نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

البحث الثاني

( في الماهية )

وتتعين الفاتحة في فرائض الصلوات حالة القيام ، أو ما يقع بدلا عنه. ولا يقوم مقامها شي‌ء من القرآن ، لقوله عليه‌السلام : لا صلاة لمن لم يقرأ في صلاته بفاتحة الكتاب (١). وسأله محمد بن مسلم عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته؟ فقال : لا صلاة له إلا أن يقرأها في جهر أو إخفات (٢).

ولأن القراءة جزء من الصلاة ، فكانت متعينة كالركوع والسجود.

وتجب سورة أخرى بعد الفاتحة في الأوليين من كل فريضة ، لأنه عليه‌السلام كان يقرأ في الظهر في الأولتين بأم الكتاب وسورتين ، وفي الأخيرتين بأم الكتاب (٣). وقال عليه‌السلام : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ومعها غيرها (٤). وأوجب الباقر عليه‌السلام الإعادة لو ترك السورة بعد الحمد (٥).

وقيل : لا تجب السورة بعد الحمد للخبر (٦) ، وهو محمول على حال الضرورة والاستعجال ، لقول الصادق عليه‌السلام : يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها (٧). وسئل الصادق عليه‌السلام : أيجزي عني أن أقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا أو أعجلني شي‌ء؟ فقال : لا بأس (٨).

وكذا يجوز الاقتصار على بعض سورة بعد الحمد عند الضرورة أو الاستعجال ، لأنه أولى من ترك الجميع.

__________________

(١) صحيح مسلم ١ ـ ٢٩٥ باب وجوب قراءة الفاتحة ، جامع الأصول ٦ ـ ٢٢٣.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٣٢.

(٣) جامع الأصول ٦ ـ ٢٢٩.

(٤) جامع الأصول ٦ ـ ٢٢٥.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٤٦ ح ٦.

(٦) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٣٥.

(٧) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٣٤ ح ٥.

(٨) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٣٤ ح ٤.

٤٦١

والبسملة آية من الفاتحة ، لأنه عليه‌السلام قرأ فاتحة الكتاب فقرأ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) وعدها آية منها (١). وقال عليه‌السلام : إذا قرأتم فاتحة الكتاب فاقرءوا ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فإنها أم القرآن والسبع المثاني ، وأن ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) آية منها (٢). وسأل معاوية بن عمار الصادق عليه‌السلام إذا قمت إلى الصلاة أقرأ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في فاتحة القرآن؟ قال : نعم ، قلت : إذا قرأت فاتحة القرآن اقرأ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) مع السورة؟ قال : نعم (٣).

وقد أثبتها الصحابة في أوائل السور بخط المصحف ، مع تشددهم في كتبه ما ليس من القرآن فيه ، ومنعهم من النقط والتغير ، ولا يكفر جاحدها للشبهة. وكذا باقي سور القرآن ، فإن البسملة آية منها عند علمائنا أجمع إلا « براءة » وفي سورة « النمل » آية وبعض آية.

البحث الثالث

( في الكيفية )

ويجب في القراءة أمور :

الأول : أن يقرأ بالعربية بصورة المنزل ، ولا يجزي الترجمة بالعربية وغيرها ، لأنها ليست قرآنا ، فيلزم إخلاء الصلاة عن القراءة الواجبة ، فلا يكون إتيانا لمأمور به على وجهه.

الثاني : الترتيب بين آيات الفاتحة وبين آيات السورة أيضا فتجب رعايته ، لأن الإتيان بالنظم المعجز مقصود ، فإن النظم والترتيب هو مناط لإبلاغه (٤) والإعجاز ، فلو قدم مؤخرا أو أخر مقدما عامدا ، بطلت قراءته‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٤٧ ح ١٠.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٤٧ ح ١٠.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٤٦ ح ٥.

(٤) في « ر » البلاغة.

٤٦٢

وعليه الاستيناف ، لإخلاله بالجزء الصوري. وإن كان ساهيا عاد إلى الموضع الذي أخل منه بالترتيب فقرأ منه.

الثالث : الترتيب بين الحمد والسورة ، فيقرأ الحمد أولا ثم السورة ، فلو عكس عامدا بطلت صلاته ، لأنه فعل المنهي عنه في العبادة. وإن كان ناسيا استأنف القراءة.

الرابع : الإتيان بالجزء الصوري ، لأن الإعجاز فيه ، فلو قرأ مقطعا كأسماء العدد لم يجز.

الخامس : الموالاة بين الكلمات. فلو أخل بها عامدا ، فإن طالت مدة السكوت بطلت قراءته ، لأنه عليه‌السلام كان يوالي في قراءته وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي (١). وكذا لو قرأ في أثنائها ما ليس منها عمدا. ولو كان سهوا أتمها من حيث انتهى.

وإن قصرت مدة السكوت ، لم يؤثر ، وكذا لو كان السكوت الطويل سهوا ، أو لاشتباه الآيات حتى يتذكر ، أو قرأ من غيرها سهوا.

ولو نوى قطع القراءة وسكت قصيرا ، فالأقرب وجوب استيناف القراءة ، لاقتران الفصل بنية القطع.

ولو سكت لا بنية القطع ، أو نواه ولم يسكت صحت ، لأن الاعتبار بالمجموع لا بنية المنفردة ، بخلاف ما لو نوى قطع الصلاة ، فإنها تبطل وإن لم يقطع ، لاحتياج الصلاة إلى نية ، فتبطل بتركها ، بخلاف القراءة ، ولأن النية ركن في الصلاة تجب إدامتها حكما ، ولا يمكن إدامتها حكما مع نية القطع ، وقراءة الفاتحة لا تحتاج إلى نية ، فلا تؤثر فيها نية القطع.

ولو سبح أو هلل في أثنائها ، أو قرأ آية أخرى ، بطلت الموالاة مع الكثرة. ولو كرر آية من الفاتحة لم تبطل قراءته.

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب الأذان ، باب أذان المسافر إذا كانوا جماعة.

٤٦٣

وكذا لا تبطل الموالاة بسؤال الرحمة عند آيتها ، والتعوذ من النقمة عند آيتها ، ولا بفتح المأموم على الإمام ، ولا بالحمد على العطسة ، للأمر بذلك كله. فالاشتغال بها عند عروض أسبابها لا يجعله قادحا فيها. قال حذيفة : صليت خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات ليلة ، فقرأ سورة البقرة فكان إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ (١).

ولو أخل بالموالاة سهوا ، لم تبطل قراءته وبنى ، بخلاف ما لو نسي القراءة ، فإنه يأتي بها في محلها ، لأن الموالاة هيئة في الكلمات تابعة لها ، فإذا ترك القراءة فقد ترك التابع والمتبوع. وإذا ترك الموالاة ، فقد ترك التابع دون المتبوع ، فكأن النسيان عذر هنا بخلاف ذلك. إذ لا يلزم من جعل النسيان عذرا في أضعف المعتبرين ، جعله عذرا في أقواهما.

السادس : يجب الإتيان بكل حرف ، لأن الفاتحة عبارة عن الكلمات المنظومة المركبة من الحروف المسموعة ، فقوله عليه‌السلام « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » (٢) يقتضي إيقاف الصلاة على جملتها ، والموقوف على المجموع يعدم عند عدم بعضه ، لتقدم الجزء على الكل في الوجود. فإذا أخل بحرف واحد عمدا ، بطلت صلاته.

والتشديد حرف ، فلو خفف مشددا فقد أخل بحرف ، لأن المشدد حرفان متماثلان أو لهما ساكن ، فإذا خفف أسقط أحدهما. وفي الحمد أربعة عشر تشديدا. ولا تستحب المبالغة في التشديد بحيث يزيد على قدر حرف ساكن ، لأنه في كل موضع أقيم مقام حرف ساكن.

السابع : يجب إخراج الحروف من مواضعها مع القدرة ، فلو أبدل حرفا بحرف فقد ترك الواجب. وإبدال الضاد بالظاء من هذا الباب كغيرهما من الحروف. فإن فعل ذلك عمدا ، بطلت صلاته. والجاهل غير معذور ، أما من لا يمكنه التعلم والناسي ، فإنهما معذوران.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٥٣ ما يشبه ذلك.

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ٢٢٣.

٤٦٤

الثامن : الإعراب شرط في القراءة على الأقوى ، فلو لحن عمدا أعاد ، سواء كان عالما أو جاهلا ، وسواء غير المعنى مثل أن يكسر كاف « إياك » أو يضم تاء « أنعمت » أو لا ، مثل أن ينصب « الله » أو يرفعه ، وسواء كان خفيفا (١) أو لا ، لأنه ليس بقرآن ، ولقوله عليه‌السلام « صلوا » وقد أعرب.

التاسع : يجب أن يقرأ بالمتواتر من القراءة وهي السبعة ، ولا يجوز أن يقرأ بالشاذ ولا بالعشرة.

وأن يقرأ بالمتواتر من الآيات ، فلا يقرأ بمصحف ابن مسعود ، اتصلت به الرواية أو لا ، لأن الآحاد ليس بقرآن.

والمعوذتان من القرآن يجوز أن يقرأ بهما ، ولا اعتبار بإنكار ابن مسعود ، للشبهة الداخلة عليه بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعوذ بهما الحسن والحسين عليهما‌السلام ، إذ لا منافاة ، فإن القرآن صالح للتعوذ به لشرفه وبركته ، وصلى الصادق عليه‌السلام المغرب فقرأهما فيها ، وقال : اقرأ المعوذتين في المكتوبة (٢).

العاشر : يجب ترك التأمين آخر الحمد ، فلو قال « آمين » عقيبها بطلت صلاته عند علمائنا أجمع ، سواء كان منفردا أو إماما أو مأموما ، لقوله عليه‌السلام : إن هذه الصلاة لا تصلح فيها شي‌ء من كلام الآدميين (٣). والتأمين من كلامهم. وقال عليه‌السلام : إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن (٤). و « إنما » للحصر.

ولأن جماعة من الصحابة نقلوا صفة صلاته عليه‌السلام ، منهم أبو حميد الساعدي قال : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالوا : أعرض علينا ، ثم وصف إلى أن قال : ثم يقرأ ثم يكبر (٥). ولنهي الصادق‌

__________________

(١) في « ر » خفيا.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٨٦ ح ٣.

(٣) جامع الأصول ٦ ـ ٣٢٢.

(٤) جامع الأصول ٦ ـ ٣٢٢.

(٥) جامع الأصول ٦ ـ ٢٠٩.

٤٦٥

عليه‌السلام عن قولها (١). فلو كانت من الصلاة لم يجز النهي. والكلام غير السائغ مبطل إجماعا ، ولأن معناه « اللهم استجب » ولو نطق به أبطل صلاته ، لعدم سبق الدعاء ، وكذا ما قام مقامه ، ولا يستدعي سبق دعاء.

ولا يتحقق إلا مع قصده ، ولأن التأمين إنما يجوز مع قصد الدعاء. وليس ذلك شرطا إجماعا ، أما عندنا فللمنع مطلقا ، وأما عندهم فللاستحباب مطلقا.

وهي مبطلة سواء وقعت بعد الحمد أو بعد السورة ، أو في أثنائها ، للنهي عن قولها مطلقا ، وكذا لو دعا وقالها عقيبه ، لأنها ليست بدعاء ، وإنما هي اسم له ، والاسم مغاير للمسمى ، ولا يلزم من تسويغ شي‌ء تسويغ ما غايره إذا لم يكن ملازما. ويجوز قولها حالة التقية.

البحث الرابع

( في ما يمنع من قراءته )

لا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئا من العزائم الأربع عند علمائنا أجمع ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا تقرأ في المكتوبة بشي‌ء من العزائم (٢). فإن السجود زيادة في المكتوبة ، ولأن سجود التلاوة واجب ، وزيادة السجود في الصلاة مبطلة ، وهما متنافيان. فإن قرأ عزيمة في فريضة عمدا ، بطلت صلاته ، ويجي‌ء على قول الشيخ جواز إسقاط آية السجود.

وإن كان سهوا رجع عنها ما لم يتجاوز النصف وجوبا ، فإن تجاوزه احتمل الرجوع والإتمام ، ويومي بالسجود أو يقضيه بعد الفراغ ، لأن عمار سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم؟ فقال : إذا بلغ موضع السجود فلا يقرأها ، وإن أحب أن يرجع فيقرأ غيرها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٥٢ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٧٩ ح ١.

٤٦٦

ويدع التي فيها السجدة رجع إلى غيرها (١). ولو استمع في الفريضة أو سمع وأوجبناه به ، أومأ أو سجد بعد الفراغ.

ويجوز أن يقرأ العزيمة في النافلة ، فيجب السجود ، ثم يقوم فيتم القراءة. ولو كانت السجدة في آخر السورة ، استحب له بعد القيام قراءة الحمد ، ليركع عن قراءة للرواية (٢).

وقال الشيخ : يقرأ الحمد وسورة أو آية معها.

وحكم الاستماع حكم القراءة ، ولا بأس به في النافلة ، والأقرب تحريمه في الفريضة كالقراءة.

ولو نسي السجدة حتى ركع ، سجدها إذا ذكر ، لأن محمد بن مسلم سأل أحدهما عليهما‌السلام عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد؟ قال : يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم (٣).

ولو كان مع إمام ولم يسجد إمامه ولم يتمكن من السجود أومأ ، لقول الصادق عليه‌السلام : إن صليت مع قوم فقرأ الإمام ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) أو شيئا من العزائم ، وفرغ من قراءته ولم يسجد فأوم إيماء (٤).

ولا يجوز أن يقرأ في الفريضة ما يفوت الوقت بقراءته ، لاستلزامه الإخلال بالواجب.

ولو ضاق الوقت عن ركعة بأخف سورة ، وتمكن من إدراكها بالفاتحة خاصة ، احتمل وجوب القضاء ، وفعلها أداء بالحمد خاصة ، لتسويغ الاقتصار عليها حالة الاستعجال. أما لو ضاق عن كمال الفاتحة وجب القضاء.

ولا يقرن بين سورتين في ركعة من الفريضة ، لأن محمد بن مسلم سأل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٧٩ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٧٧ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٧٨ ح ١ ب ٣٩.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٧٨ ح ١ ب ٣٨.

٤٦٧

أحدهما عليهما‌السلام أيقرأ الرجل السورتين في ركعة قال : لا ، لكل سورة ركعة (١). ولأنه عليه‌السلام هكذا صلى. وهل هو حرام أو مكروه؟ خلاف. ولو كرر السورة الواحدة فهو قارن على إشكال ، وكذا لو كرر الحمد ، ولا يجوز تكريرها عن السورة ، ولأن الفاتحة في الركعة واجبة على التعيين ، والشي‌ء الواحد لا يؤدي به المعين والمخير.

ويجوز أن يكرر السورة الواحدة في الركعتين. وأن يقرأ فيهما بسورتين متساويين أو مختلفين. والضحى وأ لم نشرح سورة واحدة عند علمائنا ، وكذا الفيل ولإيلاف ، فلا يجوز له أن يقرأ أحدهما منفردة عن الأخرى في الفريضة. لأن الصادق عليه‌السلام صلى الفجر فقرأ الضحى وأ لم نشرح في ركعة واحدة (٢). وقد بينا أنه حرام أو مكروه ، فلا يقع من الإمام عليه‌السلام إلا وهو واجب. وتعاد البسملة بينهما على الأصح ، لثبوتها في المصحف.

ويجوز أن يقرن في النوافل بين سورتين وأكثر ، بل يستحب.

البحث الخامس

( في المحل )

القراءة واجبة في كل صلاة صادرة من مكلف مفترض ، إمام أو منفرد عارف أو متمكن. وشرط في الصلاة عند علمائنا أجمع ، لقوله عليه‌السلام : لا صلاة إلا بقراءة (٣).

وليست ركنا على الأصح ، لعموم « رفع القلم عن أمتي الخطأ والنسيان » (٤) والجهل ليس عذرا.

وإنما تجب في الفرائض حالة القيام في كل ركعة مرة قبل الركوع. ويجب‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٤١ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٤٣ ح ١ ب ١٠.

(٣) جامع الأصول ٦ ـ ٢٢٥.

(٤) الخصال ص ٣٧٧ ط النجف الأشرف.

٤٦٨

الحمد والسورة الكاملة في كل ثنائية ، وفي الأولتين من غيرهما. ولا يقرأ في الثالثة والرابعة من الثلاثية والرباعية زيادة على الحمد ، لأن عليا عليه‌السلام كتب إلى شريح أن اقرأ في الركعتين الأولتين بأم القرآن وسورة ، وفي الأخيرتين بأم القرآن (١).

ويجب عين الفاتحة في الأولتين ، فلا يجزي غيرها من قراءة أو تسبيح. ولا يجب في الأخيرتين من الرباعية والثالثة من الثلاثية عينا ، بل مخير فيهما بينها وبين التسبيح ، لا بينها وبين غيرها من القرآن عند علمائنا ، لأن عليا عليه‌السلام قال : اقرأ في الأولتين ، وسبح في الأخيرتين (٢). ولأنها لو وجبت في باقي الركعات لسن الجهر بها في بعض الصلوات كالأوليين.

وروي أن التسبيح في الأخيرتين أفضل من القراءة (٣). وروي العكس (٤). وروي التساوي (٥). وروي أفضلية التسبيح للمأموم والقراءة للإمام (٦).

وهل يسقط التخيير لو نسي القراءة في الأولتين؟ قيل : نعم ، لئلا تخلو الصلاة عن الفاتحة. وقيل : لا للعموم. ولا تتبع القراءة في الجهر والإخفات.

واختلف في كيفيته ، والأقوى إجزاء مرة واحدة « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » ولأن زرارة سأل الباقر عليه‌السلام ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : أن يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ويكبر ويركع (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٩٤ ما يدل على ذلك.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٩٢ ح ٥.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٩٢ ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٩٤ ح ١٠.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٩٤ ح ١١.

(٦) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٩٤ ح ١٢.

(٧) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٨٢ ح ٥.

٤٦٩

وقيل : يجب تكرار هذا ثلاث مرات. وقيل : تجب الثلاث ويسقط التكبير إلا في الثالثة. وقيل : وفي الثالثة أيضا ، والأقرب وجوب هذا الترتيب.

وتسقط القراءة عن المأموم في الجهرية وجوبا واستحبابا ، لأنه عليه‌السلام انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال : هل قرأ معي أحد منكم؟ فقال رجل : نعم يا رسول الله. فقال : ما لي أنازع بالقرآن فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه بالقراءة (١).

وهل تحرم القراءة أو تكره؟ الأقرب الأول ، لقول علي عليه‌السلام : من قرأ خلف إمام يقتدى به مات على غير الفطرة (٢). ولو خفي عنه قراءة الإمام حتى الهمهمة جاز له أن يقرأ ، لمساواتها الإخفاتية حينئذ. وفي الأصم إشكال. أما صلاة الإخفات فوجهان : كراهة القراءة ، واستحباب الفاتحة للروايات (٣).

ولو جهر الإمام في صلاة السر أو بالعكس ، فالاعتبار بالهيئة المشروعة في الصلاة لا بفعل الإمام.

والموضع الذي ليس للمأموم القراءة ليس له التعوذ فيه ، وفي غيره إشكال. وإذا سوغنا القراءة للمأموم لا يجهر بحيث يغلب جاره ، بل يقرأ بحيث يسمع نفسه.

البحث السادس

( في الجهر والإخفات )

وفيه مقامان :

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٤١٥.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٢٢ ح ٤.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٢٢ ح ٥.

٤٧٠

المقام الأول

( الماهية )

وهما كيفيتان متضادتان واجبتان في الصلاة على الأصح ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفعلهما ، وقال « صلوا كما رأيتموني أصلي » (١).

وقال الباقر عليه‌السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه ، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : إن فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي‌ء عليه وقد تمت صلاته (٢).

ولأن الواقعة بيانا لا بد وأن تكون على إحدى الهيئتين وأيهما كانت وجبت ، لكن العكس ليست بواجب ولا مستحب إجماعا ، بل مكروه أو محرم ، فتعين الآخر ، فيجب اتباعه فيه.

والواجب في الجهر أن يسمع نفسه تحقيقا أو تقديرا ، فلو همهم بالقراءة من غير أن يسمع نفسه لو كان سميعا خاليا عن العارض. أو تخيل الحروف من غير نطق ، بطلت صلاته. لأنه لا يسمى حينئذ قارئا.

ولو أخل بالجهر أو الإخفات في موضعه عامدا عالما ، أعاد الصلاة ، لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في العهدة. وإن كان ناسيا أو جاهلا ، فلا شي‌ء عليه وصحت صلاته ، لرواية الباقر عليه‌السلام (٣).

المقام الثاني

( في محلهما )

إنما يجبان في القراءة في الصلاة خاصة دون غيرها من الأذكار. فالجهر‌

__________________

(١) صحيح البخاري كتاب الأذان باب الأذان للمسافر ص ١٢٤.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٦٦ ح ١ ب ٢٦.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٦٦ ح ٢.

٤٧١

يجب في صلاة الصبح ، وأولتي المغرب ، وأولتي العشاء. والإخفات يجب في الظهرين ، وثالثة المغرب ، والأخيرتين من العشاء ، اتباعا لفعله عليه‌السلام.

والتسمية تابعة للقراءة في وجوب الجهر لا الإخفات ، بل يستحب الجهر بها في مواضع الإخفات ، في أول الحمد وأول السورة ، لأنها بعض السورة فيتبعها في وجوب الجهر. وأما استحبابه في الإخفات فلأن أم سلمة قالت : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى فقرأ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) (١) وهو إخبار عن السماع ، ولا معنى للجهر إلا إسماع الغير.

قال صفوان : صليت خلف الصادق عليه‌السلام أياما وكان يقرأ في فاتحة الكتاب ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) وأخفى ما سوى ذلك (٢).

وإنما يجب الجهر على الذكر ، فلا يجب على الأنثى وإن خلت بنفسها إجماعا ، لأن صوتها عورة ، ولا تخافت دون إسماع نفسها. وما لا يتعين فيه القراءة ، لا يسقط استحباب الجهر بالبسملة فيه على الأقوى.

واعلم : أن كل صلاة لا تختص بالنهار ولا نظير لها ليلا ، فالسنة فيه الجهر كالصبح. وكل صلاة تختص بالليل ولا نظير لها نهارا فالسنة فيه الجهر كالمغرب. وكل صلاة تفعل نهارا ولها نظير بالليل فما يفعل نهارا فالسنة فيه الإخفات كالظهرين ، وما يفعل ليلا فالسنة الجهر كالعشاء.

وصلاة الجمعة والعيدين سنتهما الجهر ، لأنهما يفعلان نهارا ولا نظير لهما ليلا ، وأصله قوله عليه‌السلام صلاة النهار عجماء وصلاة الليل إجهار (٣).

وكسوف الشمس يستحب فيها الإسرار ، لأنها تفعل نهارا ولها نظير بالليل وهي صلاة خسوف القمر ، ويجهر في الخسوفين.

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٢٢١.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٥٧ ح ١.

(٣) نهاية ابن الأثير ٣ ـ ١٨٧.

٤٧٢

وأما صلاة الاستسقاء فعندنا كصلاة العيد ونوافل النهار يسر فيها ، ونوافل الليل يجهر.

والقضاء كالفوات ، ولا اعتبار بوقت فعلها ، لقوله عليه‌السلام : فليقضها كما فاتته (١). وناسي تعيين الفاتحة يسقط عنه الجهر والإخفات في الرباعية ، للأصل ، ولا فرق بين الإمام والمنفرد.

ويستحب الجهر في صلاة الجمعة وظهرها على الأقوى.

البحث السابع

( في العجز )

إذا لم يقدر الإنسان على القراءة ، وجب عليه اكتساب القدرة عليها ، إما بالتعليم أو بالتوسل إلى مصحف يقرأها منه ، سواء قدر عليه بالشراء أو الاستيجار أو الاستعارة.

ولو كان ليلا أو في ظلمة ، فعليه تحصيل المصباح عند الإمكان. فإن امتنع عن ذلك مع إمكانه ، وجب عليه إعادة كل صلاة صلاها مع المكنة.

ولو تعذر العلم عليه أو تأخر ، لضيق الوقت أو بلادته ، وتعذرت القراءة من المصحف ، لم يجز الترجمة ، بخلاف التكبير حيث يعدل العاجز عن العربية إلى ترجمتها ، لأن نظم القرآن معجز وهو المقصود ، فيراعى ما هو أقرب منه ، والتكبير ليس معجزا ، ومعظم الغرض معناه ، فالترجمة أقرب إليه.

فإن أحسن من القرآن شيئا غير الفاتحة ، وجب عليه أن يقرأ بقدر الفاتحة ، ولا يجوز له العدول إلى الذكر حينئذ ، للمشابهة بين أبعاض القرآن ، ولا يجوز النقص عن سبع آيات وإن كانت أطول ، لمراعاة العدد في قوله تعالى ( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي ) (٢) على إشكال.

__________________

(١) عوالي اللئالي ٣ ـ ١٠٧.

(٢) سورة الحجر : ٨٧.

٤٧٣

والأقرب وجوب مساواة الحروف لحروف الفاتحة أو الزيادة عليها ، لأنها معتبرة في الفاتحة فتعتبر في البدل مع إمكانه كالآيات. ويحتمل العدم ، كما لو فاته صوم يوم طويل يجوز قضاؤه في يوم قصير من غير نظر إلى الساعات. ولا يجب أن يعدل حروف كل آية بآية من الفاتحة ، بل يجوز أن يجعل آيتين مكان آية.

ثم إن أحسن سبع آيات متوالية ، لم يجز العدول إلى المتفرقة ، فإن المتوالية أشبه بالفاتحة. وإن لم يحسنها أتى بها متفرقة ، ولو كانت الآيات المفردة لا تفيد معنى منظوما إذا قرئت وحدها كقوله ( ثُمَّ نَظَرَ ) (١) ، احتمل أن لا يؤمر بقراءة هذه الآيات المتفرقة ، ويجعل بمنزلة من لا يحسن شيئا ، والأقرب الأمر لأنه يحسن الآيات.

ولو كان يحسن ما دون السبع ، احتمل أن يكررها حتى يبلغ قدر الفاتحة ، والأقوى أنه يقرأ ما يحسنه ويأتي بالذكر الباقي. ولو لم يحسن شيئا البتة ، وجب أن يأتي بالذكر ، كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ، ولا يكفيه الوقوف ساكتا ، لقوله عليه‌السلام : إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليتوضأ كما أمر الله ، فإن كان لا يحسن شيئا من القرآن فليحمد الله وليكبره (٢).

ويجب أن يأتي بالذكر بقدر زمان القراءة ، لوجوب الوقوف ذلك الحد والقراءة ، فإذا لم يتمكن من القراءة ، عدل إلى بدلها في مدته.

وهل يجب الترتيب؟ فيقول : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » إشكال ، ينشأ : من إطلاق الأمر المقتضي للتخيير. ومن كون هذا الذكر بدلا عن الفاتحة في الأخيرتين ، لمساواتها إياها في المصالح المطلوبة شرعا ، فلتكن بدلا من الأوليين للعجز. وعلى الأول لا يتعين هذه الأذكار ، ويتعين هذا الذكر في الأخيرتين على جاهل الحمد.

__________________

(١) سورة المدثر : ٢١.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٣٥ ح ١ ما يشبه ذلك.

٤٧٤

وإن عرف غيرها من القرآن فلا يجزيه قراءة غير الفاتحة فيهما ، بل يجب الذكر ، كما لا يجزي الذكر للعارف بشي‌ء من القرآن في الأولتين ، بل يجب القراءة وإن كان بغير الفاتحة.

ولا يجب أن يأتي جاهل القراءة بأكثر من هذا الذكر ، ولا بتكريره ، ويشترط أن لا يقصد بالذكر المأتي به شيئا سوى البدلية في حق الجاهل في الأولتين ، وفي العارف والجاهل في الأخيرتين. ولا يشترط قصد البدلية فيهما ولا غيرهما من الأذكار على إشكال ، والأدعية المحضة ليست كالأثنية (١) على الأقوى ، سواء تعلقت بأمور الآخرة أو الدنيا.

ولو لم يعرف شيئا من القرآن ولا من الأذكار ، وجب عليه التعلم ما دام الوقت متسعا ، فإن ضاق الوقت قبله أو تعذر المرشد ، وجب أن يقوم بقدر الفاتحة ثم يركع ، إذ لا يلزم من سقوط واجب سقوط غيره.

ولو كان يحسن بعض الفاتحة ، فالأقرب قراءته والإتيان بالبدل عوض الباقي ، لأنه عليه‌السلام علم السائل وفيها ( الْحَمْدُ لِلّهِ ) وهي من جملة الفاتحة ، ولم يأمره بتكريرها. ويحتمل تكرر الأول ، لأن البعض أقرب إلى الباقي من غيره ، فهو أولى من غيره بالبدلية ، وصار كما لو أحسن غيرها من القرآن ولا يعدل إلى الذكر.

ولو لم يحسن من القرآن إلا ذلك البعض ، فالأقوى أنه يكرره ، ولا يأتي بالذكر عوض الباقي ، لأن القرآن أشبه بمثله ، ويحتمل البدل. ولو لم يحسن الباقي بدلا من القرآن ولا الذكر ، تعين تكرر ما يحسنه.

ولو أحسن النصف الثاني ، فإن أوجبنا البدل وجب أن يقدمه (٢) إما الذكر أو القراءة ، ثم يأتي بالنصف الثاني رعاية للترتيب ، كما يجب في المبدل. وإن أوجبنا التكرير ، قرأ النصف الثاني مرتين.

__________________

(١) هذه العبارة كذا في النسخ الثلاثة.

(٢) في « ق » يقدم.

٤٧٥

ولو تعلم الفاتحة في أثناء الصلاة بأن لقنه إنسان ، أو أحضر مصحفا وتمكن من القراءة فيه ، فإن كان قبل الشروع في قراءة البدل ، فعليه أن يقرأ الفاتحة. وإن كان بعد قراءة البدل والركوع ، لم يجز الرجوع وقد مضت تلك الركعة. وإن كان بعد القراءة وقبل الركوع ، فالأقوى وجوب قراءة الفاتحة ، لأن محلها باق وقد قدر عليها. ويحتمل عدمه ، لأن البدل قد تم وتأدى الغرض به ، فأشبه ما لو كفر بالبدل ثم قدر على الأصل ، أو صلى بالتيمم ثم قدر على الماء. ولو كان في الأثناء وجب العدول لبقاء محل القراءة.

ولو لم يحسن العربية ، لم يجزيه الترجمة ، بل يعدل إلى الذكر. ولو لم يحسن الذكر بالعربية ، وجب أن يأتي بالترجمة فيه. والأقرب أن ترجمة القرآن أولى من ترجمة الذكر لجاهل العربية فيهما.

وهذا الذكر عوض الفاتحة لا السورة. ولو عرف الفاتحة خاصة ، اكتفى بها ووجب عليه التعلم في المستقبل. ولو عرف بعض السورة ، وجب أن يقرأ بعد الحمد ، ولا يجب عليه ذكر يكون بدلا عن الباقي.

البحث الثامن

( في المسنونات في القراءة )

وهي عشرة : الأول : الترتيل في القراءة ، لقوله تعالى ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) (١) وقال الصادق عليه‌السلام : ينبغي للعبد إذا صلى أن يرتل قراءته (٢). وكذا يستحب في التسبيح والتشهد ، ليلحقه من خلفه ممن يثقل لسانه.

ونعني به بيان الحروف وإظهارها ، ولا يمده بحيث يشبه الغناء. ولو أدرج ولم يرتل وأتى بالحروف بكمالها ، صحت صلاته.

الثاني : تعمد الإعراب ، لأنه كالحرف فاستحب إظهاره.

__________________

(١) سورة المزمل ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٥٣ ح ١.

٤٧٦

الثالث : الوقوف في مواضعه ، تحصيلا للفائدة من الاستماع. ولا يستحب له التطويل كثيرا فيشق على من خلفه ، قال عليه‌السلام : من أم الناس فليخفف (١). ويستحب للمنفرد الإطالة.

ولو عرف الإمام عروض أمر لبعض المأمومين يوجب خروجه ، استحب له التخفيف ، لقوله عليه‌السلام : إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز فيها كراهة أن يشق على أمه (٢).

الرابع : يستحب في القراءة سكتتان (٣) قليلا بعد الحمد وبعد السورة ، لأن الباقر عليه‌السلام : قال : إن رجلين اختلفا في صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كم كان له من سكتة فأتيا أبي بن كعب فقال : كان له سكتتان : إذا فرغ من القرآن وإذا فرغ من السورة (٤).

الخامس : يستحب أن يقرأ في الظهرين والمغرب بقصار المفصل ، كالتوحيد والقدر. وفي العشاء بمتوسطاته كالأعلى والغاشية والطارق. وفي الصبح بمطولاته ، كالمزمل والمدثر للرواية (٥).

السادس : يستحب أن يقرأ في ظهري الجمعة بالجمعة والمنافقين ، سواء الجامع والمنفرد والحاضر والمسافر ، لقول الباقر عليه‌السلام : إن الله أكرم بالجمعة المؤمنين فسنها رسول الله « ص » بشارة لهم ، والمنافقين توبيخا للمنافقين. فلا ينبغي تركهما (٦). وليستا واجبتين في الجمعة على الأصح ، لقول الكاظم عليه‌السلام في الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا؟ فقال : لا بأس (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٤٧٠ ح ٦.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٧٠ ح ٧.

(٣) في « س » أن يسكت.

(٤) جامع الأصول ٦ ـ ٢٤٢ ، وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٨٥.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٨٧ ح ١.

(٦) وسائل الشيعة ٤ ـ ٨١٥ ح ٣.

(٧) وسائل الشيعة ٤ ـ ٨١٧ ح ١.

٤٧٧

السابع : يستحب أن يقرأ في غداة يوم الجمعة الجمعة والتوحيد. وروي المنافقين (١). وفي مغرب ليلة الجمعة وعشائها بالجمعة والأعلى ، وفي رواية التوحيد في المغرب (٢).

الثامن : يستحب أن يقرأ في غداة الاثنين والخميس « هل أتى ».

التاسع : يستحب أن يقرأ الجحد في سبعة مواضع : في أول ركعة من ركعتي الزوال. وأول ركعة من نوافل المغرب. وأول ركعة من صلاة الليل.

وأول ركعة من ركعتي الإحرام. والفجر والغداة إذا أصبح بها. والطواف للرواية (٣). وفي الثانية من هذه المواضع بالتوحيد. وفي أخرى يستحب قراءة التوحيد في الأولى من السبع وفي الثانية الجحد (٤).

العاشر : يستحب أن يقرأ في الركعتين الأولتين من صلاة الليل ثلاثين مرة « قل هو الله أحد » في كل ركعة ، وفي باقي صلاة الليل بالسور الطوال ، كالأنعام والكهف مع السعة ، فإن تضيق الوقت خفف القراءة.

البحث التاسع

( في اللواحق )

يجوز للمصلي بعد قراءة الحمد وقراءة نصف السورة أو أقل ، أن يعدل إلى سورة أخرى لغرض وغيره.

وقد يجب إذا تعذر عليه إتمام ما شرع فيه ، إلا في سورة الإخلاص والجحد ، فلا يجوز العدول عنهما وإن قرأ منهما مهما كان ، إلا إلى الجمعة والمنافقين يوم الجمعة ، لقول الصادق عليه‌السلام : يرجع من كل سورة إلا « قل هو الله أحد » و « قل يا أيها الكافرون » (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٨٨ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٨٩ ح ٤.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٥١ ح ١ ب ١٥.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٧٥١ ح ٢.

(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٨١٤ ح ٣.

٤٧٨

أما مع تجاوز النصف فلا ، لأنه يكون قد قرأ معظم السورة ، ومعظم الشي‌ء يعطي حكمه ، كما لا يجوز القران بين سورتين فكذا بين السورة ومعظم الأخرى ، ولما تقاصرت درجة النصف عن حكم الشي‌ء فلا تفيده ألحقت بالعدم ، فبقى التخيير إلا في الجحد والإخلاص لشرفهما ، حيث اشتملا على التوحيد.

ولو توقفت عليه آية من السورة وتعذر إتمامها ، وجب العدول إلى غيرها ، توصلا إلى تحصيل الواجب وإن تجاوز النصف للضرورة. وإذا رجع من السورة ، وجب أن يعيد البسملة ، لأنها آية من كل سورة ، فالمأتي بها أولا آية منها ، فلا يجزي عن المنتقل إليها. وكذا من سمى بعد الحمد من غير قصد سورة معينة ثم قصد المعينة ، فإنه يجب عليه إعادتها. ولو نسي آية ثم ذكرها بعد الانتقال إلى أخرى ، قرأها وأعادها بعدها وإن أكمل السورة.

ويجوز أن يقرأ من المصحف ، سواء كان عارفا أو غيره ، والأقرب الاكتفاء به عن التعلم للجاهل ، لحصول الامتثال لأمر القراءة. ولو افتقر ذلك إلى فعل كثير ، لم يجز للعارف ، والأقرب أن الجاهل كذلك وينتقل إلى الذكر ، لعدم اجتماع الضدين.

والأخرس يحرك لسانه بالقراءة ، ويعقد بها قلبه ، لأن المجموع مع الإتيان بالحروف نطقا واجب مع القدرة ، فلا يسقط المقدور بسقوط غيره.

وإذا أراد المصلي التقدم خطوة أو خطوتين ، أو التأخر كذلك ، سكت عن القراءة إلى أن ينتهي إلى مطلبه ، لأن المشي ليس حالة القيام ، وهل هو واجب أو مستحب؟ إشكال.

المطلب الخامس

( في الركوع )

وفيه مباحث‌

٤٧٩

البحث الأول

( الماهية )

الركوع لغة : الانحناء. وشرعا : كذلك مختص بالرأس والظهر في الصلوات. وهو واجب في الصلوات إجماعا ، ولقوله تعالى ( وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ ) (١) وعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأعرابي (٢) وهو أيضا ركن فيها بلا خلاف ، تبطل الصلاة بتركه عمدا وسهوا ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى في العهدة ، وقول الصادق عليه‌السلام في الرجل ينسي الركوع حتى يسجد ويقوم قال : يستقبل (٣).

ومحله : في كل ركعة مرة بعد انتهاء القراءة إلا في الكسوف والآيات ، فلو شرع في الركوع قبل إكمال القراءة الواجبة عمدا ، بطلت صلاته ، ولا شي‌ء على الناسي. والجهل عمد.

ويجب الإتيان به قائما ، فلو جلس وركع لم يجزيه ، إلا للعجز. والقائم على هيئة الراكع لكبر أو مرض ، يزيد انحناء يسيرا للفرق ، والإيماء على مراتبه قائم مقامه مع العجز.

الباحث الثاني

( في واجباته )

وهي خمسة :

الأول : يجب فيه الانحناء إلى حد تبلغ راحتاه ركبتيه ، ولا يكفي مطلق الانحناء مع القدرة ، لقوله عليه‌السلام : إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك (٤). وسيأتي عدم وجوب الوضع ، فيبقى (١) الانحناء واجبا ، ولأنه لا‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٤٣.

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ٢٤٣.

(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٣٣ ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٩٤٩.

(٥) في « ق » فبقي.

٤٨٠