نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

الثاني : الإسلام فلا يصح أذان الكافر ، لأنه ليس من أهل العبادة ، ولأنه لا يعتقد مضمون الكلمات ، ولا الصلاة التي هي دعاء إليها ، ففعله ضرب من الاستهزاء ، ثم من الكفار من يستمر كفره مع الإتيان بالأذان ، وهم العيسوية فرقة من اليهود ، يقولون محمد رسول الله إلى العرب خاصة ، فلا ينافي لفظ الأذان مقالتهم. ومنهم سائر الكفار.

ولا يحكم بإسلامهم بكلمتي الشهادتين في الأذان ، لأنه قد يأتي به على سبيل الحكاية. ويحتمل الحكم ، فعلى هذا لا يستمر كفر هؤلاء مع الإتيان بالأذان ، لكن يعتد بأذانهم ، لوقوع أوله في الكفر. والمرتد كالكافر.

الثالث : الذكور ، فليس للمرأة ولا الخنثى المشكل الأذان للرجال الأجانب ، ولهما أن يؤذنا للنساء دون الخناثى ، لأن صوت المرأة عورة ، ولقول الصادق عليه‌السلام : لا يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف (١).

ولا يشترط الحرية ، بل يعتد بأذان العبد إجماعا ، لدلالة الألفاظ على عموم الأمر ، ويشترط إذن مولاه ، لأن له منعه من العبادات المندوبة ، إلا أن لا يمنع شيئا من حقوق السيد ، فالأقرب عدم الاشتراط حينئذ. والمدبر وأم الولد والمكاتب كالقن.

وأما الصفات المستحبة فأمور :

الأول : البلوغ لأنه أكمل وأعرف وإسلامه حقيقي ، وليس شرطا إجماعا ، بل يجوز من المميز ويعتد به ، لاجتماع الشرائط فيه ، ولقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم (٢). أما غير المميز فلا عبرة بأذانه لعدم رشده ، فأشبه المجنون.

الثاني : العدالة إجماعا ، لقوله عليه‌السلام : يؤذن لكم خياركم (٣). ولأنه مخبر عن الوقت ، فيشترط في قبول إخباره العدالة ، وليست شرطا ، فيعتد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٥٥.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٦١ ح ٣.

(٣) سنن أبي داود ١ ـ ١٩٥ الرقم ٤٩٩ وتيسير الوصول ١ ـ ٢١٠ ووسائل الشيعة ٤ ـ ٦٤٠ ح ٣.

٤٢١

بأذان الفاسق ، لأنه ذكر بالغ فاعتد بأذانه كالعدل. ويقبل أذان مستور الحال ، لأنه أرفع حالا من الفاسق.

ولا يصح أذان الملحن ، للنهي عنه فلا يجزي عن المشروع ، وكان له عليه‌السلام مؤذن يطرب فقال عليه‌السلام : إن الأذان سهل سمح ، فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن (١).

الثالث : أن يكون مبصرا ، فإن الأعمى لا يعرف الوقت ، وليس شرطا. فلو أذن الأعمى اعتد بأذانه ، فإن ابن أم مكتوم كان يؤذن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد بلال (٢). لكن ينبغي ألا يؤذن إلا بعد أذان غيره من العارفين العدول ، أو بعد أن يعرف دخول الوقت إما بإخبار عدل ، أو بعلامة له ، أو بغير ذلك.

الرابع : أن يكون بصيرا بالأوقات ، لأنه وضع للإعلام بدخولها ، فإذا جهل حالها لم يؤمن الغلط بالتقدم تارة وبالتأخر أخرى.

الخامس : أن يكون صيتا ليعم النفع به ، ولقوله عليه‌السلام لعبد الله بن زيد : ألقه على بلال فإنه أندى منك (٣). أي أرفع. وينبغي أن يكون حسن الصوت ، لأنه أوقع في النفس وأقرب إلى السماع.

السادس : أن يكون متطهرا ، لقوله عليه‌السلام : حق وسنة ألا يؤذن واحدا إلا وهو طاهر (٤). ولأنه من سنن الصلاة فاستحب فيه الطهارة كالتوجه ، ولأنه يدعو إلى الصلاة فينبغي أن يكون هو بصفة يمكنه أن يصلي ، وإلا لكان واعظا غير متعظ.

وليس واجبا للأصل ولدلالة لفظ السنة عليه ، ولقول الصادق عليه‌السلام : لا بأس أن تؤذن وأنت على غير طهر ، ولا تقيم إلا وأنت على‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٥٣ ح ٣ ما يدل على ذلك.

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ٢٠٠.

(٣) جامع الأصول ٦ ـ ١٩٠.

(٤) جامع الأصول ٦ ـ ٢٠١ ما يشبه ذلك.

٤٢٢

وضوء (١). فلو أذن وهو محدث أو جنب ، احتسب به ، لحصول مقصوده وكونه أهلا ، والجنابة أشد كراهية من الحدث ، لأنها أغلط الحدثين ، ولاحتياجه في تمكنه من الصلاة فوق ما يحتاج إليه المحدث.

والإقامة مع أي الحدثين اتفقت أشد كراهية من الأذان مع ذلك الحدث ، لأن الصلاة تتعقبها وتكون بعد حضور القوم ، فإن انتظروه ليتطهر ويعود شق عليهم ، وإن لم يعد اتهم بالكسل في الصلاة.

فإن أذن الجنب في المسجد وهو عابر سبيل جاز. ولو كان مقيما فالأقرب عدم الاعتداد به للنهي عنه ، فلا يجامع الاستحباب.

ولو أحدث في أثناء الأذان تطهر وبنى. ولو أحدث في خلال الإقامة استحب له استينافها ، كالصلاة للقرب منها.

السابع : أن يكون مستقبل القبلة بالأذان إجماعا ، لأن مؤذني الرسول عليه‌السلام كانوا يستقبلون القبلة ، فإن أذن غير مستقبل جاز لحصول الغرض. والاستقبال في الإقامة أشد ، وأوجبه المرتضى رحمه‌الله وهو ممنوع ، لأصالة البراءة.

ويكره الالتفات به يمينا وشمالا في جميع فصوله ، سواء كان في المأذنة أو على الأرض ، لما فيه من فوات الاستقبال ، ولأنه ذكر شرع قبل الصلاة ، فلا يستحب فيه إلا الالتفات كالخطبة.

الثامن : وضع إصبعيه حالة الأذان في أذنيه ، لقول الصادق عليه‌السلام : السنة أن تضع إصبعيك في أذنيك في الأذان (٢).

التاسع : أن يكون قائما إجماعا لقوله عليه‌السلام يا بلال قم فناد بالصلاة (٣) وقول الباقر عليه‌السلام : لا يؤذن جالسا إلا راكب أو مريض (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٢٧ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٤١ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٤٠ ح ٧.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٣٦ ح ١١.

٤٢٣

ولأنه أبلغ لصوته. وليس واجبا للأصل ، ولقول محمد بن مسلم قلت : يؤذن الرجل وهو قاعد؟ قال : نعم (١). والقيام في الإقامة أشد ، لقول الكاظم عليه‌السلام ولا يقيم إلا وهو قائم (٢).

العاشر : أن يكون على مرتفع إجماعا ، لأنه أبلغ لصوته وقول الصادق عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بلال اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان ، فإن الله تعالى قد وكل بالأذان ريحا ترفعه إلى السماء ، فإن الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالوا : هذه أصوات أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتوحيد الله عز وجل ويستغفرون لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يفرغوا من تلك الصلاة (٣).

قال الشيخ : ويكره الأذان في الصومعة. (٤).

ويجوز أن يؤذن راكبا وماشيا ، وتركه أفضل خصوصا الإقامة. فإن أذن كذلك استحب أن يستقبل حال التشهد ، لقول أحدهما عليهما‌السلام حين سئل عن الرجل يؤذن وهو يمشي وعلى ظهر دابته وعلى غير طهور؟ نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس (٥).

ويجوز أن يقيم وهو ماش إلى الصلاة ، كما يجوز أن يتقدم خطوة في الصلاة ، وسئل الصادق عليه‌السلام أقيم وأنا ماش؟ فقال : نعم ماش إلى الصلاة (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٣٥ ح ٥.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٣٥ ح ٥.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٦٤٠ ح ٧.

(٤) المبسوط : ١ ـ ٩٦.

(٥) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٦٣٥ ح ٧.

(٦) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٦٣٥ ح ٩.

٤٢٤

المطلب الخامس

( في اللواحق )

وهي :

الأول : لا يختص الأذان بقبيل ولا بنسل من كان من مؤذني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل يستحب لجامع الصفات ، لإطلاق الأخبار الدالة على الحث عليه ، فلا يتقيد إلا بدليل.

ولو تشاح اثنان في الأذان ، قدم الجامع للصفات على فاقد بعضها ، وجامع الأكثر على جامع الأقل ، فيقدم الأعلى (١) صوتا ، أو الأبلغ في معرفة الوقت والأشد محافظة عليه ، ومن يرتضيه الجيران ، والأعف عن النظر. فإن تساووا أقرع.

ويجوز أن يؤذن جماعة في وقت واحد كل واحد في زاوية ، ولا ينحصر في أربعة للعموم. ولو أذن واحد بعد آخر كره ، لما فيه من تأخير الصلاة عن وقتها ، نعم لو احتيج إليه لانتظار الإمام ، أو كثرة المأمومين جاز.

ويكره التراسل بأن يبني أحدهما على أذان الآخر. ولا ينبغي أن يسبق الراتب ، بل يؤذن بعده.

الثاني : يجوز أن يؤذن واحد ويقيم آخر غيره ، لأن بلالا أذن وأقام عبد الله بن زيد ، روي أن الصادق عليه‌السلام ، كان يقيم بعد أذان غيره ، ويؤذن ويقيم غيره (٢).

ويجوز أن يفارق موضع أذانه ثم يقيم ، لاستحباب الأذان في المواضع المرتفعة ، والإقامة في موضع الصلاة. ولا يقيم حتى يأذن له الإمام ، لأن عليا عليه‌السلام قال : المؤذن أملك بالأذان ، والإمام أملك بالإقامة (٣).

__________________

(١) في « س » الأبلغ.

(١) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٦٦٠ ح ١.

(٢) سنن الترمذي ١ ـ ٣٩٢.

٤٢٥

الثالث : لا يجوز الأذان قبل دخول وقت الصلاة في غير الصبح إجماعا ، لأنه وضع للإعلام بدخول الوقت فلا يقع قبله. ويجوز في الصبح تقديمه رخصة ، لكن يعاد بعد طلوعه ، لقوله عليه‌السلام : أن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. (١). وقول الصادق عليه‌السلام : إن ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة (٢).

وأما السنة فإنها تتأدى من طلوع الفجر ، ولأن فيه تنبيها للنائمين ، ومنعا للصائمين عن التناول ، واحتياطهم (٣) في الوقت ، فبالأول يعلم به قرب الوقت ، وبالثاني دخوله.

ولا ينبغي تقديمه بزمان طويل ، لئلا يفوت المقصود فيه وهو الاستعداد للصلاة. ولا يشترط أن يكون معه مؤذن آخر ، بل لو كان واحدا استحب له إعادة أذانه. ولو أراد الاقتصار على المرة أذن بعد الفجر.

ولو نذر الأذان المستحب لم يبرأ بالمتقدم على الفجر ، بل بالمتأخر على إشكال.

ويستحب الأذان في أول وقت ليعلم الناس دخوله ، فيتبادروا إلى الصلاة في أول الوقت ، ولو أخر وأذن جاز.

الرابع : قد بينا أن الأذان والإقامة مستحبان ، فلو تركهما عمدا وصلى استمر على حاله ، ولا يعيد صلاته ، لقوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (٤) ولو كان سهوا تداركهما ما لم يركع ، ويستقبل صلاته استحبابا لا وجوبا. لأنه قد يرغب إلى إحراز (٥) فضيلة الأذان ، ولا يحصل بدونه ، والنسيان عذر ، فجاز أن يستدركه قبل الركوع. ومع الركوع يحصل أكثر أركان الصلاة ، فلا تبطل بعده.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٦٢٥ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٦٢٦ ح ٧.

(٣) في « ق » واحتفاظهم.

(٤) سورة محمد « ص » ٣٣.

(٥) في « ق » إدراك.

٤٢٦

ولقول الصادق عليه‌السلام : إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن وتقيم ، ثم ذكرت قبل أن تركع ، فانصرف فأذن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت ركعت فأتم صلاتك (١) وللشيخ قول بالضد.

الخامس : يستحب للمؤذن التطوع بالأذان ، لقوله عليه‌السلام : من أذن سبع سنين محتسبا كتب له براءة من النار (٢). فإن لم يتطوع وطمع في شي‌ء ، جاز أن يأخذ المؤذن من بيت المال من مال المصالح لأنه منها ، فقد يحتاج المسلمون إليه. ويجوز أن يعطيه الإمام من خاصته ، وكذا آحاد الرعايا. ولا يجوز أن يعطيه من الصدقات ، ولا من الأخماس ، لأن المستحق لها قوم معينون.

وإذا وجد المتطوع الأمين لم يرزق (٣) أحدا ، ولو وجد المتطوع الفاسق جاز أن يرزق الأمين الذي لا يتطوع ، ولو وجد أمينا متطوعا وهناك آخر أحسن صوتا منه ، ففي جواز رزقه احتمال.

ولو تعددت المساجد في البلد ولم يمكن جمع الناس في واحد ، رزق عددا من المؤذنين يحصل بهم الكفاية ويتأدى الشعار. ولو أمكن احتمل الاقتصار على رزق مؤذن واحد نظرا لبيت المال ، ورزق الكل لئلا يتعطل المساجد. ولو قصر بيت المال بدأ بالأهم ، وهو رزق مؤذن الجامع. وأذان صلاة الجمعة أهم من غيره ، وإذا رزق الإمام أو بعض الرعية من خاصته ، فلا حجر في رزق كم شاء ومتى شاء.

ويحرم أخذ الأجرة على الأذان ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعثمان بن أبي العاص : اتخذ مؤذنا لا يأخذ على الأذان أجرا (٤). وعن علي عليه‌السلام قال : آخر ما فارقت حبيبي أن قال : يا علي إذا صليت فصل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٦٥٧ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٦١٥ ح ٩ و ٣.

(٣) في « ق » يؤذن.

(٤) جامع الأصول ٦ ـ ٢٠١.

٤٢٧

صلاة أضعف من خلقك ، ولا تتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا (١). ولأنه عمل يعود نفعه إلى الأجير.

ولا يصح الاستيجار عليه ، كالاستيجار على القضاء. وكرهه المرتضى للأصل ، ولأنه عمل معلوم يجوز أخذ الرزق عليه ، فيجوز أخذ الأجرة عليه ككتبة المصاحف ، وحينئذ لا يختص الجواز بالإمام ، بل يجوز لكل واحد ، بخلاف الرزق ، لأنه من المصالح العامة ، والإمام هو القائم بها.

وإذا استأجره افتقر إلى بيان المدة ، ولا يكفي أن يقول : استأجرتك لتؤذن في هذا المسجد في أوقات الصلاة في كل شهر بكذا. ولا تدخل الإقامة في الاستيجار للأذان.

ولا يجوز الاستيجار على الإقامة ، إذ لا كلفة فيها ، بخلاف الأذان فإن فيه كلفة لمراعاة الوقت.

السادس : الأفضل أن يتولي الإقامة المؤذن ، لأنه عليه‌السلام أمر زياد بن الحارث الصيداوي في صلاة الفجر فأراد بلال أن يقيم فقال عليه‌السلام : إن أخاك قد أذن ومن أذن فهو يقيم (٢) وإذا كثر المؤذنون وأذنوا على الترتيب ، فالأول أولى بالإقامة لهذه الرواية.

هذا إذا لم يكن مؤذن راتب ، أو كان السابق هو المؤذن الراتب ، فأما إذا سبق غير الراتب احتمل استحقاقه ولاية الإقامة لإطلاق الحديث. وعدمه لإساءته بالتقدم. وفي القصة المذكورة كان بلال غائبا وأذن زياد بإذنه عليه‌السلام. وإذا قلنا ولاية الإقامة للمؤذن السابق ، فليس على سبيل الاستحقاق ، بل لو أذن غيره اعتد به.

ولو أذنوا دفعة فإن اتفقوا على إقامة واحدة وإلا أقرع.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٦٦٦ ح ١ ب ٣٨.

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ١٩٩ ، سنن أبي داود ١ ـ ١٤٦.

٤٢٨

والأقرب أنه يجوز أن يقيم اثنان وأكثر مع حصول الكفاية بواحد ، إلا أن يؤدي إلى التشويش.

السابع : وقت الأذان منوط بنظر المؤذن ، لا يحتاج فيه إلى مراجعة الإمام. ووقت الإقامة منوط بنظر الإمام ، يقيم المؤذن عند إشارته ، لقوله عليه‌السلام : المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة (١). ولأن الإقامة سنتها أن تتعقبها الصلاة على الاتصال ، والصلاة إلى الإمام ، فينبغي أن يكون عازما على الشروع عند تمامها.

الثامن : يستحب الحكاية لسامع الأذان إجماعا ، لقوله عليه‌السلام : إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن (٢). وقول الباقر عليه‌السلام : ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عز وجل وقل كما يقول (٣) المؤذن.

قال الصدوق : روي أن من سمع الأذان فقال كما يقول المؤذن زيد في رزقه (٤).

ولو كان يقرأ القرآن قطعه وحكاه للعموم ، ولأن القراءة لا تفوت والقول مع المؤذن يفوت.

ولو كان مصليا فرضا أو نفلا لم يحك الأذان واشتغل بصلاته ، لأنها أهم ، ولو حكاه جاز ، إلا أنه لا يقول « حي على الصلاة » ولا « حي على الفلاح » ولا « حي على خير العمل » لأنه دعاء وليس بتحميد ولا تكبير ، بل هو كلام يدعى به إلى الصلاة ، فإن قال بدلا من ذلك « لا حول ولا قوة إلا بالله » لم تبطل صلاته.

وإنما تستحب حكاية الأذان المستحب ، فأذان العصر يوم عرفة أو الجمعة‌

__________________

(١) سنن الترمذي ١ ـ ٣٩٢.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٢١ ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٧١ ح ٢.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ ـ ١٨٩ ح ٤٢.

٤٢٩

لا تستحب حكايته. والأقرب استحباب حكاية الأذان الأول في الصبح قبله وإن استحب إعادته بعده.

وكذا لا تستحب حكاية الأذان الثاني في يوم الجمعة ، لأن الأمر بالحكاية ينصرف إلى المشروع. وكذا أذان المرأة.

ويستحب حكاية أذان من أخذ عليه أجرة وإن حرمت ، دون أذان المجنون والكافر ، لعدم العبرة به.

التاسع : يستحب لمن سمع المؤذن يقول « أشهد أن لا إله إلا الله » أن يقول : « وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ، وبالأئمة الطاهرين أئمة » ويصلي على النبي وآله عليهم‌السلام ، ويقول : « اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة أعط محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته ، وارزقني شفاعته يوم القيامة ».

وقال الصادق عليه‌السلام : من قال حين يسمع أذان الصبح : اللهم إني أسألك بإقبال نهارك وإدبار ليلك وحضور صلواتك وأصوات دعائك أن تتوب علي ، إنك أنت التواب الرحيم. وقال مثل ذلك حين يسمع أذان المغرب ، ثم مات من يومه أو ليلته مات تائبا (١).

العاشر : لو نقص المؤذن استحب له إتمام ما نقصه ، تحصيلا لكمال السنة ، ولقول الصادق عليه‌السلام : إذا نقص المؤذن الأذان وأنت تريد أن تصلي ، بأذانه ، فأتم ما نقص هو من أذانه (٢).

الحادي عشر : ليس من السنة أن يلتفت الإمام بعد الفراغ من الإقامة يمينا وشمالا ، ولا يقول : استووا يرحمكم الله لعدم دليله.

الثاني عشر : لو أحدث في الصلاة أعادها دون الإقامة ، إذ الطهارة ليست شرطا فيها ، فلا توجب إعادتها فقدانها. أما لو تكلم أعاد الإقامة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٦٦٩ ح ١ ب ٤٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٦٥٩ ح ١.

٤٣٠

والصلاة ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا تتكلم إذا أقيمت الصلاة ، فإنك إذ تكلمت أعدت الإقامة (١).

الثالث عشر : لو صلى خلف من لا يقتدى به ، أذن لنفسه وأقام ، ولو خاف فوت الصلاة معه ، أو خشي أن يركع الإمام ، اقتصر على تكبيرتين وقد قامت ، لأن ذلك أهم فصول الإقامة ، وللرواية (٢).

قال الشيخ رحمه‌الله : وقد روي أنه يقول ما تركه من قول « حي على خير العمل » (٣).

الرابع عشر : إذا قال المؤذن « قد قامت الصلاة » قام المصلون ، لأنه وقت المبالغة في الاستدعاء إلى القيام ، كما في إيجاب البيع.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٦٢٩ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٦٣ ح ١.

(٣) النهاية ص ٦٦.

٤٣١
٤٣٢

المقصد الثاني

( في أفعال الصلاة )

وفيه فصول‌

٤٣٣
٤٣٤

الفصل الأول

( في الأفعال الواجبة )

وفيه مطالب :

المطلب الأول

( في مقدمة ذلك )

العلم بأفعال الصلاة واجب ، لتوقف الواجب المطلق وهو الإتيان بها عليه ، وكما يجب العلم بها كذا يجب العلم بوجهها من وجوب أو ندب ، إذ الامتثال إنما يحصل لو وقع الفعل على الوجه المأمور به شرعا ، وللقصود والدواعي تأثير في الوجوه التي تقع الأفعال عليها. والعلم بذلك كله إنما يريد به الاعتقاد الشامل للعلم القطعي والظني ، لأنه كاف في باب الأوامر السمعية ، لكن يشترط استناده إلى دليل أو تقليد من له أهلية التقليد.

ويجب إيقاع الأفعال على الوجوه المطلوبة شرعا ، فيوقع الواجب لوجوبه والندب لندبه ، فلو لم يعلم الواجب من الندب وأوقع الجميع على وجه الوجوب ، أو الندب ، أو لم يوقعه على وجهه ، لم تصح صلاته.

ولو أوقع المندوب على وجه الوجوب ، فإن كان ذكرا بطلت صلاته ، لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فليس من الصلاة ، وإن كان فعلا كثيرا فكذلك ، وإلا فلا.

٤٣٥

واعلم أن الأفعال الواجبة في الصلاة سبعة : الأول القيام. الثاني النية.

الثالث تكبيرة الإحرام. الرابع القراءة. الخامس الركوع. السادس السجود. السابع التشهد.

والأركان منها خمسة : القيام ، والنية ، وتكبيرة الافتتاح ، والركوع ، ومجموع السجدتين من ركعة ، وأسقط بعضهم الأول ، وألحق آخرون القراءة.

وكل واحد من هذه يشتمل على أفعال ، وهيئات ، كل منهما واجب ومندوب ، وسيأتي بيان ذلك كله مفصلا إن شاء الله تعالى.

المطلب الثاني

( في القيام )

ومباحثه خمسة :

البحث الأول

( في ماهيته )

القيام ركن في الصلاة الواجبة ، تبطل الفريضة بالإخلال به عمدا وسهوا ، لقوله تعالى ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (١) أي مطيعين ، وقوله عليه‌السلام لرافع بن خديج : « صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب » (٢) وقول الصادق عليه‌السلام في المريض : يصلي قائما فإن لم يقدر على ذلك صلى جالسا (٣). ولأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه حالتي العمد والسهو ، فيبقى في العهدة.

ويعتبر في حد القيام أمران :

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٦٩٢ ح ١٥.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٦٩١ ح ١٣.

٤٣٦

الأول : الإقلال ، ونعني به أن يكون غير مستند إلى شي‌ء ، ولا متكئا على جدار أو غيره ، فلو اتكأ في قيامه من غير حاجة أو ضرورة ، بطلت صلاته وإن كان منتصبا. والأقرب اشتراط السقوط لولاه. ولو اتكأ اتكاء يسلب القيام ويصير بحيث لو رفع قدميه عن الأرض ( لأمكنه ) (١) كان معلقا نفسه بشي‌ء ، لم يكن قائما.

ولو لم يقدر على الإقلال انتصب متكئا ، فإن الانتصاب مقدور فلا يسقط بما يعجز عنه. والأقرب وجوب ذلك حال القراءة ، فيجوز له الاتكاء حالة القنوت.

الثاني : الانتصاب ، يعتبر فيه نصب الفقار ، فليس للقادر عليه أن يميل يمينا وشمالا زائلا عن سنن القيام ، ولا أن يقف منحنيا في حد الراكعين ، ولا يخل به إطراق الرأس. ولو انحنى ولم يبلغ حد الراكعين ، فالأقرب عدم الجواز ، لعدم صدق اسم القيام.

ويستحب أن يستقبل بأصابع رجليه القبلة ، لعموم استحباب الاستقبال.

البحث الثاني

( في العاجز )

القادر على القيام لا يجوز له في الفرائض القعود ، سواء عجز عن الركوع والسجود لعلة بظهره يمنعه من الانحناء أو لا ، لعموم « صل قائما » (٢) ولأن العجز عن ركن لا يقتضي سقوط غيره. ثم يومي بهما فينحني صلبه بقدر الإمكان ، فإن عجز حتى رقبته ورأسه ، فإن احتاج فيه إلى الاعتماد على شي‌ء ، أو إلى الميل إلى جنب ، وجب ، فإن لم يطق الانحناء أومأ بهما.

ولا يجب القيام في النوافل ، بل يجوز من جلوس مع التمكن.

__________________

(١) الزيادة من « ر » و « س ».

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ٢١٤.

٤٣٧

وإذا عجز في الفرائض عن الانتصاب ، بأن (١) تقوس ظهره لكبر (٢) أو غيره وصار على هيئة الراكع ، وجب عليه القيام ولم يجز له القعود. فإذا أراد أن يركع قيل : يجب أن يزيد في الانحناء مع القدرة ، ليفرق بين الركوع والقيام. ويحتمل عدم الوجوب ، لأن الواجب في الركوع ما هو عليه ، وقد سقط القيام لعجزه ، فلا يجب عليه زيادة تكليف في الركوع.

ولا نعني بالعجز عن القيام عدم القدرة والثاني (٣) لا غير ، بل الشامل له ، ولخوف الهلاك ، وزيادة المرض ، ولخوف المشقة الشديدة ، وخوف الغرق ، ودوران الرأس في راكب السفينة ، وخوف رؤية العدو لو قام. ولا تجب الإعادة.

ولو قدر على القيام بعض الصلاة ، وجب بقدر مكنته ، لاستلزام وجوب الجميع وجوب الأجزاء.

وإذا قعد المعذور لم يتعين للقعود هيئة ، بل يجزيه جميع هيئات القعود ، لإطلاق الخبر. لكن يكره الإقعاء في هذا القعود وفي جميع قعدات الصلاة ، لأنه عليه‌السلام نهى أن يقعي الرجل في صلاته وقال : لا تقعوا إقعاء الكلب (٤). وهو أن يفرش رجليه ويضع أليته على عقبيه.

لكن يستحب له أن يتربع حال القراءة ، فإذا ركع ثنى رجليه ، فإذا تشهد تورك ، لقول أحدهما عليهما‌السلام : كان أبي عليه‌السلام إذا صلى جالسا تربع ، فإذا ركع ثنى رجليه (٥).

والقادر على القيام لا يجوز له أن يأتم بقاعد ، ولا يسقط القيام مع القدرة عليه بجهل القراءة والذكر ، بل يجب عليه القيام. ولو افتقر إلى القيام إلى‌

__________________

(١) في « ق » و « س » بل.

(٢) في « ر » لكسر.

(٣) كذا في « ق » و « س » وفي « ر » الباقي.

(٤) نهاية ابن الأثير ٤ ـ ٨٩ ما يشبه ذلك ، وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٥٧.

(٥) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٧٠٣ ح ٤.

٤٣٨

معاون وجب ، فإن لم يجد المتبرع استأجر وجوبا مع المكنة ، وإن زاد عن أجرة المثل ، فإن عجز صلى جالسا.

ولو صلى الكمين في وهده جلوسا ، صحت صلاتهم مع تسويغ القتال ، لأن لهم غرضا ، وهو التوصل إلى قهر العدو. ولو تمكن من القيام منفردا وعجز عن الجماعة لتطويل الإمام ، وجب الانفراد.

البحث الثالث

( في مراتب العجز )

وهي ثلاث :

الأول : العجز عن القيام ، فيصلي قاعدا. فإن تمكن من القيام في البعض وجب على ما تقدم.

ولو عجز عن القيام في شي‌ء من الأفعال وقدر على الارتفاع عند الركوع إلى حد الراكعين عن قيام ، وجب. لأن الركوع حينئذ مقدور عليه ، فلا يسقط بالعجز عن غيره.

ولو قدر على ذلك حال القراءة أو بعضها وجب.

ولو قدر على ذلك زمانا لا يسعه للقراءة والركوع ، فالأولى تقديم حال القراءة ، فيقوم إلى حد الراكعين.

فإذا عجز جلس ويركع عن جلوس ، لأنه حال القراءة غير عاجز عما يجب عليه ، فإذا انتهى الحال إلى الركوع صار عاجزا. ولو عجز عن الارتفاع ، صلى جالسا وركع كذلك وسجد.

ويجب في حال الركوع الانحناء ، حتى يصير بالإضافة إلى القاعد المنتصب كالراكع قائما بالإضافة إلى القائم المنتصب ، فيعرف النسبة بين حال الانتصاب وبين الركوع قائما وبقدر كان المائل من شخصه عند القعود هو قدر قامته ، فينحني بمثل تلك النسبة.

٤٣٩

ويحتمل أن ينحني إلى حد يكون النسبة بينه وبين السجود ، كالنسبة بينهما في القيام ، بمعنى إن أكمل الركوع عند القيام أن ينحني بحيث يستوي ظهره ورقبته ويمدهما ، وحينئذ يحاذي جبهته موضع سجوده.

وأقله أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه ، وحينئذ يقابل وجهه أو بعضه ما وراء ركبتيه في الأرض ، ويبقى بين الموضع المقابل وموضع السجود مسافة ، فيراعى هذه النسبة في حال القعود.

فأقل ركوع القاعد أن ينحني قدر ما يحاذي وجهه ما وراء ركبتيه من الأرض ، والأكمل أن ينحني بحيث يحاذي جبهته موضع سجوده ، وهما متقاربان.

وأما السجود فلا فرق بينه وبين القادر على القيام. ولو عجز عنهما أتى بالقدر الممكن من الانحناء.

ولو قدر على الركوع وعجز عن وضع الجبهة للسجود على الأرض ، وجب أن ينحني له أخفض منه للركوع.

ولو كان يقدر على الانحناء إلى حد أقل الركوع أعني ركوع القاعدين ، ولا يقدر على الزيادة عليه ، فلا يجوز أن يقسم المقدور عليه من الانحناء إلى الركوع والسجود ، بأن يصرف بعضه إلى الركوع وتمامه إلى السجود ، بل يأتي بالمقدور عليه مرة للركوع وأخرى للسجود وإن استويا.

ولو قدر على أكمل ركوع الراكعين من غير زيادة ، فله أن يأتي به مرتين ، ولا يلزمه الاقتصار للركوع على حد الأقل ، حتى يظهر التفاوت بينه وبين السجود ، لبعد المنع من الإتيان بإتمام الركوع حالة الركوع.

ولو قدر على أكمل الركوع وزيادة ، وجب الفرق بأن يجعل انحناء السجود أقصى ما يقدر عليه ، حتى لو أمكنه أن يسجد على صدعه أو عظم رأسه الذي فوق الجبهة ، وعلم أنه إذا فعل ذلك كانت جبهته أقرب إلى الأرض ، لزمه.

الثاني : أن يعجز عن القعود ، فيصلي مضطجعا على أحد جانبيه ، والأفضل الأيمن مستقبلا بوجهه ومقدم بدنه القبلة ، كما يضجع الميت في‌

٤٤٠