي به تجار أهل الذمة ، وما يدخل به إلينا تجار أهل الحرب ، وقد عد أهل المذهب هذا من الغنائم التي يجب فيها الخمس ؛ لأن ذلك مستحق في الأصل ، على أهل الكفر ، فأشبه ما يؤخذ من أموال أهل الحرب ، وكذا ما يؤخذ من الخراج ، ولو من المسلمين ؛ لأنه مستحق في الأصل على الكفار ، وعند أبي حنيفة : لا خمس في هذه الأشياء (٢).

وأما ما يؤخذ من أهل البغي ، فما أجلبوا به فهو غنيمة ، لا ما في بيوتهم ، وهذا مذهب الأكثر من أهل البيت ، وأبي يوسف ، وأخذوا هذا من قول علي عليه‌السلام : لكم ما حوى معسكرهم.

__________________

(١) ويجب عليه الخمس عندنا.

(٢) لعدم الدليل. (ح / ص).

٣٤٣

وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، ومحمد بن عبد الله : إن أموالهم لا تغنم.

قال أبو حنيفة : لكن ينتفع بها ما دامت الحرب قائمة ، ثم يرد هذا فيما أجلبوا به.

قال أحمد بن عيسى ، والحسن بن صالح : وكذا ما أجلب به الطائفة الباغية من اللصوص ، وهذا مروي عن المنصور بالله ، ومأخوذ للهادي (١) عليه‌السلام.

وقال القاسم ، ومحمد بن عبد الله ، والشافعي : لا تغنم.

ومن الحجة في تغنّم ما أجلب البغاة القياس على أهل الحرب ؛ لأنه مال يجوز إتلافه من غير ضمان ، فجاز تغنمه وثبت كونه غنيمة ، ولزم فيه الخمس لدخوله في عموم قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية ، وقوله تعالى : (مِنْ شَيْءٍ) يعم القليل والكثير ، وقد قيل : حتى الخيط والمخيط ، ومن الغنائم ما يؤخذ من المعادن ، من الذهب ، والفضة ، والنحاس ، والرصاص ، والحديد ، والشب ، والكحل ، والزرنيخ ، والزئبق ، والمغرة ، والكبريت والنفط (٢) ، والقار (٣) ، والوجه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «في الركاز الخمس» قيل : يا رسول الله وما الركاز؟ قال : «الذهب والفضة ، اللذان خلقهما الله تعالى في الأرض يوم خلقها».

وسئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عما يوجد في الخراب العادي (٤)؟ فقال :

__________________

(١) كلام الإمام الهادي عليه‌السلام في الأحكام : (من شاق الحق وعانده وجب قتاله ، وحل دمه ، فهو فيء للمسلمين عسكره) ورجحه بعض المشايخ. (ح / ص).

(٢) البترول الخفيف.

(٣) البترول الثقيل.

(٤) أي : الخراب المنسوب إلى عاد ، والمراد الخراب القديم الذي يعود إلى زمن ما قبل الإسلام.

٣٤٤

«فيه ، وفي الركاز الخمس» فثبت أن الركاز اسم المعدن ، وإذا ثبت لزوم الخمس فيه ، فالعلة كونه غنيمة ، فلزم في سائر المعادن لكونه غنيمة ، وهذا قول الشافعي ، وقوله الآخر ، ومالك : لا يجب إلا في الذهب والفضة (١).

وقال أبو حنيفة : فيما إذا طبع انطبع.

وكذا الملح عندنا من المعادن.

وقال المؤيد بالله : لا خمس فيه ، ولا في النفط ، ولا في القار.

ومن الغنائم التي يجب فيها الخمس ما يستخرج من البحر ، من اللؤلؤ ، والدر ، والعنبر ؛ لأنها مغتنمة فأشبهت المعادن.

وقال زيد بن علي : لا خمس فيما يستخرج من البحر.

ومن الغنائم صيد البر والبحر ، والمسك ، نص عليه الهادي عليه‌السلام في المنتخب ، ومن ذلك العسل المأخوذ من المباح ، والجراد.

وقال المؤيد بالله ، وأبو حنيفة ، والشافعي : لا خمس في الصيود من بر ولا بحر ، وهو قول زيد ، والناصر ، وأحمد بن عيسى.

حجتنا ما روي عن علي عليه‌السلام أنه وضع على أجمة (٢) الفرس أربعة آلاف (٣) ، ولا شيء في ذلك إلا الخمس ، ويجوز للإمام تقديره إذا رآه صلاحا ، وعلم أن قدره مستحق من الخمس ، ويقاس أيضا صيد البحر

__________________

(١) وقوفا على محل النص.

(٢) الأجمة : هي الغيضة. وفي حاشية الكشاف لسعد الدين التفتازاني (أنه وضع على أجمة الفرس سبعة آلاف من الدراهم).

(٣) أي : من الدراهم كما ذكره سعد الدين في حاشية الكشاف ، في قوله تعالى : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ) الآية لأنه الذي يتعارف به ، ويحمل عليه عند إطلاق الآية.

٣٤٥

على الدر واللؤلؤ ، وإذا ثبت في صيد البحر ثبت في صيد البر ؛ لأن أحدا لم يفصل بينهما.

ومن الغنائم كنوز الجاهلية ، وذلك لعموم قوله عليه‌السلام : «في الركاز الخمس» (١) وذلك داخل في اسم الركاز.

وقال القاضي زيد : وهو إجماع الآن ، إلا ما حكي في قول للشافعي : إنه إن وجده في دار نفسه فهو له ، ولا خمس فيه ، ولا فرق عندنا في الركاز بين أن يوجد في الصحراء ، أو في الملك أنه للواجد ، وعليه الخمس.

ولهذه الجملة فروع في كتب الفقه.

فأما الحطب : فقد عده بعضهم غنيمة (٢) ، وهو ضعيف ، وقد قال أهل المذهب فيما أخذ على وجه التلصص من غير إذن الإمام : إنه لا خمس فيه ، قياسا على سائر المباحات ، ولأنه يشبه الماء.

وأما الأرض البيضاء إذا أحياها محي فالظاهر من أقوال العلماء أنه لا خمس فيها. وقال المنصور بالله : هي لمن سبق إليها ، وعليه الخمس.

وأما ما صار إلى المسلمين من أموال الكفار ، من غير أن يوجف عليهم بخيل ولا ركاب ، فقد قال أهل المذهب : إنها للإمام ، كما كانت فدك للرسول عليه‌السلام وقال أبو حنيفة ، والشافعي : هي للمصالح.

قال في التهذيب : ويجب في ذلك الخمس لأهل الخمس ، وأربعة أخماسه للرسول.

__________________

(١) هذا يخالف قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جواب سؤال السائل عما يوجد في الخراب العادي ، والله أعلم ، فعل له معنيان أعم وأخص ، والله أعلم ، وفي أساس اللغة أنه يطلق على المعدن والكنز ، حقيقة (ح / ص).

(٢) وهو الذي في الأزهار.

٣٤٦

وفي النهاية : ذهب الجمهور أن كل ما صار إلى المسلمين بالرعب ، من غير إيجاف (١) أنه للمصالح ، وللمسلمين الغني والفقير ، ولا خمس فيه ، وهو مروي عن أبي بكر ، وعمر.

وقال الشافعي : الخمس واجب لأهل الخمس ، وأربعة أخماس إلى رأي الإمام.

قال : وقيل : تقسم على مصارف الخمس ، ولا تخمس ، وأحسبه أحد أقوال الشافعي.

قال : ولم يقل أحد قبل الشافعي بتخميسه.

تكملة لهذه الجملة وهي أن يقال : قد ذكر الله سبحانه الأنفال فقال سبحانه : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) الآية.

وذكر الله تعالى الغنيمة فقال تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) وذكر تعالى الفيء فقال تعالى في سورة الحشر : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقال تعالى في آخر هذه الآية : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) فقيل : الكل واحد ، حكاه الحاكم قولا لبعض أهل التفسير ، وهذا المفهوم من عبارة أهل المذهب ؛ لأنهم قالوا : الخمس يجب في الغنيمة ، والغنيمة أصناف ، وعدوا الأكثر مما ذكر هنا ، وقيل : الفيء والغنيمة واحد ، وأن هذه الآية ناسخة لآية الحشر ، وهذا مروي عن قتادة.

وأما الأنفال فهي قسم وحده ، وهي ما شرطه الإمام لمن أعانه في الجهاد ، وقيل : بل هي ثلاثة أقسام ، وهذا الذي أطلقه الحاكم وصححه.

__________________

(١) الإيجاف : السير السريع ، ذكره في النهاية ، وفي بعض حواشي التذكرة ، وكذا في الكشاف.

٣٤٧

قال : وهو مذهب عطاء بن السائب ، وسفيان ، وأبي حنيفة ، والشافعي.

فالأنفال أن يقول الإمام : من قتل قتيلا فله كذا ، ونحو ذلك ، وله أن يقول ذلك قبل إحراز الغنيمة ، وبعد الإحراز عند الهادي عليه‌السلام.

وقال أبو حنيفة : له أن يقول ذلك قبل إحراز الغنيمة ، لا بعد الإحراز.

وأما الفيء : فهو ما صار إلى المسلمين من مال أهل الحرب من غير قتال ، ومن ذلك الخراج ، والجزية ، ومال الصلح ، فيجب فيه الخمس لأهل الخمس ، وأربعة أخماس للرسول ، فعلى هذا لا نسخ ، وإذا قلنا : إن الجميع واحد ؛ فآية القسمة ناسخة لآية الأنفال ؛ لأن قوله تعالى : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) قضت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل فيها ما شاء ، وقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) قضت بالقسمة فهي ناسخة (١) ، وما في الحشر ، وذلك قوله تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) وآخر الآية وهي قوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) قيل : المراد بهما (٢) واحد ، وهو الفيء الذي يؤخذ بغير قتال ، فأراد بالأول الولاية في القسمة إلى الرسول ، وأن له الصرف في نفسه ، وبيّن في آخرها من تصرف إليه ، وهذا كلام جار الله ، أن الثاني هو الأول ، قال : ولهذا لم يدخل العاطف لما كانت الثانية الأولى ، لا أنها أجنبية.

وقال : إنه تعالى بين للرسول أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم ، وقيل : أراد بالأول الفيء ، وهو ما أخذ صلحا ، وبالآخر خمس الغنائم ، وهذا مروي عن أبي علي.

__________________

(١) قلنا : لا نسخ ؛ إذ الغنيمة موقوفة على رأي الإمام.

(٢) قوله (بهما) أي : أول الآية وآخرها.

٣٤٨

وقيل : أراد بالأول ما فتح صلحا ، وبالثاني الغنيمة ، وهو ما صار إلينا عنوة ، وكان في صدر الإسلام لهؤلاء الأصناف ، ثم نسخ بالآية في سورة الأنفال ؛ بأن الخمس لأهله ، والباقي للمحاربين ، وهذا مروي عن قتادة.

قال الحاكم : والصحيح أن الأول الفيء ، والثاني خمس الغنيمة ، على ما قاله أبو علي.

وأما الفصل الثاني

وهو في بيان مصرف الغنائم ، وبيان الحق الواجب

فالغنائم مختلفة فما أخذ بالقتال فمصرفه الغانمون ، والواجب فيه الخمس ، والصفي للإمام ، ويجوز التنفيل لمن له عناية في الجهاد.

أما أن مصرفه في الغانمين فذلك يؤخذ من قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) فأضاف الغنيمة إلى الغانمين ، وأوجب عليهم فيها الخمس.

وأما أن للإمام أن ينفل فذلك لفعله عليه‌السلام يوم بدر ، ولقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ).

وأما ثبوت الصفي فقد اختلف في ذلك ، فمذهبنا أنه ثابت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللإمام بعده ، وهو شيء واحد.

قال المنصور بالله : هذا إذا كانت الغنيمة تبلغ ما يساوي مائتي درهم ، قال الفقيه علي ، ولم يقدره أهل المذهب بشيء ، وإنما يثبت الصفي إذا كانت الغنيمة شيئين فصاعدا ، وقال أكثر الفقهاء : إن الإمام ليس له أن يصطفي.

حجتنا أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اصطفى ريحانة من بني قريظة ، وأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اصطفى صفية بنت حيي بن أخطب من خيبر.

٣٤٩

وفي (شرح الإبانة) عن ابن عباس أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ سيفه ذا الفقار وكان صفيا له ، ولأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر وفد عبد القيس بأمور منها : أن يعطوا سهم الله من الغنائم والصفي ، وإذا ثبت ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثبت مثله للأئمة بعده لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أطعم الله نبيه شيئا كان ذلك لمن يقوم مقامه».

وقال أبو طالب : ويكون الصفي لأمير الجيش ؛ لأن عليا عليه‌السلام اصطفى جارية ، وقد استعمل على بعض السرايا ، فلما رفع ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقره.

قال في النهاية : أجمعوا أن الصفي يختص بالنبي عليه‌السلام إلا عن أبي ثور ، وهل يقدم التنفيل والصفي على الخمس أو يؤخر؟ فقول أهل المذهب بعد ذكر الصفي والتنفيل : ثم تقسم الغنائم ـ يدل على أنه لا خمس في الصفي والتنفيل ، وفي الحفيظ : في الصفي الخمس ، فينظر في صحته.

وقال في معالم السنن : قد ورد حديثان في التنفيل قبل الخمس وبعده ، فيكون الأمران جائزين ، وقد تقدم أنه لا يخمس ما أخذ على وجه التلصص بغير إذن الإمام ، وما يحتاج إليه من الطعام والعلف في دار الحرب والسلب ، عند الشافعي ، وقد تقدم من ينفل (١) ، وكم قدره ، وبقي الكلام في مستحق الغنيمة ، ومستحق الخمس.

أما مستحق الغنيمة فهو من حضر الوقعة وقاتل ، أو كان ردأ للمقاتلة ، ولا فرق بين أن يكون معه تجارة أم لا ، إذا قاتل وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، ومالك ، وقول للشافعي ، وله قول : إنه لا يستحق التاجر وإن قاتل.

قال أبو حنيفة وأصحابه ، ومالك : وكذلك لا فرق بين أن يكون

__________________

(١) قريبا في أول السورة.

٣٥٠

أجيرا أم لا ، ولو جاء أحد قبل القسمة ، ولم يحضر الوقعة لم يسهم له ، نص عليه القاسم عليه‌السلام ، ودل عليه قول الهادي ، وهو قول مالك ، والشافعي ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث.

وقال أبو حنيفة وأصحابه وحكاه في (شرح الإبانة) عن زيد : إذا لحق جيش قبل إخراج الغنيمة إلى دار الإسلام شارك.

قلنا : إنه لا يسمى غانما وقد قال تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) ولحديث أبان بن سعيد أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثه على سرية قبل نجد ، وقدم أبان خيبر بعد ما فتحت ، فقال : اقسم لنا يا رسول الله صلّى الله عليك ، فلم يقسم له.

قالوا : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرب لعثمان بسهم يوم بدر وكان غائبا ، قلنا : يحتمل أن يكون نفله إذا كان ذلك من الخمس ، أو من سهم نفسه.

قالوا : نقيس المنقولات على الأراضي ؛ فإن المدد إذا لحقوا بعد فتح حصن شاركوا في الأراضي ، أجاب أبو طالب : بأن حكم الأرض يفارق المنقول ، ولهذا يشارك المدد ، وإن قسمت الأرض ؛ لا إن قسم المنقول.

واعلم أنه يخرج ممن حضر وقاتل ـ الصبيان ، والمجانين ، والنساء ، والمماليك ، وأهل الذمة ، فهؤلاء لا يقسم لهم عندنا ، وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، ومالك ، وجمهور الفقهاء.

أما الصبي فيخرج بما روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرض عليه ابن عمر يوم أحد ، وهو لأربع عشرة فلم يجزه (١) في المقاتلة ، وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه في المقاتلة ، وكذا البراء من عازب لم يجزه في المقاتلة يوم بدر لصغره ، وأجازه يوم أحد.

__________________

(١) الجائزة : العطية ، يقال : أجازه يجيزه إجازة إذا أعطاه. نهاية.

٣٥١

وقال الأوزاعي : يسهم للصبيان.

وقال مالك : يسهم للغلام إذا أطاق القتال وإن لم يبلغ ، والمجنون كالصبي.

وأما النساء فخرجن من العموم بحديث ابن عباس (إن النساء والعبيد كانوا يحضرون مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يقسم لهم ، ويرضخ).

وخرج العبيد بهذا الحديث ، وبما روي عن عمير ، مولى أبي اللحم (١) قال : شهدت مع سادتي في خيبر ، وقيل : بحنين فكلموه فيّ فأمر لي بشيء من خرثيّ المتاع (٢).

وأما أهل الذمة فلأن بعضهم أبلغ من العبد والمرأة ؛ بدليل أنه يجوز أمان العبد والامرأة ؛ لا الكافر.

وقال الأوزاعي : يسهم للنساء.

وقال الحسن بن حي (٣) : يسهم للعبد.

وقال الزهري : يسهم لأهل الذمة.

فهذا ما غنم من الكفار ، وكذا يأتي ما غنم من البغاة على قول من جوزه.

__________________

(١) في نسخة ب (أبي النجم) قال في (ح / ص) (قوله : مولى أابي اللحم) اسم فاعل ، وسمي بذلك لتحريمه اللحم على نفسه ، أو لامتناعه من الذبح للظلم ، وضبطه في جامع الأصول وقال : أابي اللحم بفتح الهمزة وبعدها ألف ساكنة ، وباء موحدة مكسورة (ح / ص).

(٢) خرثي المتاع : أي : من سقطه ، وفي النهاية : الخرثي : أثاث البيت ومتاعه ، وفي تخريج البحر للجبني المقري : الخرثي ـ بصم الخاء المعجمة ، وسكون الراء ، وكسر الثاء المثلثة ، وتشديد الياء : المتاع ، ورذاله ، وفي القاموس : أثاث البيت ، أو رذاذ المطر.

(٣) نسبه هنا إلى جده اختصارا ، وإلا فهو الحسن بن صالح بن حي ، تقدمت ترجمته.

٣٥٢

وأما الصيود والمعادن ونحو ذلك فيخرج خمسه ، والباقي للواجد ، وهكذا ما استخرج من المعادن عندنا ، وأبي حنيفة وأصحابه ، وقول للشافعي.

وقال أحمد ، وإسحاق ، وقول للشافعي : يجب فيه ربع العشر.

وقال مالك ، وقول للشافعي : ما أخذ دفعة بغير مئونة فواجبه الخمس ، وما أخذ دفعات بمئونة فربع العشر ، وإذا ثبت أنه يقسم ما أخذ على الكفار أو البغاة ، فعند الهدوية وأبي حنيفة : للفارس سهمان ، وللراجل سهم ؛ لحديث ابن عمر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسهم يوم بدر للفارس سهمان ، وللراجل سهم ، وروي هكذا يوم خيبر : أنه أعطى الفارس سهما ، وفرسه سهما.

وقال القاسم ، والشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد : للفارس ثلاثة ، واحتجوا بحديث ابن عمر وغيره (أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل للفرس سهمين ، وللرجل سهما) ولا فرق على قولنا ، وأبي حنيفة وأصحابه ، ومالك ـ بين العراب ، والبراذين (١) وهو قول للشافعي ، وله قول : إنه لا يسهم إلا للعراب.

وأما الجمال ، والبغال ، والحمير فلا سهم لها عندنا ، وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ؛ لأن ذلك لم يعرف منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقال داود : يسهم لها.

ولو مات بعض المقاتلة بعد إحراز الغنيمة وقبل القسمة كان نصيبه للورثة عند مالك ، والشافعي ، والليث ، والأوزاعي ؛ لأنه قد استحق القسمة فورثت عنه.

وقال أبو حنيفة : إذا مات قبل القسمة ، أو قبل إحرازها إلى دار الإسلام فلا شيء لورثته. وبقية الفروع في كتب الفقه.

__________________

(١) العراب : هي الخيول العربية الأصيلة ، والبراذين هي الخيول المهجنة.

٣٥٣

وأما قسمة الخمس

فقد قال تعالى : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) والمعنى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فحق واجب أن لله خمسه.

وعن أبي عمرو : (فإن لله خمسه) بكسر إن ، وقراءة النخعي (فلله خمسه).

قال جار الله : والمشهورة آكد ، وأثبت للإيجاب ، كأنه قيل : فلا بد من ثبات الخمس ، وقيل : التقدير واعلموا أنما غنمتم من شيء يجب قسمته ، فاعلموا أن لله خمسه.

واعلم أن في مصرف الخمس أقوالا منتشرة ، وجملة ذلك أنهم اختلفوا هل يكون مقصورا على سهام مقدرة ، ويكون للتخصيص للأصناف فائدة؟ أم هذا من باب الخاص أريد به العام؟

فقال مالك : إنه من باب الخاص أريد به العام ، وإن الأصناف إنما ذكرت للتنبيه على غيرها ، فيفعل الإمام ما يراه صلاحا من قسمته فيهم ، أو رده إلى غيرهم من المسلمين ، أو سلمه إلى البعض من المصارف المذكورة ، ويجوز للغني والفقير من المسلمين.

وقال عامة العلماء : بل له مصارف محصورة يقصر عليها ، ثم اختلف هؤلاء على أقوال :

الأول : أنه يقسم على ستة ، وهذا قول القاسم وأسباطه ؛ أخذا بظاهر الآية ؛ لأن كلام الحكيم لا يعرى عن الفائدة ، وهذا مروي عن أبي العالية ، والربيع.

القول الثاني : أنه يقسم على خمسة أقسام ، وأسقطوا سهم الله سبحانه ، وهذا قول الشافعي ، وهو مروي عن ابن عباس ، وإبراهيم ، وعطا ، ، وقتادة.

٣٥٤

والقول الثالث : أنه يقسم على أربعة سهام ، وهذا أحد الروايتين عن أبي حنيفة ، وأسقط سهم الله ، وسهم الرسول.

القول الرابع : الرواية الظاهرة عن أبي حنيفة : أنه يقسم على ثلاثة ، وأسقط سهم الله ، وسهم الرسول ، وسهم ذوي القربى.

ويتعلق بكل واحد من الستة المذكورة في الآية نكتة.

أما سهم الله تعالى فقد استدل من أثبته بظاهر الآية ، وبقوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) وكلام الحكيم لا يلغى من الفائدة ، فثبت أن لهذا السهم اختصاصا ، كما جعل له اختصاص في آية الصدقات ، حيث قال تعالى : (وَفِي سَبِيلِ اللهِ).

قالوا : جميع الأشياء لله تعالى ؛ لأن الدنيا والآخرة له تعالى (١) ، وذلك له تعالى قبل الغنيمة ، وقبل القسمة ، وذلك يؤدي إلى أن يكون المال مشتركا بينه وبين غيره ، وأيضا فإن إثبات القسمة لهذا السهم خلاف قول الأكثر ، ولم يثبت عن الخلفاء الأربعة أنهم أثبتوا لهذا سهما ، وإنما قال تعالى : (فَإِنَّ اللهَ) تبركا بذكره ، وافتتاحا بذكره ، ومن أثبته جعله لمصالح المسلمين ، وهو المذهب.

وأما سهم الرسول ، وهو يكون للإمام بعده ، يصرفه لمصالحه ، وهذا مذهب الأئمة ، والشافعي. وروي أن الباقر أفتى به.

قال في (شرح الإبانة) : وذلك مروي عن جماعة من التابعين ، والوجه : أنه قائم مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر الدين ، وتحمل المشاق ، ولما روي عنه عليه‌السلام (أنه إذا أطعم الله نبيه طعمة فهي للخليفة بعده).

وروي (كانت لمن يلي الأمر بعده ، وسواء حضر الإمام أو غاب).

__________________

(١) يلزمهم أحد محذورين ـ إما أن يقولوا إن العبد لا يملك ، وهو خلاف الإجماع ، أو يقولوا : يملك فقد حصل الاشتراك ، والله أعلم.

٣٥٥

وقال أبو حنيفة : سقط سهم النبي عليه‌السلام بموته ، فلا يثبت لغيره ، ولأنه لم يرو عن أحد من الأئمة أنه أخذ سهم الرسول.

وأما سهم ذوي القربى فعندنا ، والشافعي ، ورواية عن زيد بن علي ، وأبي حنيفة : أنه ثابت وقت الرسول عليه‌السلام وبعده ، وأنهم يستحقونه بالقرابة والإسلام ، ونصرة الإمام ، لا بمجرد القرابة لذلك لم يعط أبو لهب.

وقال أبو حنيفة : ورواية عن زيد : إنما يستحقونه بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفقر مع الإسلام ، وطاعة الإمام فهم كغيرهم.

وجه كلامنا : أن ظاهر الآية قضت بسهم القرابة ، فلا يلغى ، ولا خلاف أن المراد قرابة النبي عليه‌السلام قالوا : إن عمر لما طلب منه ابن عباس أن يعطيه سهم ذوي القربى ، قال : لا حظ لكم إلا بالفقر.

قلنا : كان هذا في أول ولايته ، وكان يبعث بعد ذلك بالخمس من الغنائم.

قالوا : إن فاطمة أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشكت أثر الرحى ، وسألته خادمة من السبي فلم يجبها إلى ذلك ، وعلمها صلاة التطوع (١) ، وقال : هي خير لك من الخادم.

قلنا : يجوز أن يكون نصيبها من الخمس لا يبلغ قيمة الخادم.

قالوا : إن عليا عليه‌السلام حين تولى العراق لم يعطهم ، قلنا : المثبت أولى ، ويحتمل أنه ترك مرة لاستغنائهم.

__________________

(١) لعل الصلاة المراد بها هنا اللغوية ، لأن المشهور أنه علمها التسبيح والتحميد ، والتكبير ، ثلاثا وثلاثين عند النوم ، إلا التكبير فأربعا وثلاثين ، والله أعلم. (ح / ص).

٣٥٦

قالوا : لو كان حقا للقرابة لأعطى بني عبد شمس كما أعطى بني المطلب.

قلنا : لعله أعطاهم بطيبة نفس بني هاشم ، كما فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام ذلك حين احتاج إليه المسلمون واستغنى بنو هاشم ، ويجوز أنه لم يعطهم من سهم القرابة ، لكن من غيره لنصرتهم.

قال في الكشاف (١) : وروي أن أبا بكر أجرى الخمس على ثلاثة ، وكذلك عمر ومن بعده من الخلفاء ، وإذا ثبت سهم القرابة بظاهر الآية لم يسقط بغير دلالة ،

وتتعلق بهذه الجملة فائدتان :

الأولى : في بيان القرابة من هم ، فعندنا ، وعند أبي حنيفة في إحدى روايتيه التي يثبت فيها هذا السهم أنهم بنو هاشم ، وهذا مروي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعلي بن الحسين ، وعبد الله بن الحسن بن الحسن.

وقال الشافعي : هم بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وهذا مروي عن جبير بن مطعم ، وأبي علي ، وأبي مسلم.

حجتنا : أن بني المطلب كبني عبد شمس في القرب ، وهم خارجون إجماعا فكذا بنو المطلب.

قالوا : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى بني المطلب ؛ بدليل حديث جبير بن مطعم قال : لما أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني المطلب أتيت أنا وعثمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلنا : يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم ؛ لمكانك الذي وضعك الله فيهم ، أرأيت بني المطلب أعطيتهم ومنعتنا ، ونحن وهم بمنزلة؟ فقال : «إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام ، إنما بنو هاشم ، وبنو المطلب شيء واحد ، وشبك بين أصابعه».

__________________

(١) الكشاف ٢ / ١٥٩.

٣٥٧

قلنا : إنما أعطاهم لما رآه صلاحا من جهة نصرتهم ، كما ينفل ، ويجوز أن يكون برضاء بني هاشم.

الفائدة الثانية : أنه سوّى في العطاء بين غنيهم وفقيرهم ، وذكرهم ، وأنثاهم ، وصغيرهم ، وكبيرهم ، وهذا مذهبنا.

والوجه : أن اسم القرابة يشملهم ؛ ولأنهم عوّضوه لما حرمت عليهم الزكاة ، وقياسا على المال الموصى به ، أو المقر به لبني فلان ، وزيد ، وأبو حنيفة معنا في التسوية بين الذكر والأنثى ، وخالف الشافعي فقال : يفضل الذكر على الأنثى ؛ لأنه مستحق بالقرابة فأشبه بالميراث ، والشافعي معنا في التسوية بين الغني والفقير ، وهو مروي عن ابن عباس ، وزين العابدين ، والباقر ؛ لعموم الاسم ، ولأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى العباس ، ويساره معروف.

وروي (أنه كان يمون عامة بني المطلب ، وقال أبو حنيفة في روايته التي أعطي القرابة : لا حظ لغني فيه.

وعن زيد بن علي : هو لنا إذا احتجنا إليه ، لا إذا استغنينا فلا حق لنا فيه.

قالوا : إنه تعالى قال : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ).

قلنا : المعنى : أنه تعالى أدخل اليتامى والمساكين ؛ لئلا يكون جميعه دولة بين الأغنياء.

قال في الكشاف : وروي أن أبا بكر منع بني هاشم الخمس ، وقال : إنما لكم أن نعطي فقيركم ، ونزوج أيّمكم ، ونخدم من لا خادم له منكم (١).

__________________

(١) الكشاف ٢ / ١٥٩.

٣٥٨

وأما الغني فهو كابن سبيل غني ، ويتيم موسر.

وأما سهم اليتامى ، فاليتيم يشترط فيه الفقر ، ذكره الحاكم ، وادعى فيه الإجماع ، وكذا في ابن السبيل.

وفي الشفاء : إن سائر الصحابة تقضي بخلافه ، أي : لا يشترط الفقر (١) ، ذكره في الخمس في آخر الشفاء.

والخلاف هل المسكين أسوأ حالا من الفقير أو العكس معروف ، وابن السبيل فهو : المسافر المنقطع عن ماله.

وأبو حنيفة في إحدى روايتيه ، قسمه بين هذه الأصناف الثلاثة ، لكن عموم الآية لم تخص هذه الأصناف بقرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيرهم ؛ لكن تخريج المؤيد بالله ، والناصر أن البداية بقرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الأصناف أولى على طريق الاستحباب ، ثم هؤلاء الأصناف من المهاجرين ، ثم من الأنصار ، ووجه ذلك : أن الله قدم ذوي القربى ، ثم قال عقيب ذلك في آية الحشر : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) ثم قال عقيب ذلك : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ).

وقال أبو طالب : يجب البداية بهؤلاء الأصناف من آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصّل ذلك للهادي عليه‌السلام واحتج بما روي عن علي بن الحسين ، لما قرأ الآية قال : (هم يتامانا ، ومساكيننا ، وابن سبيلنا) وروى ذلك الطبري في تفسيره عن علي عليه‌السلام ، وهذا لا مساغ للاجتهاد فيه ، وهذا الخلاف في البداية بآل الرسول على غيرهم.

أما البداية بالمهاجرين وبالأنصار فذلك غير واجب وفاقا.

وقال في (شرح الإبانة) عن الشافعي : إن الأولى بالتقديم قرابة

__________________

(١) وقواه بعض المشايخ ، وقال بعضهم : إن كان اليتيم وابن السبيل من بني هاشم لم يشترط الفقر ، وإلا اشترط ، والله أعلم. (ح / ص).

٣٥٩

رسول الله ، ثم من له سابقة من قريش ، ثم من المهاجرين ، ثم من الأنصار ، ثم من العرب ، ثم من العجم.

ونختم هذا الفصل بفائدة ذكرها في الشفاء عن الهادي عليه‌السلام والمتوكل (١) والمنصور بالله ، والأمير بدر الدين ، والقاضي جعفر ، وهي : أنه يجوز صرف الخمس في صنف واحد ؛ لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل خمس غنائم حنين في هوازن ، وغطفان لما أتوه مسلمين ، وذلك صنف واحد ، وهو المصالح ، وعلي عليه‌السلام جعل خمس غنائم صفين في المصالح ، وأمر علي عليه‌السلام رجلا أصاب جرة في خربة فيها أربعة آلاف مثقال ، فقال : افرق خمسها في فقراء أهلك ، وقال لآخر وجد كنزا في خربة فيه أربعة آلاف وخمسمائة ، خمس لبيت المال ، وقد وهبناه لك.

الفصل الثالث في كيفية الإخراج

وقد قال تعالى : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) أثبت تعالى الشركة فيه لله تعالى ، فيجب الإخراج من عينه ، وذلك حجة الهادي عليه‌السلام ومن جوز القيمة كما يروى عن المؤيد بالله خصص ذلك بدليل كما في الزكاة ، وحكمه أنه إلى الإمام ؛ لأن الأخماس كانت تحمل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولا يتكرر وجوب الحق فيه وفاقا ، ولا يحتسب بما ينفق في تحصيل المعادن كالزكاة.

قال في الانتصار : ولا فرق عند (٢) أئمة العترة ، وأبي حنيفة وأصحابه ـ بين أن يكون المستخرج مسلما أو ذميا في وجوب الخمس ؛ لأنه ليس بزكاة ، وهذا إطلاق الشرح للمذهب.

وقال الشافعي : هو زكاة ولا خمس عليه.

__________________

(١) هو المتوكل على الله الإمام أحمد بن سليمان عليه‌السلام ، تقدمت ترجمته.

(٢) في نسخة ب (ولا فرق بين أئمة)

٣٦٠