نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

وليسا ولا واحد منهما بركن في الصلاة ، نعم تبطل الصلاة بالإخلال بهما أو بإحداهما أو بأبعاضهما عمدا لا سهوا.

والواجب في التشهدين معا الشهادتان والصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام.

ولو نذر ركعة واحدة ، وجب التشهد في آخرها كالثنائية. ويجب أيضا التشهد في سجدتي السهو على ما يأتي. ومحله من الصلاة : بعد جلوسه من السجدة الثانية حالة الجلوس. ولو شرع قبل إكمال جلوسه ، أو نهض قبل إكماله متعمدا ، بطلت صلاته لا سهوا. ويقع في غير حالة الجلوس وقوعه في حاله.

البحث الثالث

( في واجباته )

وهي :

الأول : التعدد فيما زاد على الثنائية ، والوحدة فيها ، فلو عكس عمدا بطلت صلاته ، لأنه خلاف المنقول.

الثاني : الجلوس فيه بقدره مطمئنا في الأول والثاني. فلو شرع فيه قبل انتهاء رفعه من السجدة ، أو شرع في النهوض قبل إكماله متعمدا ، بطلت صلاته.

وعلى أي هيئة جلس أجزأه ، للامتثال بكل نوع ، لكن الأفضل التورك فيهما ، لأنه عليه‌السلام كان يجلس وسط الصلاة وآخرها متوركا (١). وقول الباقر والصادق عليهما‌السلام : إذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما. وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى ، وأليتاك على الأرض ، وطرف إبهام اليمنى على الأرض ، وإياك والقعود على قدميك ، فلا تصبر للتشهد والدعاء (٢).

__________________

(١) سنن أبي داود ١ ـ ٢٥٣.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧٦ ذيل ح ٣.

٥٠١

الثالث : الشهادتان والصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام في التشهدين معا ، وقد تقدم. ومن لا يحسنه يجب عليه التعلم ، فإن ضاق الوقت أو عجز ، أتى بالممكن. ولو عجز سقط. ولا يجزي بغير العربية ، لقوله عليه‌السلام : صلوا كما رأيتموني أصلي (١). فإن تعذر تعلم ، فإن ضاق الوقت أو عجز ، أجزأت الترجمة ، وكذا الأذكار الواجبة. أما الدعاء فتجوز بغير العربية.

الرابع : يجب الترتيب ، فيبدأ بالشهادة بالتوحيد ، ثم بالنبوة ، ثم بالصلاة على النبي ، ثم بالصلاة على آله. فإن عكس لم يجزه.

الخامس : يجب فيه التتابع ، فلو تركه لم يجزيه.

السادس : يجب في الصلاة ذكر اسم الرسول ، فلو قال : اللهم صل على الرسول. فالأقرب عدم الإجزاء ، لأنه سئل كيف نصلي عليك؟ فقال : قولوا « اللهم صل على محمد وآل محمد » (٢).

البحث الرابع

( في مستحباته )

وهي :

الأول : الزيادة في الأذكار بما نقل عن أهل البيت عليهم‌السلام لأنهم أعرف.

الثاني : التحيات ، وتتأكد في التشهد الأخير ، وهي بعد الشهادتين ، فيقول : « التحيات لله الصلوات الطاهرات الطيبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات لله ، ما طاب وزكى وطهر ، وما خلص وصفا ، فلله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ويعيد التشهد بعدها (٣).

__________________

(١) صحيح البخاري كتاب الأذان باب الأذان للمسافر ص ١٢٤.

(٢) سنن أبي داود ١ ـ ٢٥٨.

(٣) راجع وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٨٩ ح ٢.

٥٠٢

الثالث : تقديم التسمية على التشهد للروايات (١).

الرابع : إسماع الإمام من خلفه الشهادتين وجميع الأذكار ، وليس على المأموم ذلك ، وقال أبو بصير : صلينا خلف الصادق عليه‌السلام ، فلما كان في آخر تشهده رفع صوته حتى سمعنا ، فلما انصرف قلت : كذا ينبغي للإمام أن يسمع تشهده من خلفه؟ قال : نعم (٢).

الخامس : يجوز الدعاء في التشهد وفي جميع أحوال الصلاة ، كالقنوت والركوع والسجود والقيام قبل القراءة وبعدها ، بالمباح من أمور الدين والدنيا ، عند علمائنا أجمع ، سواء كان مما ورد به الشرع أو لا.

قال عليه‌السلام : إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من أربع : من عذاب النار ، وعذاب القبر ، وفتنة المحيا وفتنة الممات ، وفتنة المسيح الدجال ، ثم يدعو لنفسه بما بدا له (٣). والدعاء أفضل من تطويل القراءة.

ولا ينبغي للإمام التطويل فيه إرفاقا بالمأمومين ، وهو مستحب في التشهد الأول كالثاني. ويجوز الدعاء لمن شاء من إخوانه المؤمنين ، وكذا الدعاء على الظالمين.

المطلب الثامن

( التسليم )

واختلف في وجوبه جماعة من علمائنا ، لقوله عليه‌السلام : تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (٤). ولأنه ذكر في أحد طرفي الصلاة ، فكان واجبا كالتكبير.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٨٩.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٩٤ ح ٣.

(٣) سنن أبي داود ١ ـ ٢٥٨.

(٤) سنن أبي داود ١ ـ ١٦ باب فرض الوضوء ، وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠٠٣ ح ١.

٥٠٣

والأقوى استحبابه للأصل ، وسئل الباقر عليه‌السلام عن رجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم؟ قال : تمت صلاته (١). ولو كان واجبا لبطلت. ولأنه عليه‌السلام لم يعلم المسي‌ء في صلاته.

وتجزي التسليمة الواحدة ، لعدم اقتضاء الأمر التكرار ، فالمنفرد يسلم تسليمة واحدة إلى القبلة ، ويومي بمؤخر عينيه إلى يمينه ، وكذا الإمام ، لكن يومي بصفحة وجهه. والمأموم كالإمام إن لم يكن على يساره أحد ، وإن كان سلم اثنين بوجهه يمينا وشمالا ، لقول الصادق عليه‌السلام : إن كنت إماما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك ، وإن لم يكن على يسارك أحد سلم واحدة ، وإذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك (٢).

وله صفتان (٣) : « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » أو « السلام عليكم ورحمة الله وبركاته » لوقوع اسم التسليم عليهما ، ولقولهم عليهم‌السلام : وتقول « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » فإذا قلت ذلك انقطعت الصلاة (٤). وسئل الصادق عليه‌السلام « السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انصراف هو؟ قال : لا ، ولكن إذا قلت « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » فهو انصراف (٥).

وأجمع العلماء على أن العبارة الثانية انصراف أيضا ، وبأيهما بدأ كان الثاني مستحبا ، وكذا الأول عندنا.

ولو بدأ بالترجمة أو نكس فقال : « السلام على عباد الله الصالحين وعلينا » فالأقرب عدم الإجزاء عند الموجبين له ، لأنه خلاف المأمور به ، فيبقى في العهدة. وكذا لو نكس فقال « عليكم السلام » أو أسقط حرفا فقال : « السلام عليك » أو قال : « سلام عليكم » بغير تنوين لم يجزيه ، والأقرب إجزاء المنون ، لأن عليا عليه‌السلام كان يقول : « سلام عليكم » عن يمينه وشماله.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠١١ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠٠٧.

(٣) في « ق » و « ر » : صيغتان.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠١٢ ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠١٢ ح ٢.

٥٠٤

ويستحب أن يضيف « ورحمة الله وبركاته » وينبغي أن ينوي الخروج من الصلاة ، وبالثانية السلام على الملائكة ، أو على من على يساره. وهل يجب نية الخروج؟ الأقرب المنع ، لأنه فعل من أفعال الصلاة ، فأشبه سائر الأفعال.

ويستحب إذا فرغ من التسليم أن يكبر الله تعالى ثلاث مرات ، يرفع بها يديه إلى حذاء شحمتي أذنيه ، ثم إن كان له حاجة انصرف في جهتها.

ويستحب أن ينصرف في جهة اليمين ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا انصرفت من الصلاة فانصرف عن يمينك (١).

ويستحب للإمام أن لا ينصرف من مكانه حتى يتم المسبوق صلاته ، وإن لم يكن فيهم مسبوق ذهب حيث شاء.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠٠٨.

٥٠٥

الفصل الثاني

( في مندوبات الصلاة )

وقد تقدم ذكر بعضها ، وتزيد هنا أمور تشتمل على مباحث :

البحث الأول

( وضع اليدين )

يستحب وضعهما حالة القيام على فخذيه ، مضمومتي الأصابع ، محاذيا بهما عيني ركبتيه ، لأنه أبلغ في الخضوع ، ولقول الباقر عليه‌السلام : أرسل يديك وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك (١). وأرسل الصادق عليه‌السلام يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه (٢).

ولا يجوز التكفير عند علمائنا ، وهو وضع اليمين على الشمال.

ويستحب وضعهما حالة الركوع على عيني الركبتين مفرجات الأصابع ، لأنه عليه‌السلام كذا فعل وركع (٣).

ومنع بعض علمائنا من جواز التطبيق ، وهو أن يطبق يديه ويجعلهما بين ركبتيه حالة الركوع. ويحتمل الكراهة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧١٠ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧١٠ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧٤.

٥٠٦

ووضعهما حالة السجود حيال منكبيه ، مضمومتي الأصابع ، مبسوطتين موجهتين إلى القبلة إجماعا ، لأنه عليه‌السلام كان إذا سجد ضم أصابعه وجعل يديه حذو منكبيه (١).

ووضعهما حالة الجلوس للتشهد وغيره على فخذيه ، مبسوطتين مضمومتي الأصابع بحذاء عيني ركبتيه ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا قعد يدعو يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، ويده اليسرى على فخذه اليسرى (٢).

وجعلهما حالة القنوت حيال وجهه مبسوطتين ، لقول الصادق عليه‌السلام : وترفع يديك في الوتر حيال وجهك (٣).

البحث الثاني

( في شغل النظر )

يستحب أن يشغل نظره في أحوال الصلاة بما لا يمنعه عن الاشتغال بالصلاة. فينظر حال قيامه إلى موضع سجوده ، وحال ركوعه إلى ما بين رجليه ، وفي سجوده إلى طرف أنفه ، أو بغمضهما ، وفي جلوسه إلى حجره ، وحالة القنوت إلى باطن كفيه ، لقول علي عليه‌السلام : لا يتجاوز بطرفك في الصلاة موضع سجودك (٤). وقول الباقر عليه‌السلام وليكن نظرك إلى ما بين قدميك (٥). يعني حالة الركوع.

ويكره النظر إلى السماء ، لقول الباقر عليه‌السلام : اجمع بصرك ، ولا ترفعه إلى السماء (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧٥.

(٢) سنن أبي داود ١ ـ ٢٥١.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩١٢ ح ١ ب ١٢.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٠٩ ح ٢.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧٦ ح ٣.

(٦) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٠٩ ح ٣.

٥٠٧

البحث الثالث

( في القنوت )

وهو مستحب في كل صلاة مرة واحدة إلا الجمعة ، فإن فيها قنوتين ، وكذا الوتر. سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا ، أداء أو قضاء ، وآكده ما يجهر فيه بالقراءة ، ولقوله عليه‌السلام : ثم تضع يديك ترفعهما إلى ربك مستقبلا ببطونهما وجهك ، فتقول : يا رب يا رب (١). وقال البراء بن عازب : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها (٢).

وهو مستحب لا واجب ، لأصالة البراءة ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تركه تارة وفعله أخرى (٣). وقال الباقر عليه‌السلام : إن شئت فاقنت وإن شئت لا تقنت (٤). لكنه شديد الاستحباب ، لقول الصادق عليه‌السلام : من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له (٥).

ويستحب فيها الجهر ، لقول الباقر عليه‌السلام : القنوت كله جهار (٦). وقال المرتضى : إنه تابع للقراءة ، لأنه ذكر فيتبع القراءة. ومحله : في الركعة الثانية من الثنائية وغيرها بعد الفراغ من القراءة قبل الركوع ، عند علمائنا أجمع ، لأنه عليه‌السلام قنت قبل الركوع (٧). وقال الباقر عليه‌السلام : القنوت في كل صلاة في الثانية قبل الركوع (٨).

وفي الجمعة قنوتان في الأولى قبل الركوع ، وفي الثانية بعده على الأقوى ، لقول الصادق عليه‌السلام : كل القنوت قبل الركوع إلا الجمعة ، فإن القنوت‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ ـ ٣٧٤.

(٢) سنن ابن ماجة ١ ـ ٣٧٤ ما يدل على ذلك.

(٣) سنن أبي داود ٢ ـ ٦٨.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٠١ ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٨٩٧ ح ١١.

(٦) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩١٨ ح ١ ب ٢١.

(٧) سنن ابن ماجة ١ ـ ٣٧٤.

(٨) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٠٠ ح ١.

٥٠٨

في الأولى قبل الركوع ، وفي الأخيرة بعد الركوع (١).

وفي الوتر يستحب قبل الركوع وبعده ، لأن الكاظم عليه‌السلام كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال : هذا مقام من حسناته نعمة منك إلى آخر الدعاء (٢).

ولو نسيه في الثانية قبل الركوع قضاه بعده ، لقول الصادق عليه‌السلام في الرجل ينسى القنوت حتى يركع ، قال : يقنت بعد الركوع (٣). فإن لم يذكر حتى ينصرف فلا شي‌ء عليه.

ولو لم يذكر حتى يركع في الثالثة قضاه بعد فراغه من الصلاة ، لفوات محله وهو الثانية ، وقول الصادق عليه‌السلام : إذا سها الرجل في القنوت قنت بعد ما ينصرف وهو جالس (٤).

وإذا قنت الإمام تبعه المأموم. ويستحب الدعاء فيه بالمنقول عن أهل البيت عليهم‌السلام.

البحث الرابع

( في التكبيرات )

إنما يجب من التكبير تكبيرة الافتتاح خاصة. وما عداها مستحب ، فمنها ما هو خارج عن الصلاة ، وهي ست متقدمة ، وثلاث بعد التسليم. ومنها ما هو في الصلاة. وأجمع علماؤنا على أربع وتسعين تكبيرة مستحبة في الصلوات (١) الخمس ، تكبيرة الركوع والسجودين والرفع منهما.

واختلف الشيخان في تكبيرة أخرى ، وأصله أن المفيد يقوم إلى الثالثة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٠٥ ح ١٢.

(٢) البحار ٨٧ ـ ٢٢٩.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩١٦ ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩١٥ ح ٢.

(٥) في « س » الصلاة.

٥٠٩

بالتكبير ويسقط تكبير القنوت ، والشيخ يعكس القول ويقوم « بحول الله أقوم وأقعد » كغيرها ، فيزيد على قول الشيخ واحدة.

وهو أقوى ، لقول الصادق عليه‌السلام : التكبير في صلاة الفرض في الخمس صلوات خمس وتسعون تكبيرة منها تكبيرات القنوت خمس (١). وقال الصادق عليه‌السلام : إذا جلست في الركعتين الأولتين فتشهدت ثم قمت فقل « بحول الله وقوته أقوم وأقعد » (٢).

البحث الخامس

( التعقيب )

وهو مستحب عقيب الصلوات بإجماع العلماء ، لأن البراء جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ولهم فضول أموال يحجون بها ، ويعتمرون ويتصدقون ، فقال : ألا أحدثكم بحديث إن أخذتم به أدركتم به من سبقكم ، ولم يدرككم أحد بعدكم ، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم ، ألا من عمل مثله ، تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد (٤).

وهو أفضل من التنفل بعد الفريضة ، لقول الباقر عليه‌السلام : الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة نفلا (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧١٩ ح ١ ب ٥.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠٠٣ ح ١ ب ١٤.

(٣) صحيح مسلم ١ ـ ٤١٦ باب استحباب الذكر بعد الصلاة.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠١٤ ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠٢٠.

٥١٠

ويستحب الدعاء بالمنقول عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وأفضله تسبيح الزهراء عليها‌السلام قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لرجل من بني سعد : ألا أحدثكم عني وعن فاطمة أنها كانت عندي ، فاستقت بالقربة حتى أثر في صدرها ، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى أغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك حر شديد.

فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حر ما أنت فيه من هذا العمل.

فأتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجدت عنده حداثا فاستحيت فانصرفت ، فعلم عليه‌السلام أنها جاءت لحاجة ، فغدا علينا ونحن في لحافنا فقال : السلام عليكم ، فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثم قال : السلام عليكم ، فسكتنا ، ثم قال : السلام عليكم ، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف ، وقد كان يفعل ذلك يسلم ثلاثا ، فإن أذن له وإلا انصرف ، فقلنا : وعليك السلام يا رسول الله ادخل ، فدخل وجلس عند رءوسنا.

ثم قال : يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد ، فخشيت إن لم تجبه أن يقوم ينصرف ، فأخرجت رأسي فقلت : أنا والله أخبرك يا رسول الله ، أنها استقت بالقربة حتى أثرت في صدرها ، وجرت الرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادما بكفيك حر ما أنت فيه من هذا العمل.

قال : أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة ، وسبحا ثلاثا وثلاثين ، واحمدا ثلاثا وثلاثين.

فأخرجت فاطمة عليها‌السلام فقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ، رضيت عن الله وعن رسوله (١).

والمشهور أنه يبدأ بالتكبير ، ثم بالتحميد ، ثم بالتسبيح ، لأن الصادق‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠٢٦ ح ٢. ومن لا يحضره الفقيه ١ ـ ٢١١.

٥١١

عليه‌السلام وصفه فقال : « الله أكبر » أربعا وثلاثين مرة ، ثم قال : « الحمد لله » حتى بلغ سبعا وستين ، ثم قال : « سبحان الله » حتى بلغ مائة (١).

ويستحب قول « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » ثلاثين مرة. فقد روي : أنهن يدفعن الهدم والغرق والحرق ، والتردي في البئر ، وأكل السبع ، وميتة السوء ، والبلية التي تنزل على العبد في ذلك اليوم (٢).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من أحب أن يخرج من الدنيا وقد خلص من الذنوب ، كما يتخلص الذهب الذي لا كدر فيه ، ولا يطلبه أحد بمظلم ، فليقل في دبر الصلوات الخمس نسبة الرب تبارك وتعالى اثنى عشر مرة ،

ثم يبسط يده فيقول : « اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون الطاهر الطهر المبارك ، وأسألك باسمك العظيم وسلطانك القديم أن تصلي على محمد وآل محمد ، يا واهب العطايا ، يا مطلق الأسارى ، يا فكاك الرقاب من النار ، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تعتق رقبتي من النار ، وأن تخرجني من الدنيا آمنا ، وتدخلني الجنة سالما ، وأن تجعل دعائي أوله فلاحا ، وأوسطه نجاحا ، وآخره صلاحا ، إنك علام الغيوب (٣).

والأدعية في ذلك كثيرة ، فليطلب في (٤) مظانها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠٢٤ ح ١ ب ١٠.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠٣١.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٠٥٦ ح ١.

(٤) في « ر » و « س » : من.

٥١٢

الفصل الثالث

( في التروك )

وفيه مطلبان :

المطلب الأول

( في التروك الواجبة )

وفيه مباحث :

البحث الأول

( الحدث )

الحدث مناف للصلاة ، سواء وقع عمدا أو سهوا ، مختارا أو مضطرا. فإن أحدث ما يوجب الوضوء أو الغسل عمدا ، بطلت صلاته إجماعا.

ولو شرع في الصلاة وهو محدث ، لم ينعقد صلاته ، سواء كان عامدا أو ساهيا ، ظانا أو شاكا.

ولو شرع متطهرا ثم أحدث ذاكرا للصلاة أو ناسيا لها ، بطلت صلاته إجماعا إذا كان عن اختياره.

ولو أحدث بغير اختياره ، كما لو سبقه الحدث ، بطلت طهارته إجماعا.

٥١٣

وهل تبطل صلاته؟ الأقوى ذلك ، لقوله عليه‌السلام : إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة (١). ولقول الباقر والصادق عليهما‌السلام : لا تقطع الصلاة إلا أربع : الخلاء ، والبول ، والريح ، والصوت (٢).

وللشيخ والمرتضى قول باستيناف الوضوء والبناء ، لرواية قاصرة عن الدلالة (٣). فإن قلنا به ، فالأقرب أنه لا فرق بين الحدثين ، كما لو غلبه النوم في صلاته فاحتلم ، فإنه يغتسل ويبني. ويحتمل الفرق لندوره ، فلا يتسامح فيه بما يتسامح في الغالب. وإذا توضأ عاد إلى الركن الذي كان فيه ، إن لم يكن قد فعله كملا حال الطهارة.

ولو سبقه الحدث في الركوع ، عاد إليه إن لم يكن قد اطمأن فيه ، وإن كان قد اطمأن ، فالأقرب أنه لا يعود إليه ، لأن ركوعه تم في الطهارة. ويحتمل العود إليه لينتقل إلى الركن الذي بعده ، فإن الانتقال من الركن إلى ركن واجب.

ويجب على المصلي إذا سبقه الحدث وأراد أن يتوضأ ويبني أن يسعى في تقريب الزمان وتقليل الأفعال بحسب الإمكان ، فليس له أن يعود إلى الموضع الذي كان يصلي فيه بعد ما تطهر إن قدر على الصلاة في موضع أقرب ، إلا لغرض بأن يكون إماما لم يستخلف ، أو مأموما ينعى فضيلة الجماعة. ولا بأس بما لا يستغني عنه من السعي إلى الماء والاستقاء وشبه ذلك ، ولا يؤمر بالعدو.

ويشترط أن لا يتكلم وإن احتاج إليه في تحصيل الماء. وأن لا يكمل الحدث عمدا ، فلو سبقه البول فخرج فاستتم الباقي ، فالأقوى استيناف الصلاة إن أمكنه التماسك.

ولو شرع في الصلاة على مدافعة الأخبثين ، وهو يعلم أنه لا يبقى له قوة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٢٤٢.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٢٤٠ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٢٤٢ ح ٩.

٥١٤

التماسك في أثنائها ووقع ما علمه ، فالأقوى إبطال الصلاة ، لتقصيره بالدخول.

ولو حدث المنافي في الصلاة بغير اختياره ولا بتقصير منه ، فإن أمكن إزالته على الاتصال بحدوثه ، كما لو وقعت عليه نجاسة يابسة فنفض ثوبه وسقطت في الحال ، لم يقدح في صحة الصلاة. وكذا لو ألقى الثوب الذي وقعت عليه في الحال ، فإن احتاج إلى فعل كثير ، أبطل الصلاة.

ولو طيرت الريح ثوبه ، أو انكشفت عورته ، فرد الثوب في الحال ، فالأقرب الإبطال ، لفقدان الشرط ، ويجي‌ء على البناء مع الحدث البناء هنا.

البحث الثاني

( الكلام )

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شي‌ء من كلام الآدميين ، إنما هي التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن (١).

والكلام إن تضمن دعاء أو تسبيحا أو غيره من أنواع الذكر والقرآن ، لم تبطل به الصلاة. وإن كان بغير ذلك من أنواع الكلام ، فإن كان حرفا واحدا ، لم تبطل به أيضا ، لأنه ليس من جنس الكلام ، لأن أقل ما يبنى عليه الكلام حرفان. وإن كان مفهما ، ففي الإبطال إشكال ، ينشأ : من اشتماله على مقصود الكلام والإعراض به عن الصلاة. ومن أنه لا يعد كلاما إلا ما انتظم من حرفين.

والحرف الواحد ينبغي أن يسكت عليه بالهاء. ولو نطق بحرفين ، أبطل الصلاة وإن لم يكن مفهما ، بل كان من المهملات. وفي الحرف بعد مده إشكال ، ينشأ : من أنه قد يتيقن لإشباع الحركة فلا يعد حرفا. ومن حيث إنها أحد حروف العلة ، وهي حروف مخصوصة ، فضمها إلى الحرف كضم حرف آخر إليه.

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٣٢٢.

٥١٥

ولا بأس بالتنحنح وإن كان فيه حرفان ، لأنه ليس من جنس الكلام ، ولا يكاد يبين منه حرف محقق فأشبه الصوت.

وكذا البكاء والنفخ ، أما الأنين بحرف واحد فلا بأس به. ولو كان بحرفين ، بطلت صلاته. والبكاء إن كان لأمر الآخرة ، فلا بأس به وإن ظهر منه حرفان. وإن كان لأمور الدنيا ، بطلت صلاته وإن لم ينطق بحرف (١).

ولو سبق لسانه إلى الكلام من غير قصد ولا عمد ، لم تبطل ، لأن الناسي لا تبطل صلاته ، فهذا أولى ، لأن الناسي يتكلم قاصدا إليه ، وإنما غفل عن الصلاة ، وهذا غير قاصد إلى الكلام.

ولو تكلم ناسيا للصلاة ، لم تبطل صلاته وسجد للسهو ، لعموم « رفع عن أمتي » (٢) ولقول الباقر عليه‌السلام في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم قال : يتم ما بقي من صلاته (٣). ولا فرق بين أن يطول كلام الناسي أو يقصر.

ولو أكره على الكلام ، فالأقوى الإبطال ، لأنه مناف للصلاة ، فاستوى فيه الاختيار وعدمه كالحدث.

والجهل بتحريم الكلام ليس عذرا ، سواء كان قريب العهد بالإسلام ، أو بعيدا عنه. وكذا لو علم التحريم دون الإبطال.

ولا فرق في الإبطال بين أن يتكلم لمصلحة الصلاة أو لا. والكلام الواجب تبطل الصلاة ، كإجابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وكذا الكلام لتنبيه الأعمى ، إذا خاف عليه التردي في البئر ، أو الصبي ، وكذا رد الوديعة ، وتفريق الزكاة.

وكما أن الكلام مبطل ، فكذا السكوت الطويل إذا خرج عن كونه مصليا.

__________________

(١) في « س » بحرفين.

(٢) الخصال ص ٣٨٧.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٠٨ ح ٥.

٥١٦

ويجوز التنبيه على الحاجة ، سواء تعلقت بمصلحة الصلاة أو لا ، إما بتلاوة القرآن ، أو بالتصفيق ، كما لو أراد الإذن لقوم فقال ( ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ ) (١) أو لمن أراد التخطي على البساط بنعله ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ ) (٢) أو أراد إعطاء كتاب لمن اسمه يحيى ( يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ) (٣) أو يأتي بتسبيح أو تهليل أو غيرهما من الأذكار يحصل به التنبيه.

لأن عليا عليه‌السلام قال : كانت لي ساعة أدخل فيها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن كان في الصلاة سبح وذلك إذنه ، وإن كان في غير الصلاة أذن (٤). وسئل الصادق عليه‌السلام أضرب الحائط لأوقظ الغلام؟ قال : نعم (٥). ولأنه قصد الإعلام بشي‌ء مشروع في الصلاة فلا يضر ، كما لو فتح على الإمام.

والمرأة تنبه بالتصفيق ، لأن صوتها عورة. ويجوز بالقرآن والتسبيح وشبهه للمحارم. وإذا صفقت ضربت بطن كفها الأيمن على ظهر الكف الأيسر ، أو بطن الأصابع على ظهر الأصابع الأخرى. ولا ينبغي أن تضرب البطن على البطن ، لأنه لعب. ولو فعلته على الوجه اللعب ، بطلت صلاتها ، وفي القلة إشكال ، ينشأ : من تسويغ القليل ، ومن منافاة اللعب الصلاة.

ولو قال : « آه » من خوف النار ، بطلت صلاته. ولو أتى بكلمات لا توجد في القرآن على نظمها وتوجد مفرداتها ، مثل « يا إبراهيم سلام كن » بطلت صلاته ، ولم يكن لها حكم القرآن.

والإشارة المفهمة من الأخرس بمنزلة عبارة الناطق في العقود ، والأقرب عدم بطلان الصلاة بها.

__________________

(١) سورة الحجر : ٤٦.

(٢) سورة طه : ١٢.

(٣) سورة مريم : ١٢.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٢٥٧ ما يدل على ذلك.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٢٥٦ ح ٥.

٥١٧

ولو لم يقصد بالقرآن والتسبيح وغيرهما إلا التفهيم ، احتمل بطلان الصلاة ، لأنه لم يقصد القرآن فلم يكن قرآنا ، وعدمه ، فإن القرآن لا يخرج عن كونه قرآنا بعدم القصد.

وإذا سلم عليه وهو في الصلاة ، وجب الرد لفظا ، لقوله تعالى ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ ) (١) الدال بمطلقه على المتنازع فيه. وقال الباقر عليه‌السلام : إن عمارا سلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرد عليه‌السلام (٢).

ودخل محمد بن مسلم على الباقر عليه‌السلام وهو في الصلاة فقال : السلام عليك ، فقال له : السلام عليك ، فقال : كيف أصبحت؟ فسكت ، فلما انصرف قالت له : أيرد السلام وهو في الصلاة؟ قال : نعم مثل ما قيل له (٣).

ولا يكره السلام على المصلي ، لعموم ( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ ) (٤) وإذا سلم بقوله « سلام عليكم » رد مثله ولا يقول « وعليكم السلام » لأنه عكس القرآن ، ولقول الصادق عليه‌السلام يقول « سلام عليكم ولا تقل « وعليكم السلام » (٥).

ولو سلم عليه بغير هذا اللفظ ، فإن سمى تحية ، جاز رد مثله ، لعموم ( فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها ) (٦) وإن لم يسم تحية وتضمن الدعاء ، جاز مع قصده لا قصد رد التحية. ولو قال « عليكم السلام » ففي الرد بمثله إشكال.

ولو خاف تقية رد فيما بينه وبين نفسه ، تحصيلا لثواب الرد ودفعا لضرر التقية ، ولقول الصادق عليه‌السلام : رد عليه خفيا (٧).

__________________

(١) سورة النساء : ٨٦.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٢٦٦ ح ٦.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٢٦٥ ح ١.

(٤) سورة النور : ٦١.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٢٦٥ ح ٣.

(٦) سورة النساء : ٨٦.

(٧) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٣٦٥ ح ٣.

٥١٨

ويجوز تسمية العاطس ، بأن يقول للمصلي « رحمك الله » لتضمنه الدعاء ، وأن يحمد الله تعالى لو عطس هو أو غيره ، لأن أبا بصير سأل الصادق عليه‌السلام أسمع العطسة فأحمد الله وأصلي على النبي عليه وآله السلام وأنا في الصلاة؟ قال : نعم ، ولو كان بينك وبين صاحبك البحر (١).

ولا يجوز الدعاء بالمحرم في الصلاة فيبطلها ، أما الدعاء بالمباح فجائز. ولو جهل تحريم المطلوب ، أو تحريم الدعاء ، لم يعذر. ولو قصد الدعاء بشي‌ء ، أو التسبيح ، أو قراءة آية ، أو سورة ، فسبق لسانه إلى دعاء بشي‌ء آخر ، أو التسبيح أو القراءة كذلك ناسيا ، فالأقرب أن عليه سجود السهو.

البحث الثالث

( الضحك )

القهقهة في الصلاة عمدا مبطلة لها ، سواء غلب عليه الضحك أو لا ، لقوله عليه‌السلام : من قهقه فليعد صلاته (٢). وقول الباقر عليه‌السلام : القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة (٣).

ولا يبطل بها الوضوء وإن وقعت في الصلاة على الأصح ، لحديث الباقر عليه‌السلام. ولو قهقه ناسيا ، لم تبطل صلاته إجماعا ولو تبسم ، وهو ما إذا لم يكن له صوت ، لم تبطل صلاته إجماعا.

وأما البكاء : فإن كان خوفا من الله تعالى وخشية من عقابه ، كان مستحبا غير مبطل ، وإن نطق فيه بحرفين ، كالصوت لا كالكلام. وإن كان لأمور الدنيا ، كفقد قريب ، أو حدوث مصيبة ، أو إتلاف مال ، بطلت صلاته وإن لم ينطق بحرفين ، لقوله تعالى ( إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا ) (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٢٦٨ ح ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٢٥٣ ما يدل على ذلك.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٢٥٣ ح ١ ب ٧.

(٤) سورة مريم : ٥٨.

٥١٩

وقال أبو مطرف : أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل (١). والأزيز غليان صدره وحركته بالبكاء.

وسأل أبو حنيفة الصادق عليه‌السلام عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال عليه‌السلام : إن كان لذكر جنة أو نار فذلك أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة (٢).

وسواء كان معلوما أو لم يكن. ولو ظهر فيه حرفان ، لم يكن فيه بأس ، لأن الشمس كسفت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما كان في السجدة الأخيرة جعل ينفخ في الأرض ويبكي (٣). ولأنه لا يسمى كلاما. أما النفخ بحرفين ، أو التأوه ، أو الأنين كذلك ، فإنه مبطل ، لقول علي عليه‌السلام : من أن في صلاته فقد تكلم (٤).

البحث الرابع

( في الفعل الكثير )

الفعل الكثير إن كان من الصلاة لم يبطلها ، بل هو مستحب ، كزيادة التسبيح والطمأنينة ذاكرا فيها.

وإن لم يكن من أفعال الصلاة ، فإن كان من جنسها وفعله ساهيا ، عذر ولم تبطل صلاته ، كما لو صلى الظهر خمسا ، ثم يجب (٥) عليه السجود للسهو. وإن كان عمدا بطلت صلاته ، سواء قل أو كثر كركوع أو سجود ونحوهما ، لما فيه من التلاعب بالصلاة والإعراض عن نظام أركانها.

وإن لم يكن من جنسها ، فإن كان قليلا لم تبطل به الصلاة ، عمدا كان‌

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٢٩١.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٢٥١ ح ٤.

(٣) جامع الأصول ٧ ـ ١١٩.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٢٧٥.

(٥) في « ق » لم يجب.

٥٢٠